الحمد لله الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيدا، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم تسليماً مزيداً.
ثم أما بعد:
حديثنا اليوم عنوانه ” أركان المسلم وذنب السرحان “
أما أركان المسلم فقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أتاه جبريل عليه السلام فسأله عن حقيقة الإسلام وحقيقة الإيمان وحقيقة الإحسان، فسأله قائلاً، قال: أخبرني عن الإسلام، قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت، ثم قال: أخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه، قال: صدق فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فيبني صلى الله عليه وسلم أركان للإسلام، دعائم يقوم عليها بنيان الإسلام فذكر الشهادة، والشهادة بخلاف القول، ولذلك جعل الفصل عند التقاضي قائماً على الشهادة، قال تعالى إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ فالشهادة هي أن يخبر الإنسان عن الشيء الذي شهده بقلبه وأيقنته نفسه، ليس مجرد القول، فهو يشهد أي يرى بعيني قلبه هذه الحقائق وهذه المعاني ويترتب على هذه الشهادة إقامة لشعائر وعبادات يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى، ولما ذكر الإيمان: قال :أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه.
هذه الأركان للإسلام، وهذه الأركان للإيمان تعطي إنساناً مسلماً مؤمناً له صفات وله خصائص وله خلال هي مزيجة وأثر وفرع لهذا الإسلام الذي أسلمه ولهذا الإيمان الذي استقرّ في قلبه ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ميزاناً يزن به المرء نفسه فيقول صلى الله عليه وسلم في حقيقة المسلم ” من سلم المسلمون من لسانه ويده ” ، المسلم: من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحجّ البيت، هذه شعائر يتقرّب بها لله سبحانه وتعالى لها أثر سلوكي!، لها أثر اجتماعي!، لها معيار نقدر أن نقيّم به إنسان! أم هو تعبذد خاص ليس له علاقة لا بقلي الإنسان ولا بنفسه ولا بسلوكه ولا بأقواله ولا بأفعاله.
النبي صلى الله عليه وسلم جعل حقيقة الإستسلام لله، حقيقة إسلام النفس لله أن يترتب على ذلك السلام بين المسلم وبين المسلمين، فما أثر السلام أو حقيقة السلام، ألا ينالهم منه إلا الخير والسلامة فيسلمون من لسانه ويسلمون من يده.
إذاً تنقطع شرور هذا الشخص عن عباد الله المسلمين بأقوال أو بأفعال، إذاً في عكس ذلك أو مقابله لا ينالهم منه إلا الخير بقوله وبفعله،، والمؤمن: من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم، فما علاقة هذا بأن الإنسان يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه، فإذن هذا الإيمان سيرتب صورة في التعامل والسلوك والحالة الإجتماعية للإنسان، سلم المسلمون من لسانه ويده، لكن هنا تكلم عن ماذا صلى الله عليه وسلم؛ عن شعور الناس بالأمان من جهته ” سلم المسلمون من لسانه ويده ” هذا شيء من عندي أنا، أنا أمنع الشر عن الناس، لكن الثاني؛ رؤية الناس للشخص، أنهم يرون أنهم في أمن منه ولذلك يأتمنونه على أخص خصائصهم على أموالهم وعلى أعراضهم.
والمهاجر: من هجر ما نهى الله عنه، هذا هو حقيقة الهجرة، الهجرة: أن الإنسان ينتقل من مكان لمكان يغادر ويهجر وطناً طلباً، فهو يهجر دار الشرك لدار التوحيد، دار الكفر إلى دار الإيمان، دار الفجر والمعصية إلى دار الطاعة، دار البدع والمخالفات إلى دار السنّة، فهو ماذا يستهدف؟ هو يريد أن يقيم نفسه على طاعة الله سبحانه وتعالى، هو يبحث عن مكان يستطيع فيه أنه يتعبد لله سبحانه وتعالى، يستطيع فيه أنه يعيش حياة إيمانية فسيترك الوطن والأهل والعشيرة والمال والدار لأجل هدف وغاية معينة، ولذلك لا يمكن أن يكون مهاجر وهو لا يهجر، لأنه لماذا يهاجر، فحقيقة الهجرة أن يهجر ويترك ما نهى الله عنه، وإلا فيكون قد رحل ببدنه ولم يرحل بقلبه.
إذاً هذه المعاني لها آثار، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى قال قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ – لا يحضرونه – وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا
إذاً هؤلاء الذين عبدوا الرحمن سبحانه وتعالى لهم صفات وخصائص، سلوك، التعامل مع القرآن، النأي عن المعاصي، البعد عن الزور وعن اللغو، والتواضع لعباد الله، هذه الصفات ما علاقتها بأنهم عباد الرحمن، هذه آثارها هي، إذاً هذه المعاني لها آثار واقعية، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ هؤلاء هم المؤمنين، فنحن نريد أن نتكلم عن ما هي أركان المسلم، نمثّلها أو نشبّهها بأركان الكعبة، عندنا ركن شرقي وشمالي وغربي وجنوبي، ركن الحجر، الركن العراقي، الركن الشامي، الركن اليماني.
وأركان المسلم، نقيمها على هذه الأركان: التأله، الوعي، التهذيب،المسئولية، إذاً أركان المسلم نستقرئها ونضعها في أربع أركان، أول ركن ” التأله ” ما معنى التأله: التعبد، حينما أمرنا أن نقول لا إله إلا الله، الإله ما معناها؟ المعبود حبّاً وتعظيماً، لابد من هذين الاثنين، محبّة والخشية والتعظيم، فكلمة التأله معناها: التعبّد، العلاقة ما بين الإنسان وما بين ربنّا سبحانه وتعالى، فأول صفات المؤمنين الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ لم يذكر الصلاة وفقط، يوجد صفة أو حالة أو هيئة للصلاة لأجل أن تكون صلاة، ولذلك أخبر تعالى فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الغفلة عن حقيقة العبادة، كنّا نتكلم في رمضان يوجد فرق ما بين قول الله سبحانه وتعالى عَنْ صَلَاتِهِمْ و ” في ” في وهو السهو أو السرحان في الصلاة وهذا لا يخلو منه إنسان، ولكن الإنسان بالمجاهدة، وهذا ما بين مقلّ ومستكثر، لكن سهو عن الصلاة، إذاً هذه غفلة عن حقيقة الصلاة عدم إراك لقيمة أو لمعنى الصلاة فهو يؤديها ولا يؤديها، ولذلك عقّب سبحانه وتعالى فقال الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ المراءاة هذه معاناها أنه يؤدي العبادة ناظراً للعباد ولا ينظر لرب العباد سبحانه وتعالى، إذاً هذه غفلة عن عظمة الرب سبحانه وتعالى الذي يركع له ويسجد، غفلة عن حقيقة العبادة، ولذلك لا تؤتي ثمرة الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ
ما علاقة منع الخير بالصلاة؟ الصلاة هذه سيبقى لها أثر اجتماعي وهو الشعور بالرحمة، الشعور بالرقّة، والرغبة في الإحسان للناس، فإذا لم يكن هذا موجود إذاً هذه ليست صلاة، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى قال اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى الفعل نفسه إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ هذا هو ميزان الصلاة، فإن كنت أصلي وهذه الصلاة لا تحقق الزجر لي عما حرّم الله سبحانه وتعالى، فتكون هذه الصلاة تحتاج إلى مراجعة مني، لكي تطابق الصلاة التي أخبر الله سبحانه وتعالى عنها.
فأول شيء صلة الروح بالله سبحانه وتعالى، وبعد ذلك، ” الوعي ” ما هو الوعي؟ الوعي الذي اسماه الله سبحانه وتعالى البصيرة قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي طريقي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، نحن عندما نقول أن فلان هذا صاحب بصيرة، نحن عندنا شيء اسمه البصر، وهو أن الشخص يرى بعينه الأشياء المحسوسة، والبصيرة، أن ربناسبحانه وتعالى يرزق الإنسان أن يرى بقلبه حقائق الأمور، يوجد أشياء محسوسة الشخص يراها ببصرة، وتختلف قوة الإبصار من شخص لشخص، ربما يضعف وربما يقوى.
كذلك البصيرة، البصيرة هي أن: ربنا سبحانه وتعالى يمنّ على الإنسان فيرى حقائق الأشياء، وهذه البصيرة من أين تأتي، ستاتي من أن ربنا سبحانه وتعالى يرزق الإنسان النور، يرزقه حقيقة العلم، هذا النور من أين يأتي كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ربنا سبحانه وتعالى هو النور اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هو سبحانه وتعالى الذي يبثّ النور في هذا الكون، ثم أخبر سبحانه وتعالى أو مثّل بنوره سبحانه وتعالى في قلب المؤمن، نور الإيمان الذي يضعه في قلب العبد المؤمن فيرى به الحقائق مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ مثال لقلب الإنسان فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ هي بتنور وحدها بنور الإيمان في القلب يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ نور الوحي، نور القرآن على نور البصيرة في قلب الإنسان بنور الإيمان، ونور الفطرة الذي وهبه ربنا إياه، هو يرى الحقائق بالإحساس، يستشعرها، ثم يأتي القرآن فيعطي نوراً فوق هذا النور، فيزداد الإنسان يقيناً، ويزداد الإنسان ثقةً ويزداد الإنسان إيماناً.
إذاً التأله والتعبد، صلة الإنسان بالله صلاةً وذكراً، والوعي من أين سيأتي؟ سيأتي من تدبّر الإنسان للقرآن ونظر الإنسان في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، النموذج التطبيقي لتحقيق الإيمان.
ولذلك هشام بن عامر رحمه الله حينما سأل عائشة رضي الله عنها عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أتقرأ القرآن – حافظ قرآن – ، قال لها: نعم، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت هو القرآن، القرآن الذي قرأته أو وعيته النبي صلى الله عليه وسلم يمثل في حياته النموذج التطبيقي لهذا القرآن.
لذلك أعظم تفسير لكلام الله هو التطبيق العملي للقرآن من خلال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو المرجع، نحن نختلف مثلاً في فهم آية ما معناها، أو ستتباين بنا المسالك فنريد أن نحلّ المشكلة.
القرآن يفسّر بالقرآن لأنه يفسّر بعضه بعضا، ويفسّر بالتطبيق العملي والنموذج المثال الذي قدّمه النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك ربنا سبحانه وتعالى قال فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ عندما نختلف على أمر ماذا نصنع، فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ القرآن وَالرَّسُولِ التطبيق إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
إذاً الوعي هذا هو الفهم أو إدرك لحقيقة الإسلام، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يرد الله به خيراً – ما علامة أن ربنا يريد خير بإنسان – يفقهه في الدين،فلماذا؟، وقال أيضاً: الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. أي أفضل الناس أخلاق سلوك، تعامل، قبل ما ربنا يمنّ عليهم بنعمة الهداية، هم هم أحسن الناس بشرط واحد فقط أنهم يفقهوا أي يفهموا حقيقة الدين.
ولذلك كان السابقين الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا هم أفضل نماذج في مجتمع قريش، أبو بكر، أبو عبيدة، عثمان بن عفّان، هؤلاء الناس أصلاً كان هم أفضل نماذج أخلاقية وسلوكية في هذا المجتمع، كان ينقصهم فقط أن يأتي من يرشدهم إلى الله.
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام قال: أسلمت على ما أسلفت من خير، هو رجل خيّر بطبيعته، فهو يحسن إلى الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال إن ربنا سبحانه وتعالى سيعطيك ثواب ما أسلفت من خير، مع أنه قدّم هذا الخير قبل الإسلام، قبل أن يهتدي إلى دين الله تبارك وتعالى، قال أسلمت على ما أسلفت من خير، فمن يريد الله به خير يفقهه، والفقه هذا هو الفهم العميق، وللأسف نتعامل مع الدين تعامل فيه كثير من السطحية فلا نوليه مقدار من الاهتمام يتناسب مع العمق ومع العظمة ومع القيمة لما يمثّل منهاج الله سبحانه وتعالى، القرآن هذا يمثّل الكلام الإلهي، هذه كلمات الله إلى الناس، فما مقدار ما تستحقه كلمات الله إلى الناس من قيمة أو من تعظيم.
نحن كنّا نتكلم قبل ذلك أنّ ربما تجد كثير مننا أنه أقل شيء يوليه العناية هي القرآن، ليس من حيث القرءاة، من الممكن أن يكون بيقرأ ويسمع، من حيث إعطاء القيمة أو التدبّر أو التفهم، احنا في رمضا نقرأ بسرعة بسرعة بسرعة، ولذلك لو سألت الشخص ما الذي قرأته ممكن لا يكون عنده شيء، مع أنه لا يتعامل مع أي كتاب آخر يقرأه هكذا، حتى الجرنال، إذا سألته ماذا قرأت سيقول لك، قرأ صفحة الرياضة….. فهو مدرك، ونحن كلنا مدركين أنه لا يوجد شخص يقرأ شيء، لأن القراءة، يوجد غاية من وراء القراءة كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ولذلك قضية استشعار القيمة، عظمة النعمة بالقرآن،،.
التأله، ثم الوعي، ثم التهذيب، فما معنى التهذيب، التهذيب أن الإنسان يضبط سلوكه، أقواله وأفعاله بهذا النور الإلهي، يزن أقواله وأفعاله بهذا الميزان الذي منّ الله تبارك وتعالى علينا به، لو الشخص عنده شجر، هذا الشجر لابد عليه أن يتناوله بالتهذيب، هذا التهذيب هو إزالة أي آفة وتقليم الزوائد لكي لا تستنزف أو لا تسحب من الزاد الذي سيرقّي الشجرة أو يعطيها الثمرة، أنا أزيل الآفات لكي يستمر الشجر هذا ويبقى هذا الزرع يؤتي أكله وثماره، إذاً ما هو التهذيب؟ أن الإنسان يضبط أخلاقه أو سلوكه أو أفعاله بميزان الإيمان فإذا لم يفعل، فالتأله أو الوعي هذا هل هو كان حقيقي هل هو انتفع به بشيء، النبي صلى الله عليه وسلم عندما جعل ميزان الإسلام: أن يسلم الناس، ميزان الإيمان: أن يأتمن الناس، إذاً إذا لم يكن ثمّ تهذيب، – لا يوجد الصورة الخارجية – النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا إن في الجسد مضغة – قطعة صغيرة من اللحم – إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب، فلماذا القلب؟
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ قال صلى الله عليه وسلم:التقوى هاهنا وأشار إلى صدره، قالها ثلاثاً، التقوى هاهنا،التقوى هاهنا،التقوى هاهنا، محل التقوى ومحل الإيمان أين؟ هنا، لماذا؟ لأن هذا هو الذي يفقه، هذا الذي يستوعب، فإذا فقه أو استوعب أو تأثّر، لابد هذا تلقائياً ينضح على الصورة الخارجية ” إذا صلح صلح الجسد ” إذاً إذا كانت الصورة الخارجية ليست منضبطة بضابط الإيمان، إذاً الإيمان الذي هو في القلب به ضعف.
ولذلك عضويّاً، القلب هذا هو محلّ التغذية للإنسان ككل، هو الذي يضخ الدم، ويضخ عدا الدمّ ما لا نراه، أو ما يرى بعين البصيرة من الإيمان أو عكسه، ولذلك كان الأثر الطبيعي إن القلب هذا لابد أنه يشكّل الإنسان تشكيلاً تامّاً كاملاً.
الركن الأخير: المسئولية، ما معنى المسئولية؟ شيئين، أن الإنسان يكون مرد أن صورته الخارجية تلك تمثّل الدين طالما أنه نسب نفسه أو ارتضى أن ينسب نفسه إليه، إذاً تطبيقي للإسلام أو الصورة التي سأقدمها للإسلام هذه ستكون محسوبة للدين أو عليه، إذاً تعظيمي للإسلام أو تقديري له يجعلني انتبه وأركز في سلوكي ليس فقط لأن هذا واجب عليّ لا لأن هذا يمثّل نموذج الإسلام، فالصورة التي سأقدّمها للإسلام سترفع من صورته المجتمعية أم ستخفض من صورته المجتمعية، لذلك ربنا جعلها أمانة إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ هذا هو الشيء الأول، الصورة نفسها، لذلك نحن تكلمنا كثيراً عن سيدنا يوسف، قول الله سبحانه وتعالى نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ هو الآن في السجن،والناس من حوله ترقبه فهم من خلال رقابتهم له ونظرهم لأحواله رأوا فيه إحساناً وبرّاً هذا حملهم على أنهم يدنو منه، يقربوا منه، يثقوا فيه، يطلبوا منه الشورى أو البيان لحقيقة الرؤيا التي لا يعرفوا تفسيرها.
فرؤيتهم له، ومعنى الإحسان هذا تضمن أيضاً أنه صاحب فهم ووعي وإدراك، لأنهم طلبوا منه تعبير رؤيا، هم لم يطلبوا شيء يأكلونه، لا، نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إذاً الصورة التي رأوها صورة سلوك وأخلاق وحلم وهدوء ورزانة وعقل تشي بأن هذا الشخص له وزن في الدرايا والإدراك مع خلق الصبر، هذه الشيء الأول.
الشيء الثاني: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ شعور الإنسان بالمسئولية لأن هو، النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. المفروض أن الإنسان المؤمن جُبِل على محبة الخير للناس، لأن هو المفترض أنه يحبهم ولأن هو يحبهم، فهو يحب لهم للخير، ولأنه يحب لهم الخير فهو يحب لهم القرب من الله ونيل السعادة والجنّة والنجاة من النار، هذه هي حقيقة الفوز والنجاح فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ فلا يوجد معنى للحب حقيقةً إلا إذا كان يترجم لصورة من صور الحدب والحرص والخوف على الناس
ولذلك ربنا سبحانه وتعالى عندما وصف صفات المؤمنين قال وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ تواصوا بالحق هذه فيها شيئين مهمين، لكي نتواصى بالحق لابد أن نكون مدركين الحق أو نعرفه جيّداً وهذا هو الذي يرتبط بالوعي والوعي هذا مرتبط بالتأله وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ كل هذا مرتبط ببعضه، فإن قرب الإنسان من الله ربنا سبحانه وتعالى يعطيه من النور والبصيرة، فالعلم هذا أسباب الشخص بيأخذ بها لأجل أن يتعلم وإن لم يأخذ الشخص لن يكون لديه علم، لكن مع هذه الأسباب الاستهداء بالله أو نيل الهداية من الله، وهذا بحسب قرب الإنسان من الله وعلاقة الإنسان بالله، ولكن كلمة تواصوا بالحق مهمة جداً في بيان شيء مهم، أنه لا يوجد طبقتين، أي كلمة تواصوا هذه معناها أن التداعي إلى الخير أو وصية الناس بالخير بعضهم لبعض، هذه ظاهرة شائعة في المجتمع، فكل الناس توصي كل الناس، لا يوجد طبقة أعلى توصي، وطبقة سفلى تتلقى الوصية، وطبيعياّ أن يكون هناك علم، وأُناس مختصّين أو علماء وهؤلاء من الممكن أن يفتوا، لكن قضية النصيحة، والتذكير بالله سبحانه وتعالى، نهي الإنسان لغيره عن الشرّ، هذه أشياء عامّة، ومن الممكن أن يكون الإنسان أكثر علماً لكنه في الأحوال أو في بعض الأوقات مثل أي إنسان يزيد الإيمان لديه وينقص، فأحياناً يحتاج إلى نصيحة أو وصيّة أو اسداء الخير ممن هو أقل منه مكانة علمية ولذلك كلمة تواصوا هذه مهمة جدّاً أن المجتمع المؤمن لا يوجد فيه طبقات دينية أو علميّة، لا كلّنا يوصي بعضنا بعضاً.
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلغوا عني ولو آية، لو أعرف آية يلزمني أنني أوصل هذه الآية، هذا نصاب تبليغ العلم، زكاة الأموال في حدّ أدنى، ما يعادل خمسة وثمانين جرام ذهب عيار أربعة وعشرون، هذا هو حدّ الزكاة في الأموال، وأقل من هذا فلا يكون عليّ زكاة، لكن في العلم وفي الدين، النصاب أو الحدّ: آية واحدة فقط، ومؤكد كلنا نعرف آيات كثيرة، تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ الثبات على هذا إلى لقاء الله تبارك وتعالى إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
إذاً ما هي الأركان التي من المفترض أن تتوفر في المسلم لأجل أن يكون إنسان مسلم فعلاً، إذا أراد أن يقيم إسلاماً في نفسه أولاً ثم فيمن حوله ثانياً، أن يتحلى أو يتحقق بهذه الأركان الأربعة، التأله والوعي والتهذيب والمسئولية.
هذه كلمات، كيف تتحول الكلمات إلى واقع؟ هل بمجرد ما نحن نردد الكلمات أو سمعناها أو حتى لو أنا قلتها، هل معنى أنني قلتها إنها تحققت فيّ، أن تكلمت على التأله، هل معنى ذلك أنني عندي تأله؟ أنا تكلمت على الوعي هل معنى هذا أنني عندي الوعي،، هل أخذت بأسبابه؟، تكلمت عن التهذيب هل أنا فعلت المجاهدة التي تؤدي إلى التهذيب، تكلمت عن المسئولية، هل عندي المشاعر التي تحركني بإتجاه المسئولية، ممكن ألا يكون عندي شيء من هذه الأشياء، ولذلك لا علاقة ما بين الكلام وما بين الحقيقة، الإنسان ممكن أن يتكلم ويحسن الكلام، لكن هل هو عنده حقيقة هذا الكلام، ولذلك هذه الكلمات صاحبها سيكون مسئول عنها.
أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: إن أخوف ما أخاف – أكثر شيء يقلقه – أن يقال لي يوم القيامة: يا عويمر أعملت أم جهلت – انت كنت عارف ولا مكنتش تعرف – فإن قلت: علمت، لا تبقى آية في كتاب الله آمره أو زاجره، فيها أمر أو فيها نهي إلا أخذت بفريضتها – لها واجب علي، كان لها عليّ حقّ – فتقول الآمرة: هل ائتمرت، وتقول الزاجرة: هل انزجرت.
الكلام سهل لكن التطبيق، الإقامة للدين، أن الإنسان يمتثل للكلام هذا، هذا هو الشيء الصعب، هذا هو الذي يحتاج ان يجاهد فيه الإنسان نفسه فلأجل أن يكون هذا الكلام النظري يتحول لواقع عملي، ما الذي يفعله الإنسان؟
أول شيء: يفكّر كيف يفعل هذا الكلام
أقول قولي هذا وأسغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين…
النصف الثاني ” ذنب السرحان ” السرحان هذا هو الذئب والذنب هو الذيل، النبي صلى الله عليه وسلم في حديث في صحيح مسلم الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ألا لا يمنعنّ أحدٌ منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم، ثم قال: وليس ما هو هكذا وهكذا حتى يكون هكذا.
” ألا لا يمنعنّ أحدٌ منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن بليل ” أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل في رمضان وبعد هذا في بقية الأوقات، للصبح أذانين، أذان قبل الوقت بفترة للتنبيه، بحيث إذا كان شخص يصلي ينتهي من صلاته لكي يتصحّر، أو إذا كان شخص نائم يسمع النداء فيقوم فيتسحّر، فهذا الأذان لماذا؟ هذا الأذان للأكل
فالنبي صلى الله عليه وسلم بيقول: ألا لا يمنعنّ أحدٌ منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن بليل. قبل الفجر، ولذلك في حديث آخر فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، بلال ينزل، ثم يصعد ابن أم مكتوم فيؤذن فهذا أذان الصبح، فأذان بلال لا يمنع الذي يتسحّر من إكمال الأكل، ثم قال صلى الله عليه وسلم: وكذلك لا يمنعكم ما هو هكذا وهكذا. صوّب بإصبعه هكذا لتحت، ثم رفعه، قال: حتى يكون هكذا. وعمل الصبعين كده، فهذه ما معناها، نحن فهمنا أذان بلال، وبعد هذا النبي صلى الله عليه وسلم نبّه على شيء آخر، أن هذا الفجر اثنين، يوجد فجر كاذب، وفجر صادق، في حديث جابر رضي الله عنه في المستدركن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفجر فجران، أما الذي هو كذنب السرحان فلا يحلّ الصلاة ولا يحرّم الطعام، وأما الآخر الذي يذهب مستطيلاً، أو قال مستطيراً في الأفق يحلّ الصلاة ويحرّم الطعام.
ذنب السرحان هو ذيل الذئب، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول أنه قبل الفجر بقليل يظهر شعاع مستدير مستطيلاً في الأفق أي يمشي بالطول هكذا، يشبه ذنب السرحان، فقال أن هذا لا يحلّ الصلاة ولا يحرّم الطعام ولكنّ الذي يذهب مستطيراً في الأفق هذا هو الذي يحلّ الصلاة ويحرّم الطعام.
قال ابن عبّاس: ليس الفجر الذي يذهب صاعداً في السماء وإنما الذي ينتشر على وجوه الرجال، فالنبي صلى الله عليه وسلم ينبّه على ماذا؟ ينبّه على إن هذا الفجر اثنين يوجد نور يظهر قبل الفجر بقليل، نحن ممكن نقدّر أنه الفجر ونعمل على هذا الأساس، الذي ينوي الصيام فيكون بدأ وقت الفجر الذي هو وقت العبادة والذي سيصلي صلاة الصبح لو الأذان أذّن فسيقوم يصلي، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول أن هذا ليس فجراً، فماذا يكون؟
الشمس تدور طبيعي، وهي تدور فتأتي من جهة المشرق لجهة المغرب، فعندما تبدأ تطلع من تحت لو كانت على خط الأفق، فستكون الشمس تحت هكذا، فعندما تكون في هذه النقطة يوجد عندنا نحن هباء وغبار فنرى نحن من وراء الزج8اج أشياء في الهواء لا تستطيع أن تمسكها، هذا الغبار يكون موجود، فينعكس عليه ضوء الشمس فنحن نظنّ أن هذا هو الفجر، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا هذا ليس فجرا، وبالتالي هذا لا يحلّ صلاة ولا يحرّم طعام، فلا شيء، فالشمس تحت، فهذا ما صفته، يذهب طولاً ولا يذهب عرضاً، يعني هو عبارة عن ماذا؟ هو لا ينتشر لا لا، هو خطّ صاعد إلى السماء وبعد هذا يستدق يعني يصغر إلى أن يقفل، هذا وأين الشمس؟ الشمس تحت هكذا، فعندما تقترب الشمس قليلاً أين يذهب؟ يختفي وتظلم، فهذه الظلمة التي بعد الفجر هذا أقل من الأولى أم أصعب؟ لا أصعب، فالآن الشمس تحت، الدنيا نوّرت قليلاً ولكن النور هذا ما صورته، صورته هكذا بالطول، وبعد ذلك الشمس قربت أكثر، فعندما قربت أكثر هذا النور زال.
إذاً زوال هذا الفجر غير الحقيقي ليس معناه أن الشمس تبعد، لا الشمس تقرب ولا تبعد، ولكن هذا كان وهمي ليس حقيقياً، وأما الناس التي ظنته فجراً صلوا ومنهم الذي توقّف عن الطعام، لا هذا ليس شيئاً أصلاً، هذا بعض الهباء والغبار الذي كان موجوداً، فانعكس عليه شيء من نور الشمس، وبعد ذلك جاء ظلام تام، وبعد هذا الظلام الشمس ستقرب أكثر،يظهر الفجر الحقيقي وبعد ساعة وربع أو ساعة ونصف تبتدأ تشرق الشمس، يظهر أول شيء حاجب الشمس.
الشمس قربت أكثر فالنور بدأ ينتشر، ولكن الشمس لم تكن ظهرت بعد، لكن الناس بدأت ترى، وبعد ذلك يظهر أول حاجب الشمس وبعد ذلك تشرق الشمس يعني يظهر قرص الشمس كله فوق سطح الأفق، وهذا هو الفجر، فماذا الفرق بين الفجر الكاذب والفجر الصادق، ثلاث أشياء؛
أول شيء: أن هذا الفجر كيف يسير، يتوغل في أفق السماء، أما الفجر الحقيقي يسير بالعرض، ينتشر هكذا وهكذا ولا يسير هكذا فهذا يسير هكذا، عمود هكذا مضيء حواليه ظلمة يمينه وظلمة شماله.
الشيء الثاني: أنه لا يتّصل بالأفق، هذا لا يتّصل بتحت، الفجر الكاذب هذا عبارة عن ذيل صاعد هكذا لكن تحته ظلمة، يعني خط ظلمة عريض وبعد ذلك مسورة نور صاعدة هكذا وبعد ذلك تختفي، هذا الشيء الثاني، أما الفجر الحقيقي لا يخلّف وراءه ظلمة فهو ينتشر، ويمتد باستمرار، فهذا هو الفرق الثاني
الشيء الثالث: أن الفجر الكاذب يعقبه الظلمة، والفجر الصادق هذا تعقبه ظلمة، فلو التبس عليّ الكاذب والصادق، ماذا يحدث؟ سأصلي الصلاة في غير محل، وابتدئ الصيام في غير وقته، إذاً لابد أن الإنسان يميّز ما بين الفجر غير الحقيقي والفجر الحقيقي، وليس كل شعاع نور معناه أن هذا فجراً لا الفجر له صفات.
إذاً أول شيء لابد أن ينتشر بالعرض هكذا، يتحرك ببطء وينتشر بالعرض، وبعد هذا يتحرك إلى الأمام فلا يخلّف وراءه ظلمة، والفجر الكاذب هذا يعقبه ظلمة، والظلمة هذه قبل الفجر الحقيقي، والظلمة هذه التي تسمى بوقت السحر، ووقت السحر هذا ماذا يصنع فيه الناس؟ قال تعالى وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ
الوقت الأخير هذا ماذا فيه أيضاً؟ هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في الصحيح: ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه، هل من كذا هل من كذا، حتى يطلع الفجر.
إذا هذا الوقت وقت ماذا؟ وقت الدعاء والابتهال إلى الله تبارك وتعالى، الطلب من الله، استثمار القرب الإلهي من العباد، الشيء الآخر: الاستغفار؛ ولذلك في قوله سبحانه وتعالى في قول يعقوب عليه السلام قال سَوْفَ سوف أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي كثير من المفسّرين قالوا أنه أرجأهم إلى وقت السحر لأنه أقرب للقبول، لكن التمييز ما بين الفجر الكاذب والفجر الصادق هذا غالباً لا يكون في المدينة، لماذا؟ لأن اللمبات الكثيرة والأنوار الصناعية التي نعيش وسطها تحجب عننا الحقائق، لابد أن يكون شخص يعيش في البادية أو في صحراء، لماذا؟ لكي يستطيع أن يميّز التميز الحقيقي، نحن لن نذهب إلى الصحراء! لكنني أريد أن أقول: أن الأنوار الصناعية تحجب عننا كثير من الحقائق، لا تستطيع الرؤية لأنه يوجد أنوار كثيرة – لمبة الشارع ولمبة الجامع – فالشخص لا يستطيع أن يميّز أو يدرك الفرق ما بين هذا وما بين هذا.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم من زمااااااااااان نبّهنا أنه يوجد هذا، ويوجد هذا وأن هذا فجر الغرور وأن الثاني فجر الحقيقة.
ولذلك في حديث سمرة النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يغرّنّ أحدكم عن سحوره أذان بلال ولا هذا الضوء المستطيل في الأفق، حتى يستطير، ما معنى يستطير: يستطير أي ينتشر، ” حتى يستطير هكذا ” إذاً النبي صلى الله عليه وسلم نبّهنا من زمان على أنه لابد أن تميّز ما بين هذا وما بين هذا وأن هذا يغرّ ويتصوّر به الغنسان أشياء غير حقيقية ويبني عليه أشياء، لكنّ هذا لم يكن حقيقي، فهل معنى هذا أننا في أول الليل! نحن مازالنا في آخر الليل أيضاً، لكن لكي يأتي الفجر الحقيقي لابد ان يوجد به صفات الفجر الحقيقي الذي يسير هكذا عرضاً ولا يسير طولاً.
لكي يوجد دين لابد أن يكون هذا الدين – زي ما النبي صلى الله عليه وسلم ما كان بيتحرك – منتشر في المجتمع، الناس تبدأ تعيش الدين وتحس به وتتأثر به، تقترب من الله، لما تقترب من الله، المجتمع يبدأ حاله يتصلح، يبدأ حاله يتحسّن، يخطو إلى الله سبحانه وتعالى خطوة خطوة بالشكل الطبيعي، السنن الطبيعية للحياة، لكن هذه الأشياء التي تسير هكذا هذه، أولاً هذا هباء، هذا هباء وغبار هذا ليس حقيقة، هذا وهم، ولذلك الوهم هذا لابد أن يزول لأنه لم يكن حقيقة هو غرور وخدع، ليس حقيقة، لكن هل معنى هذا أن الشمس تبعد، لا الشمس تقترب الشمس لا تبعد، هذه ظاهرة كونية، الشمس تقترب، ولكن لأجل أن تأتي، لكي نقدر أن نستجلبها، لأجل أن يمنّ علينا ربنا بنور حقيقي، لابد أن نسير على وفق السنن الإلهية، نسير بشكل صحيح.
إذاً خلاصة ما قلناه اليوم أن المسلم له أركان: التأله والوعي والتهذيب والمسئولية والمسلم إذا التزم هذه الأركان حينئذٍ ربنا سبحانه وتعالى سيمنّ على أهل الإيمان بأن يعطيهم فجراً صادقاً ثم شروقاً ونوراً مبيناً، قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا
ربنا وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شمس، ولكن الشمس سراجاً وهّاجا: بتحرق، والنبي صلى الله عليه وسلم وَسِرَاجًا مُنِيرًا جمع له النيّرين معاً قال وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا السراجهو: الشمس، والقمر المنير: القمر، قال وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا فجمع له صلى الله عليه وسلم في صفته ما بين محاسن الشمس، ومحاسن القمر كليهما.
النور موجود، السراج موجود، النور موجود، أننا نستضيء به، أننا ننتفع به، أننا ننال الخير منه لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.