Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

الاستبشار والعمل والتكاتف

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

ثم أما بعد:حديثنا اليوم بإذن الله تبارك وتعالى وتوفيقه وتسديده وتأييده يدور حول محاور ثلاث الاستبشار والعمل والتكاتف، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبّان عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: أنا عند حسن ظنّ عبدي بي فليظنّ بي ما شاء.

إن سعادة المرء أو شقاوة المرء عياذاً بالله إنما تنبع من داخل نفسه لا من خارجه، وإن سعادة المجتمع إنما تنبعث من طبيعة الأخلاق السائدة في هذا المجتمع، لقد كنا في مرتنا الماضية مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماءفسعادة المجتمع هي في شيوع الإحساس بالرحمة والاحساس بالود، الإحساس بالتكافل الذي يجعل هذا المجتمع ولو كان في ميزان المادة ليس مجتمعاً ثرياً لكنه مع هذه الرحمة وهذا التكافل وهذه السماحة التي هي طبيعة دين الإسلام إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة مع هذه المعاني تطيب الحياة في هذا المجتمع، وإذا غابت هذه المعاني، مهما كان هذا المجتمع ثرياً مرفهاً فإنه جهد البلاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء، وأما الفرد فإنما تنبع سعادته من الأحاسيس التي تعتمد في نفسه ازاء ما يعرض له في هذه الحياة وازاء ما يجري حوله من أمور وازاء الهواجس والدسائس التي يلقيها الشيطان في صدره ويقذفها في قلبه، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ربنا تبارك وتعالى يكون حيث يظن العبد ربه تبارك وتعالى أن يكون.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في المسند وابن حبان أيضاً قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى أنا عند ظنّ عبدي بي إن ظنّ خيراً فله، وإن ظنّ شراً فله

فلنا أن نقول إن العبد بإذن الله عز وجل هو الذي يحدد مصيره ومجرى حياته في هذه الدنيا على وفق مايكون ظنه بالله تبارك وتعالى

يقول ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعرابي يعوده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً قال: لا بأس طهورٌ إن شاء الله لا بأس: أي لايستمر عليك المرض والبأس والشدّة وهي طهارةٌ وكفارةٌ للسيئات والخطيئات وفيها التبشير بزوال الألم والمرض، وفيها التذكير والتصبير بما له عند الله عز وجل من الأجر والثواب.

يقول: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقول لكل مريض يعوده صلى الله عليه وسلم، قال له: لا بأس طهورٌ إن شاء الله فقال الرجل: كلا، بل هي حمى تفور على شيخٍ كبير فتزيره القبور . ليس شفاءً وليس برءاً وإنما هو الموت القاتل والداء الفتاك، قال: كلا، لم يقبل هذه البشارة ولم يقبل هذه الطهارة وإنما قال بل هو الموت، بل هي حمى تفور على شيخٍ كبير فتزيره القبور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنعم إذاً . أنت أردتها كذلك فهي كذلك، ما ضرّه لو كان قبل بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل شفاعته وقبل دعوته، لكنه هكذا يكون الإنسان، فإذاً حسن ظنّ الإنسان بربه تبارك وتعالى هو سبيل سكونه وسعادته، وهو الذي يحدد سبيله وطريقه،

قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم و البخاري عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منه وإن تقرّب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرّب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هروله.

الله تبارك وتعالى يؤكد أنه عند ظنّ عبده به ويبيّن سبحانه وتعالى أنه يكون مع عبده ؛بحفظه ورعايته وعنايته طالما بقي العبد مع ربه تبارك وتعالى ذاكراً معظماً شاكراً لربه تبارك وتعالى فإن كان ذكره لله عز وجل في قلبه وفي فؤاده كان الله عز وجل ذاكراً له كذلك، وما أعظم أن يكون العبد من ربه تبارك وتعالى على ذكر .

قال صلى الله عليه وسلم كما عند ابن ماجه: إن مما تذكرون الله تبارك وتعالى به من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ينعطفن حول العرش، -أي: يطفن حوله،- لهنّ دويٌّ كدوي النحل يذكرنّ بصاحبهنّ، ألا يحب أحدكم أن يكون له عند الله تبارك وتعالى ما يذكر به.

فإن ذكرني في نفسي ذكرته، وإن ذكرني في ملأٍ يذكر بينهم عظمة الله عز وجل وآلاءه ونعمه، ذكرته في ملأٍ خيرٍ منه من ملائكة السماء، والرب عز وجل حليم شكور، فمن تقرب إليّ شبراً، وفي رواية بشبر، تقربت إليه ذراعاً من أخذ خطوةٌ في طريقه إلى الله جذبه الله عز وجل إليه، ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً ومن أتاني يمشي بطيئاً، متثاقلاً، أتيته هرولة.

ما أعظم ربنا تبارك وتعالى وما أجمله وما أرحمه، قال صلى الله عليه وسلم أيضاً فيما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي وأنا معه إذا دعاني.

فالله عز وجل يجعل عبده في حفظه وكلاءته ومعيته طالما بقي ذاكراً لله عز وجل وطالما رفع يديه إلى السماء يدعو ربه عز وجل بما يحبُّ وبما يريد، إنّ الله عز وجل حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين بل يضع فيهما خيراً

ولذلك كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم المتكررة لأصحابه رضي الله عنهم هي الاستبشار والتبشير على الأناء والأحوال،

قال صلى الله عليه وسلم حينما أرسل معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما، أرسلهما إلى اليمن معلمين وموجهين وقاضيين وحاكمين، فقال لهما وهو يودّعهما قال: يسّرا ولا تعسرا وبشّرا ولا تنفّرا وتطاوعا ولا تختلفا، فأمرهما بالأخذ باليسر والتيسير ونهاهما عن العسر والتعسير وأمرهما بأن تكون البشارة والتبشير مسلكهما وحذرهما من كل ما ينفرّ الناس عن ربهم و عن دين ربهم تبارك وتعالى وأمرهما بأن يتطاوعا ولا يختلفا

وكذا أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم أمراً عاماً شاملاً فقال يسّروا ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا وفي رواية وسكّنوا ولا تنفّروا والروايتان عن أنس بن مالك رضي الله عنه في صحيح البخاري ؛ فهو يأمر أصحابه رضي الله عنهم بأن يسلكوا هذا المسلك، مسلك التيسير ومسلك التبشير و أن يرتجي العبد من ربه عز وجل لنفسه و لأمته الخير دائماً في كل وضعٍ وفي كل حال وألا يتهم الله عز وجل في قضائه، يسّروا ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا وفي رواية سكّنوا، التسكين: معنى التطمين والتهدءة، لا تثير المخاوف لا تثير الهواجس، لا تثير القلق في نفوس العباد وإنما سكّنهم لقضاء الله عز وجل ولرحمة الله عز وجل ولأحكام الله عز وجل ولأمره ولنهيه ولشرعه،  وسكّنوا ولا تنفّروا

قال صلى الله عليه وسلم بشّر هذه الأمة بالسناء والرفعة و الدين والنصّر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة نصيب.

قال صلى الله عليه وسلم في المسند عن تميم الداري ليبلغنّ هذا الأمر -الإسلام- ما بلغ الليل والنهار حيثما أشرق النهار على محلّه وحيثما أظلم الليل على مكان، سوف يأتي هذه المحلة وسوف يأتي هذا المكان يوماً من الدهر نور الله عز وجل لا محالة هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدرٍ -أي طين- ولاوبرٍ بيوت الاستقرار وبيوت الحركة والانتقال، بيوت المدر: هي البيوت المستقرة ؛الطين والحجارة والخرسان، وبيوت الوبر:هي بيوت الشعر اللي هي الخيام ؛أهل الحلّ والترحال وأهل المُكنة والاستقرار، ولا يكون بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله الله عز وجل هذا الدين بعزّ عزيزٍ أو بذلّ ذليل، عزّاً يعز به الإسلام وأهله وذلّاً يذل به الكفر

وقال أيضاً فيما رواه المقداد بن الأسود: لا يبقى على ظهر الأرض بيتٌ إلا أدخله الله عز وجل الإسلام بعزّ عزيز أو بذلّ ذليل، يعزهم الله عز وجل فيدخلهم في الإسلام، أو يذلهم فيدينون له فمن قبل الإسلام أعزه الله عز وجل ومن أبى الإسلام وأبى إلا الكفر خضع لأحكام الله عز وجل وسلطانه راغماً لما لم يرد أن يزعن له راضياً راشداً،

وقال صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم عن ثوبان: إن الله زوى لي الأرض-ضمها وجمعها- حتى رأيتها جميعاً في بوتقة، في محلةٍ واحدة، إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها .

فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكون دائماً حسني الظن بربنا تبارك وتعالى وبما يقدمه لنا، نستبشر دائماً في مستقبل أيامنا الخير من الله تبارك وتعالى لأن الله عز وجل لا يأتي منه إلا الخير ولا يقدر إلا الخير، قال صلى الله عليه وسلم الخير كله بيديك، والشر ليس إليك.

قال الله عز وجل قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ جعل سبحانه وتعالى هذه الأمور المتناقضة، جعلها جميعاً خير، جعل الإيتاء خيراً وجعل النزع خيراً، جعل الإعزاز لأقوامٍ خيراً وجعل الإذلال لقومٍ خيراً، فقال بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قال صلى الله عليه وسلم: (الميزانّ بيد الله -ميزان العدل- يرفع أقواماً ويضع آخرين إلى يوم القيامة)

وحسن الظنّ بالله عز وجل والاستبشار بفضله ومنّه وكرمه، يستوجب من العبد المؤمن أن يسعى لتحصيل أسباب الخير من الله عز وجل، لأن الله عز وجل لا يؤتي الخير للعبد إلا بسعيٍ وكدٍ وجدّ،

لذلك نبّه الحسن البصري فقال: إن قوماً غرتهم الأماني فقالوا نحسن الظنّ بالله وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل،

إن احسان الظن ينبع من معرفة العبد بالله عز وجل وعظيم رحمته ومنّه وكرمه وهذا يورث العبد حبّاً لله عز وجل يدفعه للسعي للقرب من الله بطاعته ونيل رضاه ومحبته سبحانه وتعالى ثم طمع العبد في رضوان الله عز وجل يدفعه للسعي لتحصيل أسباب هذا الرضوان وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا

فإذاً حسن الظنّ يقترن بحسن العمل وحسن السعي، وسوء العمل وعدم السعي إنما هو علامةٌ ودليل على سوء ظن العبد بربه ويكأنه سيفعل فعلاً لا جدوى من ورائه، وأنه هالكٌ لا محاله، قال الله تبارك وتعالى الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الشيطان يعدكم الفقر:يريد أن يسيء ظنكم بربكم تبارك وتعالى فيعدكم أنكم إذا أنفقتم وتصدقتم وأحسنتم ابتغاء رضوان الله تبارك وتعالى أن ذلك يضييع أموالكم ويورثكم الفقر والعيلة والحاجة، مع أن الله عز وجل قال لنبيه (أنفق؛ أنفق عليك) وقال تبارك وتعالى وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

فالشيطان يطعنُ في وعد الله، يطعن في كلمات الله، يريد أن يغوينا بأن يوقع في قلوبنا عدم الثقة به تبارك وتعالى . يعدكم الفقر، ثم بناءاً عليه يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ إذاً إذا أساء ظنك بالله تبارك وتعالى سهل عليك أن يقودك إلى مخالفة أمر الله وإلى معصيته تبارك وتعالى وفي المقابل وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا يعدكم على هذا الإحسان وعلى هذا الإنفاق وعدين كريمين شريفين عظيمين، يعدكم بمغفرة الذنوب وثواب الله عز وجل في الآخرة ويعدكم فضله وبرّه وإحسانه في الدنيا وأن يكافئكم على هذا الإحسان إحساناً ويعطيكم فوق هذا مزيداً في الدنيا وفي الآخرة، كما قال صلى الله عليه وسلم (ما نقصت صدقةٌ من مال).

فإذن طريق العبد وسبيله إلى رضوان الله عز وجل هو أن يتبع إحسان الظن بإحسان العمل، ولذلك قال الله تبارك وتعالى واصفاً أهل الشرك والنفاق قال وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا بيّن سبحانه وتعالى هاهنا هذه العلة، ما الذي حملهم على الشرك وعلى النفاق: سوء الظن بالله تبارك وتعالى، الذي يتنافى مع تعظيمه ومع إجلاله ومع تكبيره سبحانه وتعالى، فهذا هو الذي أورثهم هذا الكفر وهذا الشرك الذي بالتالي أورثهم عذاب الله عز وجل للعباد، حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ۝وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۝وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمظننتم أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ

إنما حملهم على الجرأة على معصية الله عز وجل ومحادته هذا الظن السيء وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ ۝ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۝فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ

الحمد لله وكفى، وإذن فسبيلنا لاستقامة أمورنا، سبيلنا لنيل رضوان ربنا، سبيلنا لإصلاح أحوالنا يبدأ أولاً بأن نحسّن ظننا بربنا سبحانه وتعالى وهو سبحانه وتعالى أهلٌ لذلك ؛

وأن نتبع ظننا عملاً وسعياً في سبيل تحصيل هذه الاستقامة، وفي سبيل تحصيل هذا الإصلاح، ولا نعجز ولا نتوانى عن تحصيل هذا الخير،

كان عمر رضي الله عنه، يشكو إلى الله عز وجل في إمارته وفي خلافته فكان يقول (اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة) هو يشتكي إلى الله تبارك وتعالى أن من حوله من الثقات، أهل الإيمان وأهل الخير وأهل البرّ هم أهل عجزٍ وضعفٍ وقصور وتقصير، لا يقومون بحق الله الذي أوجب عليهم من الصلاح والإصلاح،

وفي مقابل ذلك أهل المعصية وأهل الشر وأهل الفساد لا يدأبون في عملهم في سبيل تحصيل أهوائهم وشهواتهم وبذلك تختل الموازين وبذلك تضطرب الأمور، فهو يشكو إلى الله عز وجل من هذه المناقضة ومن هذه المنافرة،

أولى بأهل الخير والبر والصلاح والإصلاح أن يكونوا في سعيٍ وفي دأبٍ في سبيل تحصيل هذا الإصلاح قال الله عز وجل وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ولذلك كان في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: المؤمن القوي- في إيمانه- خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف -ولكن- في كلٍ خير،ثم قال: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز .

الحرص على الخير، وهذا يناقضه أمران؛ شخص عاجز، لا يحرص على ما ينفع لا في الدنيا ولا في الآخرة، وآخر عنده حرص وطموح ودأب؛ لكنه يحرص في الحقيقة على ما يضره في آخرته، يضره في عاقبته، وهو يحسب أنه يحسن صنعا قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ۝ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ هو لا ينسى طعامه وشرابه لكنه ينسى حقيقة ما يصلحه في دنياه وفي آخرته، احرص على ما ينفعك واستعن بالله، إذا لم يكن عونٌ من الله للفتىفأول ما يجني عليه اجتهاده

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ احرص على ما ينفعك واستعن بالله، لأنه لا يتم أمرٌ إلا بعون الله عز وجل وتوفيقه وتسديده، (واستعن بالله ولا تعجز) لا تضعف نفسك وتخرق قواك، فإن أصابك شيء إذا قدّر الله عز وجل شيئاً على خلاف ما تحب وما تريد تعلم أنه خيرٌ من الله عز وجل وإن لم تدرك ذلك، فلا تقل عاجزاً لائماً نفسك لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدّر الله، وفي رواية، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان،

وأخيراً: التكاليف، إن المرء لا يمكن أن يقيم خيراً أو يحقق إصلاحاً وبرّاً بمفرده إلا إذا تعاون مع غيره من عباد الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فما يقام برّ وتقوى ولا يقام إثمٌ وعدوان إلا بالتعاون، بدون تعاون لا يقام خير ولا يقام شر، لكن على الإنسان أن يضع طاقته حيث البرّ وحيث التقوى، لا يضع هذه الطاقة حيث الإثم وحيث الريبة.

قال صلى الله عليه وسلم: لقد شهدت صلحا، وقال حلفاً، في دار ابن جدعان لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت وما أحبّ أن لي به حمر النعم.

شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمان الجاهلية قبل أن يمن الله عز وجل عليه بنعمة النبوة والرسالة شهد حلفاً أقامته بنو هاشم وبنو زهرة وبنو تيم، في دار عبدالله بن جدعان التيمي، يتعاقدون فيه ويتحالفون على نصرة كل مظلوم بمكة من أهلها ومن غير أهلها،

فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن منّ الله عز وجل عليه بنعمة النبوة والرسالة يذكر هذا الحلف الذي كان بين قوم كافرين في الجاهلية لكنه كان حلفاً على حقٍّ وعلى خيرٍ وعلى برّ، فهو يقول صلى الله عليه وسلم ما أحب أن لي به حمر النعم وهي كلمة يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يريد أن يعبر عن الدنيا ومتاعها أنه خيرٌ من الدنيا وما فيها كما قال لعليّ: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم.

فيقول: ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت، رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ويبيّن ويرشد وينصح ويوجه عباد الله عز وجل المؤمنين أن يكونوا حريصين على جلب الخير وعلى دفع الظلم وأن يتعاونوا مع كل شخصٍ عنده مبدأ، عنده قضية، شخص يحترم نفسه ويحترم قضيته، يتعاونون مع هؤلاء الأشخاص ذوي المبادئ وذوي القضايا حتى ولو لم يكونوا على دينهم طالما أنهم يتعاونون على خيرٍ وعلى برّ،

لابد إذا أردنا أن نصلح هذه الأحوال وقد أتاح الله عز وجل لنا فرصةً للحركة ومساحةً للتغيير والتأثير، لانحب أن نضيع هذه الفرصة فنكون ملومين عند الله عز وجل خاسرين في دنيانا مسؤولين محاسبين في أخرانا، إذا أردنا أن نحدث إصلاحاً وتغييراً، فلابد أن يتعاون كل صاحب مبدأ، كل من يريد إقامة حقّ وعدل، يتعاون كل هؤلاء وإن كانوا متباينين في مفاهيمهم ومللهم ونحلهم طالما أنهم مجتمعون على إقامة حريةٍ وعدلٍ ودرء ظلمٍ وفسادٍ وغشّ وجهل.

قال صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إلى أسارى بدر من المشركين سبعون رجلاً ممن حادوا الله ورسوله وممن خرجوا كما أخبر الله عز وجل رياءً وبطراً ويصدون عن سبيل الله، ينظر إلى هؤلاء الذين عاتب الله عز وجل رسوله ونبيه في تركهم وأراد منه أن يقتلهم لأنهم رؤوس الكفر والشرك فقال تعالى مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ينظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء ثم يقول كما عند البخاري، قال: لو كان مطعم ابن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له.

صلى الله عليه وسلم يتحدث عن رجلٍ من الكفار مات على كفره وعلى شركه، مات في مكة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو كان هذا الرجل حياً وهو أمر ممتنع، هو قد مضى وذهب وهلك، لكن هو صلى الله عليه وسلم يريد أن يعبر عن وفائه لهذا الرجل الكافر ليَدٍ كانت له عنده، قال لو كان مطعم بن عدي حيا، ثم كلمني في هؤلاء، السبعون جميعاً، ولم يقل ثمّ ترجّاني، لم يقل ثم توسل إلي، ثم كلمني فقط يطلب منه طلباً مجرداً أن يترك هؤلاء بغير عوض وبغير فداء، قال لتركتهم له

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عائد من الطائف بعدما لقي من الأذى ما لاقى صلى الله عليه وسلم وقف على مشارف مكة يريد أن يدخل إلى داره وإلى بيته بعد وفاة عمه أبي طالب فلا يستطيع أن يدخل بيته لخشيته أن تبطش به قريش، يرسل إلى فلان وإلى فلان فيأبون عليه أن يجيبوه، ثم يرسل إلى المطعم بن عدي وهو الرجل الكافر المشرك، فيخرج بسلاحه وولده، فيأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقف في جوار الكعبة ويخبر قريشاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواره فلا يعرض له أحد.

رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سنوات، بعد خمس سنوات من هذا الحادث وبعد وفاة هذا الرجل كافراً مشركاً، يذكره وينوه بأمره ويذكر وفاءه وإخلاصه لهذا الخير ولهذا الإحسان الذي كان من هذا الرجل الكافر في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكرمه من رسول وما أجمله من دين وما أعظمه من إله لو كانوا يعلمون.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين،

اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا،

اللهم أصلح أحوالنا، اللهم أصلح أحوالنا، اللهم إنا نسألك رحمة من عند، تهدي بها غائبنا وتجمع بها شتات أمرنا، وتجمع بها شتات أمرنا

اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا

اللهم إن نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين،وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين

اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عملٍ يقربنا إلى حبك

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.