Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

البداية والنهاية

الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله لا رب غيره ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أطهر عبدٍ وأشرفه وأزكاه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هديه واهتدى بهداه، ثم أما بعد:

لازلنا في الحديث عن الإنسان؛ بدأنا بالحديث عن هرم الاحتياجات، وقلنا أن هرم الاحتياجات هي محاولة الإنسان أن يفهم ما الأشياء التي تحرك الإنسان، وقلنا أن هذا الهرم قسّم لمراحل، احتياجات الإنسان الجسدية التي بدونها لا يستطيع أن يعيش، هو محتاج للطعام والشراب والهواء، ومحتاج مسكن يأويه، ومحتاج أن يقضي وطره من شهوة، محتاج أن يكون في جو في قدر من الاعتدال لا يكون في حرارة شديدة ولا برد شديد، ولا جفاف شديد ولا برودة شديدة، وقلنا أن الإنسان وهو مشغول بهذه الأشياء لا يستطيع أن يفكر في شيء آخر، وسيسعى بكل جهده أن يريح نفسه في هذه الأشياء.

وعندما يصل إلى هذه المرحلة؟ يريد أن يطمئن على هذا في المستقبل؛ احتياجات الإنسان للشعور بالأمان؛ أن مطالبه واحتياجاته سيتم توفيتها غداً مثلما تمّ توفيتها اليوم، وانتقل بعد ذلك درجة ثالثة: إحساس الإنسان بحاجته إلى الحياة الاجتماعية، وقلنا إن هذه تتمثل في أمرين: مشاعر الحب؛ الناس من حوله، المجتمع المحيط به القريب أو البعيد يتعامل معه بمشاعر الحب والود بعيداً عن العدائية، وإحساس الإنسان بأنه يريد أن ينتمي لمجتمع، هذا المجتمع ماذا يعطي له؟، إحساس بالاطمئنان وإحساس بالرعاية وإحساس بالحماية.

وبعد ذلك سيرتقي لدرجة أنه يريد أن يشعر بالاحترام والتقدير، هو يحترم نفسه؛ يقدّر نفسه، نظرته لنفسه فيها قدر من الرقي والتقدير، ويريد ممن حوله أن ينظرون إليه نظرة احترام، فهو أولاً يريد أن يحبه الناس وبعد وصوله لدرجة من الحب سيحب أن يحترمه الناس.

إذاً الاحترام درجة فوق الحب، وفي النهاية يريد أن يشعر أنه يقدم شيء، أو يفعل شيء، أو أنه سيخرج من هذه الدنيا وقد قدّم شيء للناس وللحياة.

قلنا أن هذه صورة أو محاولة من الإنسان بعيداً عن القرآن لكي يفهم، هذه الصورة قدّمت شيء أفضل من اللاشيء، فنحن الآن أناس من المفترض أن ربنا سبحانه وتعالى منّ علينا بالإيمان وبالوحي وبالقرآن الذي نستهدي به.

فلو لم نستخرج منه شيئاً، لم ننتفع منه بشيء، فسيصبح أي شخص قدّم أي شيء أفضل من لا شيء،، أو أولاً أو الأرقى أو الأعظم: أن ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يهدي الإنسان أو يرشد الإنسان لطريقه، أو يبيّن للإنسان المسارات الصحيحة، فلو لم يوجد، فستكون محاولة الإنسان أن يفهم الإنسان ما هو الإنسان أحسن من لا شيء، فنحن الآن لم نتبنى الدين، ولم نستفد من هذه الأشياء، فأصبح الموضوع لا شيء، نحن لا نملك شيئاً، ومع ذلك كثير من الناس يعتقدون أن مجرد وجود المرجع على الحائط، أو مجرد انتسابنا لشيء عظيم أو شريف كافي في أنه يشعر بالفوقية والاستعلاء،، فعلى ماذا؟! فنحن لا شيء، نعم نحن نملك، لكننا لم نقدّم شيئاً.

فهذا في النهاية أفضل من لا شيء، فلو جاء شخص يفهمني، أنك من المفترض لكي تشعر بالراحة النفسية أو لكي تشعر بالاستقرار، ستسير على هذه الخطوات 1، 2.. 5، وتعرف أين أنت الآن، فأعرف أنا الآن في أي مرحلة وأريد أن أذهب لأي مرحلة، أو الإنسان ما الذي يشغله، أو ماذا يريد أن يحققه في الدنيا أو يبنيه، فنحن سنترك هذا جانباً وسنبدأ في الكلام على ربنا سبحانه وتعالى ماذا يقول للإنسان، أخذنا هذا على أكثر من مرحلة، قلنا أن ربنا سبحانه وتعالى تكلم على طبيعة الإنسان؛ تركيبه؛ تركيبه النفسي أو الداخلي ما هو الإنسان، وقلنا أن المشكلة الأساسية في تركيب الإنسان أنه ضعيف وأجوف من الداخل، أحياناً يبدو أنه قوي جداً، ولكنه من الداخل الإنسان بتركيبه ينطوي على الضعف، يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا كيف يعالج هذا؟ بالإيمان إِلَّا الْمُصَلِّينَ وبعد ذلك صفاتهم، وقلنا قبل ذلك أن ” المصلين ” مقصود بها المؤمنين، ولكن قلنا وقتها أن هذا ليس مكان شرح أو تفصيل، ولازال الكلام قائم أن هذا ليس مكان شرح أو تفصيل.

لكن في النهاية يوجد وسيلة لعلاج الهلع وعلاج الجزع وعلاج المنع، وهذا ” الهلع ” عبارة عن ماذا؟ قلنا عبارة عن شعور الإنسان بعدم التماسك الداخلي فعندما يوجد ضغط عليه لا يستطيع أ ن يتحمله، وعندما يأتي إليه خير، فلأنه قلق لا يريد أن يخرج منه شيء لأنه يشعر بالأمان بأن الذي في يديه لابد أن يظل في يديه، لكي يصبح غداً مطمئن مما أعطاه له ربنا اليوم.

ثم تكلمنا الخطبة قبل الماضية عن قول ربنا سبحانه وتعالى كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ما الذي يجعل الإنسان يتكبر على ربنا سبحانه وتعالى؟، ما الذي يجعل الإنسان يبعد عن ربنا؟، ما الذي يجعل الإنسان يتنكب طريق الهداية؟، أنه يشعر، هو يشعر أنه لا يحتاج ربنا، عندما يحتاج لربنا سبحانه وتعالى يرجع له، وعندما يشعر أنه في غنى عن الله؟ لن يهتم، كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى وقلنا أن هذه هو الصورة،، فما الذي يجعله يطغى؟ أنه أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى

فهنا عم يتكلم ربنا سبحانه وتعالى؟ يتكلم عن مظاهر وحقائق هي سبب المظاهر، فلو نحن قرأنا هذه الآيات هكذا لن تستفيد منها شيئاً، فهل تستطيع أن تعالج الطغيان بدون أن تعالج الاستغناء؟ لا، لا يمكن، فالآن فلان هذا يفعل ذلك لأجل ذلك، فهل ستعالج المظهر أم تعالج الحقيقة؟ فأنت تعالج المشكلة، أين المشكلة؟ أن الإنسان يرى نفسه في غنى عن الله وربنا يقول لا، يقول يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ فما هو العلاج الأول؟ ما أول علاج؟ أن نشعر بمدى احتياجنا وافتقارنا إلى الله، هذا أول أمر، أول علاج.

كيف أشعر بأنني مفتقر إلى الله؟ مبدأيّاً ” اللي ما يشفش من الغربال ” أي أن الشخص إذا راجع نفسه وحياته والنعم التي يغمر بها سيدرك هذا، ولكن دعونا نترك هذا.

أنا محتاج أمران: أن أدرك جوانب العظمة الإلهية – صفات ربنا سبحانه وتعالى – وأدرك في المقابل جوانب الضعف والنقص البشري.

فالإنسان سيرى عظمة ربنا سبحانه وتعالى، فمن أين ستأتي هذه؟ ستأتي من خلال إدراك الإنسان للعظمة عبر الأسماء والصفات الإلهية، ربنا سبحانه وتعالى عرّفنا بنفسه في القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم عرّفنا بربنا سبحانه وتعالى في كلماته، وربنا عرّفنا بالإنسان، والنبي صلى الله عليه وسلم تمم هذا التعريف.

إذاً أول شيء لكي أدرك أو أوقن أنني فقير إلى الله، أدرك العظمة، لأجل هذا النبي صلى الله عليه وسلم عندما يقول في ذكر هذه الأسماء التي علّمنا الله إياها ” من أحصاها دخل الجنة ” لماذا؟ لماذا؟ هل مجرد العد هو المقصود؟ لا، أنا أضع نفسي في هذه الدائرة، في دائرة المعرفة الإلهية، فربنا يحفظني بها سبحانه وتعالى.

ولذلك حينما قلنا أن ربنا سبحانه وتعالى أول ما خاطب الإنسان ماذا قال؟ قال اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فأنا كيف سأقرأ بسم الله ولا أعرف ما هو اسم الله، أنا لا أعرفه!! أنا أستمد – أستمد – من ربنا سبحانه وتعالى، فنحن قلنا اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ أو أنا في أول أي شيء أقول بسم الله، أنا أصلاً أقول بالله، فكلمة ” بسم الله ” هذه ما معناها؟ بالله، أستعين بالله، أستمد من الله من قوة الله ومن رحمة الله ومن علم الله ومن حكمته ومن توفيقه ومن هدايته، أنا أطلب من ربنا المدد لكي أفعل أي شيء، لأن الإنسان بمفرده بدون أن يعينه ربنا سبحانه وتعالى أو يسدده أو يرشده لا يستطيع أن يفعل شيئاً.

فأنا الآن أقول بالله، لماذا لماذا ربنا جعلها ” بسم الله ” لأنني لا أستطيع أن أقل بالله إلا إذا عرفت ممن أستمد، أنا الآن أقول من الله المدد، من هو ” من الله “؟ إذاً الاستمداد من الله على قدر إحساسي بعظمة الله، فلما أقول ” بسم الله ” معناها أنني أستعين بالله مستمداً من عطاءات الأسماء الإلهية، أنا أريد علم؛ أستمد من علم الله، أريد خبرة؛ أستمد من خبرة الله، محتاج للرحمة؛ أستمد من رحمة الله، محتاج أنني أرتقي؛ أستمد من علو الله، محتاج قوة وقدرة، أستمد من قوة الله ومن قدرة الله، محتاج أن أتحمل الضغوط؛ أستمد من المتين سبحانه وتعالى، فأنا لن أستطيع أن أقل بسم الله لو أن هذه الأسماء غير موجودة أو غير مترجمة أو لا أراها أو لا أعلمها، لن يصلح.

إذاً لكي أكون فقير إلى الله لابد أن أعرف ما معنى ” الله ” وأعرف ما معنى ” العبد ” ، أعرف ما معنى ” الخالق ” وأعرف ما معنى ” المخلوق ” ، أعرف ربنا سبحانه وتعالى بالغنى وأعرف نفسي بالفقر، أعرف ربنا بالقدرة وأعرف نفسي بالعجز، هكذا هي أول خطوة لأجل إدراك الحقائق، فهذا واحد.

اثنان: تكلمنا الجمعة الماضية عن القيامة، إذاً الأمر الثاني الذي سيجعل الإنسان إنساناً، أو ستقيم الإنسان إيمان الإنسان بلقاء الله، فهما أمران؛ افتقار الإنسان إلى الله، وإيمان الإنسان بلقاء الله، فربنا سبحانه وتعالى قلنا أنه أقسم بيوم القيامة وقرن بينه وبين الإقسام بالنفس اللوامة؛ نفس الإنسان التي هي دائماً تلومه على تقصير في خير أو على فعل المعصية، وكلما تذكر الإنسان القيامة، كلما كان لوم الإنسان لنفسه أشد، ولما يزداد اللوم يندفع الإنسان باتجاه أن يكون أحسن وأفضل وأرقى وأقرب إلى الله سبحانه وتعالى وبعد ذلك،، نحن قلنا لماذا تكلمنا عن سورة القيامة، لأن هذه أكبر مساحة من خطاب ربنا للإنسان، نحن نريد أن نعرف ما هو الإنسان، فكيف سنتعامل مع الإنسان، فربنا سبحانه وتعالى قال لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ۝ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ۝ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ۝ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ هذه الأولى؛ استنكار أن الإنسان يستبعد لقاء ربنا سبحانه وتعالى، هذا أول أمر، وبعد ذلك

بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ هذه الثانية؛ فأولاً؛ استنكار أن الإنسان يستبعد لقاء الله، وبعد ذلك العلة؛ ” لماذا ” لماذا، لماذا يفعل ذلك؟، لماذا ينكر الإنسان لقاء ربنا، هل لأنه لا يصدق؟ لا لا لا، لكي يريح نفسه ويركن ضميره، بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ إذاً رغبة الإنسان في الفجور الذي يمتد طيلة حياته سيعوقها رؤية الإنسان للقاء ربنا،، هو يرى آخر الطريق، وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ طالما هو يرى أن آخر طريقه ربنا سبحانه وتعالى هذا سينغص عليه ما يسير فيه، فهو إن نوى أن يرجع ستحل المشكلة، فأنا إذا رأيت ربنا أمامي واخترت ربنا، فقد حُلت المشكلة، لكن إذا كان ربنا أمامي وأنا لا أريده، لا يمكن أن أظل تاركه أمامي، بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ۝ يَسْأَلُ – مستنكراً ومستهزئاً ومستخفاً – أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ متى يوم القيامة الذي تكلمني عنه هذا؟، متى فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ۝ وَخَسَفَ الْقَمَرُ ۝ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ سيأتي الوقت الذي كان يستنكره الإنسان، ولكن وقتها ماذا سيفعل؟ لن يستطيع أن يرجع، يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ طبيعة الهلع الإنساني، عندما يوجد موقف فوق قدرته لا يستطيع أن يفعل معه شيء، ماذا سيفعل سيضطرب، يبحث عن حل، ولا يوجد حل كَلَّا لَا وَزَرَ لا يوجد مهرب إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ۝ يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ هذه الرابعة؛ يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ۝ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ۝ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ربنا سبحانه وتعالى يقول أن الإنسان من داخله هو مدرك الحقائق، معرفة ربنا والتوجه إلى الله فطرة في نفس الإنسان، شيء هو لم يخترعه أو درسها أو تعلمها، ” كل مولود يولد على الفطرة ” وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى فهو ماذا يفعل؟ يلقي للناس الأعذار التي تبرر الأفعال وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ لكنه من الداخل؟ مدرك الحقائق، هو يعلم، لأنه من الداخل يفهم هو ماذا يفعل ولماذا، ولكنه لا يقدر أن يقول هذا الكلام لأحد، بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ۝ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ وبعد ذلك، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يتلقى هذه الكلمات بالحرص الشديد، سيدنا جبريل يقرأ والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ معه، لماذا يقرأ معه؟ لأنه خائف أن سيدنا جبريل يغادر وهو ينسى هذه الكلمات، فهو يقرأ معه؛ لأنه مدرك قيمة وعظمة هذه الكلمات، فقال له لا لا لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ لا تقلق إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فما المطلوب؟ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ۝ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ، ونستطيع أن نعتبر أن هذا محور أساسي، أو هذا هو المحور الوحيد الذي نستطيع أن نعزو إليه الخلل الذي نعيشه، كيف نقرأ قرآن؟ كيف نتعامل مع كلام ربنا سبحانه وتعالى؟ النبي صلى الله عليه وسلم لتقديره للكلمات وحرصه عليه يخشى أن ينساها، فيقول له لا تقلق، المطلوب الاصغاء والانصات، ركّز لأن هذا الكلام ليس كلام سهل، هذا الكلام ليس بسيطاً.

فلكي أستفيد أنا منه، تأمل وتفكّر واهدأ لكي تستطيع أن تستوعب لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ حفظ ربنا سبحانه وتعالى، ربنا هو الذي يحفظ الكتاب لا تقلق، وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ۝ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى

إذاً التوجيه الإلهي، كيف سأستقبل هذه الكلمات لكي تؤثر فيّ، فهذه الكلمات التي قرأناها هذه لو أننا نقدر أن نعيشها، أكيد شكل الحياة سيتغير، إذاً أين المشكلة؟ نحن من الممكن أن نكون نقرأ ولا نقرأ، نسمع ولا نسمع، وبعد ذلك كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ۝ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ نحن نسير في شرح وراء شرح، تشريح وراء تشريح، بيان وراء بيان،، أين المشكلة، كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ارتباط الإنسان الشديد بالدنيا، وتعلق قلبه بها وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ.

تحبون،، ما مقابل الحب؟ أنك تبغض أو تكره،، ولكن ربنا لم يقل هذا، قال ” تحبون ” وفي مقابلها ” تذرون ” أحب هذا، فيكون في المقابل بما أنني أحب هذا فسأكون لا أحب هذه،، وهذه أنا ” أذرها ” فهذه أنا ” أتشبث بها ” وهذا من عظمة البيان القرآن؛ أن يضع صفة ويترك مقابلها فارغ فتضعها أنت، ويضع هنا صفة أخرى،، قلنا هذا الكلام قبل ذلك كذا مرة.

مثال قول ربنا سبحانه وتعالى في سورة القصص قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ هؤلاء يريدون الدنيا، ففي المقابل ماذا سيقال عن الآخرين؟ أنهم يريدون الآخرة، لا لم يقل هذا وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ماذا تفهم من هذا؟ هؤلاء يريدون الحياة الدنيا، لماذا؟ لعدم وجود العلم، وهؤلاء الذين أرادوا الآخرة، لماذا أرادوها؟ لأن ربنا أعطى لهم العلم الذي هو الميزان، فما العلم؟ ميزان الدنيا والآخرة، ما الذي سنؤثره على ماذا، ما الذي أعلى من ماذا؟ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى هذا هو العلم، إدراك الإنسان أن الآخرة هي الأفضل وهي الأبقى أمران

سيدنا ابن مسعود يقول ” لو كانت الدنيا من ذهب يفنى ” هي دهب نعم، ولكنها ستنتهي، قليل وستفنى، ” والآخرة من خزف ” هذا وعاء ذهب وهذا وعاء فخار، ولكن هذا ” الذهب ” سيذهب منك بعد أسبوع، وهذا ” الخزف ” سيبقى معك دائماً،، لا خذ ما سيبقى معك دائماً، فهذا أصلح لك في المستقبل.

فابن مسعود يقول أن لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى، لكان العقل إيثار الذي يبقى على الذي يفنى، يقول ” فكيف والدنيا من خزف يفنى والآخرة من ذهب يبقى ” إذاً أين المشكلة بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ – لأنها الذهب – وَأَبْقَى هي هكذا.

إذاً هؤلاء الناس علمهم جعلهم يؤثروا الآخرة على الدنيا، فأنا إذا كان لدي علم ولم يجعلني أؤثر الآخرة على الدنيا، فأنا ليس لدي علم.

فالعلم،، العلم هل هو المعلومات؟! مستوى المعارف، مستوى الإدراكات، لا ربنا لم يقل هذا، قال سبحانه وتعالى إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ جعل ميزان العلم أنه أثّر فيّ فأنا بدأت أعظم ربنا سبحانه وتعالى فاتجه إلى تعظيم ربنا حق التعظيم، إجلال ربنا حق الإجلال، هذا هو العلم.

لأجل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول ” اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ” وهو يقول ” اللهم إني أسألك علماً نافعاً ” ندرك هذا، ولذلك لا تستغرب عندما ترى شخص لديه معلومات، وليس لديه خشية أو علم، والفتنة تأتي من هنا، أن شخص يكون لديه معرفة ولكن ليس لديه تدين، أيوجد؟ نعم يوجد،، عنده معلومات ويتكلم ومن الممكن أن ينصح ويوجه، ولكنه لا يعيش هذا، فحينما لا يعيشه يكون فتنة للناس، ولذلك ابن القيم كان يقول ” علماء السوء قعدوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم وتقول أفعالهم ” لا تصدقوهم فلو كان ما يقولوه حقاً لكانوا أعمل الناس به ” ” تناقض، هم يقولون كلام ويفعلون كلاماً آخر، فأنا في النهاية سأصدق ما أسمعه أم ما أراه؟ ما أراه،، هو يقول أن هذا الكلام خطأ ولكنه يفعله، وهذا من المفترض أن تفعله لكنه لا يفعله، ولذلك هذه نقطة مهمة جداً؛ من يكلم الناس في الدين، لابد أن يكون معهم في نفس المكان.

فالمشكلة؛ الناس جالسون في مدرجات الدرجة الثالثة وأنا في المأسورة أرتدي بدلة، وأكلم الناس،،،، هذه الروح، أنني أكلم الناس من مكان آخر غير مكانهم، تحدث صدود في القبول، أنا أحدث الناس من فوق، هذا لن ينفع.

كلّم الناس من وسط الناس، لأنك ف النهاية شخص من جملة المخاطبين،، فأنا، أنا لو لم أعتبر نفسي من جملة المخاطبين، فأنا لا أفهم شيئاً تماماً.

لو افترضت أنني خارج دائرة التوجيه، ولذلك لولا أن هذه ” الخطابة ” فريضة واجبة أنا لن أصعد المنبر، لماذا أصعد المنبر،، لأنك حينما تصعد على المنبر أنت تحمل نفسك حمل، فهذا الطبيعي،، ولكن في النهاية هذا هذا فرض ربنا فرضه، لابد أن يصعد شخص في هذا المكان يتكلم لكي تتم هذه الفريضة، ويحاول أن يتقي ربنا فيهم،، لكن الشخص العاقل لا يفعل ذلك أصلاً، لا يفعل ذلك لأن هذه أمانة ومسئولية أكثر شخص سيسأل من يتكلم.

فربنا سبحانه وتعالى يقول أين العلة؟ أننا نحب هذا وبالتالي نبعد عن هذا،، نتشبث بهذا وبالتالي نذر، نترك، نهمل الآخرة.

فكيف سيعالج هذا؟ مثلما قلنا ” ضبط الموازين ” لابد أن أدرك قيمة الآخرة، يا جماعة نحن نعيش الدنيا، نحن نعيش الدنيا، والدنيا تشغل جميع حواسنا، عينك هي في الدنيا، وأذنك في الدنيا وقلبك هنا ودماغك هنا،، فهذا هو الطبيعي نحن جميعاً هنا، أما الآخرة، هذه شيء بعيدة وغير موجودة، فهذا عالم الغيب، عالم الغيب عالم غير موجود، فلكي تحضر العالم الغير موجود.. لابد أن تسعى أن تستحضره، لذلك ربنا قال في أول سورة البقرة، قال الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ثم قال الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ لم يقل يؤمنون، قال وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ الآخرة لكي أؤمن بها لا يصلح مطلق الإيمان، لابد من اليقين، لأجل هذا حنظلة الأسيدي رضي الله عنه وهو يقول نافق حنظلة، لماذا يقول ” نافق حنظلة ” يقول ” نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا الجنة والنار فكأنّا رأي عين فإذا خرجنا من عنده عافسنا الأزواج والأولاد والضيعة فنسينا كثيراً ” هو يعتبر هذا نفاق، لماذا نفاق؟ لأن الحالة هنا غير الحالة هنا، فالنبي صلى الله عليه وسلم يبين له أن هذا طبيعي، هو يقول أننا والنبي صلى الله عليه وسلم يكلمنا عن الجنة والنار كأننا نراهم، إذاً الحقائق الغيبية تحولت إلى حقائق مشاهدة، فلم هذا؟ لأن هذا البعيد حينما يكون قريب إحساسي به يزيد، فهذه هي الجزئية الصعبة، نحن نعيش هنا لابد نفسياً وروحياً كل فترة نحاول أن ننقل هناك، لأجل ذلك ربنا يكلمنا، فلماذا يكلمنا ربنا عن الجنة والنار والقيامة كثير في القرآن؟ لماذا كثيراً؟ فنحن قلنا، يوجد ما يسمى ” حقائق معرفية ” ويوجد ” معارف إيمانية “

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الحمد لله رب العالمين

قلنا يوجد ما يسمى ” حقائق معرفية ” ويوجد ” معارف إيمانية ” الحقائق المعرفية هي المعلومات، والحقائق الإيمانية هي الأشياء التي تؤثر في الوجدان،، الأشياء التي نحتاج أن نتذكرها دائماً ربنا يكررها في القرآن سبحانه وتعالى.

يعني ربنا كلمنا عن قصص النبيين بشكل متكرر، فلماذا؟ كلمنا كثيراً عن صفات ربنا سبحانه وتعالى وعن عظمة ربنا، لماذا؟ يكلمنا دائماً عن حكمة ربنا سبحانه وتعالى لماذا؟ يذكرنا بالموت وبلقاء الله وبالقيامة، يتكلم عن الجنة والنار بالتفصيل لماذا؟ لأن هذه المعاني نحن محتاجون أن نعيشها، أما الأشياء المعرفية لا تعاد، قلنا أن هذه نقطة مهمة جداً في منهج الكلام الإلهي في التعليم.

فمثلاً ربنا سبحانه وتعالى علمنا الوضوء، مرة، مرة،،، كيف سنتوضّأ هي مرة واحدة لا تقال أكثر من مرة، وعندما تحتاجها ستفتح المصحف فستجدها، وأنت إذا تعلمت الوضوء ومارسته لن تحتاج لأن تراجعه، الصلاة كيف تؤدى، سأعرفها مرة.

لكن الخشوع في الصلاة الذي يذهب مننا دائماً لكي أستعيده لابد أن أستعيد معاني معينة، هذا ما أحتاج لأن أجدده، أنا الآن واقف أصلي،، ما قيمة الصلاة، ما أهميتها في الحياة، أنا واقف أمام من؟ هذا ما أنا محتاج لأن أستعيده دائماً، هذا هو الشيء الصعب، لابد أن نفصل بين هذا وهذا، لابد أن نفصل بين هذا وهذا.

لذلك قلنا ربنا سبحانه وتعالى ماذا قال وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلى آخر الآية، وعندما أراد ربنا أن يذكر به لم يعيده مرة أخرى، قال وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ لن يقوله مرة أخرى، فليقوله مرة أخرى! لا، لا، هذا لا يقال مرة أخرى، لا يقال مرة أخرى، هو قيل مرة وأنت تراجعه، لأنك غير محتاج أن تذكّر به دائماً، ما الذي محتاج أن تذكر به دائماً؟ عظمة الآمر سبحانه وتعالى والتذكير إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

إذاً قلنا يوجد أشياء ربنا يذكرها، الأشياء المعرفية تذكر مرة، والأشياء الإيمانية لابد أن تكرر دائماً، لأجل هذا ربنا سبحانه وتعالى سماه قرآناً، وسماه مثاني، لم مثاني؟ اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ” مثاني ” هذه أي يعاد، يثنى أي لابد أن نقرأ فيه كثيراً، لابد أن نقرأ فيه كثيراً، النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” إن الإيمان ليخلق – ليخلق – ” يبهت، ويتآكل ” ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ” الملابس مع كثرة الاستعمال والغسل النسيج يضعف والألوان تبهت، النبي صلى الله عليه وسلم يقول أن الإيمان يستعمل، الإيمان الذي تأخذه من الصلاة أو من القرآن حينما تخرج إلى الحياة تستهلكه، تستعمله، فتجد قلبك تغيّر، وأشياء أخرى بدأت تشغلك، وأشياء بدأت تفتنّنا فلابد أن أرجع لأعيد الشحن لكي أستطيع السير،، مثل أي تليفون،، البطارية مع الاستعمال.

فأنا إذا وضعته في جيبي لا أستخدمه تماماً تبقى البطارية فترة، فإذا استعملته يكون حسب مستوى الاستعمال يستهلك، فإذا لم أعيد شحنه؟ خلاص، التليفون موجود؟ نعم موجود، البطارية موجودة؟ نعم موجودة، لكنها غير مشحونة فليس لها قيمة، فيتحول التليفون إلى قطعة من الحديد ليس لها معنى، ليس لها معنى، بدون هذا لا يكون لها معنى، ” إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ” فماذا نفعل، قال ” فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم “

إذاً ربنا سبحانه وتعالى يذكر لنا في القرآن أشياء لابد أن نعيشها نحن بشكل دائم متكرر، الأشياء التي لا تحتاج للتكرار ربنا لا يكررها.

قلنا الشيء الثالث والأخير؛ الأشياء البنائية، ربنا سبحانه وتعالى يعطي لنا توجيه ويبني على التوجيه ممارسات.

ربنا سبحانه وتعالى يقول في سورة النساء وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ إذاً هنا شيء قيل قبل ذلك أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ فهنا ماذا نلاحظ، ربنا قال وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ حينما قال أولاً للنبي صلى الله عليه وسلم كان الخطاب فيه قدر كبير من الترفق لأنه يتعلم، أنا لم أفعل شيء خطأ، فأنت نسيت أو لم تنتبه أو الموضوع تمادى، عندما تنتبه انسحب من هذا المجلس، لكن حينما تمادينا في هذا رغم أن ربنا نهانا عنه جاءت الآيات فيها قدر أعلى من الحسم وقدر أعلى من التشديد، لأن هذا لا يصلح وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ قيل لكم قبل هذا أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ يخرجوا من هذا الكلام، لا يأمرك بالاعتزال الكلي لأن هؤلاء الناس من الممكن أن يكون لك مصالح في التعامل معهم، احتكاكك بهم ضروري، لم يمنعك أحد، لكن حينما يكون المجلس فيه استخفاف بآيات الله لا يصلح أن أكون جالساً، فإذا استمريت في الجلوس عادي، ماذا قال ربنا إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ لأني لم يتحرك بداخلي شيء تضايقني، إذا لا يوجد شيء بالداخل أصلاً، إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا

إذاً الوحي الإلهي نستطيع أن نقسمه إجمالاً لثلاث أقسام: قسم إيماني وهو الأساس، وقسم معرفي، وقسم بنائي تراكمي، الجزء الأساس هو ما نحتاجه دائماً هو الجزء الإيماني، فلأجل أن أحب الآخرة وأعمل للآخرة وأنزع من قلبي شدة الحب والتعلق بالدنيا التي تصدني عن الآخرة، ماذا سأفعل، محتاج أن أقوي العلم وأحوله ليقين وأقوي الإيمان لكي يكون مؤثر في الحياة، فكيف سيتم هذا؟ لابد أن أحاول أن أتفكر في هذه المعاني، أحاول أن أعيشها، أحاول أن أعيشها.

آخر شيء نختم به، شيء قلناه قبل ذلك، لكن له تعلّق مباشر بما نتكلم عنه، ربنا سبحانه وتعالى يقول في سورة المطففين في أواخر السورة إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ الآن نحن هذه الآيات نزلت ونحن في الآخرة أم في الدنيا؟ هذه الآيات نزلت بعد يوم القيامة أم ونحن في دار الامتحان والابتلاء؟ نحن في دار الامتحان، والصحابة يتعرضون للضغوط في مكة، فماذا يقول ربنا سبحانه وتعالى يقول إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا ” كانوا ” هذه إلام تشير؟ إلى شيء حاضر أم شيء ماضي،، يتكلم عن تاريخ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ۝ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ۝ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ۝ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ۝ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ۝ فَالْيَوْمَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ۝ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ۝ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ربنا سبحانه وتعالى يتكلم عن ماذا؟ يكلم الصحابة عن ما يعيشون على أنه ماضي، ويكلمهم عن المستقبل البعيد جداً على إنه واقع معاش، هذا ما ترجمته؟ ولماذا؟ لماذا؟ فهم الآن يعانوا معاناة واقعية موجودة، لكي يخفف عنهم ربنا سبحانه وتعالى يخفف عنهم هذا نفسياً نقل قلوبهم وأرواحهم للآخرة، فهم لم يصبحوا موجودين هنا، فأصبح هذا كأنه تاريخ مضى، وبالتالي ضغطه عليهم يقل ويخف كثيراً، ما الذي يخفف الضغط؟ رؤية الإنسان للأشياء التي أعدها الله للإنسان جزاء صبره على الذي يعيشه، ” كانوا ” ، ” فاليوم “

إذاً ربنا سبحانه وتعالى ما الذي يريد أن يضعه هنا، أنك تعيش الآخرة كأنك فيها الآن، وكأن الدنيا تاريخ ماضي مرّ، كم كان ربنا سبحانه وتعالى يربي الصحابة على أن يعيشوا الحياة الآخرة فعلاً بشكل واقعي والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعينهم على هذا، حتى أنه من شدة تجاوبه مع الآخرة وإحساسه ورؤيته لها يضعهم في هذا الجو، كأنهم دخلوا الجنة فعلاً ويرون النار ويعاينونها فعلاً، فتأثير هذا عليهم عظيم، نقل لهم الغيب للشهادة فربنا سبحانه وتعالى يشكل هذا في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم يرسخ هذا في كلماته وفي مواعظه وفي تأثيره.

إذاً خلاصة الموضوع: لكي تستقيم أمور الإنسان محتاج لأمرين؛ الشعور بالافتقار إلى الله، وهذا محتاج لمعرفة ربنا، وتذكر الآخرة ولقاء الله وهذا محتاج أن الإنسان يتذكر القيامة ولقاء ربنا سبحانه وتعالى بشكل دوري ومتتابع ومتقارب، كيف سيأتي بهذا؟ لابد أن يصغي لكلمات ربنا التي تكلمنا عن الآخرة، ولابد أن نصغي لكلمات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التي وصفت لنا تفاصيل وحقائق الآخرة، هذا ركن من أركان الإيمان، الإنسان لن يكون مؤمناً ولن ينجو من النار ولن يدخل الجنة إلا إذا أكمل ستة أركان؛ يؤمن بالله، ملائكة الله، كلمات الله، أنبياء الله، لقاء الله، وأقدار الله النافذة، لابد أن يكتمل الستة، لا يمكن أن يسقط منهم واحد.

يؤمن بالله، ملائكة ربنا رسل ربنا الذي أنزل ربنا الوحي من خلالهم، والكلمات الإلهية المتنزلة والأنبياء الذين استقبلوا الكلمات ولقاء ربنا سبحانه وتعالى الذي سنسأل فيه عن هذه الكلمات وأن كل شيء يجري في هذه الحياة إنما تجري على وفق علم الله وقدرة الله ورحمة الله وحكمة الله

فخلاصة الموضوع كلمتان: الافتقار إلى الله وتذكر لقاء الله بس،، كلمتان الافتقار إلى الله وتذكر لقاء الله، هذا ما سيجعل الإنسان إنساناً، هذا ما سيكفل للإنسان أن يحقق ما يطمح إليه أو يرتجيه

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا

اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذّبنا فأنت علينا قادر والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين

اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه، اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه

اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم