الحمد لله الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيدا،
وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيدا
ثم أما بعد:
الحكم والتصور، من القواعد العظيمة التي قررها أهل العلم قولهم (الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوّره) أنه لا ينبغي علينا وقد آن لنا أن ندرك عظمة نعم ربنا تبارك وتعالى، نعمة الوحي، والقرآن، نعمة تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لنا، وما ترتب على ذلك من ينابيع علم وحكمة تفجّرت في قلوب وعقول عقلاء وعلماء هذه الأمة فتركوا لنا موروثاً عظيماً ينبغي لنا أن نفتخر به إن كنّا ندرك ونعقل قيمة هذا الموروث العظيم،
فمن ذلك هذه الجملة، الحكم على الشيء _يعني_ معرفة حقيقته، يعني لو كان حكم شرعي نعرف -الحاجة ديه حلال ولا حرام- الفعل هذا يجوز أو لا يجوز، الشيء الفلاني هذا أفعله أم لا أفعله ، المسلك الفلاني أسير فيه أم لا، سأبني هذا على أي شيء ،
(الحكم فرع) يعني نتيجة وأثر للتصوّر ، لماذا قالوا (التصور) لماذا لم يقولوا (الحكم على الشيء فرع عن معرفته) أو فهمه أو إدراكه، وكلها مؤدية، كلها بتؤدي إلى نفس المعنى أو المقصد ، المقصود هكذا: الفهم للشيء، إدراك حقيقته ومعرفته، لماذا التصوّر، لماذا هذه الكلمة
إذاً (التصور) هذا معناه أن هذا الشيء سيتشكل في عقلي، وسأرى صورته ، ما معنى أن أرى صورته؟ يعني يظهر أمامي بشكل متشكل بشكل صورة بحيث أكون ملم بكل جوانبه ومدركه بشكل جيّد جدا، فإذا أدركته بشكل جيّد وواضح تشكّل التصور في ذهني -شفته يعني، شفته بعينيه- وحينئذٍ -لما أشوفه- أدرك أنه ينفع، لا ينفع، أفعله ، لا أفعله، حلال أو حرام.
ربنا سبحانه وتعالى منّ علينا بمنّة القرآن ومن عظمة القرآن إعطاء هذا التصور، يعني: ربنا سبحانه وتعالى هو الحيّ ، قال تعالى اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قال تعالى وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وهذا القرآن الذي أُنزل إلينا هو كلام الله تبارك وتعالى ،
إذاً فيه من الحياة التي هي صفة الله تبارك وتعالى وبالتالي كل من يتّصل به الله سبحانه وتعالى يرزقه الحياة فهذه الكلمات القرآنية لأنها كلمات الحي الذي لا يموت هي كلمات دائمة الحياة وتورث الإنسان الحياة وتعطيه المعاني في صورة الحياة ،قال تعالى أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
إذاً هذا الذكر المفروض أو هذا القرآن سيورث قلوبنا الحياة كما أن ربنا سبحانه وتعالى عندما ينزل المطر بيورث الأرض الميتة الحياة وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
إذاً القرآن سيورث الإنسان الحياة، إذاً نحن إذا قرأنا القرآن المفترض أن القرآن سيعطينا هذه الصور الحيّة التي تورث القلوب الحياة،ولذلك نحن قلنا قبل هذا كثيراً أن ربنا سبحانه وتعالى لماذا أمرنا بتدبّر القرآن، لماذا لم يذكر مطلق القرآءة، إننا نقرأ، لماذا التدبّر، قلنا التدبّر هي العملية الذهنية والنفسية التي يقوم بها الإنسان بحيث يصل إلى دبر -أي آخر- ما يمكنه أن يصل إليه بالمعنى ،
إذاً الإنسان سيبذل جهد في التدبّر والتفكّر الذي سيوصله إلى الإحساس بهذه المعاني ولذلك مجرّد القرآءة لن توصل إلى هذا.
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد بيقول : (من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ إذا الشمس كوّرت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقّت، وأظنه قال وسورة هود)
(من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين ، ما معنى (رأي عين) يعني كأنه يرى الحقائق الغيبية هذه مصوّرة أمامه، كأنه هو يعاين المشهد، شايف أحداث القيامة، شايف التغيّر والتبدّل ، لو قرأ هذه الآيات ، -طيب احنا بنقرأها- لماذا لا تعطي هذا؟
إذا يوجد قرآءة أخرى مختلفة ، القرآءة المختلفة هذه ستوصلنا إلى أين؟، إن الإنسان يرى هذه الحقائق الغيبية في هذه الكلمات المسطورة أمامه تتحول إلى حقائق معاينة مشاهدة بالأبصار، قال تعالى كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ نحن قلنا أن اليقين هو الحقائق الثابتة في قلب الإنسان، لها ثلاثة مراحل ، يوجد جزء غيبي كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ هذا هو الذي نتكلم عليه، ربنا سبحانه وتعالى يقول إذا نحن وصلنا في العلم لليقين سنرى جهنّم رأي عين ونحن في دار الدنيا ، ثمّ يمر الزمن ويأتي يوم البعث فنرى جميعاً؛ الموقن وغير الموقن ، المؤمن وغير المؤمن، يرى جهنّم رأي عين ، هذا الذي سماه ربنا عين اليقين؛ معاينة تورث اليقين،
المرتبة الثالثة: قول الله سبحانه وتعالى إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ قلنا حقّ اليقين المعاينة عندما أرى شيء، أنا أراها يعيني لكنني خارجها ،
فإذا دخل أهل الجنّة الجنّة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهلها، ودخل أهل النار النار نعوذ بالله سبحانه وتعالى من حرّها، فإذا كان هكذا بالداخل، هذا يتنعم وهذا يقاسي هذا هو حقّ اليقين ، المعايشة والملابسة للشيء، شخص سمع عن شيء -مثلا إن في حاجة اسمها عسل والعسل ده شيء طعمه كويس- الذي نقل لي هذا الكلام شخص ثقة مجرّب فأنا واثق في كلامه، كأني رأيته، وهذا علم يقيني، -شفته- هذا عين يقين، ذقته وأدركت حقيقة وصواب ما أخبرت به سابقاً هذا هو حقّ اليقين.
ولذلك حنظلة الأسيدي رضي الله عنه مرّ عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فوجده متغيّراً، وفي رواية الترمذي وجده يبكي، فقال له: مالك يا حنظلة -بتعيط ليه؟- قال: نافق حنظلة، قال: وما ذاك -ليه بتقول كده- قال: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكّرنا بالنار والجنّة حتى كأنّا رأي عين فإذا عافسنا الأزواج والأولاد والضيعة نسينا كثيراً، -هو بيقول إن هو منافق، وفي رواية المسند هو سمع الموعظة، وتأثر بها جدّا، وبعد ذلك ذهب إلى البيت وجلس يلعب مع أولاده وبعد ذلك تنبّه، يعني :ازاي من هنا لهنا، يعني ازاي الحالة ديه أنا مش مستصحبها هنا، المفروض تبقى معي على طول- فخرج من البيت -مجرد ما شعر بهذا خرج- فسيدنا أبو بكر رآه فسأله ،فقال له هذا، فقال له نحن جميعاً هكذا، فأخذه وذهب للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له نفس الكلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم ،-برده شكله باين عليه يعني سواءً كان بيبكي أو باين عليه التغيير الشديد إلى حدّ مقاربة البكاء، فباين عليه أنه في حاجة-، فقال له نفس الكلام.
قال: يا رسول الله نكون عندك فتذكّرنا بالنار وبالجنة حتى كأنّا رأي عين فإذا عافسنا الأزواج والأولاد -يعني انشغالنا بالعيال والشغل- عافسنا الأزواج والأولاد والضيعة نسينا كثيراً، فقال صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تدومون على ما أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة،
أنه مستوى الحضور اليقيني هذا لا يمكن أن يتوفر كل وقت ،لو كان الشخص يرى حقيقة الأمور يراها أمامه يراها هكذا لن يعرف أن يفعل شيئاً ، إذا كان هو يرى ومرتكز في ذهنه أنه سيموت الآن، لن يستطيع أن يفعل شيئاً ، ولذلك كان من رحمة الله أن الحقائق تقرب وتبعد لأجل أن تستمر الحياة ، فالإنسان لو أمامه الجنّة والنار يراهم هينقطع قطعاً عن الدنيا الذي يعيش فيها وهذا لا يمكن أن يحدث في كل وقت،
لكن الشاهد أين؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بينقلهم بموعظته أو بكلامه، بينقلهم إلى هذا المستوى اليقيني ، بيقول: حتى كأنّ رأي عين ، هم شعروا في هذا المجلس وفي هذه الموعظة النبوية المؤثرة إلى كأنهم يرون هذا ،
إذاً هذه الحقائق التي من المفترض أن نصل إليها، أو نحاول أن نصل إليها أو نحاول نوصل لها، أو نسعى نوصل لها من خلال ماذا، من خلال القرآن، سنحاول أن نمثل وإن كان هذا ؛ يعني التقحّم على الكلام على القرآن أو معاني القرآن هذا شيء ليس سهلاً ولا بسيط لكن نحن ليس أمامنا سبيل إلا إننا نحاول لأننا أمرنا ، لأن هذا امتثال للأمر، أصل الإنسان المفروض لو راجع نفسه إن هذا كلام ربنا سبحانه وتعالى، وهو من العظمة ومن الجلال والرقي إن الواحد المفروض لا يتجرأ عليه،
ولذلك من العلماء مثل سعيد بن المسيب، كان لا يقول في القرآن شيء، كان يخاف يفسر، لكن لأن هذا فرض واجب ونحن جميعاً أمرنا بالتدبّر وأمرنا بالتفكّر فلابد أن نحاول جميعاً، فهذه محاولة يشملها عفو الله سبحانه وتعالى ورحمته لأننا نحاول أن نمتثل أمر الله فمن ذلك
قول الله سبحانه وتعالى إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
فكأن ربنا سبحانه وتعالى بينقلنا -نحن هنا أهوه- بينقلنا إلى حياة الآخرة، لو أخذنا هذه الآيات كنموذج، وكيف ننتقل بكلام الله إلى أن نعيش الحقائق الغائبة عننا ، ونبقى كأننا في الموقف بشكل حقيقي، بمجرد أننا نحاول أننا نكتسب الحياة من القرآن الذي جعله ربنا تبارك وتعالى سرّ الحياة قال وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا الروح هذه ماذا تصنع؟ الروح هذه هي التي تحيل الجسد الميت إلى بنيان حي يتحرك وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا قال تعالى أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ فهنا ربنا سبحانه وتعالى يذكر حال أهل التكذيب والاستكبار في الآخرة بين يدي الله تبارك وتعالى، وإن هؤلاء لا أمل لهم في الفوز بالجنّة إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ في حديث البراء بن عازب الطويل الذي ذكرناه قبل ذلك الذي فيه ذكر صعود الروح ، أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر أن روح الإنسان الكافر أو المنافق حينما تصعد لا تكون كروح المؤمن التي تفتح لها أبواب السماء ويشيّعها من كل سماءٍ مقرّبوها، من الملائكة ، يوجد جسمان يشيّع تحت، وأناس تمشي به على الأرض ويوجد روح تشيّع فوق وتصعد في السماء حتى تصل إلى الله تبارك وتعالى فيأمر بكتابة هذه الروح وهذا الكتاب في عليّين وترد الروح إلى الأرض،
أما الثاني: النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في حديث البراء في هذه الآية لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إذاً (تفتح لهم) هذه حال صعود الروح، (ولا يدخلون الجنة) حينما تردّ الروح في البدن في الآخرة إلا إذا حدث شيء، ما الشيء الذي يحدث، أننا نأتي بجمل ، والجمل هذا: إما الجمل المعروف البعير يعني الحيوان ، يا إما هذا هو الحبل الغليظ الذي يربطون به المراكب -سلبه، تأتي – بسلبه- وتريد أن تدخلها في خرم الإبرة فلم تعمل هذا؟، لكي يدخل هذا الرجل الجنّة، نحن نريد أن يدخل هذا الرجل الجنّة سنأتي بالحبل أو نأتي بالجمل ونحاول أن نحشره لكي يدخل في خرم الإبرة، فهل سيدخل في خرم الإبرة؟ استحالة ، الاستحالة هذه ربنا سبحانه وتعالى جعلها لنا في صورة متحركة ، هاهو الجمل ، سواء كان حبل أو بعير وبنحاول نمرره، لو نجحت المحاولة هؤلاء سيدخلون الجنّة، وإذا لم تنجح ، وهل ستنجح، لا بس نحن نحاول ، نحاول أن ندخله ، فهم لن يدخلوا لماذا؟ لأن هذا مستحقّهم لأنهم كانوا مجرمين، وأكثر من هذا لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ المهاد هذا هو الذي تفرشه لكي تنام عليه ، مهيئة ومعدّة للراحة
ولذلك المهاد للطفل الذي بذلنا نحن جهد اعتناءنا الشديد به أننا نمهّد له المكان المريح لأجل أن ينام عليه، وما هذا المهاد، سيفرش لهم ماذا ليناموا عليه؟ النار، طب ويغطّون أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ الغواش هذه هي الغطاء ، الفراش والغطاء ايه؟ ولماذا هكذا، لماذا ذكر الفراش والغطاء، فهي نار وانتهى الأمر، سيدخلون النار وينتهي الكلام ، لا
يوجد شيء سيفرش، والفراش هذا من النار، فتظهر صورة ويتخيله الإنسان ، وغطاء وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ
والصورة المقابلة نقلة مباشرة، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لماذا وضعت هذه هنا؟،
لأن كثير مننا ممكن يتصوّر أن المطالب به لكي ينال رضوان ربنا والجنّة، هذا شيء صعب جدّاً وشاق ولا تطيقه أكثر النفوس، فهو فوق طاقة الإنسان العادي، وهذا الكلام للنبيين والصحابة والناس القديسين، هؤلاء هم الناس الذين يصلحوا للجنّة، أما الإنسان العادي هذا يكون أمر صعب بالنسبة له، المطالب به من العمل فوق طاقته أو فوق قدرته وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا أي هذا العمل كل امرئ على حسب طاقته وعلى حسب المتيسر له وعلى حسب ما اتّسعت إليه أحواله ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم جعل الإيمان مراتب، قال (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير).
فكل نفس ربنا لا يكلفها إلا ما أطاقت وفي النهاية لن يدخل أحد الجنّة إلا برحمة الله كما أخبر صلى الله عليه وسلم،، لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، أما وهم داخلون وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ، لماذا (نزعنا) قلنا تتشكل في أعيننا صور، الغل هذا ، الحقد ، الضغينة موجودة في أصل الصدر أو في أصل القلب جذورها لا تخرج، هذا ما معناه؟ معناه أنني كنت أحاول أن أطهر قلبي ، لكن يوجد أشياء لم أقدر على فعلها، يوجد مواقف صعبة لم أقدر أن أتجاوز عنها، يوجد إساءات أنا لم أقدر أن أمسحها،
وهل ينفع أن أكون إنسان مؤمن ويكون عندي هذا -مهو أهوه- لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا هؤلاء هم أهل الجنّة وبقى شيء بالداخل هكذا، إحنة لازالت موجودة، فلازم تنزع بقوة،
لماذا لم أقدر أنا أن أخرجها؟ لأنها كانت لاصقة بقوة، ولم أقدر على مسحها، أنا لم أقدر، فلازم تنزع بشدة قوية، لكي يخرج جذرها من القلب ، فالقلب يطهر وينقى، وفي نفس الوقت لا يتجدد له أثر، لأن المؤمنين سيعطي لهم من النعم ، وهذه النعم ستغنيهم، فلن ينظروا إلى التفاضل بينهم، أنه يوجد شخص أعلى من آخر، لا الكل راضي رضى تام، وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ وقلنا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ أي لا يوجد فيها القفا -ليست كالسينما- فهم كلهم ينظرون لبعض وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا توفيق ربنا وفضله الذي ساقهم إلى الطريق ومكنّهم من الطريق الذي يأخذهم إلى هذه النعمة وإلى هذه الجنّة،
وَنَزَعْنَا و قَالُوا هذا مستقبل أم ماضي، يعني نحن الآن انتهينا من الآخرة خلاص، أم نحن مازالنا في الدنيا ، فلماذا التعبير يكون بصيغة الماضي،، هذا شيء حصل وانتهى، فنحن نعيش الحدث كأننا مررنا به، فوصلنا أننا تجاوزنا هذه المرحلة وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا (نادى) أيضاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ لماذا ، ربنا يقول وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ الجنّة والنار من الاتّساع بحيث أنها تشتمل كل الناس، فلو كل الناس طائعين يدخلون الجنّة وزيادة، وكل الناس لو عصوا عياذاً بالله يدخلون النار تسعهم وزيادة، طب عرضها السماوات والأرض، إذن فهذه شيء لا يأتي عليها التصور والإدراك، والنار مثل ذلك ، فهؤلاء كيف ينظرون إلى هؤلاء، وهؤلاء ينظرون كيف إلى هؤلاء، ويناديه من أي مسافة من كم؟ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ
هم مشغلون بنعيم الجنّة فلم ينادون الآخرين ، لسوالف مرّت في الدنيا، حرص على التكذيب والإنكار ، حرص على تشويه الصورة، حرص على تشكيك المؤمنين في عاقبة أمرهم ، هذا كان يؤذيهم ولذلك هم الآن -ايه الأخبار؟- فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ هكذا انتهى الحوار ، وبعد هذا (فأذن) نادى منادي فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يصدّون،كل هذه الأشياء كنّا نتحدث في الماضي ، كل هذه الأشياء المفروض تكون انتهت خلاص، (نَادَى) و قَالُوا نَعَمْ المفروض هذا انتهى
رجعنا مرة أخرى لصيغة المضارع لأنها شيء نعيشه ، لأننا فعلاً هنا، فنحن ذهبنا إلى هناك، رأينا هؤلاء الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ هو ليس فقط هو بعيد، لا هو يريد أن يبعد الناس ، وأكثر من هذا وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا يعني يريد أن يخرّب السبيل نفسه ، هو يريد أن يلعب في معالم الطريق نفسه فيضّيع معالمه، بحيث حتى الذي يفلت منه -وعاوز يمشي- لا يعرف أن يصل، ولذلك هؤلاء استحقّوا أنهم حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ الكفر هذا هو الذي أدى إلى هذا ، وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ سور فاصل وفوق هذا السور يوجد أناس جالسون وَعَلَى الْأَعْرَافِ أي أنه فوق السور هذا وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ هما شكلهم -مهو هذه جنّة وهذه نار- فلماذا قال السيما؟، هذه الجنة معروف إن هؤلاء هم أهل الجنّة، وهذه نار، فمعروف أن هؤلاء أهل النار، فلماذا ربنا عبّر بالسيما -العلامة-؟ ليبيّن أثر النعيم وأثر العذاب
علامات النعيم وأماراته هنا ظاهرة، والعلامات المقابلة عند أهل النار ظاهرة أيضاً ، فالسيما هي العلامة، تبدو عليهم وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ هم يتمنون أن يبقوا هنا لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ هم يتمنون أن ربنا يمنّ عليهم فينقلهم هذه النقلة، وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ لماذا صرفت ، لماذا لم ينظروا هم، لأن هذا شيء لا ينظر له، كأنهم بصرهم بيتحول، أو وجوههم بيتحول، قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا أناس في جهنّم وهم رؤوس الكفر عياذاً بالله يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ الرجل كل ما جمعه من أموال أو من مناصب أو من نياشين أو من أتباع أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ هم الناس -الغلابة- هم كانوا يقولون أن هؤلاء لا يمكن أن يدخلوا الجنّة ونحن لا ندخل ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ وبعد ذلك وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ هم رغم كل شيء يعرفون أن هؤلاء ربنا جبلهم على الرحمة وجبلهم على البرّ وجبلهم على الإحسان لأي أحد حتى هؤلاء، فهم يخاطبوا خطاب العاطفة والرحمة والرّقة فيهم، فقالوا: لايمكن قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وبعد هذا، وبعد هذا الله سبحانه وتعالى يحسم الأمر وينادي فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كما قال الله تعالى في سورة الجاثية وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ما معنى ننساكم، هل النسيان بمعنى الغفلة، عياذاً بالله، النسيان هو الترك ، الإهمال نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هم ماذا كانوا ينتظرون هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ هم ينتظرون تحقق هذا الوعد يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ خسروا أنفسهم ، الإنسان ممكن يخسر في الدنيا فلوس يخسر سيارة ، لكن الإنسان يخسر نفسه، قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
الحمد لله رب العالمين
قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ الآيات هذه متّصلة بسبب من الآيات هنا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ
هنا ربنا سبحانه وتعالى ذكر مصير الكافرين وذكر مصير المؤمنين، كتاب الفجار في سجين، وكتاب الأبرار في علييّن، إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ربنا سبحانه وتعالى ذكر مصير هؤلاء ومصير هؤلاء وبدأ سبحانه وتعالى ينقل لنا صورة نعيم أهل الجنّة، المفروض حتى كأن رأي عين ، وبعدها مباشرةً رجع بنا إلى دار الدنيا ولكنه ماذا قال؟ سبحانه وتعالى قال إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا كانوا ، كانوا،
المخاطبين من الصحابة كانوا في دار الدنيا أم في دار الآخرة ، كانوا في دار الدنيا، فلماذا ربنا سبحانه وتعالى يعبر بالماضي عن الواقع ، وعكس هذا قول ربنا سبحانه وتعالى وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ يصنع، يصنع الفلك هو يعمله الآن، الفلك هذا من زمااااااااااااااااااااااااان جداً، نحن لم نسمع عنه ولم نراه، حتى أخبرنا به سبحانه وتعالى، هذا قديم جداً، المفروض (وصنع الفلك) لا (ويصنع الفلك)
إذاً ربنا سبحانه وتعالى بينقل لنا، أو ينقلنا نحن لزمان نوح عليه السلام بحيث أننا نمر عليه أو نراه وهو يصنع الفلك، وكلمة (يصنع) هذه تدل على ماذا؟ أن هذا شيء متجددة وأخذت زمن، هو أخذ وقت لكي يعمل هذا ، وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ هو قعد يصنع الفلك، نحن نراه، هو يصنع الفلك ، وأشراف قومه من الكافرين -عملينه سلَّوه- يتسلوا به، -وعملين شفتات- (كلما) شيء متجدد، مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ -هما عاملين شفتات كل شوية حبه يعدوا، عشان ايه ، عشان يقسموا عليه-
رجل بعد 950 سنة من الدعوة فهو رجل كبير وعاقل ، بعد هذه السنين الطويلة هذه جاء في منطقة صحراوية لا يوجد فيها بحر نهائياً ولا ماء، وقرر أن يصنع سفينة كبيرة، 950 سنة ، فهم راحين جايين إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا إذاً المؤمنين في هذا الوقت كانوا يعانون من الاضطهاد الشديد في مكة، وربنا سبحانه وتعالى يحب أن يواسي هؤلاء، يحب أن يطيّب نفوس هؤلاء ،فكأنه سبحانه وتعالى ينقلهم بقلبهم ، فهم الآن موجودين في الدنيا ، هذه الأجسام موجودة في الدنيا، القلب هذا ينقل ، ينقل للجنة، وتصوّر له مآسي الحياة على أنها تاريخ ماضي ، كأنه هو الآن يتذكّره،، هل هو فعلاً هذا كان حقيقة، لا ، هو كان في الدنيا ويعاني في هذه اللحظات، فربنا سبحانه وتعالى ليزيل عنه الأثر هذا أو يخففه عنه على الأقل يرفع هذا الذي هو محلّ التأثر ومحل الإحساس وينقله للآخرة ويترك الجسد ففي الدنيا إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ماذا تعني ، ما معنى وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ إذاً هنا ربنا سبحانه وتعالى ليس بصدد تبيّن من المحق ومن المبطل من على صواب ومن على خطأ،
أنت ترى أنك على صواب، انتهى، أزله من رأسك، ربنا لم يرسلك حفيظ عليه أي حاكم عليه لأجل أن تحكم عليه أنه على صواب أم خطأ، أنت ترى نفسك هكذا، وأنت عقلك يريحك خلاص،
فاليوم فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ إذاً (كانوا) في الدنيا ، و(اليوم) هذا ما هو ، يوم القيامة، وأين هم هنا أم في الدنيا؟، هم بقلوبهم المفروض في الآخرة، فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ مثلاً بمثل، سواءً بسواء عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ، ثم يقال لهم هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
أنتم استرحتم، رضيتم، أنتم شعرتم أنكم سعيدون، فهم يخاطبون : هل أخذوا ثوابهم، هل أخذوا ثواب فعلهم أم لا؟
إذاً ما تكلمنا عليه اليوم -ونكمل ما كنّا سنكمله الخطبة القادمة إن شاء الله- أن القرآن بيبثّ الحياة في نفوس الناس وإن المفتروض أن تكون قراءتنا للقرآن توصلنا لهذا، ما هذا؟ أننا نرى الحقائق وما كان من المغيّبات كأنه حقيقة مشاهدة ، وأن القرآن -كلام الحيّ سبحانه وتعالى – يورث الإنسان الحياة ويعطيه الصور، وأن كذلك الموعظة المؤثرة كما كانت الموعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤدي إلى نفس النتيجة ، وهذا شيء مهم إن شاء الله نتحدث عنها المرة القادمة،، الموعظة المؤثرة ، أننا الآن نعاني من ماذا، خطاب القرآن، خطاب الحياة ، لكن ممكن الذي نقرأه أو الخطاب الديني الذي نتعامل معه، هو خطاب الموات لا يعطينا الحياة ولا يعطينا الروح، ولا يعطينا التأثير، ماذا نصنع؟، هذا مصدر الحياة ومحلّ الحياة ، لو أحسنّا التعامل مع القرآن لأن هذه طبيعته سيعطينا الحياة وسيعطينا اليقن الذي نبحث عنه ، اليقين هذا إلى أين سيوصلنا؟
اليقين هذا نحتاجه لنستطيع أن نتعامل مع الحياة ، نحن نعيش في دنيا، الدنيا هذه تمثل بالنسبة لنا اليقين ، عالم الشهادة الذي نشهده ونراه ، نعيش بداخله بجوارحنا ومشاعرنا وأحاسيسنا كل شيء، الناس الذين نتعامل معهم ، الأفكار التي يموج بها المجتمع، هذه هي الحياة، عالم الشهادة .
ويوجد عالم آخر بعيد اسمه عالم الغيب لا نراه ولا نحسّه ولا نلمسه ولا نعيش فيه ، ولذلك هو بعيد ، فلكي نستحضره، لكي يؤثر فينا لابد أن نعيشه، كيف نعيشه كانوا وبعد ذلك فاليوم هذا هو .
فنحن نحتاج أن نتصل بالقرآن اتصال الحياة، والدعاء، الدعاء ،الدعاء، بأنّ ربنا سبحانه وتعالى يحي بالقرآن القلوب، أليس هذا ما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم (ما أصاب عبدٌ قط همٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٌ فيّ حكمك، عدلٌ في قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك -أسماء الله ستعطينا الحياة وتعطينا الرحمة ، تعطينا الإحسان، تعطينا البرّ، وهذه آثار أسماء الله- سمّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك،
ماذا ، ماذا أطلب بعد هذه المقدّمة العظيمة هذه ، (أن تجعل القرآن ربيع قلبي) يعني ايه ربيع، الربيع: هو المطر، المطر هذا ماذا يصنع، يحي الأرض بعد موتها اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إذاً ماذا أطلب من الله أن يجعل القرآن هذا حياة للقلب، ربيع قلبي ونور صدري وذهاب همي وجلاء حزني
هل نريد شيء آخر، يوجد شيء آخر بتقلقنا ، يوجد شيء آخر ينغّص علينا ، فإذا صنع الرجل هذا ، هذا وعد صادق، (إلا أذهب الله غمه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً)، هل نريد شيء آخر، هل يوجد شيء آخر نحن نطلبه،
فإذا قلنا هذا بدون مصحف، أنا سأخرج هذا الدعاء من حصن المسلم وأقوله،، أنا أقول يا رب اجعل هذا القرآن يحي قلبي، والقرآن بعيد ، كأني آخذ الدواء وأقول يا رب اجعل فيه الشفاء، فنحن نأخذ -الروشته- ونضعها في جيبنا ونرفع يدنا إلى السماء ونقول يارب يارب -الانتي بيوتك- هذا يشتغل ، الورقة في جيبي، طب آخذ البرشام، أنا لازم آخذ الدواء ثم أقول يارب اجعل فيه الشفاء ، وهذا هو الطبيعي ، احنا بندعي أهوه،
فأين هو الذي من المفترض أن ينوّر،، على الرفّ!!، كيف سيأتي، نفكّر لن تأتي، هو الدعاء وأنا أقول يا رب اجعله يثمر، يارب اجعله ينفعني فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ لماذا الاستعاذة قبل القرآءة لأجل أن يصرف ربنا عني الشيطان فانتفع بالقرآءة وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ النعمة العظيمة أن ربنا يهدينا إليه
الهداية هذه بفعلنا نحن، يعني نحن أقواياء جدّاً،لا نهائياً، نهائياً، نهائياً، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ لازم ربنا يوفّقنا، فنحن نريد أن نقرأ ونقول: يا رب اجعل القرآءة تكون مثمرة ومؤثرة، تحقق الحياة وتذهب الهمّ والحزن سيدحث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يقول وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى فالذي نخرج به من الكلام الطويل الذي قلناه هذا، القرآن يعطي الإنسان الحياة، إذا أراد أن يستمدها منه، ويسأل ربنا سبحانه وتعالى أن يرزقه هذه الحياة ويذهب عنه الهمّ والحزن ، فالإنسان يرتاح، أصل الموضوع بسيط، كل حاجة بيد الله ، كل حاجة بيد الله، كلنا موقنين بهذا، كل حاجة بيد الله، فلماذا نحمل الهمّ ،
ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يدبّر الأمر، فأنا أوكل الأمر إلى الله سبحانه وتعالى فأطمئن، الحلول بسيطة وقريبة ، ولكننا لأننا بعدنا عن اليقين، بعدنا جدا عن الإحساس بالله، بعدنا جدا عن تجليات وأحاسيس الروح،
الحياة المادية الطاغية سيطرت علينا،، الأحاسيس ،الروح ، المشاعر، الاتصال بالله، الاحساس برحمة الله ، الاحساس بوجود الله، الاحساس برحمة الله في كل فعل وفي كل تقدير ، هذا أصبح بعيد جداً، لن يرجع بدون قرآن ، لن يرجع بدون مصحف، وهو بين يدينا وقريب جداً، وسهل جدّاً ،بس نحن مكسلين نمد أيدينا خطوة للأمام، فلماذا
لماذا نحن نحرم أنفسنا من هذا، لا يوجد شيء آخر، لا يوجد شيء آخر مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا احنا عاوزين الدنيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا نحن لا نريد الآخرة ، نحن نريد الدنيا وفقط، هذا جميل من أين نأتي بها ، من أين نأتي بها.
قال صلى الله عليه وسلم (ما عند الله من الرزق لا ينال إلا بطاعته) أيضاً ، الرزق ملك ربنا، الذي عنده خزائن كل شيء،
هي معاني بسيطة، ونحن نعرفها، نحن نعرفها ، لا يوجد شيء مما قلته كلام جديد، كلنا نعرف هذا الكلام، لكن يوجد فرق ما بين أنني أعرف ، وما بين أنني أحس وأتأثر، أنقل الحقيقة من هنا إلى هنا،، المعرفة هنا، وهذه المعرفة تتحول إلى إيمان فتأتي هنا، فأنا المطلوب مني أسحب الذي أعرفه هنا، فأضعه هنا في القلب يتفاعل معه، ويتأثر به، فيبدأ يظهر هذا في صورة أقوال وأفعال وسكون واطمئنان فقط.
إذا نحن لدينا معارف المعارف هذه نريد أن ننقلها فتبقى حقائق إيمانية؟ شيئين: اقرأ قرآن وأدعو ربنا أن ربنا يرزقني بركة القرآن كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ –بركاته لا تنقطع– لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا ،ذهاب همومنا وجلاء أحزاننا ،اللهم ذكرنا منه ما نسينا ،وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا
اللهم ألبسنا به الحلل وأسكنا به الظلل، واجعلنا به عند النعماء من الشاكرين وعند البلاء من الصابرين، ولا تجعلنا اللهم ممن استهوته الشياطين، فشغلته بالدنيا عن الدين
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم