Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

العقل و الإيمان

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمد عبده ورسوله خاتم الأنبياء وصفوة المرسلين؛ صلى الله عليه وعلى وصحبه الطيبين الطاهرين ثم أما بعد:

كنا في الحديث عن طبيعة العلاقة بين الايمان وبين الغباء. وذكرنا أن المرء يدرك أن هناك تنافيا بين الايمان وبين الفسق، بين الايمان وبين الفجور، بين الايمان وبين الولوغ في الرذائل، فكذلك أن هناك تنافيا بين الايمان وبين الحماقة وبين السطحية وبين السذاجة وبين الغباء. وذكرنا في الجمعة قبل الماضية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم ( إن المؤمن لايلدغ من جحر واحد مرتين) ووقفنا عند تعبير الايمان، وقلنا أنه من الطبيعي أن يعبر بالذكاء أو بالفطنة، الانسان الذكي أو الفطن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، فلماذا عبر بالايمان؟؟. وذكرنا أن لهذه الكلمات واقعة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أظهره الله على المشركين في يوم بدر، وقع في يده صلى الله عليه وسلم عدد من الأسارى بلغوا الى 70 رجل فكان منهم أبوعزة الجمحي الشاعر، فتضرع وتوسل الى رسول الله صلى الله عليهو سلم أن يطلقه لأن له بنات ولا راعي لهن غيره وهو رجل فقير لا يملك فداء لكي يفدي نفسه، فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم سماحة وكرما، وعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يكون عليه لا بيد ولا بلسان، فلما عاد الى مكة أطلق لسانه كما كان يطلق ثم خرج في أحد مع المشركين. وكانت الدائرة في آخر النهار مع المشركين بعد أن كانت في أوله مع المؤمنين وقتل فيها من المؤمنين من قتل، 70 رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤخذ من المشركين أحد لأن الغلبة كانت لهم، ولكن أبا عزة الجمحي أخذته أيدي المؤمنين، الوحيد الذي وقع في أيدي المؤمنين يومئذ رغم أن الدبرة كانت عليهم. فلما أتي به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر مقالته كما هي، أن عنده بنات صغار ولا عائل لهم غيره، فقال صلى الله عليه وسلم ( لا أراك تمسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمدا مرتين، إن المؤمن لا يلغ من جحر واحد مرتين).

و قد جاء في المسند أيضا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( إن المؤمن غر كريم وإن الفاجر خب لئيم) يعني ماذا؟

هو يقول أن المؤمن لصفاء نفسه ونقاء سريرته فهو حسن الظن بالناس حتى يظنه من لا علم عنده ولا عقل له، يظنه ممن يخدع وممن لا يفهم وممن لا يدرك طبائع الناس، فهو غر لأنه كريم، فكرم أخلاقه وبعده عن السوء وحسن فعاله يحمله على إحسان ظنه فهو غر لأنه كريم ليس لأنه لا يدرك أو لا يفهم أو أن الآخرين يمكن أن تنطلي حيلهم عليه فهو لكرم أخلاقه ولجميل خلاله يحسن الظن بالناس ويحسن التعامل معهم، وأما الفاجر فهو خب أي مخادع ماكر لأنه لئيم، فيظهر لئم طبعه في أنه يمكر ويخادع، لذلك قال عمر رضي الله عنه وأرضاه (لست بالخب وليس الخب يخدعني)، ماذا تعني؟ أي لست بالشخص الماكر المخادع، لأن الدين يحجزه ويمنعه عن هذا، ولكن لا يمكن للماكر المخادع أن يخدعه، لذلك قال المغير بن شعبة وهو يصف ابن الخطاب ( كان والله أفضل من أي يخدع وأعقل من أن يخدع) أفضل دينا، وأعقل من أن يقدر أحد على أن يخدعه. إذا العقل إنما يبتنى على الدين وعلى الايمان.

هذا العقل، هل يعترضه ما يذهبه؟، أي ممكن أن يكون الانسان له عقل لكن هل يستديم هذا العقل طوال الوقت؟

أبو بكرة رضي الله عنه كتب الى ابنه وكان بسجستان ( ألا تقضي بين اثنين وأنت غضبان فقد سمعت رسول الله صلى اللع عليه وسلم يقول: لا يحكم حكم بين اثنين وهو غضبان)، ابن أبي بكرة رضي الله عنه عين قاضيا بسجستان، فأرسل اليه أبوه يعظه ويعظه فقال (لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان لأني سمعت رسول الله صلى اللع عليه وسلم يقول: لا يحكم حكم بين اثنين وهو غضبان).

إذا الحكم أو القاضي الي عنده قدر من العقل والحكمة والفطنة ما يمكنه أن يصير قاضيا لأنه ليس أي أحد يصلح أن يكون قاضيا. فقد قلنا قبل ذلك أن الشخص قد يكون عالما أو مفتيا لكن لا يصلح أن بكون قاضيا، أي يمكن أن يكون أكثر علما لكن لا يصلح أن يكون قاضيا، فهو يحتاج صفات معينة قد لا تتوافر في شخص عنده قدر كبير من العلم، وذكرنا الشعبي إمام التابعين ورجل من أعلم أهل زمانه حضر يوماً عند شريح القاضي، الشعبي أعلم وأفقه من شريح فاجاءته امرأة تشتكي من زوجها فجلعت تبكي، فأوصى شعيبُ شريح بالمرأة قال: إنها ضعيفة وإنها مسكينة، فقال شريح: إن أخوة يوسف ألقوا أخاهم في الجب ثم جاءوا آباهم عشاءً يبكون، ليس بالبكاء، القضاء هو حجج وبينات تنظر فيها ثم تقضي، فكونها تبكي أو لا هذا لا يهم وليس له علاقة بالحكم، فنحن لدينا الشعبي، فالشعبي أعلم لكنه مع علمه لا يصلح أن يكون قاضياً إذا كان يتأثر إذا كان أحد الخصمين مظهراً للضعف أو محاولاً أن يؤثر عليه ببكائه.

 وإذا غضب القاضي؟ ولذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم حال غضبه، لما؟ فإذاً الحالة الإنفعالية والنفسية للشخص ستؤثر على منطقه وعلى تفكيره وعلى حكمه على الأشياء، ولذلك العلماء قالوا أن الشخص إذا غلب عليه الحزن أو غلب عليه الهم أو سر أو فرح فرحاً فيه قدر من التجاوز أو كان مريضاً أو كان مجهداً أو احتاج إلى النوم أنه لا ينغي له والحال هذه أن يتصدى للفصل بين العباد.. لماذا؟..

 فإذاً الشخص من الممكن أن يكون عاقلاً لكن حالته النفسية تؤثر على أحكامه، حسناً، إذا كانت هذه الحالة مزمنة؟ فمن الطبيعي أن تكون الحالة عارضة فهذا الرجل قد عرض له الغضب أو استقزه شخص فهذا شيء عارض ويجب أن يعود إلى حالته الطبيعية حتي يستطيع أن ينظر في الأمور النظر السديد، حسناً، وإن أخذ قراراً وهو منفعل أو غضبان لن يكون قراراً صائباً أو سديداً.

 وإذا كانت هذه الحالة مستدامة أو شبة مستدامة؟ أي أنه شخص لديه حالة من الاضطراب دائماً هو في حالة مرضية فإذاً الشخص طالما هو في حالة غير سوية دائماً ستكون نظرته وأحكامة وتقيمة للامور غير سديد وإن كان هو بأصل تفكيره لو في الحالة العادية يكون وضعه طبيعياً يستطيع أن ينظر في الأمور النظر السديد، اليوم كم تعرف من رجال تسطيع أن تقول أنهم أسوياء نفسياً؟ كم تعرف من الرجال تستطيع أن تقول عنهم أن أسوياء وطبيعين وليس لديهم مشاكل وبالتالي أحكامهم على الأمور ونظرتهم لها تكون نظرة سديدة.

قال أبو سعيد رضي الله عنه: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى – مصلى العيد – في يوم فطر أو أضحى فخطب الناس ثم مر على النساء فوعظهن، فالنبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس كل الناس ثم اختص النساء بتوجيه فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت امرأة منهن جزلة، أي تملك قدراً من العقل أو الرأي، قالت: ولما يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن.

 فالنبي صلى الله عليه وسلم مر عليهن ونصحهن فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فسألت: لما؟ فذكر ثلاثة أشياء، أولاً: كثرة اللعن، كثرة الدعاء بما يكره على نفسها أو أي أحد وكثرة الطعن وكثرة الانتقاص وكثرة الإيذاء باللسان، هذا أولاً.

 تكفرن العشير وتكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى أحدهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: والله، ووالله هنا تعني أنها تقسم وتعتقد الصدق، والمشكلة تكمن هنا، قالت: والله ما رأيت منك خيراً قط، للنفي المطلق والتام، وهذا القسم يدل على أن الإحسان يُنسى، يضيع تماماً ولا يظهر ولا تشعر به، فإذاً إني رأيتكن أكثر أهل النار ذكر ما يتعلق بالطعن باللسان ثم جحود الإحسان، وأمرهم بماذا؟ أن يكثروا من الإحسان لأن ربما هذا الاكثار من الإحسان ربما يعادل هذا الجحود للفضل والإحسان، وقلنا قبل ذلك أن من المنطقي أن يقول لهم لاتفعلن هذا الأمر لأنه موجب للنار، فمن المفترض أن يقول لهم لا تكثرن اللعن ولا تكفرن العشير لأن ذلك يوجب لكن النار، هذا الأمر الطبيعي، أنك تحذر الشخص من فعل شيء يورده موارد الهلكة فتقول له لا تفعل ذلك لأنه سيهلكك، النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك وقال شيئاً آخر، شيء يحاول أن يوازن أو يعادل ذلك، حين سئل لما؟ قال بسبب كذا وكذا.

فإذاً الشخص أحياناً تكون عنده مشكلة وأنت تعلم أن علاج المشكلة صعب وإن وضعته أمامها لن يستطيع مواجهتها فماذا تفعل؟ تدعوه إلى ما به يستطيع أن يعادل هذا أو يخفف منه وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ الحسنات يذهبن السيئات، ولذلك ذكرنا قبل ذلك كثيراً تعقيب النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبو هريرة رضي الله عنه حينما قيل له: يا رسول الله إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق قال: سينهاه ما تقول، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم على أن الصلاة وتدعيمها وتثبيتها وتأثيرها والمداومة عليها ستحمله أو ستعطيه القوة أو ستجعله يبعد عن ذلك، تحول بينه وبين معصية الله وتحول بينه وبين السرقة، ولم يتوجه إليه ولم يسأل من ذلك الرجل ولم يطلب أن يأتي إليه ولم ينصحه ولم يعظه وإنما قال أن الصلاة ستكفل له السلامة.

فهنا يأمرهم بالصدقة وكأن هذه الأشياء موجودة عندهم لدرجة أنه من الصعوبة أن يتخلصن منها لكنه أشار إليها لأنه من المفترض أن الإنسان حتى وإن كانت هناك أشياء من الصعب عليه التخلص منها ولكن عليه المحاولة، ومع المحاولة والمجاهدة سينيله الله سبحانه وتعالى ولا بد ما يريد أو يجعله على الأقل في دائرة العفو والصفح قال الله تبارك وتعالى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.

والثالثة؟ قال: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من أحداكن، هو يقول أن هؤلاء مع كون عقولهم ناقصه، يستطيعوا أن يسيطيروا على الشخص الذي لديه الحزم، واللب: هو العقل الخالص المتجرد من الأهواء، أي أن الشخص عندما يكون تفكيره في أكمل حالة، وهذا الرجل ما صفته؟ أنه حازم؛ أي يأخذ أموره بالحزم والجد ويضع الأمور مواضعها، هذا الرجل يستطيع هؤلاء الذين وصفوا بنقصان العقل أن يسيطيروا على عقله ويسلبوها تمامًا ” أذهب ” أي أن يذهب عقله.

وفي حديث ابن عمر ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن ) ما معنى أغلب؟ أي أنهن في النهاية يكون لهم الغلبة وبالتالي يذهب الرجل ذو العقل والحزم على عكس ما يملي عليه حزمه وعقله، فهل ذهب عقله؟ لا، موجود، ولكن عبر سياسات معينة، هذا الشخص يتصرف على عكس تفكيره، يتصرف على عكس حكمته، يتصرف على عكس حزمه.

إذن الإنسان من الممكن أن يكون عنده عقل، ولكن توجد أشياء تؤثر على عقله، أشياء داخلية والتي هي الأحوال النفسية التي تعتري الإنسان تؤثر عليه، أو أشياء خارجية، تأثير خارجي لشخص.

الإمام أبو حنيفة ماذا يقول؟ يقول: ( لا تستشر في أمرك من ليس في بيته دقيق ) لا تستشر شخص ظروفه المادية والاقتصادية متأزمة بدرجة كبيرة، لأن هذا سيكون مشغول ومهموم لدرجة أنه لن يستطيع أن يتفكر، فأنت إذا استشرته في موضوع حتى لو أن عقله سليم، إذا استشرته في موضوع والحالة هذه لن يقل لك شيئًا صوابًا.

فالشخص الذي ليس لديه دقيق كيف سنصنفه، ولذلك محمد بن الحسن – تلميذ أبو حنيفة – جلس يفكر ويتدارس، مع نفسه يجلس، فجاءته الجارية قالت: إن الدقيق قد نفد، قالت له: الدقيق نفد، فقال: لقد أضعتي من عقلي أربعين مسألة من مسائل الفقه. أي أنه ظل فترة يفكر حتى انتهي من أربعين مسألة، أول ما قالت له ” نفد الدقيق ” قال لها: كل ما فكّرت فيه طار، بمجرد أن قالت له، لماذا؟ لأن عقله ذهب في مكان آخر وسيحمل الهم الآن، وعندما يحمل الهم، ليس فقط لن يستطيع أن يتفكر فيما أمامه، ولكن ما كان واضعه في عقله ذهب.

وهي لم تفعل شيئًا إلا أنها قالت أن الدقيق نفد فقط، قالت ” الدقيق خلص ” هاتان الكلمتان أضاعوا أربعين مسألة، فلو أكثر من هذا؟

إذن العقل لكي يكون عقلًا خالصًا لابد للإنسان أن يكون في حالة نفسية فيها قدر من الهدوء والاستقرار، ولا يتعرض لضغوط خارجية سواءً ضغوط مادية أو ضغوط من الآخرين تؤثّر على عقله وعلى تفكيره، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً وصفه بأن لديه علم، فما الذي أضاع العلم؟ اتّباع الهوى، ما معنى اتّباع الهوى؟ أن يكون للإنسان شهوة في شيء أو رغبة في شيء أو حرص على شيء، ولأنه حريص عليها أو أن نفسه تشتهيها يعمل على خلاف مقتضى العقل ومقتضى الدين لأن شهوته أو هواه لشيء مسيطر على تفكيره، ولذلك قال الله تبارك وتعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ۝ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ هذا وصف حال شخص عنده قدر من العلم ومن الفهم ومن آيات الله، موجود لديه، هذه الآيات هو لم ينتفع بها، وعمل على خلافها، فلماذا؟ لماذا؟ ربنا يقول ” انسلخ ” ” انسلخ من آيات الله ” وأصبح أسيرًا في أسر الشيطان، فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ الأثر؟ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا فما المشكلة إذن؟ وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ميله إلى شهوات الدنيا جعله يجعل العلم وراءه ظهريًّا، فيفسد عقله ويضيع علمه، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ تكلمه مثلما لا تكلمه، تنصحه مثلما لا تنصحه، تذكره مثلما لا تذكره، لماذا؟ لماذا؟ لأنه يعرف، هو ليست مشكلته أنه لا يعرف، لكنه اختار شيئًا، وهذا الشيء الذي اختاره تمكنت منه، وهو ألقى قياده إليها، فلما ألقى قياده إليها، أصبح سائرًا في هذا الطريق ولا يمكن أن توقفه، ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الحمد لله رب العالمين

قال أبو موسى رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن بين يدي الساعة لهرجًا، قال أبوموسى يا رسول الله: وما الهرج؟ قال: القتل، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله: إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا ) أي أن بيننا وبين الكفار قتال ونقتل منهم أناسًا – أعداد من الناس – وهذا قتل، فـ ” إن بين يدي الساعة لهرجًا ” هذا علامة على الفساد، فهو يسأله فالذي نفعله الآن هل يدخل في هذا؟ فقال: ( ليس بقتل المشركين ولكن أن يقتل الرجل جاره وابن عمه وذي قرابته، فقال بعض القوم: يا رسول الله: ومعنا عقولنا ذلك اليوم) أي سنفعل هذا وعقولنا معنا؟ أي مازال عقلنا معنا؟ قال ( لا، تنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويخلف لهم هباءٌ لا وزن له) أي أن في النهاية عقولهم تذهب، وتبقى هباءً منثورًا، فإذن الصحابة تعجبوا، هل يصلح أن يكون عقلنا معنا ونتصرف هذه التصرفات؟، هاهنا ليس هناك عقل، لم ليس هناك عقل؟ نحن لا نتكلم عن الدين هنا، نتكلم عن العقل، لأن العقل يحجز الإنسان عن أن يفعل هذه الأفعال.

ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ثعلبة الخشني وهو يتكلم عن الأمر والنهي والنصيحة والتوجيه، يقول: ( حتى إذا رأيت شحًّا مطاعًا، وهوىً متّبعًا، ودنيًا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام ) ذكر أربع أشياء، وهذه الأشياء الأربع عبارة عن ماذا؟ عبارة عن أن الإنسان يخالف مقتضى العقل، ” حتى إذا رأيت شحًّا مطاعًا ” ما هو الشح؟ الشح: هو حرص الإنسان على الدنيا، فما معنى يطيع شحه؟ أن يسير وراءه في أي شيء تجلب له ما يريد من الدنيا، سواء كانت حلال أو حرام، سيدوس على أحد أو لن يدوس على أحد، لا فرق، ولذلك هنا هو لن يتقبل نصيحة ولن سيسير على مقتضى لا دين ولا عقل ولا حكمة.

قال صلى الله عليه وسلم ( يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ أمن حلال أم من حرام ) لا فرق، لا فرق، طالما ستعود عليه بما يطلبه، ستدر عليه المال الذي يسعى إليه فلن يبال هل هذا الكلام يرضي ربنا أو يسخطه، ولذلك إذا قلت له أن هذا لا يرضي الله هو لن يلتفت إليك،، فأنت أحيانًا كثيرة تجد أناس تفعل أشياء وأنت ترى أن هذه الأشياء ليست صحيحة فأنت تريد أن تكلمه، فلابد أن يكون بداخله شيئًا، بداخله شيئًا، وازع بداخله يدعوه إلى أنه يتجنب مساخط الله، فإذا لم يعبأ فلن يهتم، ” لا يبال ” النبي صلى الله عليه وسلم يقول هكذا ” لا يبال ” لا تفرق معه، طالما أنها ستجلب له منفعة انتهى، فالشح المطاع يذهب معه العقل.

 ” وهوىً متّبعًا ” الآن نفسه لها أهواء معينة، فهو سيتّبع أهواء النفس، ” سيتّبع أهواء النفس ” فماذا سيفعل؟ حسب ما تدعوه نفسه سيسلك، حسب ما تسيّره أهواءه سيسير، (حتى إذا رأيت شحًّا مطاعًا وهوىً متّبعًا، ودنيا مؤثرة) قال تعالى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ما معنى الدنيا المؤثرة؟ أن أمامه طريقين: طريق الدنيا وطريق الآخرة، وقلنا ما معنى الإيثار؟ قلنا معناه ليس أنك لا ترى، لا لا، الإيثار هو أن أعرض عليك أمرين، فأنت تختار، وهذا الاختيار بناء على ماذا؟ بناء على أنني أميل لهذه، ونفسي تطوق إليها.

والأمر الرابع: ( وإعجاب كل ذي رأي برأيه ) كل شخص يعجبه عقله، كل شخص يعجبه عقله فلماذا سأسمع كلامك؟ قال صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) ثم فسّر قال ( الكبر: بطر الحق وغمط الناس ) بطر الحق أنني أرد الحق ولا أقبله كبرًا، و” غمط الناس ” أزدريهم وأحتقرهم، فإذا كنت أزدريهم وأحتقرهم هل سأسمع كلامهم؟ هل سآخذ منهم نصيحة؟ فإذا كان الشح مطاعًا والهوى متّبعًا والدنيا مؤثرة، ” وكل ذي رأي ” وهنا مثلما قلنا لم يقل عقل، نحن قلنا الخطبة الماضية الفرق بين العقل والرأي ” وإعجاب كل ذي رأي برأيه “

فهنا النبي صلى الله عليه وسلم بماذا يوصي؟ يقول: كن في الدائرة القريبة التي أنت متوافق معها والتي تفكيرها قريب من تفكيرك والتي تسعى لمرضاة الله مثلما تسعى، ويعنيها تقوى الله مثلما يعنيك، ودع عنك أمر عوام الناس لأنه إذا أطبقت عليهم هذه الأمور الأربعة لن يؤثر فيهم شيئًا.

إذن: تكلمنا الجمعة الماضية عن العقل وعلاقته بالإيمان، كلما ازدت إيمانًا ازدت عقلًا، وكلما ازدت عقلًا ازدت إيمانًا، وإذا وجدت رجلًا في عقله نقص فاعلم أن في دينه وإيمانه نقص. هذا هو الأمر الأول.

الأمر الثاني: أن العقل يرد عليه ما يشوشه وما يفسده وما يذهبه، وقلنا إما شيء من داخلي إذا كانت حالتي النفسية ليست منضبطة فتفكيري لن يكون سليمًا، ولو ظروفي المادية ضاغطة جدًا تفكيري لن يكون سديد، وإذا وجد شخص يحاول أن يؤثر على تفكيري تفكيري لن يكون سديدًا، قال الله تبارك وتعالى فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ قال أن الفسق، الفسق هو الذي سار بهم إلى هذا الطريق، إذن الحالة الإبمانية، قرب الإنسان من الله أو بعده عنه سيؤثر على المسارات التي يمشي فيها وعلى الخطوات التي سيسلكها، هم لماذا اتبّعوه؟ لأن الفسق كان غالبًا عليهم، إذا لم تعالج الفسق فيهم لن تستطيع أن تعالج عقولهم ولا رؤيتهم ولا توجهاتهم.

آخر كلمة: يقول صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن عبسة السلمي في كتاب عمل اليوم والليلة لابن السني، يقول صلى الله عليه وسلم ( ما تستقل الشمس ) ترتفع – كل يوم – ( ما تستقل الشمس فيبقى شيءٌ من خلق الله إلا سبّح الله بحمده إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم)

( ما تستقل الشمس فيبقى شيءٌ من خلق الله إلا سبّح الله بحمده ) كل المخلوقات تعظم ربها تبارك وتعالى وتسبحه وتحمده على آلائه ومننه ونعمه مع كل إشراقة شمس، مع كل إشراقة شمس إلا الشياطين، فلماذا الشياطين؟ لأنهم أخذوا درب معادي لمرضاة الله وحمده، قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أخذت الشياطين على نفسها عهدًا أن تعاند أمر الله، ولذلك وصفهم هنا بأنهم شياطين، لم يقل أنهم أغبياء،، فمن الذي وصفهم بالغباء؟ بني آدم، لماذا؟ لأنهم يتبعوا درب الشياطين وهي تريد أن تهلكهم وأن تغويهم ( إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم).

إذن في المفهوم النبوي من الذي يستحق أن يوصف بالغباء أو عكسه؟ من كان أسيرًا للشياطين، ولذلك قال الله تبارك وتعالى أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ وقال تعالى إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ عندما يقول لك شخص أن فلان عدو لك، لا يحتاج أن يقول لك بعدها أنك من المفترض أن تأخذ حذرك منه، فأنا إذا قلت لك أن فلان هذا عدو لك ويكيد لك ويرجو أن يفسد عليك حياتك، لا أحتاج أن أقول لك بعدها فأنت من المفترض أن تنتبه له، أو تحذره وألا تأمن له، وألا تعطيه ظهرك، لا أحتاج أن أقول لك هذا، لكننا للأسف محتاجين لهذا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا لأن لن يتحول عمره ويتحول ليكون صديقًا، لن يتحول عمره ويتحول ليكون صديقًا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ ” حزبه ” أتباعه، من المفترض حزبك ومن يتبعوك أنت ترتجي لهم أن تجلب لهم الخير، فنحن لماذا سنتحزّب حولك؟ لأنك ستجلب لنا شيئًا، ستحمينا أو تعطينا، إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ.

لذلك ربنا سبحانه وتعالى حينما تكلم عن العداوة الإنسية قال أن هذه يمكن أن تصلح، أما عداوة الشيطان فلا، قال ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ يتحول الإنسان بإحسانك إليه من عدو إلى صديق حميم، يصلح، لأنه إنسان، إنسان لازال في طبيعته الإنسانية، والإحسان يؤثر فيه، أما الشيطان، قال تعالى معقّبًا وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ الشيطان لا يمكن أن تصل معه لمهادنة أو معاهدة سلام، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل شروق شمس، أهل العقل وأهل الفطنة وأهل الذكاء من مخلوقات الله يسبحون الله ويحمدونه، ولا يخرج من ذلك إلا صنفين الشياطين وأولياء الشياطين، ولذلك لا يصح أن تصف ولي الشيطان لا بعقل ولا بحكمة ولا بذكاء، لا يكون عاقلًا وقد جعل ربه وراءه ظهريًّا.

إذن لكي يخرجنا ربنا تبارك وتعالى من هذه الدائرة لابد أن يلزم كل إنسان – يلزم – تسبيح ربه تعالى وحمده ( ما تستقل الشمس فيبقى شيءٌ من خلق الله ) حتى ما نسميه جمادات ( إلا سبح الله بحمده إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم ).

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك

اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك، وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.