إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا أنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هاد له وأشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد
حديثنا عنوانه ” ايمان جديد “
لما نصر الله سبحانه وتعالي اولياءه من المؤمنين علي عبدة النيران من الفرس في القادسية فر الفرس باتجاه المدائن وهي عاصمة ملكهم وتقع في الجانب الشرقي من نهر دجلة فاحتاج أهل الاسلام الي إن يطاردوا عدوهم وويجلوهم من عاصمة ملكهم، فأرسل سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه عاصم التميمي في كتيبة لكي تعبر من الجانب الغربي الي الجانب الشرقي في نهر دجلة تأمينا لعبور الجيش بعد، ثم عزم رضي الله عنه علي أن يعبر الجيش وليس ثم سفينة لديهم، سيعبرون بأبلهم وخيلهم تعوم خيولهم ويعوم المشاة منهم الي إلجانب الآخر، فقال سعد رضي الله عنه آمرا جنده موصي لهم ” قولوا نستعين بالله ونتوكل عليه حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا به ” .
ثم شرعوا في عبور النهر فجعل الماء لا يتجاوز مقدار شبر من اقدام المشاة ولا من قوائم الخيل وجعل سعد رضي الله عنه يعجب من أمر الله عز وجل ومن تيسيره ومن قدرته، فجعل يردد حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل ثم قال: والله لينصرن الله وليه وليظهرن الله دينه وليضربن الله عدوه سبحانه وتعالى إن لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات.
ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ما أفقههم وما أعلمهم
هو تفاعلاً وتأثراً مع هذه الآية الإلهية ومع هذه النعمة التي امتن الله عز وجل عليهم بها جعل لسانه يلهج بقوله حسبنا الله ونعم الوكيل ثم يذكر فضل الله عز وجل ورحمته ووعده يقسم علي كل جملة من هذه الجمل الثلاثة ” إن الله سبحانه وتعالي ناصرا اوليائه “
قال الله تبارك وتعالي آمرا رسوله صلي الله عليه وسلم إن يقول إِنَّ وَلِـِّۧىَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلۡكِتَـٰبَۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّـٰلِحِينَ إنما وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ ۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٲكِعُونَ
والله لينصرن الله وليه وليظهرن الله دينه هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ وليضربن الله عدوه
ولكنه ذكر شرطاً ما لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات، ما لم يكن في الجيش بغي – البغي هو الظلم والتجاوز والتعدي – الافترا – .
إذا كان في الجيش بغي لم يستحقوا موعود الله تبارك وتعالي لأنه إنما ينصر الاستقامة والعدل والالتزام لاوامره تبارك وتعالي، فإنما ينصر الله عز وجل المؤمنين لأنهم مؤمنون إنما ينصر الله الأساس ينصر سبحانه وتعالي دينه الذي يتمثل فيمن يحملون رايته، ما لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات.
فلما ذكر البغي ذكره مطلقاً ماينفعش يكون فيه بغي، لكن لما ذكر الذنوب ماذكرش إن ميكونش فيه ذنوب لأن الإنسان لا يخلو من الذنب، ولأن الجيش كمجتمع من الناس لا يمكن إلا أن يكون فيه مقصرون وفيه مذنبون، هذه هي طبيعة البشر ولكن لا يكون فيه ذنوب طاغية تغلب الحسنات.
فإذا وازنا ميزان الحسنات والسيئات كان الخير في الجيش غالب، حينئذ كان الخير من الله سبحانه وتعالي نازل، إذا وزن شخص أو وزن مجتمع إنما يوزن بالميزان الكلي، إن يكون خيره يغلب شره حينئذ يستحق المدد من الله تبارك وتعالي، بغي أو ذنوب تغلب الحسنات.
فقال سلمان الفارسي رضي الله عنه وكان يماشي سعد بن وقاص، فقال سلمان: الاسلام جديد قد زللت له والله البحور كما زلل له البر ثم قال أما والذي نفس سلمان بيده لَيَخرُجُّنَّ منه أفواجاً كما دخلوه أفواجاً.. فيعلِّل سلمان رضي الله عنه هذا الفتح وهذا المنّ وهذا النصر الإلهي بجدة الإسلام.. الاسلام جديد قد زللت له والله البحور كما زلل له البر ثم يذكُرُ رضي الله عنه أن الزمان يدور دورته ويخرج الناس من دينهم – عياذاً بالله – أفواجاً كما دخلوا فيه أول أمرهم أفواجاً إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا فالإسلام لما كان جديداً وكانت القلوب معظمة له متعلقة بربها تبارك وتعالى ملتزمة بأمره مستشعرةً فضل الله عز وجل ونعمته ومنّته على هذه الأمة.. حينئذٍ لما كان الأمر كذلك ولما كانت القلوب كذلك كان تأييد الله عز وجل ونصره.. ثمّ يخبر سلمان رضي الله عنه أن الأيام سوف تتوالى وأن هذا الجديد الذي كان جديداً سوف يصير قديماً بالياً وحينئذٍ يلتفت عنه الناس وحينئذٍ تعرض عنه القلوب وحينئذٍ ينشغل الناس عن دينهم لأنهم لا يرون له قيمة ولا قدراً ولا وزناً كما كان يراه أوائل هذه الأمة كما قال الله تبارك وتعالى فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ الذي تناول الشيء وشَقِّيَ لأجلِهِ واستشعر قِيَمتَهُ وتَعِبَ في تثبيتِهِ وتدعيمِهِ يستشعر قيمة هذا الشيء أما الذي ورثَهُ سهلاً لا عناء فيه لا يستشعر قيمته فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى الدنيا وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ فهو يُخبرُ رضي الله عنه عن أن قوة الدين ونصرة الله عز وجل له إنما كانت حينما كان الدين جديداً ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم باندراس الدين في أخر الزمان قال في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما في سنن ابن ماجه قال صلى الله عليه وسلم: يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ.
” يَدْرُسُ ” يعني يبلى يبهت ” وَشْيُ الثَّوْبِ ” الألوان والأصباغ اللي بتبقى في الهدوم مع كتر الغسيل بتبتدي الألوان تبهت.. تضعف، ” يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ، وَلَا صَلَاةٌ، وَلَا نُسُكٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ، فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، ربنا سبحانه وتعالى يرفع القرآن من المصاحف.. حينما يُعرض الناس عنه إعراضاً تاماً ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ذاكراً منته سبحانه وتعالى قال كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في سنن أبي داود ” إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ” يحتاج إلى التجديد الدائم.. لكي يستمر، لأنه ليس بعد نبينا صلى الله عليه وسلم نبيّ، فإذا كان الدين يبلى ولا يجدد احتاج الناسُ إلى أنبياء تترى يتتابعون ولذلك لكي يبقى هذا الدين حجةً قائمةً إلى قيام الساعة كان لابُّدَّ أن
يبقى هذا التجديد وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في الكبير للطبراني ومستدرك الحاكم ” إِنَّ الإِيمَانَ لَيَخْلَقُ ” يبهت ويِضّعَفْ ويبلى ” إِنَّ الإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ ” هنا في القلب.. ” كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الخَلَقُ؛ فَسَلُوا اللهَ أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ ” إذن هو يخبر صلى الله عليه وسلم أن معالم الدين العامّة في المجتمع تبلى وتحتاج إلى تجديد وإن الإيمان الشخصي في داخل كل شخص مننا يبلى أيضاً ويحتاج إلى تجديد.. فإذا أردنا أن نجدده.. كان أول ما يجب علينا.. أن نرفع أيدينا إلى الله تعالى وأن نسأله أن يجدد هذا الإيمان في هذه القلوب..
فإذن هذه القولة.. الإسلام جديد وهذه الكلمة ” اسَألُوا اللهَ أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ ” هي الكلمة التي نريد أن نحوم حولها، احتياجنا الدائم لتجديد معالم الإيمان قال الله تبارك وتعالى مخاطباً أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على رأس أربع سنوات من نزول القرآن أَلَمْ يَأْنِ ألم يحن الوقت بعد؟!! أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْيبقى إذن سبب القسوة والشدة والجفاء في القلب طول الأمد بُعداً عن التذكرةِ والموعظةِ والإتصالِ بكتاب الله تبارك وتعالى ولذلك قال سبحانه وتعالى حينما ذكر زكريا ويحيى ومريم وعيسى وموسى وهارون وإسماعيل وإدريس عليهم الصلاة والسلام قال معقباً بعد ذِكِّر هذه القصص أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا
في مصنف ابن أبي شيبة عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَهْلُ الْيَمَنِ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ – يعني حينما انتقل أهل اليمن إلى المدينة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه – ، فَسَمِعُوا الْقُرْآنَ جَعَلُوا يَبْكُونَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَكَذَا كُنَّا، ثُمَّ قَسَتِ الْقُلُوبُ.
هذا تواضع منه رضي الله عنه، يريد أن يخبر عن معنىً عام، أن الإنسان في الأول، أول ما تأتيه معاني الإيمان وأول لما يفيء أو يتوب أو يرجع إلى أمر الله عز وجل أو يطرق هذا الباب أو يسلك هذا المسلك يبكون استشعاره بتقصيره، استشعاره بخوفه من أن ربنا سبحانه وتعالى لا يغفر له أو لا يتقبل منه فبيكون قلبه رقيقا، لكن بعد فترة، كثرة الإمساس تفقد الإحساس، فلما الإنسان يشعر باستقرار والمعاني لما تتكرر والآيات لما بتمرعلى الأذن كثيرا والموعظة لما تتكرر كثيرا خلاص بتفقد الأثر، تسمع موعظة أو تقرأ شيء أو تسمع شريط فيؤثر في الواحد مرة، اتنين، تلاتة، لكن بعد كدا خلاص، لما بيحاول يستعيد المشاعر ويسمع نفس الحاجة فلا تؤتي الأثر أو الثمرة أو النتيجة، فلما جعلوا يبكون قال أبو بكر رضي الله عنه ” هكذا كنا ثم قست القلوب ” لذلك قال عمر رضي الله عنه ناصحا وموصيا قال ” جالسوا التوابيين أو التائبيين.. ” قال ” فإنهم أرق شيء أفئدة ” الناس اللي حديثة عهد بإقبال على الله تبارك وتعالى، حديثة عهد بتوبة، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى جعل التوبة وظيفة دائمة متكررة مُطَالب بها كل إنسان وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ جميعا: لم يستثني أحدا، وقال تعالى وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وقال صلى الله عليه وسلم ” كل ابن ادم خطاء – ديه صفة الإنسان ولكن – خير الخطائين التوابون، ولذلك حينما ذكر الله تبارك وتعالى الأمانة قال أنا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ الإيمان، هذه الأمانة أنا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا حينما تحمل الناس هذه الأمانة انقسم الناس إلى أقسام ثلاثة، منافق ومشرك كافر ومؤمن لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ ثم قال وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا لم يذكر في مقابل العذاب أنه حيُنَعِم هؤلاء وإنما ذكر أنه سبحانه وتعالى سيتوب عليهم لأنه لولا هذه التوبة، لولا هذه المغفرة والرحمة ما استحق عبد أن يدخل الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لن يدخل أحدكم الجنة بعمله.. ” طب أحدكم دا إحنا عشان إحنا مقصرين، ” … قالوا ولا أنت؟.. ” المعصوم صلى الله عليه وسلم من الخطأ ومن الزلل الذي قال الله بتارك وتعالى له ” … لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّر.. ” ، ” .. قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله.. ” ويتغمده يعني يغمسه في الرحمة مش مقدار قليل، يحتاج إلى غمسة في رحمة الله تبارك وتعالى، ” .. قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ” ، فإذاً الإنسان يحتاج على توالي الأوقات إلى إعادة التذكير، يحتاج على توالي الأوقات إلى تجديد معاني الإيمان، يحتاج على توالي الأوقات إلى أن يبحث عن أناسٍ رقيقي القلب يعينونه على أن يذيب هذا الجفاء وهذا التصحر الذي تعاني منه الأرواح، ” إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فسائلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ” .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم..
الحمد لله رب العالمين…
لقد ذكرنا في حديثنا بكاء، وقد ذكرنا في عديد من الخطب حديثًا عن فلسفة التوسل ولم نبلغ في هذا الحديث بعد إلى ما نبغي أو نريد ولعل له تتمة بإذن الله، فنحن حينما نتحدث عن البكاء لابد أن نفرق بين البكاء وبين الغم والنكد، ذكرنا قوله تبارك وتعالى خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا وذكرنا قوله وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا وذكرنا أن أهل اليمن الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوبا، الإيمان يمان والحكمة يمانية.
هؤلاء الذين أتوا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعوا القرآن فجعلوا يبكون، فأثنى عليهم أبو بكر رضي الله عنه ونعى حاله وحال أصحابه الذين لم يعودوا يتأثرون كما كانوا يتأثرون، وهنا رضي الله عنه يثني على حال هؤلاء كما أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أخبر الصحابة عن مجيء هذا الوفد، كانت تأتيه صلى الله عليه وسلم وفودا كثيرة تعلن إسلامها من كل قبائل العرب لكنه أشار إلى هؤلاء الأشعريين وأثنى عليهم ونبه الصحابة على حالهم وقال ” .. هم أرق أفئدة وألين قلوبا ” وفي رواية في البخاري أيضا ” أضعف قلوبا ” ثم قال ” الإيمان يمان والحكمة يمانية ” وفي رواية أخرى ” الفقه يمان والحكمة يمانية ” .
إذاً هذه الرقة وهذا اللين هو قرين الحكمة وقرين القفه وقرين الإيمان، فالإيمان والفقه والحكمة تورث في القلب اللين والرقة، يبقى إذاً هناك من البكاء بكاءٌ هو بكاء رقةٍ أو بكاء خشيةٍ أو بكاء رحمةٍ، وهناك بكاءٌ هو بكاء غمٍ وبكاء حزن، قال الله تبارك وتعالى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا قرن سبحانه وتعالى الضحك والبكاء بالموت والحياة كما أن هذه خصائص ثابتة للإنسان كذلك الضحك والبكاء خصائص ثابتة لنفسية الإنسان الضحك والبكاء هو عبارة عن حركة لنفس الإنسان الإنسان نفسه تتقلب دائماً ما بين هذا وذاك الحال الضحك إشارة أو علامة على الفرح أو البشر أو السرور والبكاء إشارة اخرى على أمور تقابل هذه المشاعر فالإنسان يتقلب حاله ما بين هذا وذاك يضحك فيكون خيراً ويضحك فيكون شراً ويبكى فيكون خيراً ويبكى فيكون شراً بحسب الباعث وبحسب الثمرة والنتيجة فإذا كان الضحك غفلة عن الحقيقة أو بما يغضب الله سبحانه وتعالى كان هذا الضحك ضحك مذموماً فإذا كان فرحا بنعمة الله تبارك وتعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وإذا كان البكاء من خشية الله تبارك وتعالى وخوفاً من التقصير وخوفاً من العقوبة كان خيراً للعبد وإذا كان بكائاً على فاءت من أمور الدنيا أو على محرم قد حرم منه كان هذا شراً لهذا العبد لكن العبد تتقلب حياته وتتقلب نفسه ما بين هذا وهذا كما يتحرك بدنه كذلك يتحرك قلبه ويدور هذه الدائرة فى سنن الصفا عن بن الرشيد قال أتانى بن عتى رجل من صالح اهل الكوفة يريد أن يخرج إلى الحج فأنى إلى صاحبه هذا وقال تعلم أحد من جيرانك أو من إخوانك يرافقنى إلى الحج فأختار لى رفيقاً حد يكون هو شايف انه كويس ليكون معيناً لى فى هذه الرحلة قال نعم قال فذهبت به إلى رجل من اهل الحل فيه صلاح وفيه دين فجمعته به فتواطئا على المرافقة اتفقوا انهم يطلعوا الرحاة مع بعض ثم عاد إلى بيته اتفقوا على معاد بعد كده روح ثم قال فلما جاء بعد آتاه الرجل صاحبه أو جاره فقال يا هذا أريد أن تذويى عنى صاحبك وليطلب له رفيقاً غيرى، صاحبك ده أنا مش عايزه ليعده عنى وخلى أى حد تانى يسافر معاه.
قال: ولما والله ما أعلم فى الكوفة نظيراً له فى الخلق والإحتمال !! ده افضل إنسان فى هذه المدينة التى نقطن أنت مش هتلاقى رفيق افضل من كده أخلاق فاضلة واحتمال قال: ويجك إنى قد حُدثت أنه طويل البكاء لا يكاد يفتر. ده على طول بيسح وهذا ينغص علينا العيش أنت لو طالع رحلة وهو كل شوية بيعيط لا يا عم بلاش قلت له أن الإنسان يتذكر أحياناً فيبكى أى إنسان موعظة تأثر فيه أو موقف يأثر فيه فيعيط كما تبكى أنت، قال: نعم ولكننى أخبرت بأمر عظيم منه من البكاء، ده مشى زى البكا بتاعنا ده على طول بيعيط فقلت له: لعل قد قيل لك. قال: فسأستخير الله.
يقول: فلما كان يوم السفر فجئ بالأبل ووطئت فلما رأى ذلك الرجل الطيب ده جلس إلى حائط وجعل يبكى وجعل الدموع تسيل من عينيه ثم على لحيته ثم على صدره يقول المخول حتى والله رأيت دموعه على الأرض قال المخول هكذا صاحبك. مش باقولك، ما هذا لى برفيق. بص يا عم الرجل ده مش هينفع لعله تذكر عياله ومفارقته أياهم بيبكى عشان هيسيب اولاده ويمشى هو افتكرهم فبيعيط الراجل بيقوله أى كلام فسمعهم يادى الليلة، قال: يا أخى فوالله ما هو بذاك ولكنى ذكرت بذاك الرحلة إلى الأخرة، فقال الرجل مخاطباً اياه: فوالله ما هذا بأول عداوتك لى وبغضك إياى. إن كنت عارف من الاول إن أنت مبتحبنيش ومنفسن عليا وملقتليش غير ده أهو ما هذا بأول عداوتك لى وبغضك إياى.
كان اولى إن تجمع بين هذا وبين داود الطائى وسلام الاحوص ناس شبهه يبكى بعضهم إلى بعض حتى يشتفوا أو يموتوا جميعا فقلت: لعلها تكون خير سفرة سافرتها ويقول المخول وكان رجلاً صالحاً كثير الحج كان رجل كويس لكنه كان تاجراً موثراً ليس بصاحب حزن ولا بكاء رجل كويس وطيب وصالح وبيحج كتير بس هو الجو ده مش بتاعه رايح يحج مش رايح يتنكد، قال: قد مرت هذه المرة ولعلها خير خلاص الاوتوبيس جه وطالعين هنعمل إيه بقا؟
المهم ذهبوا ثم عادوا فلما عادوا أتى إلى صاحبه ليسأله ايه اخبار الرحلة؟ قال جزاك الله عنى خيراً ما كنت أظن أن فى الخلق مثل أبى بكر مكنتش متخيل إن فيه بنى أدمين بهذه المستوى من الرقى ومن الصفاء لقد كان يتفضل على فى النفقة وهو معدم وأنا موسر بيصرف عليا، ويتفضل عليا بالخدمة وأنا شاب وهو شيخ هو رجل معهوش فلوس وهو اللى بيصرف وهو رجل كبير فى السن وهو اللى بيخدم ويطبخ لى وأنا مفظر وهو صائم طبعاً الراجل اطمئن بقى قال: فما كان حاله فى البكاء الذي تشكو منه؟.
قال: قد أعتادت نفسى ذلك وسر به قلبى حتي جعلت أساعدة عليه, حتى جعلت الرفقة تضيق بنا ثم ألفوا هم أيضاً ذلك فجعلوا يبكون معنا إذا بكينا ويقولون بعضهم لبعض: لماذا هم أولى بالبكاء منا والمصير واحد؟. الناس دى بتعيط على ايه؟ بتعيط خشية لله عز وجل وخوفاً من لقائه, هم ليه بيعيطوا؟ وإحنا معندناش إحساس بهذا أو إدراك فجعلوا أيضاً يبكون, ثم أتى إلى مهيمن يسأله عن صاحبه قال كان والله خير صاحب كان كثير الذكر لله طويل التلاوة حسن الأخلاق.
القصة دى كلها أحنا بنقولها ليه؟ أول حاجة أن هذا البكاء فى هذة الصورة – كما قلنا – ليس بكاء على فائت من الدنيا وليس بكاء ناتجاً عن حزن مذموم وأنما كان هذا البكاء هو الذى يرقق القلب, إذاً عايزن نقول ليس كل بكاءٍ مذموم, البكاء الذى ينم عن رقة القلب أو يورث رقة القلب هيورث الإنسان شعور بالسكون والطمأنينة ولذلك الله – سبحانة وتعالي – قال اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وبعدين ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ إذاً دا يورث الإنسان حالة من السكون وحالة من الطمأنينة ليست بحال الحزن المذموم أو حال الضيق الذى يصيب الإنسان دى أول حاجة.
الحاجة الثانية إن الإنسان حينما يألف الشئ ويعتاده يتغير موقفه منه.
الشئ الثالث وهو شئ مهم إن هذا الشخص حينما صاحب هذا الأخر صاحبه ولازمه رآى من كريم أخلاقة ومن عظيم خلاله ما جعله يتقبل منه بكائه, إذاً الدعايا اللى جاية عنه من بعيد, يعنى مهيمن دا شكله كدة من برة سنتيح ورخم يعنى لما أشوفة من برة أن أحس أن دى صورة من الحياة لا تُطاق دا بنى آدم مايتعاشرش, لكن لما قربت منه وأدركت مغزى هذا البكاء, أن البكاء دا من هم ومش نكد توافقت النفس مع هذا البكاء, الحاجة الثانية:أن أنا رأيت أخلاق فاضلة, هذا الإنفاق هذا الإحسان هذة الخدمة, الإحسان يأسر الإنسان ولذلك لما خلط هذا الإنسان من قرب لاقيت صورة أخرى, ونحن كثيراً جداً في الأشياء التى ننفر منها فى حياتنا ونجزع منها ونراها أنها صعبة أو أنها غريبة أو لاتطاق معظم هذا نتيحة ليه لأن أنا بنظر له من مسافة بعيدة, الشئ الإنسان لما يلابسة أو يقربة أو يعيشة أو يحس به تختلف عنده حاجات كتير, كثيراً من الناس هى بعيدة عن طريق ربنا – سبحانة وتعالي – لاحساسها أن دا شئ صعب, لإحساسها أن هتبقى الحياة عسرة لاحساسها أنها سوف تتخلى عن كتير جداً من محبوبات النفس. لكن ربما الإنسان لما يعايش معانى معينة أو أحاسيس معينة تختلف أحاسيسة وتختلف مدركاته فى الملابسة والمعاشرة, إذاً أثر الإحسان – هذا المفروض طبيعة النفوس المؤمنة – فى قلوب الناس أثر القرب والمعايشة على القلوب, وأن – كما قلنا – من البكاء ما هو محمودٌ بأنه رقة ومنه ما هو مذموم, ولذلك كنا زمان لما كنا فى ابتدائى كان المدرسين بين يدى المد والعبط يقولك يابخت من بكانى وطبعاً كل الكلام دة علشان هو هيضربنى بس فى النهاية هو عايز يقول معنى معين أن هذا البكاء هاهنا ليس إنتقاماً دا تأديب علشان فى الأخر يورث الإ نسان أخلاق معينة أوسلوك معين أو رقى معين يجل الناس حينما يموت هذا الشخص يبكون على فقدانه ماكان يأتيهم به من خير, ولذالك الحسن البصرى شكى له شخص فقال أنا نجالس أقواماً يخوفوننا بالله حتى تكاد قلوبنا أن تنخلع, يقول الحسن ” لأن تصحب قوماً يخوفنك حتى تدرك أمناً خير من أن تصحب قوماً يأمنوك حتى يدركَ الخوف, هو بيقول أنظر إلى المآل مصحبتك لهؤلاء اللى بيخوفوك تحملك من مستوى من الإستقامة على الجادة تحمدها غداً بين يدى الله تبارك وتعالى فى الآخرة, وربما فى الصورة المقابلة تصحب أناس أهل غفلة يكون أثر هذا فى المآل وفى النهاية وضعاً لاتحبه ولاترتضيه بين يدى الله تبارك وتعالى لذلك قال الله – تعالى – موصياً نبيه وَاصْبِرْ نَفْسَكَ معناها أن الحاجة دى محتاجة مجهود أو حاجة الإنسان ممكن تبقى شاقة عليه أو ممكن تبقى صعبه لكناها فى النهاية هى الخير وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ذكر صفتين المداومة على تذكر ربنا وتذكر عظمة الله والإخلاص وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا.
اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا إجتنابه,
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات, وحب المساكين, وحب المساكين, وأن تغفر لنا ترحمنا وتتوب علينا, وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عملٍ يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.