إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
أعقاب الفتن وأخلاق المحن
المقصود بالعنوان أن الفتن والصراعات والمخالفة والظلم والتظالم إنما يعقب محناً ويورث إحناً – الإحن هي الأحقاد – فالخطايا تورث البلايا، ولا سبيل للعباد لكي ينجيهم الله تبارك وتعالى من ذلك إلا بأن يحدثوا في أنفسهم أموراً وأول خطوة في هذا السبيل إدراك الإنسان أنه لابد أن يفعل شيئاً أو يحدث شيئاً، وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فقال 0إين أنا النذير العريان ” وشرحنا ذلك مراراً، فما معنى النذير؟ النذير: الشخص الذي يؤذن بخطر داهم – شيء كبير ليس صغيراً وقريب ليس بعيد – فهو يصف نفسه بأن هذه هي مهمته ورسالته، فلماذا العريان؟ فالنذير مفهوم، فلماذا يكون النذير عريان؟ قلنا قبل ذلك أن النذير الذي يؤذن أهله وقومه بخطر داهم إنما يسابق الزمن لكي يوصل إنذاره إليهم سريعاً، فهو أبصر عدواً ويريد أن ينذر قومه سريعاً فماذا يفعل؟ ينزع رداءه فيلوّح به من بعيد، فالعريان ما معناها؟ ما علاقة الرسالة بالعري؟ أنه سييزيل هذا الرداء وسيبدأ يلوّح به، فلماذا يلوّح به؟ لأنهم سيدركوا بالبصر أسرع من إدراك الصوت، حتى أن يصل إليهم ويقول لهم جمل النذارة الذي يريد أن يقولها، فقد تاّهبوا واستعدوا وتجهّزوا أنه يوجد شيء مهم وخطر حادق فهو لا يريد أن يتأخر في الوقت حتى أن يصل إليهم فيبدأوا استيعاب ما يقول.
النعمان بن بشير رضي الله عنه يحكي أنه مرة كان يستمع إلى خطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” فجعل يقول أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار ” فالنعمان يقول ” حتى لو كان في مقامي هذا لسمعه من في السوق ” من شدة انفعاله وارتفاع صوته صلى الله عليه وسلم الذي موجود في المكان الذي فيه النعمان – كان في الكوفة – يسمعه حد في مكان بعيد، وبعد ذلك يقول ” حتى سقطت قميصة له كانت على كتفه ” يرتدي عباءة، هذه العباءة من شدة الانفعال سقطت منه على الأرض وهو مستمر في تكرار هذه العبارة، كان يقوم بليل صلى الله عليه وسلم يقول ” يا أيها الناس، يا أيها الناس جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه ” يقوم بالليل ” جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه “
إذاً الإنذار هذه وظيفة التحذير من الغفلات، فعندما تغلب علينا الغفلة نحتاج أناس كثيرة تتصايح لكي نبدأ بالانتباه ونفيق، هذه هي الخطوة الأولى في سبيل أي شيء حسن يحدث في أي مكان، أن الإنسان يبدأ بالإفاقة فيدرك، ربنا سبحانه وتعالى يقول وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ جديد، متكرر متتابع إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ لم يقل إلا سمعوه، هذا عجب، هذا عجب؛؛ لأن الاستماع هو الاصغاء والإنصات، ربنا لم يقل إلا سمعوه، إِلَّا اسْتَمَعُوهُ أي أنه يلقي السمع، هو يلقي السمع لكنه ليس هنا، وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ ليس من أي مكان، ولا من أي شخص، الذي هو محلّ التعظيم والاهتمام، فهم ماذا يفعلون؟ هل لا يسمعون؟ لا، يسمعون، إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ في مكان آخر، يكون حاضراً بظاهره لكن قلبه في محل وفي موضع آخر، الكلمات لا تصل إليه، لم تنتهي إليهن وقفت عند أذنه وفقط، ولذلك ربنا قال سبحانه وتعالى لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا الأذن أيضاً، ولكن وصفها وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ تدرك وتعي وتترجم لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ نحن قلنا في الخطبة الماضية في قوله استحيوا من الله حق الحياء، أول جملة: أن تحفظ الرأس وما وعى – محل الوعي – هذه الحواس محل الوعي والإدراك والفهم والاستيعاب ” والبطن وما حوى وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ” فنحن محتاجين أناس كثيرة تجلس تعول دائماً، لماذا لنبدأ بالتركيز والإفاقة، لأن توالي الأزمنة وامتدادها يزيد الأمور صعوبة وخطر.
يوجد مجموعة جمل أساسية، لابد أن نستعيدها، الجملة الأساسية الأولى أن الكون مسيطر عليه، مسيطر عليه، ليس مُتركاً، نحن نؤمن بهذا لكن قليل منّا الذي يستطيع أن يعيش هذا، من الصعوبة جداً أنك تحوّل معتقداتك النظرية لشيء أنت تعيشه في الحياة، ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يمسك الكون كله، وهو الذي يقوم عليه، وهو الذي يدبّر أمره، ولا شيء يسكن أو يتحرك إلا بإذن الله، والكون كله إنما يتحرك على وفق ما قدّر سبحانه وتعالى وقضى، هذا الأمر الأول.
وهذه التقديرات كلها مرتبطة بأمرين أساسيين؛ مرتبطة بحكمة الله ومرتبطة برحمة الله، أي شيء يجري على وفق قدر الله مرتبط بهذين الأمرين العظيمين، الأمر الأول، أن كل شيء يجري على وفق الحكمة الإلهية، لا يوجد شيء عبثي أو خارج عن إطار الحكمة، الأمر الثاني: الرحمة وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ كل شيء يجري في إطار الحكمة والرحمة، هذه هي النقطة الأولى.
الثانية: أن هناك شيء ربنا علّمنا إياه اسمها سنّة، ما معنى ” سنة ” أي يوجد قوانين إلهية ثابتة، يتعامل بها مع المؤمن ومع الكافر ومع البر ومع الفاجر، سنن إلهية وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا هذه السنن ربنا بثّها في القرآن، لماذا؟ لكي نعرف نترجم، ونعرف نتعامل على أساس هذه السنن الإلهية.
من هذه السنن – وكل هذا نحن كلنا نعرفه – ونقوله كثيراً، والغريب أننا كلنا نردد الجمل التي من المفترض أن نعمل على أساسها، لكننا نرددها ثم نحيلها على آخرين، فمثلاً ربنا سبحانه وتعالى يقول – وهذا أكثر شيء نكرره – إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وقلنا مَا بِقَوْمٍ شيء متعلق بالاجتماع، نحن قلنا قبل ذلك يوجد تعامل إلهي وقوانين إلهية في التعامل مع الأفراد، الأشخاص، كل شخص بمفرده، قانون ربنا سبحانه وتعالى مع الشخص كشخص، ويوجد شيء اسمه قوانين الاجتماع، يوجد قوانين لربنا في الأفراد ويوجد قوانين لربنا في المجتمعات، هذا قانون وهذا قانون، لابد أن نفهم هذا ونفهم هذا، وإذا اختلط هذا بهذا الدنيا تفسد.
ربنا سبحانه وتعالى لا يغيّر ما بالقوم، وهذا هو المجتمع، المجتمع ككتلة وهيئة اجتماعية ليس مجرد مجموع الأفراد، المجتمع عبارة عن أفراد بالإضافة إلى روابط بالإضافة إلى قيم وثقافة، هذه الأشياء مجتمعة تعطي مجتمع، وليست المحصلة المادية لزيد زائد عبيد زائد نطاط الحيط يكون المجتمع، لا، الأفراد، الروابط الاجتماعية التي بين الأفراد، القيم السائدة، الثقافة التي ينتمي إليها الأفراد، هذه الأشياء مجتمعة تعطي هيئة اجتماعية، هذا ” ما بالقوم “
من الذي يغيّر ” ما بالقوم ” ليس القوم،، ربنا لم يقل هذا، ربنا سبحانه وتعالى يغيّر ما بالقوم، عندما يفعلوا ماذا؟ عندما تُعدّل الأشياء الداخلية التي تنطوي عليها نفوسهم حَتَّى يُغَيِّرُوا إذاً يوجد فعل إلهي مباشر عقيب فعل إنساني مباشر أيضاً، ربنا يغيّر ما بالقوم عندما يأخذ القوم قرار أن يغيّروا ما بالداخل، إذاً بماذا العبرة؟ بما بالداخل، علام الحساب؟ على ما بالداخل.
فالداخل عبارة عن ماذا؟ ما الذي تنطوي عليه نفوسنا؟ النيّات، والأخلاقيات، والتوجّهات، هذه الأشياء وليست الأشياء التي بالخارج.
فأي شخص من الممكن أن يرسم أي شيء،، أي شخص يسهل عليه أن يرسم أي صورة، لكن التحدي الحقيقي وخطورة تجربة الإيمان الحقيقية أنني مطالب أن أغيّر ما بداخلي، الدين يكون شيء رخيص جدا جدا جدا إذا كان عبارة عن مجموعة رسومات وأشكال أو مظاهر أو طقوس شكلية، لا، التحدي الحقيقي أن العبد يزكّي ويرقّي ويربي نفسه على وفق ما يريده الرب سبحانه وتعالى، هذه هي الفكرة، هذه هي وظيفة الرسول الأساسية – وقلناها كثيراً – يتلو الآيات، لماذا؟ لكي يزكّيهم أولاً ثم يعلمهم، هو سيطهّر الأشياء الداخلية وقلنا أن التزكية شيئان – قلناها كثيراً – التزكية عبارة عن أمرين؛ زكا النبت أو النبات أو الزرع، عبارة عن أنك تتابعه بالسقيا وتكشف وتدفع عنه الآفة، فأنت تفعل أمرين، يوجد آفات نفسية أنا أعالجها، ويوجد ترقية إيمانية أزيدها، هذه تسمى تزكية، هذا هو المطلوب من الإنسان قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا هذه هي الخيبة، قلنا دسّاها – أي يخبطئها – يخبّئها عن النور الإلهي، فهذه هي وظيفة المجتمع، أن يقوم بتطهير ما بالداخل حينئذٍ ينتظر من الله تبارك وتعالى أن يغيّر وأن يصلح ما بالخارج، لا يوجد قانون آخر، أما نحن لدينا قوانين أخرى للأسف، ونحن لا نعرف ما مصدرها، لكن كل شخص لديه يقين من قوانينه الشخصية، فمن أين أتى بها؟ وعلام بناها؟ ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً هذه جاءت في مقام التنكير، تشمل أصغر، مثلما تشمل أكبر شيء،، أي نعمة حتى لو كانت نعمة محتقرة ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ
إذاً هم كانوا في نعمة، ثم غيّروا ما بداخلهم، الذي بداخلهم، فسلبت النعمة، ربنا سبحانه وتعالى أرحم وأكرم من أن ينزع من العبد نعمة أولاه إياه بدون أن يغيّر أو يبدل، هذا لا يمكن أن يحدث، هذا لا يمكن أن يحدث، ولذلك الأصل أن الإنسان يبحث من أين يؤتى، أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ من الذي قال هذا الكلام ومتى وأين؟ هؤلاء هم الصحابة خرجوا في سبيل الله؛ نصرة لله ورسوله وبعد ذلك كانت الدائرة لهم ثم دالت فصارت عليهم، فيقولوا كيف؟، فكيف بناءً على ماذا؟ بناءً على أمرين؛ أننا في سبيل الله وفي معيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن المؤمنون وهم الكافرون، حتى لو كنّا مقصّرين، هم يحسبون على هذا الأساس، حتى لو كنّا مقصرين وحتى لو وقع خطأ، بس أين من أين،، نعم نحن سييّئين لكننا المؤمنون وهم الكافرون.
لكنّ هذا عند ربنا غير موجود، هذا في السنة والقانون الإلهي غير موجود، الإيمان يساوي تحقيق وامتثال، لو هناك نقص ولو عارض، لو هناك نقص لابد أن يُعالج، إذا وجد ذنب لابد من التوبة لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ هذا هو القانون، والقانون الاجتماعي أقوى من القانون الفردي فيما يتعلق بالمؤاخذة بالمخالفة، دائرة السعة والإمهال الشخصية أوسع من دائرة السعة والإمهال الاجتماعية لأناس نسبوا أنفسهم إلى الله، هذا أمر غير هيّن.
بناءً على ذلك نحن نسأل ربنا سبحانه وتعالى أن يعافينا من البلايا ومن المحن هذا أول شيء، لكن إذا كنّا سائرين في هذا الطريق، أو أن المجموع العام يسير في هذا الطريق، وأنت لا تستطيع أن توقف هذا ففي النهاية كلنا سنذهب للمكان الذي لا نتمنّاه، أو لا نحبها، وبعد ذلك؟ لابد أن يكون لديك مجموعة من الخطط البديلة.
فنحن الآن كلنا راكبين الأتوبيس وهناك أناس تلطم، وأناس ساقوا الأتوبيس وهو سائر إلى مكان محدد ومعروف، لما الأتوبيس… فماذا سنفعل وقتها؟ هذه هي الخطورة، إذا جاءت – لا قدّر الله – نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافينا، إذا جاءت المحن أو اشتدّت البلايا والمجتمع على سوء من الخلق، وعلى قدر كبير من الأثرة والأنانية هلك المجتمع، ولذلك عنوان الخطبة أنه يوجد أخلاق للمحن لكي يستطيع المجتمع أن يقوم من كبوته ويستعيد ما فاته وفقده، ما الأخلاق التي تتعامل بها الناس حينما يوجد شدائد، في حال السعة الأمور يكون بها قدر من الأريحية لأن المسافات واسعة بين الناس، فالدنيا سائرة، قدر من الظلم وقدر من الغش، لكن إذا ضاقت هل نحن نستطيع أن نتحمّل بعضنا؟، طيب، هل نحن سنتعامل بالتراحم الذي أمرنا به؟ هل سيظهر خلق التكافل الذي دعينا إليه؟ يظهر إلا إذا أسسنا له، ستحتاجه غداً فلابد أن تبنيه اليوم، لن تستطيع أن تبنيه غداً، هذه هي النقطة الأساس التي لابد أن ننتبه إليها.
ربنا سبحانه وتعالى في القرآن من عظيم منّته سبحانه وتعالى ذكر لنا كيف علّمنا سيدنا يوسف أن نتعامل مع المواقف الصعبة، ربنا يقول وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ لكننا لم نقدر الذكر الإلهي حق قدره أبداً، للأسف أبداً.
فماذا قال لنا ربنا سبحانه وتعالى يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا في ماذا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لأجل أن نفعل ماذا؟ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ فهو يريد يأخذ منه الفتيا لماذا؟ تفسير الرؤيا؟ لكي يرجع بها إلى الإدارة لكي تنظر في أمرها.
هذه الرؤيا من الذي رآها؟ فهذا الرجل الذي رآها ما هي ملّته؟ هذه الرؤيا رآها الملك، وهذا الملك رجل كافر يحكم أناس كافرين، وربنا سبحانه وتعالى أرى هذا الشخص الكافر الذي يؤمّ قوماً كفّاراً، أراه الرؤيا ثلاث مرات متوالية، لذلك شعر أن هذه رسالة.
إذاً المنة الإلهية والرحمة الإلهية تعمّ العباد، تعمّ العباد، والرحمة تصيب الجميع حتى ولو كانوا كفّاراً، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى قال فَلْيَعْبُدُوا يخاطب من؟ يخاطب قريش، هم ماذا كان وصفهم هؤلاء الناس؟ ما وضعهم؟ هم المشركون، قال فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ شكراً للمنعم سبحانه وتعالى الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ هذه نعم سابقة، حلّت بهم وبقيت عليهم وحُفظت لهم حال شركهم، ثم دعوا من قبل ربهم المنعم المتفضّل عليهم أن يشكروا فينتقلوا من دائرة الشرك إلى دائرة التوحيد، من دائرة الكفر إلى دائرة الإيمان.
ثم أتى إلى يوسف عليه السلام يطلب منه الفتيا، سيدنا يوسف ماذا قال؟ لم يعبّر الرؤيا، سيدنا يوسف لم يعبر الرؤيا، سيدنا يوسف وضع برنامج مضمّن بداخله الرؤيا، لم يعبّر الرؤيا،، فالطبيعي المنطقي أن يعبّر الرؤيا أولاً ثم يقول اقتراحاته، لم يفعل ذلك،، هذا الكلام بعيد، بعيد جدا جدا جدا عن أي شيء نحن نعيشه، وهذا موجود في القرآن، هذا مصدر العلم.
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا هو بدأ مباشرة بماذا؟ بالتطبيق، ما الذي سنصنع، ماذا سنصنع، والتوجيه مباشر وحاسمن ولم يقل ازرعوا، قال تَزْرَعُونَ فمن المفترض أن يوجّه لهم الأمر المباشر بالتنفيذ، لا، استخدم صيغة الفعل المضارع لكي يوجّههم لضرورة الشروع في الفعل حالاً مع التجدد والاستمرار، فهذا الموضوع لابد أن يبدأ الآن فوراً ودائماً، تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا ستحاول أن تصل إلى أعلى مستوى من الميكنة لكي تنتج من هذه الأرض أعلى عائد ممكن، أنت ستتعامل مع هذه الدورة الزراعية بأعلى مستوى تقنية ممكن لكي تحقق أعلى ناتج من الممكن أن تصل إليه.
وبعد ذلك؟ فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ كيف ستخزّنه لكي تحافظ عليه فترة طويلة، فنحن لدينا احتياجات، إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ سيوجد شيء من التقشف النسبي لأن هذا الكلام نحن نحتاج أن نغطي به مساحة قادمة، فالرجل مازال لا يفهم شيئاً، فأين الرؤيا، لم يأتي بشيء عن الرؤيا فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ سيحرقوا كل شيء، ومعنى ” تحصنون ” أنه يوجد إحكام اقتصادي شديد في إدارة الأزمة، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ سيدنا يوسف كان هكذا توجيهه.
ربنا سبحانه وتعالى متى أرسل للملك الرؤيا؟ في استقبال السبع العجاف أم قبلها بسبع سنوات كاملة، فإذا استقبلت المحنة ببرنامج، ماذا ستفعل؟ فأنت لم تستعد لهذا قبل ذلك، فربنا سبحانه وتعالى من عظيم رحمته هو متى أراهم هذه الرؤيا؟ قبلها بسبع سنوات، لأنهم سيعملوا سبع سنوات لكي يستدركوا السبع السنوات القادمة، فلو مرّ السبع سنوات ودخلنا في السبع السنوات التالية، فالموضوع سيكون أصعب كثيراً، ولكن لابد أن يوجد شيء يفعل لكي تدير بها هذا، فالموضوع لا يسير بشكل عشوائي، وبعد ذلك؟
الملك يريد أن يرى هذا الرجل، فهل وافق؟ لا لم يوافق، سيدنا محمد نفسه صلى الله عليه وسلم قال إذا كنت أنا كنت سأذهب لأتكلم معه، كنت سأقبل الدعوة وأذهب لأتكلم معه،، لكنه لم يرضَ، فلماذا لم يرضَ؟
أقول قولي هذا أستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
لماذا لم يرضَ؟ السمعة والشبهة، السمعة والشبهة.
على قدر عالي جداً من الدراية، كلماته تنمّ عن ذلك، لكنه في السجن، هذا السجن شبهة، تمسّ العرض، تمس السمعة، هو لن يخرج، قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ولذلك الملك قال ائْتُونِي بِهِ أنا لابد أن أراه، أريد أن اقابله ضروري، هو لم يرضَ، وعندما لم يرضَ، وأيقن الملك بأنه منزّهٌ مخلصٌ مطهّر، قال ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي قبل أن يراه، هذه الجملة غير هذه الجملة ائْتُونِي بِهِالأولى؛ أنا أريد أن أراه وأتكلم معه، أما الثانية لا، بدون ما يراه وقبل أن يراه، هو حسم أمره ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فلما كلّمه وجده أعلى وأرقى مما كان يظنّ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ ذو مكانة رفيعة، أَمِينٌ أنت مؤتمن وموثوق، قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ هو سيستطيع أن يدير هذا، هو ليس فقط وضع خطة،، هو سيستطيع أن يديرها، وهو يفهم نفسه جيداً، هو يفهم نفسه جيداً، هذه مهمة جداً قال إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ الحفظ أولاً ثم العلم، لأن هذه خزائن، الحفظ أولاً ثم العلم،، كل شيء وله ترتيبه، ربنا سبحانه وتعالى يقدّم القوة على الأمانة، لكن هنا لم يقدّم العلم، الحفظ أولاً ثم العلم لأن الحفظ هنا أولى وأوجب.
فهذا الموضوع إدارته سهلة؟ لأن هذا الكلام لابد أنه سيصنع برنامج كبير جدا جدا لإدارة الزراعة والإشراف عليها، وسيصنع صوامع ومستودعات التخزين وسيصنع آليات للتوزيع لكي يصنع التحصين الذي كان يريد أن يعمله، وسيصنع التأمينات لئلا يتعدى أحد على هذا، خصوصاً عندما تأتي المحنة، من الممكن أن يأتي الناس ويسرقوا الصوامع،، فهذه الكلمات تحوي كلام كبيير جداً لابد أن نتفكّر فيه، وهذا من أكبر جوانب عظمة القرآن – تكلمنا عليها كثيراً – أن ربنا سبحانه وتعالى يقول كلمات ويترك فراغات، يقول كلمات ويترك فراغات، لكي تكمل لوازم هذه الكلمات بتفكيرك وتدبرك ومقتضيات هذه الجمل، فترى صورة كبيرة تستطيع على أساسها أن تتعلم وتبني وتطبّق هذا مهم جداً.
وقلنا قبل ذلك – كثيراً أيضاً – أن الخليل بن أحمد الفراهيدي قال أن الناس إزاء الإدراك والدراية أربع أقسام قال ” الناس أربعة رجلٌ يدري ” عنده الدراية والفهم والوعي والإدراك، وعنده معرفة بإمكانيات نفسه التي أعطاها له ربنا، ليس الذي أعطاها لنف0سه، لم يقل إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي قال ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي فقال ” رجلٌ يدري ويدري أنه يدري ” هذا هو العالم، قال ” فذلك عالم فاتبعوه ” هو فاهم ومدرك أن ربنا منّ عليه فيعرف ما هذا وكيف سيوظّفه، هذا هو الأول،، فكيف نتعامل مع هذا؟ هذا هو العالم حق العالم، نحن سنتّبع توجيهه لأنه فاهم، أما الثاني: شخص لا يدري، لا يعرف،، ” لكنه ” لديه وعي ” يدري أنه لا يدري ” هو يعرف أين جوانب النقص عنده فيريد أن يجبرها ” فذلك مسترشد ” هذا يريد أن يفهم ويتعلم ” فأرشدوه ” هذا وجهه.
أما الثالث ” رجلٌ يدري ولا يدري أنه يدري ” هذا تائه،، ” فذلك نائم فأيقظوه ” اصح يا رجل اصح،، عنده أشياء، ربنا أعطى له إمكانيات هو لا يشعر بها، ربنا أعطى له قدرات لا يستوعبها، طاقات معطّلة ومهدرة، لابد أصحابها يدركوا أن ربنا أعطى لهم نعم لابد أن يشكروا النعم، وسيسائلهم عن النعم.
أما الرابع – الضياع – ” رجلٌ لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ” هو لا يعرف ويعتقد أنه يعرف، فطوال النهار ينظّر، فماذا نفعل مع هذا ” فذلك أحمق فانبذوه ” لا تعيره السمع لأنك ستضيّع وقتك بدون طائل، فسيدنا يوسف هو النموذج الأول،، فنحن عندنا أربع نماذج، ولذلك سيدنا عليّ حينما وصف الناس إزاء العلم، قال ” الناس ثلاثة: عالم رباني ” هذا الأول ” ومتعلم على سبيل نجاة ” هذا هو الثاني – المسترشد – ” وهمجٌ رعاع أتباع كل ناعق ” فالقضية هكذا، الآن يوجد أسلوب ويوجد أسباب ويوجد أخلاق ويوجد نوابا تنطوي عليها قلوب الناس بهذا المجموع ربنا سبحانه وتعالى يؤتي الناس ويعامل الناس فنحن لابد أن ننتقل من دائرة الفساد إلى دائرة الصلاح، من دائرة البواطن المنطوية على خلل إلى دائرة البواطن المنطوية على الخير، التوجه إلى الله.
تكلمنا قبل ذلك على مدى خطبتين أو خطبة وثلث بالضبط من حوالي ثلاث سنوات وشهر، عن سيدنا عمر كيف تعامل مع القحط والمجاعة، بقيت فترة، فهذه الفترة ماذا كان يفعل هو، هل كان لديه أسلوب لإدارة الموضوع أم لم يكن لديه أسلوب؟ أم نفس النظرية التي اعتادناها أنهم الصحابة رضي الله عنهم وانتهى،، لا ليس الموضوع هكذا، الموضوع أكبر من ذلك بكثير.
النبي صلى الله عليه وسلم في المحن التي انتابت الصحابة في مكة وبالأخص في المدينة، الدنيا لم تكن متيسّرة معهم، فماذا كانوا يفعلون وكيف كانوا يعيشون؟ ونحن ننتمي لأي مجتمع من هذه المجتمعات، وبالتالي إرهاصات المستقبل كيف تكون، خصوصاً أن الرياح القادمة علينا لا تخص مكان دون مكان، رياح تبدو غير طيبة تهب على ديار الإسلام، ليس مكان دون مكان.
ولذلك هذه لا يصلح معها الأشياء الصغيرة الجزئية المحدودة،، هذه ريح تهب على أمة كاملة، ريح تهب على أمة الإسلام يريد ربنا تبارك وتعالى منها لهؤلاء النيام أن يفيقوا ولهؤلاء المعرضين أن يقبلوا، ولهؤلاء المستكبرين أن يتضرّعوا فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا أين الخطر وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أمران؛ القلوب لا تلين ولا تخضع لله، واعتقاد الإنسان بصواب نفسه فهو لن يراجع شيء لأنه غير مخطئ، قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذّبنا فأنت علينا قادر والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير،والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم