أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
عن أبى أمامة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اقرأوا القرآن فانه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه “
المفترض فى جماعة العقلاء الذين وعوا وعقلوا أن القرآن كلام رب العالمين أنهم لا يحتاجون إلى موعظة أو إلى وصية زائدة تأمرهم بقراءة القرآن.
قال تعالى وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ
وقال تبارك وتعالى وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وقال تعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
لكن الانسان فى أحيان كثيرة يحتاج إلى الحث والتشجيع ولذلك أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الوصية العظيمة ” اقرأوا القرآن ” ثم بين فضيلة هذه القراءة فانه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه.
والشفاعة هى الوساطة فى جلب الخير أو دفع الشر أو الضرر عن العبد. فهو يشفع للانسان أن ينجيه الله عز وجل من عذاب ومن خزى يوم القيامة وينيله بفضله ومنّه وكرمه سبحانه وتعالى الدرجات العلى فى الجنة والرضوان. لكنه بيّن صلى الله عليه وسلم شرط ذلك فقال: ” فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه ” فاشترط الرسول صلى الله عليه وسلم لحصول هذه الشفاعة حصول المصاحبة، والمصاحبة تقتضى شرطين الأول: الملازمة والثانى: البر والقيام بحقه، فلا يسمى صاحبك صاحبا لك ولا يستحق هذا الوصف إلا إذا كان مداوماً للعلاقة معك وكان براً وكريماً وقائما بالحق.
لذلك قال الله تبارك وتعالى مختصا الصدّيق بهذه المكانة وهذه المنزلة إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا.
ولذلك لما أوذى أبو بكر رضى الله عنه فى يوم غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الغضب وقال ” إن الله بعثنى اليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق وواسانى بنفسه وماله فهل أنتم تاركون لى صاحبى؟ فهل أنتم تاركون لى صاحبى؟ ” فما أوذى أبو بكر بعدها.
فهذه الشفاعة انما تكون عن حق حقيقة المصاحبة، أى المداومة على قراءة كتاب الله قائماً بحق القرآن وبما أمر الله عز وجل فيه من مواعظ ومن أوامر، وبما نهى الله عز وجل فيه عن نواهيه.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصصاً بعد تعميم – يعنى أمر بقراءة القرآن، ثم خصص من جملة القرآن بفضيلة زائدة سورة البقرة وسورة آل عمران. فقال صلى الله عليه وسلم فى تتمة الحديث ” اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صوافّ تحاجّان عن صاحبهما “
الزهراوين… الشىء الزاهر أو الأزهر أو المزهر هو الذى يضىء وينيرأشد الاضاءة وأشد الانارة.
فوصفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهما من القرآن بمنزلة الشمس والقمر من النجوم والكواكب. قال اقرأوا الزهراوين لشدة ما فيهما من النور ومن الهداية. البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أى ظلتان أو غيايتان، والغيايه شبه الغيامة لكنها تكون أقرب إلى رأس الانسان وتكون أقل كثافة فهى تجمع ما بين أنها توصل اليك نور الشمس وتظلك من حرّها ومن وهجها. كأنهما غيامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صوافّ… أى فرقتان وجماعتان من الطير الصوافّ التى تبسط أجنحتها فى السماء ثابتة لا تتحرك فهما تظلان صاحبهما يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظل الله تبارك وتعالى. ظل عرشه وظل ما يظل به العبد. النبى صلى الله عليه وسلم ذكر أن الشمس تدنو من الرؤوس يوم القيامة حتى تكون على مقدار ميل. فيغرق الناس فى العرق بقدر أعمالهم فلا ينجو من هذا الكرب الشديد إلا من أظله الله عز وجل. فهناك من أظله الله عز وجل فى ظل عرشه، وهناك من أظله الله عز وجل كما فى هذا الحديث فى ظل قرآنه، وهناك من أظله الله عز وجل فى ظل صدقته كما فى حديث عقبة بن عامر عند الامام أحمد أنه قال إن صاحب الصدقة يكون فى ظل صدقته حتى يقضى الله عز وجل بين العباد. كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صوافّ تحاجّان عن صاحبهما. والمحاجّة هى المجادلة والمنافحة والمدافعة عنه. فوصف القرآن بأنه شفيع وهو الوسيط.
ثم ذكر هاتين السورتين وخصهما بشدة المجادلة والمنافحة والمدافعة عن صاحبهما لكى ينجو من عذاب الله عز وجل. ثم خص سورة البقرة فقال ” اقرأوا سورة البقرة فان أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ” .
الله سبحانه وتعالى وصف القرآن فقال كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ فالقرآن كله بركة ولذلك قال تبارك وتعالى تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا لكنه خص سورة البقرة ببركة زائدة فان أخذها بركة وتركها حسرة على تاركها يوم القيامة ولا يستطيعها البطلة – أهل الباطل وأهل الزيغ عموما والبطلة أى السحرة خصوصاً.
ولذلك النبى صلى الله عليه وسلم قال فى حديث أبى هريرة عند مسلم ” لاتجعلوا بيوتكم مقابر فان الشيطان ينفر من البيت الذى تقرأ فيه سورة البقرة ” النبى صلى الله عليه وسلم قال لا تجعلوا بيوتكم مقابر أى خالية من القرآن خالية من ذكر الله تبارك وتعالى. فالنبى صلى الله عليه وسلم وصف البيت الذى ليس فيه قرآن… ليس فيه ذكر لله تبارك وتعالى بأنه كالقبر الخالى من كل خير وبالتالى يكون أصحابه موصوفين أنهم من جملة الموتى. لذلك وصف الله عز وجل الانسان المؤمن بأنه أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يصف البيت الذى ليس فيه قرآن، ليس فيه ذكر، ليس فيه طاعة لله بأنه شبه القبر وبالتالى يصف أصحابه بأنهم شبه الموتى ثم قال ” فان الشيطان ينفر من البيت الذى تقرأ فيه سورة البقرة.
فاذن هذه الفضيلة الزائدة لهذه السورة العظيمة. وبيوتنا أحوج ما تكون إلى السكينة والهدوء والطمأنينة وهذا لا يكون إلا بمداومة ذكر الله… إلا بمداومة قراءة القرآن. ولذلك النبى صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن نصلى السنن الرواتب فى البيت وقال ” لاتجعلوا بيوتكم مقابر ” فالمكان الذى ليس فيه ذكر وطاعة لله هو شبه قبر فنحن أحوج ما نكون إلى أن نعمر قلوبنا ونعمر بيوتنا ونعمر حياتنا إن أردنا لها صلاحا واصلاحا بذكر الله عز وجل وبقراءة كلام الله عزوجل الذى جعله نجاة وسعادة ونورا وهداية فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى
أقول قولى هذا وأستغفر الله العظيم لى ولكم.