الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى وأظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً.
الله سبحانه وتعالى وهو يحدث عن عبده داوود عليه السلام، ولكي ندرك قيمة هذا الحديث لابد أن ندرك أولاً عظمة المتكلم سبحانه وتعالى، من الذي يتحدث؟ الله سبحانه بجلاله وعظمته وكبريائه وجبروته وقهره، الجليل الجميل سبحانه وتعالى يحدثنا، وما نحن في كونه وفي خلقه سبحانه وتعالى؟ ولكنه يتكرم ويتلطف ويعطف على هذا المخلوق الضعيف على هذه الذرة التي لا تبدو في هذا الكون العظيم، فيخاطبه ويذكر نعمته واصطفاءه واجتباءه لعبد من عباده. إذا لم ندرك عظمة وقيمة الذي يتكلم بالقرآن سبحانه وتعالى فلن ندرك عظمة ما نسمع وعظمة ما نخاطب به، فهو يتحدث سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم ونحن من ورائه فيقول: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ثم يذكر تتميم نعمته وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ” وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ يخبر تبارك وتعالى أنه قد آتى عبده داوود فضلاً من عنده، هل تفرق ” ولقد آتينا داوود فضلاً ” عن وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ؟ ” ولقد اتينا داوود فضلا ” وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا وما الفرق بين الإثنين؟ الفضل كله من الله، بيده سبحانه وتعالى وقد ذكر الله سبحانه وتعالى إيتاءاً، أن ربنا سبحانه وتعالى آتى داوود الفضل، حسناً وحين يقول مِنَّا.. ما الذي تضيفه تلك الكلمة؟، فإذاً ربنا سبحانه وتعالى يتكلم عن عطاء لا كعطاء وعن فضل لا كفضل وعن نعمة لا كنعمة، ربنا سبحانه وتعالى يذكر أنه اصطفى واحتبى هذا العبد وآتاه فضلاً ينسبه لنفسه، ليدل على عظمة المنة والهبة التى آتاها لهذا العبد، شيء فيه معنى الخصوصية، عطاء فوق العطاء، ومنة فوق المنة.
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا وما هو ذلك الفضل والإحسان والعطاء؟، ربنا سبحانه وتعالى ذكره منكراً لأنه كثير من الصعب أن تحصره ومن الصعب أن تحصيه، وهذه عظمة العطاء، العطاء الإلهي، ليس له حد ولا حصر، وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ستتبع أنت هذا الفضل في الأشياء التي قالها ربنا لك وأخبرك عنها، وأشياء لا نعلمها لأننا لا نقدر أن نحيط علماً بآلاء الله ونعمه إحصاءاً وعداً وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا.
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا وبعد ذلك؟ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ حسناً، ما معنى أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ؟ سيتجاوبون ويرددون معه التسبيح، فربنا سبحانه وتعالى لا يذكر تسبيح داوود عليه السلام ولكن يذكر أثر التسبيح في المخلوقات المحيطة بداوود، حين يسبح ربنا سبحانه وتعالى، حين يناجي ربنا سبحانه وتعالى، حين يذكر آلاء الله سبحانه وتعالى، حين يعظم ربه سبحانه وتعالى، أين يصل أثر التعظيم والتسبيح؟ أن الجبال والطيور تشترك معه في التسبيح، القانون العام وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا.
فالقانون العام أنه لا توجد مخلوقات خلقها ربنا حسبناها جماداً أو لم نحسبها إلا وهي تسبح ربها تبارك وتعالى، هذا الكلام تكلمنا عنه مراراً وذكرنا له أمثلة عديدة، نذكّر منها بمثل واحد، كيف أخبر صلى الله عليه وسلم أن نبياً من أنبياء الله قال تحت ظل شجرة، نام، فقرصته نملة فأمر بجهازه أن ينقل، المرتبة التي كان ينام عليها، المرتبة التى كان ينام عليها أمرهم أن يحملوها بعيداً وأمر بقرية النحل فحّرقت، تجمع النمل الذي يوجد تحت الشجرة التى منه قرصته واحدة، فأوحى ربنا سبحانه وتعالى فقال: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح، وفي رواية: فأوحى الله إليه فهلا نملة واحدة !، قرصتني نملة فأعاقب نملة، أأخذ نملة من المجموع لأنني لا أعلم أي نملة قرصتني، فأنا أريد أن اقتص، نملة، أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح، ماذا يعطي ربنا سبحانه وتعالى سيدنا داوود؟ أن يدرك التجاوب، فالمفترض أن الإنسان الذي يسبح، تسبيحه هذا يتجاوب معه من حوله، القانون العام، القانون العام هو السجود أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ هؤلاء مع بعضهم، ثم نأتي نحن، نحن قسمان، كل الذي سبق قسم واحد لا ينقسم، لا يستثنى من سجوده شيء، ثم قال تعالى وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ من لا يسجد خطئ طريق الإكرام ووضع نفسه في دائرة الإهانة والمهانة عياذاً بالله، وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ أي تسبيح؟، تسبيح داوود الذي جعل الله الجبال والطير تتجاوب معه، أي حالة كان عليها؟، لماذا ربنا سبحانه وتعالى اختص داوود عليه السلام بالتجاوب وإدراك التجاوب والإحساس بالتجاوب وسماع التجاوب، أي تسبح كان يسبح؟ وأي تعظيم كان يعظم؟ لأن كلمة سبحان الله يمكن أن تجري على كثير من الألسنة، لكن ما الفرق بين تسبيح شخص وتسبيح شخص آخر؟ ما قدر رصيد التسبيح في قلب الإنسان ووجدانه؟ أي ما قدر إحساسي بكلمة سبحان الله؟ ما قدرعمقها في نفسي؟ ما قدر إدراكي لها؟ ما قدر تجاوبي معها؟ فأي تسبيح كان تسبيح داوود؟ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ رددي معه التسبيح وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ فإذاً الجبال والطير تتجاوب وتطاوع داوود عليه السلام في ذكره لله، والحديد؟ يلين له وينقاد فيصنع به ما أمره الله، وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ليس بالطرق ولا بالسحب ولا بالفرن ولا بالإحراق، في يده قابل للتشكيل يفعل به ما يريد، وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ من الذي جعل الحديد هكذا؟ من الذي أعطاه هذه القدرات وهذه الصفات؟ من الذي أعطاه تلك الخصائص؟ الخالق سبحانه وتعالى الذي جعل الحديد بهذه الطبيعة شاء سبحانه وتعالى أن يجعله ليناً طيعاً في يد هذا العبد لأنه عبد، لكي يفعل به ماذا؟ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وبعد ذلك؟ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
نحن ذكرنا قبل ذلك أن معنا من قبل جملتين نحتاجهم، هذه واحدة، والثانية ستأتي إن شاء الله، قلنا أن ربنا سبحانه وتعالى حين خلق سيدنا آدم ومسح ظهره ذكرنا أن سيدنا آدم حين بثت له ذريته أمثال الذر، النمل الصغير، لفت نظره وانتباهه النور الذي أتاه الله لداوود وطلب من الله تبارك وتعالى أن يزيد عمره من ستين إلى مائة، قلنا لماذا داوود بالذات؟ وقلنا نضع هذه على جنب، وذكرنا شيئاً آخر، قلنا أن طالوت حينما واجه جالوت وخرج جالوت يطلب المبارزة وتكعكع عنه الناس خرج إليه داوود حاسراً بلا درع، فلما خرج حاسراً بلا درع أتاه الله سبحانه وتعالى هذه الفضيلة، أن يكون هو من يصنع هذه الدروع التي تقي المؤمنين حينما يكونوا في موطن مثل موطنه فينالوا أجر وثواب حمايتهم ورعايتهم، الدرع سابقاً كان يصنع من الصفيح، حسناً، ما الذي أتاه ربنا سبحانه وتعالى لداوود؟ ألان له الحديد وبماذا أمره؟ أمره أن يصنع له درعاً، ما معنى درع؟ أي قميص يلبس، كما تلبس أنت قميص كتان أو قطن، يصنع هو قميص من حديد، وما الفرق بين القميص وبين الصفيح؟ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ تغطي مواطن الضعف والخطر للمؤمن المجاهد، ليست ثقيلة ومرنة في نفس الوقت، حسناً كيف يصنع؟ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ فربنا ألان له الحديد، نحن الأن نتكلم في صناعة، نحن نتكلم في صناعة، ربنا سبحانه وتعالى جعل الحديد ليناً لداوود وقال له ماذا يفعل به وكيف يفعل ذلك؟ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ سيكون الدرع طويلاً ويغطي اليدين، وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ سيصنعه على هيئة حلقات ويجعلها متماثلة ولها حجم معين مصنوع بدقة ولذلك طلب منه التقدير وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ لماذا؟ لأن الحلقات إن لم تكن متناسبة تفسد، وإن كانت ضيقة جداً تخنق من يتحرك بها، وإن اتسعت يصاب فيها مقاتله، الحلقات تقديرها يكون بحجم معين مرتبطة وبدقة لكي تؤدي الدور المطلوب منها بالضبط أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْد وبعد ذلك وَاعْمَلُوا صَالِحًا الأشياء التي سيمن عليكم ربنا بها، ماذا ستفعلون بها؟ أي هذا الحديد وهذه الصناعة أين ستسوقوها، أنتم كمجتمع ربنا أعطاكم هذا وأمدكم بهذه الأشياء وألان لكم الحديد وهيّأ لكم هذه الصناعة بدون جهد، وبدون مشقة وقال لكم ماذا تفعلوا بالضبط، وبعد ذلك فيم ستوظف هذه الأشياء، هذه النعم فيم سنضعها؟ فيم سنستخدمها؟ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ثم انتبهوا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ هو صلى الله عليه وسلم ينذرهم ويحذرهم ألا يستمروا في الجحود والغيّ والطغيان لئلا يصيبهم ما أصاب من قبلهم من المكذبين، فماذا من المفترض أن نفعل نحن؟ نرتدع أو نستغفر أو نقلق أو نتوب، لا لا لا، أسرع وأنهي !! إذا كان هناك عذاب فأت به وأنهي،، وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ نحن نريد العذاب بسرعة، اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وما الذي سيعين على الصبر وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ القوة، فالقوة هذه فيم؟ وإلا تنسب؟ مثلما قلنا مِنَّا فَضْلًا مفتوح، وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ القوة، فيم؟ إِنَّهُ أَوَّابٌ ما معنى أواب؟ دائم الرجوع إلى الله تبارك وتعالى دائم الإنابة له سبحانه وتعالى، دائم التوب والاستغفار لله تبارك وتعالى، وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ ربنا سبحانه وتعالى جعل الكون كله مسخر لخدمة الإنسان، لماذا؟ لكي يعينه على أداء الوظيفة التي أمره بها ربنا، لكي يدعّمه في العبادة التي أراد ربنا أن يقوم بها، ولولا التسخير هل يقدر الإنسان على شيء؟ ربنا سبحانه وتعالى يذكر تسخيراً فوق تسخير، يوجد تسخير عام لكن هنا يقول إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ ليس ” له ” إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ للمرة الثانية، يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ مرة أخرى، فالشيء عندما يذكره ربنا مرتين، وينبه عليه مرتين، هل هذا ليس له دلالة؟ ألا يشير إلى شيء، ألا ينبه إلى شيء إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ ربنا سبحانه وتعالى هو الذي أمرها ووجهها هذا التوجيه إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ بعد الفجر وبعد العصر، وقت الشروق ووقت الغروب إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً يجمعها الله سبحانه وتعالى له كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ كل هؤلاء شركاء فيم؟ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ” كلٌ ” داوود والجبال والطيور كلهم تائبون آيبون إلى ربهم تبارك وتعالى.
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ كل شيء بيد الله سبحانه وتعالى، كل شيء مملوك لله وهو يصرفها كيف يشاء بحكمته، ابتلاءً واختباراً وامتحاناً، وهذا الملك منه الشديد ومنه الواهي، منه القوي ومنه الضعيف، منه المتماسك ومنه المتهالك، ما الذي يجعل المتماسك متماسكاً ويجعل المتهالك متهالك، ما الذي يجعل القوي قوي ويجعل الضعيف ضعيفاً، وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ ربنا سبحانه وتعالى آتى طالوت الملك، وقلنا الجمعة الماضية أن ملك طالوت مكّنه أمران ” التابوت وانتصاره على جالوت “
أما داوود فالله سبحانه وتعالى يقول وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ النبوة، وَفَصْلَ الْخِطَابِ الكلام الفصل البليغ وفصل الخصومات ما بين المتقاضين، كل هذا من أين؟ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ وَشَدَدْنَا وَآتَيْنَاهُ إذاً ماذا يعلمنا ربنا سبحانه وتعالى؟ أن كل عطاء إنما هو من الله، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ وأن عطاء ربنا سبحانه وتعالى للإنسان على قدر سعته وعلى قدر كرمه وعلى قدر إحسانه سبحانه وتعالى ليس له حد، وأن الإنسان كلما ازداد قرباً كلما ازداد إحسان الله وعطائه إليه.
يحكي ابن عباس رضي الله عنه وهو يفسر قول الله تبارك وتعالى وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ عن صورة من صور هذا، هو لا يحصره وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ هذه كلمة لا يعلم حقيقة مؤداها إلا الله الذي شد له ملكه ووهبه وآتاه.
فابن عباس آتاه شخص يتظلم من شخص، يقول أن هذا الشخص سرق بقرتي، والذي سرق أنكر، والقانون، في القانون الذي يدّعي دعوة يحتاج أن يأتي عليها ببينة لأن الأصل أن الناس ليسوا متهمين وذمتهم بريئة، فهو أمامه أمر من أمرين، إما شهود ليسوا ” من على القهوة ” لأن ربنا اشترط في الشهود العدالة، أي الدين والتقوى، وإما بيّنة – دليل مادي – فإن لم يملك، المدَّعى عليه يلزمه أن يقسم، مع أنه ليس عليه شيء، فلماذا يقسم؟ لماذا يقسم؟ لأن ربنا سبحانه وتعالى وضع هذه القواعد التي تصلح الحياة وتقيم العدل، لمن وضعها؟ وضعها للمؤمنين، هم أولاً يؤمنوا، ثم ربنا سبحانه وتعالى يوجههم ماذا يفعلوا لكي تستقيم حياة المؤمنين، فالمؤمن حينما يقولوا له احلف، لا يقول ” جالك الفرج ” فالنقطة هنا، حينما يوقفوه ويقولوا له هل تقسم بالله؟ فالآن ليس عليه شيئاً، لا يوجد شاهد من أهل الأرض، وليس عليه بينة مادية، وبالتالي فعلاً ” جالك الفرج ” لكن حينما يقولوا له احلف، ما الذي سيقف أمامه أمرين: أنه سيقسم بالعظيم سبحانه وتعالى إذا كان هو عنده عظيم، وأنه يبصر موقفه بين يدي الله، فالمؤمن لن يستطيع أن يحلف رغم أنه لا يوجد شيء مادي.
فإن لم يكن في إطار الإيمان، فما فائدة الحلف؟ إذا لم يوجد الوازع الإيماني فما فائدة الحلف؟ ولذلك لن يقام عدل إلا على أساس من الإيمان ولن تستقيم أمور الناس إلا على أساس الإيمان، هذا هو الأمر، هذا هو الأمر الأساسي، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى في كل خطاب يقول يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هو لم يطلب منهم أن يصلوا ولا أن يصوموا ولا أن ينتهوا عن أي شيء قبل أن يؤمنوا، فماذا نفعل نحن؟ نحن نلغي يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ونأخذ الأحكام المترتبة عليها ونريد أن نطبقها، لن تطبق، مستحيل أن تطبّق، لأن ربنا سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين، لابد أن نكون مؤمنين، لكي تقع هذه الكلمات موقعها وتعطي آثارها، النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ” فهو مؤيد بالوحي فمن الممكن أن يحيله ربنا سبحانه وتعالى من الصواب ومن الخطأ، من الظالم ومن المظلوم، من الذي له الحق ومن الذي ليس له!!
لأنه سيكون إمام سيستن به قضاة، طالما بقي في هذه الأمة بقية، فهؤلاء القضاة لن ينزل عليهم وحي فماذا يفعلون؟ فهذا معنى القدوة، كيف سيكون قدوة وهو سيعطى شيئاً سيختص بها.
قال ” إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ فلعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ” من الممكن أن يكون أحدكم عنده قدرة على الكلام، عنده قدرة على الإقناع والآخر ليس عنده قدرة، ” فأقضي له بنحوٍ مما أسمع ” لأني في النهاية بم أحكم؟ بما ظهر أمامي، القدرة الجدلية الإقناعية التي استخدمها الشخص الذي عليه الحق في مقابل الشخص العيي الذي لا يستطيع أن يتكلم ولا يدافع عن حقه وله حق فماذا سيحدث؟ سيقضي له، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقطتع له قطعة من النار فليأخذ أو يدع ” تريد أن تأخذها خذها لكن تعرف ماذا تأخذ، هذه قطعة من النار، الخطاب لمن لديه ترجمة ما معنى النار أصلاً، فإن لم يوجد النار فهذا الكلام لن يؤثر، لن يؤتي نتيجة، أنا أقدر، ولدي امكانيات، سأستطيع أن أحوز حقوق الناس بالإمكانيات البيانية الموجودة لدي، الذي أعطانيها الله، التي بدلاً من أن أوظفها في الخير سأوظفها في الفساد أو في الشر، تريد أن تأخذها خذها، لكن اعلم أنت ماذا أخذت،، فهذا خطاب لمن؟ إذا لم أملك الوازع الإيماني بداخلي فلن يؤثر في، فربنا يخاطب من؟ يخاطب المؤمنين.
يوجد فرق بين الإيمان الحقيقي والإيمان الوراثي، لابد أن نحول الإيمان الوراثي إلى إيمان حقيقي، ما الفرق بين الاثنين؟ واحد عبارة عن معلومات وجمل وواحد عبارة عن يقين ووجدان، مشاعر مؤثرة يجيش بها قلب الإنسان تشكل كلماته وتشكل سلوكه، هذا اسمه دين، وغير ذلك لا يوجد.
فالرجل يقول أن هذا الرجل سرق مني البقرة،،، هل سرقت منه البقرة.. لا لم أسرقها
فأوحى الله إلى داوود عليه السلام أن اقتل الرجل المدّعي، الرجل التي سُرقت منه البقرة، فهو رأى رؤية وقلق، فهذا الرجل لماذا أقتله!!
فربنا سبحانه وتعالى كرر عليه ذلك وأوحى به إليه، فأتى بالرجل التي سرقت منه البقرة، وقال له سأقتلك،، قال له: نعم!!، قال له: هذا وحي من الله وأنا سأنفذه، فقال له: إذا كان هذا، فأنا لم أتجنى عليه، هو فعلاً سرق بقرتي، وإنما كنت قد قتلت أباه غيلة فيما مضى.
أي إذا أردت الحق، فهذا الحق قديم، هذا الحق قديم، هو سرق مني البقرة، لكنني قتلت أباه غيلة – أي غدر – منذ زمن، والموضوع تداوى ومرّ عليه كثير.
فلماذا هذه وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ بنو إسرائيل قلقوا منه، أصبحوا يخافوا ويحذروا، فربنا سبحانه وتعالى هيّأ بهذا، فهذا مثال أو صورة من صور التهيئة، شدّ به ملك داوود، أصبح مهاب في بني إسرائيل وقلنا لماذا في بني إسرائيل، تكلمنا الجمعة الماضية والتي قبلها جمع كثيرة،، هم كيف يفكرون؛ ما مشكلة بني إسرائيل؟ أنهم حقيقة لا يعظمون الدين كدين، ولا يعظمون ربنا سبحانه وتعالى حق التعظيم، ولماذا قلنا هذا الكلام لكي نفهمه لابد أن نعرف كيف ينظرون إلى ربنا، وكيف ينظرون إلى الأنبياء، ولماذا وضعهم ربنا في دائرة الغضب، فهذا الكلام ربنا جعله رادع لهم.
فاليوم ما الأشياء التي ذكرها لنا ربنا سبحانه وتعالى عن سيدنا داوود؟ ذكر نعم، نعم عظيمة، ومنن جليلة، مبنية على ماذا؟ نحن ماذا سنفعل لكي نستحق أن يعطينا ربنا سبحانه وتعالى شيئاً من هذا المدد وهذا الإنعام وهذا الإحسان، وكم جعل ربنا سبحانه وتعالى أعظم نعمة وبدأ بها في موضعين التسبيح قبل أن يتكلم عن شيء آخر، ذكر أن التسبيح من أعظم الفضل وأعظم النعم وأعظم المنن التي أعطاها إلى سيدنا داوود، التسبيح،، الذي ” نصوصو ” به بعد الصلاة ولا ندرك ما هذا، ربنا سبحانه وتعالى يقول أن هذا من أعظم النعم التي أعطاها ربنا سبحانه وتعالى إلى سيدنا داوود.
قبل أن نتكلم عن شيء آخر أين نحن من نعمة التسبيح، ولماذا التسبيح نعمة؟ وما معنى تسبيح؟ نحن نقول ” سبحان الله ” هذه كثيراً، هي من الكلمات التي تجري على لساننا، ما معنى ” سبحان الله ” ولماذا جعلها ربنا سبحانه وتعالى نعمة عظيمة، ولماذا احتفى بها ربنا سبحانه وتعالى، سؤال محتاج إلى تفكير، أجبنا أو لم نجب، نحتاج أن نضع التسبيح في مكانه الذي من المفترض أن يكون فيه، وأن الإنسان إذا سبّح إذا سبّح فعلاً بأحاسيس ووجدان وتعظيم وإجلال يحاول يستحضر ويفكر أن الأشياء التي حولنا ستشاركنا في التسبيح إذا كنا نسبّح حق التسبيح
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا
اللهم اجعلنا لك ذكّارين، واجعلنا لك شكّارين، واجعلنا لك رهّابين، واجعلنا لك مطواعين، إليك أوّاهين منيبين
اللهم تقبّل توبتنا، واغسل حوبتنا، وامح خطيئتنا، وثبّت قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة قلوبنا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.