بسم الله الرحمن الرحيم واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
لازلنا مع الأصل الأصيل الذى تكلمنا فيه مرارا ونكرره ونؤكده أن هذا الدين إنما يدور على كلمة واحدة.. أن لهذا الكون إله.
كل ما يطلب من الإنسان المسلم هو أن يعى هذه الجملة البسيطة وأن يحيا بهذه الجملة البسيطة.
النبى صلى الله عليه وسلم قال ” إن الله عز وجل يبعث فى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها ” وذكرنا قبل ذلك تجديدا آخر ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال ” إن الإيمان ليخلق فى جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان فى قلوبكم “
إذن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر نوعين من التجديد..
تجديد إيمانى: وهذا معناه أن المشاعر والأحاسيس الإيمانية التى نشعر بها مع معتركات الحياة والمشاكل والخلطة مع الناس ” وركوب المشروع ” تبدأ هذه المشاعر وهذه المعانى تبهت وتضعف. إحساس الإنسان بوجود الله وبعظمة الله سبحانه وتعالى يفتر ويخبو مع الوقت، فيحتاج الإنسان إلى أن يجدد هذه المعانى. وتجديد هذه المعانى يكون بأمور.. أعظم هذه الأمور هو تدبر كتاب الله سبحانه وتعالى. وكذلك الدعاء… فالنبى – صلى الله عليه وسلم نصّ على الدعاء فى هذا الحديث لأن هذا ربما يكون أسهل وأيسر طريق إذا لقى الله عز وجل هذا أوقابله بالإجابة، قال ” فاسألوا الله أن يجدد الإيمان فى قلوبكم ” هذا النوع الأول من التجديد.
النوع الثانى تجديد الأفكار والتصورات: يخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى بمنّه وكرمه لما كان – أى النبى صلى الله عليه وسلم – هو آخر المرسلين والنبيين وليس بعده نبى ولا رسول ” يجدد للناس معالم دينهم ” إحتاجوا كل فترة إلى تجديد هذه الأفكار وهذه التصورات.
إذن تصور الإنسان عن الدين أو إدراك الإنسان للدين يعتريه شىء من الغبش وشىء من التشويش مع وجود الشبهات والتباينات والآراء المختلفة، فيحتاج الناس كل فترة إلى أن يرسل الله عز وجل إليهم أناسا يجددون لهم معالم دينهم.
والتجديد معناه إعادة الأمر أو الشىء إلى ما كان عليه أول مرة. هناك صورة مثالية للدين أو صورة صحيحة للدين وهو ما نزل به جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم فعاش به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاش به صحابته حينا من الدهر، هذا هو النموذج والمثال الذى إرتضاه الله عز وجل.
فالله سبحانه وتعالى قال وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ فالله سبحانه وتعالى ذكر أناساً بأشخاصهم وأعيانهم فقال وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ هؤلاء الناس يمكن أن نسميهم بأسمائهم وأشخاصهم وأعيانهم. ثم ذكر عاطفاً عليهم قال وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ إذن كل من يأتى من بعد الصحابة لا بد لكى ينال الرضا الإلهى أن يكون متصفا بهذه الصفات. فمن أول جيل التابعين كل شخص ينال الرضا إنما يناله على أوصاف. أما الصحابة فالله سبحانه وتعالى نصّ على رضاه عنهم بأعيانهم وذواتهم، وجعل شرطاً لنيل الرضا لكل من يأتى بعدهم إن يتبعهم بإحسان.
فهؤلاء إذن رضى الله سبحانه وتعالى عنهم بأشخاصهم وذواتهم وأعيانهم لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ هؤلاء أيضا أشخاص معينون. إذا فتحنا كتب السير نستطيع إن نصل إلى أسمائهم – الذين بايعوا بيعة الرضوان تحت الشجرة يوم الحديبية – هؤلاء الاشخاص المعينون الذين عاشوا مع النبى صلى الله عليه وسلم بهذه الحياة، بهذه الصورة وهذه الصفة فهؤلاء فى محل الرضا، هذا النموذج يعتريه الغبش مع توالى الأيام فنحتاج كل فترة إلى أن نعيد بناء تصوراتنا على وفق الصورة المثالية الصحيحة. نحتاج إلى ترتيب ذهننا وفقا لهذه المعانى.
أكبر مشكلة نواجهها الغبش والتشوش فى تصور الدين. الدين كما قلنا معانى سهلة وبسيطة. النبى صلى الله عليه وسلم قال ملخصا أمر الدين ” بعثت بالحنيفية السمحة ” هذا هو الدين، الحنيفية… التى هى التوحيد وإرتباط الإنسان بالله وإستشعار الإنسان وجود الله وعبادة الإنسان لله سبحانه وتعالى.
السمحة، أى أن هذه الشريعة سهلة وميسرة وبسيطة. إذن الدين هو هاتان الكلمتان ” بعثت بالحنيفية السمحة ” .
الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، ماذا يريد الله عز وجل من العبد؟ هذا بيّنه الله عز وجل ولم يترك بيانه لأحد. قال تعالى مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وقال الله تبارك وتعالى فى خواتيم سورة الحج وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ. وقال تعالى يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ من المرسلين والصالحين وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا. يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا.
الله سبحانه وتعالى حين ذكر هذه الأوامر وهذه النواهى، وذكر الأمر بإقام الصلاة ذكر أن علة كل ذلك وحكمة كل ذلك هو حدوث هذه الغاية العظيمة، إذهاب الرجس والنجس عن هذا البيت الطاهر وحلول الطهارة الكاملة. ثم قال وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ.
فالله سبحانه وتعالى مراده من العبد هو إرادة الخير للإنسان. فالله سبحانه وتعالى يريد للإنسان إن ينال رضوان الله والجنة. فى تفسير القرطبى عن زيد بن أسلم قال ” لما نزل قول الله تبارك وتعالى إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ جاء أبو الدحداح رضى الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الله يستقرضنا وهو غنى عن القرض ” الله سبحانه وتعالى بكرمه ومنّه وفضله وهو الغنى الحميد ذكر عبارة القرض التى تفيد أن الذى يقدم هذا الخير إنما هو يفعل براً وإحساناً ويكأنه يحسن إلى الله عز وجل.. لأن القرض أصلا نوع من أنواع الإحسان. ” فقال إن الله يستقرضنا وهو غنى عن القرض ” هو يعلم أن الله سبحانه وتعالى غنى حميد بيده خزائن السموات والأرض. فقال له النبى صلى الله عليه وسلم ” يريد أن يدخلكم به الجنة ” .
فالنبى صلى الله عليه وسلم بيّن إن مراد الله من هذا ومن كل أمر إن ينيل عباده رضوانه والجنة. فى مقابل هذا لما سمعت يهود هذه الآية ماذا قالوا؟ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ. هى نفس الجملة.. ولكن استقبال الإنسان لها يختلف.. وكما قلنا القضية هى معرفة الله سبحانه وتعالى وبالتالى هذه المعرفة ستجعلنا نترجم كل شىء ترجمة صحيحة. فالجملة واحدة مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا سمعها أناس فقالوا إن الله فقير.. وأناس آخرون سمعوها فقالوا إن الله سبحانه وتعالى غنى فماذا يريد بذلك؟ يريد الخير؟ فنحن نفعله. واليهود سمعوا ذلك فقالوا وسمع الله قولهم وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ فهم يرون أن الله يطلب من الناس الإحسان فهى إذن واحدة من أثنتين.. الأولى: أن الله سبحانه وتعالى ليس لديه ما ينفق منه على الخلق بعد أن خلقهم، أو الثانية: أن الله سبحانه وتعالى عنده خزائن ملآى ولكنه لا يريد أن ينفق على الخلق. فهؤلاء إنما ” أتوا ” من جهلهم وسوء ظنهم بالله تبارك وتعالى.
أما المؤمنون فكان لهم شأن آخر ” فقال يريد أن يدخلكم به الجنة.. فقال يا رسول الله أعطنى يدك، فأعطاه النبى يده، قال فإن لى حديقتين إحداهما بالعالية والأخرى بسافلة المدينة قد جعلتهما صدقة لله ” عز وجل.
إذن فاستقباله لهذا لم يكن كإستقبال يهود إستقبال القدح فى الله سبحانه وتعالى ثم الضن بالمال.. استقبال التعظيم لله ثم الإمتثال لأمر الله بإرادة نيل مراد الله سبحانه وتعالى وهوأن يعطى العباد الجنة.
الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ويريد من هذا المخلوق أن ينيله خيره وبره ورضاه وإحسانه. المطلوب من الإنسان أن يحقق هذه الغاية التى خلقه الله عز وجل من أجلها وهى عبادة الله..أن يتعلق بالله سبحانه وتعالى.. أن يبقى دائما ذاكرا لله تبارك وتعالى.. أن يسعى دائما أن يعيش فى كنف الله تبارك وتعالى وان يعيش دائما فى رحاب الله وحينئذ ينال سعادته الدنيوية.هذا هو مراد الله عز وجل من الإنسان فلا بد لنا أن نعى هذا المعنى البسيط وأن نحاول أن نحيا فى ظلال هذا المعنى البسيط لينيلنا الله سبحانه وتعالى فضله وبره ورضوانه مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً هذا وعد من الله وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.