الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمد عبده ورسوله خاتم الأنبياء وصفوة المرسلين؛ صلى الله عليه وعلى وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان الي يوم الدين ثم أما بعد:
يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبه يوما قصة عن رجلين من أمة قد خلت، فيحكي أن رجلا احتاج الي مال في تجارة فأتى الي آخر يستقرضه وكان هذا الرجل لا يقرض أحدا إلا بضمان، فإذا رجل يريد قرضا اشترط عليه ضمينا أو كفيلا بحيث إذا تعذر الرجل أو ماطل عاد على هذا الكفيل بحقه فلا يضيع له حق، فأتاه الرجل يريد منه مالا فقال: ” ائتني بالشهداء أشهدهم “، فأجابه المستقرض فقال: ” كفى بالله شهيدا “، فسكت، قال: ” فأتني بالكفيل “، هذا هو الشرط الذي يشترطه، فقال له: ” كفى بالله كفيلا “، قال: ” صدقت “.
فدفع اليه المال من غير إشهاد ومن غير ضمان على أجل مسمى، في معاد معين لكي يرجع المال. فخرج الرجل بالمال في تجارته فركب البحر فقضى بهذا المال حاجته. استقرض ألف دينار، جرام الذهب في يومنا هذا حوالي 600 جنيه، أي تقريبا 2 مليون و550 ألف.
فلما حل الأجل وأراد الرجل أن يعيد أمانته فلم يتيسر له مركب يعود فيه الى الرجل في الأجل فاجتهد في طلب ذلك فلم يجد فأخذ خشبة فنقرها فوضع فيها المال، يضع ألف دينار أي 4 كيلو وربع ذهب، ثم زجج عليها، أي أعادها كما كانت وأحكم إغلاقها كي لا يسقط منها المال وكتب ورقة وضعها مع هذا المال وقال فيها: ” من فلان – اسمه – الي فلان – اسم من اقترض منه المال – ،قد دفعت مالك الى وكيلي الذي قد توكل بي على أن يؤديه لك ” . ثم وضع المال والرسالة في الخشبة ودفعها في الماء وبدأ يبحث عن مركب ليعود للديار.
وهو يدفع الخشبة في المياه قال: ” اللهم إني استقرضت من فلان مالا فطالبني بالشهداء فقلت له كفى بالله شهيدا وقد رضي بك وطالبني بالكفيل فقلت كفى بالله كفيلا وقد رضي بك وقد جهدت أن أجد مركبا لأعيد له ماله في أجله فلم أقدر عليه، فاللهم إني أستودعك إياه “. ثم دفع الخشبة.
أما الرجل الآخر فقد حان أجل القرض وظاهر الأمر أنه كان في حاجة الى المال، ولم يكن كذلك ساعة القرض بالتأكيد، ونستشعر هذا لأنه لما جاء الأجل وفات وتأخر الرجل، ذهب الى الساحل ينتظر عودة الرجل بالدين أو أن يبعث أحد به فلم يجد، ثم عاد مرة أخرى، فقال وهو جالس على الساحل منتظرا: ” اللهم أخلفني وإنما أعطيته لك ” أي من المعتاد أن أشترط على المقترض ولكنه جعلك الكفيل فأعطيته المال.
فوجد خشبة تأتي ناحيته فأخذها وقال: ” أجعلها حطبا “، يستخدمها في التدفئة أو في الموقد، وعندما قام بنشرها وتقطيعها وجد المال والرسالة.
ثم بعد فترة ليست بالطويلة أتى الرجل المدين واعتذر له بسبب عدم قدرته على إيجاد مركب ليعود إليه في الميعاد ثم أعطاه المال، فقال له: ” ألم تبعث لي شيئا من قبل؟ ” قال: ” لا أنا لم أجد رجلا ولا رسولا كي أبعثه فخذ مالك “، قال: ” قد أدى الله عنك فعد بمالك سالما غانما “.
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يروي هذه القصة للصحابة، لماذا؟
أولا، الشخص الذي يريد أن يؤدي الأمانة في الأجل لو تعذر عليه ذلك وقد أخذ بأسبابه، أيلزمه شيء؟ أمام الله هل عليه أية مسئولية؟ هو قد حاول فعلا أن يجد مركب ليعود للرجل فلم يجد. فأولا هو ليس عليه مسئولية تجاه العهد الذي تعهد به أمام الله سبحانه وتعالى أو تجاه صاحب الدين، الانسان يتقى الله سبحانه وتعالى قدر وسعه واستطاعته، فليس عليه شيء، لكن لأنه جعل الأمر في كفالة الله تبارك وتعالى صعب عليه أن يأتي الموعد ولا يعيد المال لصاحبه. هو قد أخذ المال ليس لحاجة شخصية ملحة رغم أنه قدر كبير من المال ولكنه أخذه للتجارة عبر البحر وهو مبلغ كبير والرجل الذي اقترض منه لم يطلب كفالة ولا شراكة، بالرغم أنه من الطبيعي عندما يقرض أحد آخر مبلغ كبير ليقوم به بالتجارة – ولن يطلب منه إعادة القرض بزيادة تجنبا للخطأ وما يسخط الله تبارك وتعالى – أن على الأقل يكون شريكا له بنسبة، ولكن هذا الرجل لم يفكر هكذا. فهو عنده من السعة أن يقرضه فلم يطلب منه فقط غير ضمان للمال، شخص موثوق مؤتمن مليء أي غني يستطيع أن يسدد القرض في إذا تعذر الشخص، فقط هذا هو ما طلبه. فلما قال له كفى بالله كفيلا، أي أن الله هو الذي سيضمن هذا المال، لم يستطع أن يكمل، كان ممكنا أن يقول له أن هذا هو النظام الذي يتبعه في مثل هذه الأحوال، ولكنه لم يقل هذا بل قال صدقت. فهو قد وضع المال في ضمان الله. أما الرجل الذي أخذ القرض والذي يعلم أن من اقترض منه قد قبل على جعل المال في ضمان الله وليس في ضمان عبد، كان من الصعب عليه ألا يفي الرجل حقه في الميعاد والأجل المحدد، وهو ذات الوقت لا يجد طريقة ليعيد المال، فلجأ للكفيل الضمين سبحانه وتعالى ثقة في الله أنه سيرد المال لصاحبه.
4 كيلو وربع في خشبة، مبدئيا هل تغطس أم تطفو؟ قالوا في المدرسة بالقوانين الطبيعية أنها ستغطس، ولكنها لن تغطس لأن الله سيوصلها اليه.
ثم هي مجرد خشبة في البحر، و لكنها تسير في خط سير محدد محفوظ لكي تصل للرجل الناحية الأخرى، الطبيعى إن لم تغطس أن تتقاذفها الأمواج يمينا ويسارا وتضيع.
قال الله سبحانه وتعالى: … فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ …. بغض النظر إذا كان البحر أمانا أم لا، إذا هي ألقته في النيل ثم …فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ … المياه التي تحمل التابوت مأمورة أن تحمله وتضعه أمام باب بيت معين كما أن أم موسى كانت مأمورة بإلقاء موسى في اليم،فاليم يعلم بدقة ما عليه أن يفعله من إنفاذ لأمر الله سبحانه وتعالى، لأن من سيقف عنده التابوت سوف يأخذ موسى …. فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ….
فهي سوف تلقيه ثم يقوم اليم بدوره ثم سيأخذه صاحب هذا البيت ويربيه عنده في البيت.
فالخشبة ستأخذ الأمانة وتمشي بها في المسير الذي حدده الله كي تقف أمام بني آدم ليس من الطبيعى أن يكون متواجدا في هذا المكان في هذه اللحظة الزمنية، هي ممكن أن تأتي في وقت آخر قبل قدوم الرجل أو بعد ذهابه، ولكنها ستذهب اليه وتلفت انتباهه ويوقع ربنا في قلبه أن يأخذها معه للمنزل ليستخدمها في أي شيء.
وهذه قطعة الخشبة، لماذا تلفت انتباه المرء خاصة وهو مشغول؟ ولكنه يأخذها ويجد أن الله سبحانه وتعالى الذي كان يناجيه قبل قليل ويقول: ” اللهم قد أخلفني وقد أعطيته لك “، قد ساق المال اليه بداخلها.
هذه هي الكفالة وبداخلها قانون الكفالة ” قد دفعت المال لوكيلي الذي توكل بي “.
اما الرجل الذي وضعها في البحر فكان يقول ساعتها ” اللهم اني أستودعك اياها ” يضع الوديعة عند الله سبحانه وتعالى، فالوديعة – بعيداً عن النظام المصرفي – أي تترك شيئا ما عند شخص تأتمنه كي يحفظها كما هي، على حالها بأرقامها بمحفظتها، أما القرض أن آخذ هذه الأمانة وأتصرف بها وأنا أضمنها. فالوديعة لا يلمسها أحد حتى يستدردها مرة أخرى صاحبها على وضعها تماما. فهذا الرجل وضع هذه الوديعة عند الله سبحانه وتعالى، الشخص الذي أودع الله وديعة، ماذا سوف يفعل الله سبحانه وتعالى بهذه الوديعة؟، هو وضع المال في الخشبة وأكمل محاولته وأخذ بالأسباب لكي يعيد للرجل ماله، وفعلا عاد للرجل بالمال مما يعني أنه ربح جيدا في تجارته، فهو وضع ألف دينار في الخشبة وجاء بألف أخرى، قد رزقه ربنا سبحانه وتعالى رزقاً حسناً، فأتى بالمال، هل هناك أي شيء يقول أنني وجدت خشبة؟ والمنطقي أنني لن أجدها، الرجل وثق في ربنا سبحانه وتعالى وأراح ضميره أنه لن يتأخر عن الرجل أكثر من ذلك، لكن الأمر الطبيعي أنه لم يصله شيء، والشيء الغير طبيعي أن يجلس ويجد هذه الخشبة أتت له ويأخذها ليصنع بها وقوداً للفرن فيفتحها فيجد المال فيها، هذا ليس الأمر الطبيعي والمنطقي، ولم يبني على ذلك، فقد أتي بالمال المطلوب ليعطيه للرجل، هل هناك شيء يقول أنك وجدت المال؟ الطبيعي أن أقول له حين يأتي: ماذا حل بك؟ لقد تأخرت كثيراً ” ماشي يا عم مش هاخد منك غرامة تأخير، بس الأول أبهدله وبعدين هاخد منه الفلوس، وأقوله دا كلام يا راجل، يعني أنا ماخدتش منك كفيل ولا ضمين تقوم لاطش الفلوس ! على العموم ماشي يا عم جزاك الله كل خير ” هذا الأمر الطبيعي الذي سيحدث، ليس هناك دليل أنني وجدت المال أصلاً، لذلك يقول سيدنا أبو هريرة أن الصحابة كانوا يجلسون يتساءلون فيما بينهم من فيهم أأمن من الآخر؟ من منهم أرقى؟ الرجل الذي وضع المال في الخشبة أم الرجل الذي قال له أن الخشبة فد وصلت؟، فقال له: ألم ترسل إلي شيء قبل ذلك؟ قال له: لا.. لأنني لن أجد مركباً أركب فيه، فقال له: فالمال الذي أرسلته قد وصل، لأن الذي أودعت إليه المال وأنا جعلته الوكيل قد قام بالكفالة وحفظ الوديعة.
أقول قولي هذا واستغفر الله.
الحمد لله رب العالمين، سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه وعن أبيه، يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول أن لقمان الحكيم كان يقول: إن الله تعالى إذا استودع شيئاً حفظه، لا يضع أحد وديعة عند ربنا فيضيعها الله، من يريد أن يحفظ شيئاً أو يحافظ على شيء أو يحمي شيء فليضعها عند من لا تضيع عنده الودائع، إن الله تعالى إذا استودع شيئاً حفظه.
حسناً، ماذا كان يضع النبي صلى الله عليه وسلم من الودائع؟ نحن نعلم من السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محل الأمن والائتمان في قريش، وأنه الأمين، وهذا ما يشتهر به، وهذا أمر طبيعي، ولكن الأمر الغريب أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من البيت ويحاصره أناس كثيرون لكي يقتلوه، يأمر ابن عمه أن يعطي للذين يقفون في الخارج أموالهم حين يغادر، فأموالهم مازالت موجودة، بعد سنين طويلة من المناوؤة والعداء وإتهامات بالسحر والكذب والشعر والكهانة والجنون، الأموال مازالت موجودة، مازالت موجودة رغم العداء الشديد والرمي بالضلال والباطل وكل أنواع المحادة، الأموال مازالت موجودة، حتى هذه اللحظة لم يأتمنوا أحداً غيره، حتى هذه اللحظة لم يأتمنوا أحداً آخر، وهو خارج يقول له هذا مال فلان وهذا مال فلان، أعط لكل واحد منهم ماله ثم اتبعني إلى المدينة، أعط لكل واحد ماله، للذين يقفون بالخارج، حسناً، والذين هم في الخارج هل يخافون على أموالهم؟ لا.
حسناً، وحينما كان يسافر أحد .. ماذا كان يقول له النبي صلى الله عليه وسلم؟ يسلم عليه ويودعه ويقول له: استودع الله دينك ،وأمانتك ،وخواتيم عملك، ما الودائع التي كان يستودعها لله؟ شخص مسافر فالنبي صلى الله عليه وسلم حريص عليه ويريد أن يحفظه الله فيريد أن يضع هذا الشخص وديعة عند ربنا، ما الودائع التي يريد أن يحفظها الله؟ ثلاثة أشياء، الدين، الأمانة، خواتيم العمل، أهم شيء أن يحفظ ربنا على الإنسان الدين، يحفظ فيه الأمانة فلا ينقضها ولا يخل بها، يوفي بالأمانة التي ائتمنه ربنا عليها، مع ربنا ومع نفسه ومع الناس، هذه هي أصل الرسالة إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، وخواتيم العمل، أن يختم الله سبحانه وتعالى أعماله بالخير ولا يرده على عقبيه، ويحفظه فيما يبقى كما قد حفظه فيما مضى، وكان يقول أحياناً ما هو أعم من ذلك، يقول: استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ” على بعضك كده.. كل حاجة، الجثة بالدين بالخلق بالأمانة ” ، استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، لا توجد وديعة يستودعها الإنسان عند ربنا سبحانه وتعالى وتضيع، المعاملة مع الله سبحانه وتعالى هي الحاجة الوحيدة المطمئنة التي ترتكن عليها وتثق فيها، ليس شيء آخر، الشيء الوحيد الذي ترتكن عليه وتثق فيه ثقة لا نهائية أن تتعامل مع ربنا سبحانه وتعالى، ربنا سبحانه وتعالى إذا أودع وديعة حفظها، إذا استودع شيئاً بارك فيه، هذه هي الرسالة.
الجملة الآخيرة، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن العبد إذا أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه، وإذا أخذها يريد إتلافها أتلفه الله، إن العبد إذا أخذ أموال الناس يريد أدائها، نيته أن يرجع لصاحب الحق حقه، سيقف ربنا سبحانه وتعالى بجانبه، وكفى بالله كفيلاً، أدى الله عنه، ربنا سبحانه وتعالى سيكفل الأمانة، حسناً، ومن يريد إتلافها أتلفها الله؟ لا لا، هو نفسه وليست هي، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله، هو الذي سيتلف وليس المال ” ويارتها الفلوس، الفلوس أسهل ” ، هو الذي سيتلف، وما الفرق بين هذا وذاك؟ الإرادة، الإرادة، النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن إرادة، من داخله، ما الذي يعزم إليه وما الذي ينوي فعله، من أخذ أموال الناس ” يريد ” أدائها، و ” يريد ” إتلافها، ماذا تريد؟ ما الذي تريد أن تفعله؟ ما حقيقة الأشياء المنطوية بداخلي؟ ما النوايا التي أنطوى عليها صدري؟، ماذا أريد أن أفعل؟ بأي نية وبأي مقصد أتعامل مع الناس؟، البواطن، ما الذي بداخلنا؟ إذا كان ما بداخل الإنسان صالح حقيقةً يجب أن يكون معه ربنا سبحانه وتعالى، ربنا سبحانه وتعالى لا يخلف وعده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، هو يقول هذا، هذا سيؤدي عنه ربنا، وهذا سيتلفه الله، الصورة تبدو واحدة، هذا أخذ مالاً والآخر كذلك، ولكن الذي بداخله من الذي يطلع عليه؟، من البصير بمكنونات الإنسان؟، لأن الإرادة شيء مخفي، أنا لا أراها ولا استطيع أن أراها، ولكن المطلع على السرائر ربنا سبحانه وتعالى، إذا اطلع من قلب الإنسان على إرادة خيّرة، يجب أن يعطيه خيراً.
نحن قلنا منذ فترة أن ربنا سبحانه وتعالى، وهذا من أعجب ما تقرأ في كتاب الله، من أعجب ما تقرأ، أن ربنا سبحانه وتعالى يكلم أناساً هم كفار ومحاربين، في أسوء صور المحاربة، لأنها محاربة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، يكلم أسرى بدر، يكلم أسرى بدر، الذين قلنا فيهم أن ربنا سبحانه وتعالى من آيتين كان يعاتب الصحابة أنهم تركوهم أحياء، وأنهم من المفترض أن يلحقوا بالآخرين ” هما هما دول ” حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وبعدها بآيتين يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا من يكلم الآن؟ يكلم من؟ يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذين هم في موقف المحادة والتكذيب والمحاربة له أن يقول لهم إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ بماذا يأمره أن يقول لهم؟ لو يعلم ربنا سبحانه وتعالى أن هذه القلوب تنطوي على الخير، أو تريد خير، أول شيء سيعطيهم أموال أكثر مما دفعوها، الأموال التي دفعوها هم دفعوها لكي يخلصوا أنفسهم من حاجة هي حق أم باطل؟، وهم أهل باطل أصلاً؟ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لا يوجد شيء أسوء من هذا، ” وهما دفعوا الفلوس دي ليه؟ عشان يروحوا، طب عنهم ما روحوا ” هم لم يسددوا ديوناً على أحد أو كفلوا يتيماً أو تصدقوا بهذه الأموال، ومع ذلك ربنا يقول للنبي صلى الله عليه وسلم قل لهم أن هذه القلوب إذا انطوت على خير سيعوضهم ربنا مالياً بأموال أكثر مما دفعوها، ثم؟ وأعظم من ذلك وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ بمجرد أن تنطوي القلوب على خير أو تبتغي خيراً أو تنوي خيراً، حسناً، والأخرى؟ إذا لم ينووا ذلك؟ هذا أمر طبيعي إِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ” هما فين؟ أهم، يعني اللى جابهم هنا ميعرفش يجبهم هنا تاني؟!.. عادي يعني ” .
وهذا هو فيصل التفرقة بين حالة وحالة، ” ايه اللى جوا؟ ” ما الذي أعزم عليه؟ ماذا أنوي؟ ما الذي يطلع عليه ربنا بداخلي؟، هذا شيء، الشيء الثاني مقدار ثقتي بربنا سبحانه وتعالى وركوني إليه، واعتمادي عليه، بقدر ما يكون هذا على قدر ما يعطي ربنا سبحانه وتعالى من المعاملة، هؤلاء حين جعلوا إطار العلاقة هو إطار الكفالة الإلهية والشهادة الإلهية، ووضعوا أنفسهم في دائرة من دوائر الصفاء القلبي في التعامل مع الله كانوا في إطار حفظ الله سبحانه وتعالى ورعايته، هذا بارك ربنا فيه ووسع عليه وكان حريصاً على شكر النعمة وأداء الأمانة، وهذا وثق بربنا سبحانه وتعالى وارتكن عليه فلم يضيعه الله، هذا – من المفترض – ما نتعلمه، ولذلك من الأفضل أن نجعل دوائر علاقتنا هي هذه الدوائر، بقدر المستطاع، فحاول بقدر مستطاعك أن تتعامل مع من يملكون هذه المعاني، هناك شيء عندهم اسمه ربنا، والمعاملة مع ربنا، وشيء اسمه الثقة بربنا، وكفالة وحياطة وحماية ربنا، ” ياريت ” هذا ليس موجوداً بكثرة، ولكن حاول أن تكون إطار العلاقة التي تتعامل فيها بقدر الإمكان تكون مع أناس لديهم ترجمة لهذه الأشياء، يملكونها، لكي تكون العلاقة كلها محفوظة بحفظ ربنا، العلاقة كلها مستودعة كأمانة عند ربنا سبحانه وتعالى، ليس كثيراً، ولكنه مازال موجوداً، لأنه إن لم يكن كذلك لا يمكن أن نكون موجودين، طالما نحن أحياء مازال هناك خير حولنا، المفترض أن يكثروا، وإذا اختفوا نختفي، هذا ما يضمن بقاء الناس على الأرض، فالإنسان يحاول أن يجعل علاقته بهذا الإطار، وإن لم يكن كذلك؟ يجعل العلاقة الفردية مع ربنا سبحانه وتعالى بالحال التي يحفظه الله بها، أنت ستستودع ربنا سبحانه وتعالى كل ما لك فسيحفظه ربنا، ليس من الازم أن تكون علاقة ثنائية لكن كلما كانت العلاقات الثنائية في إطار الرعاية الإلهية كلما كان ذلك أحفظ وأفضل وأرقى.
اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا.
اللهم كن لنا ولا تكن علينا وأعنا ولا تعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا واهدنا ويسّر الهدى إلينا، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم اجعلنا لك ذكّارين، واجعلنا لك شكّارين، واجعلنا لك رهّابين، واجعلنا لك مطواعين، إليك أوّاهين منيبين.
اللهم تقبّل توبتنا، واغسل حوبتنا، وامح خطيئتنا، وثبّت قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة قلوبنا.
اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك.
أقول قولي هذا واستغفر الله.