بسم الله والحمد لله وأشهد إن لا اله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
اليوم وقد أقيمت صلاة الظهر جئت لشهود الصلاة، فوجدت الناس مصطفين لصلاة الظهر. وبينما أتحرك لأتصل بالصف إذ كبّر الإمام.. فكبّرت للركوع فى قلب الصف، وبعد ما ركعت كان ركوعاً طويلا نسبياً. ثم بينما أنا راكع إذ جاء شخص من الأفاضل أعرفه فأخذ بعضدىّ ثم أقامنى، فوجدت أن الناس واقفون يقرأون وليس هناك ثمّ ركوع أصلا. فهذا التكبير الذى أنا ظننته تكبير الركوع لم يكن إلا تكبير الإحرام.
قال الله تبارك وتعالى أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
فالله سبحانه وتعالى مثّل حال المؤمن المهتدى وحال الشخص الذى يخبط خبط عشواء ولا يهتدى إلى طريق أو إلى سبيل بحال هذين الشخصين. فحينما اعتدلت قائماً بدت لى حقيقة الأمر وتجلت لى صورته إذ لم يكن ثمّ ركوع ولا شىء لكن بينما كنت راكعاً لم أكن أرى شيئا وأتصور أن هذا هو الوضع الصحيح، وأن الناس ركوعاً لكن الحقيقة لم يكن ثمّ ركوع. فالإنسان حينما يكون على حال من الإعتدال والإستقامة يبصر الطريق أمامه جيداً، بينما يكون مكباً على وجهه كما أخبر الله لا يدرك حقائق الأمور. هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية أن الإنسان أسير تصوراته وأفكاره.أنا بنيت على تصور أن هؤلاء الناس الواقفين يصلون بينما هم لم يكونوا قد شرعوا فى الصلاة بعد، فحينما سمعت التكبير ظننته تكبير الركوع فركعت ولذلك ظننت أنه ركوع طويل نسبياً بينما هو لم يكن ركوعا أصلاً. وأنا راكع كان مفروض يكون بجوارى أشخاصاً راكعين وبالرغم من اننى أدركت انه لا يوجد أحد بجوارى راكعاً إلا أننى أكملت..
فالانسان أحيانا يظهر أمامه أموراً مستنكرة أو علامات إستفهام أو أمور تفيد أنه على خلاف الصواب لكنه يكمل وهو مقتنع أنه على صواب بغض النظر عن الحال الحقيقية.
فالإنسان أساس الخلل عنده أنه يتصور الأمور بخلاف ما هى عليه فيبنى على هذا التصور. سمعنا في القرىءة الناس الذين دعوا لإتباع الكتاب والسنة قالوا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا فالموروثات التى ورثها تمثل له الحق والصواب. قال الله تبارك وتعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ هم عندهم كتاب يؤمنون به.. ويدعون إلى إتباع الكتاب الذى يؤمنون به ويعتقدون فى أنفسهم أنه كتاب الله ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ كيف يعرضون عن إتباع الكتاب الذى يؤمنون به والذى أيقنوا أنه كتاب الله؟ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ هو لديه تصور أنه سيدخل النار عدة أيام ثم يخرج.
النبى صلى الله عليه وسلم لما سأل بنى اسرائيل عن النار قالوا نكون فيها أياما ثم نخرج ومآلنا إلى الجنة وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ.
ولذلك كما قلنا فإن الإنسان لديه أفكار وتصورات لا بد أن يعرضها على محك الحق والصواب الذى أخبر عنه الله عز وجل لكى يتيقن هل هو على حق بالفعل أم على باطل، هل هو يتصور الأمور على ما هى عليه فعلاً أم على غير ما هى عليه؟ هذه هى النقطة الثانية. النقطة الثالثة قول الله تبارك وتعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ.
فالله سبحانه وتعالى ذكر أن عامة المخلوقات فى هذا الكون كلها طائعة عابدة ساجدة لله عز وجل إلا بعض الإنس والجن، فصاحبنا هذا الذى كان راكعاً كان مخالفاً لمنظومة العبادة الصحيحة التى عليها كل الناس الموجودين فى المسجد، هكذا الإنسان حينما يخالف ويخرج عن التصور السليم. فالله سبحانه وتعالى ذكر أن كل هذه المخلوقات من شمس وقمر ونجوم وجبال وشجر ودواب كلهم بلا استثناء عابدين لله سبحانه وتعالى ومعهم كثير من الناس، وكثير من الناس حقّ عليه العذاب. والله سبحانه وتعالى يقول تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ وقال سبحانه وتعالى عن سيدنا داوود عليه السلام يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ فهو حينما يسبح كانت تتجاوب معه وتسبح وكذلك الطيور.
فهذا الكون بكل ما فيه هو طائع عابد لله سبحانه وتعالى لا يخرج عن هذا السنن إلا بعض عصاة بنى آدم الذين خرجوا عن السنن الصواب.
النقطة الرابعة أن الإنسان ربما يأتى بشكل من أشكال العبادة ويظن أنه على صواب وهو على خلاف هذا. فصاحبنا هذا الراكع كان يظن نفسه يؤدى العبادة بشكل صحيح لكنه لم يكن كذلك. فكثير من الناس ممن عنده بعض التعبد ربما يتعبد على غير سبيل سليم. ولذلك جعل العلماء شرطا للعبادة المقبولة أن تكون خالصة لوجه الله تعالى وأن تكون موافقة لما أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنن الهدى. ولذلك قال الله تبارك وتعالى قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.
النقطة الأخيرة أن الإنسان أحيانا يحتاج إلى من يهزه بعنف ليرده إلى الطريق الصحيح. فلو لم يأت هذا الرجل الفاضل ويأخذ بعضدىّ صاحبنا لظل راكعا كما هو. فكما قلنا الإنسان قد يحتاج إلى هزة عنيفة أو تأتيه من الله سبحانه وتعالى رسائل قوية تذكره وتنبهه لكى يئوب ويعود إلى الله تبارك وتعالى.
النبى صلى الله عليه وسلم حينما جاءه الوحى أخذه جبريل عليه السلام فغطّه، قال النبى صلى الله عليه وسلم حتى بلغ منى الجهد – أى ضمه ضما شديدا ثم قال له ” إقرأ ” فقال النبى صلى الله عليه وسلم ” ما أنا بقارىء ” قال ” فأخذنى فغطّنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم قال إقرأ فقلت ما أنا بقارىء ثم أخذنى فغطّنى الثالثة حتى بلغ منى الجهد ثم قال إقرأ باسم ربك الذى خلق ” فالله سبحانه وتعالى أنزل جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم فضمه ثلاث مرات وهزّه هزّا عنيفا لكى يدرك أنه مقبل على أمر عظيم.
هذه نقطة تحول فى حياته ونقطة تحول فى حياة البشرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فكان النبى صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أن يهز هزّا عنيفا. وكذلك الإنسان يحتاج أحيانا إلى أن يهز هزا عنيفا كما قال تبارك وتعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا يحتاجون إلى شدائد تهزهم هزّا عنيفا لكى يثوبوا وينيبوا ويتذكروا الله تبارك وتعالى فيعودون إليه. ويقول تبارك وتعالىوَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ وكما قال وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى أى فى الدنيا دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ أى فى الآخرة لحكمة ليس لمجرد تعذيبهم إنما لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ويثوبون بالرجوع إلى الله. ولذلك إحنا ذكرنا مرارا قول النبى صلى الله على وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين ” وأن من اعظم منن الله سبحانه وتعالى على الإنسان أن يفقه حقيقة الدين ويعرف قدر الله سبحانه وتعالى ويفقه كتاب الله سبحانه وتعالى فيستطيع أن يترجم الرسائل الإلهية التى تأتى له فيحسن إستثمارها ويحسن فهمها فيجعله هذا على طريق الحق والصواب. أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.