إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد ،،،
تلقيت في أوائل الأسبوع الماضي اتصالاً كريماً من أحد كبار المصلين الذين يصلون في هذا المسجد بشكل متتابع منتظم؛ فهو يقول إنه حينما جرى الكلام حول هذا الصندوق أنه قد تخيّله أو رآه بمنزلة أو بمثابة الحصّالة – بتاعة الأولاد الصغيرة زمان – الذي يضعون فيها مصرفهم – مبلغ بسيط – وهذا المبلغ يدّخره ويدّخره بحيث أنه في وقت معيّن أو في لحظة معيّنة سيستخرجه لكي يستخدمه أو يوظّفه فيما ينفع أو فيما يفيد.
فهو يريد أن يقول أن الصدر بالنسبة للإنسان مثل الحصّالة بالنسبة للطفل الصغير، هو سيحشوه بأشياء وسيحوي بداخله أشياء، هذه الأشياء حينما يلقى الله – سبحانه وتعالى – يخرج منتوج هذا.
فالإنسان ما الذي سيضعه في الحصّالة وبناءً عليه هو ماذا سيحصّل عندما يلقى ربه – تبارك وتعالى – ، هذا تقريباً الذي كان يريد أن يقوله.
وهذا الكلام قريب جدّاً مما في كتاب الله – تبارك وتعالى – قال – سبحانه وتعالى – إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ فهو – سبحانه وتعالى – يخبر عن حال الإنسان إلا من رحم الله – تبارك وتعالى – إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ جاحد، جاحد لفضل ربنا – سبحانه وتعالى – عليه إلا من رحم الله إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ كل أقواله وكل أفعاله شهيده عليه بذلك، ولن يكون شهيد بأن يعترف ويقرّ بأنه كنود، وإنما ما هي حقيقة الشهادة؟ أن الإنسان ممارسته وأقواله وأفعاله تسير في أي الاتجاهات؟
ولذلك أبي بن كعب كان يقول أن الناس قد أحسنوا القول كلهم – كل الناس تتكلم بكلام حسن – فمن وافق فعله قوله فذاك الذي أصاب حظّه، ومن خالف فعله قوله فإنما يوبّخ نفسه، فالناس كلهم يقولون كلام حسن، لكن الفكرة مدى تطبيق هذا في الحقيقة الواقعة والممارسة الحقيقية للإنسان وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ َإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ وفي المقابل وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ
وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ المال وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ قام الناس للقاء الله – تبارك وتعالى – ، وحينئذٍ حصّل ما في الصدور، استخرج ما فيها من مكنونات إن كانت خيراً فخير، وإن كانت شرّاً فشر، إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ.
النقطة الثانية في هذا الكلام، وأنا بالنسبة لي شخصيّاً أعتبرها أكثر أهميّة، ليس لأن هذا الكلام قليل الأهميّة، لكن بالاعتبار الشخصي؛ قضية التفاعل مع الكلمات، فالآن هو شخص ينقل أنه يسمع ويفكّر ويتأمل فيستنتج ويستخرج ويقول كلمات هي لم تقال، فهذا الكلام الذي قاله أنا لم أقله، أنا لم أقله، هو يفكّر ويتأمل وهذا المشهد ذكّره بشيء فربط شيء بشيء، شيء في التاريخ القديم بشيء يرمز إليها لمعاني عظيمة تتعلق بالدين، وبدون أن يستحضر الآية ربما التي تشي أو تبيّن أو تربط هذا الربط.
إذاً القضية الأساس كيف يتفاعل الإنسان مع ما يسمعه أو الذي يقرأه أو الحوادث التي تجري حوله، أو الأشياء التي يطّلع عليها أو التجارب التي تمرّ به في الحياة، فهذه هي الأشياء التي يتمايز ويتفاضل بها الناس.
نحن تكلّمنا على مدى مرتين عن هذا الصندوق،ونحن الآن سنكمل الكلام فيه إن شاء الله ونبدأ في الكلام عن حقيقة القلب، فنحن لماذا نتكلم عن هذا؟ لأن مثلما قلنا هذا جزء أساس من بنية الإنسان، فنحن الآن نتكلم عننا نحن شخصيّاً، الإنسان نفسه مما يتكوّن؟ إذا كان يعنيني أن أفهم نفسي أو يعنيني فعلاً تحصيل سعادتي الشخصيّة في الدنيا وفي الآخرة، فأنا أحتاج ضرورةً أن أفهم ما هي التفاعلات التي تجري بداخلي وكيف تجري، ما الذي يأخذني لليمين وما الذي يأخذني للشمال؟ من الصعب جدّاً أن يكون الإنسان يعلم أشياء كثيرة ولكنّ أهمّ شيء من المفترض أن يكون عالماً بها هو جاهل به، فمن الممكن أن يكون الإنسان يعلم أشياء كثيرة عن أشياء كثيرة، لكنه في نفس الوقت أجهل شخص بنفسه، ولذلك ربنا – سبحانه وتعالى – يقول وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ربنا يقول هذا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ثم قال يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ربنا قال أنهم لا يعلمون، وبعدما نفى قال أن عندهم علم، لكنهم في الحقيقة ليس شيئاً، حقيقة العلم، قال تعالى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ لماذا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا لماذا ظاهراً؟، لأنه إذا علم بباطن الدنيا وحقيقتها فهذا سيقوده إلى الله وإلى الإيمان وإلى العمل للقاء الله، وهو في الحقيقة ليس هكذا، قال – صلى الله عليه وسلم – ” إن الله يبغض كل جعظريّ جواظٍ سخّابٍ بالأسواق، جيفةٍ بالليل، حمارٍ بالنهار، عالم بأمر الدنيا ” هو عنده، وفي المقابل ” جاهلٍ بأمر الآخرة ” .
فأولى شيء الإنسان من المفترض أن يتعرّف عليها، يتعرّف على نفسه، ماذا يوجد هنا، هذه هي حقيقة السعادة للإنسان؛ إنشراح صدره أو في المقابل عياذاً بالله ضيق الصدر وحرجه وانقباضه، لا يوجد شيء آخر، هو هنا، كل شيء يجري يجري هنا، فنحن قلنا أن هنا، هذا محلّ كمون النفس، والنفس هذه هي محلّ الإرادة والتوجّه للإنسان، التي هي حقيقة الكينونة الإنسانية، تفاعل الروح مع الجسد، ماذا تريد وإلى أين تذهب، وقلنا أن ربنا – سبحانه وتعالى – قال أن هذه النفس لها ثلاث درجات أو ثلاثة صور هي لن تخرج عنهم؛ نفس توجّهها الغالب نحو السوءات وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ وهذه صيغة مبالغة، لم يقل ” آمرة ” لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا الاستثناء جاء في دائرة الرحمة، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ إذاً أمّارة بالسوء هي تدعو العبد غالباً بل ربما دائماً إلى حيث يسخط الرب – تبارك وتعالى – ، وقلنا هذه لحظة تحالف النفس مع الشيطان، فنحن قلنا أن أصل الشرور الواقعة في النفس يكون أصلها من الشيطان، الوسوسة الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ هذه الوسوسة ما موقفي أنا منها؟ إذا اعتصمت بربنا – سبحانه وتعالى – والتجأت إليه ربنا سيعصمني من الوسوسة وبالتالي تبقى النفس سالمة آمنة من أن هذه الوساوس تسيطر عليها أو تهزّها أو توجّهها، فإذا لم يفعل الإنسان هذا ونفسه تجاوبت مع الوساوس وتقبّلتها وارتبطت بها حينئذٍ يحقّ قوله – تبارك وتعالى – وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وقلنا أن هنا ربنا نسب الوسوسة للنفس، متى؟ عندما استقرّت فيها وساوس الشيطان، فهي تقبّلتها وأحبتها وارتبطت بها، وأصبحت تطالب بها، وتضغط على الإنسان لكي يسلك هذا المسلك، فهذا واحد.
والثاني: الشخص الذي يقاوم لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ بطبيعة الضعف النفسي الطبيعي، وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا فهو يميل ويضعف، ولكن عندما يفيق، نفسه تؤنّبه وتلومه فيحاول أن يرجع وأن يتوب فيبقى في صراع وفي مجاهدة فربنا – سبحانه وتعالى – وعد هذا الشخص بالهداية، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ وقال الله – تبارك وتعالى – وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ التقوى هي أعلى منازل الإيمان، صفات المتقين الذين ذكرهم ربنا في هذه الآيات؛ هي بالأساس صفات إحسانية أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ أول شيء الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أول صفة هي صفة إحسانية يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ في السعة وَالضَّرَّاءِ وفي الضيق أيضاً الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ هذا هو الذي يقدّمه للناس، وماذا يستقبل من الناس الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وبعد ذلك وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وهذه رحمة ربنا – سبحانه وتعالى – طبيعة نفس الإنسان، فربنا يتكلم عن مراحل، أول شيء أنت تفعله تواجه بها شخص يؤذيك؛ أثر التقوى تذكّر ما عند الله، فهو سيمسك نفسه، وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ما معناها؟ معناها أنه اغتاظ، أم لم يغتظ، فالفكرة هكذا، الإنسان الذي لا يغتاظ أم أنه عندما يغتاظ يستطيع أن يسيطر على نفسه، قال – صلى الله عليه وسلم – ” ليس الشديد بالصرعة ” الشخص الذي كلما دخل مصارعة روماني يكسب البطولة، ” وإنما الشديد حقيقةً ” ليس الذي يغلب الناس، لا الذي يعرف يغلب نفسه ” إنما الشديد الذي يملك نفسه ” متى ” عند الغضب “
ولذلك قال الشافعي – وقلناه قبل ذلك قال ” من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضي فلم يرضى فهو شيطان ” فهو يقول الذي سيأتيه أشياء تغضبه ولم تتحرك بداخله شيء، فهو يريد أن يقول أن به تبلّد حسّي ليست هذه طبيعة الإنسان الطبيعية، لكن الفكرة أن الإنسان ماذا يفعل عندما يغتاظ؟ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ هذا لمن؟ لله، وإلا يكون ضعف وعجز، وبعد ذلك مرحلة، فهو الآن مغتاظ، ولم يفعل شيء، لكن بداخله الغيظ موجود، وبعد ذلك يجاهد نفسه بعد مرحلة، فهذا الكلام ليس لحظي، هذا قليلاً فقليلاً، وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ فهو يصفّي من داخله، فهو لا يكون حزين، وبعد ذلك بعد وقت من مجاهدة النفس يقابل السيئة بالإحسان وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ إذاً عم يتكلم ربنا – سبحانه وتعالى -؟ يتكلم عن إحسان للعباد، إيصال للخير، وكظم للغيظ، وعفو وإحسان.
أما في علاقته مع ربنا – سبحانه وتعالى – في العلاقة الخاصة بينه وبين الله، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً لم يقل إنْ، لم يقل إنْ قال إذا، إنْ هذه استبعادية، أما إذا شيء يكرر، عندما نقول إنْ، ” فلان إن جاءك ” إذاً هو مستبعد إتيانه، ” إذا جاءك ” فهو غالباً قادم، فيوجد ميعاد، والذين ليس إن وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً فهذه كبيرة، وربنا يتكلم عن المتقين، ولكن ربنا يقول هذا، وَالَّذِينَ إِذَا ليس إنْ فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بما دون ذلك، يتكلم عن الكبيرة أو الصغيرة، ماذا يحدث ذَكَرُوا اللَّهَ إذاً ههو في لحظة الزلل ربنا – سبحانه وتعالى – يغيب عن حسّه وشعوره، فهو لا يفقد إيمانه هو موجود لكنه لا يستحضره، يوجد شيء غطّى عليه، فأول ما يفيق ذَكَرُوا اللَّهَ وبعد ذلك فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ هذا هو الإيمان، هو يعرف أنه لا يوجد أحد سيتوجّه له إلا ربنا – سبحانه وتعالى – ” لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ” قال تعالى فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ فأين ستذهب؟ أين ستذهب؟ ” أذنب عبدٌ ذنباً؛ قال ربي أصبت ذنباً فاغفر لي، قال الله – تبارك وتعالى – علم عبدي أن له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ” هكذا وهكذا ” قد غفرت لعبدي ” فبناءً على ماذا؟ بناءً على هذا اليقين، أنه ليس له إلا ربنا – سبحانه وتعالى – فلابد أن يرجع إليه، وهو إنسان وهو ضعيف وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ عندما أفاق أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ
إذاً ربنا – سبحانه وتعالى – هاهنا يتحدث عن أناس من المفترض هؤلاء الناس أهل التقوى لما تزلّ ترجع، هذه طبيعة النفس الّلوّامة، فإذا استمرّ على هذا، إذا استمرّ على هذا وجاهد نفسه، واستعان بربه – تبارك وتعالى – ، ربنا – سبحانه وتعالى – حينئذٍ يرفعه ويرقّيه، يجعل نفسه تبعاً لقلبه تستقرّ على الإيمان وتسكن عليه، يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ الساكنة، هي انتهى رضت هنا واطّمانت له فانتهى، فهو لا يريد أن يتنقّل يذهب يمنة ويسرة، أو لا يريد أن يعصي لأن نفسه أصبحت تأنف، تأنف من هذا بعدما كانت تألفه.
وفي المقابل إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا فلماذا ليس ” لها ” ليس ممكناً أن ” يطمئن لها ” أي يسكن، يسكن إليها فهذا ليس ممكناً، فقلب الإنسان لا يسكن إلا مع الله لا يكون أصلاً، ولذلك ربنا – سبحانه وتعالى – لم يقل ” واطمأنوا لها ” ، وَاطْمَأَنُّوا بِهَاأي ثبّتوا أقدامهم هنا، فهم استقرّوا هنا، هو لغى الآخرة تماماً، فثبّت قدمه هنا ولا يريد أن يتحرّك، على فكرة مهما كانت الخسائر، مهما كان ما يجول في قلبه من المشاعر، هو لن يمشي خلاص، هو اختار اختيار وسيكمل فيه إلى النهاية أيّاً كانت النتائج، وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً وأعظم من هذا مَرْضِيَّةً فرضى هذه سهلة، فما معنى مرضيّة؟ ربنا – سبحانه وتعالى – هو الذي رضى عنها وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ يقول الله – سبحانه وتعالى – لأهل الجنّة بعدما يدخلون الجنّة قال ” ألا أزيدكم ” فما الذي أكثر من هذا؟ ” أن ترزقنا الجنة وتنجينا من النار ” هل يوجد أكثر من هذا قال ” أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعدها أبداً ” فهذا هو الأمن، هذه حقيقة الأمن أن تكون مطمئن أن ربنا – سبحانه وتعالى – لن ينزع عنك رحمة أعطاها لك، ولن يسلبك خير أمدّك إياه، وهذا هو الأصل في سنّة ربنا – سبحانه وتعالى – ما لم يغيّر العبد، ما لم يبدّل، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إذاً النفس هي تتقلب ما بين هذه الصور الثلاثة، تأمر بالسوء، فأنت تحاول أن تمدّها بالإيمان؛ فيصحو فيها ما نسمّيه ضميراً، الوازع الداخلي، فتبدأ تتلوّم، يستقرّ فيها الإيمان فتستقرّ ويسكن فيها الإيمان فتسكن، ولذلك قلنا أن طريق الإنسان إلى الله – سبحانه وتعالى – هو طريق طويل وأخطر شيء فيه الاستعجال، وهذه آفة الإنسان خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا هذه في كل شيء.
النبي – صلى الله عليه وسلم – قال ” يستجاب لأحدكم ” فالإجابة نازلة هاهي ” ما لم يعجل، يقول دعوت دعوت – أنا دعوت كثيراً – فلم يستجب لي فيستحسر – ييأس – فيدع الدعاء ” ، ” يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ” أي أنه يدعو وأكثر في الدعاء، فجاءت الإجابة وقبل ن تنزل الإجابة فقام فوقعت الإجابة على الأرض، فلماذا قام الآن؟ لأنه استعجل فيأس فقام، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول ” يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ” ” ما لم يدعو بإثمٍ أو قطيعة رحم ” ، فالإنسان يريد أن يصل لنتائج بسرعة، والأشياء الكبيرة لا تأتي سريعاً، هذه سنّة ربنا، الأشياء الكبيرة العظيمة لا تأتي بسرعة، أنت تبحث عن السكينة والطمأنينة عن استقرار الإيمان، عن اليقين، الأشياء التي جاهد فيها عظماء الرجال، جاهدوا فيها زمانهم، حياتهم، لا تأتي بسهولة هي عموماً هكذا، الأشياء الغالية لا تأتي بالسهولة، ولا يصلح أن تأتي بسهولة، لأنها إن جاءت بسهولة أنت لن تقدّرها، فأنت لا تقدّر إلا الشيء الذي تعبت فيه فعلاً، جاهدت فيه جهاد طويل، لكي عندما يرزقك ربنا إياه لا تفرّط فيه، لابد من هذا، لابد من هذا، هذه هي سنّة ربنا عموماً في أي شيء، أي شيء له قيمة لابد أن يبذل فيه قيمته هذا طبيعي، أي شيء دنيوي أنت تريده، إذا كنت تريد سيارة غالية، شخص يريد أن يتزوّج امرأة من عائلة معيّنة يصرف ويدفع كثيراً ولا يكون مشكوراً أيضاً، ولكن الفكرة أنها لا تأتي هكذا، فلماذا هنا نغيّر الموازين، هذه هي المشكلة، نحن أناس متناقضين نظهر بأكثر من شخصية، وعندنا أكثر من قانون، كل شيء وله قانون،، بل هو قانون واحد، لأن الخالق – سبحانه وتعالى – واحد، جعل قوانين الدنيا والآخرة هي قانون واحد، لكي لا نتوه، لئلا نخلط الأمور، هي قوانين ثابتة، والقوانين الثابتة تقودك للخالق الصمد – سبحانه وتعالى – ، فأنت كيف تستدلّ على وحدانية الله، أن كل شيء بقانون واحد، كل شيء بقانون واحد، فالقضية أن الإنسان على قدر سعيه على قدر إدراكه لعظمة هذا، على قدر استعانته بالله، على قدر بذل الجهد، على قدر ما يعطيه ربنا – سبحانه وتعالى – وينيله، قال تعالى في الحديث القدسي ” من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ” فلكي يكون الإنسان ولي من أولياء الله هل هذا شيء سهل؟ لكي يصل إلى هذه المنزلة أن يكون في هذه الحماية والحياطة الإلهية، فهذا شيء ليس بسيطاً.
النبي – صلى الله عليه وسلم – قال ” ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنّة ” لابد أن تكون غالية، لن تأتي رخيصة لابد أن تكون غالية.
فالإنسان يريد أن يطمح إلى هذه المنزلة ماذا يفعل ” وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه ” لماذا؟ لأن الفريضة بها معنى التعظيم ومعنى التسليم وحقيقة العبادة، فهو يؤدي الفريضة لكن بقي بداخله رغبة في مزيد من التحبب والتقرّب إلى الله، هو يؤدي النافلة لأنه يريد أن يتحبب إلى الله ” ولا يزال ” و ” ولا يزال ” هذه استمرارية فهي رحلة طويلة، رحلة طويلة، نحن قلنا قبل ذلك أن الذي يعتقد أن طريقه إلى الله مثل ” 100حرّة، أو 400 حواجز ” لا يفهم شيئاً، لا يفهم شيئاً، الطريق إلى الله هذا طويل، مارثون 42 كيلو، هذا له استراتيجية في التعامل معه.
تخيل أنت الآن إذا أدرت المارثون الـ42 كيلو باستراتيجية 400 حواجز؟! لن تستطيع، فأنت بعد 5كيلو ستقع ولن تستطيع أن تكمل، هي طريق طويل ويوجد أسلوب لإدارتها، فالشخص يجري بمعدّلات معيّنة ويستريح أحياناً قليلاً، ثم يشدّ قليلاً، ثم يستريح قليلاً، وعندما يقارب النهاية يشدّ جدّاً، ما هدفه؟ لا أن يحصل على رقم، بل هو يريد أن يصل إلى خط النهاية الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ هذا هو الموضوع، يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ هو يريد خلال هذا الطريق الطويل يبرمجه، مثلما نبرمج أي شيء في الدنيا يا جماعة، لماذا نحن هكذا؟ نحن لماذا نعطي هذا قيمته التي يستحقّها، مثلما تبرمج كل شيء، فهذا يبرمج أيضاً، فالدنيا لا تمشي هكذا
” ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه ” فكيف تعرف هذه الغاية؟ كيف ستعرف أنك وصلت لهذا، ربنا – سبحانه وتعالى – وضع له علامة، قال ” فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، بصره الذي يبصر به يده التي يبطش بها رجله التي يمشي بها ” ما معنى هذا؟
الآن الإنسان يحاول أن يتقرّب إلى الله وعنده وساوس وعنده هواجس، وعنده مجتمع لا يساعده، وعنده مشاكل نفسية، ودائماً يقع ويتعثّر، يقع ويتعثّر، لكنه يحاول أن يقوم مثلما قلنا، يستعين بربنا في كل لحظة حتى يرضى عنه الله، فإذا رضي عنه الله، تكفّل الله بحفظ عبده.
أنت كنت تعاني لكي تمنع أذنك من أي شيء محرّم، لكي تبعد عينك من أي شيء حرام، لا تريد أن تمدّ يدك لشيء لا يرضي الله، لا تريد أن تخطو بقدمك لشيء ربنا – سبحانه وتعالى – يسخط عليه، وتجاهد وتتعب، وأثر هذه المجاهدة، – أنك بتركن – ما معنى تركن؟ أن ربنا – سبحانه وتعالى – هو الكفيل بحفظك، فلم تعد تتعب فيما كنت تتعب فيه زمان، وهذه هي حقيقة الطمأنينة، هذه النفس المطمئنة، استقرّ هنا لم يعد ينازع لم يعد يتعب، لكن هل سيأتي هذا بسرعة؟ لا، هي تسير هكذا، والأصل العام وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا
الحمد لله رب العالمين
فالآن نحن قلنا أن النفس طبائعها، ربنا – سبحانه وتعالى – قال أن بها الاستعدادين؛ الفجور والتقوى، فما وظيفة الإنسان ودوره قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا والصورة العكسية وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا وقلنا زكّاها أي يطهّرها، قلنا أن هذه أصلها زكى الزرع.
اجعلونا نركّز في هذه النقطة، لكي نفهم المفردات القرآنية التي هي في النهاية تحوي مضمون الهداية، كيف يزكو الزرع؟ تسقيه وتنزع عنه ما يضرّه ويؤذيه، فأنا سأفعل أمرين؛ سأروّيها من الخير وأحاول أصرف عنها الشرور قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وماذا يفعل الآخر؟ يخبئهاوَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا دساها أي ماذا فعل؟ يضعها هنا هكذا في مكان ويغلق عليها بحيث أن النور الإلهي لا يصل إليها، ولا هداية ولا موعظة، فالنفس مكانها هنا – أي في الصدر – تتعامل مع شيئين مع وساوس ومع علم بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ هذا العلم الذي هو هنا هذا ما وظيفته أنني أتفاعل معه فينتقل من الصدر إلى القلب، فإن لم أفعل أنا شيئاً، فلن يحدث شيئاً، هذه هي المشكلة، هل العلم الذي حواه صدر الإنسان عبر القراءة والحفظ ينفعه؟ عندما يبدأ في التفاعل معه، ليس المعلومات.
ولذلك نحن قلنا أن سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – كان في دعائه سؤال العلم النافع والاستعاذة من العلم الذي لا ينفع، إذاً هذا العلم من الممكن أن ينتفع به الإنسان ومن الممكن ألا ينتفع، فما هو المعيار؟ أن يتفكّر ويتدبّر فيه فينقله من الوعاء – الصدر – إلى القلب لكي يعمل، هذا العلم في الصدر – مكان للتخزين – مثلما يكون لديك data، هذه الـ data عبارة عن ماذا؟ عبارة عن معلومات أوّلية صحيح، أنت تعمل لها معالجات لكي تحوّلها لمعلومات تستخدمها، هناك داتا ستحوّلها إلى إنفورميشن، فماذا ستفعل أنت بالضط؟ ستعالج عبر معالج البيانات تعالج هذه الأشياء لكي تحوّلها لمعلومات تستفيد منها، لكنها كانت موجودة، هي كانت مخزّنة ولكن ليس كل شيء مخزّن ينفع.
ولذلك الحسن البصري قال ” العلم علمان فعلم في القلب ” لم يقل في الصدر قال ” فعلم في القلب فذلك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان ” فهذا الذي على اللسان أين أصله؟ أصله في الصدر، لماذا على اللسان، لأنه إن لم يستخدمه مع نفسه فسيستخدمه على الناس، ليس مع الناس، على الناس. ” علمٌ في القلب فذلك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان فذلك حجّة الله على ابن آدم “
إذاً ماذا ستفعل؟ الذي يعالج الوساوس ويسكن النفس هو العلم عندما أنقله من الصدر إلى القلب، وهذه هي وظيفة القلب الأساسية.
قال ابن مسعود ” إن قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب ” ليس في الصدر، فأنا الآن أحفظ القرآن ومن الممكن أن أسمّعه لك، ومعي إجازات، كل هذا جميل لكن كل هذا أين؟ في الصدر، هل سيحدث شيئاً؟ لا يحدث شيئاً، سيحدث مشاكل غالباً، لماذا؟ لأنني ربما أستعلي به على العباد، ” ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع ” ولكن إذا وقع القرآن في القلب فرسخ أي استقرّ، قلنا رسخ هذه ما معناها؟ ما معنى الرسوخ؟ الاستقرار والثبات والقوة لا تهتز وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ لم يقل علماء قال وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ” ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع ” فالقضية هنا، كيف يحوّل العلم إلى القلب.
يقول يوسف بن الحسين ” إن في الدنيا طغيانان؛ طغيان العلم وطغيان المال ” المال يجعل الإنسان يطغى، والعلم يجعل الإنسان يطغى، قال تعالى كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى بماله أو بعلمه فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا جمعهم الله – تبارك وتعالى – في قوله إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ولذلك لماذا استحقّ قارون الخسف؟ لأنه جمع ركني الطغيان، الغيان بالمال والطغيان بالعلم، ونسب المال ليس إلى الله ولكن إلى العلم الذي أعطاه له الله أيضاً.
قال ” إن في الدنيا طغيانان طغيان العلم وطغيان المال، فأما طغيان العلم فالذي ينجيك منه العبادة، وأما طغيان المال فالذي ينجيك منه الزهد فيه ” فما معنى طغيانان، أي مثلما يجعل المال الإنسان يغترّ، كذلك المعرفة التي في الصدر دون القلب تجعل الإنسان يغترّ ويستعلي، ولذلك تقرأ في القرآن أمثلة كثيرة من هذه النماذج، وأنت تتعجب كيف يكون عنده علم وكيف لم ينتفع به، هو أين كان لديه العلم، أين كان وماذا عمل به؟
إذاً خلاصة ما نريد أن نقول أن نفوسنا تتردد ما بين ثلاث صور، نرجو من الله – سبحانه وتعالى – نرجو من الله أن يكون قد وضعنا بإذن الله في إطار النفس اللوّامة، ونرجو منه – سبحانه وتعالى – أن يعيننا أن نتحرّك باتّجاه النفس المطمئنة، ولا يردّنا على أعقابنا فنرجع للأمّارة بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إذاً هذه النفس اللوّامة نعمة، لأن ربنا – سبحانه وتعالى – نجّاها من أن تكون أمّارة، ضاغطة دائماً على مكان واحد، فلكي يبعثنا ربنا – سبحانه وتعالى – إلى هذه الوجهة، التحبب والتقرّب والتعبّد، الشيء الآخر: تفعيل العلم، تفعيل العلم.
آخر جملة نقولها وهذه غاية في الخطورة، غاية في الخطورة.
معروف الكرخي يقول له رجل علّمني المحبّة، قال ” إن المحبّة لا تجيء بالتعليم ” لا يصلح، المحبة ليست معلومات، المحبة إحساس وممارسة ومشاعر وتفاعل قلب، لا يأتي بالتعليم، ليس معلومات، القلب سيتفاعل مع هذه الأشياء فيقرب من الله، قال – صلى الله عليه وسلم – ” من أحصاها دخل الجنة ” الذي سيحصيها ربنا سيدخله الجنة، هل يعدّها ويحفظها ويسمّعها؟ يحصيها: يسعى لأن يقيم القلب والعمل على أساسها، وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ لا تطيقوا أن تقوموا الليل كله فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ الاحصاء أي الإطاقة.
فكيف سيتمّ هذا الاحصاء، فنحن حافظين لأسماء كثيرة، وحافظين صفات لربنا، لكي تتحول لشيء مؤثّر تقيم الحياة، لابد أن أتفكّر فيها وأتفاعل معها، لأجل هذا ربنا أمرنا بالتدبّر في القرآن، فنحن نريد أن نخرج من هذا الكلام بشيء، لكي تنتقل النفس محتاجة أن يزكيها الإنسان مثلما قال ربنا، وهذه التزكية كيف تكون؟ تفعيل العلم وممارسة التقرّب، ” فإذا أحببته كنت ” ” إن المحبة لا تجيء بالتعليم ” اجعلونا نتذكّر هذه الجملة، أنا لا أستطيع أن أفعل لك شيئاً، هذا شيء أنت تفعله مع نفسك، هو يقول له هذا، هو يرى أن هذا رجل وصل إلى درجة قلبية معيّنة، فهو يقول له علّمني هذا، فقال له هذا لا يتعلّم، هو من الممكن أن يعطي له مفاتيحه ولكنه لا يستطيع أن يعطي له حقيقته، هذه مجاهدة شخصيّة، الإيمان تجربة شخصيّة، تجربة إيمانية بين الإنسان وبين ربنا، لا يمكن أن تكون شيء آخر، ولايوجد تجربة إيمانية بدون ممارسة وبدون مجاهدة وبدون دعاء إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ كل ركعة، في كل ركعة إذا عقلناها، كل ركعة، لا يجوز أن تمرّ الركعة بدونها لأننا أحوج ما نكون إليها، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ لكننا للأسف غافلين عن هذه المعاني، نقولها بلساننا، لكنّ قلوبنا ليست معها، ولن تكون معها قبل أن ندرك حقيقتها، ندرك حقيقتها وبعد ذلك نتفاعل معها، لابد من هذا.
فهنا هذا الصدر لابد أن يملأ علماً، لكي نضيّق مساحة الوساوس، لابد أن نتفاعل مع هذا العلم بالقلب لكي تكون شيئاً مؤثّراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك
اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك
اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا
اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم حبب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم