إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
سنحاول أن نجري عملية تسويق عقاري عن أربع وحدات سكنية، الأولى شقة في بناية، فيم سأفكّر؟ هل يوجد ترخيص أم لا يوجد ترخيص؟، المساحات، المطلّات، هي في أي دور؟، مجروحة أم غير مجروحة؟، الدور به كم شقة؟، يوجد مصعد واحد أم مصعدين؟، وما مساحتهم؟، وأشياء أخرى، هذه هي الأولى، ثم عندنا ” كمبوند ” ، نفس الأشياء الأولى ولكن سنتكلم بما أننا سنتكلم عن مجموعة أو مجتمع سكني صغير، سنتكلم هل توجد حدائق بالداخل لكي يلعب الأطفال؟، هل توجد مساحات خضراء؟، هل يوجد حمام سباحة أم لا؟، ما أخبار الأمن؟، هل توجد ” عيادة ” أم لا؟.
ثم مجموعة ” فيلل ” : سننقل لمستوى آخر؛ المساحات؟ هل يوجد جراج في كل ” فيلا ” أم لا؟، هل يوجد حمام سباحة في كل ” فيلا ” أم لا؟، مساحة المساحات الخضراء؟ تقسيمات الشوراع كيف هي؟ من الشركة التي ستقوم بالحراسة؟ المولات كيف ستكون؟.
وعندي وحدة رابعة أريد أن أسوق لها ،هل تحتاج إلى تسويق؟ لا تحتاج إلى تسويق، هذه الوحدة هي الشيء الوحيد الذي لا أحتاج أن أصنع له دعاية، ” دي الترب ” ، هل تسمى وحدة سكنية أم لا؟ كل الأشياء السابقة هي وحدات سكنية يسوقون لها عقارياً، ولكن هذه لا تسوق عقارياً، وأريد أن أسوقها عقارياً، ماذا سأقول؟ التهوية؟ الإضاءه؟ كم تبلغ مساحتها؟ مُقام الإنسان بهذه الوحدة السكنية بالمقارنة بالوحدات السكنية الأخرى، أعيش هنا أطول أم أعيش هنا أطول؟ سأقضي من عمري هنا فترة أكبر؟ أم سأقضي هنا فترة أكبر؟ أنا أفعل كل هذا لكي أعيش بشكل أفضل، ما الذي أفعله كي أعيش بشكل أفضل في هذه الوحدة السكنية؟، هذه نعرفها جيداً وكلنا نؤمن بها ولكننا نحتاج أن نفكر فيها بشكل واقعي أكبر، ما الذي يجعلنا ننسى هذا الأمر أو نتجاهله؟، وما أثر التجاهل علينا؟.
نحن الآن عندنا وحدة سكنية دائمة ووحدة سكنية مؤقتة، الوحدة السكنية الدائمة نوعين ربنا سبحانه وتعالى ذكرهم، الجنة والنار لا يوجد شيء آخر، هذه الوحدة السكنية التى لا حول عنها، لا ينتقل الإنسان عنها لمكان آخر وسيعيش فيها دائماً، وهناك وحدات سكنية مؤقتة، أصلاب الآباء، أرحام الأمهات، دور الدنيا، ودار البرزغ، الأولى تأخذ وقتاً كبيراً ولكنها ليست مدركة، والثانية قصير وقتها ولكننا نفهمها، والثالثة التى تشغلنا كلنا، والرابعة نتجاهل التفكير فيها، لماذا؟ ما الذي يجعل الإنسان لا يفكر ما الذي سيفعله في الوحدة السكنية الرابعة؟، الانتقال لها ضرورى لا ينفك عنه أحد.
سليمان بن عبد الملك الخليفة يسأل أبو حازم الأعرج، قال: يا أبا حازم مالنا نكره الموت؟، نحن قلنا قبل ذلك أن كل إنسان بطبيعته يحب الحياة ويكره الموت، فالشيطان لما أحب أن يغوي آدم عليه السلام دخل من مدخل حب الحياة وكراهية الموت، ربنا سبحانه وتعالى لما منّ على آدم بالجنة هو لم يكلمه عن الموت، ولكن الشيطان دخل من هذه النقطة، القلق، قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى، الخلد، أن يستمر بلا انقطاع، النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة: يا رسول الله كلنا نكره الموت، الإنسان بطبيعته يحب الحياة، فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال أن العبد المؤمن إذا بشر بمغفرة الله سبحانه وتعالى أحب أن يلقى ربه فأحب الله أن يلقاه، والإنسان غير المؤمن إذا أخبر بما أعد له نسأل الله السلامة والعافية كره أن يقدم على ذلك فكره لقاء الله فكره الله لقاءه، فهي تقول رضي الله عنها يا رسول الله كلنا نكره الموت، لا يوجد أحد يريد الموت، لكن حقيقةً هذا الموت ” أد ايه بيمثل من عمر الإنسان؟ ” الإنسان إذا فارقت روحه جسده تستمر فترة وجيزة في هذا الفراق ثم حالما يوضع الإنسان في قبره تعاد إليه روحه، وإذا رجعت روحه؟ أحي هو أم ميت؟ حي، إذاً الموت هو حالة من حالات مفارقة الروح للبدن، وهذه تتمثل في الفترة بين خروج الروح وصعودها، صعدت إلى السماء، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من هؤلاء، أو عياذاً بالله ردت، في الحالتين سترجع إلى القبر فإذا رجعت للبدن في القبر استمرت الحياة، فإذا أذن الله بقيام القيامة مات الخلائق أجمعون ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، إذاً من رفع الروح وعودتها وما بين النفختين هذا هو الموت، والباقي كله حياة، فإذاً الإنسان ينتقل من صورة من صور الحياة إلى صورة أخرى من صور الحياة، ربنا سبحانه وتعالى بيقول وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الحياة الحقيقية، فإذاً نحن مستغرقين في الحياة الدنيا تماماً، وهناك حياة أطول منها كثيراً وأخطر منها كثيراً في البرزخ ولكننا لا نريد أن نركز عليها، وهناك حياة أطول وأعظم وأخطر في الآخرة وهذه تمثل المآل النهائي للإنسان.
الدار الآخرة ربنا سبحانه وتعالى أعد فيها مسكن لكل إنسان في الجنة وأعد مسكن لكل إنسان في النار، فإذا أطاع الناس كلهم الله سبحانه وتعالى ” هو معمول حسابهم بالوحدات السكانية بتاعتهم هنا ” ولو أن كل الناس عصت ربنا عياذاً بالله ” كلهم معمول حسابهم هناك ” ، فالإنسان له مكان هنا وله مكان هنا، كل إنسان له مكان هنا وله مكان هنا، وربنا سبحانه وتعالى وعد هذه أن يملأها ووعد هذه أن يملأها، وكل واحدة تطلب وعدها، فالنار يغلقها الله سبحانه وتعالى على أهلها، والجنة يخلق الله سبحانه وتعالى خلقاً فيملأ بهم المساحات الفارغة في الجنة، وهي المساحات الأكبر لأنه للأسف نسال الله السلامة والعافية نسبة الناس التي في الشمال بالنسبة لنسبة الناس التي في اليمين، هنا ثلاث تسعات وهنا واحد، هنا الفراغ كبير، كبير، كبير جداً.
نرجع للوحدة الرابعة، أين المشكلة؟، وكيف نصنع؟، سليمان يسأل أبو حازم فيقول له: لماذا نكره الموت؟ بمعنى أننا لماذا نكره لقاء الله؟ فيقول له لأنكم عمرتم هذه وخربتم هذه فلا يوجد شخص عاقل يحب أن ينتقل من العمران إلى الخراب، في الدنيا متعلق الإنسان.. والآخرة؟ في دائرة النسيان، لا يوجد إنسان ينتقل من المكان الذي وضع فيه كل استثماراته لمكان لا يضع فيه مليماً واحداً ” هيروح هناك يعمل إيه؟ ” ، أبو ذر رضي الله عنه دخل عليه رجل ليزوره في بيته فوجد أن متاع بيته قليل قال: يا أبا ذر أين متاعك؟ قال: إن لنا بيتاً ننقل إليه صالح متاعنا، لنا بيت آخر فنحن ننقل متاعنا من هنا إلى هناك، هذا الرجل هل أدرك ما يريد أن يقوله أبا ذر؟ نحن لا نتكلم في زماننا هذا، نتكلم هنا عن تابعي يكلم صحابياً في هذه الفترة الزمنية التى لم يحصل فيها هذه الفجوة الثقافية الكبيرة، فهو يكلمه والرجل لم يفهم المغزى، وأبو ذر لم يفهمه المعنى أصلاً، قال له: لابد لك من متاع ما دمت هاهنا، فأنت لم تعزل بعد، فهذه الفترة القصيرة التي ستبقى فيها هنا تحتاج أن يكون لديك متاعاً أكبر من ذلك، قال: إن صاحب الدار لا يتركنا هاهنا ” صاحب الشقة هيخدها ” فبدلاً من أن أبعثر المتاع وأرهق نفسي بحمل المتاع الثقيل، أبقي المتاع الخفيف كي أستطيع نقله بسهوله وأنقله سريعاً أيضاً.
فإذاً كي يعد الإنسان لذلك يحتاج عدة أمور، أولاً يحتاج العلم ،فالإنسان من حين ما تخرج روحه إلى أن يقلى الله تبارك وتعالى، كيف يكون شكل الحياة بعد ذلك؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى للمؤمنين بشكل تفصيلي ما الذي سيحدث بالضبط في كل جزيئة، هذا العلم.. ما أهميته؟ ما فائدته للإنسان، فالإنسان يحس بأهمية الشيء أو بخطورته أو بقيمته على مقدار علمه به، ولذلك قال ربنا سبحانه وتعالى وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وصفهم بعدم العلم، وبعدما وصفهم بعدم العلم أثبت لهم علماً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ هؤلاء الذين لا يعلمون.. ما وصفهم؟ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ” لازم العلم ” ، لما تأتي الملائكة لقبض روح الإنسان ماذا يحدث؟ الإنسان لما يوضع في هذا المكان سيسأل وسيحاسب وهناك أشياء سيجني ثمرتها وأشياء أخرى سيدفع فتورتها، حسناً ما الذي يمكن أن أجني ثمرته وما الذي أخاف أن أدفع فتورته؟، يجب أن يكون لدي علم بهذا، عندي إدراك له، هذا شيء، حسناً، هل العلم وحده يكفي؟ لا، حضور العلم، هناك أشياء كثيرة نعرفها ولكننا ننساها أو نغفل عنها أو نتناساها، فالعلم الحقيقي العلم الحاضر في قلب الإنسان، يؤثر في العمل والسلوك، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى يكررعلينا دائماً المعاني الإيمانية الأساسية التى يلزم علينا أن لا ننساها، فالإنسان أما أن يكون مؤمناً حقيقاً بالإيمان وأما أن يكون غير مؤمن.
قلنا قبل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يقول؟ يقول أن مثله ومثل الناس، وقسمهم قسمين، قسمين فقط، كمثل رجل أتى قوماً فقال رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان فالنجا النجاء ” يا جماعة الخطر وشيك ويلا عشان نلحق ” ، الفرار الفرار، قال إن الناس قسمين، قال: فَأَطَاعَتْهُ طَائِفَةٌ فَأَدْلَجُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْهُ طَائِفَةٌ فَصَبَّحَهُمُ العدو فَاجْتَاحَهُمْ، قسمين، اثنين فقط، فيقول أن الناس إزاء هذا الكلام قسمان، أناس لم يقل صدّقوه بل قال أطاعوه لآن التصديق يساوي الطاعة، نحن نصدق أن الكلام صحيح، نصدق أن هناك خطراً، ماذا سنفعل؟ نهرب لأنه ليس هناك وقت، والطائفة الأخرى؟ كذبته، هو لا يصدق ولا يقول الحقيقة، فصبحهم العدو فاجتاحهم، هذا شيء طبيعي، حسناً، وماذا عنا؟ نحن نطبق صورة ليست موجودة في الحديث، نصدق ولكننا لا نطيع، نقول أن هذا الكلام مضبوط ولكننا لا نعمل به، نقول أن هذه حقائق ولكننا لا نتأثر بها، هذا ليس موجوداً، النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صورتين، أناس يطيعون، وأناس يكذبون، فالذي صدق أطاع، والذي لم يصدق لم ينفذ، فنحن إذا كنا مصدقين فيجب علينا أن نأخذ موقفاً، أخطر شيء أن التوقيت ليس في صالحنا، لا يوجد أحد يعرف متى سيغادر، لا يوجد أحد يعرف متى سيقابل ربنا تبارك وتعالى قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ” حاجة احنا بنهرب منها والحتة اللى احنا بنهرب فيها اللى شايفين إن هي بتبعدنا بنلاقيه في وشنا ” ربنا هو الذي يقول ذلك تَفِرُّونَ مِنْهُ نحن نتخيله أنه هنا ونهرب منه، ونحن نهرب يقابلنا، وماذا بعد ذلك؟ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين، عمرو بن عثمان الملقب بسيبويه، إمام النحو المشهور، قدم من البصرة إلى بغداد حاضرة الخلافة ووقعت بينه وبين الكسائي إمام النحو ومعلم ومؤدب أولاد الخليفة الذي هو هارون الرشيد، وقعت بينهما مناظرة في مجلس الراشيد، فلما اختلفوا احتاجوا إلى المرجح فالكسائي قال أننا نتحاكم إلى الأعراب لأنهم أهل اللسان، أهل اللغة ،وكان قد أوقفهم بالخارج، فدخلوا، فلما استشهدهم شهدوا له، إما أن يكون كلامه أرجح وإما لأنه مؤدب أولاد الخليفة وبالتالي له مكانة عند الخليفة وبالتالي إذا احتاجوا شيئاً فهو الأولى، أما الثاني فهو من البصرة ولا نعرفه، فنحن مع الرجل الذي نعرفه والذي له وضعية ومكانة هنا، فلما حصل ذلك أصاب سيبويه الغم والهم وخرج من بغداد ولا يستطيع أن يرجع إلى البصرة لأن صورته ووضعه قد اهتز يريد أن يذهب إلى مكان بعيد ليس مشهوراً به، فسأل من من الأمراء يهتم بالعلم والنحو واللغة؟، فقالوا له طلحة بن طاهر أمير خرسان، هذا طلبك، هذا الذي تبحث عنه، فهو خارج من بغداد ذاهب إلى هناك، ثم وصل عند بحيرة ساوة في بلاد فارس فالهم والغم والكدر الذي ضغط عليه أفسده فمرض مرضاً شديداً وأشرف على الموت ،أربعة وثلاثون عاماً !، وحينما كان يجود بنفسه، حينما كان يحتضر ماذا يقول؟ يقول:
يُؤَمِّل دنيا لتبقي لـه فمات المؤمِّـلُ قبل الأمـلْ
حثيثًا يروِّي أصولَ النخيل فعاش الفسيلُ ومات الرجلْ
نبته النخل التي زرعها لكي يجني ثمرتها بعد سنوات هي عاشت ولكنه لم يراها، هذا هو الإنسان، يُؤَمِّل دنيا لتبقي لـه فمات المؤمِّـلُ قبل الأمـلْ، حثيثًا يدأب ويجتهد، حثيثًا يروِّي أصولَ النخيل فعاش الفسيلُ ومات الرجلْ، ولكنه الحمد لله أن خلف وراءه كتاباً وإلا إن لم يكن هناك كتاب لكان قد ضاع كل شيء.
الخلاصة، نحن الآن لدينا وحدة، كيف نريدها؟ هذا المكان بالطبيعة الدنيوية هو مكان ضيق مظلم موحش، هناك أشياء توسعه وأشياء أخرى تنيره وهذه الأشياء في أيدينا، في أيدينا اليوم لن تكون في أيدينا غداً فضلاً عن بعد غد، اليوم، نحن بطبيعتنا نأنس بالناس ونستوحش أن نكون وحدنا، سيأتي وقت طويل سأصبح مضطراً لأن أبقى وحيداً، إن لم يكن هناك قرآن أو ذكر يؤنسني هناك لن يكون هناك مؤنس، إن لم يكن هناك إيمان وصلاة تنير هذا المكان لن ينير، خلاصة الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن العبد المؤمن إذا صار مقبولاً في السماء وارتفعت روحه إلى الله ماذا يقول ربنا سبحانه وتعالى؟ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ وَيُوسع لَهُ فِي قَبْرِه مَدَّ بَصَرِهِ، فإذاً هناك أمور نراها وهناك أمور أخرى لا نراها، الذي نراه هذا القبر بهذه المساحة التي نعرفها، حسناً، إذا كان الإنسان مؤمناً واجتاز اختباره، من ربك؟ وما دينك؟ وما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟، إذا اجتاز اختباره، هذا المكان سيصبح واسعاً جداً ومنيراً جداً ويأتي أثاثه ومتاعه من الجنة، ثم ماذا؟ سيأتي له رفيق، حسن الوجه حسن الثياب طيب الرائحة فيقول له من أنت؟ فوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ قال: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، والعكس تماماً في الصورة الأخرى، صورة والعياذ بالله مظلمة، ولكننا سنركز على الصورة البيضاء لأننا نريد أن ” نمشي في الأبيض ” ، ويجب أن نعلم أن الذي سيخسر الطريق الأبيض ليس له إلا الأسود ” مفيش لون في النص، اللى هيخسر الأبيض مقدمهوش إلا التاني ” فالإنسان المؤمن إذا حقق إيمانه، صدق إيمانه كانت هذه الوحدة السكنية أنعم ما تكون له.
حسناً، جسد الإنسان يبلى في القبر، هذا ما نراه، وبعد فترة لا يبقى منه شيء، بقايا عظام وفقط، فأين الكائن الذي كان موجوداً؟ ” مش موجود، كله مش موجود؟ لأ جسده مش موجود ” ، ولذلك قلنا قبل ذلك أن الأصل في الإنسان الروح وهذا الجسد عبارة عن إطار وفقط، إطار فقط، الذي يعمل في الدنيا كي ينعم الإطار وكي يخدم الإطار قطعاً هو ليس بعاقل لأن هذا الإطار بعد مدة سوف يبلى، سيتفتت، سيدوب، سيتآكل كله، إنما هي الروح، هذه الروح هي أصل الإنسان، وتأخذ أشكالاً، نحن قلنا أن أول صورة كان الإنسان يأخذ شكلاً مثل النملة، أمثال الذر، كل الناس كانوا مع بعضهم جميعاً ثم أخذ الله سبحانه وتعالى علينا العهد أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى فهذه الروح كانت موجودة وكانت مخلوقة في صلب آدم، ثم بعد ذلك في الرحم تأخذ شكلاً يتطور ثم عندما تخرج للدنيا تأخذ شكلاً يتطور ” ويعلى ويوطا ” اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير ثم بعد ذلك سيذهب وستبقى هذه الروح منعمة أو معذبة عياذاً بالله، ثم في الآخرة تأخذ شكلاً آخر، تأخذ صورة أخرى سواءً لأهل الجنة أو لأهل النار، فحقيقة الإنسان الروح وكلما يغذي روح الإنسان هذا ما يغذي حقيقة الإنسان، الجسد تابع، حسناً، ومن يعمل حياته كلها لتنعيم الجسد وإشقاء الروح؟ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى حسناً، ما الشيء الذي يوقف الإنسان؟، ما الشيء الذي يمنعه؟، وما الحاجز الذي يحجزه؟، كما قلنا سابقاً، نحن مستغرقين في حياتنا الدنيوية، لا يوجد في دماغنا جزء نفكر فيه بمستقبلنا، نحن دائماً نستخدمها ولكننا لا نستخدمها بالشكل الصحيح، أن المفترض أن يعمل الإنسان لمستقبله، يجب أن يخطط ليوم غد، يجب أن يرتب للمستقبل، هذا شيء حقيقي ومفهوم ومضبوط، ولكن هذا المستقبل إلى أين يقف؟ هل هذا المستقبل هو المستقبل الدنيوي فقط؟ وهل هذا هو حقيقة المستقبل؟ أم هناك مستقبل آخر ممتد يجب أن نخطط له ” ونعمل حسابنا له “؟ وهذا هو الفرق الحقيقي بين العاقل فعلاً والغير عاقل، النبي صلى الله عليه وسلم يسأله رجل من الأنصار، قال: يا رسول الله من أكيس الناس؟ من أكثر الناس عقلاً وفطنة؟ قال: أَكْثَرَهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ، وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَادًا له، من الذي تصفه بأنه إنسان عاقل ويفهم و ” دماغة عليه “؟ النبي صلى الله عليه وسلم يجاوب، أَكْثَرَهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ، وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَادًا له، فإذاً ذكر الموت ليس للنكد، نحن قلنا أنه في الحقيقة ليس هناك موت، هذه انتقلات من أحوال لأحوال، من حياة لحياة، من وحدة سكنية لوحدة سكنية أخرى أخطر وأخطر وأخطر، ليس هناك موت، هي أحوال وأحوال.
فإذاً الناس العاقلة هي التي تفكر بالمستقبل وتعمل للمستقبل، ولذلك يوصي فيقول: أكثروا من ذكر هاذم اللذات، النبي صلى الله عليه وسلم يوصي، هاذم أي يقطع، الإنسان مستغرق في شهوات وفي متع وأمل طويل ليس له آخر، إذا تذكر أنه سينتقل من هنا يبدأ في تغيير أفكاره، رؤيته تتغير، استرساله مع التمتع ” يتقص ” ، هذه وصايا إما أن نقبلها وإما أن نرفضها، يجب أن نتقبل المنة، قلنا هذا الكلام كثيراً، الرسالة والرسول منة عظيمة وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ يجب أن نقبل كلامه، يجب أن نقبل كلامة، يجب أن نشكر الرسالة، هذه نعمة لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ يطهرهم ويغسلهم وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ثم وإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ المشقة تتعبه وتؤلمه مع أنها لا تقع عليه بل علينا حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، يجب أن نقبل كلامه، يجب أن نعظم كلامه، يجب أن نشكر النعمة مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى لا يوجد شيء من عنده إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى، هو يوصي بذلك، انظر إلى الأمام، انظر للمستقبل، المستقبل الحقيقي، ليس هناك داع أن تستنزفنا الدنيا أكثر من ذلك خصوصاً أننا لا نجني شيئاً، نحن نشتري الهوى، لا نجني شيئاً، لسنا كهؤلاء الذين يملكون دنيا واسعة تشغلهم ” مفيش حاجة أصلاً، أصلاً مفيش حاجة ” فنحن لا يجب أن نكون مثل الذين وصفهم ربنا سبحانه وتعالى فقال خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ.
نحن قلنا في الخطبة قبل الماضية أن من كان همه الآخرة لا يقلق، ربنا لم يدعو الناس أن يهملوا الدنيا، لا، دعاههم أن يضعوا الآخرة أمامهم لكي تضبط لهم الدنيا وتجعلهم يمشون في الدنيا بشكل صحيح، النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن، يقول أن من كان همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، جمع له شمله، أتته الدنيا وهي راغمة، ثلاثة أشياء، من كان تفكيره في مرضاة الله سبحانه وتعالى والجنة، من كان تفكيره في لقاء الله سبحانه وتعالى لم يقل أنه سيضيع، بالعكس، يقول أن أول شيء هناك طمأنينة نفسية، غناه في قلبه، جمع له شمله ” دنيته مش متشتته ” ونصيبه من الدنيا محفوظ، وأتته الدنيا وهي راغمة، حسناً، ومن يهمل ذلك ويجعل الفانية هي الهم، هي الشغل الشاغل لا يفكر إلا بها؟ جعل الله فقره بين عينيه، قلق دائماً، قلق دائماً مهما كان عظم ما يملك، قلق دائماً، فقره بين عينيه، هاجس الفقر أمامه، وفرق عليه شمله، التشتيت وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا وبعد ذلك؟ ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له.
اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك.
اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.