إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
قال الله تبارك وتعالى وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ هو سبحانه وتعالى يتعرف إلى عباده بعظيم خلقه وعظيم قدرته سبحانه وتعالى وعظيم صنعه، فيقول تعالى صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ هذا الذي ذكره تبارك وتعالى ليس بدعاً من خلقه ولا من قدرته ولكنه سبحانه وتعالى هو الذي أحسن كل شيء خلقه، قال تعالى ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ يقول صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وعن أبيه ” إن الله خالق كل صانع وصنعته ” وفي رواية ” إن الله يصنع كل صانع وصنعته ” فهو يخبر صلى الله عليه وسلم عن أن الصانع الأوحد في هذا الكون هو الله تبارك وتعالى هو الذي خلق وهو الذي صنع هذه المصنوعات وهو الذي أقدر عباده على أن يصنعوا ما يصنعونه من أشياء، إذاً في الحقيقة أصل مفهوم الصناعة وأصل حقيقة الصناعة إنما ترجع إلى الله تبارك وتعالى وحده ” إن الله خالق كل صانع وصنعته ” ، يقول الله تبارك وتعالى وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ فهو سبحانه وتعالى يخبر أنه جعل من البيوت سكنا وجعل لنا بيوتاً – هو الذي جعل سبحانه وتعالى – جعل بيوتاً للاستقرار وبيوت للترحل والانتقال مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا هذا الوضع المستقر، عمارة المدن والقرى، أما الناس الرحل جعل لهم من جلود الأنعام بيوتاً وهي الخيام، تَسْتَخِفُّونَهَا يسهل بها الانتقال من مكان إلى مكان حسب احتياج الإنسان في رعي أو في غيره، أو يفتح شيء في منطقة جديدة.
فهو يخبر سبحانه وتعالى أنه هو الذي جعل وهو الذي خلق، ثم قال تبارك وتعالى وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ السرابيل هذه هي المنسوجات، لا تسمى سرابيل إلا بعد أن يدخل الإنسان جهده في التحويل التعديل الذي نسميه تصنيعن فبعد التصنيع ربنا سبحانه وتعالى ربنا سبحانه وتعالى بماذا يصفها؟ وَجَعَلَ هو الذي جعل سبحانه وتعالىسَرَابِيلَ هذه هي الملابس وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ هذه هي الدروع.
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ مع سيدنا نوح، حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ هؤلاء المحمولون هم الأجداد ليس الذرية، ولكن كل إنسان حمل جده في هذا الفلك كان محمولاً في صلبه، ليس هم فقط المحمولين، ولكن الذرية، لأن الناس الذين ذرأهم ربنا سبحانه وتعالى في الأرض بعد الطوفان كلهم كانوا محمولين في هذه السفينة، فربنا سبحانه وتعالى يذكر نعمته علينا، ليس فقط علينا الآن، ولكن علينا في المستقبل، وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ تلك الأصنام وَاللهُ خَلَقَكُمْ وخلق معمولاتكم ومنها هذه الآلهة التي تدعون أنها شركاء مع الله عياذاً بالله، فربنا سبحانه وتعالى خلقكم وخلقها، فكيف يجعلون المخلوق شريكاً للخالق العظيم المتفرد سبحانه وتعالى وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ إذاً ربنا سبحانه وتعالى هو الخالق لكل شيء وهو الصانع الحقيقي لكل شيء هو ربنا الذي خلق الإنسان، خلق الفكر، خلق الطاقة، خلق القدرة ويسّر الأسباب ومكّن الإنسان ونحن قلنا الخطبة الماضية وتكلمنا عن التسخير، أن ربنا سبحانه وتعالى جعل كل شيء مسخّرة للإنسان لكي يشكر نعمة ربنا عليه، ولولا التسخير لا يتمكن الإنسان من فعل شيء.
فما معنى الصناعة؟ كلمة الصناعة لا تطلق إلا على الشيء، أولاً المبني على علم، الأمر الثاني المتصف بالاتقان والإجادة، شيء مبني على علم وتتصف بالاتقان والإجادة، حينئذٍ تسمى صناعة، فإذا لم تكن مبنية على علم لا تسمى صناعة ولو لم تتصف بالاتقان والإجادة لا تسمى صناعة.
نحن الآن لدينا شيء تسمى الدول الصناعية الكبرى، ما صفة الدول الصناعية الكبرى، هي بها هذه الصفات العلم والاتقان والإجادة صحيح، هذا حقيقي، لكن ما مآل العلم والاتقان والإجادة في علاقة العبد بالرب إذا غاب عن الإنسان أن ربنا سبحانه وتعالى هو الصانع الحق وهو الصانع على الحقيقة حينئذٍ الإنسان يستكبر ويطغى لأنه يعتقد أنه الصانع ولذلك إذا كانت الدولة تعتمد على الزراعة في النهاية الموضوع أنهم يستشعروا، يستشعروا الاحتياج والافتقار إلى الله لإنه لا يعمل الكثير، فهو إحساسه بالتدخل الإلهي كبير، وإذا كان الاشتغال بالتجارة سيكون أيضاً هذا الجانب يكون ظاهر عند الإنسان إن لم تكن الغفلة غالبة عليه، إحساسه بالاحتياج إلى التدبير وإلى الرزق وإلى التهيئة والتيسير الإلهي.
أما المجتمع الصناعي: يرى أنه الذي يعمل وهو الذي يصنع وهو الذي يشكل وهو الذي يكون، فيصبح بعيداً، مقومات البناء هذه، فنحن حينما نتكلم ونقول أن في الدين ما يسمى بالاقتصاد فهذه مقوماته، الزراعة والصناعة والتجارةن هذه هي المقومات لأنه مبني على فكرة البناء وفكرة الانتاج وفكرة النفع، شيء ناقع ومنتج، فأنت تبني، تبني، ولذلك السياحة ليست اقتصاد، لايوجد شيء هكذا، ولا يصلح أن يعتمد أحد على هذا أو يجعل هذا مورد أساسي، فهذه ليست شيئاً، فنحن لا نفعل شيئاً، نحن لا نبني شيئاً، لا نضع شيء في مفهوم البناء الإنساني الذي أراده الله.
فإذن الإنسان الذي يصنع حينما يؤمن، ويدرك أن في الحقيقة ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يصنع فينتقل من الكبر إلى التواضع، ومن الاستعلاء إلى الخشوع.
فماذا يستخدم العرب الصناعة ” لغة “؟ يقال ” صنع الفرس ” الفرس لا يصنع، ويقال ” صنع الجارية ” أو ” صنّع الجارية ” لكي نعلم أن هؤلاء الناس لديهم عقل، فهذا في أصل لغة العرب، فما معنى صنع الفرس؟ أي أحسن القيام عليه بخدمته ومراعاته ” صنع الفرس ” فلماذا سمّوها صناعة؟ لأنها محتاجة قدر عالي من الاهتمام.
و ” صنع الجارية ” أحسن تأديبها، ولذلك يستخدموا صنع وصنّع، لماذا؟ لأن صنّع هذه فيها مبالغة في المعالجة والاهتمام حتى إن من العلماء من أنكر التخفيف، وقال لا هي صنّع فقط، أي ” صنع الفرس ” و ” صنّع الجارية ” فلماذا؟ لأن صناعة الفرس لا تحتاج من الجهد ما تحتاجه صناعة الجارية، ففيم يستخدموا الصناعة؟ في التربية، يستخدموا الصناعة في التربية لماذا؟ لأنها تحتاج إلى علم وتريد قدر كبير من الإجادة والاتقان والمراعاة، لكن عندنا المفهوم بالصناعة مادي، أما هم ليس لديهم هذا، هم لديهم الصناعة الأهم تتعلق بالكائنات الحية التي ذرأها الله وأعظمها الإنسان ولذلك استخدموا في الحيوان التخفيف واستخدموا في الإنسان التشديد، وقالوا الجارية لأن الجارية تحتاج من التصنيع والجهد أكثر مما يحتاجه الغلام.
إذاً الصانع هو الله، ولذلك نحن نقول الحمد لله رب العالمين، الرب هو المربي، الرب هو الذي يربي عباده بنعمه، والتربية هذه هي الصناعة للإنسان، فالمربي هو الصانع الذي يصنع عباده.
ففيم يستخدموا الصناعة أيضا؟ فعل الخير والمعروف، اصطناع المعروف، الصنيعة: هو الخير والبر والإحسان الذي يقدمه الإنسان لغيره، بماذا يعبروا عنه، ليس بفعل المعروف، اصطناع المعروف، فالصناعة سترجع إلى أمرين، الصناعة بمعنى التربية، والصناعة بمعنى التغذية والامداد بالخير، هذه صناعة وهذه صناعة، ففوق الصناعة التي نعرفها يوجد صناعة أخرى أعلى وأرقى وأعظم، صناعة المعروف وصناعة التربية.
في صناعة المعروف، في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه في معجم الطبراني الكبير يقول صلى الله عليه وسلم ” صنائع المعروف تقي مصارع السوء ” ” صنائع المعروف تقي مصارع السوء ” إذاً لماذا هي صنيعة؟ لأنك تصنع بها لنفسك، تصنع بها لنفسك عند الله سبحانه وتعالى خيراً وبرّاً وحفظاً وحماية ورعاية.
وفي صناعة الإنسان؟ قال الله تبارك وتعالى وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي فهنا الصناعة وهنا الاصطناع بجانب بعضهما وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
فنحن الآن تكلمنا عن مرجع الصناعة وأن الصانع هو الله وتكلمنا عن الصناعة العظمى، صناعة الخير، صناعة المعروف، صناعة الإحسان، والأعظم صناعة الإنسان، ربنا سبحانه وتعالى أنزل القرآن لكي يصنع الإنسان هذه وظيفته، هذه وظيفته، هذه هي مهمة الرسل يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ التزكية، تطهير النفس وتنقيتها، وترقيتها، نحن قلنا أن التزكية شييئان الترقية والتنقية، أنك تزيل الآفات، نحن قلنا كلمة ” زكى الزرع ” أي نما عبر السقي والرعاية وعير إزالة الآفات والمتلفات، فأنت تفعل شيئين؛ تزيل كل عقبة في الطريق وتتابع وتغذّي وتروّي، هذه هي وظيفة الرسل؛ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ فهو سيزيل من طريقهم ومن داخلهم كل شيء يبعدهم عن ربنا، وسيزرع بداخلهم معاني البر والخير والإيمان والطاعة والإحسان، وحينئذٍ تكون هذه اسمها صناعة، وحينئذٍ يصنع الإنسان.
ربنا سبحانه وتعالى يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ فهنا ربنا سبحانه وتعالى فيم استخدم الصناعة؟ قال أن اعمال الناس، أعمال الناس من المخالفة هذه أعمال.
لكن ترك الأحبار والمربيين والأئمة لدورهم سماه صناعة ولم يسمه عمل، قال لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ لأن العمل هو فعل بسيط؛ مبني على الانسياق وراء نزغات الشيطان وشهوات النفس الأمارة بالسوء، هذا هو الفعل العادي للبني آدم العادي،، وفعل هؤلاء؟ ليس فعل،، صناعة؛ لأنه علام سيبنى؟ على أنهم سيضعوا قوانين تقنن المخالفة فهذه صناعة.
ولذلك الناس نوعان: شخص يعصي وهو معترف ومقرّ أنه يعصي، هو يعرف أنه مخطئ ولا يجادل في هذا، وهذه غلبة النفس الأمارة وضعفها وهو يرتجي أن ربنا سبحانه وتعالى يتوب عليه، فيرتجى له الخير، فهذا يرتجى له الخير
ولكن عندما أحوّل ما أفعله – الذي هو خطأ – إلى قانون، أي أنني أحاول أن أصححه وأحاول أن أبرمجه، وأخرجه على أنه يجوز ويصلح فساعتها تكون هذه صناعة، والصناعة من الصعب معالجتها، والصناعة لابد يستدعى لها الربانيون والأحبار، المواطن العادي لا يستطيع أن يفعل هذا الكلام.
فطالما أنا معترف بقصوري وتقصيري فبإذن الله يكون مآل الإنسان إلى خير، ونحن تكلمنا على هذا الكلام مراراً عندما قلنا الفرق بين آدم وإبليس،، هذا شخص ربنا أمره – فيوجد سمعنا وأطعنا – سمعنا وأطعنا،، ثم بعد ذلك النفس وميولها ورغبتها في الدنيا ونزغات الشيطان وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى وبعد ذلك، وبعد ذلك الندم والحيرة ولا أدري ماذا أفعل فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ لأنه كان يبحث عنها، هو كان منتظر هذه الكلمات، فهو ليس لديه في المعجم عندما يصنع ماذا يفعل، لأن ربنا خلقه للطاعة وليس للمعصية، فلم يقل له عندما يعصي ماذا يفعل، فعندما عصى؟ فسدت عليه الدنيا ولا يعرف ماذا يفعل لا يعرف، فربنا ألقى إليه الكلمات التي ستنزل على القلب الندمان، أصلاً هذا القلب هو قلب ندمان، فربنا سبحانه وتعالى أنزل عليه كلمات التوبة، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ لأنه كان يبحث عنها.
فلو انتقلنا إلى النموذج الآخر قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ هذا يتفلسف، يتفلسف وينظر ويصوب ويصحح لربنا نفسه، لربنا نفسه سبحانه وتعالى عياذا بالله كأنه هو الذي سيعلم الحكيم العليم ما الصواب وما الخطأ، ما ينفع وما لا ينفع، ما يجري وما لايجري قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ولذلك لا يصلح أن يكون البني آدم هكذا لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ معاصي مركبة ليست بسيطة، الفرق بين يعملون ويصنعون،، هذه أمر بسيط، وهذه صورة مركبة؛ المبنية على التنظير وعلم وإحكام في الفساد، فمتى يحدث المشاكل؟ عندما تتحول الأمور من الصور البسيطة إلى الصور المركبة قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ليس عملا يُحْسِنُونَ صُنْعًا
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ما الصناعة، ماذا كانت الصناعة؟ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ هذه هي الصناعة وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ هذه الصناعة إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ لماذا سيبطله الله؟ تدخل عشوائي؟ عياذا بالله لا، هناك قانون، يوجد قوانين لربنا سبحانه وتعالى إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ لأن ربنا سبحانه وتعالى محبته للخير، وللإحسان وللإصلاح، قال الله تبارك وتعالى فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
إذاً ربنا سبحانه وتعالى هو الخالق وهو الصانع وكل صناعة تستوجب حمداً وشكراً، من أعظم الصناعة أن ربنا يوفّقنا أن نصنع خيراً، نصنع لأنفسنا، صناعة الخير؛ الإنسان يصنع لنفسه في العاجل وفي الآجل، النبي صلى الله عليه وسلم يقول أن هذه تقي مصارع السوء، وهذا هنا قبل هناك.
وأعظم صناعة أن ربنا سبحانه وتعالى يوفقك أنك تصنع بني آدم، فما معنى أن تصنع بني آدم؟ أنك تربيه على وفق ما يرضي الله،ولذلك كان أعظم التربية كما قلنا أن ربنا سبحانه وتعالى امتن على سيدنا موسى في مقام المنة أنه هو الذي قام على صناعته، سماها صناعة وَلِتُصْنَعَ هذا البني آدم وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي بكلاءة ورعاية وحفظ ربنا سبحانه وتعالى، ولذلك اليتيم بالطبيعة هو في حال ضيعة، لماذا؟ لعدم وجود الأب المربي الصانع للخير، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى الرب حين يحل محل الأب، الرب نفسه سبحانه وتعالى، الرب يحل محل الأب، أي صناعة!!
وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي أين؟ هو لم يكن في ملجأ، هو كان في قصر الفرعون،، التربية العكسية، التربية العكسية ربنا سبحانه وتعالى أخرج موسى بهذه الصفة في مكان أبعد ما يكون عن هذه التربية، أنه كان يصنع على عين الله، فهذه الصناعة لماذا؟ لأن ربنا سبحانه وتعالى يريد أن يهيّئه لشيء وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي وقلنا الاصطناع، ما معنى الاصطناع؟ يقول قلان صنيعة فلان، ما معناها؟ أن هذا هو الذي أدّبه ومن ربّاه ومن اصطفاه وخرّجه، ” فلان صنيعة فلان ” أي هو لاذي قام على تاديبه تربيته وتعليمه وتخريجه، فموسى عليه السلام صنيعة الله، هو القائم عليه، ولذلك نحن قلنا أن هذا هو الرب، عندما نأتي إلى الصلاة ونقول ” رب العالمين ” أو عندما أدعي وأقول ” يارب ” عندما أدعي وأقول ” يا رب ” وهذه أقرب كلمة إلى القلب، أقرب كلمة إلى القلب ” يا ربط مفزع الإنسان في كل وقت، أي شخص عندما يفزع يفزع لمن؟ يفزع إلى هذه الكلمة، لا يقول شيء آخر، ولا يستخدم تعبير آخر، يقول ” يارب ” – على فكرة – هذا ليس تعليماً، كلمة ” يارب ” ليست تعليماً، هذه بالفطرة أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا هذه ليست تعليماً، وهذه من رحمة ربنا بنا، وضع هذه الكلمة بداخلنا فطرة، تقول ” يا رب ” بدون تفكير، بدون تفكير، أول ما يضيق علينا نقول يا رب، فما معنى الرب؟ الذي يغمر الإنسان بنعمته، المكان الذي أنت على ثقة أنك حينما تتوجه إليه لن يخذلك، لن يخذلك.
وإني لأرجو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانع
أن ربنا سبحانه وتعالى يصنع لك، ثم يصنع بك، يصنع لك، يصنع لك أي أن ربنا سبحانه وتعالى يهيّئ لك كل ما ترتجي، ويصرف عنك كل ما تحذر، ثم يصنع بك خيراً لعباد الله، هذه أعظم نعم ربنا على الإنسان، وهذه هي حقيقة الصناعة، هذه هي حقيقة الصناعة، فنحن نتوجه بقلوبنا إلى الرب الخالق الصانع سبحانه وتعالى أن يعيد تصنيعنا على وفق ما يحب وعلى وفق ما يرضى، ولكن لكي يتم هذا لابد أن أقوم أنا بالواجب الذي عليّ، لابد أن أأخذ الخطوة باتجاه ربنا سبحانه وتعالى.
منهج الصناعة؟ القرآن، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يمثّل النموذج التام للصناعة الإلهية، ” كان خلقه القرآن ” هذه هي تمام الصناعة، فنحن محتاجين أن نتوجه إلى ربنا سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا بأن يجعلنا من مصنوعاته التي صنعها سبحانه وتعالى على عينه، صنعها على عينه وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ
اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم، اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم، ولا تعذّبنا فأنت علينا قادر والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين
اللهم إنا نسألك من كل خيرٍ سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون، ونعوذ بك اللهم من كل شرٍ استعاذك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون
اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه ومالم نعلم
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم