بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ أصحاب التواريخ ودراسة طبقات الأرض والحفريات قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ثم قال تعالى أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ
فالله سبحانه وتعالى بعد ما سأل العباد فى يوم المعاد عن مقدار لبثهم فى الأرض قالوا أنهم لم يلبثوا إلا قليلا. كما أخبر الله سبحانه وتعالى حينما تسائل أصحاب الكهف فيما بينهم بعد ما ناموا ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا قالوا أيضا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ. قال الله سبحانه وتعالى فى شأن اليهود وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ثم وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ فهذا المكث الطويل فى الدنيا، وهذا التمتع الطويل بها لا يغنى عن أصحابه شيئا أن لم يقدموا شيئا ليوم المعاد.
قال تعالى أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ
فطول تمتع الانسان فى هذه الدنيا لا يغنى عنه من الله شيئا إلا إذا أعد للقاء الله عز وجل فى الدار الآخرة. ولذلك عقّب الله تبارك وتعالى بقوله أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ
نحن قد رأينا معتبرا فى رئيس بلادنا وفى بعض المقربين إليه من ذويه وغيرهم، فرأينا فيهم معتبراً لأنه قد أصابه بعض ما أصابهم فى دار الدنيا. لكن لو لم يكن قد أصابه ما أصابه، أليس يلقى ربه عز وجل غدا؟ قال تعالى وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ حينما تأتيهم السكراتوَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ يعنى حينما تأتيهم المنيّه، حينما يأتيهم الأجل يتمنوا أن لو نالوا الايمان، ولا يمكنهم أن ينالوه فى هذه اللحظات.وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ أى تناول الايمان مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ. وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ وراءهم وأمامهم. َحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ من متاع الدنيا الذى خلّفوه وراء ظهورهم بحيث لا يمكنهم الاستمرار فى النيل من هذا النعيم. وحيل بينهم وبين ما يشتهون فى هذه اللحظات من الايمان الذى ينجيهم حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ.
فالله سبحانه وتعالى يستنكر على عباده كل العباد هذا خطاب لغير المؤمنين أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ يعنى لا يتصور أن الانسان الذى يعقل – مؤمنا كان أو غير مؤمن – هذا الانسان لا يتصور منه أن يظن أن الله سبحانه وتعالى بعلمه وحكمته يخلق كل هذا الخلق عبثا بغير حكمة وبغير مقصد عظيم يخلق الله عز وجل له الخلق. أيحسب الانسان أن يترك سدى هملا لا يؤمر ولا ينهى؟أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ يطيع من يطيع ويعصى من يعصى… يؤمن من يؤمن ويكفر من يكفر… يَظلم من يَظلم ويُظلم من يُظلم ثم يستوون ترابا؟ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الله سبحانه وتعالى يتعالى ويتنزه ويتعظم عن أن يخلق هذا الخلق لغير حكمة وبغير طائل. والله سبحانه وتعالى بيّن هذه الحكمة فى قوله وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فالله سبحانه وتعالى ذكر لنا علّة الخلق.. ونص لنا فى كتابه على وظيفة هذا الخلق إلا وهى العبادة. ثم بيّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم جزءا رئيسا من معنى هذه العبادة فقال النبى صلى الله عليه وسلم ” الدعاء هو العبادة ” فالنبى صلى الله عليه وسلم جعل العبادة فى حقيقتها هى الدعاء. لماذا كان الدعاء؟ أو عدّ النبى صلى الله عليه وسلم الدعاء هو العبادة؟ لأن الانسان حال دعائه لله عز وجل يستحضر عظمة الله، يستشعر قدرة الله، يحس بقوة الله، يعلق قلبه بالله، يغيب عن قلبه وعن ذهنه وعن خاطره أى شريك نصبه الناس شريكا لله فى ملكه وعظمته وسلطانه. فيخلص حينئذ حقيقة الاخلاص لله. فحقيقة العبادة أن يخلص العبد لله أن يستشعر الانسان وجود الله، يستشعر الانسان عظمة الله، يستشعر إلا ملجأ من الله إلا إليه.
اللهم إنى اعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لاأحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
فالأمر كله لله، كل شىء بيد الله سبحانه وتعالى. ولذلك حقيقة العبادة إذن أن يستشعر الانسان فى كل وقت وجود الله تبارك وتعالى. أيا كان حاله. يستشعر فى حال السعة أو فى حال الضيق. فى حال النعماء أو فى حال البأساء. فى حال الطاعة والبر وفى حال المعصية والزلل. يستشعر فى كل هذه اللحظات وجود ربه عز وجل ويعلق قلبه بالله ويكون دائما ذاكراً لله متوجها اليه. ولذلك الله سبحانه وتعالى إلى على نفسه أن يجيب دعاء من كان هذا حاله وإن كان فى غير هذه الحال وفى غير هذه الصورة كان ربما من المشركين. قال تعالى أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ المضطر هو الذى يستشعر ضرورة أن يجيب الله دعاءه وأنه لا يملك اجابة هذا الدعاء ولا يكشف هذا البلاء إلا الله سبحانه وتعالى فلا يكون فى قلبه حينئذ إلا الله. الله سبحانه وتعالى يتكلم عن المشركين فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ
هؤلاء الناس كانوا إذا أصابتهم الشدائد والمحن – ضل أى تاه – أى كل من كانوا يعلقون به قلوبهم فى لحظات السعة والرخاء يضيع ويذهب من أذهانهم، ينسونه كلية ولا يذكرون حينئذ إلا الله. لا أن الخلق كل الخلق مؤمنهم ومشركهم يعلمون أنه لا يأتى بالخيرات ولا يذهب بالشرور إلا هو سبحانه وتعالى.
سأل الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً رجلاً من المشركين قال: كم تعبد؟ – وكانوا يعبدون أصناما – قال أعبد سبعة، ستة فى الأرض وواحد فى السماء.
قال من الذى تجعل لرغبتك ورهبتك؟ – حينما تحتاج إلى شىء أو تخاف من شىء – قال الذى فى السماء. هو يعرف أن هؤلاء لا يملكون من أمره شىء. لذلك الله سبحانه وتعالى سجل عليهم ذلك حين قال مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى هم يعلمون أن هذه ليست آلهة تملك… ولكنهم يرون أنهم لهم قدر ومكانة ومنزلة فهم وسطاء بيننا وبين الله. فنحن لا نستطيع الدخول على الله سبحانه وتعالى مباشرة بدون هؤلاء فنحن ملطخون بالمعاصى والأوزار، فنحن نتوسط إلى الله بقوم نظن فيهم الصلاح والبر فنجعلهم واسطة بيننا وبينه.إذا هذا الحديث يبين لنا حقيقة العبادة. فالعبادة ليست مجرد أشكال وهيئات، لا.. فهى جوهر وحالة فى القلب.
” إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ” .
حقيقة العبادة هى حالة موجودة فى القلب. أن الانسان يستشعر الله ويستشعر وجود الله سبحانه وتعالى فى كل وقت وهذا هو العاصم للانسان من الهلاك. يقول الله سبحانه وتعالى فى خواتم الفرقان قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ. الإنسان ليس له وزن أو قيمة أو شأن أو قدر ولا يلتفت الله عز وجل اليه أصلاً إذا لم يكن داعيا لله، مخلصاً لله، مؤمنا بالله. قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا إذا خرجتم من هذه الدائرة، من دائرة الدعاء، من دائرة الإيمان، من دائرة التوجه لله سبحانه وتعالى فى كل وقت وحين. حينئذ خرجتم من إطار إكرامه ومن إطار إنعامه. فأصبحتم حينئذ ممن هدد بالعذاب والهلاك والبوار. قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.