إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
وبينما أنت تطوف بالبيت إذ لقيك رجل حليم وقور ذو خلق وسماحة ذو كرم وجود ذو علم وفضل فقال لك: إذا انتهيت من طوافك فألقني عند مقام إبراهيم عليه السلام، فلما انتهيت من طوافك توجهت إلى حيث المقام فإذا به قائم ينتظر فبادرك بالسؤال قائلاً: أتعرف محمد بن عبد الله؟ ونقول صلى الله عليه وسلم فقلت: ابن عبد المطلب؟ قال: نعم، قلت: أعرفه قال: وما تقول فيه؟ قلت: هو الصلاح والبر والكرم والأمانة والصدق، ولا أعلم رجلاً في خلاله وفي صفاته، فبادرك قائلاً: فإن الله عزوجل قد اصطفاه واختاره وأرسله لكي يكون للعالمين نذيراً وأمره أن يبلغ للناس كلامه، فأخذتك الدهشة ثم سألت: وإلى ماذا يدعو؟ قال: يدعو أن يوحد الناس ربهم وأن يعرفوا فضل ونعمة خالقهم وأن يشكروه ويمتثلوا أمره وأن يشهدوا لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة وأنه مرسل من عند الله ولا ينطق عن الهوى وأن يتبعوا أمره ويجتنبوا نهيه ويحذوا حذوه، فمن أطاعه فله رضوان الله والجنة ومن عصى فعليه سخط الله والنارعياذاً بالله، فسألت: وهل معك شيء مما يقول إن الله قد أنزله عليه؟ قال: نعم يقول الله تعالى، وبين إذ سمعت هذه الكلمة ” يقول الله تعالى ” إذ فجأتك، هو سوف يتلو عليك كلاماً يخاطبك به ربك تبارك وتعالى مباشرة لم تسمع قبل في حياتك أحداً يقول هذه الكلمة ” يقول الله تعالى ” ، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا أيضاً عجيب، تفهم مفردات الكلمات لكنك لم تسمع بمثل هذا من قبل، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، نعم نعرف باسمك اللهم لكننا أبداً لم نسمع أحداً يستفتح مقاله فيقول بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى كلمات لم تسمع بها من قبل، ولم تسمع لها مثيلاً، فأخذت هذه الكلمات وانتقلت إلى شعب من شعاب مكة مشدوهاً فيما سمعت، تتفكر فيما قيل لك، هو رجل صالح بر كريم لا ينكر ذلك أحد، ولكن هل يرسل الله تبارك وتعالى إلى البشر رسلاً؟ وإذا أراد الله أن يرسل رسولاً هل يرسل إليهم بشراً؟، ثم تفكرت، أنني أؤمن أن الله تبارك وتعالى قد أرسل إبراهيم عليه السلام وأنه قد أتاه النبوة وأنه قد أمره ببناء هذا البيت الذي كنت أطوف حوله منذ برهة، وسمعت عن أهل الكتاب وعن ذكر موسى وعيسى وغيرهم من النبيين، وسمعت أن الله عزوجل أنزل كتباً, فهل يكون محمد نبياً حقاً؟ وما معنى النبوة والرسالة؟ ثم جعلت تتفكر فيما تذكر مما سمعت، لم تستقر هذه الكلمات التي سمعتها في فؤادك لأنك سمعتها مرة واحدة، لكن بقيت منها كلمات سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى إن هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى هل يمكن لمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن نعرفه أن يتكلم بهذه الكلمات من عند نفسه؟ إنه أمر بعيد، ثم تفكرت ماذا يترتب على هذه الكلمات من آثار في الحياة.
كنت قبل أن ألقى هذا الرجل منذ لحظات أؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قد خلق هذا الكون لكنه خلقه لغير حكمة ولا غاية، وأؤمن أن الله سبحانه وتعالى قد اصطفى من خلقه خلق من الملائكة ومن الصالحين، وأؤمن أن الإنسان العادي من أمثالي لا يمكنه أن يتوجه إلى الله أو أن يدعوا ربه تبارك وتعالى مباشرة وإنما عليه أن يتخذ واسطة بينه وبين ربه من هؤلاء الصالحين أو من هذه الملائكة يتقرب إليهم ويسألهم ويدعوهم لكي يتوجهوا إلى الله لكي يكشف عنه ضراً نزل به أو يسأله رزقاً يريده، ويتقرب إليهم بأشياء من القرب، وإذا أراد العبد أن يعزم على أمر من تجارة أو سفر أو غير ذلك أتى إلى هؤلاء الآلهة طالباً منهم الهداية فيقترع، يأتي بثلاثة أسهم، واحد مكتوب عليه أفعل، والثاني لا تفعل والثالث غفلاً لا يكتب عليه شيء، ثم تضرب القداح بعد أن تقدم قربان صدقة تتصدق بها تقرباً لهؤلاء الشفعاء الذين يشفعون لك عند الله، فإذا أرشدوك إلى الفعل فعلت وإذا أرشدوك إلى الترك تركت، الحياة الدنيا إلى فناء ليست إلى بقاء مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ أخلاقنا التى نتعامل بها وسلوكنا الذي نسلكه إنما يرجع إلى ما لنا من سند وقوة، المجتمع مجتمع طبقي به سادة وعبيد وفيه أشراف ودون ذلك، من استطاع بقوته وبما له من عزة ومنعة أن يصنع شيئاً صنعه، ومن لم يستطع ذلك بقى فيما هو عليه من عسف وظلم، والعلاقات الاجتماعية ليست قائمة إلا على العصبية، أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، وعلاقات الرجال والنساء فيها ما هو صائب وفيها ما هو فاسد وموبق.
ثم إذا برجل يقول لك إن الله تبارك وتعالى قد أرسل إليك رسولاً بكلمات من عند الله يرشدك فيها إلى خلاف ما ترى وما تظن، أولاً أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الخلق لحكمة وغاية عظيمة، وأنه إنما أرادهم للبقاء ولم يريدهم للفناء، وأنه سبحانه وتعالى لم يجعل بينه وبين عباده واسطة وإنما حيثما أراد العبد أن يتوجه إلى ربه فما عليه إلا أن يعلق بصره بالسماء ويعلق قلبه بخالق الأرض والسماوات، وأن الله سبحانه وتعالى من رحمته لا يترك عباده يتخبطون في الدين، وإنما سينزل عليهم كلمات ترشدهم وتنقلهم من الظلمات إلى النور، تبين لهم كل صغير وكبير.
ولكن هل أتبع أمراً ليس عليه أكثر الناس؟ أتبع ديناً يتبعه بضع أحاد أو بضع عشرات من الناس، يخالفون ما عليه أهل الأرض قاطبة ليس فقط أهل مكة أهل الدنيا بأسرها، نعم أهل الدنيا بأسرها ليسوا على مذهب واحد، لكل فصيل وكل قبيل منهم مذهب ودين، ولكن سيرتب هذا غربة ووحشة في المجتمع الذي تعيش فيه، وهؤلاء الكبراء الذين نعظمهم، وهؤلاء الأباء الذين نجلهم لم يكونوا على هذا الدين ولم يكونوا متبعين له، فهل نخالفهم ونسلك مسلكاً غير مسلكهم ونتبع سبيلاً غير سبيلهم؟ قرار غاية في الصعوبة، سيمر بمرحلتين، المرحلة الأولى: تأمل الكلام نفسه، هذا الكلام حق أم باطل؟ صواب أم خطأ؟ هذه الكلمات كلمات إلاهية أم أنها اختلاق بشري؟، حسناً، ما ندعى إليه، ندعى إلى الفطرة وإلى مكارم الأخلاق وإلى محاسن الأعمال أم غير ذلك؟، فإذا انتهيت من هذه المرحلة وتبين لك رشدك وعلمت الحق من الباطل حينئذٍ تفكر تفكيراً آخر، ما المترتبات العملية لهذا الكلام؟ إذا اتبعته كيف يكون شكل الحياة؟ هل ستكون فيها أثقال وأعباء أم سيكون فيها السعة والرحمة والسكينة والطمأنينة؟ هذا المسلك الذي أسلكه هل سيقبله المحيطون بي أم سيرفضوه؟ هل ستكون حياتي أفضل أم أصعب؟ هل سأقدر أن أخرج من أسر العادات التي تعودت عليها؟، أخرج من البيئة الاجتماعية الموجود فيها؟ إذا اضطررت أن أخرج منها فأنا لن أخرج منها برغبتي، ولكن ربما أدفع عنها دفعاً، إذا نبذت ممن حولي، إذا قيل عني أنني الصابئ، إذا نابذني الأقرباء والأبعدون أيضاً، هذه هي المرحلة الثانية، المرحلة الثانية هذه حساب المكاسب والخسائر.
هذان هما المرحلتان اللتان يمر بهما الإنسان، ولذلك نحن ندرك بهذا اتخاذ قرار إنسان بأن ينتقل من الظلمات إلى النور أو أن يدخل في دين الله سبحانه وتعالى إنما كان قراراً صعباً لم يكن قراراً هيناً، وإنما كان من نعم الله العظيمة علينا أننا قد ولدنا في الإسلام، لم نمر بهذه المرحلة الصعبة، لكننا إذا ولدنا في الإسلام ولكي ندرك قيمة الإسلام لابد أن نتخيل هذا، لابد أن نفكّر فيه لأن الدين لا يمكن أن يستمر طالما بقي تقليداً، الإنسان حينما يؤتيه ربنا سبحانه وتعالى رشده ويبلغه أشده، محتاج أن يتفكر في ما ورثه وأخذه تقليداً، فهو يتبناه بناء على ماذا؟ هل هو على يقين أنه يقف على أرض ثابتة وراسخة أم لا؟ وإذا أحبّ أن يعرف ماذا يفعل؟ فإذا وجده حسناً ولكن وجد أن اتّباعه سيكلفه، ماذا سيختار؟ هل سيكمل أم سيتراجع؟ وإذا أكمل لماذا سيكمل؟ وإذا تراجع هل سيكون صحيح أم لا؟ ما الفرق بين الناس الذين أسلموا في بداية الإسلام والناس الذين أسلموا بعد الحديبية والناس الذين أسلموا بعد فتح مكة؟ لم يكن اليقين، كان الجانب الآخر.
الناس الذين أسلموا في البداية نظروا إلى أول جملة فقط، إذا كان هذا حق من عند الله سبحانه وتعالى فهو حقيق أن يتّبع، حسناً، هل نحسب أم لا؟ إذا كنت أنا أوقّع مع الله وأعلم ما معنى الله، فمن المفترض أنني لن أحسب، لماذا؟ لماذا؟ لأنك توقّع مع الكريم والرحيم، البر سبحانه وتعالى، ولذلك حسن ظن الإنسان بالله هو الأثر المباشر لمعرفة الإنسان بالله، الجملة الفطرية التي سمعناها كثيراً، أم إسماعيل عليه السلام وهي تجري وراء زوجها وهو معطي لها ظهره ولا يقول لها أي شيء، قالت: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟، إمرأة وحيدة، صبي، طفل رضيع، وقربة ماء، وجراب تمر، هم في الصحراء – لم توجد مكة بعد – هم في الصحراء وهو سيتركهم – لن يذهب للبرج مثلاً – سيتركهم ويذهب إلى فلسطين، لن يصل نهر الأردن إلا وقد ماتوا، ويستدير ويمشي، فهي تجري وراءه وتسأله وتكرر السؤال، وهو لا يرد، ماذا سيقول؟ قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيّعنا، ما الذي فرق؟ هي كانت قلقة وتجري خلفه، أنت ماذا تفعل؟ وإلى أين ستذهب؟ كيف ستتركنا هنا؟ ثم سألت سؤال، مجرد سؤال، حسناً.. هل قال لك الله أن تفعل هذا؟ قال لها: نعم، هل واقعياً ومادياً هل يوجد شيء تغيّر؟، هي قربة الماء وهو جراب التمر، فلم يتغير إلا شيء واحد فقط، الثقة بربنا، هو كالقانون، قالت ” إذن لن يضيّعنا ” وذهب واستدار وراء الجبل بحيث أنهم لا يرونه، وبعد ذلك قال: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ لماذا أتى بهم إلى هنا؟ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ هذا أمر يستحق أن يأتي بهم إلى هنا رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
فهؤلاء هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين أدركوا أن هذا الحق حق، وبما أنه حق من عند الله لا يصلح أن أقلق منه، ولا يصلح أن يوجه ربنا سبحانه وتعالى توجيهاً أو يرشد إرشاداً أو يهدي هداية إلا وهي خير الأولى والآخرة، خير الدنيا وخير الآخرة، خير المعاد وخير المعاش، ولا يصلح شيء آخر، لا يصلح شيء آخر.
حسناً، الناس الذين لم يصلوا إلى هذه المرحلة، أو لم يكن ظنها بربنا سبحانه وتعالى أو معرفتها بالله تبلغ هذا المبلغ؟ تلبثت وانتظرت، ترى الأمور كيف ستسير، الدين دلائله تزداد، آيات الرسول صلى الله عليه وسلم تتكاثر، القرآن المعجز يتتابع ويتوالى، تأييد ربنا سبحانه وتعالى لنبيه يظهر ويعلو أمره، حينئذٍ يجتمع للدين الرؤية والحساب، هو حق ويمكن أن تنتقل إليه، حسناً، لكن هذا سيكون مثل الأول؟ ربنا سبحانه وتعالى سيعامل هذا مثلما يعامل الأولين؟ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وهذه من رحمة ربنا، باب الأوبة إلى الله مفتوح طوال الوقت، طالما الإنسان مازال به بقية من حياة، طوال الوقت، وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى, حسناً هَلْ يَسْتَوِي كم هو الفرق؟ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه, لَا يَسْتَوِي هذه كم هي المساحة بتفسيرها النبوي؟ كم هي مساحة التباين؟ جبل، جبل من الذهب ونصف مدّ، أي ملء الكف، هذا عند ربنا سبحانه وتعالى من هذا الشخص الذي سبق أعظم منزلةً وثواباً وقبولاً من هذا الجبل العظيم من هذا الذي تخلّف وتلبّث وتأخّر.
ويوجد أناس ثالثة، فالناس الذين أسلموا بعد الحديبية ذهبت إلى الإسلام، ذهبت متأخرة لكنها ذهبت إلى الإسلام، أما الناس الذين أسلموا في فتح مكة الإسلام هو الذي قدم إليهم، هم لم يتحركوا، هو وصل إليهم بالدلائل الظاهرة، بالتأييد الإلهي العظيم، بالقوة والسلطان الذي لا يمكنهم دنيوياً أن يواجهوه فكان إسلاماً، هذا غير هذا غير هذا، هذه منزلة وهذه منزلة وهذه منزلة.
ما الفكرة التي نريد أن نتكلم فيها؟ توجد نقطتان، أنني لابد أن أحوّل إسلامي ” الروتيني ” إلى إسلام يقين وثقة، وهذا لن يأتي بدون تدبّر وتفكّر، لابد أن تخرج إلى الشعِب وتجلس هناك قليلاً.
توجد إجازة في العيد، نحن دائماً نقضيها بشكل معين، ممل لكنه هكذا، مراسم معيّنة، نحن لدينا إجازة، نحن نتمنى إجازة، توجد إجازة، إجازة طويلة، لو اقتطعنا من هذه الإجازة الطويلة وقت قليل أجلس مع نفسي، فلابد أن أجلس قليلاً مع نفسي، النبي صلى الله عليه وسلم ربنا منّ عليه بالرسالة بالأساس لأنه كان يجلس مع نفسه ويبذل وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً لكي يجلس مع نفسه، لكي يتفكّر في عظمة ربنا ويبحث عن الله، نحن قلنا قبل ذلك كثيراً أن الرسالة جاءت في الغار لم تأت في مكان آخر، بعد ثلاث سنوات من المكث في هذا المكان، مكان موحش، شخص يجلس في ثقب في جبل بمفرده، هذا شيء مخيف أصلاً، فلماذا يفعل ذلك؟ لأن ما يبحث عنه يستحق أن يفعل له ذلك، ولذلك اصطفاء ربنا سبحانه وتعالى ليس عشوائياً اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ هو لماذا اختار هذا؟ لأنه تعب كثيراً جداً لأنه يتمنى أن يمنّ ربنا عليه ويرشده، الدنيا، هو غير مقتنع بأن ما يحدث هذا صحيح، أو أن الحياة هكذا، أو أن السلوك الذي نسلكه أن ممارسات الحياة هذه صحيحة، أو أن مجتمع مكة هذا مجتمع رشيد، هو لا يرى ذلك، لكن في النهاية لا يوجد من يرشده ويهديه، لا يوجد أمامه شيء يبحث عنه إلا أنه كان يحسن الظن بالله، على رجاء أن ربنا لن يضيعه، عندما يجلس يتفكّر ويتدبّر في عظمة ربنا ويدعو ربنا فربنا سيرشده، لم يكن يوجد على وجه الأرض شخص هو يرى أنه من الممكن أن يقدم له شيئاً، ولكنه كان يثق في ربنا، بالفطرة قبل الرسالة كان واثقاً بربنا، وزوجته بالفطرة قبل الرسالة كانت تعرف ربنا، قال: لقد خشيت على نفسي، أول ما نزل عليه الوحي، أن يكون مُسّ، أو جُنّ، قالت: كلا والله، كلا والله لا يخزيك الله أبداً، لماذا؟ إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، تقول له لا لا لا هذا ليس أمراً سيئاً لابد أن يكون قد أعطى ربنا لك خيراً، لا يوجد رسالة لا يوجد رسالة، لا يوجد شيء قد قيل بعد، لا يوجد شيء، هو نزل توّاً ولم يقل لها ماذا حدث، فشيء قد حدث ولم يقل الكلمات، فهو يقول لها أنني قلق، فقالت له: لا لا، فلا هذه بناءً على ماذا؟ قبل أن ينزل الوحي، بناءً على ماذا؟، هو كان في الغار بناءً على ماذا؟ وهي تقول له لا ربنا لن يضيعك بناءً على ماذا؟، لا يصلح أن تكون إنسان تُحسن، لا يصلح أن تكون إنساناً خيراً، لا يصلح أن تكون إنساناً محباً للناس ومحب للخير، وقائم بالإحسان، وربك سبحانه وتعالى سيضيّعك، لا، تحلف ” كلا والله لا يخزيك الله أبداً ” نفي مطلق، لن يحدث، لأن بك هذه الخلال، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، الضعيف، وتكسب المعدوم، الفقير، وتقري الضيف، ثم ذكرت معنىً عاماً، وتعين على نوائب الحق، أي شيء خير هو يجري فيه، أي شيء خير، فهذا لا يصلح أن ربنا سبحانه وتعالى يضيعه.
النقطة الثانية أو الفكرة الثانية والأخيرة، عظمة نعمة الإيمان، هذا الإيمان ماذا يمثّل؟ الآن أنا إذا ذهبت إلى الشعِب ثم قررت أنني أشهد شهادة الحق، سأرجع إلى الشخص الذي كان يقابلني وأقول له أنني أريد أن أذهب عند النبي صلى الله عليه وسلم لكي أشهد الشهادة، ماذا معي؟ معي الثقة في هذا الشخص، والثقة فيما يقول، والثقة في الرب الذي أرسله، وليس معي كلمات إلا كلمات سورة الأعلى التي سمعتها، ولكنني سأجلس أنتظر كلمات ربنا التي تتنزل، ولذلك من رحمة ربنا أن القرآن نزل منجّم متتابع، نزل على مساحة زمنية طويلة جداً، لماذا؟ لأن كل آية ستنزل ستمثّل نور وهداية وإرشاد لشخص يجلس ينتظره، قلبه معلّق بها، يشعر أنه محتاج إليها، ولذلك حينما يستقبلها لن يعرض عنها، لأنه يعرف قيمتها وينتظرها، ربنا سبحانه وتعالى يقول كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاس نحن أين كنا؟ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بدون هداية ربنا الدنيا مظلمة، ما معنى الدنيا مظلمة؟ أي أنني لا أرى شيئاً، لا أرى شبراً أمامي، لا أعلم أين الخير من الشر، أين النفع من الضر، أين سأطأ بقدمي؟، سأسير أتخبط في الناس أو سأدوس على أي شيء، لأني لا أرى.. لا أرى، فالسكة التي سأسير فيها بهذا التخبط آخرها سباع تأكلني؟، هل بها خير في الأمام؟ هل يوجد ماء بالطريق؟ هل يوجد شوك في الطريق؟ فأنا لا أعرف شيئاً، أنا لا أعرف شيئاً، وفجأة جاء شخص أنار الطريق جعلك ترى أين الطريق الصحيح وأين الطريق الخطأ وكيف تسير فيها وبالتفصيل، فهذ النور إذا أطفئ أين نعيش؟.
حسناً، يوجد أناس تحب أن تفعل هذا؟ نعم، يوجد أناس لا يستطيعون أن يعيشوا إلا في الظلمة، لكن من رحمة ربنا أن ربنا لا يأذن لهذا أن يحدث يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ لن يتركه فقط وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ بالكلام، سيطفئ الشمس بالهواء، إذا كانت شمعة فنعم، لكن الشمس؟ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ هذه رحمة ربنا، لكي يظل دائماً من يريد الهداية يستطيع أن يصل إليها مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا هناك أناس أخذوا منها الشعلة وذهبت، وأناس أعرضوا، فالناس حينما يأخذون الشعل الشخصية وتذهب، أين أجلس أنا؟ نعم كنت أجلس معهم أستضيء بنورهم وأستدفئ بحرارة هذه النار، فإذا ذهب الناس وتحركوا، وكل شخص يسلك طريقه إلى الله ثم بقيت أنا، فأنا سأرجع مرة أخرى للظلام وللبرد، اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ أما الصورة المقابلة أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ محيط عميق وليس له ساحل، ليس له شاطئ، يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا لا يرى حتى نفسه، لا يرى نفسه، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ لا يرى نفسه، حتى إدراكه لمصلحته لا يستطيع أن يدركه، حتى لا يستطيع أن ينتفع من حواسه وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ.
اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق, أحيينا ما علمت الحياة خير لنا, وتوفنا إذا كانت الوفاة خير لنا, اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة, ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا, ونسألك القصد في الفقر والغنى, ونسألك نعيماً لا ينفذ, وقرة عين لا تنقطع, ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة, اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين.
اللهم اغفر لنا وارحمنا, اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا، اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا.
اللهم خذ بأيدنا إليك، اللهم خذ بأيدنا إليك أخذ الكرام عليك، لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك.
اللهم اشف مرضانا, اللهم اشف مرضانا, اللهم ارحم موتانا واهلك اللهم أعدائنا, ولا تخيب اللهم فيك رجائنا, ولا تخيب اللهم فيك رجائنا, واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.