إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهدي ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم,
يَا ايها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا ايها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا ايها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ,
ثم أما بعد :
فلا زلنا آخذين في حديث البر والإحسان قال الله تعالى: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ
يخبر الله تبارك وتعالى عن منة ونعمة عظمى من نعمه على عباده, فيخبر تبارك وتعالى كيف أنه أبطل كيد المعتدين وكف ظلم الظالمين الذين يريدون السوء بالأماكن التي كرمها وفضلها ربنا تبارك وتعالى وكيف حفظ تبارك وتعالى بيته العتيق, فيقول تبارك وتعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم مذكراً بهذه النعمة العظمى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ.
فهو سبحانه وتعالى القائم على كل نفس بما كسبت هو سبحانه ذو العزة والجبروت, ذو الملك والسلطان المهيمن على كونه بما فيه ومن فيه, يذكر سبحانه على قوته وقدرته وسلطانه, وأنه لا يملك عبداً كائناً من كان أن ينازع الله عز وجل في أمره ولا في سلطانه ولا ينتهك حرمة أراد الله عز وجل أن يحميها وأن يحفظها فأخبر سبحانه وتعالى أنه هو الذي فعل وأنه هو الذي رد هذا الكيد, ثم يبين سبحانه وتعالى تفصيل ذلك وهو يخاطب قوماً قد شهدوا هذا وآبائهم وعلموه وحفظوه, بل جعلوه تأريخاً لهم, فكانت العرب تؤرخ بعام الفيل, تقول ولد فلان في عام الفيل حدث قبل عام الفيل بخمس سنوات حدث كذا بعد عام الفيل بعشر سنوات, فهو معلم أساس في تاريخ هؤلاء العرب, لكن الله سبحانه وتعالى لا يذكرهم بمجرد الحدث التاريخي فهم يذكرونه ويعلمونه, ولكن العبرة والعظة والمأخذ من وراء الأحداث, فربما تمر بالإنسان كثير من الأحداث وربما يطلع على كثير من الأمور, لكنه يفقد فيها الاتعاظ والاعتبار والانتفاع, وهذا هو الذي ينتفع منه الإنسان بعقله الذي أعطاه الله إياه وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ.
فهو الذي يعرف وهو الذي يذكر وهو الذي يعظ وهو الذي يشعر الناس بعظمة ربهم تبارك وتعالى, ثم يبين الله سبحانه وتعالى ضعف هذا الإنسان الذي تجبر وتكبر على ربه عز وجل وأراد أن يهدم منسكاً عظيماً من مناسك ربنا سبحانه وتعالى, قال: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ هذا الجيش العرمرم بما له من قوة وسلطان أراد الله سبحانه وتعالى أن يظهر ضعفه وعجزهوأن قادر سبحانه وتعالى على أن يهلكه بأقل شيء وأحقره وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ جماعات متتابعة من طير تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ السجيل هو الطين, طين متحجر في قدر حمصة, هذا هو السلاح الذي شاء الله عز وجل أن يبيد به هؤلاء, كما أخبر الله سبحانه وتعالى هلاك قوم سابقين بأنه أهلكهم بمثل ذلك بــ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ أي أن كل إنسان له حجرمخصص له مكتوب عليه اسمه, فهذه الحجارة التي نزلت على هؤلاء القوم الظالمين كانت مسماة معلمة, كل شخص له حجر يخصه أنزله الله له خاصة عقوبة له تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ وهي في العادة لا تصيب فضلاً عن كونها تهلك وتقتل, لكن هذه الحجارة بهذه الصفة وهذا الوهن وهذا الضعف جعلتهم كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ, أوراق الشجر التي البالية الساقطة التي أكلتها الدواب والحشرات ولاكتها ثم لفظتها, فهو سبحانه وتعالى يذكر عباده بعظيم قدرته وسلطانه, ويذكرهم بضعفهم وعجزهم وقلة حيلتهم, ثم يذكر سبحانه وتعالى وجهاً من وجوه الإنعام والإحسان, بهذا الفعل العظيم وهذه الآية الكبرى, قال فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ, لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ منة على هؤلاء الناس الذين لو استبيحت ديارهم لتفرقوا في الأرض شذر مذر, فهو سبحانه وتعالى بفضله وكرمه عليهم أراد أن يحفظ ألفتهم وتآلفهم واجتماعهم فكان من نعمه عليهم أن صد عنهم هذا الكيد وهذا الجيش العرمرم الذي لا يطيقون أن يواجهوه فقال تعالى لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ثم قال إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فذكر الله تعالى نعمتان ومنتان عظميان أما الأولى فهي رد الكيد والمكر الذي أريد بهؤلاء الأقوام, وأما الثانية: أن هيأ لهم هذا المورد الذي يحفظ أيضاً بقائهم واجتماعهم, لأنهم في محلة ليست بمحل استقرار, قال إبارهيم عليه السلام رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ليس هناك موارد أو مقومات للإقامة أو الاستقرار أو المكث في هذه البلدة إلا ما يهيأ الله عز وجل لأهله.
فهيأ الله عز وجل لهم هذه الرحلة واشتغالهم بهذه التجارة لكي تمكنهم من الإستقرار والمقام في هذا المكان فلا يكون كغيرهم من العرب ممن هم بدوٌ رحّل يسيرون ليلاً ونهاراً، صيفاً وشتاءاً وراء قطرة من ماء المطر، فهو سبحانه وتعالى يذكر عباده هؤلاء بنعمته عليهم التي تستوجب منهم أن يشكروا ربهم تبارك وتعالى، وهو سبحانه وتعالى يذكرهم لأنهم قد ألفوا هذه النعمة ولذلك فقد نسوا هذه المنّة.
إن الإنسان من إلفه لنعم الله عز وجل عليه التي تتوالى عليه تترا، ينسى المنعم المتفضل بها سبحانه وتعالى ينسى فضله وبره وإحسانه وشكره، فـ إِيلَافِهِمْ: أي إلفهم وعاداتهم لهذه الرحلة وطول الزمن الذي توالى على منّة الله عز وجل عليهم بهذه المنّة جعلهم ينسون ربهم عز وجل المحسن المتفضل عليهم ولذلك يذكرهم تبارك وتعالى بهذه المنّة، وقد كان من فضل الله عز وجل أيضاً أن جعل السبب في هذه المنّة وفي هذه الرحلة عمرو بن عبد مناف، والد عبدالمطلب جدّ النبي صلى الله عليه وسلم, ويكأنه أراد سبحانه وتعالى أيضاً أن يغرس في نفوس هؤلاء أنّ هذا النسل الطيب وهذه الذرية الصالحة أصحاب منن عليهم ونعم في أعناقهم، فجعل هاشم الذي هو عمرو بن عبد مناف هو سبب هذا الفضل العميم وجعل عبدالمطلب ابنه جدّ النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حفر أو أعاد حفر بئر زمزم الذي ردّت الماء إلى هذا المكان القفر الذي ليس فيه قطرة ماء، فقد كانت العرب من عادتها أنهم إذا أصابوا أهل بيت منهم ضائقٌ أو فاقة فلم يجدوا ما يأكلون ولا ما يطعمون يفعلون فعلاً يسمونه إعتفاراً، يخرجون من ديارهم إلى مكانٍ والإعتفار: جاء من التراب، أنهم يلاسقون التراب ويلازمونه حتى الموت, يخرجون فينصبون خيمة أو خيام في مكان قفرٍ وينتظرون فيه الموت.
فكان لهاشم الذي هو: عمرو بن عبد مناف له ولد له صاحبٌ وصديقٌ، طفلٌ صغير من بني مخزوم فأراد أهله أن يعتفروا، ( خلاص هما مفيش عندهم حاجة يقتاتوا منها فهيخرجوا بئه للصحرا لغاية ما يموتوا ) فأخبر هذا الغلام الصغير، أخبر صاحبه أنهم سوف يعتفرون غداً، يعني خلاص بيودعوا بئى خلاص؛ هنروح نموت بكره، فعاد إلى أمه وهو يبكي فأخبرها الخبر، فأرسلت إليهم طعاماً وسويقاً، فقاتهم هذا الطعام وهذا السويق أياماً، أصل هو ” أرسلت إليهم ” هيعد معاهم أد إيه، لكن أسباب الفاقة وأسباب الحاجة قائمة باقية سوف يفنى الطعام وتبقى أسباب الفاقة والحاجة، فلما انقضت هذه الأيام أرادوا أيضاً أن يعتفروا, فجمع عمرو بن عبدمناف الذي هو هاشم، جمع الناس وأمرهم أن يجتمع كل بنو أبّ، يعني كل عيلة تجتمع ويجمعوا ما لديهم من مقادير من مال، فيخرجوا في هذه الرحلة ثم ينفق غنيّهم على فقيرهم، يعني يتكافلوا، كل عيلة هتجمع القرشين اللي معاها، الأغنياء اللي معاهم فلوس هيجمعوا هذا المال ويخرجوا في هذه الرحلة؛ رحلة إلى الشام ورحلة إلى اليمن، فهذه الأموال التي تؤوب إليهم وتعود عليهم من تجارتهم، جمعوها ففرقوها بينهم على غنيّهم وفقيرهم فكفل بعضهم بعض، وأخذ هاشم لهم العهد من ملك الروم والعهد من ملك الحبشة، لأن هما هيروحوا المكان ده والمكان ده، يبقى في عهد أمان لهم في طريقهم، وكان لبيت الله عز وجل فضيلة في أعناقهم؛ أن العرب لم يكونوا يعرضون لقريش في نفسٍ وفي مال تعظيماً لحرمة لبيت الله عز وجل الذي يجاورون، فكان لهم أمانٌ في حركتهم وفي سيرهم، ولذلك قال الله تبارك وتعالى وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا يعني إن دخلنا في هذا الدين، حاربنا العرب وأخرجونا من ديارنا، فقال الله تبارك وتعالى أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا يعني هم هم على حال كفرهم مكّن الله عز وجل لهم حرماً آمناً وآتاهم من كل أصناف الثمار يُجْبَى إِلَيْهِ يعني الحجات بتيجي لحد عندهم رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا فإذا آمنوا وآبوا إلى ربهم وأطاعوا ربهم عاقبهم الله عز وجل على إيمانهم !!!
وقال تعالى أيضاً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ فيقول الله عز وجل معقباً على هذا يقول فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ فإذاً ربنا تبارك وتعالى هاهنا يذكر فضله وبرّه ونعمته وإحسانه على هؤلاء الناس من عباده، وأنه سبحانه وتعالى الذي يحفظهم وهو الذي يحميهم وهو الذي يكف عنهم الكيد والشر والضرر والأذى لا سواه، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي هيأ لهم فوق ذلك نعمة الرزق التي يساق إليهم ونعمة الأمن في حركتهم وفي مسيرهم ثم يأمرهم تبارك وتعالى أن يشكروا نعمة الله عز وجل عليهم إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ليس غير الله تبارك وتعالى يملك فضلاً ولا برّاً ولا رزقاً، فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ اسأل الله تبارك وتعالى اطلب من ربك عز وجل فإن خزائنه لا تنفد ثم فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ثم تذكروا إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ إن فعلتم أو لم تفعلوا إن شكرتم أو كفرتم فإنكم في كل الأحوال مردودون آيبون راجعون إلى ربكم تبارك وتعالى وسائلٌ كلاً على عمله.
قال تعالى فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ولم يقل، فليعبدوا ربهم، الأقرب انت إذا أمرت الإنسان بعباده، أن تأمره أن يعبد ربه، العلاقة الخاصة ما بينه وبين الله، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ لكنه ردهم هاهنا إلى البيت لأن هذا البيت هو علة الفضل وعلّة المنّة وعلّة الإحسان وعلّة الإكرام لأنه سبحانه وتعالى إنما يكرمهم لا لذواتهم لإنهم حينئذٍ لم يكونوا يستحقون، حينئذٍ كانوا أهل شركٍ وضلال، إنما أكرم الله عز وجل هؤلاء الناس بفضل هذا البيت، ولذلك قال الله تبارك وتعالى مذكراً المنّة الأخرى، وهي مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم قال تعالى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ هما حاجة من الاتنين، يا إما إيمان وتقوى واستغفار لله، يا إما بقية من صلاح وخير يحفظ الله بها من حولها من الخلائق، وفي الآية اللي بعدها وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ يعني المصاريف أو الفلوس اللي بتدفع أو الخدمة اللي بتخدم لبيت الله سبحانه وتعالى التي يدفعونها في مقابل صدّهم عن الحق وعن الهدى وشركهم لله ليس لهم بها فضيلة ولا تنفع هؤلاء القوم مالا يكونوا مؤمنين بالله عز وجل أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ فالله سبحانه وتعالى يذكرهم بمحل النعمة، إنما ينعم الله عز وجل على عباده لما إئتمنهم عليه من نعمة دينٍ ونعمة خيرٍ رزقهم إياه، فإذا كفروا بنعم الله عز وجل وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فهذا الذي صنعوا هو الذي أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ فيخبر الله سبحانه وتعالى عن أُناس بدّلوا فضل الله عز وجل ونعمه عليهم هذه كانت تستوجب الشكر، بدّلوها كفراً، وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ يبقى إذاً هؤلاء هم الموجهون، هؤلاء هم السادة، هؤلاء هم القادة لأنهم الذين أحلوا قومهم، الذين ساروا وراءهم والذين اتبعوهم وأحلوا قومهم دار البوار يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ فيذكرهم الله تبارك وتعالى ويذكرنا بنعمه وفضله وبرّه وإحسانه التي تستوجب منّا شكراً إن أردنا أن نستعيد نعمةً قد ذهبت أو نبقي نعمةً لازالت موجودة، أو نستجلب نعمةً لم تأتي إلينا من خزائن السماوات التي لا تنفد قلت اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ديه حجات هتيجي، مش موجودة، الحجات ديه هتيجي إذا آمنوا فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِهذا هو محل الإنعام والإكرام.
إذا فقد هذا البيت وفقد ما يمثله هذا البيت من العبادة والحفظ لحرمات الله فقدنا كل شيء، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ وكان من نعمته سبحانه وتعالى ومنّته أن قدّر لهم طعامهم وأمنهم ثمّ أمرهم أن يشكروا، فهو سبحانه وتعالى قد أعطاهم، هو الذي أطعمهم من جوع، وهو الذي آمنهم من خوف، فلما أعطاهم هذه النعم سبحانه وتعالى أمرهم أن يؤدوا شكرها لكي يحفظها الله عز وجل عليهم هذا الشكر منّا لنعم الله عز وجل علينا إنما يعود بعائدته علينا، الله سبحانه وتعالى عندما يأمرنا بالشكر، وحينما يأمرنا بالعبادة، إنما يأمرنا بما يحفظ علينا نحن هذه النعم، لأن الله عز وجل لا ينتفع من شكرنا ولا من عبادتنا بشيء، قال الله تبارك وتعالى إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ إنما رضي الله عز وجل لنا لأن في هذا الشكر وفي هذا الإحسان وفي هذه العبادة الخير لنا نحن في الأولى وفي الآخرة ” يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعون” ثم قال تعالى ” يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفيكم إياها ” أوفيكم جزاءها في الأولى والآخرة، فمن وجد خيراً فليحمد الله، لأنه هو الذي وفّق ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه “،
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
يخبر حُميد بن هلال رحمه الله فيقول: ” كان رجل من الطفاوة طريقه علينا فأتى على الحيّ يوماً فحدّث بهذا الحديث ” يعني يقول رجل من قبيلة طريقه عليهم، هم كانوا في البصرة من أهل البصرة, يقول: ” قدمت المدينة يوماً ” هو يخبر عن نفسه أنه قد أتى إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قدمت المدينة يوماً في عير لنا، فبعنا بيعتنا ” يعني هما خلّصوا البضاعة اللي معاهم, يقول: ” فقلت، لو انطلقت إلى هذا الرجل فأتيت من ورائي بخبره ” يعني هو جي المدينة أصلاً في رحلة تجارية، خلّص، باع البضاعة، فأحب كده ايه يروح يبص على النبي صلى الله عليه وسلم ينظر أمره، لكي يخبر من وراءه، يعني، الناس اللي هما هيرجع لهم من قبلته بأخبار هذا الرجل، يعني هل هو صادق أم غير ذلك، رسول أم غير رسول، يقول ” فانطلقت حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يريني بيتاً ” يشاور له على بيت فقال: ” إن امرأةً كانت في هذا البيت، فخرجت في سرية من المسلمين، وكانت لنا اثنتا عشرة عنزة وصيصية تنسج بها، الصيصية اللي هي: المغزل، إبرة التطريز، عندها اتناشر معزة، وعندها مغزل بتغزل بيه، يقول: ” فلما عادت “، يعني هي خرجت مع هذه السرية من المسلمين الذين خرجوا للغزو، فلما عادت فقدت عنزةً من عنزها، واحدة وفقدت صيصيتها، يعني المغزل ضاع ومعزة من الاتناشر ضاعت فقالت يارب إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه، تناشد ربها وتدعوه تقول: إنك قد ضمنت: قد تكفلت، قد حفظت، لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه ما خلّف وراءه أو ما استودعه إياك من مالٍ ومتاع، وإني أسألك أن تردّ عليّ عنزتي وصيصيتي، يقول الرجل، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم من شدّت مناشدتها لربها تبارك وتعالى ثم قال صلى الله عليه وسلم فأصبحت وعنزها ومثلها معها، يعني هي عندها اتناشر معزة راحت منها واحدة، فصحت من النوم لقت عندها أربعة وعشرين، اتناشر الأصليين واتناشر تانيين، وصيصيتها ومثلها معها، ثم قال صلى الله عليه وسلم وهاتيك هي إن شئت فأتها فاسألها فقال: لالا بل أصدقك.
هذا الرجل يخبر عن موقفٍ حدث له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقوله لجماعة من التابعيين ممن لم يلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن موقفٍ حدث له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول ما يستوقف في هذا الموقف، أنه أخبر عن قصةٍ أخبره صلى الله عليه وسلم بها، يعني الشخص إذا أتى النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة يريد أن يستخبر أمره ويعرف حاله فلابد النبي صلى الله عليه وسلم يخبره عن رسالته وأنه رسول من عند الله تبارك وتعالى ويأمره بعبادة الله وينهاه عن الشرك وعبادة الأصنام، هذا لابد أن يكون أخبره به لأن هذا أصل الرسالة، مش ممكن يكون حكى له حدوته ومشي فقد أخبره عن أصل دعوته وحقيقة رسالته، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يكتفي بذلك بل أورد له هذا الأمر وأخبره هذه القصة، لذلك قال فلما أتيته، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم، إذاً النبي صلى الله عليه وسلم يخبره عن ذلك، هو لم يذكر من جملة ما حدث له مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذه القصة التي ارتسمت واستقرت في عقله وفي زهنه، وهي التي أثرت فيه،
فإذاً رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبيتاً للإيمان في قلب هذا الرجل وتذكيراً له بعظمة الله تبارك وتعالى أراد أن يريه أمراً واقعاً فيه قرب الله عز وجل من عباده وتلبية ربنا تبارك وتعالى لدعاء ومناشدة من ناشده من الخلق أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَوَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ,
فأخبره صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر وعن هذه الوقعة، وأراده صلى الله عليه وسلم أيضاً أن يذهب إليها بنفسه لكي يستخبرها الخبر، لكنه وقع في قلبه تعظيم وتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون أن يسأل ومن دون أن يراجع، مع أنه هذه هي أول مرة يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أتاه للتو لكي يستخبر أمره ويعرف حاله، لكنه رأى عليه سيما وعلامات الصدق والأمانة فاطمأن له وقبل الخبر .
فإذاً أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثبت في قلب هذا العبد عبر واقع أو تجربة عملية كيف إجابة الله عز وجل لدعاء من سأله من عباده فذكر أمر هذه المرأة وذكر فيه شدة مناشدة هذه المرأة لربها تبارك وتعالى
فإذاً هي دعت ربها بثقة ويقين وألحت على ربها تبارك وتعالى في الطلب والدعاء فلم تلبث إلا أن آتاها الله عز وجل ما تريد وخيراً مما تريد .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم إذاً يريد أن يعلمنا من خلال هذا الذي يخبر، ومن خلال هذا الأمر الذي ذكر، ومن خلال هذه القصة التي أشار إليها كيف قرب الله عز وجل للعبد، كيف أن الله عز وجل لا يجازي عبده إلا إحساناً بإحسان، أنها لما خرجت تبتغي رضوان الله وذكرت لربها تبارك وتعالى أنها قد استودعت متاعها ومالها وكذا ذريتها وغير ذلك، استودعت ربها تبارك وتعالى وسألته صادقةً من قلبها متيقنةً من إجابة ربها أن يرد عليها ما فقدت وذكر صلى الله عليه وسلم وشدد على شدة مناشدتها لربها، أي إلحاها عليه تبارك وتعالى في الدعاء، حينئذٍ لم تلبث إلا أن أتتها الفضائل والإنعام والبرّ والإحسان من الله تبارك وتعالى، فهو سبحانه وتعالى لا يتأخر عن إجابة سائلٍ يحسن ويتفضل، يتقي ربه تبارك وتعالى يسأله بصدقٍ وإخلاص على يقينٍ من أن الله سبحانه وتعالى سوف يجيب دعوته وسوف يلبي له طلبته، بل إنه قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” من لم يسأل الله يغضب عليه ” ،
في طبيعة المخلوق الذي خلقه الله تبارك وتعالى أنه يضجر بكثرة المسائل وأنه يشقّ عليه أن تطلب منه وتطلب وتطل، ويضيق ذرعاً بمن يسأله، لكن ربنا تبارك وتعالى الواسع الكريم الحكيم تبارك وتعالى يحب من عبده أن يسأله وأن يطلب منه، بل هو سبحانه وتعالى يغضب على من لا يطلب منه تبارك وتعالى لأنه إذا لم يطلب من الله إما أنه يرى نفسه مستغنياً عن ربه أو إنه عياذاً بالله يبخّل ربه تبارك وتعالى، أو له مسؤول آخر يسأله ويطلب منه إلا ربه تبارك وتعالى، لإن الإنسان لابد له من حاجات ومن فاقات لابد أن ينزلها بالرب تبارك وتعالى، فإما إنه يرى نفسه فوق ذلك فلا يسأل، أو إنه يرى أن الله لا يجيبه فيسيء الظنّ، أو إنه يسأل غيره تبارك وتعالى ولذلك يكون في محل الغضب إذا لم يسأل ربه تبارك وتعالى، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي جعل الله عز وجل دعاءه واللجأ إليه والطلب منه جعله عبادةً، وقربةً لله تبارك وتعالى إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي وجعل الذي يستنكف أن يسأل ربه جعله متكبراً عن عبادة الله إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ .
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عنا, اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عنا, اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عنا,
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات, وترك المنكرات, وحب المساكين, وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا, وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.