أحمد الله تعالى شاهدا أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
حديثنا اليوم عن لحظة تردد. لحظة التردد هي اللحظة التي يقف فيها الانسان ما بين إقدام وإحجام. يتردد ما بين أن يخطو خطوة قدما الى الأمام أو أن يتراجع خطوة الى الوراء. ونحن حين نتحدث عن لحظة التردد، نتحدث عن وصف عارض، لا نتحدث عن حالة دائمة مستقرة. هناك ناس من الناس طبيعتهم في كل أمر جل أم حقر كبر أم صغر، يترددون جيئة وذهابا، وإنما يرجع هذا التردد الى عدم وجود مستند يستند العبد إليه، يسمسه الناس ضعف الثقة بالنفس وهو تعبير يحتاج الى تأمل وتفكر. حينما تقول فلان تضعف ثقته بنفسه، ماذا تقصد بالثقة في النفس؟ وما هي النفس؟ الثقة بالنفس أن يعتمد الإنسان على ذاته أم أن يعتمد على ربه؟ إذا ركن الإنسان الى نفسه، فإلام يرتكن؟ وماذا تملك نفسه أن تقدم له؟ وإنما الإنسان هو المرتكن على جناب ربه سبحانه وتعالى والواثق به وبسديده وبتأييده، وأن الله تبارك وتعالى قد أعطاه إمكانات وقدرات ينبغي له أن يستثمرها وأن يشكر نعمة الله تبارك وتعالى فيها. فالثقة بالنفس هي الأشياء التي وهبك الله إياها، هذه الأشياء والقدرات هي نعم أعطاها الله لك، أما أن يعتقد الإنسان أنه ليس عنده أي شيء أو أي قدرات وأنه أقل من الآخرين فهو في الحقيقة يحقر فضل الله ونعمته عليه بالاضافة الى أنه لا يثق في عدله تبارك وتعالى. ربما تمايز الناس قوة وضعفا في بعض الإمكانات لكنهم جميعا قد أعطاهم الله تبارك وتعالى من الطاقات والقدرات والإمكانيات الشئ الكثير وإنما يتفاوت الناس في إستثمار الإمكانات وفي العمل على إستخراج هذه الطاقات المكنونات، لا يتفاضل الناس في أن فلان عنده وفلا ليس عنده، بل أنت تعتمد على شيئين، على توفيق ربنا وتسديده في خطواتك، وعلى أنه يجب أن تشكر نعمة الله عليك في إمكاناتك بأن توظفها بالشكل الذي يرضي الله تبارك وتعالى، ولذلك كات من عظيم نعمة ربنا علينا أنه هناك ما يسمى بالإستخارة، عندما أتردد في شئ ماذا أفعل؟ أستخير الله فهو الذي يعلم فسيختار لي وهو الذي يقدر فسيعينني، فالاستخارة ليس علمية فقط، فنحن نقول (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك)، ليس العلم فقط، كم من أناس عندهم دراية بما ينبغي أن يقوموا به ولا يقومون به، نحن نقول (إياك نعبد ز إياك نستعين) لماذا نستعين؟ لأن لا حول ولا قوة إلا بالله، (اللهم إني أستخيرك بعلمك) كي أستطيع الرؤية (و أستقدرك بقدرتك) كي أستطيع المشي، ثم أطلب ما فوق ذلك (و أسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب).
إذا ما علاج التردد ما بين الإقدام والإحجام؟ أن يستخير الإنسان الخالق سبحانه وتعالى ويستشير العقلاء النصحاء من المخلوقين، من سوف تستشير؟ تستشير شخص لديه دراية ولديه نصيحة أي يحب لك الخير فهو لن يدخر جهد في أنه يبحث لك عن الخير وأنه يوصله إليك، فهو لو لم يحبك فلن ينصحك. ذكرنا في خطبة سابقة أن سيدنا عمر عندما تكلم عن الرجال قسمهم إزاء هذا الباب الى 3 أنواع: رجل مسلم عفيف عاقل يأتمر في الأمور إذا أقبلت وتشبهت – أي أنه يدرس وسفكر ويحلل في الأشياء التي يتوقع أن يصادفها أو سيختبر فيها أو ستعرض عليه – فإذا وقعت خرج منها برأيه – فهو كان متوقع هذه الأمور فعندما جائت كان له رأي فيها وتفكير – ورجل مسلم عفيف – فلابد من هذه الصفات – ولكن ليس له رأي – ليس عنده هذه الإمكانية فلا يتوقع الأمور التي تعرض له ولكن عندما تأتيه مذا يفعل؟ – يستشير ذي الرأي ثم يأتمر بأمره – يشاور الناس أصحاب الحكمة ثم يعمل بنصيحتهم، والثالث – رجل حائر بائر – أي هالك – لا يأتمر رشدا ولا يتشير مرشدا.
و يقول الشعبي: الرجال ثلاثة، رجل ونصف رجل ولا شئ، اما الرجل التام فهو الذي له رأي وهو يستشير – أي يجمع عقول الناس الى عقله الذكي فهو ممكن أن يحسم أمره ويأخذ قرارات ولكنه يريد أن يسمع آراء الآخرين فقد يستفيد منها ولا تضره – ونصف رجل الذي ليس له رأي لكنه يستشير – إمكانياته لا تسمح له أن يحسم أمره فهو يسأل أصحاب الدراية والحكمو وينزل على رأيهم – واللا شئ الذي ليس له رأي ولا يستشير.
إذا الإنسان عندما يكون أمامه شئ ماذا يفعل؟ يستشير ثم يستخير ثم يمضي أمره متوكلا على الله، فإذا وقعت العاقبة أيما كانت؟ فهي بأمر ربنا فهي أكيد خير فهي إختيار الله حتى لو ظهر لنا بادي الرأي أنها ليست خيرا فعندما تستخير الله يجب بعده أن تثق بإختياره، لا ينفع أنه بعد ذلك لا يعجبك الإختيار فهكذا لم تكن للإستخارة فائدة من الأساس، لأن الإستخارة ليست أن أطلب من ربنا أن يتبع أهواء نفسي، أنا أطلب من ربنا أن يختار لي لأن لديه العلم، والرحمة، واللطف، ليس العلم فقط، أت تؤمن بالله، ليس هناك إيمان جزئي، تؤمن ببعض وتكفر ببعض، أنت تؤمن بالله فتؤمن بأن الذي عنده العلم والقدرة عنده الرحمة واللطف، ما هي الرحمة؟ يختار الذي يصلحك، واللطف؟ يوصلك لما يسعدك أحياناً من طريق ربما يكون في بدايته يؤلمك لأن ذلك ليس له طريق آخر، وإن كان هناك طريقاً آخر دون شوك سيوصلك منه، حسناً وإن لم يكن هناك إلا طريق واحداً وأنت يجب أن تسلك طريق الخير؟ يجب أن تسلك هذا الطريق، الجنة حفت بالمكاره، فيجب أن أسلكه ولو جزئياً، لكنه سبحانه وتعالى لن يضعك في الشوك وأنت من الممكن أن تسلك طريقاً ليس فيه شوك، لو كان ممكناً لسيدنا يوسف أن يصل إلى ما وصل له دون أن يمر بهذه الدروس وهذه التربية وهذه الخبرات، لم يكن ليعبر بكل هذا، ولكن لا يستطيع أن يصل لذلك دون أن يمر بهذه المراحل التعليمية والتربوية، في كل مكان يضع فيه قدمه هو يتعلم شيئاً ويستفيد وتترسخ أشياء بداخله حتى يصل إلى المكان الذي يريده الله سبحانه وتعالى له، وهو مكتمل، لا يعجز عما يريده ربنا سبحانه وتعالى أن يقوم به أو يديره، أو ينجزه، لأنه إن وصل دون هذه الخبرات سيعجز عن إتمام المهمة.
لكننا لا نتكلم عن هذا، نحن نتكلم عن التردد العارض، لحظة تعرض للإنسان، وهي تعرض لأي إنسان، النبي صلى الله عليه وسلم يحكي عن مملكة من الممالك، هذه المملكة يشاء الله سبحانه وتعالى برحمته أن يعطي لأهلها خيراً فيهيئ لهم شاباً منهم، يقبل إلى الله ويؤمن بالحق ويسخر ما أتاه الله من خير ومن دعوة مجابة في أن يخفف عن الناس آلامهم وأن يدعو الله في أن يشفي أدوائهم، ثم يصل أمر الإيمان إلى الملك فيضيق بالإيمان ذرعاً، فيريد أن يقتل هذا الإمام أو يتخلص منه لكي يعود الناس إلى الظلمة، فيعجز عن ذلك بكل ما أوتي من قوة ومن قدرة، فيقول له الغلام في آخر الأمر: إذا أردت أن تقتلني فافعل ما آمرك به، تجمع الناس في صعيد واحد ثم تصلبني على جزع ثم تأخذ سهماً من كنانتي، ليس من عندك، بل من جعبة السهام التي تخص الغلام، ثم تضع السهم في كبد القوس، ولابد له من أن يضع السهم في كبد القوس لكي يطلقه لكنه هنا يريد أن يقول له أنك ستسير كما أريد، كلمة كلمة، وإن فعلت غير ذلك لن تبلغ غايتك، حتى في هذا الأمر، يقول له: ثم تضع السهم في كبد القوس، ثم تقول: بسم الله رب هذا الغلام، فإذا فعلت ذلك فقد قتلتني، ففعل فلما رأى الناس الذين حُشدوا لهذا المشهد.. لماذا حشدهم الملك؟ لكي يريهم قدرته، وأنه أقوى من هذا الغلام الذي يبرء الأكمه والأبرص ويشفي هذه الأدواء التي يعاني منها المرضى في هذا المجتمع، لكنه حين قال بسم الله رب هذا الغلام أدرك الناس أن القوة لله جميعاً وأن الملك إنما استطاع ذلك باستعانته هو أيضاً برب هذا الغلام، لا يستطيع أن يمضي ذلك، رغم أنه من الطبيعي أنك إذا أوقفت شخصاً وأخذت السهم ورميته به سيموت، هذا هو القانون، ولكن لا، القانون وقف هنا، حسناً.. من الذي سيُفعل القانون؟ هنا لن يحدث استثناء لأن ربنا سبحانه وتعالى لن يغير النواميس لكي يُقتل الغلام، لا، ربنا سبحانه وتعالى بالأساس كان معطلاً للنواميس، وهو لا يستطيع أن يقتله، فحين يدعو الله حينئذٍ يرجع الله سبحانه وتعالى القانون كما كان، فحين يرجع كما كان يستطيع أن يفعل هذا الشيء الطبيعي الذي يستطيع أن يفعله أي شخص، ربنا سبحانه وتعالى وضع النواميس والسنن والقوانين والأسباب، لكن واضع الأسباب فوق الأسباب لا يتقيد بها سبحانه وتعالى، لكن يجب أن تكون هناك أسباب حتى نستطيع أن نعيش ونتفاعل ونبني، كيف نبني دون قانون؟، تخيل أنك تدخل المعمل وتضع المركب بنفس النسب وكل مرة تخرج نتيجة جديدة، يجب أن يكون هناك قانوناً سيجرى عليها الناس في هذه الحياة حتى يؤدوا رسالة ربنا سبحانه وتعالى أراد أن يؤدوها في ظل تعليم الله سبحانه وتعالى، نحن قلنا قبل ذلك قول ربنا سبحانه وتعالى عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ لم يقل علم المؤمن ما لم يعلم، قال: عَلَّمَ الْإِنْسَانَ الإنسان، ربنا سبحانه وتعالى برحمته وحكمته علم الإنسان، البر والفاجر والمؤمن والكافر، الأسباب متاحة والذي سيأخذ بالأسباب ربنا سبحانه وتعالى سيعلَمه، ولكن ما الفرق بين المؤمن والكافر؟ أن الكافر حين يعلمه الله السبب يجحد المسبب وواهب النعم ويقول: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي فقط هذا هو الفرق بين المؤمن والكافر في استقبال نعمة ربنا بالعلم، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ هذه أول كلمات خاطبنا بها ربنا، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ.
ففعل، فلما آمنت الناس قيل لهم: أجزعت أن خالفك ثلاثة؟ أي أنك كنت منزعج أن هناك ثلاثة خرجوا عن الإيمان بك، فهذا العالم كله قد خالفوك، كل الناس آمنوا، حسناً.. ما الحل؟ سنحفر أخاديد، حفر كبيرة، ونضرم فيها النيران، والذي يصر على الإيمان سيلقى به في النار، حسناً، موقف الناس، الذين هم كما نطلق عليهم عموم الناس، ليسوا صفوة مؤمنة أو نخبة، أناس آمنوا الآن من دقائق معدودة، رد الفعل الطبيعي هو التراجع، النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بما هو عكس ذلك وهذا غريب، قالوا لهم أن الذي يرفض التراجع عن دينه سنرميه في هذه النار، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: فجعلوا يتعادون فيها ويتقاذفون، يجرون تجاه النار بأنفسهم، هذا شيء ليس له تفسير، حاول أن تفكر فيه، ربنا سبحانه وتعالى يرزقنا العافية ودوام العافية إن كان أحد منا في هذا الموقف أو كلنا، لن يفعل ذلك أحد، يقيناً لن يفعل ذلك أحد، إن لم نتراجع سنقذف في النار، لن نفعل مثلهم، حسناً.. لماذا يفعلون ذلك؟ الإيمان الذي منّ ربنا عليهم به هم يشعرون أنه أغلى وأعلى من أن يتخلون عنه، رغم أنه إيمان لحظي، لن يستطيعون أن يحيوا بدونه، لن يستطعوا أن يرجعوا خطوة إلى الوراء، لن نقدر أن نكمل الحياة كما كنا من قبل، نحن نتقدم إلى الأمام نبتغي الحياة الجديدة.
الإيمان من الممكن أن يكون لحظياً، وجدًا جدًا عميق، ليس ضروري أن يكون طول الزمن، ولا طول الأمد، ولكن حقيقة الإيمان حينما تستقر في قلب الإنسان.
فهم يرمون أنفسهم ثم أقبلت امرأة ومعها صبي لها صغير، الشفقة والرحمة من الأم على الرضيع فوقفت، وهذه لحظة تردد، فهي كانت سائرة مثل الناس، وستلقي بنفسها مثلما سيلقي الناس أنفسهم، ولكنها تحمل طفل صغير، فمال هذا؟ ولماذا سيذهب هذا هنا؟، تردد لم تكن قادرة على حسمه، تردد لم تكن المرأة قادرة على حسمه، فلما لم تكن قادرة على حسمه أنطق الله الصغير، فقال ( يا أمة اصبري فإنك على الحق) فهنا ما الذي حدث؟ حدث أنها ترددت ووقفت، ولم تكن تستطيع أن تحسم التردد، لم تكن قادرة لتفعل ذلك، فلما لم تكن قادرة، فربنا سبحانه وتعالى لابد أن يتدخل ليعطيها المدد والإعانة، فالرضيع الذي لا يصلح أن يكون متكلمًا، خاطب أمه فقال ( يا أمة اصبري فإنك على الحق) حينئذٍ أصبحت قادرة على أن تحسم التردد، قادرة على أن تتخذ الخطوة التي كانت ينبغي أن تأخذها، فلو لم يحدث هذا؟ لم تكن لتستطيع أن تحسم التردد، ولكنها كانت سائرة في الاتجاه الصحيح، سائرة قدمًا في الاتجاه الصحيح.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر؛ يصور لأصحابه وينقل لهم حدثًا آنيًّا يجري في مكانٍ بعيد، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولًا، فلما كان في بعض الطريق أخذه بعض الغساسنة فقتله، فجهّز صلى الله عليه وسلم جيشًا لكي ينتصر وينتصف لرسوله، فبلغ هذا الجيش من أرض الشام مبلغه، فخرج له جمعٌ من الروم يبلغ مئة ألف، معهم جمعٌ من غساسنة ونصارى العرب يبلغ مئة ألف أخرى، وقد كانوا ثلاثة آلاف رجل.
إذا تكلمنا عن التكافؤ فأنت لا تستطيع أن تقارن، فلا يصلح أن يقف ثلاثة آلاف قبالة مئتين ألف، فتشاوروا بينهم، فترددوا ما بين إقدامٍ وإحجام، فقال لهم عبد الله بن رواحة وهو أحد الثلاثة الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء حينما أرسلهم قال ( على القوم زيد بن حارثة فإن قُتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قُتل فعبد الله بن رواحة، فإن قُتل فليتخير المسلمون بينهم من يؤمروه عليهم) أي وقتها ينظرون من سيختارون ميدانيًّا، ميدانيًّا هم سيختارون بينهم قيادة من بينهم إذا هم احتاجوا لذلك.
فقال عبد الله بن رواحة: يا قوم إن التي تكرهون – أي الموت – للتي خرجتم تطلبون – الشهادة – ، وما نقاتل القوم بعدد ولا قوة ولا كثر وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا على بركة الله فإنما هي إحدى الحسنيين، إما الظر وإما الشهادة، قالوا: صدق والله عبد الله. فهم كانوا مترددين، ثم قال واحد أنتم قلقون من ماذا؟ فلو في النهاية هذا مبتغاكم فلا مشكلة أن تتقدموا، ولا داعي للتردد والإحجام، فهم قد قالوا أن نبعث للنبي صلى الله عليه وسلم، نقول لهم أن العدد كذا، ونرى رأيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرسلهم ليس ليستأصلهم، أرسلهم لمهمة ويحب ويريد أن يفيئوا وأن يعودوا إليه، وهذه نقطة مهمة عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
أبو أمامة الباهلي يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثًا، خرج فيهم فقلت يا رسول الله: ادعُ الله أن يرزقني الشهادة، فقال صلى الله عليه وسلم: أللهم سلمه وغنمه، فعادوا سالمين، ثم بعث بعثًا آخر، فقال أبوأماة أيضًا: ادعُ الله أن يرزقني الشهادة، – أي هذه المرة تصيب – فقال: اللهم سلمه وغنمه، فعادوا سالمين، ثم بعث بعثًا ثالثًا، فخرج فيهم أبوأمامة. فهو يطلب شيئًا، كلما يخرج بعث يخرج ليطلبها، قال: يا رسول الله ادعُ الله أن يرزقني الشهادة، قال: اللهم سلمه وغنمه، فلما عاد؛ قال: يا رسول الله خرجت ثلاث مرار كل مرة أقول لك ادعُ الله أن يرزقني الشهادة، فتقول: اللهم سلمهم وغنمهم، فقد سلمنا وغنمنا يا رسول الله فمرني بعملٍ ألزمه، فقال: عليك بالصيام فإنه لا عدل له. فهو الآن كان يريد الشهادة، وهي لن تأتي،،، فقل لي على شيء أفعله، فقال (عليك بالصيام فإنه لا عدل له)
فابن رواحة حينما قال لهم هذا آثروا الإقدام على الإحجام، لكن نتيجة المعركة متوقعة – طبيعي – مهما كان قدر الشجاعة والجلد، فنتيجة المعركة متوقعة، فحمل زيدٌ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل، فالنبي صلى الله عليه وسلم واقف على المنبر يحكي وهو يبكي، عيناه تذرف الدمع وهو يحكي المشهد الذي أراه له الله من بعيد، والناس جالسون، فهو جمع الناس في المسجد يكلمهم، قال (أخذ الراية زيد فقاتل بها احتى قُتل شهيدًا، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل بها حتى قُتل شهيدًا) ثم سكت، فتغيّر وجوه الأنصار، فمن المفترض أن هذا دور ابن رواحة، فأين هو، فقال (ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قُتل شهيدًا وما يسرهم أنهم عندنا) ثم يقول (فنظرت وقد رفعوا إلى الجنة على سرر من ذهب، فرأيت في سرير عبدالله ازورارًا – تراجع – عن سريري صاحبيه) أي أن زيد بجواره جعفر وبعده بقليل عبدالله بن رواحة، سريره متأخر عن السريرين، (قثلت: مم هذا؟) أي لم حدث هذا؟ (فقيل لي مضوا وتردد عبدالله بعض التردد ثم مضى) وقف قليلًا، من الذي وقف قليلًا؟ الذي وقف قليلًا هو الشخص الذي منذ قليل كان يدعو الناس للإقدام، وهو الذي يدفعهم للأمام، هو هو نفس الشخص، وهو حينما كان يقول لهم هذه الكلمات هل لم يكن مستشعرها تمامًا؟ هل لم يكن مؤمنًا بها غاية الإبمان؟ إن لم يكن شاعرًا بها جدًا لم يكن لهم أن يتأثروا بها جميعًا – الثلاثة آلاف – وأجمعوا أمرهم عليه، لكن الآن في ظل هذا المشهد ورؤيته للقائدين قبله وقد قتّلوا، فزيد قيل أنه ” شاط في رماح القوم ” أي أن الرماح فككته، وجعفر يمينه قطعت ثم شماله، ثم قُتل، فهذه المشاهد، فهو الآن سيأخذ الراية التي ستقع هذه، لابد أن يأخذها، وهو ماسك لها، لكنه حينما مسكها وقف، مسكها وهو واقف على الفرس فوقف، وقف لحظات، لماذا وقف لحظات؟ فهو في النهاية إلى أين سيذهب؟ فهو الآن سيأخذ الراية لماذا؟ سنرجع قليلًا للوراء.
النعمان بن فنحص – رجل من يهود – سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم، ونحن قلنا قبل ذلك عن اليهود بأنهم أناس عجيبة، فهم متعلقون جدًا بكل ما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ويتابعون كل شيء، فهو أتى مع الناس يسمع، فقال لزيد: إن كان محمد نبيًّا حقًّا – إذا كان نبي فعلًا – فإنكم سوف تقتلون فأوصي؛ فإنه ما من نبي – لديهم في علمهم – ما من نبي بعث بعثًا فسمى رجالًا، قال فإن قُتل فلان ففلان، أو سمى عليكم فلان ثم فلان، – طالما أي اسم سيسميه – فإنه سوف يقتل وإن كانوا مئة أصيبوا.
فزيد حينما سمع فقال: إنه لصادق بار صلى الله عليه وسلم،، فالآن عبد الله بن رواحة يعلم ما هو مقدم عليه، هو الموت لا محالة فيأتيه تردده ويأتيه محبة المرء للحياة، ولكنه هنا بخلاف المرأة التي ثبتها الله تعالى برضيعها كان لدى عبدالله من الإيمان ما يثبت به نفسه فجعل يقول مخاطبًا نفسه: أقسمت يا نفس لتنزلنّ، لتنزلنّ أو لتكرهنّ. هو الآن ماذا يفعل؟ هو يعالج حالة التردد الموجودة بداخله، ” إن أجلب الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنة ” هو بماذا يذكرها؟ بالذي ستقدم عليه لكي تستطيع أن تقدم عليه، هذه هي طبيعة النفس الإنسانية؛ فيها الضعف وفيها التردد وفيها التعلق بالدنيا ومحبة الحياة، وهذا سيؤدي إلى التردد – طبيعي – فكيف سيعالج هذا؟ ” قد طال ما قد كنت مطمئنة ” قد مرّ عليك زمان طويل جدًا في السكون والراحة والطمأنينة، يريد أن يقول أن هذا يكفي، ” وهل أنت إلا نطفة في شنة ” في النهاية النفس التي سيقدمها هي لا تساوي شيئًا، هي في النهاية عبارة عن نطفة، هذه النطفة لا تستحق أن يحجز نفسه بها عن الجنة، ثم يقول: أتتوقين إلى فلانة – هو ما الذي يكبله؟ زوجته – أتتوقين إلى فلانة؛ فهي طالق، وإلى فلان وإلى فلانة – العبيد والغالمان الذين لديه يغلون له المال – وإلى معجف – معجف هو بستانه وحديقته التي بها زروعه ونخيله التي يأوى إليها – قال: فهي لله ورسوله.
هو ماذا يفعل الآن؟ هو يكسر الأشياء التي يرجع للوراء بسببها، فهذه الأشياء ليست موجودة، فابن عمه أحضر له عظمة بها قطعة لحم، قال: شد بها صلبك فإنك قد لقيت في أيامك ما لقيت – من المعاناة ومن الضغط – فأخذ منها قطعة ثم سمع صوت الجلبة والقتال، قال: وأنت في الدنيا ثم تقدم.
فنحن الآن أخذنا صورتين من صور التردد، وإن شاء الله الجمعة القادمة سنأخذ الصور العكسية، صورتين من صور التردد، التردد عبارة عن ماذا؟ شخص مقبل على شيء هذا الشيء هو مؤمن أنه ينبغي أن يقدم عليه، ويعتقد أن الصواب أنه يقدم عليه، ولكن تأتي أشياء توقفه، لحظة وقوفه ماذا يحدث؟ نحن قلنا أن هناك لحظة ربنا سبحانه وتعالى تدخل فيها بآية أو معجزة، ولحظة كان مقدار الإيمان المركوز في نفس المرء يكفي أن يزيل به التردد ويحيل الإحجام إلى إقدام، ولكنه كان إلام يحتاج؟ كان محتاج أن يعيد على نفسه لماذا يقف هنا، وماذا يتغيّى؟ وما الذي يكبله ويعرقله ويعطله لكي يحاول أن يعالجه أو يتخلص منه، ولكن هذا لن يتم إلا إذا كان مركوز اليقين الذي في قلبه عالي وكبير، وقلنا أن الشخص الذي كان يشجع الناس ليس مستبعدًا، ليس مستبعدًا، أن الناس الذي شجعهم يقدموا إقدام أعظم من إقدامه، هذا ممكن، فالنموذج يقول أن هذا ممكن، وهذا ليس عيبًا، فهذه طبيعة وهذه نفس، وطبيعة النفس هي الضعف والميل للدنيا والركون إليها، ولكنه سيحاول أن يعالجه، وعندما حاول أن يعالجه ربنا سبحانه وتعالى وفقه ونجح ولكن بعدما نجح؟ النبي صلى الله عليه وسلم يقول أنه رُفع للجنة وعلى سرير من ذهب، فلا أعلى من هذا ولا أعظم من هذا ولا أنعم من هذا، ولكن لحظة التردد حُسبت، كم هو دقيق ميزان ربنا سبحانه وتعالى للغاية، أقدم زيد وجعفر ولم تعترضهم لحظة – لحظة – تردد، لم تعترضهم اللحظة، فلابد أن تظهر، لابد في ميزان ربنا تظهر، إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ميزان ربنا سبحانه وتعالى دقيق إلى هذه الدرجة، أن لحظة التردد حتى لو عولجت لا يصلح أن تتساوى مع الشخص الذي لم يمر بلحظة تردد.
اللهم إنا نسألك علمًا نافعا، وقلبًا خاشعا، ولسانًا ذاكرا، ويقينًا صادقا، ورزقًا طيبًا وعملًا صالحًا متقبلا.
اللهم إنا نسألك علمًا نافعا، وقلبًا خاشعا، ولسانًا ذاكرا، ويقينًا صادقا، ورزقًا طيبًا وعملًا صالحًا متقبلا.
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، ومن سوء القضاء، ومن شماتة الأعداء، ومن عضال الداء، ومن خيبة الرجاء.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحول عافيتك ومن فجأة نقمتك، ومن جميع سخطك يا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحول عافيتك ومن فجأة نقمتك، ومن جميع سخطك يا رب العالمين
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.