الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذرُونَ الْآخِرَةَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ
يبين ربنا تبارك وتعالى علّة إعراض الإنسان عن الآخرة وعن العمل للآخرة وعن العمل بمرضاة الله تبارك وتعالى فيقول سبحانه وتعالى كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذرُونَ الْآخِرَةَ كنا نتكلم من أول السورة عن التشريح الإلهي للإنسان؛ منطلقاته ودوافعه وطريقة تفكيره وتعليل سلوكه وقلنا أن السورة لو قرأناها بالأسلوب المعتاد في القراءة التي اعتدنا عليه لن تنتج ثمرة ولن تؤثر أثر، نحن قلنا أن السورة كلها هي عبارة عن تحليل للإنسان، ربنا سبحانه وتعالى يبدأ السورة بذكر يوم القيامة، ونحن قلنا أن ربنا سبحانه وتعالى جعل استقامة الإنسان أو صلاح الإنسان موقوف على عاملين أساسيين؛ الأول: إحساس الإنسان بأنه فقير ومحتاج إلى الله سبحانه وتعالى أشدّ الاحتياج وهذا ما يقابل الاستغناء، قلنا أن ربنا سبحانه وتعالى جعل علّة طغيان الإنسان شعوره بأنه غير محتاج لربنا، فبما أن هذا تعليل وتشريح وتحليل، ما الثمرة أو ما النتيجة؟ إذاً الآن أنا من المفترض لكي أقيم علاقة مع ربنا سبحانه وتعالى كما ينبغي لابد ما هو أول شيء أبدأ بتأسيسه؟ تأسيس الافتقار هذا هو الأساس، فهذا شيء يفعل، شيء سيبنى، شيء الإنسان سيشكلها، إحساس الإنسان بأنه غير محتاج لربنا سبحانه وتعالى وهذا وهم هذا هو الذي يؤدي أن الإنسان يعرض عن الله أو يشعر بالاستغناء عن الله سبحانه وتعالى.
إذاً إذا رأيتني في حالة من حالات الإعراض أو حالة من حالات الاستكبار أو حالة من حالات الطغيان ما المطلوب؟ ما الحل؟ هل يوجد علاج أم لا يوجد؟ هل نفسية الإنسان يمكن أن تعالج؟ هل هذا الشخص يمكن أن يؤوب ويعود إلى الله تبارك وتعالى أم لا؟ نعم يوجد ما يفعل، يوجد شيء يعالج، هذا ما يوجهنا إليه ربنا سبحانه وتعالى؛ تذكر الإنسان بأنه فقير ومحتاج إلى الله سبحانه وتعالى ليس له غنى عن ربه طرفة عين.
وجود الإنسان وبقاء الإنسان لحظة بلحظة هو موقوف على قيومية الله سبحانه وتعالى، هذا الكلام قلناه كثيراً، اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ جعلها ربنا سبحانه وتعالى أعظم، أعظم آية خاطب بها ربنا سبحانه وتعالى الإنسان، أعظم آية ربنا خاطب بها الإنسان ماذا يقول له فيها؟ يقول له أنه لايوجد شخص ينبغي على الإنسان أن يتوجه له، يعلق قلبه به يرتبط به إلا ربنا سبحانه وتعالى؛ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ثم التعليل، كل ما سيأتي هذا تعليل لهذا القانون، ربنا سبحانه وتعالى لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لماذا؟ مبنية على حيثيات، أم غير مبنية على حيثيات؟ لأن ربنا سبحانه وتعالى هو الحي وهو القيوم، هو الحي وهو القيوم، فما معنى القيوم؟ القيوم: هو القائم بنفسه المقيم لغيره، ربنا سبحانه وتعالى هو الغني عن كل شيء وعن كل حد، ولا أحد في غنى عن الله يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ هذا أول أمر.
الأمر الثاني؛ القوام الثاني الذي سيضبط نفسية الإنسان: تذكر الإنسان للقاء الله، تذكر الإنسان للقاء الله وأنه موقوف غداً بين يديه سبحانه وتعالى فمسائله عن النقير وعن القطمير ” لن تزولا قدما عبد ” وقلنا هذا عام، لم يحدد هذا العبد والمسائلة للمؤمن أو للكافر، للطائع أو للعاصي، للبر أو للفاجر،، ” العبد ” من حيث هو عبد مسئول أمام الله تبارك وتعالى.
النبي صلى الله عليه وسلم ماذا كان يقول حينما يصعد من الركوع ” اللهم ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد – وهو الحمد – ” الحمد هو أحق ما قال العبد، ثم ماذا قال؟ ” وكلنا – وكلنا – لك عبد ” ” اللهم ما مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ” صاحب العظمة والسلطان لا ينفع سلطانه عنج ربنا سبحانه وتعالى إلا إذا أتى الله بقلب سليم ” يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ” وكلنا لك عبد “
” لن تزول قدم عبد حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، عن شبابه فيما أبلاه، عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه “
إذاً الإنسان إذا أراد الاستقامة أو أنت إذا أردت لي أنا الاستقامة، فمن الممكن للإنسان أن يطلب الاستقامة والهداية لنفسه أو يطلب الاستقامة والهداية لمن يحب، لمن حوله، لمن يعنيه شأنهم، ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” الإيمان موقوف على هذا، لا يمكن للإنسان أن يحب ويستأثر بالخير، لا يكون هذا إيمان، لابد للإنسان لكي يكون مؤمناً لكي يوصف بالإيمان لابد أن يحب لإخوانه مثل ما يحب لنفسه، وأعظم شيء يحبه الإنسان لنفسه أن ينال الرضا الإلهي، ينال السعادة والهداية، ينال اليقين والطمأنينة، ينال الإيمان والسكينة فأي إنسان سيقف أمام ربنا سبحانه وتعالى لكي يُسأل هذه السؤالات، لو أعد للسؤال جواباً فهو السعيد، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إذاً نسيان لقاء الله هو في الحقيقة نسيان لله، ربنا سبحانه وتعالى وصف الناس التي أهملت تذكر لقاء ربنا أن هؤلاء الناس في النهاية نست ربنا سبحانه وتعالى وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وربنا سبحانه وتعالى أسماه ” غد ” لكي لا نضعه على أنه بعيداً، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا
” اتقوا الله ” فما معنى التقوى؟ التقوى: هي خشية الإنسان لله، التقوى وهي خشية الإنسان لله تحمل الإنسان على أن يراجع نفسه، أنا لكي أنظر ما قدمته لغد ماذا أحتاج، لأن هذه الجملة لابد أن تترجم ” وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ إذاً أنا لدي يقين من هذا الغد؛ هذا أول شيء.
الأمر الثاني: أنا أعلم عم سيسائلني ربنا سبحانه وتعالى، ما الأشياء التي سأقيّم نفسي على أساسها، فالآن أنا لكي أقول أنني أعددت نفسي للقاء الله أو لا، ما المعايير؟
ربنا سبحانه وتعالى عم يسائل الإنسان هذا هو الأمر الثاني، الأمر الثالث: أنا في الواقع وبالفعل في السلوك وفي الوجدان ما مدى مقاربتي أو مباعدتي لما يرتضيه ربنا سبحانه وتعالى؟
فأولاً: اليقين بلقاء الله، الأمر الثاني: أعرف من خلال كتاب الله ومن خلال هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الصورة التي من المفترض أن أكون عليها،ما الصورة المنشودة، وفي المقابل ما الصورة الموجودة.
فالمسافة بين الصورة المنشودة والموجودة قريبة أم بعيدة، وسواء كانت قريبة أو بعيدة كيف سأضيّق الفجوة، الإنسان طوال عمره يفعل ذلك، لن يصل أحد إلى صورة الكمال، لكن وهو يضع الصورة المثال التي هي القدوة لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ صلى الله عليه وسلم، فسأضعها أمامي، وأنا واقف في هذه النقطة أنا أعرف أين أقف، فأنا ليس تائهاً، أنا أعلم وضعي وطبيعتي ومشاكلي وآفاتي ومن أين يدخل عليّ الشيطان، ثم أريد أن أرتقي لهذا المرتقى العظيم، وأسعى طوال عمري أن أضيّق الفجوة بحيث حينما يأتي ملك الموت يقبض روح الإنسان فسيكون وصل بهذه الفجوة لأقرب شيء استطاع أن يصل إليها، وهذا ما يسميه ربنا المجاهدة وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ فأنا أريد أن أضيّق المسافة وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ لذلك سيدنا عمر كان يوصي يقول ” حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ” إذا كنّا موقنين أننا سنحاسب، فنحن لكي نأخذ حسابنا ليوم الحساب لابد أن تبدأ المحاسبة مبكراً، ” وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا وتهيّئوا للعرض الأكبر يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ” هذا كلام شخص تشرب القرآن وتعلّم من مشكاة النبوة.
الصحابة من أين اكتسبوا العظمة؟ لأنهم أحسنوا الصحبة وأحسنوا التلمذة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قابله أناس كثيرون، أناس كثيرون، وهو ليس الشخص الذي يُرفض بأخلاقه وسلوكه وكلامه وخطابه، إذا وُجد شخص لا يصلح أن يختلف عليه الناس سيكون شخص النبوة ولا أحد غيره.
وشخص النبوة هذا التقى به أناس كثيرة، مواقفهم منه كانت واحدة؟؟ كانت متباينة جداً، من أشد درجات الإيمان إلى أشد درجات الكفر أو النفاق، ما الذي ميّز الصحابة عن غيرهم؟ أنهم أحسنوا الصحبة وأحسنوا الاستقبال للنعمة، ولذلك اكتسبوا من العلم بمقدار ما اقتربوا من مشكاة النبوة، لذلك حينما يقول سيدنا عمر يقول كذا، فأنت تدرك كم مقدار هذه الكلمات، كلمات بسيطة لكنها غاية في العمق وغاية في التوجيه وغاية في بيان الخطر، ” حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا ” فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ نسأل الله السلامة والعافية
” حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتهيئوا ” استعدوا ” للعرض الأكبر يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ “
إذاً الافتقار إلى الله وهذا يبنى، أنا الآن سأبني علاقتي مع ربنا سبحانه وتعالى على ماذا؟ ما الذي سيقوي بداخلي الإحساس بالافتقار؟ معرفة الرب، ومعرفة العبد، معرفة الرب ومعرفة النفس، معرفة ربنا سبحانه وتعالى بعظمته وقدرته وآلائه ورحمته ونعمه، وفي المقابل ما أنا، حينما أدرك هذا أدرك أنني لا يمكن أن أعيش الدنيا فضلاً عن الآخرة في غنى عن الله، أو بعيداً عن الله وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ وبما أننا مغمورين في نعم ربنا سبحانه وتعالى هل يمكن للعبد أن يستغني عن الرب إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ فهل حينما حملها الإنسان وفّى؟ أم لم يوفّي، ربنا سبحانه وتعالى يقول ضمنيّاً أنه لم يوفّي، إلا من رحم الله وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ماذا نفهم من هذا؟ أنه لم يجتاز الاختبار، إلا من منّ الله عليه، لماذا لم يجتاز الاختبار؟ لأنه لديه مشكلتان؛ اتّباع الهوى وهو الظلم، وعدم الدراية وعدم العلم والفهم والإدراك الذي هو الجهل، وهذا الجهل هو الجهل بالعلم الحقيقي؛ الجهل بحقائق الأمور، ربنا سبحانه وتعالى ماذا يقول وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ هي مكتوبة هكذا، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ فكيف ربنا نفى عنهم العلم وأثبت لهم العلم قال يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ هؤلاء ربنا وصفهم بأنهم يعلمون أم لا يعلمون؟ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ العلم الذي أثبته لهم ربنا ليس هذا هو حقيقة العلم، يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا – ظَاهِرًا – مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا باطن الأمور، حقائق الأمور الباطنة هم في غفلة وفي إعراض وفي تنائي عنها، يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ إذاً ما حقيقة العلم؟ هو هذا، ربنا وصفهم أنهم لا يعلمون لأنهم عن الآخرة هم غافلون، إذاً حقيقة العلم علم الإنسان ويقينه بلقاء الله وعمله على أساس هذا العلم، فلماذا لا يفعل الإنسان هذا؟ ربنا يقول كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ الحب، الحب، الارتباط، التعلق، ارتباط الإنسان بالدنيا سيغفله عن الآخرة، تعلق قلب الإنسان بالدنيا لن يترك مساحة للآخرة، فلو أراد الإنسان أن يرتبط بالآخرة؟ فلابد أن يعالج مشكلة التعلق بالدنيا التي صدّته عن الآخرة، فلماذا يقول ربنا هذه التعليلات وهذه التحليلات التي هي في عمق باطن الإنسان؟ لكي يبدأ الإنسان في علاج نفسه، يتعامل مع الأمور بجديّة، يحسن استقبال الرسالة الإلهية، كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَالـ ماذا؟ أمران، موصوفة بأنها العاجلة، وموصوفة بأنها الدنيا، العاجلة هذه: سريعة الفناء والزوال، والدنيا: ” واطية ” ، ” واطية ” .
فعندما تكون هذه عاجلة، فما طبيعة الأخرى، وعندما تكون هذه دنيا، فما طبيعة الأخرى، لكن أين المشكلة؟ أننا في الدار التي تسمى الأولى، والأخرى اسمها الدار الآخرة، الأولى هذه هي القريبة، والآخرة هي البعيدة، ولذلك نحن قلنا الجمعة الماضية أن الذي سيجعل الإنسان يستطيع أن يعيش الآخرة أنه يتجاوز بإيمانه وبقلبه وببصيرته وبيقينه الواقع المشاهد لما وراؤه، نحن في العالم المحسوس كلنا نعيش هذا العالم بجوارحنا، نحن بأسماعنا وأبصارنا وهمومنا وفكرنا في الدنيا، والمستقبل عندنا هو المستقبل القريب ليس البعيد، كلنا نفكّر في المستقبل، وكلنا نفكّر في غداً، لكن بكرا هذا أي بكرا؟ بكرا الدنيوي، وليس بكرا الأخروي، لذلك ربنا سبحانه وتعالى وصف بكرا الأخروي بأنه غد، هو أسماه هكذا وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وبالتالي تَذَرُونَ تهملون تهملون الآخرة.
فما العلاج؟ فأنا أريد أن أحب؛ أحب التي هناك، فكيف أحب التي هناك؟؟ أعرف قيمة هذه وقيمة هذه، قيمة التي هنا بالمقارنة بالتي هناك، لماذا يكلمنا ربنا سبحانه وتعالى عن الآخرة كثيراً في القرآن، لماذا يكلمنا عن يوم القيامة كثيراً، لماذا يكلمنا عن الجنة ووصفها بتفصيل، لماذا يكلمنا عن النار ووصفها بتفصيل، لماذا؟ لكي نستطيع نحن إيمانياً ووجدانياً نعيش هناك، وبالتالي نستطيع أن نتعامل مع هذه، ربنا سبحانه وتعالى شدد في وصف الدنيا كثيراً لماذا؟ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ هذا هو الموضوع كله، كل هذا في آية واحدة فقط، هي آية واحدة اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا هي حياة ولكنها تحت لَعِبٌ هذا أول وصف، أول وصف لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ ” زينة ” بهرج ومظهر، اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ التكاثر غير التكثير.
ما هو التفاخر؟ أنني أستخدم نعم ربنا في ماذا؟ في ماذا؟ أن أستعلي على الناس أو أستكبر عليهم، فأنا لا أتمتع بالنعم حتى لو لم أشكر، أنا أريد، أريد أستعلي على عباد ربنا وأتكبر عليهم بنعم ربنا، فهل هذا هو الشكر أم هذا الكفر؟ مثلما قلنا قبل ذلك، قلنا مراراً وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ أول شيء فعله، أول شيء فعله فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا لماذا؟ الآن شخص ربنا سبحانه وتعالى بسط له من الرزق، هو لن يشكر، ولكنه سينشغل بالنعمة وينسى المنعم، هذا هو الطبيعي، فما الذي سيجعله يرجع لشخص صاحبه كان معه زمان أيام الفقر ويخرج له لسانه ويقول انظر لما أنا فيه لكي تعرف أنك مشئوم، لماذا، ما المتعة التي سيتمتع بها الإنسان حينما يفعل ذلك؟ لماذا؟
وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ التفاخر هو سبق نحن دخلنا فيه معاً، سبق دخلناه معاً، أنا لا أريد أن يكون عندي كثير، أنا أريد أن يكون لدي أكثر أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ إلى متى حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ السباق لا ينتهي، لا ينتهي.
إذا التكاثر لا أن يكون لدي كثير وفقط، ولكن أن يكون عندي أكثر من فلان وأكثر من علان، فأنا أنظر للناس وأرى أين مكاني بينهم، وإذا فعلت إحصائية ما يكون ترتيبي، وأريد أن أعلو أكثر، أريد أن أعلو أكثر، ليس مجرد أن يكون لدي لا، لو لمجرد أن يكون لدي، فكثير مما نعيش فيه يكفينا، هو لماذا لا يكفينا؟ لأننا لدينا احتياجات غير احتياجاتنا الأساسية، احتياجات نفسية، هل احتياجات نفسية سوية؟ أم شوهاء؟ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في ماذا فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ هذا في النهاية ما وصفه؟ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ المطر الذي تجاوبت معه الأرض، وبعد ذلك سرعان ما يزول، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وبعد ذلك أين سنذهب؟ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مغفرة فقط؟ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ربنا يقول سبحانه وتعالى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى من قبل الآخر؟ الأحوى: هو الناضج الذي اكتمل نضجه وبدت زينته، والغثاء: هو المحصود اليابس المتآكل، من قبل من؟ فمن المفترض أن يكون أحوى أولاً ثم يتحول لغثاء وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى لأنه عندما أصبح أحوى أوشك أن يكون غثاء.
أي شيء يصل لكماله في الدنيا فهذا بداية النقص، أول ما الشيء يصل لمنتهاه، فعداده بدأ بالعمل، اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً هذه هي الحياة، هذه هي الدنيا، ولذلك سيدنا عمر حينما نزلت الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ هو لم يستقبلها بالسرور الذي يتماشى معها، لماذا؟ لأنه نظر إلى ما وراءها، أي شيء يكتمل هذا بداية نقصانها، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى لكي حينما ترى الأحوى تتذكر الغثاء، ربنا يقول هذا، وضع الغثاء قبل الأحوى كي حينما تنظر للأحوى تتذكر الغثاء، فلا يفتن الأحوى الإنسان، كيف لا يفتتن الإنسان بالأحوى بأن يتذكر الغثاء.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ محصلة مغادرة العاجلة والأوب والعود إلى الآجلة هي هذه المحصلة فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ هذه هي المحصلة النهائية للحياة، وقلنا أن ربنا سبحانه وتعالى وقلنا أن هذه نقطة في غاية الأهمية أن من أكثر الأشياء التي تصد الإنسان عن الله صراع الدنيا والآخرة، هذه النقطة قلناها كثيراً ولن نملّ من تكرارها لأن هذه هي النقطة المفصلية المحورية التي تسبب الفتنة للإنسان، أنه يكون أمامه خيارين: إما أن يترك الدنيا ليأخذ الآخرة أم يترك الآخرة ليأخذ الدنيا، لكن ربنا لم يقل هذا سبحانه وتعالى.
ربنا سبحانه وتعالى جعل سعادة الدنيا وسعادة الآخرة في بوتقة واحدة هذه هي الأزمة؛ نحن نظن أو نعتقد أننا لكي نحصل على متعة الدنيا نحتاج لأن نضحّي بالآخرة، وأننا إذا أردنا أن نفوز برضوان الله في الآخرة علينا أن نضحي بالدنيا، هل هذا موجود في الكتاب، ربنا سبحانه وتعالى وصف موقف الناس من الكتاب فقال فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ربنا سبحانه وتعالى يتكفل لمن يسير على وفق النور الإلهي بأن ينفي عنه الضلال وينفي عنه الشقاء؛ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ربنا سبحانه وتعالى يصف المآل النهائي للإنسان فيقول وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ تبدو عليها أمارات الحسن والجمال والبهاء؛ اكتسبته من أين؟ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ إذاً ربنا سبحانه وتعالى يصف الجزاء الذي سيعطيه للمؤمنين الذين عملوا للقاء الله، الذين اتبعوا رضوان الله، ماذا سيعطيهم، ربنا سبحانه وتعالى يقول أنه يبيح لهم أن ينظروا إلى وجه ربهم، لم يقل شيء آخر، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ فقط، وفي المقابل وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ عليها أمارات العبوس والتكليح، لماذا؟ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ مدركة آثار ما فعلته في الدنيا يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى فاقرة: هي الشيء الذي سيكسر ظهر الإنسان، ستكسر فقاره، أي ستحطم عموده الفقري، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ.
إذاً ربنا سبحانه وتعالى ماذا سيعطي أهل الإيمان؟ سيعطيهم أعظم نعمة ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول ” وأسألك لذّة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ” هو ماذا يقول ” وأسألك لذّة النظر إلى وجهك ” ولذلك ربنا سبحانه وتعالى عندما وصف الكفار وعذابهم قال كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ الترتيب هكذا كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ربنا سبحانه وتعالى ذكر أن الناس الذين سيحجبون عن ربها هذه هي أعظم بليّة أو أعظم عذاب عليهم، والعذاب الأدون ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ إذاً ربنا يقول لنا أن أعظم نعمة سيمنّ بها على المؤمنين أنهم سيروا ربهم، فهذا إلام سيعطيه؟
هل هذا الموضوع يمثّل للإنسان قيمة؟ أي نحن حينما نتذكر الجنة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل الجنة يا رب آمين، اللهم أجرنا من النار.
الجنة بالنسبة لنا هي النعيم الحسي، الجنة أشجار وقصور وأنهار وحور هذه هي الجنة، هل نعرف شيء آخر !، لكن ربنا لا يقول هذا، ربنا يتكلم عن شيء فوق هذا وأعلى من هذا، لكن لكي أشعر بها لابد أن أكن أنا أنا تربطني بربنا سبحانه وتعالى علاقة حب بالمستوى الذي يجعلني أستطيع أن أترجم هذه الكلمة وأستطيع أن أترجم الكلمة الثانية كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ لا تفرق، ما الشيء الذي يمثّل خطر للإنسان ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ هذا هو الشيء الذي يستطيع أن يستوعبه الإنسان أنه سيعذّب، فهو لن يعذّب ولكنه سيحجب عن الله، عادي ليس موضوعاً، ذرونا نتفكر فيها، فهل هذه موجودة لدينا في البرنامج أصلا، وكيف تنبى هذه، كيف يشعر الإنسان قلبه عظمة المحبة لله، لكي يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الكلمات ” وأسألك لذة ” هكذا يعبر ” وأسألك لذة النظر إلى وجهك ” هذا أمر ” والشوق؛ والشوق إلى لقائك ” هذه تعبيرات من الرقي في الجمال بحيث أنها لا يمكن التعبير عنها، ونحن لا نستطيع أن نتكلف كلام إذا لم نملك هذه الأحاسيس، لذلك نحن نقول أننا لابد أن نعرف كيف من المفترض أن يكون شكلنا، أو كيف من المفترض أن نذهب، ولكي أشعر بهذا الكلام لابد أن يكون بيني وبين ربنا سبحانه وتعالى علاقة من الحب والأنس والشوق تسمح بأنني أشعر بهذا.
نترجمها ترجمة دنيوية، دعونا نترجمها فيما نفهمه، ضع شخص أنت تحبه محبة حقيقية وصادقة وانظر كيف تكون مشاعرك تجاهه، ما المشاعر التي ينطوي عليها قلبك عندما تقابله أو تأنس بوجوده، وإذا غاب عنك أو حجبك أو قطع علاقته بك ماذا يحدث لديك من الشعور بالتألم النفسي، إذا كنت تحب فعلاً، ولكن المشكلة في حياتنا أن الحب أصبح قليل، نحن نحب المادة، لا نحب الإنسان للأسف، نحن نحب المادة، ومسألة الحب للإنسان، لن أقل الحب لله، الحب للإنسان، المحبة بين الناس، هذه المشاعر تخبو ولم يصبح لها قيمة كبيرة ولا تترجم، ليس لها قيمة، في النهاية العلاقة مع الناس ستأتي بمصلحة مادية بنسبة كم؟ سأحافظ عليها وإن لم تأتي فلا تعنيني، لا تعنيني أصلاً، ليس لديها أدنى قيمة، وبالتالي الشخص عندما يكون هكذا، وستخاطبه عن حب ربنا أو الأنس بالله أو التعلق بالله أو الشوق إلى الله كيف ستجلبها.
ربنا يخاطب الإنسان، ربنا في القرآن يخاطب الإنسان من حيث هو إنسان لديه مشاعر الإنسان وأحاسيس الإنسان ورقي الإنسان فيكلمه عن الدرجة التي تربطه بالرحمن سبحانه وتعالى، فإن لم يكن لديه، فأنت تريد أولاً أن تجعله إنسان، تنقله من مرتبة ما دون الإنسان إلى مرتبة الإنسان، ثم ربنا سبحانه وتعالى خاطب الإنسان، ففي القرآن من الذي يخاطبه ربنا؟ يخاطب الإنسان، هذا الإنسان عبارة عن ماذا؟ الإنسان عبارة عن كائن موصوف، فربنا خلق ملائكة من وراء الإنسان، وخلق دواب لم يخاطب الدواب، فعندما يقول ربنا إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فهؤلاء لن يكونوا في دائرة الخطاب، لابد أن ينتقلوا ويكونوا في دائرة البني آدميين لكي يخاطبوا، فالآن حينما نعيش هذه الحياة المادية بهذا المستوى التي تخبو فيه كل مشاعر الرقي الإنساني؛ إحساس الرحمة الرحمة الرحمة، الحب، الود، التكافل، التراحم، هذه مشاعر الإنسان.
انتبهوا يا جماعة يوجد شيء اسمه ” قطيع من الماشية ” ويوجد ” مجتمع إنساني ” ما الذي يميّز المجتمع الإنساني؟ الخصائص الإنسانية، ونحن الآن مجتمعنا مجتمع إنساني، فهل هو يذهب غداً لكي يكون أقرب للمجتمع الإنساني أم يكون أبعد؟ هو أبعد، الدين ضرورة للإنسان لأن الدين هو الذي يجعل الإنسان إنسان الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ هو علمه القرآن أولاً أم خلقه أولاً؟ بدون قرآن لا يوجد إنسان الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ هكذا هي مرتبة، هكذا هي مرتبة.
فالآن لكي أترجم هذه الآية كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وبعد ذلك إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ إذاً من يحب ربنا سبحانه وتعالى هذه المحبة ستخبو في قلبه محبة العاجلة وبالتالي يتعلق قلبه بالآخرة، كيف سنبنيه؟ هذا يُبنى، هذا يُبنى، هذه هي الفكرة، لماذا أتى الدين ولكي يفعل ماذا؟ هل الدين أتى لكي يخاطب أناس اكتملوا أم لكي يخاطب أناس في حالة من الإعراض أو في حالة من الغفلة أو في حالة من الجهل وفي حالة من النقص لكي يعلموا ولكي يكتملوا ولكي ينضجوا، فلابد من هذا.
ما مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ لو نحينا القرآن من الحياة لن توجد حياة، هذا أول أمر يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ثم، فيم سيستخدم الآيات؟ وَيُزَكِّيهِمْ سينقي ويطهر ويعالج قلوب، وبعدما يزكيهم سيعلمهم، سيعلمهم الكتاب لكي يستطيعوا أن يعيشوا به، وسيعلمهم الحكمة، سيقول لهم كيف يطبّقوه وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
فأول شيء: التمسك بالكتاب والتزكية على أساس الكتاب، نحن نقول يارب، الرب هو المربي، الرب هو المربي، الذي سيربي الإنسان بالإيمان، مثلما يربي الإنسان بالنعم الدنيوية يربي الإنسان بالإيمان لكي يكسبه الفضائل الأخروية، ربنا سبحانه وتعالى يربي الإنسان دنيوياً وأخرويّاً، لذلك نحن نقول ” يارب ” أنت تقول يا رب لكي تستمد من المربي سبحانه وتعالى، الدين جاء لذلك، فلو فرّغناه من مضمونه لن يكون له قيمة، ليس أداء شكلي، نحن من الممكن أن نكون نصلي، لكن حقيقية الصلاة معنا أم لا؟ نحن إن شاء الله مقدمين على صيام، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلّغنا رمضان، فمقبلين على صيام لعمل ماذا، لعمل ماذا؟ ليحقق الصيام ماذا؟ ماذا سيحقق في قلب الفرد نفسه – الإنسان – وفي المجتمع، هو آتي لوظيفة، إن لم يؤدي وظيفته ” من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ” لأنه ليس عذاباً، هذا تهذيب يا جماعة، يوجد فرق بين التهذيب والتعذيب، الصيام ليس تعذيب هذا تهذيب وتنقية لنفس الإنسان، فلكي يكون هكذا لابد أن يعامل بالشكل الذي ارتضاه ربنا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ غاية محددة، وظيفة الصيام تحصيل التقوى، فأنا قبل أن أصوم، ما الصيام الذي أستطيع حينما أصومه يدخلني في منزلة المتقين، وإلا فلا يكون صيام، كأني لا أفعل شيئاً، كأني لا أفعل شيئاً.
هو الصيام لعلكم تتقون،، وهو ليس على هؤلاء فقط كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يوجد قواعد عامة للإسلام، ربنا سبحانه وتعالى شرعها، يوجد شيء اسمه أركان الإسلام، أركان الإسلام هذه، ليس الإسلام الذي هو الدين الخاتم في المعنى الخاص لا.
أركان الإسلام الذي هو إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ الذي هو منذ خاطب ربنا سبحانه وتعالى الإنسان فأوجب عليه هذه الأشياء؛ التوحيد والإيمان والارتباط بالله، إقام الصلاة، إيتاء الزكاة، الصوم، قصد بيت الله، هذه أركان لدين الإسلام، مستقرة؛ ربنا سبحانه وتعالى فرضها على كل المؤمنين لأن هذا هو الحد الأدنى من بناء الإيمان، الحد الأدنى الذي يسيّر الإنسان، فما وظيفة الصيام؟ تحصيل التقوى.
ماذا سأفعل لكي يحصّل الصيام التقوى؟ هذا هو السؤال، أنا أريد أن أتعلق بربنا سبحانه وتعالى، أريد أن أحب ربنا أكثر من حبي للدنيا ماذا أفعل؟
هما أمران: أريد أولاً، ثم أسلك الطريق، طالما أنا لم أريد بعد، طالما لم أعزم، طالما أنا أشعر أن هذا غير مهم، طالما أنني أشعر أن المجريات الحياتية اليومية في الأولويات أهم عندي من ربنا ومن لقاء الله ومن نعيم ربنا سبحانه وتعالى طالما الخلل في الأولويات موجود فلن تصلح الدنيا.
الخطوة الثانية: من الممكن أن يكون الإنسان عنده حديث نفس أو لديه نيّة للتقرب إلى الله، إذا لم يحوّل هذه النيّة إلى برنامج عمل لن تصل إلى شيء أبداً.
نحن تعوّدنا في حياتنا – للأسف – على العشوائية، حياتنا لا تأخذ شكل منضبط إلا حينما ندخل في إطار وظيفي محكم ومنضبط، خارج هذا الإطار..
ولذلك نحن هنا بشكل ومن يهاجر يعيشوا بشكل آخر، هم لم يتغيّروا ولكن الإطار أجبرهم على أن يلتزموا قواعد معيّنة، سيلتزموا قوانين صارمة ويلتزموا برنامج عمل ثابت وإلا هو في الشارع، فماذا سيفعل.
فلابد أن يكون لدينا برنامج عملي للتقرب إلى الله، يوجد منهج أنا أسير عليه سيوصلني إلى ربنا سبحانه وتعالى مبني على خطوات لكي أستطيع أن أحاسب نفسي وأراجع نفسي على وفق هذا.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنّا شر ما قضيت
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك الرضاء بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، ونسألك اللهم لذّة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرّة ولا فتنة مضلّة.
اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين
اللهم إنا نسألك حبك، اللهم إنا نسألك حبك، اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم