الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم صفوة الخلق وخاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
كنا نتحدث عن معنى الإيمان، عن ماهية الإيمان، عن حقيقة الإيمان، ما معنى أن يؤمن العبد بمحمد صلى الله عليه وسلم، وذكرنا أن كل جملة من جمل الإيمان إنما أرادها الله تبارك وتعالى لتبني في قلب الإنسان المؤمن بناءً وتحدث فيه أثراً، وتكلمنا منذ فترة لما بدأنا في الكلام عن هذه اللوحة قلنا أن خلاصة الإنسان عبارة عن هذه المراحل الثلاث، لو الإنسان يبحث عن استقامة الحال فالقضية سهلة وليست صعبة، لدينا مضغة هي محل الخطاب من الله سبحانه وتعالى، هي التي وجهت لها الرسالة، هذه المضغة خوطبت بحقائق إيمانية إذا استقرت الحقائق الإيمانية حقيقة في هذه المضغة لابد أن تنتج صلاحاً في أقوال وأعمال وإيرادات ومقاصد ونيات العبد، فتنتج ممارسة وسلوكاً إيمانياً، ولذلك تكلمنا عن طبيعة المضغة، ما صفاتها، ثم بعد ذلك نريد أن نتكلم عن الحقائق التى من المفترض أن تستقر في هذه المضغة، ولكن لكي تنتج هذه الحقائق يجب أن تعد هذه المضغة لاستقبال الحقائق، ولذلك تطهير القلب هو الأساس لإصلاح الأحوال، لكي يكون الوعاء مهيئاً لاستقبال الخير لابد أن يتم تنقيته وتطهيره وتنظيفه من كل ما ينافي ذلك، حينئذ يصلح لاستقبال حقائق الإيمان.
حسناً، هل الإيمان هو مجرد الإدراك والمعرفة؟ أي أننا كنا نتكلم عن الإيمان بأنبياء الله ورسله، هل مجرد التسليم أو التصديق بأن فلان الذي ذكر اسمه في القرآن هو نبي أرسله الله تبارك وتعالى إلى أمة من البشر وكفى؟ هل الإيمان الذي طلبه الله سبحانه وتعالى من الإنسان أو وجه الإنسان له، هل يكون هكذا فقط؟، قلنا في المرة السابقة أن الحقائق المتراكبة المتتابعة التى أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نؤمن بها هي ست حقائق كبرى، وهذه الحقائق الكبرى متعلقة بالأساس برسالة ربنا سبحانه وتعالى للإنسان، الإنسان أولاً يؤمن بالله، وقلنا الإيمان بالله كلمة لابد من تفكيكها، أي هل الإيمان بالله هو أن يقر الإنسان ويصدق أن له خالقاً فقط؟ أو أن للكون مدبراً فقط؟ أم هناك أشياء أخرى؟، ما مساحة الإيمان ومساحة المعرفة التي وجه الله سبحانه وتعالى الإنسان لها؟ نحن قلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مبثوث في كلام الله وفي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم صفات كثيرة لربنا سبحانه وتعالى وأسماء عظيمة لله تبارك وتعالى، ومن يحصي هذه الأسماء يكتب الله سبحانه وتعالى له الجنة، ولكن ما قدر المساحة؟ يتكلم صلى الله عليه وسلم عن تسعة وتسعين اسماً، رقم كبير ليس سهلاً، إذاً مساحة المعرفة بربنا سبحانه وتعالى يجب أن تتسع لكي تشمل كل هذه المساحة، حسناً، إيمان الإنسان بالله عبارة عن جملتين فقط، الجملة الأولى أن تعرف، والجملة الثانية أنك بعدما عرفت تتوجه، سفيان بن عبد الله يقول: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ، أو قال: لا أسأل عنه أحداً بعدك، قَالَ: قُل آمَنْتُ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ، فقط، أعظم ما في الإيمان أنه سهل وبسيط وفطري وقريب، ليس صعباً وليس معقداً، يمكن لأي إنسان أياً كان مستوى إدراكه أو مستوى فهمه أو مستوى ثقافته أن يدرك الإيمان وأن يعيش الإيمان، وفوق البساطة أن ربنا سبحانه وتعالى فطر الخلق على الإيمان، ربنا يخاطبنا بأمر ليس مجهولاً، ليس شيئاً بعيداً، ليس أمراً مستنكراً أو مازلنا نتعرف عليه، فمن رحمته سبحانه وتعالى أن وضع هذا الإيمان داخل القلب ثم بعث رسلاً يذكرون الناس بهذه الأشياء التي في الداخل، توقظ شيئاً بالداخل، تحيي شيئاً بالداخل، لكي يعيش الإنسان بهذه المعاني وهذه الحقائق.
ولذلك ربنا سبحانه وتعالى لما أراد أن يجيب على سؤال التعريف بالله، الآن محمد صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى عبادة الله، وإلى توحيد الله، هو معروف وليس غريباً، ولكن الإنسان بطبيعة جحوده واستنكاره واستكباره يتصنع بأنه لا يرى أو لا يفهم أو لم ينتبه لهذا الأمر، قالوا: انسب لنا ربك، فأجاب ربنا سبحانه وتعالى قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ فقط، كلمتين، الأحد هو المتفرد بالعظمة والكمال والجمال سبحانه وتعالى، هذه مقدمة ” دي بما أن ” ، الصمد.. الذين يتوجه إليه الخلائق، فقط، بما أن ربنا هو الأحد إذاً ربنا هو الصمد، هذا هو كل الموضوع، على مدى إدراك الإنسان وإيمانه بالأحد على مدى ارتباطه بالصمد سبحانه وتعالى، فقط، لا يوجد شيء آخر، هل هاتين الكلمين قليلتين؟، النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن هاتين الكلمتين هما ثلث القرآن، هاتين الكلمتين هما ثلث القرآن، ثلث حقائق القرآن كلها موجودة في هاتين الكلمتين، ربنا هو الأحد، وربنا هو الصمد، فقط، فأنا على مدى يقيني بالأحد على مدى ارتباطي بالصمد سبحانه وتعالى، حسناً، آمنت بالله ثم آمنت بأن لله رسلاً من نور، أن لله رسلاً من نور يحملون رسالة الله إلى رسل من طين، أن لله رسلاً من نور يحملون كلمات الله إلى رسل من طين، هذه الكلمات تعرف الناس بالله وتدعوهم لتقوى الله والاستعداد للقاء الله، هذه هي خمس حقائق، أن تؤمن بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر، ثم تؤمن بقدر الله، كل مجريات الحياة من حين ما برأ الله الخلق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بل إلى آماد وآماد وراء ذلك كل هذا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا، كل ذلك يتم بعلم الله وبمشيئة وقدرة الله، ليس هناك شيء في هذه الحياة يخرج عن علم الله ولا عن مشيئة ربنا سبحانه وتعالى، وأن الإنسان لا يمكنه أن يفعل أي شيء إلا أن يرزقه ربنا سبحانه وتعالى العلم ويعطيه القدرة، يرزقه العلم ويعطيه القدرة.
نحن كنا نتكلم عن الإيمان بالرسل، كيف نؤمن بالرسل وما القيمة والحقائق المضافة التي تعطيها حقائق الإيمان لكل نبي ورسول؟، والذين اختصهم ربنا سبحانه وتعالى بالذكر في القرآن.. لماذا اختصهم بالذكر؟ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ إذاً ربنا سبحانه وتعالى لم يخبرنا عن جميع الرسل ولكن أمرنا أن نؤمن بمفهوم الرسالة، ثم مثل وأعطى نماذج للرسل، إختار، إختار من هؤلاء الصفوة المختارة، إختار منهم بعضهم، نحن نحتاج أن نعرف هؤلاء، نحن نؤمن بأن هناك شيء يسمى رسالة إجمالاً وأن هناك كثير من الرسل قد أرسلهم ربنا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ثم نؤمن بأعيان وأسماء، كأن نؤمن بأن هناك ملائكة كثيرة جداً لا يحصي عددهم إلا الله، ثم بعد ذلك سمى الله تبارك وتعالى أسماء لأعيان وعين وظائف، إذاً فذلك قدر زائد عن المعنى العام نحن نحتاجه.
سنتكلم عن الإيمان بداوود عليه السلام، النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث عن مشهد من مشاهد الرهبة والعظمة، فيقول صلى الله عليه وسلم: يَجِيءُ نُوحٌ عليه السلام، يَجِيءُ نُوحٌ وقومه يوم القيامة فَيَقُولُ اللهُ تبارك تَعَالَى له: هَلْ بَلَّغْتَ قومك؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ لِقومه: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ، لم يحدث ذلك، نحن لا نعرف من هو، فَيَقُولُ الله تبارك وتعالى له: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟، هم الآن يجحدون وينكرون، هل تملك دليلاً على أنك بلغت؟ فَيَقُولُ: نعم، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَأُمَّتُهُ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: فَنستشهد فنشهد أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَذلك قَوْلُهُ تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا هذا ليس أمراً بسيطاً، موقف عظيم ومهيب، رسول يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى وهو أعلم، وهو أعلم سبحانه وتعالى، هل قلت لهم ما أمرت به؟ أنا قلت، وهم يقولون لم يقل، حسناً، هل عندك من يؤكد أنك قلت؟، أناس لم تقابله، لم تقابله ولم تره ويأكدون أنه قد بلغ، ” دا مبني على ايه؟ ” مبني على الإيمان الذي آمنوا به، هذه رواية البخاري، وجاء في رواية المسند أن ربنا سبحانه وتعالى سيسألهم: وما علمكم؟، كيف عرفتم؟ . لم تقابلوا نوح ولم تعاصروه ولم تشهدوا قومه، كيف عرفتم؟ على أي شيء بنيتم علمكم وشهادتكم؟ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ على أي شيء بنيتم شهادتكم؟ قالوا: جاءنا نبينا فأخبر أن الرسل قد بلغوا، هذا يكفي، يكفي، لكي تعرف ما معنى الإيمان هذا يكفي، أن الأنبياء يقفون بين يدي الله فتأتي هذه الأمة تشهد بين يدي الله أن هؤلاء الناس صادقون، ” بنوا على ايه؟ بنوا على اليقين، على الإيمان، على التصديق بكلمات الله ” ، ولذلك الانتساب للأمة فخر وشرف لا يستحقه أي أحد، من يستحق أن يستشهد بين يدي الله؟ من يستحق أن يقف بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فيسأله فيشهد؟، يستشهد بين يدي الله، بين يدي الله، فيشهد أنهم قد بلغوا، ولذلك هذا الانتساب ليس سهلاً، يجب أن ندرك قدره وندرك قيمته، كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ معاني ضاعت، معاني ضاعت، وقيم كبيرة قد ذهبت، حقائق عظيمة جداً ومنن عظيمة قد استخف بها واستهين بها للأسف، نحن لم ندرك نعمة ربنا علينا، لم ندرك فضل هذا الانتساب، هذا الانتساب ليس سهلاً ولن يناله أي أحد، ليس بمجرد الوراثة، ليس بمجرد الوراثة، خطر. النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُسأل، يتكلم عن الحوض وورود المؤمنين عليه، فيسألوه أنك تعرف الصحابة لكنك كيف تعرف من لم ترهم من أمتك ” اللى جم بعدين “؟، فيقول لهم أنه إذا وجد خيل سود كلهم وغفيهمم فرس أغرّ ومحجل، فرس به بياض في جبهته وفي قوائمه وسط خيل كلها سوداء، يقول لهم هل يعرف فرسه؟، هل يستطيع أن يميّزه؟ أيستطيع؟ قالوا: بالطبع يعرف، قال: فإنكم تردون عليّ غرلاً محجلين من آثار الوضوء، الوضوء والوضاءة والنور والبهاء، فيعرفهم، حسناً، وعندما لا يوجد وضوء؟ بماذا سأنتسب إلى هذه الأمة؟ لا يوجد وضوء فبماذا سأنتسب إلى هذه الأمة؟ لا توجد صلاة فلماذا سأدخل في هذه الدائرة؟ لماذا ألقى هذا التكريم؟
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين، داوود عليه السلام، أول مشاهد الإيمان بداوود عليه السلام ما حكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى – هي روايات نضم بعضها إلى بعض – أنه سبحانه وتعالى مسح بظهر آدم عليه السلام فأخرج من ظهره ذريته وجعل بين عيني كل رجل منهم وبيصاً من نور، نور في جبهته له بريق، فيسأل آدم: من هؤلاء؟ فربنا سبحانه وتعالى قال: هؤلاء ذريتك، وكتب بين عيني كل رجل منهم أجله، إذاً هناك نور هنا ومكتوب الأجل، ورأى أناس نورهم ضافي، نورهم عظيم،إذاً نحن لدينا مستويين من النور، مستوى من النور موهوب لكل إنسان، ونور آخر عظيم وبراق، فهو يسأل لماذا؟ من هولاء الناس شديدي النور؟، فربنا سبحانه وتعالى قال له هؤلاء الأنبياء والرسل، فرأى رجلاً من أوضئهم، من أحسنهم نوراً، فقال: يا رب من هذا؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داوود، قال: يارب كم عمره؟ قال: أربعين، قال: يا رب زده، قال: هذا ما كتب له، فقال: يا رب زده من عمري ستين، وعمره ألف سنة، فقال الله تعالى: أنت وذاك، أنت وما تريد، ثم أدخل الجنة ثم أهبط منها، فلما صار إلى الأرض جعل يعد أيامه، يعد الألف سنة يوماً يوماً، فجاءه الملك، لا.. بقي ستون أنا أعدهم باليوم، بقي ستون، فقال له ألم تهبهم لابنك داوود، فقال له: لا لا أتذكر، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته، ومن يومئذ أمر الله تعالى بالكتاب ووضع الأشهاد.
فإذاً أول إيمانك بداوود عليه السلام هنــــاك، هذه أول مرة يظهر، هناك في هذا الماضي التاريخي البعيد جداً، ربنا سبحانه وتعالى أعطى كل إنسان نوراً، هذا نور الفطرة، قد وهبه ربنا لكل إنسان، وأعطى آخرين نوراً بإيمانهم، وأعظم هؤلاء المؤمنين النبيين، فهم أعظم الناس نوراً لأنهم ينيرون لأناس كثيرة حولهم، هذا النور مرتبط بالإيمان، وكلما ازداد الإنسان إيماناً كلما ازداد نوراً وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا السراج أي الشمس، والمنير هو القمر، الشمس والقمر، فربنا سبحانه وتعالى حينما وصف نبيه جمع له الأمرين، الاثنان معاً إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ سعوا في الدنيا وهذا السعي ربنا رزقهم به نور، النور هو الذي يسعى، على الصراط النور هو الذي يسعى يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ هناك نور، منة إلهية، وهناك نور ربنا سبحانه وتعالى يسّر لنا سبيله ودعانا إليه.
فآدم عليه السلام لما أعجبه هذا النور واستضوأ هذا الابن أراد أن يطيل بقاء هذا النور في الحياة وما بين آدم وداوود مناسبة نذكرها فيما بعد إن شاء الله أراد أن يطيل هذا النور، ويطيل انتفاع الناس بهذا النور، يريد أن يجعله مائة، أربعين يجعلهم مائة، لكن ليس على حسابه، فربنا سبحانه وتعالى قال له: هم أربعين، فقال حسناً، إذاً ألف، سنضحي بستين لن تحدث مشكلة، لكن حينما جاء الميعاد، الأب يهب ويمنح، والجد كذلك لكن الجد أصعب قليلاً، فهو يهب ويمنح، ربنا سبحانه وتعالى أراد أن يعلم أن الإنسان إذا أراد أن يقدّم أو أراد أن يمنح لابد أن يتحمل شيء من التضحية، ” لازم أنت هتيجي على نفسك لو أنت عايز تدي لحد حاجة ” ، الإنسان لايريد أن يفعل ذلك، يا رب من عندك اجعلهم مائة، فربنا قال له ” والله هما كده ” ، فيستخرج ما بداخل الإنسان، حسناً سأقدّم، ألف هذه رقم كبير جداً، حينما ينقص منه ستون ليست مشكلةً، لكن حينما جاءت لحظة الحساب، ما موقف الإنسان؟ لا يريد، لا يريد، ففي النهاية هذا أمر في غاية الصعوبة أن يؤثر أحد على نفسه، فقال: لا أنا لا أتذكر، فحينما قال أنه لا يتذكر ربنا سبحانه وتعالى أكمل له الألف، وداوود؟ لم يأخذ منه الستين، ربنا سبحانه وتعالى إذا منح أحد شيئاً لا يسلب عطاؤه، ” طب هوا الإنسان قال أنا مش عايز، خلاص مش هدفع الستين اللى عليا ” ، وخذ في اعتبارك أن داوود هذا لم يظهر بعد، أي أنه لم يأخذ الستين، ويريد أن يأخذهم منه مرة أخرى، فهو سيأتي بعد وقت كبير جداً، فقد قال له أنه من آخر الأمم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول أن آدم جحد، ما معنى جحد؟ أي أنكر، أنا لم أقل، حسناً، جحد آدم فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته، هنا ربنا سبحانه وتعالى يذكر أن له نوع عذر، هو يجحد الذي لا يتذكره، لا يجحد الذي يتذكره، ولذلك بعدما قال جحد قال نسي، قد مرت فترة طويلة، حسناً، هل نسي كل شيء؟ لا، أنت عادة تنسى ما ليس من الجيد أن تظل متذكره، أو تنسى ما هو غير مهم أن تظل متذكره، والإنسان فيه الحرص على الحياة، يعد الأيام.
حسناً، جحد فجحدت ونسي فنسيت؟ إذاً الإنسان بطبيعته فيه المشابهة لآبائه وأجداده وأسلافه، وفيه مشابهة للطبيعة الإنسانية العامة لن يخرج عنها، والبيئة لها أثر في الإنسان، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، فما المطلوب من الإنسان؟ أن يحاول أن يربي نفسه على ما هو أصلح وعلى ما هو أرقى وعلى ما هو أنقى.
حسناً، فلما جحد نسياناً، أصبح هناك وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ ربنا سبحانه وتعالى وضع الكتاب وأمر بالشهود، لئلا يأتي الإنسان يوم القيامة ويقول لا، حتى لا يجحد، فربنا سبحانه وتعالى وضع هذا وأمرنا في حياتنا لئلا يجحد أحد حق أحد أن نسجل يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ فربنا سبحانه وتعالى من حكمته وضع التوثيق وأمرنا بالتوثيق.
إذاً بداية إيماننا بداوود عليه السلام، بم نؤمن؟ نؤمن بهذا النور العظيم الموهوب لهذا النبي الكريم منذ الأزل، ونؤمن بالنور، نؤمن بالنور اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ نؤمن بالنور، نسعى للنور، نطلب من ربنا سبحانه وتعالى النور، نستهدي بهذا النور، ندرك أن الرسول نور، ندرك أن الكتاب نور، ندرك نعمة ربنا أن أخرجنا من الظلمات إلى النور، ونسعى أن يتم ربنا سبحانه وتعالى لنا النور يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ المؤمنون يعبرون الصراط، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل النجاة، هذا الصراط في منطقة مظلمة، شديدة الظلمة، كيف يسيرون؟ بالنور، هذا النور هو الإيمان والأعمال التي فعلوها في الدنيا، كل شخص على حسب أعماله على حسب ما يعطيه ربنا من النور، ومنافقين مختلطين بالمؤمنين، معهم نور شكلي، كما كانوا يرسمون ذلك في الدنيا، ظاهر بلا باطن، ثم يفطئ الله سبحانه وتعالى نورهم لأنه نور ليس حقيقياً، فحينئذ يقول المؤمنون رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا لا نسلب النور، لا نسلب الإيمان، لا نسلب النعمة، أن ربنا سبحانه وتعالى يختم لنا بالخاتمة الحسنة ويرزقنا حقيقة الصدق والإيمان، فالنفاق صورة من الإيمان لكنه ليس حقيقة من الإيمان، ما الذي بداخل؟ ما الذي موجود بداخل القلب؟ ما الذي انطوى عليه قلب الإنسان؟، فنحن يجب أن ندرك طبيعية النو وأن نسعى في طلب النور، وأن أعظم الناس إيماناً وصلاحاً هم أعظم الناس نوراً، وأن هذا متاح وليس محجوباً، ليس محجوباً عن العباد، الإنسان إذا سعى في طلب النور سينيله إياه ربنا، إذا أراد أن يرزقه الله سبحانه وتعالى نوراً سيرزقه الله إياه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا.
اللهم أجعل في قلوبنا نوراً، وفي أسماعنا نوراً وفي أبصارنا نوراً، وعن أيماننا وراً، وعن شمائلنا نوراً، ومن أمامنا نوراً ومن خلفنا نوراً، ومن خلفنا نوراً، ومن فوقنا نوراً، ومن تحتنا نوراً، اللهم أعطنا نوراً، اللهم أعظم لنا نوراً، اللهم أعظم لنا نوراً، اللهم إنا نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل علينا سخطك أو يحل بنا غضبك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك، أقول قولي هذا واستغفر الله.