بسم الله الرحمن الرحيم، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أصعب عملية بحث ممكن الإنسان يتعرض لها أن تكون عدساته هاهنا وهو يبحث عنها فى جنبات بيته وفى حناياه وفى ثناياه لأنها …
أولاً: ستأخذ مدة طويلة.
ثانياً: سيرهق جداً.
ثالثاً: لن يجد العدسات لأنها ببساطة أقرب ما تكون إليه.
هكذا نحن نبحث عن شىء فى هذه الحياة هذا الشىء هو أقرب ما يكون إلينا فى متناول أيدينا جميعا لكننا نفعل فعل صاحب هذه العدسات بأن نبحث عنه فى كل مكان إلا فى المكان الطبيعى الذى يجب أن نبحث عنه فيه. أى إنسان وكل إنسان بقطع النظر عن معتقداته أو خلفياته هو يبحث عن الراحة عن الطمانينة عن السعاده عن الهدوء عن الإستقرار. ربما هو يتخيل هذا فى مجموعة من الأشياءالمعينة لو أصبحت لديه أو حصّلها حينئذ يصبح إنسانا سعيدا بغض النظر عن كونه فى الواقع سعيدا أم لا.الله سبحانه وتعالى يعطى الإنسان هذا الشىء الذى يبحث عنه ويبين له سبيله أو طريقة من أيسروأقرب سبيل أو الأصل الذى لابد أن نكون متفقين عليه جميعا لأنه كلام إلهى وليس كلاما بشريا وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . يقول الله تعالى وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
العلم هو لله سبحانه وتعالى.قال تعالى يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ . فالله سبحانه وتعالى حينما ذكر الطمأنينة وذكر السعادة والحياة الطيبة قال سبحانه وتعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ .
الله سبحانه وتعالى ذكر أن الطمأنينة والهدوء النفسى الذى يبحث عنه الإنسان إنما هو فى هذه الكلمات .. الإيمان الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ تسكن وتهدأ وتستقر بذكر الله سبحانه وتعالى وتكون دائما ذاكرة لله متصلة به سبحانه وتعالى فى كل وقت وحين.
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
فالله سبحانه وتعالى ذكر أن الطمأنينة مالهاش غير سبيل واحد أن يكون الإنسان ذاكرا لله متعلقا به واقفا ببابه سبحانه وتعالى ومرتميا على أعتابه ليس لها طريق آخر. إذن أى إنسان بعيد عن الإيمان وعن الذكر فهو أبعد ما يكون عن الطمأنينة فالله سبحانه وتعالى ذكر انه بذكر الله تطمئن القلوب.. الألف واللام للعموم والإستغراق ليس كل المؤمنين يطمئنون بالذكر وقلوب غير المؤمنين تطمئن لأشياء أخرى.. هو سبيل واحد فقط لحصول الطمأنينة هو القرب من الله ومن ذكر الله هذا هو طريق الطمأنينة. فإذا لم يكن فاعلم قطعا أن هذا الشخص أيا كان وضعه المادى أو الشكلى أى الظاهرى فهو أبعد ما يكون عن الإستقرار وعن الهدوء وعن الطمأنينة. ولذلك قال الله تبارك وتعالى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى .
فالله سبحانه وتعالى تكفّل بهذين الأمرين فقط لمتبع الهدى.. عدم الضلال.. والضلال أن يكون الإنسان غير مميز للحق من الباطل..للصح من الخطأ.. مشوش ومضطرب. فالله سبحانه وتعالى تكفل للذين يتبعون هدى الله وكتاب الله بعدم الضلال وعدم الشقاء. وفى مقابل ذلك الإنسان الذى هو بعيد عن الهدى وبعيد عن الذكر هو واقع قطعا فى الضلال والشقاء. والله سبحانه وتعالى أكد هذا المعنى فقال وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى فالله سبحانه وتعالى ذكر إن الشخص الذى هو بعيد عن هذا الهدى الإلهى هو فى الضنك أى الضيق والهم والغم القلبى الداخلى وإن كان ظاهرا عنده من أسباب الدنيا ما عنده. قال تعالى مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً .
فالله سبحانه وتعالى وعد المؤمن الذى يعمل الصالحات بالحياة الطيبة وتوّعد مقابله بالعيشة الضنك. والله سبحانه وتعالى وصف حياة المؤمنين بأنها ” حياة ” ووصف حياة غيرهم بأنها ” معيشة ” .. والمعيشة هى الحياة المادية التى يشترك فيها الإنسان وغيره من الكائنات. أما الحياة التى فيها القلب بمشاعره وأحاسيسه وهدوئه واستقراره هذا فقط إختصه الله سبحانه وتعالى بأهل الإيمان.إذن الشىء الذى يتطلبه كل إنسان ويبحث عنه إنما هو موجود بين أيديه أقرب شىء إليه بمنّة الله وفضله فى الوحى الذى أنزله الله عز وجل. فطلب الإنسان للرزق قال تبارك وتعالى وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا . وقال الله تبارك وتعالى وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا وقال فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا . الشدائد والمحن .. قال الله تبارك وتعالى وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ .
الإنسان الذى يتطلب أو يدعو الله سبحانه وتعالى إن يرزقه ولدا أو وارثا.. قال الله سبحانه وتعالى لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ . الله سبحانه وتعالى سطّر فى كتابه طريقة تطلب هذا وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ فأشار تبارك وتعالى إلى علة هذه المنّة وهذا الرزق بهذه الأمور الثلاثة: يسارعون فى الخيرات … يدعوننا رغبا ورهبا .. وكانوا لنا خاشعين.
الإنسان حتى بعدما يرزق هذه الذرية ربما يخشى أن يأتيه الأجل فجأة ويخلفها وراءه .. ربما يخشى عليها من الضيعة .. يخشى أن يتسلط عليها الأقارب أو الأباعد بالشر أو السوء قال تعالى وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا , وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي إلى غير ذلك من أمور كثيرة ذكرها الله عز وجل فى كتابه كلها تحوّم حول أن الإنسان إذا أراد السعادة والطمأنينة والإستقرار فعليه أن يلزم جناب الله عز وجل الذى بيده كل شىء.
حتى ترجمة الأشياء التى تبدو للإنسان أنها بلايا أو رزايا أو محن، قال صلى الله عليه وسلم ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن .. إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ” لأنه يحسن ترجمة هذه الرسائل فهو يدرك أن الله سبحانه وتعالى لا يبتغى له إلا الخير.. لا يفعل إلا الخير ولا يختار له إلا الخير حتى لو كان ظاهره أو شكله أنه إمتحان أو مصيبة نزلت به فإن الله عز وجل لا يفعل ذلك إلا لحكم بالغة. يريد الله عز وجل أن يكفر عن الإنسان خطاياه .. يريد أن يرفع له درجته.. يريد أن يقربه منه.. أن يأوب وأن يعود إليه وأن يزداد قربا من الله ويراجع نفسه فى حياته. فهو يعلم أن هذا الأمر طالما هو من تقدير الله فهو خير فحينئذ يستقبل هذا إستقبالا حسنا.
فإذن خلاصة ما نريد أن نقول أن ما نريده وما نطلبه وهوأقرب شىء إلينا وأيسر شىء تحصيلا هو أن نبحث عن الله تبارك وتعالى وأن نجتهد فى أن نقترب من الله. الله سبحانه وتعالى حينما ذكر الصيام قال شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ماذا قال بعدها؟ قال وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ كأن رمضان .. كأن القرآن الذى يتلى فى رمضان.. كأن إتصال الإنسان بالقرآن الذى يتلى فى رمضان جعله يتطلب ربه ويبحث عن الله ويريد أن يقترب منه. ولذلك جاءت هذه الآية بعد هذه الآية مباشرة..أى أنهم حينما يتلون كتاب الله يدفعهم هذا للبحث عن الله، للبحث عن رضا الله، للبحث عن القرب من الله فحينئذ سألوا فلما سألوا أجابهم الله عز وجل من فوق سبع فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ .
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.