الحمد لله.. الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفي بالله شهيدا وأشهد أن لا إلاه الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله صحبه وسلم تسليما مزيداً، ثم أما بعد.
كنا في حديث عن التسبيح وعن شيء من وظيفته وقيمته، قال الله تبارك وتعالى: قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يبين الله تبارك وتعالى شيئا من وظيفة القرآن، أنزل الله تبارك وتعالى كتابه لمهمام محددة، في دور معين سيؤديه في هذه الحياة، يبين سبحانه وتعالى شيئا من هذه الوظيفة وشيئا من هذا الدور. يا أيها الناس هذا خطاب لعموم الناس، قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ما هي الموعظة؟ الموعظة هي النصيحة التي تلامس قلوب العباد، الكلمة المؤثرة المذكرة بشيء أنا أعرفه ولكنه غاب عني أو لم يعد يؤثر في أو لم أعد أعمل به، أنا أعلم ما المفترض أن أقوم به ولكني لا أفعله، فالموعظة هي الشيء الذي يحرك قلبي فتحثني على المشي في هذا الطريق، وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ علام تنطوي الصدور؟ إنها تنطوي على وساوس في اتجاهات مختلفة، أحيانا شكوك وتشكيكات وأحيانا أهواء وميول وشهوات ورغبات، الله سبحانه وتعالى أنزل كلماته لكي تشفي صدر الإنسان من هذه الوساوس، شبهات أو نوازع، وَهُدًى الهداية هي الشيء التي تبين من أين الطريق، وَرَحْمَةٌ هي المآل الطبيعي للموعظة، للشفاء وللهداية، فكل هذه الأشياء رحمات من ربنا سبحانه وتعالى، فمن يسلك هذا السبيل فسوف ينال من الله الرحمة، فهي لمن هذه الرحمة، أول الآية يا أيها الناس أما في نهاية الآية فتكون هذه الهداية مختصة بمن يصدق أن هذه الكلمات هي كلمات الله ويتعامل معها ويقدرها على هذا الأساس.
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا القرآن لن يكون في موقف حيادي، الإنسان يا إما ينتفع به أو لأ، فأهل الإيمان سوف ينالهم الشفاء والرحمة، وأهل الظلم سيزدادوا خسرانا على خسرانهم.
يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا البرهان هو الدليل القاطع على مصداقية كل ما فيه، والنور هو الشيء الذي يمكن الإنسان من رؤية ما حوله جيدا فيعلم من أين هو الطريق وما شكله وما هي المعوقات والعقبات أو المخاطر فيستطيع تجنبها.
سُبُلَ السَّلَامِ الهداية لمن يبحث عن ما يرضي الله لكي يقوم به، ” سبل السلام ” طرق الخيرات، وهي كثيرة، ” ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ” ماذا يحتاج الإنسان لكي يقوم القرآن بوظيفته معه؟.
أولا هو يحتاج الى التصديق بأن هذا كلام الله سبحانه وتعالى، ثانيا يحتاج الى ترجمة كلمة الرب أو كلمة الإله، فالقرآن كلام الله، ماذا يمثل الله للإنسان؟ أكيف ينظر الإنسان لربه؟ ما وجهة نظر الإنسان عن ربه؟ بناءا عليه سوف يحدد معنى هذه الإضافة أن القرآن كلام الله وما تساويه عند الإنسان، ثالثا كيف سيتجاوب الإنسان مع القرآن؟ ” ألقى السمع وهو شهيد ” ، ” لمن كان له قلب ” هذا هو أول شيء، ما زال في القلي حياة، ثم سوف يصغي ثم سوف يحاول أن يبعد الصوارف التي تصرفه عن هذا القرآن، أي أن الإنسان قد يكون حاضرا وغير حاضر في نفس الوقت، وهذا يحدث كثيرا بسبب أن يكون لدى الإنسان شواغل كثيرة مستغرقة تفكيره فهو يسمع ولكنه لا يترجم لأن أداة الترجمة في القلب والقلب مشغول، فالآذان تسمع ولكن التوجيه لن يدخل القلب، فالقلب النابض يترجم والأذن تسمع وتوصل للقلب، فإذا كان القلب مشغول أو متغافل فلن يحدث شيء.
النقطة الأخيرة وهي أخطر شيء، الله سبحانه وتعالى خاطب بالقرآن الشخص الباحث عن الهداية، الباحث عن الحقيقة، أما المعرض الغير المهتم فلن ينتفع بالقرآن، ممكن يقرأ أو يسمع ولكن لن يستفيد بشيء ولن يحدث له شيء فهو لا يبحث عن شيء أصلا ولذا لن تستوقفه الآيات، في العادة عندما يقرا شخص القرآن بقدر من الحضور يتأثر الإنسان بالآيات حسب الحالة النفسية التي هو عليها وحسب شواغله والأشياء التي تؤثر عليه حاليا، ولذا قد نقرا القرآن ونلحظ آيات معينة في وقت ما وفي وقت آخر لا تستوقفني، أو أشعر عندما أقرأ آيات أخرى كأني لم أرها من قبل وأستغرب كيف لم تستوقفني هذه الآيات من قبل، فهذا لأني في هذا الوقت تحديدا كنت محتاج الي هذه الآيات نفسيا بشدة. فلهذا إذا لم نقرأ القرآن لكي نبحث عن شيء ما أو لأننا نحتاج الي شيء ما فلن يحدث شيء، ولهذا فأسلوب ” ورد المراجعة للقرآن ” هذا لا يفيد ولن يفيد البتة، واجب أؤديه وفقط، فلا يفعل أي شيء لأنه ليس له أي وظيفة، ربنا سبحانه وتعالى أنزل القرآن يخاطب به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الشخص الذي كان يجلس في الغار في ظلمة الجبل يتلمس الهداية، هذا الذي أوحى الله إليه وليس أحد آخر، لم ينزل ربنا القرآن على المعرضين أو المتكبرين الذين كانوا في مكة، أنزله على الشخص الباحث عن الهداية، وقال له خذ هذه الكلمات وانشرها لأمثالك الذين يبحثون على الهداية، أما غيرهم فقد وصفهم الله وقال: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ الموضوع كله موضوع غلبة وظهور وليس حق أو هداية، ربنا يقول: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ثم وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ يفعلون أمران، يسرع ويحذر الناس، كما أن يكون هناك خطر وكلما يقابل أحد في طريقه يقول له أسرع.. أسرع، وذكر ربنا النهي أولاً قبل التناهي، وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْه وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فأنا إن لم أأخذ الشكل أو الصورة التي عليها النبي صلى الله عليه وسلم لن أتجاوب.
مشكلة أخرى، بعد تتبع طويل للخطب والتجاوب معها، الآن الخطب هذه هي كلام يخرج من شخص للأناس آخرين، هؤلاء يسمعون الخطبة، بعد متابعة طويلة تكتشف أن كل شخص يسمع الخطبة هو يسمع الخطبة التي وصلت عنده وليست الخطبة التي قيلت، أي أننا لو قلنا أن الذي يتكلم يريد أن يوصل معانٍ معينة أو هو يدرك الأمور بشكل معين وحين تسأل فلان وفلان وفلان ستجد أن عدد السامعين وصل لهم خطب ليس لها علاقة بالذي قاله المتكلم ولا لها علاقة بالذي يجلس بجانبه، إذا سألت كل واحد في أي شيء يتكلم هذا الرجل سيحكي لك قصة غير التي تكلم فيها نهائياً، وغير ما يريد المتكلم أن يوصلها، لماذا؟ لماذا؟ لأن كل شخص يستقبل الكلام على ما عنده، يترجم باللغة التي برمج نفسه عليها، فيخرج الكلام غير الكلام، هذا ما كانت تسميه الناس ” حوار الطرشان ” الناس لا تسمع بعضها البعض ويتشاورون وكل واحد منهم يتكلم كلاماً على هواه، حُكى أن رجلاً قرر أن يصوم عن الكلام لكي يتفرغ للتفكر، فكان أقربائه لا يعرفون كيف يتعاملون معه فاستدعوا جحا باعتباره رجلاً حكيماً ويفهم جيداً، وقالوا له تعال وتفاهم مع هذا الرجل ” شوف إيه الموضوع؟ ” ، فجلس جحا أمامه وحين جلس أشار الرجل له بالسبابة، فأشار جحا له السبابة والوسطى، فقام الرجل ورفع السبابة إلى الأعلى، فأشار جحا بالسبابة إلى الأسفل، ثم بعد زمن قرر الرجل أن يعود إلى الكلام، فسألوه ما رأيك في جحا فقال لهم: أنه رجل عاقل وفطن، فسألوه لماذا؟ فقال لهم: لقد قلت له أن الله واحد ” وفعل ذلك بالإشارة إلى الأعلى ” ففعل لي هكذا ” يريد أن يقول أن جحا أشار إليه بإصبعيه السبابة والوسطى، والرجل يظن أن هذا معناه ان الله واحد ليس له ثانٍ ” ، ففعلت له هكذا ” أشار بإصبعه إلى السماء يريد أن يقول أنه إله من في السماء ” ففعل لي هكذا ” أي أشار نحو الأرض، ويظن أن جحا يقصد وهو إله من في الأرض ” ، ثم سألوا جحا: ما رأيك في هذا الرجل؟ فقال لهم: هذا رجل غير محترم، لماذا؟ لأنه أشار نحوي بالسبابة يريد أن يقول لي سأفقأ لك عيناً، فأشرت له أنني سأفقأ لك عينيك الاثنتين، فأشار لي أنه سيركلني ركلة ” تلزقك في السقف ” فقلت له ” أديك بونية ألزقك في الأرض ” ، الإشارات واحدة لكن الترجمات؟ متباينة غاية في التباين، حسناً وكيف تحل هذه المشكلة؟.
ما الذي ميز الصحابة عن غيرهم من الناس؟ أنهم استطاعوا أن يحققوا حقيقة الاستسلام لله، أي أنهم كانوا يحيون حياة معينة بثقافة معينة، بأفكار معينة، بأخلاقيات معينة، وبعادات وتقاليد معينة، ثم أدركوا أن هناك شيء اسمه توجيه من الله، نور ربنا سبحانه وتعالى أنزله عليهم من السماء، فماذا فعلوا؟ أعادوا تشكيل كل شيء من الصفر، من الذي يشكلهم؟ ربنا سبحانه وتعالى نفسه عبر القرآن ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم أتى له شخص يطلب منه أن يعلمه الإسلام، فكان أول ما ذكره أن قال له: قل اسلمت وجهي لله وتخليت، أي شيء آخر سأتركه ورائي، فإذا ماذا يفعل الإنسان أولاً؟ ينقي وعاء التلقي، ثم يستقي من ربنا سبحانه وتعالى جملة جملة، ويشكل نفسه عليها خطوة تلو خطوة فيخرجون كلهم على صياغة واحدة وتشكيل واحد، رب واحد سبحانه وتعالى، ونور إلهي واحد، وصياغة إلهية واحدة، فنصل أخيراً إلى النتيجة، النتيجة أنهم يتشكلون على وفق الوحي الإلهي، هذا الكلام أخذ وقت قصيراً أم طويلاً؟ كم استمرت المساحة التى تنزلت فيها آيات التربية الإلهية؟ ثلاثة وعشرون سنة، إنسان يُربى ويرتقي ويتقي على هذه المساحة الزمنية الطويلة، لماذا؟ لأن التربية بالطبيعة عملية لابد فيها من التدرج، وهذه التربية كانت كلمات ومواقف وتجارب وأحداث صاغت أناس على مدى المساحة الزمنية الطويلة، حسناً، هل يصلح أن نأخذ كل هذا الكلام مرة واحد؟ أم يجب أن يسير بشكل تدريجي؟ حسناً، وإن وضعنا شيء في غير مكانه؟، أي أننا الآن نصلي، هذه الصلاة هل هي أول لبنة في بناء الإيمان أم الاستسلام والإيمان هو أول لبنة في بناء الإيمان والصلاة تتركب عليها؟ وإذا وضعت الصلاة أولاً.. على أي شيء أبني الصلاة؟ لأن الصلاة عبارة عن أن الإنسان أدرك عظمة ربنا سبحانه وتعالى أدرك نعم بنا عليه، أدرك حق ربنا سبحانه وتعالى عليه فيستجيب للتوجيه الذي وجهه ربنا سبحانه وتعالى إليه، فيقف بين يدي الله، حسناً، إن لم هذا الكلام موجوداً بالأصل؟ ستأتي الصلاة كواجب أو عادة يؤديها الإنسان ولذلك ربنا سبحانه وتعالى وصف الصلاة في القرآن أنها تنهي الإنسان عن الفحشاء والمنكر وتقيم ذكر الله في قلب الإنسان، حسناً، هل الصلاة الموصوفة هذه هي أي صلاة أم أنها صلاة معينة؟ ولذلك نحن تكلمنا قبل ذلك كثيراً أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في تعليمه لسيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه بنى مراحل الإيمان على ثلاث مراحل، أولاً معرفة الله سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك مرحلة الصلاة، هذه بمفردها، ثم مرحلة الزكاة، هذه مراحل، الإيمان أولاً، هذا الإيمان سيطلب آثاره، قد عرفت ربنا سبحانه وتعالى وقلبي تعلق فيه الإحساس بالمحبة والإحساس بالتعظيم فأنا أريد أن أفعل هذا في علاقة مع الله فيقول له ربنا سبحانه وتعالي أن هذه العلاقة تتمثل في شيء اسمه الصلاة، حسناً، إذا أديت عبادة الصلاة هذه الصلاة ستعطي الإنسان قدرة أو قوة أو تدعيم على أن يمتثل أوامر ربنا سبحانه وتعالى وتعطيه القوة والقدرة والتدعيم على أن ينتهي عما لا يحبه الله تبارك وتعالى بل أيضاً ويصبر على ما يقدره الله تبارك وتعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إن الله مع الصابرين فجعل الصلاة ركن في الصبر، ممارسة الصلاة ركن في تحقيق حال الصبر، إذا ركبنا الصلاة على الهوى، أو طالبنا الزكاة في الفراغ، ننتظر نتيجة؟ لن يحدث شيء، وإن حدث؟ قال ربنا يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا، ولذلك الناس التي اتخذت ما تنفق مغرماً بمجرد ما النبي صلى الله عليه وسلم توفي ماذا فعلوا؟ لأنها مغرم وليست عبادة ربنا سبحانه وتعالى يقول خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ هذه الزكاة التي يتكلم ربنا عليها، حسناً، والذي لم يأخذها كذلك؟ ذكر ربنا هنا أن هناك أناس هكذا يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وبالتالي وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ فإذاً ربنا سبحانه وتعالى قال للصحابة أن هناك أناس ستترك الدين بسبب الزكاة أم لم يقل؟ تركهم يتفاجؤون؟ لم يتركهم كذلك، قال: وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ثم قال عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ماذا سيفعلون وماذا سيحدث وما عاقبة ذلك، وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ هذا أولاً، وبالتالي وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فهذه زكاة وهذه زكاة، فلماذا يتخذ هذا ما ينفق مغرماً؟ ولماذا يتخذ الآخر ما ينفق قربات؟ من أجل هذه الجلمة، من يؤمن بالله واليوم الآخر، وبالتالي وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ فهذه إن لم تكن موجدة ستصبح مغرماً، وطبيعية الإنسان وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ فالشح في طبيعة الإنسان، الإنسان لا يريد أن يخرج المال، فلماذا سيخرجها؟ لماذا يخرجها؟ لأن هذا المال مال الله سبحانه وتعالى، ولأن من وهبه له هو ربنا سبحانه وتعالى ولأنه يريد أن يشكر نعمة ربنا سبحانه وتعالى، ويريد أن يبارك له ربنا سبحانه وتعالى، ويريد أن يطهره ربنا ويزكيه وما أعطاه الله سبحانه وتعالى له من الرحمة لأجل الإيمان فيجعله رقيق القلب بالنسبة للفقراء والضعفاء، ولذلك غالباً هذا المؤمن يقرن مع الزكاة الصدقة، فهو لا يقتصر على الزكاة الواجبة في الغالب، لأن ما لديه من الرحمة والرقة بسبب الإيمان يحمله على أن يواسي الضعفاء ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” الراحمون يرحمهم الرحمن؛ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ” .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
إذن ماذا يحتاج الإنسان لكي يقبل على القرآن، لكي ينفعه ربنا به ويعطيه من ثمراته؟ محتاج أن يقبل على كتاب ربنا سبحانه وتعالى كصفحة بيضاء، ويترك لربه سبحانه وتعالى أن يسطّر في هذه الصفحات ما يشاء وما يريد، ولا يخلط الصفحة بأي كتابة أخرى،، الكتابة الأخرى هذه من الممكن أن تسمى كتابة دينية.
المشكلة أنك تكتب في هذه الصفحة – هذه صفحة الدين – وأنت تكتب فيها دين، أنت كتبت دين، ولكن بعد مرور قرون متطاولة حدث بها اختلاط كثير، لابد أن تتأكد أن ما تكتبه في صفحة الدين هو هو تماماً مكتوب في القرآن، هو هو بالضبط الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسمه وكان يكتبه.
سيدنا حذيفة سأل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول ” كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ” الطبيعي لكي تعمل به وتلتزمه ” وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ” هو ماذا يفعل؟ الناس تسأل عن الخير، وهو يسأل مثلهم عن الخير ولكنه كان حريصاً مع هذا أن يسأل عن الشر، لماذا؟ لأن الشر هذا من الممكن أن يعترض ويعرقل طريق الخير،، ” فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فآتانا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؛ قال: نعم، قلت: فهل بعد هذا الشر من خير، قال: نعم وفيه دخن – اختلاط – قلت: وما دخنه؛ قال قوم يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكر ” إذاً يتكلم أنه كان يوجد نور وحق صافي كانا موجودين أولاً، ثم حدث فتن واختلاط وعراك، ثم اجتمع الناس مرة أخرى واجتمعوا وعاد الخير، لكن هذا الخير الذي رجع أخذ من شوب الاختلاط الذي حدث في الوسط،، فلو أنت استقيت من الخير الذي بعد الاختلاط فلن تأخذه صافي أبداً.
فأنت ماذا تريد أن تفعل؟ تريد أن تأخذ من الخير الصافي، تعود للخير الذي لم يشب، فهو عندما سأل ” ما الدخن ” قال أناس لديهم اضطراب، فأنت تستمع، فتعرف وتنكر – أي أن هذا الكلام كلام حسن، لكن هذه الجملة غريبة من أين أتى بها – ، فتقول أن هذا الكلام حسن ولكن يوجد كلام غريب، فأنت كلما تستمع لأحد تجد جمل حسنة وجمل ليست حسنة، وأشياء أنت مطمئن تجاهها، وجمل تقلق منها.
فكيف سأجمّع؟ سأجمّع على إحساسي الشخصي، فأنا شخص لدي الفطرة الدينية،، فسأجمّع على طريقتي،، وعندما أجمّع أنا ماذا يحدث؟ يحدث ما نعيش فيه الآن، أن كل شخص لديه برنامج ديني خاص به، صنعه على يده وفكره، هو الذي جمّعه، جمّعه بالإحساس الشخصي ورؤيته هو، لن يصلح هذا ولن يستقيم.
ولذلك حينما نتكلم لابد أن نتشاجر معاً، رغم أننا كلنا من المفترض أن منطلقاتنا دينية، ومن المفترض أننا نستدل بالدين، كلنا نستدل بالدين، وكلنا نريد أن نصل لغايات دينية، ولكننا جميعاً نتعارك معاً، وهذا طبيعي،، وماذا بعد
قال له ” وهل بعد هذا الخير من شر، قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها، قلت: صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ” فلدينا ثلاث صور، الأولى: حق صافي محض، وبعد ذلك حق مشوب، وبعد ذلك دعوة صريحة واضحة للنار، دعوة صريحة واضحة للنار.
فأنت الآن ستتردد بين أمرين؛ بين شخص سيدعوك إلى حق مشوب، وشخص يدعوك لباطل محض، فماذا ستفعل؟ فهذا الحق المشوب هل سيصلح؟ فالحق يجب أن يكون صافي ونقي لكي يؤتي ثمرته، أما لو كان مشوب؟
وهل الحق المشوب يؤيّد على الباطل المحض؟ الحق المشوب يؤيّد على الباطل المحض؟ الحق لابد أن يكون صافياً، ولابد أن يكون نقي، ولابد أن يكون المتمسك بالحق مخلصاً للحق، ليس له هدف إلا أن يؤيد الحق، أو يؤيد به ربنا الحق، فلو لم يكن؟، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى أجاب على سؤال سأله الناس المؤمنين الذين هم المؤمنون، الذين ليسوا نحن، هؤلاء أكيد ليسوا نحن، هؤلاء أناس مؤمنون الذين يجزم لهم بأنهم مؤمنين، أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى الآن؛ هؤلاء الناس مؤمنون، مؤمنون مؤمنون، المؤمنون الخلص، وبين ظهرانيهم رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم، الناس الذين أمامهم هم الكافرون بلا ريب المريدون أن يطفئوا نور الله بلا شك، فهل معهم أحد صالح؟ لا ليس معهم، فهذا هو الأسود، الأسود الخالص، ثم إن الأسود – الأسود تماماً – تغلّب على الأبيض – الأبيض الخالص – فهم يسألون سؤال طبيعي ومنطقي قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا كيف حدث هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ
فالناس الأبيض – الأبيض الخالص – أمروا بأمر فلم يلتزموا الأمر، هل ” فقط ” لم يلتزموا الأمر، لم تكن هذه هي المشكلة، ربنا يقول وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ طبعاً إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ هذا أمر مقطوع به، ولكن أيضاً لمن؟ للمؤمنين وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ بعض الأشياء المتعاقبة، مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ فلماذا حدثت هذه الأشياء؟ فهذا مظهر فقط، ما حقيقته؟ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ اضطربنا ولم نعد نرى شيئاً، فما الذي حدث؟ أن هؤلاء أمروا بأمر، فخالفوا مخالفة جزئية، هذه المخالفة الجزئية هذه لابد أن يترتب عليها أثرها، لأن ربنا سبحانه وتعالى لا يحابي ولا يجامل أحداً، فأنا ادّعيت الإيمان فسألتزم الإيمان، وسيعطيني ربنا، ادّعيت الإيمان ولم التزم الإيمان التزاماً كاملاً، فلا
فهل هذا، هذا عقوبة أم تربية؟ هذا هو السؤال، عقوبة أم تربية؟ هم أناس ربنا يربيهم، وجههم وقال لهم، هذا الكلام ليس جديداً، هذا الكلام قيل قبل هذا، وجههم وقال لهم، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ هذا الكلام حدث من ثلاثة عشر شهراً، وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فلما نصرهم ربنا، أول مشكلة حدثت في أي شيء؟ في المال، أناس جروا تجمع الغنيمة، وأناس وقفوا في الخلف، فالناس الذين جمعوا الغنيمة قالوا أن هذه الأشياء ملك لنا، فنحن جرينا وأخذناها، والآخرون قالوا: نحن شركاء معاً ونحن كنا في ظهركم نحميكم، فقالوا: لا شأن لنا، هذه الأشياء ملكنا، فتشاجروا معاً، تشاجروا معاً متى؟ متى؟ أول ما ربنا سبحانه وتعالى منّ عليهم، فماذا قال ربنا؟ قال: هذه الأشياء ليست ملككم، هي ملك الله، وأوكل لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسّمها، قُلِ الْأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فماذا نفعل نحن فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ هذا هو الأمر الأول.
وبعد ذلك أصبح هناك أسرى، هذه هي المغانم المادية، الأسرى، الأسرى ماذا سنفعل بهم، نحن نحتاج إلى المال، نريد المال، فنحن سنفاديهم لأجل المال، هذا هو الأمر الثاني.
إذاً جاء توجيه من ربنا سبحانه وتعالى ” احذروا ولا تفعلوا هذا ” هذا خطأ، ثم مرّ ثلاثة عشر شهراً على هذا التوجيه وهذه التربية، فلم يثمر الثمرة الكافية، فماذا يجب أن يحدث؟ يجب أن يحدث حدث قوي ومؤثّر لكي يؤثر الدرس ولا نفعل هذا مرة أخرى، فهي ليست أول مرة يحدث هذا، فهذا الكلام قيل قبل ذلك مرتين، مرة فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ثم مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ فهذه الثانية، فهل الدرس أثّر فينا؟ لا لم يؤثّر، فلما لم يؤثّر فلابد أن يحدث موقف قوي ويظهر فيه عندما لا نستمع إلى الأمر ماذا يحدث، هذه هي الفكرة، فمن أين جاءت الهزيمة؟ أن ربنا قال لنا مرة واثنين، ونحن لا نريد أن نستمع إلى الأمر، فلما لم نرد أن نستمع إلى الأمر، فلابد ان يحدث موقف قوي فالموقف القوي يؤثّر فيّ رغماً عني، وبعد ذلك أستمع للأمر، لأنني فهمت عندما لا أستمع للأمر ماذا يحدث.
فهل هذا عذاب؟ لا هذا ليس عذاب، هذه تربية، الرب يربي أتباعه، يربيهم بالتوجيه، وإن لم يفد التوجيه يربيهم بالقوة، مثل أي مربي صالح يربي، لأنهم في النهاية لابد أن يستقيموا، لأنهم إن لم يستقيموا سيضيعون، إن لم يستقيموا سيضيعون، يوم تلو يوم، حدث تلو الحدث، آية تلو الآية، أناس ترتقي وتتعلم وترتقي، وتزداد إيماناً، فحينما يقول ربنا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بجانبها تساوي ” اليوم اكتمل إيمان هؤلاء “
عندما اكتمل القرآن، وصلوا هم لنهاية الرحلة فاكتمل الإيمان، أما قبل ذلك فلا.
الخلاصة: أن الكلمات الإلهية موجودة في أيدينا، يوجد أشياء نحن من المفترض أن نفعلها لكي نزلل العقبات التي بيننا وبين القرآن، بيننا وبين كلمات ربنا سبحانه وتعالى، لابد أن نترجم، نحن الآن ليس لدينا ترجمة له،، نحن نقول ” القرآن ” و ” المصحف ” لا، هذا اسمه ” كلام الله ” كلام الله، فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ هذه مهمة جداً، هذه الإضافة مهمة، هذا القرآن يساوي ” كلام ربنا ” وبالتالي على مقدار ما تعرف ربنا، على مقدار شعورك باحتياجك لربنا، على مقدار ما تشعر بعظمة ربنا، على مقدار إحساسك بعلم وحكمة ربنا ستترجم ما معنى كلام ربنا،، فهذه هي المشكلة ما معنى ” كلام ربنا ” .
نحن لماذا نستخدمه هذا الاستخدام؟
نتركه شغال لئلا يسرق المحل أو القهوة، نضعه في مدخل المحل لئلا يكسر أحد الزجاج، أو أننا جالسون في المقابر فنقرأ لأجل الناس الداخلون والخارجون، أو نصلي، أو نصلي،،، النبي صلى الله عليه وسلم قال ” بادروا بالأعمال ستاً ” ثم آخر شيء ذكره لأنه أسوأ شيء، وهو الذي يترتب عليه كل شيء قال ” ونشواً يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليغنيهم وإن كان أقلهم فقهاً ” هذا هو الموضوع كله، أصبح صوتاً وطرباً، لكن ما الذي يقال؟ لا نعرف ماذا يقال! ” وإن كان أقلهم فقهاً ” المقصود من القرآن أن يفقه الإنسان ويفهم، فلما يفهم، ييسر له ربنا سبحانه وتعالى الامتثال فيسعد وينجو، فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا، ذهاب همومنا وجلاء أحزاننا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا
اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذّبنا فأنت علينا قادر والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.