إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد..
حديثنا اليوم عنوانه: الغُرْمُ بالغُنْم.أما الغُنْم فهو المكسب والربح والغنيمة أما الغرم فهو الكد والعناء والمخاطرة والخسارة أى أنه إنما يستحق العبد من المغنم بقدر ما يتحمل من المغرم وهذا أصل أمرنا أو نُبِّهنا عليه شرعاً وهو أيضا أمرٌ واقعٌ في أمر الله تبارك وتعالى قدراً، يقول الله عز وجل: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى الله سبحانه وتعالى يفرق بين القبيلين والفريقين، لا يجعل الله عز وجل عبداً أسرع إليه كعبدٍ أبطأ عنه إنما يعطي كلاً على قدر ما ضحى وعلى قدر ما بذل وعلى قدر ما تحمل من المراغم، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب خالداً رضى الله عنه وخالدٌ خالد.. حينما تنازع في أمرٍ مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه رجلٌ من السابقين الأولين ومن العشرةِ الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنةِ وقبضَ وهو عنهم راض.. قال مخاطباً خالداً : يا خالد لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ.
لو أنفق نفقةً يبتغي بها وجه الله تبارك وتعالى تبلغ من العظمةِ والقدرِ مقدارَ جبلِ أحد وأنفق هذا السابقُ مقدارَ مُدَّ – وهو ملء الكفين من الصدقة – أو نصيفه – وهو ملء الكف الواحدة – كان هذا الكفُّ الواحد في القدر والأجر والثواب عند الله عز وجل أعظم من هذا الجبل من هذا المتأخر عن هذا المتقدم..
قال الإمام أحمد وأصحاب السنن رووا عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الخراج بالضمان هذا أصلٌ في أبواب البيع أن الإنسان يستحق من الخراج أي من الربح على مقدار ما يتحمل من المخاطرة وضربوا لذلك مثلاً أن رجلاً اشترى من أخر شيئاً وليكن ألة أو أي شيء وانتفع به ثم وجد فيه عيباً فرده فهو ينتفع بفترة وجوده أو مقامه عنده في مقابل أن هذا الشيء لو كان قد فسد أو تلف فإنه كان سوف يضمنه فخراجه أي عائده ومكسبه في هذه الفترة هو له في مقابل ضمانه إياه، فهذا المغنم أو هذا الربح هو في مقابل هذه المخاطرة أو هذا الاحتمال للتلف والخسارة..هذا كما قلنا أصل من الأصول أن الغُرْمُ بالغُنْم وأن الخراج بالضمان.
وحديثنا اليوم هو عن قضيةِ الدعوةِ إلى الله تبارك وتعالى وما لها من المغانم في مقابلة ما فيها من المغارم.وأن العبد حين يقضي على نفسه عهداً بأن يكون قدوةً أو متأسياً أو متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يكون من حملة لواء دينه وأن يكون من ناصري ملته وشرعته حينئذِ يخرج عن أن يكون مالكاً لنفسه إلى أن يكون الدين مالكاً له. فتصبحُ كلماته أقواله أفعاله حركاته ممثلة لا لنفسه كما كان أولاً وإنما أصبحت اليوم ممثلة لهذا النور الذى يحمل ولهذا الدين الذى أخذ على عاتقه أن يكون حاملاً للوائه داعياً إليه. فهو اليوم يتحمل هذا الغرم لأنه قطعاً أصبح مضيقاً عليه في شأنه وحاله لأن الناس ينظرون إليه نظراً يخالف نظرهم إلى غيره من الناس فقطعاً هذا عبءٌ وهذا مغرمٌ وهذا ثقالٌ يتحمله هذا الشخص ولكن في مقابلة ذلك له في موعود الله عز وجل أجراً ومغنماً عظيماً فهذا كما قلنا أصلٌ من أصول العدل الذي هو صفة الباري عز وجل، أصلٌ من أصول العدل الذي قام عليه ديننا، العدل هو أصل أصول الإسلام وبالعدل قامت السموات والأرض وبالعدل يقيم الله سبحانه وتعالى للأفراد وللمجتمعات وللدول يقيم لهم أمرهم وبالظلم تزول الدول وبالظلم تمحق البركات وبالظلم يَهلَكُ العباد إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ. فعلى وفق هذا الأصل وعلى وفق هذه القاعدة يصبحُ الشخصُ الذي حمل على عاتقه هذه الأمانة – كما قلنا – لا يصبح مُلْكاً لنفسه وإنما يصبح مُلْكاً للرسالة وللمنهاج وللحق وللنور الذي تحمل أمانته وأخذ على نفسه العهد بأن يرفع رايته، فليأخذه حينئذٍ أو يدعه.. إما أن يتحمل هذه الأمانة بحقها وإما أن يتركها لأنه في الأصل مخيرٌ بين أن يرفع هذه الراية أو لا يرفع فإذا رفعها فعليه أن يأخذها بحقها كما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم أحدٍ سيفاً وقال من يأخذُ هذا السيفَ بحقه؟ ليس يأخذه فقط وإنما يأخذه بحقه !.. حتى دفعه صلى الله عليه وسلم إلى من تعهد أن يأخذه بحقه، فلابد أن يعرف حق هذا السيف أولاً لكي يكون من أمره على بصيرة فإذا أخذ هذا السيف وقام بهذا الحق فعليه أن يلتزم بأمره.. وهذا كما قلنا أصلٌ عام يلزم كل من تصدر في هذا الأمر.
لكننا وللأسف بلينا من البلاء بما هو أشد وأقصى من ذلك، فقد رأيت شيئاً لا أكون حانثاً إن أقسمتُ أني لم أكن أتصور أو أتوقع أن أرى مثله من أشخاص يُنسبون إلى دين أو إلى نصرة حق أو إلى إقامة شرع ألا وهو أن يتكلم شخصٌ بكلام أو يقول شخصٌ قولاً فيُستنكر عليه قوله ويعاب عليه فعله فإذا عيب عليه فعله واستُنكرَ عليه قوله لم يجد مخرجاً إلا أن ينسب أو يرد ما انتقص فيه أو ما عيِّبَ عليه بسببه وفي شأنه أن يرد ذلك إلى الله وإلى رسول الله وإلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتخلص من نقص الناس وعيبهم له بأن ينسب هذا النقص وهذا العيب إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم وأرضاهم وهذا عجبٌ من العجب وهذا يناقض هذا الأصل مناقضةً عظيمة أن الإنسان الذي يتبوأ هذه المكانة عليه أن يعلم أنه – كما قلنا – لم يعد ملكاً لنفسه وإنما هو ملكٌ لدين الله عز وجل.
بين أيدينا كتابٌ قديم اسمه [ تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغبياء ] للإمام أبي عبد الرحمن جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفى سنة تسعمائة وإحدى عشر من الهجرة هذا الكتاب يدور حول فتوى حول واقعة حصلت أن رجلاً تنازع مع آخر أمام مسجد ابن طولون في القاهرة، فسب أحد الرجلين الآخر بمحضرٍ ومشهد من كثير من الناس فالذي وقع عليه السب قال لهذا الذي سبه قد كنت راعياً للمعزة – بيرعى المعيز – فعد ذلك نقصاً عليه وعيباً قال أتعيرني برعي المعزة، فقال والد القائل – هذا الذي عير – يريد أن يبين له أن هذا لا شيء فيه ولا نقيصة فقال ما من نبي إلا وقد رعى مثل ما رعيت فترافع الناس إلى القاضي فحكم على هذا القائل بأن يعذر ويؤدب لأنه قد ذكر أنبياء الله تبارك وتعالى في مقام هو مقام تحقير وتنقيص وإن كان ما قال في نفسه حقاً لكنه أورده في مورد الانتقاص أو في مورد العيب أو في مورد الذم لأنبياء الله تبارك وتعالى،ثم يقول السيوطي فلما استفصل عن حال المتكلم أو القائل لهذه الكلمة علم أنه إمام مسجد ابن طولون وهو رجل لا يعلم عنه إلا كلَّ خيرٍ وبر، فقال إن مثل هذا تقال عثرته وتجبر ذلته لأنه لا يعرف عنه إلا كل تعظيم وتوقير لمقام أنبياء الله تبارك وتعالى وإنما كانت هذه في مقام الذلة فالذلة يعفى عن صاحبها إذا تاب وأناب إلى الله تبارك وتعالى، ثم إنه استنكر عليه رجل أن يعد هذا عيباً ونقصاً قال إن هذا شيءٌ عادي هذا كلام مباح لا حرج فيه. فوضع السيوطي هذا الكتاب لكي يتكلم في هذه المسألة العظيمة. هذه المسألة إنما هي أن يورد الإنسان كلاماً عن الله أو عن رسول الله أو عن الأجلاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام المخاصمة وفي مقام المعرة والنقص ليدفع عن نفسه نقصاً بأن ينسب هذا النقص وهذا العيب إلى الله أو إلى رسول الله أو إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعود بفعله وبقوله لكي يدرأ عن نفسه يعود بفعله وقوله النقص على الله وعلى رسول الله وعلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عياذاً بالله من ذلك.
ثم أورد في ذلك آثاراً ذكر عن مالك رحمه الله أنه رُفِعَ إليه رجل قد عيًّر آخر بالفقر، فقال تعيرني بالفقر وقد رعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم.. هو ماذا يريد أن يقول؟ يريد أن يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فقيراً أيضاً فقال الإمام مالك قد عرض بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لا ينبغي له أرى أن يأدب وقال مالك أيضاً لا ينبغي لأصحاب الذنوب إذا عوتبوا على ذنوبهم أن يقولوا قد أخطأ الأنبياء من قبلنا لأنهم بذلك بهذا الإيراد في هذا الموضع وهذا المحل يحطون من أقدار الأنبياء والمرسلين وإن كان ما يقولونه حقاً في نفسه لكنهم يوردونه في مقام المعرة والنقص وإنما حق كلام الله تبارك وتعالى وحق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق سيرة المعظمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تورد إلا في مورد التعظيم والإجلال والإكبار والتقدير !! أما أن توضع في هذا المحل في محل الاستدلال على جواز الانتقاص والسب والشتم والطعن في العباد فهذا مما لم يكن العبد أن يتصور أن يسمعه بٍأُذُنٍهٍ يوماً.
ونَقَلَ أيضاً عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه أُتيَ بكاتب – شخص حيكتب – بين يديه رسائل أو يكتب في الديوان فأوتي برجل مسلم ممن أسلموا وقد كان أبوهم كافراً فقال الذي أتى به لو أتيت به من أبناء المهاجرين اللي أهلهم من أهل السابقة في الإسلام لكان أفضل فقال الكاتب ما ضر رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر أبيه – عايز يقول إن أنا زي النبي صلى الله عليه وسلم أنا أبويا كافر والنبي صلى الله عليه وسلم كان أبوه كافر عادي يعني – فقال عمر وقد جعلته مثلاً!! يعني أنت ملقتش غير النبي صلى الله عليه وسلم تجعله مثلاً لك فيما تقول والله ما استكتبك أبداً.
ووقع أيضاً أن شاباً كلّم رجلاً في مسألة وكان هذا الشاب معروفاً بخيرٍ وصلاح.. فقال له الرجل اسكت فإنك أُمِّيّ – يعني هو بينصحه في حاجة..فهو بيقوله – إيش فهمك – اسكت فإنك أُمِّيّ فقال أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمّياً فشنع الناس عليه في مقالته فرفع إلى القابسي إمام من أئمة المالكية وقد حكم أو قضى الناس على هذا بأنه قد كفر بذلك – وهذه طبيعة الناس الذين عندهم قلة من العلم وعندهم شيء من الحماسة والعاطفة أنهم يضعون الأمور في غير موضعها هناك فرق بين الخطأ والزلل وبين ما يوجب الكفر والخروج عن ملة الإسلام – فقال القابسي إنه لم يفعل ما يوجب كفراً ولكنه أخطأ في ذكر رسول الله صلى الله عليه فيما لا ينبغي أن يذكر فيه ثم قال إن الأُمِّية بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانت آية، هذه كانت علامةً وآيةً عظيمةً على صدقه صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ يقول وأما الأمية في حقِّ هذا فإنها نقص وعيب وجهالة. ليست هذه هي الأمية في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر الشافعيُّ حديث المخزومية التي سرقت، والحديث مشهور.. أن امرأة من بني مخزوم قد سرقت فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقيم فيها حد الله تبارك وتعالى فجزع كثيرٌ من الناس أنه كيف يقام الحد على هذه المرأة الشريفة، إنها فضيحةٌ ومعرة، فلم يجدوا بُداً من أن يتوسطوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حِبِّه، فأتاه لكي يستشفع ويتوسط، فقال: يَا أُسَامَةُ، أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، فَقَالَ:إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا .. فقال الشافعي وهو يحتج بهذا الحديث.. يقول وقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة ذات شرف فَكُلِّمَ فيها فقال لو أن فلانة سرقت لامرأة شريفة لقطعت يدها، فالشافعي حينما أورد الحديث لم يذكر اسم فاطمة رضي الله عنها تنزيهاً وتشريفاً عن أن تنسب أو تضاف إلى هذه السرقة رغم أن هذا لم يكن واقعا، قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن، هذه ال – لو – تفيد الامتناع، هذا شيء لم يقع وليس فيه نقص ولا عيب، لكنه لم يُرِد أن يقرن اسمها الظاهر بهذه السرقة، فقال: لو سرقت فلانة لامرأة شريفة ولم يقل ابنته أيضا، قال لقطعت يدها..فها هُنا الشافعي تأدبا لم يذكر اسم فاطمة رضي الله عنها في هذا المحل.
و أيضا قال المُطرف بن عبد الله رحمه الله: عظموا جلال الله تبارك وتعالى في صدوركم أن تذكروا اسم الله تبارك وتعالى عند قول أحدكم للكلب أخزاه الله وللحمار وللشاه، يريد أن يقول أن من تعظيم ربنا سبحانه وتعالى وإجلال اسمه ألا يذكر اسمه تبارك وتعالى مقروناً بالكلب والحمار والشاه.
و قال هُشيم عن مغيرة عن إبراهيم النفعي رحمه الله: كانوا يكرهون – أي أصحاب بن مسعود رضي الله عنه عندما يقول إبراهيم النفعي كانوا فإنه يقصد تلاميذ وأصحاب عبد بن مسعود رضي الله عنه – أن يتناولوا القرآن عندما يعرض لهم ذكر أمر من أمور الدنيا، قيل لهُشيم: مثل قولهم: جئت على قدر يا موسى، قال: نعم.. بمعنى أن واحداً أتى وكنت أريد مقابلته دون أن اتفق معه وهو أتى إليَ فأقول له مستدلاً بهذه الآية هكذا، أو مثلاً واحدٌ تريد أن تقول له على شيء اتركه فتقول له: يا إبراهيم أعرض عن هذا، فأنا استدل بالقرآن في هذا الموضع، فإنه يقول أنهم كانوا يكرهون أن يذكروا آيات الله تبارك وتعالى فيما يتعلق بهذه الأمور لأنها ليس لأجلها أُنزلت ولم ترد هذه الآية أو هذه الكلمة أو هذا المقطع في كلام الله تبارك وتعالى في ذكر هذا الأمر.
وإذن فخلاصة ما نريد أن نقول إنه من الجرم العظيم أن يدفع الإنسان عن نفسه نقصاً أو تهمة أو عيباً بأن يذكر في هذا المقام، في مقام المخاصمة أو المجادلة أو الطعن أو التنقيص أو المعرة – أن يذكر في ذلك كلاماً عن الله أو عن رسول الله أو عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – فإن هذا يعدُّ نقصاً وعيباً بل قد عدَّه السيوطي في عنوانه عدّه تسفيهاً وعدَّ صاحبه من الأغبياء فجعل عنوان كتابه تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغبياء ليدل هذا على شدة خطر هذا الأمر وشدة الجرم الذي يقع فيه هذا الشخص الذي في النهاية يكون مآل هذا الكلام أن ينسب هذا النقص وهذا الطعن إلى الدين فيرى الناس دينهم المعظم المكرم يرونه بصورة النقص والعيب وأن دين الله تبارك وتعالى إنما أتى مبيحاً ومجيزاً للسب والشتم والطعن في عباد الله تبارك وتعالى، هذا عجبٌ من العجب.. هذا أولاً، ثم ثانياً كما ذكر السيوطي أيضاً في كتابه، أن هذا يجرئ الناس بعد ذلك على أن يستخدموا هذه الكلمات في السب والطعن لأن هذا أصبح أمراً جائزاً في دين الله تبارك وتعالى، بل هم أيضا لجهلهم ربما يضعون هذا في غير موضعه بصورة أشد وأقسى، فهذا بالنسبة لمن عنده مقدار من العلم ممكن أن يكون منضبطاً بصورة ما لكن من ليس لديه علم الذي هو في طبيعته يسب ويشتم ممكن أن يضع هذا في أي موضع ويقول أيُّ كلام ويعود هذا في نهاية الأمر منسوباً إلى الله عز وجل وإلى رسول الله وإلى دين الله تبارك وتعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ليس المؤمن بالسباب ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء .
أقول قولي هذا واستغفر الله..
وأخيراً ففي ذات الكتاب يذكر أو ينقل السيوطي عن تاج الدين السبكي إمام الشافعية في زمانه، يقول: كنت جالساً في دهليز – يعني ممر – جارنا مع جماعة فمر بنا كلب يقطر ماءاً فدنا حتى كاد أن يمس ثيابنا – كلب أجرب ومبلل – قال فانتهرته وقلت: يا كلب يا ابن الكلب، قال وكان الشيخ الإمام في الداخل – الذي هو أبوه تقي الدين السبكي – في الداخل يسمع فلما خرج قال: لِم شتمته، فقال: لقد قلت ما فيه، أليس هو كلباً وابن كلب، قال: بلى ولكنك ذكرت ذلك في معرِض الإهانة والشتم. الآن هذا ليس وصفا.. فالآن أنا اقول له هذا الكلام بقصد السب والإهانة للكلب وهذا ليس بجائز فهذا ليس في مقام للوصف، فمثلاً لو قلت هذا كلب فهذا لا شيء فيه هذا وصف لكني قلت هذا الكلام ما قصدي ونيتي؟ قصدي أني انتقصه واشتمه واهينه فأبوه يقول له هذا لا يجوز بالرغم من أنك قلت له كلام مضبوط ولكن هذا الكلام في هذا المَعرِض لا يجوز لأن نيتك السب وهو هنا يسب كلباً فما بالك بالبني آدم.. وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ كرمناهم على من؟ فالأَولى ألا يذكر هذا الشيء ولذلك عندنا في كلام العلماء مثلاً… عندنا الأعرج وعندنا الأعمش وعندنا الضرير، هذه ألقاب فمثلاً عبد الرحمن بن هرمز كنيته أو لقبه الأعرج لأنه كان يعرج وأبو معاوية كنيته الضرير لأنه كان لا يبصر وفلان كنيته الأعمش لضعف بصره فقال العلماء أنني إذا ذكرت هذا بنية التعريف لأنه مشهور به لأنك لو قلت اسمه لن يعرفه أحد فلو قلت أبو معاوية لن يعرفه أحد فهذا الشخص قد اشتُهر بهذا اللقب لا يُعرف إلا به فأنت لو قلت اسمه لن يعرفه أحد، فأنت تريد أن تقول هذا من رواية الأعرج فإذا كنت أنا أقول هذا لأن لا تعريف له إلا به حينئذٍ كان هذا جائزاً أما لو قلت هذا بنية الانتقاص يصبح هذا غير جائز، إذا نفس اللفظ إذا كان في مقام التعريف وأنا مضطر إليه فليس ثمَّ مشكلة وإذا لم يكن وكان هذا انتقاصا كان هذا غير جائز، فما بالك بما يكون متعلقا كما قلنا بأنبياء الله تبارك وتعالي ورسله.
وإذن فخلاصة ما نريد أن نقول يتلخص في نقطتين: أما الاولي فهي التي عنّونّاها بقولنا أن: الغُنْم بالغُرْم وأنه يجب على كل من تصدر متحدثاً أو متكلماً باسم الدين أن يراعي قدر هذه المكانة وقدر هذه المنزلة وأن يعطيها حقها لئلا يكون فتنة لعباد الله عز وجل. ثانياً أن الدين وأن مقام رسول الله صلي الله عليه وسلم ومقام النَّبِيِّينَ ومقام الصًّالحين من الصحابة رضوان الله عليهم هو مقام التعظيم والتشريف والاجلال لِقَدِّرِهم الذي يستحقونه وذِكّرهم في كل ما فيه نقصٌ أو عيبٌ فهذا مما لا ينبغي أن يكون وإن كان المتكلم لا يقول إلا حقاً قد تكون الجملة في نفسها صحيحة لكنني وضعت هذه الجملة الصحيحة في أيّ مقام؟ هي حقيقة.. نعم النبي صلى الله عليه وسلم رعى الغنم هذه حقيقة ولذلك أيضاً العلماء قالوا أن رعي الغنم في هذا الوقت في زمان النبي صلي الله عليه وسلم لم يكن نقصاً كان شيئاً عادياً لكنه في الوقت الذي سيق فيه كان هذا نقصاً فربما كانت الوظيفة أو المهنة أو الحرفة في مكان معين أو في زمان معين شيئاً عادياً فربما في مكان آخر أو في زمان آخر كانت عيباً أو نقصاً فهو أخذ هذا من محله ووضعه – كما قلنا – لكي يدرأ هو عن نفسه النقص أن ينسب النقص إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وحاشاه.
قد مر معنا منذ فترة طويلة قول للرئيس الوزراء البريطاني إبان احتلال بريطانيا مصر أن هناك أربع عقبات تَحُول بينه وبين الاستقرار في هذا البلد قد ذكرناها قبل فذكر المصحف والمنبر والكعبة والازهر فأما المصحف فيعني به القرآن طالما كان هذا القرآن في صدور المؤمنين وبين أيديهم فإنه لا يملك صاحب فتنة أن يفتنهم عن حقهم طالما بقوا متمسكين به وأن كتاب الله تبارك وتعالي هو نور الله تبارك وتعالى والحجة القائمة إلى قيام الساعة، كلما رجع المؤمن إلى كتاب الله وجد فيه الهداية والنور والجلاء والمخرج من كل فتنة ثم ذكر الكعبة لأنها هي التي تذكر أهل الإسلام بوحدتهم وأنهم أمة واحدة كما أخبر الله تبارك وتعالي إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ولذلك لا يمكنهم أن يقسموا ديار الإسلام إلى بلاد أو تقاسيم أو دول قطرية يستقل بعضها عن بعض حتي وإن فعلوا فإن هذا لا يكتب له الدوام والبقاء طالما بقيت الكعبة بيت الله تبارك وتعالي تحج وتزار ويتعارف فيها عباد الله المؤمنين من كل قطر ومن كل سقع، ثم ذكر هذا المنبر الذي هو يعد المحل الأساس للذّبِّ عن الحق ولرد ودحض كل شبهة تعرض له، ثم ذكر الازهر لأنه محل العلماء الذين هم قادة الأمة وهذا مرتبط بهذا.. لأنه إن لم يكن ثمَّ علماء فإنه لن يكون ثمَّ منبر، فإنه إن لم يكن ثمَّ علماء فسيعتلي المنبر كل أحد وحينئذ تضيع قيمة العلم وتضيع قيمة المنابر أيضاً ولذلك النبي صلي الله عليه وسلم قال: إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، أَيْ يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ وَلَكِنْ يَنْزِعُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا.الناس لابد لهم من أئمة لابد لهم من موجهين إذا لم يكن هؤلاء الموجهين مستحقين لهذه المناصب كانت البلية حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. ولذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ. لما؟!! هذا الإمام بالنسبة لي في محل الثقة أصير خلفه لأني غير متخصصٍ فأنا أصير خلفه لأني واثق فيه فإذا لم يكن هو محلاً للثقة حينئذٍ أو كان ضالاً أو مضلاً حينئذٍ كانت البلية وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ
فإذن العلماء وجودهم وبقائهم والتفاف الناس حولهم ده صمام الأمان للحفاظ علي الدين وإبقاءه ولذلك كان هذه المؤسسة التي هي مصدر العلم في هذا البلد التي هي مؤسسة الازهر كانت منذ قديم – هذا الكلام كان في سنة 1882 – ولذلك نابليون أول ما جاء وجد أن أصل المقاومة إنما تنبع من الأزهر والناس يلتفون حول الأزهر وهكذا هو في تاريخهم من حين ما أعاد صلاح الدين الأزهر إلى محله وإلى موطنه كان حريصا علي أن يهين هذا المحل ليس فقط أن يحاربهم أو أن يرشقهم بالمدافع بل أن يدخل بخيله الأزهر ويجعله أصطبل لماذا؟ ليس مجرد الإزاحة لا التحقير والتنقيص وإزالة الهيبة والتعظيم من هذا المحل ولذلك لكي تستقيم الأمور لابد أن يلتف الناس حول الأئمة الذين يستحقون وصف الإمامة حول العلماء الذين يستحقون وصف العلم ولذلك إذا لم يعد للأزهر مكانه ومكانته إذا لم يعد له قدره.. هذا الأزهر هو المؤسسة المتخصصة في دراسات الشريعة يعني انا مثلاً سوف أقرأ كلمتين من هنا وكلمتين من هنا سأجمع بذلك كلمتين ولكن هذا لن يجعلني متخصصاً الأصل العام فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فالأزهر هو المؤسسة المنوط بها تعلم وتعليم علوم الشريعة الشخص من حين دخوله الأزهر من الصغر يتم تأهيله لذلك هذه وظيفته وهذا دوره فيه فرق بين هؤلاء وبين الذي يحاول أن يجتهد شخص يقرأ.. لكن في النهاية التأهيل العلمي لابد يبقى له قدره ولابد أن نراعي قيمة الاختصاص لكن هذه المؤسسة تحتاج إلى كما قلنا أن يعاد لها قدرها يعاد لها مكانتها تعاد لها منزلتها حينئذٍ تنضبط الأمور وحينئذٍ تستقيم الأحوال ولذلك الناس لما خرجت في أوائل الثورة الذي أعطاهم الطمأنينة إن الناس اللي لابسين كاكولا دول موجودين في الشارع وموجودين في الميدان ليه؟ أصل الناس دي طالعة.. ده ممكن الواحد يموت.. يموت دي في النهاية هو عايز يموت يروح الجنة هو عايز يعرف لو مات هنا تبقى شهادة ولا متبقاش يعني يخش الجنة ولا يخش النار وجود الشخصيات دي حتى لو متكلموش وجود الشخصيات دي بذاتها كده بشكلها بيعطي التوثيق والثقة في أن احنا صح من غير حاجة من غير ما يتكلم وحيبقى الشكل ده والهيئة دي والمنظر ده حتى لو عرض له شيء من التشويه حيبقى ده في النهاية الذي يعطي لنا الثقة والمصداقية، ولذلك إذا لم يعد لهذه المؤسسة وضعها الذي تستحقه لن تستقيم الأمور لأننا لن تستقيم أمورنا من غير دين احنا في عندنا ثوابت يا جماعا يعني احنا في النهاية لو لم نستقم علي الدين لو لم نستقم على أمر الله لن تنصلح أحوالنا هذا يجب أن يكون ثابت إيماني عندنا.. إذن لن تستقيم أحوالنا الدينية إلا إذا كنا علي دين صحيح وعلى فهم صحيح وعلى رؤية صحيحة هذا لن يتم إلا إذا استقيناها من مصادرها الصحيحة واعتمدنا واستندنا في ذلك – لأننا أناس غير متخصصين – على هؤلاء الذين يستحقوا فعلاً هذا القدر وهذا الوصف فلابد من التمييز إذا لم يكن عندنا معايير للتمييز حينئذٍ يقع الخلل والاضطرار والريب والشك..
اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا إجتنابه0
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً
اللهم خذ بأيدينا إليك، أخذ الكرام عليك، لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات, وحب المساكين, وحب المساكين, وأن تغفر لنا ترحمنا وتتوب علينا, وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عملٍ يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.