إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد.
نتحدث اليوم تحت عنوان ( الإرادة العليا والإدارة العليا )
في طبقات ابن سعد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو أميرٌ ووالٍ على مصر، كتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى العاصي ابن العاصي أتراني هالكاً ومن قبلي وتعيش أنت ومن قبلك، فيا غوثاً فيا غوثاً فيا غوثاً.
قال الله تبارك وتعالى وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إسرائيل فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إسرائيل بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسرائيل الْبَحْرَ هذه الآيات نزلها ربنا تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم في زمان غير الزمان، وفي مكانٍ غير المكان.
هو يحدثه ويحدث قومه الذين يقطنون في جزيرة العرب عن أحداث حدثت في مكان بعيدٍ عنه وفي زمان يسبقهم بمئات السنين، لم يكن لهم اهتمام ولا علم بفرعون وقومه وما كان يجري في هذا المكان ولا في هذا الزمان، قال تعالى وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ فإن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا القرآن ليكون تذكرةً وموعظةً للعالمين، لا يختص بمكان دون مكان ولا بزمان دون مكان، ولا بقبيل دون قبيل ولا بقومٍ دون قوم، فهو سبحانه وتعالى هاهنا يقصُّ هذه القصة التي جرت في هذه البلاد التي نعيش فيها قبل آلافٍ من السنين نبدأها نحن بقوله تعالى وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ هم يصفون موسى عليه السلام ومن اتبعه من المسلمين من بني إسرائيل بأنهم أهل فساد وإفساد، وأهل خروج عن الدين الحق والدين الصحيح الذي عليه فرعون وقومه.
فكان جواب فرعون قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ أي نبقيهنّ أحياء للخدمة والإذلال وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ هو يرى أنه يملك الأمر، ويملك الملك والسلطان، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، وقد كان يملك من أسباب الدنيا ما يجعله يستطيع أن يمضي وعيده، ولا يملك موسى عليه السلام أن يدفع الشر والسوء عن بني إسرائيل، قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ هو يأمرهم أن يلجؤوا إلى الله تبارك وتعالى وأن يستمدوا منه العون والمدد والقوة، فهو سبحانه القاهر فوق عباده، ليس كما قال فرعون وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ ليست لفرعون ولا لغيره من عباد الله وإنما الملك لله والسلطان له تبارك وتعالى يتصرف فيه بما يريد ويحكم سبحانه وتعالى بما يشاء إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا هو سبحانه وتعالى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ابتلاءاً واختباراً وامتحاناً، لكن العاقبة في النهاية، الفوز والسعادة والنجاة، إنما هي لأهل التقوى، اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا هؤلاء الذين يجيبون موسى عليه السلام هم المسلمون، هم الذين يفترض أنهم أهل الإيمان على وجه هذه الأرض في هذا الزمان لكنهم لم يكونوا أهل إيمان كامل، أو أهل يقينٍ راسخ لذلك كان هذا هو جوابهم، إننا رجونا بمجيئك إلينا وببعث الله عز وجل إياك أن تخرجنا مما نحن فيه من ضيقٍ ومعاناةٍ وكبدٍ وشقاء، فإذا بنا بعدما جئت وأتيت لم نستفد من مجيئك إلينا إلا بقاء الشر والسوء والفساد، بل ربما قد زاد عن حال ما كان قبل، لأن هذا قد استعدى عليهم فرعون أكثر وأكثر قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا وقد قلنا قبل أن بني إسرائيل إنما كانوا ينظرون إلى نبيهم عليه السلام على أنه منقذٌ ومخلص لا على أنه نبيٌ ورسول، وفرقٌ كبير بين هذين النظرين، إذا نظروا إليه على أنه نبي ورسول، فإنهم يؤمنون بما أنزل إليه من كلمات، يتبعون ما أرسل به من شرائع، يرجون بذلك رحمة الله عز وجل ورضوانه ويرجون بذلك الدار الآخرة.
أما إذا نظروا إليه على أنه مجرد منقذ ومخلص، فهم لا يريدون ولا يطلبون منه إلا الدنيا، ولا يقيمون مجيئه ولا سياسته ولا أسلوبه إلا على وفق ميزان الدنيا، والدنيا وفقط، ولذلك قالوا، كانت هذه إجابة منطقية على وفق الأصول التي ينظرون بها، إنهم ينظرون نظراً مصلحياً دنيوياً مجرداً، ولذلك كانوا يتلكؤن دائماً في الاستجابة لما يدعوهم إليه النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لا يعاملونه على أنه نبي، حتى إذا طلبوا منه أن يطلب من الله قالوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ، وإذا أمرهم بأمر قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا وإذا أمرهم أن يمتثلوا أمر ربهم، قالوا أذهب أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ
قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا وهذا كأشدّ ما يكون على الأنبياء وعلى المرسلين، أن أتباعهم الذين يفترض فيهم أنهم يؤازرونهم، ويعينونهم هم من يخذلونهم ومن ينتقصونهم و ينتقدونهم، وهذا كأشدّ ما يكون من الغربة، أن هذا هو ردهم عليه؛ أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا فقال موسى عليه السلام قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.
فها هو موسى عليه السلام؛ الشيء الأساس الذي يريد أن يرسخه في قلوب هؤلاء المسلمين من ضعاف الإيمان هو تذكيرهم الدائم بعظمة الله تبارك وتعالى تذكيرهم الدائم بأن الأمر كله لله، تذكيرهم الدائم بأن العاقبة لأهل الإيمان، تذكيرهم الدائم بأن الله سبحانه وتعالى هو المسيطر وهو المهيمن على كل هذه الحياة وعلى الكون بما فيه، فهو سبحانه وتعالى هو صاحب الإرادة العليا وهو سبحانه وتعالى صاحب الإدارة العليا.
قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ هذا الإهلاك الذي يتوقع لهؤلاء إنما يكون بقدرته سبحانه وتعالى وبيده وتصريفه، قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ يعطيهم مكانه، ثمّ؛ إذا أعطاهم هذا المكان ماذا بعد، عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ إذاً سيكون محل بني إسرائيل محل فرعون في السيادة والملك والسلطان ليس إلا اختباراً وابتلاءاً لهم في حال السراء، بعد أن ابتلوا بحال الضراء، هل إذا َأعطاهم الله تبارك وتعالى عزًّاً وملكاً وسلطاناً يمتثلون ويشكرون، أم يجحدون ويكفرون الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ثم قال وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ هذا الاستخلاف أو هذا الابتلاء بالنعمة بعد الابتلاء بالمحنة إنما هو في جملة الإختبار والابتلاء، ولكن في النهاية الحساب والجزاء والعاقبة في الآخرة عند الله تبارك وتعالى حينئذٍ يرجع العباد إلى الله فيحاسب كلاً على عمله ويظهر ثمرة هذا الابتلاء في الدنيا بالسراء والضراء وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً كلاهما فتنةٌ واختبارٌ وامتحان وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ.
ثم يقول تعالى وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ إذاً أنفذ فرعون وعيده وأوقع بطشه وسخطه على بني إسرائيل، وقام موسى عليه السلام، بتوجيههم إلى أن مواجهة هذا البلاء النازل إنما هو بالصبر واللجوء إلى الله وحينئذٍ أنزل الله شيئاً من عقوبته على هؤلاء الظالمين وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ الجدب والقحط وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ هؤلاء قومٌ كافرون عادوا أولياء الله تبارك وتعالى فاستوجبوا العقوبة، لكن الله تبارك وتعالى يعاقبهم بعقوبةٍ يسيرةٍ بسيطة مقصود هذه العقوبة أن يتذكروا وأن يتعظوا وأن يتوبوا وأن ينيبوا إلى ربهم تبارك وتعالى فهي رسالة من الله لكي يستفيق هؤلاء الضالون الظالمون الكافرون المكذبون، هم في محلةٍ عظيم خيرها كثيرٌ بركتها، فإذا تحولت هذه المحلة التي ورد في كتاب الله عز وجل وصفها في قول يوسف عليه السلام قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ فإذاً هذه المحلة محلة خيرٍ وبركة على أهلها وعلى من حولها فكيف تستحيل هذه المحلة التي هي الخزائن لنفسها ولمن حولها إلى أرض جدبٍ وقحطٍ وبلاءٍ وشدة.
إنما تستحيل هذه الأرض بهذا السلوك وهذا الفعل الذي يفعله أهلها، وهو المحادةُ والمعاندةُ لأمر الله، وقد قلنا قبل ذلك قبل فترة طويلة، هذه الأرض التي وصفت بأنها الخزائن إنما كانت في ذاك الوقت في أيدي قومٍ كافرين، لم تكن في أيدي قومٍ مؤمنين، ولكنهم كما قلنا قبل كانوا قوماً مريدين للإصلاح حريصين على دفع القحط والجدب والبلاء عن قومهم، ولذلك وفّقوا ليوسف عليه السلام، الذي وصف نفسه بقوله إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.
يبقى إذاً الناس دول كانوا مريدين للإصلاح ولذلك إحنا ذكرنا إن الملك كان شغله جداً قضية الرؤية، رغم إن الناس المستشرين بتوعه قالوا له أضغاث أحلام، مفيش حاجة يعني، لكن هو كان حريص على التعبير حتى أتى الساقي إلى يوسف عليه السلام فاستخرجه لأجل تعبير هذه الرؤية.
يبقى إذاً هو كان حريص على إدراك سرّ هذا ومغزاه وبالتالي كان حريص على السعي لإخراج الناس من هذه الضائقة، فلما كان كذلك وفق ليوسف عليه السلام رحمةً بهؤلاء الناس ورحمةً بالمسلمين الذين هم على مشارف بلاد الشام، لم يكن هذا مجرد رحمة بأهل مصر في هذا الوقت، وإنما كان لمن حولهم أيضاً من المؤمنين ولذلك كان إخوة يوسف عليه السلام أهل الإسلام وأبناء النبي، يأتون من الشام وفلسطين لكي يمتاروا ولكي يأخذوا طعامهم وحاجتهم من هذه الديار، فكيف استحالت إلى أرض جدبٍ وقحط إنما كان هذا هو بتبديل العباد ومعصيتهم وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يبقى المفروض الطبيعي أو المراد أو الحكمة الإلهية هاهنا من هذا الابتلاء المحدود، هو التذكر والاتعاظ والإنابة إلى الله.
طيب فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ رد الفعل بقى، رد فعل غريب جداً، إذا الأمور اتحسنت أو بعض المحاصيل طلّعت، يبقى ده نتيجة لإيه؟ للجهد اللي بذلته وزارة الزراعة والخبرات والناس اللي إحنا استعنا بيهم.
طيب ولو باظت، هما الناس الفقر الشؤم دول من ساعة ما ظهروا هنا والدنيا بايظة، المفروض يكون في نسق واحد، يعني دلوقتي إحنا الخير نتيجة للخبرات بتاعتنا، يبقى الشر نتيجة لنقص الخبرات أو عدم القدرة على معالجة الآفات، ده الطبيعي، لأ هي لما تبقى حاجة كويسة مفيش الحمد لله، لأ، إسناد ده لخبراتنا وكفائتنا وإمكانياتنا، طيب لو جه عكس كده.
المسلمين على فكرة، مش الشعب كله فقر، لأ الجماعة دول بس يَطَّيَّرُوا يعني يتشائموا، هيه السحن الفقر ديه، يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ ده قدر، هو ده وده قدر ملوش علاقة بحد له علاقة بأعمال الإنسان واستحقاقه للمنة من الله أو لعقوبة على أفعاله، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الجهل، والجهل ده أعظم الآفات ليه؟، لأن الإنسان مبيعرفش يترجم، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين عشان يفهم؛ هو مش عارف يترجم، ديه لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ هما تذكروا،لأ، ليه؟ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ده بقى مزيد من العناد؛ إصرار شديد، متحاولش معانا.
طيب فالله سبحانه وتعالى شدد عليهم في العقوبات، يبقى القحط والجدب ده كان أقل وكان أخف فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ حاجات كده ورا بعض آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ ديه واحدة تلو واحدة، يعني تأتي الآية التي هي هذه الصورة من الصور من العقوبة اللي هيه ملهاش تفسير، يعني فجأة كده، جراد جه، سوس جه شال الأكل كله، فيضان غرّق الأرض، ضفادع، طب ديه جت منين، ملت البيوت وملت القدور، وملت الدور، أوبئة متتابعة كده آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ واضحة بيّنة فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إسرائيل فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ فالله سبحانه وتعالى أرسل عليهم هذه البلايا التي هي أشد من السنين متتابعة، جه الطوفان، فسألوا موسى عليه السلام أن يدعوا ربه تبارك وتعالى أن يكشفه عنهم، طب إذا كشفوا.
طيب قولهم ادعوا لنا ربك يدل على إدراكهم أنهم محتاجون إلى الله وأنه لا يكشف هذا البلاء إلا هو تبارك وتعالى وجعلوا عاقبة أو نتيجة هذه الاستجابة، إذا استجاب الله لهم أن يدخلوا في الإيمان وأن يرفعوا العذاب عن بني إسرائيل، فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ يعودون لنقض عهدهم مع الله،فجاءهم الجراد، اللي بعده، مقدروش يقاوموه، فسألوا موسى عليه السلام أن يدعو ربه سبحانه وتعالى وتعهدوا بنفس العهد، فدعا ربه تبارك وتعالى فكشف عنهم فـإِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ فجاءهم القُمّل فدعوا موسى عليه السلام وتعهدوا مرةً ثالثة، فدعا ربه تبارك وتعالى ثم لما كشف عنه إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ثم جاءهم الجراد ثم جاءتهم الضفادع ففعلوا في الرابعة مثلما فعلوا في التي سبقتها، ثم جاءهم الدم، إذاً خمس مرات يطلبون من نبي الله أن يدعو الله وخمس مرات ينكثون عهدهم مع الله، وهو سبحانه وتعالى لحلمه ورحمته يستمهلهم المرة تلو المرة، فهم يعلمون أن الأمر لله ويدعون ويطلبون من نبي الله والأنبياء والمؤمنون والصالحون إنما جبلهم الله على الرحمة بالخلق، فهو يستجيب في كل مرة، هم يطلبون منه في كل مرة، وهو يستجيب في كل مرة، ويدعوا ربه تبارك وتعالى في كل مرة، ويستجيب الله عز وجل لهم في كل مرة، لكن الفرق بين النبي وبين الرب سبحانه وتعالى أن النبي في كل مرة يظنّ أنهم يوفون بعهدهم، والرب في كل مرة الحكيم العليم، يعلم أنهم لن يوفون بعهدهم، قال تعالى فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ فهؤلاء بعد كل هذا الإعراض وكل هذا النقض للعهود استوجبوا حينئذٍ أن تأتيهم العقوبة التي تستأصلهم بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ يبقى من الذي أورث؟ هو الله تبارك وتعالى من الذي أهلك، هو الله تبارك وتعالى، لماذا أهلك الله هؤلاء؟ لأنهم فعلوا ما يستوجبون به الإهلاك ولماذا نجى الله هؤلاء لأنهم فعلوا بعض ما يستوجبون به النجاة.
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا الله سبحانه وتعالى أعطاهم الديار التي هي محل البركة،وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إسرائيل بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ طيب: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ ده كان امته؟
الله سبحانه وتعالى أورث بني إسرائيل الديار بعد فرعون وقومه بمجرد ما هلك فرعون وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إسرائيل بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسرائيل الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ يبقى إذاً هؤلاء الذين نجاهم الله عز وجل من بني إسرائيل، الذين نجاهم سبحانه وتعالى من فرعون، هؤلاء ليسوا هم الذين أورثهم الله مشارق الأرض ومغاربها التي بارك فيها، لأن هؤلاء لم يكونوا مستحقين لذلك لأنهم لم يكونوا قائمين بأمر الله، ولا ممتثلين لأمر الله بل كانوا طالبين للشركاء معه تبارك وتعالى.
يبقى هنا عندنا في حاجة اسمها برزخ، برزخ يعني ايه: مسافة وسيطة ما بين إهلاك هؤلاء وما بين حلول البركة على هؤلاء ليه؟ لأن الجيل اللي ربنا أنقذه لم يكن مستحقاً لهذه النعمة ولهذا الميراث ولهذه البركة.
إذاً هؤلاء الذين نجاهم الله تبارك وتعالى إنما نجاهم ليعطيهم الفرصة لكي يكونوا مؤمنين حقاً، لكي يكونوا ممتثلين لأمر الله تبارك وتعالى حقاً لكن ماذا حدث، هل كانوا كذلك أم لم يكونوا؟
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين.
وإذاً فهذه الأمة التي منّ الله عز وجل عليها بمنة النجاة إنما أعطاها سبحانه وتعالى هذه المنة وهذه النجاة لكي تشكر ربها وتقوم بأمره تبارك وتعالى، لكنهم لما نجاهم الله أشركوا به تبارك وتعالى ولم يشكروا فضله ونعمته عليهم هذا أولاً.
وثانياً: هم رفضوا أن يستجيبوا لأمر الله ورفضوا أن يمتثلوا أمره تبارك وتعالى فلما أمرهم موسى عليه السلام أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها الله عز وجل لهم أي قدرها لهم، رفضوا أن يستجيبوا للأمر.
يبقى إذاً: هذا الجيل الذي منّ الله عز وجل عليه وكان مستحقاً للميراث لو فعل لم يستحق هذا الميراث ولم يستحق هذا الخير الذي أراده الله تبارك وتعالى له لسببين :
الأول: عدم الشكر لله، وإسناد الأمر إلى غيره تبارك وتعالى وأنهم يطلبون آلهة كآلهة غيرهم إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ يريدون أن يشابهوا أصحاب الأفكار وأصحاب الثقافات الآخرى فيما يستندون إليه وفيما يرجعون إليه، ويجعلون أمر ربهم تبارك وتعالى وراءهم ظهرياً، هذا أول.
طب والثاني: ترك الامتثال لأمر الله والإقامة لحكمه تبارك وتعالى قالوا اذهب أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، يبقى إذاً مين اللي ربنا استخلفهم، هو الجيل الذي تلا هذا الجيل، الجيل الذي أصلح الإفساد الذي وقع فيه هذا الجيل، ولذلك لم يكن هذا الجيل الذي نجاه الله تبارك وتعالى لم يكن مستحقاً لشركه وتقصيره في أن يمنّ الله عز وجل عليه.
ولذلك كانوا في وضعٍ أو في حال، نعم هو أحسن مما كانوا عليه قبل، قطعاً، هم بعد أن انتقلوا إلى سيناء في التيه الذي كانوا فيه هم كانوا أفضل حالاً من حالهم الأول الذي كانوا فيه تحت حكم وتحت أسر وتحت قهر فرعون، لكنهم لم يكونوا مستحقين إلا لهذا التيه.
لكن الله عز وجل برحمته بعباده كان ينزل عليهم في هذا التيه المنّ والسلوى رغم أنهم كانوا موجودين في هذا التيه، عقوبةً لهم على أفعالهم، عقوبةً لهم على معصيتهم، عقوبةً لهم على أنهم تنكبوا أمر ربهم تبارك وتعالى لكنهم مع ذلك برحمة الله عز وجل كان سبحانه وتعالى في هذا التيه؛ ينزل عليهم المنّ والسلوى، يعطيهم ما يحتاجون من حاجات منّةً منه ورحمة وفضل، وإذا استسقوا أعطاهم الله عز وجل الماء ينبثق من الأحجار لكنهم مع ذلك قالوا لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا حتى المطالب والاحتياجات الدنيوية هي احتياجات دونية، قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ
يبقى إذاً كان بني إسرائيل في التيه معاقبين على معصيتهم لله، لكن الله سبحانه وتعالى مازال يتغمدهم برحمته وفضله وكان ينزّل عليهم الطائر المشوي من السماء وينزل عليهم الحلوى من السماء بدون كدٍ وبدون تعب، لكنهم أيضاً لا يريدون ذلك وإنما يريدون طعام الأرض الذي أعتادوه في زمان فرعون، عايزين نرجع للوضع السابق اللي إحنا كنا عليه يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ اللي إحنا اتعودنا عليه مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا طيب متى تغيرت أحوال بني إسرائيل؟ متى جاءتهم المنّة الحقيقية من الله تبارك وتعالى حينما أصلحوا ما أفسدوا وحينما استدركوا أخطاءهم وحينما قرروا حقيقةً أن يعودوا إلى ربهم تبارك وتعالى لكن هذا استغرق جيلاً كاملاً واستغرق أربعين سنة قال تعالى قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ إذاً كانت العلة وكانت الآفة أن هؤلاء كانوا قوماً فاسقين ولذلك استحقوا ألا يأخذوا ولا ينالوا هذه المنة.
يبقى إذاً واقع المجتمع الإسرائيلي ده اللي ربنا نجاه ومنّ عليه، يبقى إذاً هو زي ماقلنا، هو وقع في مرحلة وسيطة، مرحلة برزخ فيها فضل من الله ورحمة، لكنها ليس فيها ما يطلبون وما يرجون، ليه؟ لأنهم لم يغيروا ولم يبدلوا أحوالهم، حينما عزموا على أن يطيعوا أمر ربهم، حينما عزموا على أن ينيبوا إلى الله تبارك وتعالى حينئذٍ فقط أعطاهم الله عز وجل وعده وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إسرائيل بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُون.
وإذاً فنحن في يومنا هذا إذا أردنا أن نقصر الزمان، إذا أردنا حقيقةً أن ننال فضلاً ومنّةً من الله فالأمر بين أيدينا واضحٌ بيّن، إحنا قدمنا اختيار من اتنين، يا إما اختيار جيل موسى عليه السلام، يا إما اختيار جيل يوشع بن نون عليه السلام، يوشع بن نون اللي هو تلميذ موسى، وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ فتاه ده: اللي هو يوشع بن نون، تلميذه الذي ربّاه وعلمه، ثمّ صار نبياً فامتثل أمر الله تبارك وتعالى بدخول الأرض المقدسة، وحينئذٍ أعطاهم الله عز وجل هذا الميراث، فإحنا قدمنا بديلين، هما اتنين ملهمش تالت، بعد هذا الإهلاك وبعد هذه النعمة وهذه المنّة قدمنا صورتين: إما جيل موسى عليه السلام؛ الذي رفض أن يمتثل أمر الله، رفض أن يقيم الحقّ كما أمره الله، فكانت عاقبته هي هذه العاقبة، والجيل الآخر الذي أصلح ما فسد والذي أدرك مكمن الخطأ ومحل الزلل هو الذي أعطاهم الله عز وجل ثواب الدنيا وثواب الآخرة، يبقى الأمر فين، الأمر في أيدينا إحنا، نختار أحد الطريقين.
طيب، هذا الجيل الذي رفض أن يستجيب لأمر الله، بقي في تيه إلى أن انقرض هذا الجيل بكليته، طيب التيه ده كان فيه مين، كان فيه موسى عليه السلام، كليم الرحمن، وكان فيه أيضاً هارون عليه السلام النبي المحبب الرقيق المعظم عند بني إسرائيل.
يبقى إذاً هذا الجيل بهذه الصورة لا ينفعه أن يكون بين ظهرانيهم لا موسى ولا هارون، مش هنقول بقى فلان وفلان، لأ، إحنا لو معانا دلوقتي بيسوس أمرنا موسى وهارون مش هيعملنا حاجة، لأن المشكلة ليست في موسى وهارون، هو مجتمع والمجتمع ده بيحاسب من الله تبارك وتعالى حساباً كلياً، ولذلك إحنا قلنا المرة اللي فاتت قول زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت يا رسول الله ” أنهلك وفينا الصالحون، قال: نعم، إذا كثُر الخبث “، يبقى إذاً الحساب في الآخرة هو حساب فردي، كل واحد بيتحاسب لوحده، أما في الدنيا لأن إحنا أُمرنا إن إحنا نقيم مجتمع فنحاسب حساب المجتمع، يبقى إذاً حساب ربنا للناس في الدنيا جماعي، في الآخرة فردي، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” يغزوا جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض ” في الصحرا ” خسف بأولهم وآخرهم، قالت عائشة: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ” ناس عامة مش فهمه حاجة ” ومن ليس منهم ” ناس كانوا ماشيين فلقوا جيش قالوا بدل ما حد يخطفنا ولا حاجة نمشي معاهم وخلاص .
قال: ” يخسف بأولهم وآخرهم ثمّ يبعثون على نياتهم ” وفي رواية ” يوردون مورداً واحداً ويصدرون مصادر شتى ” يبقى إذاً يخسف بأولهم وآخرهم ده الدنيا، ثم يبعثون على نياتهم ده في الآخرة، هيتقسموا بقى كل واحد لوحده.
يبقى إذاً كما قال تبارك وتعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، ” مثل القائم في حدود الله والمداهن فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة ” ده كلام النبي صلى الله عليه وسلم ” فأصاب أحدهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في الأسفل إذا أرادوا أن يستقوا الماء صعدوا إلى من بالأعلى، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً فلا نؤذي من فوقنا ” هيعملوا خرم في الجزء اللي تحت، المركب مقسومة نصين الناس اللي فوق دول الناس الكويسين، والناس اللي تحت دول الناس اللي بيعملوا مشاكل، فاللي تحت عشان ميعكننوش على اللي فوق طالعين نازليين نجيب الميه من فوق، فإحنا نعمل خرم ونجيب ميه من تحت، ” فلو أنهم تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً “، ماهو الخرم ده في الآخر، هيغرق النص اللي تحت من المركب، ده هيه مركب واحدة، كل اللي فيها هيغرقوا الصغير والكبير، ” ولو أنهم أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً “، ماهو لما هينجوا المركب، هيه مركب كلها، يا تنجو كلها يا تغرق كلها، هما لو أخذوا على أيديهم النص اللي فوق هيبقى كويس واللي تحت هو اللي هيشرب ميه لأ.
هو يا إما المجتمع كله يقب، يا إما المجتمع كله يغطس، مفيش نص ونص، لكن أعمال النص اللي تحت هتأثر على النص اللي فوق، وسلبية النص اللي فوق هتغرق اللي فوق مع اللي تحت.
يبقى إذاً زي ما قلنا الميزان الدنيوي جماعي والميزان الأخروي فردي، فإذاً موسى عليه السلام وهارون عليه السلام مش هيعملوا حاجة لمجتمع اللي بيتعامل بهذه الطريقة مع ربنا سبحانه وتعالى ومع نعمه ومع أوامره، طيب يوشع بن نون ده قطعاً في المرتبة والمنزلة أقل بكتير من موسى ومن هارون، لكن ربنا سبحانه وتعالى جعل لده فتح ومجعلش لدول ليه؟ لأن ده كان معاه أمة من الناس تواطئت واتفقت على الامتثال بس، فالاختيار لنا، سيبك بقى من نعم ولأ والكلام اللي ملوش معنى ده مش الموضوع الدستور ده لا هيطلع ولا هينزل هيه الفكرة إحنا، وضع وضعنا إحنا ايه؟، علاقتنا بربنا سبحانه وتعالى إيه، موقفنا من أوامر ربنا سبحانه وتعالى إيه ظن موقفنا من نعم ربنا سبحانه وتعالى علينا إيه، هو ده الموضوع بمنتهى البساطة، موقفنا من ده إذا قال الناس لربهم نعم فهو خير الدنيا والآخرة، وإذا قال الناس لربهم لا، فهو الشر والفساد والسوء في الدنيا والآخرة.
هي ديه حقيقةً اللي محتاجة نعم أو لا، ده اللي عايزين نحسم فيه، هي ديه مشكلتنا، ولو إحنا قلنا بالميزان الدنيوي إحنا على فكرة مش مشكلتنا في الدستور، إحنا مشكلتنا في وجود سلطة تنفيذية قوية مؤثرة تمضي ما تريد من حق وصواب، وتكون في النهاية عندها إمكانيات نحاسبها على أساسها على وفق أي نظام ديمقراطي بعد أربع سنين عمل أو معملش، بس عشان يعمل أو ميعملش، لازم يكون في سلطة، لازم يكون في شيء من القدرة، مفيش خالص، فحقيقةً ديه مشكلتنا، يبقى إحنا محتاجين نقيم سلطة عشان السلطة ديه في الآخر يبقى عندها قدرة التنفيذ، إحنا مش هنعمل حاجة بالدستور، هيعمل لنا إيه الدستور، هو مين اللي هينفذه، ماهو كلام، نبله ونشرب ميته، ملهوش أي لازمه، هي مش ديه القضية.
يبقى هو نعم لله أو لأ لله، هو ده الموضوع الأساس، وإذا اتكلمنا على الوضع الدنيوي السلطة، لأن هيه ديه في الآخر اللي هتعمل حاجة، إذا كانت الجهة اللي هتنفذ منزوعة القدرة عديمة السلطة لا تستطيع أن تحمي نفسها، لا تستطيع على أن تحافظ على حياتها هي الشخصية.
يبقى لابد من وجود سلطة، إحنا المشكلة إحنا مش ماشيين على أي نظام، إحنا لا على الإسلام ماشيين ولا على وفق قواعد الديمقراطية ماشيين.
المفروض على وفق القواعد الديمقراطية، لو الناس عايزة تمشي كده؛ يبقى في النهاية إن الناس انتخبت سلطة، السلطة ديه بقت عندها شرعية دستورية؛ لأنها منتخبة انتخاباً نيابياً، من الشعب صاحب السيادة، وبالتالي ديه ليها السلطان في التصرف وليها مدة الانتخاب بتاعتها،أو مدة الحكم أربع سنين، وبعد كده بيقيم حكمها، إذا كانت صالحة بيمدد لها إذا لم تكن فتنحى ويأتي غيرها، طب إحنا ماشيين كده، لأ مش ماشيين، طب ماشيين على أصل؛ الطبيعي بتاعنا كناس مسلمين عندنا نظام وعندنا شريعة وعندنا خلافة لأ مش ماشيين، وبعدين: هيه الدنيا مكعبلة ليه؟، طبيعي
فاهو في النهاية إحنا محتاجين عشان منضيعش وقت؛ نحسم أمرنا، يا نعم، يا لا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إحنا محتاجين بس عزمة على أن نقول لربنا تبارك وتعالى نعم وبس، ونثق في ربنا سبحانه وتعالى إن إحنا إذا فعلاً أنبنا إلى الله إن ربنا سبحانه وتعالى لا يعطينا إلا الخير في الدنيا والآخرة مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم أصلح أحوالنا، اللهم أصلح أحوالنا.
اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك، أخذ الكرام عليك أخذ الكرام عليك، لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك، لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك.
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.