Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

ألتراس الإسلام

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم،  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ   يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا  ثم اما بعد …

أما حديثنا اليوم فعنوانه ” ألتراس الإسلام ” هذا العنوان وهذا الموضوع إنما التقط من على الجدار الخارجي لكلية الملكة فيكتوريا ، سوف انقل عبارتين بنصهما من دون تصرف ، الأولى مكتوب على هذا الجدار ” لما ابطل اشجع يبقى لازم أنا مت “، وبعدها بعدة أمتار ” يا نجيب حقهم يا نموت زيهم “.

الإنسان ذلك البنيان الفريد الذي خلقه الله تبارك وتعالى إنما جبله ربه تبارك وتعالى على أن يعيش لقيمة ما ، على أن يكون في حياته معنى كبيراً يسعى لأجله، يتمسك به ، يكون على استعداد على للتضحية في سبيله، معنى أكبر من القيم المادية التي يتعلق بها الإنسان في هذه الحياة، جبله الله عز وجل على ذلك ليكون أهلاً لئن يحمل الإمانة التي ائتمنها الله عز وجل عليه، لكي يكون أهلاً ليقوم بالرسالة التي أراده الله عز وجل أن يقوم بها  كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ، هذه الكلمة إنما ابتني معناها في لغة العجم على معنى التعصب والتطرف ، والتعصب والتطرف شيء بأصله مذموم مستنكر، فإذا ما وسمت شخصاً ما بأنه متعصب أو متطرف غضب وأبى أن ينسب إلى هذا الوصف أو إلى هذا الحال ، خاصة إذا تعلق هذا الوصف – وصف التطرف أو التعصب – بالدين، فيسعى الإنسان جاهداً لينفى عن نفسه هذا الوصف ، بل يسعى إلى أن يلصق بالاعتدال وإلى الوسطية وإلى غير ذلك من الأوصاف، لكن هؤلاء يفتخرون بأنهم موسومون بالتعصب والتطرف، هم لا يبالون بذلك في سبيل محبوبهم ومعشوقهم الذي يحبون والذي يستعدون أن يقدموا أرواحهم في سبيله ، وهذه هي المحبة في أعلى صورها ، وهذا هو العشق في أسمى معانيه ، كما قال الشاعر:

أجد الملامة – أي اللوم والمعاتبة والتعنيف والتوبيخ – أجد الملامة في هواك لذيذة .. حباً لذكرك فليلمني اللوم.

لأنهم يلومونه في محبته لمحبوبه فيحتاجون أن يتكلموا أن يذكروا اسم محبوبه الذي يلومونه لأجله، هو يجد اللذاذة في هذا اللوم وهذا التأنيب ، قال الله تبارك وتعالى  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ   ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ  فالله عز وجل جعل علامة هؤلاء الذين يحبهم الله والذين يحبون الله عز وجل حق محبته أنهم لا يخافون في مرضات ربهم تبارك وتعالى لومة لائم ، هذه هي حقيقة المحبة ، هؤلاء حققوا المحبة حقيقة لمحبوبهم الذي يحبون في أعلى معانيها وأسمى أوصافها.

يحكي عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل ، يحكي عن أبيه أنه كان يسمعه كثيرا ما يردد ” رحم الله أبا هيثم” فلكثرة ما سمع هذا الدعاء ولجهله بمن هو أبو هيثمسأل أباه قال يأ أبت : من هو أبو هيثم الذي يلهج لسانك بذكره دائماً ، هل هو شيخ من شيوخك؟ عالم من العلماء الذين استفدت منهم؟ فأجاب أبوه : قال أبو هيثم الحداد .. لما مددت يدي إلى العُقاب وأخرجت للسياط جذبني إنسان من ثوبي ، الإمام أحمد اقتيد إلى السجن في عهد أحد خلفاء بني العباس لما افتى علماء السوء وأئمة الضلالة بفتيا ضالة وامتحنوا الناس وألزموهم بفتياهم ، فمن عارضهم أو خالفهم أو أبطل باطلهم استعانوا عليه بسيف السلطان ، فمنهم من سجن إلى موته ومنهم من ضرب بالسيف ، فكان من هؤلاء الذين اقتيدوا إلى سجن السلطان الإمام أحمد بن حنبل ، فأخرج من سجنه لكي يجلد لأنه أبي أن يقر باطلهم الذي انتحلوا ، فيقول لما مددت إلى العقاب – هذه الخشبة التي سوف يحتضنها لكي يجلد – وأخرجت إلى السياط جذبني إنسان من ثوبي فالتفت ، فقال : اتعرفني؟ قلت : لا ، فقال : أنا أبو هيثم أو أبو الهيثم العيار اللص الطرار ، العيار هذه الكلمة في لغة العرب إنما تعني المتفلت من المبادئ ومن الأخلاق ومن الشرائع .. هو يعرف نفسه يقول : أنا ألو الهيثم اللص الطرار ، الطرار الذي يشق ثيان الناس بموسى أو بغيره لكي يأخذ ما في جيوبهم وما في ثيابهم من الأموال ، قهو يصف نفسه للإمام أحمد لأنه لا يعرفه ، يقول : أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار ، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين – في ملفات وزارة الداخلية – أنني قد ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق – يعني كل شوية كده يجيبوه يضربوه شوية وبعد كده يطلع يسرق واحد تاني فيجيبوه تاني وهكذا ، على مدى تاريخع بيقول أنا اتضربت تمنتاشر ألف سةط بالتفاريق – يقول : وذلك في طاعة الشيطان لأجل الدنيا ، فما عليك أن تجلد اليوم في طاعة الرحمن لأجل الدين. هذا رجل على هذا الحال وهذا الوصف يرق قلبه لهذا الإمام ويرى حقاً واجباً عليه وهو من هو على حاله ووصفه الذي يصف .. العيار اللص الطرار .. أنه على حاله ووصفه الذي هو عليه أن عليه حقاً لأجل ربه ولأجل دينه أن يثبت هذا الإمام على جادة الحق والصواب ، وهكذا الناس ، إن الناس عندنا إما ملائكة وإما شياطين ، نحن لا نتصور الناس إلا بهذه الصورة ، إما أن يكون الشخص من جملة الملائكة والأنبياء المعصومين ، وإما أن يكون شيطاناً مريداً ملعوناً رجيماً ، لكن الناس في الحقيقة ليسوا هكذا ، هم يجمعون إحسان وإساءة ، خيراً وشراً، فيهم معاص وفيهم مخالفات وربما يجترهم الشيطان إلى أن يصيروا على مثل هذه الحال الذي عليه أبو الهيثم الحداد ، لكنهم لا يزال في قلوبهم بقية من خير وبقية من مبة للدين وحرص على نصرة وتثبيت أهل الحق على حقهم لأن هذا الدين دينهم كما هو دين هؤلاء الأئمة والعلماء.

والشيء بالشيء يذكر، يحكي الإمام أحمد فيقول وهو في الحبس ، يقول : لست أبالي بالحبس فهو والبيت سواء ، ولا قتلاُ بالسيف وإنما أخاف فتنة السوط، هو وهو في السجن يقول هذه الكلمات : لست أبالي بالحبس ، هو مش قلقان أو مش خايف إنهم يسجنوه، يقول : فهو – أي الحبس – والبيت سواء، هو لزهده وتقشفه ليس هناك كبير فرق بين السجن من حيق الإمكانيات وبين البيت الذي يقطنه ، وليس سخاف القتل لأنه إذا قتل ذهب إلى ربه تبارك وتعالى وانتهت محنته ، لكنه يهشى العذاب ، أنه إذا توالى عليه العذاب فإنه سوف ربما يضعف فيفتن فيجيبهم إلى باطلهم فيهلَك ويُهلِك الناس باتباعه، يقول : إنما أخاف فتنة السوط ، فناداه بعض من كان في الحبس .. واحد من الناس بقا المساجين، الناس الخبرة القدام، فقال : لا عليك يا أيا عبد الله إنما هما سوطان ثم لا تدري أين يقع الضرب ، هما اتنين بس وبعد كده أنت مش حتحس بحاجة ، فكأنما سري عنه، هذه الكلمات البسيطة التي قالها له هذا الشخص السجين المسجل خطر تثبيتاً وقعت في قلبه موقعها فسرت عنه ما يخاف وما يحذر.

نعود إلى أبي الهيثم، يقول ابن الجوزي في تلبيس إبليس أن أبا الهيثم لما اشتهر أمره أراد المتوكل – الخليفة – أن يراه – شخصية مشهورة – فاستقدمه إليه ، فلما دخل عليه بدا المتوكل متعجباً من حاله، فقال له أبو الهيثم – اسمه خالد – قال: لما قال له المتوكل : ما بلغ من جلدك؟ قال املأ لي جرابي عقارب ثم ادخل يدي فيه .. أي أنه لا يتحرك وإن لدعته العقارب ثم يقول : وإني لأجد من الألم ما يجده الناس ويؤلمني آخر سوط كما يؤلمني أول سوط وإنك لو وضعت خرقة في فمي وانا أجلد لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي لكني وطنت نفسي على الصبر ، فقال له الفتح بن خاقان الوزير – رئيس الوزراء -: قال مع ما لك من البيان والعقل أنت على ما أنت عليه من الباطل؟ ، أمر غريب يعني هذا العقل وهذا الجلد وهذا الصبر وهذا التفكير ثم تسلك هذا المسلك ، فقال له : أحب الرياسة.إنما يحملني على ذلك أنني أحب الرئاسة والزعامة ، فحبه للرئاسة والزعامة وهي أكبر شهوة تصيب الإنسان ولذلك يضحي في سبيلها بكل شيء ، بكل غال ونفيس ، فقال له المتوكل : نحن خليديك . إذا كان الأمر كذلك فنحن على منهجك ومسلكك ، فأنت تحب الرياسة بهذا السبيل، ونحن أيضاً نحب الرئاسة ولكن في سبيل آخر.

يقول داوود بن علي : لما أوتي به – أي خالد بن الحداد- إلى بغداد اشتهيت أن آراه فلما خرجت فنظرت إليه إذا به يجلس غير متمكن من جلسته – مش عارف يقعد كويس – لأنه قد ذهب لحم إليتيه – مؤخرته – ذهب لحم إليتيه من شدة الضرب – مش عارف يقعد – وإذا حوله فتيان – الشباب الصغير التلاميذ – فإذا بهم يقولون ضرب اليوم فلان وفعل اليوم بفلان – وفعل اليوم بفلان – زمايلهم بقا – ضرب اليوم فلان وفعل اليوم بفلان كذا وكذا فقال لهم : لا تتحدثون عن غيركم ، افعلوا أنتم حتى يتحدث غيركم عنكم.

انظر إلى هذا التفكير وهذه التربية الذي يربي بها هذا الشخص الطرار اللص العيار تلامذته واتباعه ، هو يقول لا تقضوا أعماركم ، لا تشغلوا أنفسكم بالحديث عن فلان وعن علان وماذا حدث؟ وماذا جرى؟ وأخبار اليوم والأمس وغدا فأنتم بهذا خارجون عن حركة الحياة وحركة التاريخ وعن التأثير في الواقع ليس لكم أي نفع أو فائدة ، هو يخاطب تلامذته الذين يعدهم أن يكونوا لصوصاً سراقاً طراراً عياراً يقول لهم لا تتحدثون عن غيركم افعلوا انتم حتى يتحدث غيركم عنكم.

مالك بن الريب بن حوط المازني التميمي ، مالك هذا كان لصاً قاطعاً للطريق على الطريق ما بين شمال الجزيرة إلى جنوب أرض العراق ، وكان لصاً شهيراً لقيه سعيد بن عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان سعيد خارجاً بجيش لفتح خراسان فلقي مالكاً وكان يسمع به ، فلما كلمه رآه وسيماً عاقلاً أديباً فقال يا مالك : ما الذي يدعوك إلى ما أنت عليه من السرقة وقطع الطريق وترويع الناس وأنت على ما أرى؟ قال : أصلح الله الأمير العجز عن مكافأة الأخوان ، إناس يحسنون إليه لهم عليه أياد هو لا يستطيع أن يكافئهم لأنه فقير ، هو يسرق ويقطع الطريق لكي يكرم الضيفان وينعم على الأخوان ، فقال له سعيد : فهل إذا أغنيتك واصطصحبتك تترك ما أنت فيه؟ قال : أصلح الله الأمير أكف كفاً أحسن ما كفه أحد ، إذا فعلت انت معي ذلك عاهدتك على أن أكف ما أنا عليه، فترك ما هو فيه وصحب سعيداً في غزوه وجهاده حتى انتهوا إلى أرض خراسان – آخر أفغانستان – فبقي معه يجاهد حتى قتل سعيد ثم لدغته عقرب بعده فمات في هذه البلاد البعيدة ، وقيل أنه طعن معه ثم مات بعد ذلك، فهذا الرجل على ما ترى فيه من صفات هو لص وقاطع للطريق لكنه لما اتيحت له الفرصة لكي يحول هذا العمل الذي يؤذي به ويضر إلى عمل آخر ينفع به ويفيد يحول طاقته وإمكاناته من باب الشر والفساد والأذى إلى باب الخير ونصرة الحق والجهاد في سبيل الله لم يتلكأ ولم يتلبث ولو للحظة واحدة ، لما عرض عليه هذا العرض أنه سوف يغنيه عما يدفعه إلى الشر والفساد وعما يدفعه إلى السرفقة ونهب الموال تحول في الحال إلى هذا الطريق والسبيل من سخط الله عز وجل إلى مرضاته ، من محاربته لعباد الله لمجاهدته في سبيل الله عز وجل ، هو لم يكن يحتاج إلا أن يمد إليه هذا الرجل يده ، إلى أن يأخذ بيده إلى طريق الحق فحينئذ خرج معه وصاحبه ولم يكن مالكاً وحده هو الوحيد بهذه الصفة في هذا الجيش ، إذ استطاع سعيد أن يأخذ في طريقه خمسين رجلاً من أمثال مالك والجيش بكليته لم يزد على أربعة آلاف رجل من جملة هؤلاء الأربعة آلاف خمسين رجلاً من حال وصف مالك هذا ، يقول وهو بآخر رمق يذكر قصته وما حدث له يقول :

ألم ترني بعت الضلالة بالهدى – تركت طريق الضلالة الذي كنت عليه وهداني الله عز وجل إلى طريق الهدى والرشاد –

ألم ترني بعت الضلالة بالهدى .. وأصبحت في جيش ابن عفان غازياً

– تحولت من لص إلى غاز مجاهد في سبيل الله عز وجل –

واصبحت في أرض الأعاجم بعدما أراني عن أرض الأعاجم قاصياً

– كنت في أبعد مكان عن هذا المكان الذي جئت إليه راكباً في الجهاد في سبيل الله عز وجل وتعويض ما فاتني في حياتي السابقة التي سبقت هذا –

فلله دري يوم أترك طائعاً بني بأرض الرقمتين وماليا

– فهو يذكر أن من الله عليه أنه ترك طوعاً لله عز وجل ليس مكرهاً وإنما راغباً في رضوان الله عز وجل –

فلله دري يوم أترك طائعاً .. بني بأرض الرقمتين – دياره التي كان فيها – وماليا

تقول ابنتي لما رأت وشك رحلتي – أنه جاد فعلا إنه كان حيسيبهم ويمشي –

تقول ابنتي لما رأت وشك رحلتي .. سفارك هذا تاركي لا أب لي

– يعني أصبحت حتحول ليتمية إذا تركتني وسافرت، ثم يذكر عهده مع الله عز وجل –

إن الله يرجعني من الغزو لا أرى وإن قل مالي طالباً ما ورائياً

– يعني تائباً لله عز وجل فإذا رجعت ولم يكن عندي مال مرة أخرى ولم أجد سعيداً لأن سعيداً قد قتل فإني قد عاهدت الله عز وجل ألا آخذ من أموال الناس شيئاً وإن قل مالي ، ثم يذكر وفاته بمرو ومجيء منيته فيقول – :

تذكرت من يبكي علي – في هذه البلاد البعيدة حينما عندما اتته منيته وحانت وفاته يقول –

تذكرت من يبكي علي فلم أجد سوى السيف والرمح الرديني باكياً

– هو بعيد أبعد ما يكون عن أهله وذويه وأقاربه في هذه الأرض البعيدة التي ذهب إليها في سبيل الله عز وجل –

تذكرت من يبكي علي فلم أجد سوى السيف والرمح الرديني باكياً

وأشقر – فرس – خنديداً يجر عنانه إلى الماء لم يترك له الدهر ساقياً

– خلاص هو حيموت وهذا الفرس سيبقى لا راع له ولا ساقي –

يقوده قوم – أي الفرس – وقد مات ربه يباع بوكس – بثمن بخس – بعد أن كان غالياً

ولكنْ بأطرف (السُّمَيْنَةِ) نسوةٌ  – نسوة هناك بعيد نساء يبكين عليه – عزيزٌ عليهنَّ العشيةَ ما بيا

صريع على أيدي الرجال بقفرة يسوون لحدي حيث حُم قضائيا

فمنهن أمي وابنتاها وخالتي وباكية أخرى تهيج البواكي

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

الحمد لله ، سار لغط وتعالت أصوات في هذا الإعلام المذموم المسئوم بل الكريه البغيض حول كلمة الشهادة ووصف هؤلاء الشباب الذين رحلوا بأنهم شهداء ، وأما الشهادة فهي أن يسطر الإنسان بروحه وبنفسه وبقلبه ودمه يسطر بها شهادة أنه يضحي في سبيل ما يحب وفي سبيل ما يعتنق ويعتقد ، فكل من قدم بروحه ودمه شهادة لقضية ما يعيش لأجله وتستحق أن يموت في سبيلها فهو شهيد لكن الشهادة المرغوبة المحبوبة هي الشهادة إذا كانت في سبيل الله عز وجل ، فالشهادة معنى عام ، كل من عاش لقضية ومات في سبيلها فهو شهيد قضيته ، لا يمكن أن يسلب عنه هذا الوصف لأنه يستحقه ، لكن الشهادة التي نبغي والتي نحب والتي يرضى الله عز وجل عنها أن تكون هذه الروح وأن يكون هذا الدم في سبيل القيمة العظمة التي تستحق حقاً هذه التضحية.

إن الذي يستحق أن يقدم الإنسان روحه وقلبه ونفسه ودمه في سبيله إنما هو رضى الله عز وجل وإخراج الناس من الظلمات إلى النور ونشر نور الله عز وجل في الخافقين ، هذه هي القضية التي تستحق حقاً أن يقدم الإنسان في سبيلها لكننا أبصرنا ورأينا وهذا ما نريد أن نتكلم عنه، أبصرنا ورأينا أناساً على استعداد لئن يقدموا أرواحهم في سبيل قضية ، هؤلاء هم من نبحث عنهم .. لكننا نريد أن نقول لهؤلاء إن فوق هذه القضية قضية أعظم بما لا يقارن ، إن الإنسان الذي يستعد أن يقدم روحه في سبيل قضية هو إنسان يستحق أن يجلل وأن يبجل وأن يحترم لكننا نريد أن نقول له إن هذا الطريق ليس هذا هو الطريق إلى التضحية العظمى إنما فوق هذا واكبر من هذا بما لا يقارن ما يستحق أن يبذل في سبيله.

 إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 

نختم بأبي جلدة ، أبو الهيثم ومالك بن الريب ثم أبو جلدة …

أبو جلدة هذا أيضاً على نفس منوال الخطبة هو أيضاً لص سارق كان يعيش في فلسطين في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي حينما بدأ الانتداب البريطاني وبدأ يمكن لليهود من الاستيطان في فلسطين فبدأ الناس يقاومون هذا ، فكان من جملة المقاومين أبو جلدة ، أبو جلدة له طريقه في المقاومة ، هو يقطع الطريق على قوات الانتداب ، هو يسم مواشي اليهود ، هو يسرق أموالهم ، فهو لص لكنه لص ضد الإنجليز ولص ضد اليهود ، فأصبح له شهرة وأعجب الناس به والتفوا حوله ، لماذا؟ لأنه يمثل الشعور والحس الشعبي الموجود عند الناس برفض هذا الاحتلال ورفض وجود اليهود ، فالشيخ القسام رحمه الله سئل عن أبي جلدة وعن غيره من أهل الشعراوية الذين يفعلون هذه الأفعال وينعتهم الناس بانهم لصوص وقطاع طريق ، فقال القسام : قال دعهم – يقول لسائله – دعهم فإن هؤلاء فيهم رجولة سنحولها يوماً إلى جهاد في سبيل الله، وما دام الاستعمار يرغب في إماتة قلوبنا فإن هؤلاء – هؤلاء قطاع الطرق هؤلاء السراق – فإن هؤلاء أقرب إلى الله وإلى حب الجهاد من المستكينين، هو يقول أن هؤلاء على حالهم ووصفهم وصفتهم هذه هم أقرب إلى الله عز وجل ممن يسلمون بلادهم وأرضهم وأموالهم بأيديهم إلى اعدائهم، فهؤلاء أقرب إلى الله عز وجل وهؤلاء إذا اجتهدنا معهم – هذا كلامه – نستطيع أن نحول أفعالهم هذه – لأنها هي فقط تحتاج إلى تحويل الوجهة – هو بيتحرك هو بطبيعته بيتحرك طبيعته بيعيش لقضية هذه طبيعة الإنسان فهذا بما إنه يتحرك هذا توجيه بوصلته وتحويل قبلته أيسر من تحريك من لا يلتفت إلى قضية ولا يعيش إلى هدف ولا يرى قيمة أعظم من الطعام والشراب والشهوة

 كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ 

 إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ۝ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا 

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

اللهم ولي علينا خيارنا ولا تول علينا شرارنا

اللهم فقهنا في ديننا وزهدنا في دنيانا

اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا واهلك اللهم أعدائنا

اللهم ارزقنا الأمن والإيمان والسلامة والإسلام

اللهم ارزقنا الأمن والإيمان والسلامة والإسلام

اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم