الكلام عن الكنبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم,

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

ثم أما بعد,

 تحدثنا في المرة الماضية عن واجبات المسلمين وكان حديثنا عن ثلاثة أمور ؛ كان أولها حسن ظنّ العبد بربه عز وجل وأن الله عز وجل لا يقضي ولا يقدر إلا الخير، أدرك الإنسان ذلك أم لم يدرك، وذكرنا أن الله عز وجل عن ظن كل عبدٍ بربه، وأنه إذا ظنّ الناس بربهم خيراً، لم يؤتهم سبحانه وتعالى إلا كل خير.

 وذكرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دائماً آمراً أصحابه رضوان الله عليهم، آمراً إياهم بالأخذ باليسر وآمراً إياهم بالتبشير، فإن الله عز وجل قد منّ علينا بدينٍ سهلٍ سمحٍ ميسر،فواجب العباد أن يحفظوا هذه السماحة وهذا اليسر وألا تشددوا على الناس ما يسره الله عز وجل عليهم، قال الله عز وجل وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فجعل دينه ومنهاجه وسبيله سهلاً سمحاً ميسراً، وجعل رسوله صلى الله عليه وسلم الذي هو القدوة والتطبيق لهذا المنهاج جعله أيضاً صلى الله عليه وسلم سهلاً سمحاً ميسّراً، وجعل كتابه عز وجل الذي هو المنهاج والنبراس والنور والشفاء والرحمة والروح، جعله سبحانه وتعالى سهلاً ميسراً فقال تعالى وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ثم أمر صلى الله عليه وسلم ببث روح الأمل والبشر والاستبشار في قلوب العباد، وأن ينأى أهل الإسلام أشد النهي عن التشاؤم والسوداوية حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن الطيرة وهي التطير والتشاؤم هو نوعٌ من أنواع الشرك.

 ثم ذكرنا أن حسن الظن بالله عز وجل لابد أن يستتبع حسن العمل بما يقرب من هذا الأمل المأمول، وبما يقرب من رضوان الله عز وجل وأن علامة حسن الظن أن يسعى العبد أو يأخذ بالأسباب التي تجلب له هذا الأمل وتجلب له هذا الرضوان من الله عز وجل.

 ثم ذكرنا ثالثاً ضرورة أن يتلاحم وأن يتعاون وأن يتكاتف كل محبٍ للخير وكل مريدٍ للصلاح والإصلاح لكي يتحقق ما نأمل وما نرجو بإذن الله عز وجل.

 وكان المقرر أن نستكمل في هذه الكلمات بناءنا الذي بدأنا وأن نتباحث سوياً عن العمل أو الأعمال التي يمكن لكل عبدٍ مؤمن أن يأخذ بها لكي يحقق ما نأمل وما نرجو وما نصبوا إليه، لكنني آثرت أن نرجئ هذا إلى خطبة مقبلة بإذن الله، وأن نتكلم اليوم عن ” الكنبة “، الكنبة كلمة ترددت كثيراً في الفترة الماضية حتى صار لها حزباً وصار لها منهاجاً وصار لها طريقاً وسبيلاً وصار لها مؤيدين ومريدين.

 يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يهلك الناس هذا الحي من قريش ” يخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي رجالٌ وأمراءٌ وولاةٌ من قريش يتنازعون الأمر بينهم وتكون بينهم الفتن والبلايا التي تفسد على الناس دينهم ودنياهم، فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فما تأمرنا ” إذا حدث هذا، ما العمل، يلجأون إليه صلى الله عليه وسلم  لكي يرشدهم ويبصرهم، فقال صلى الله عليه وسلم ” لو أن الناس اعتزلوهم ” وهو هنا صلى الله عليه وسلم لم يقل لأصحابه الذين يخاطب، لم يقل اعتزلوهم، ولكنه قال : ” لو أن الناس اعتزلوهم” لأنهم أي الصحابة رضوان الله عليهم من علمهم وفقههم يعلمون أنه إذا وقعت الفتن أو وقعت المخالفة أن عليهم أن يعتزلوا سبيل كل شرٍّ وسبيل كل باطل.

 لكنه صلى الله عليه وسلم يخبر عن الحل وعن المخرج من هذه الفتن فقال : ” لو أن الناس” فإذاً هذا اتجاه عام مجتمعي هيسلكه الناس جميعاً، هذا الإتجاه العام المجتمعي إذا قام به الناس درأوا هذه الفتنة، فلنتخيل أُناساً يتنازعون على ملكٍ أو على إمارةٍ أو على سلطان، وهؤلاء الناس لم يتيسر لهم أتباع ولا أعوان بمن يقومون وبمن يقاتلون، إذا لم يجدوا رجالاً وأنصاراً وأعواناً ينفثون في هذه الفتنة فإن هذه الفتنة سوف توئد وسوف تموت، هذا اعتزالٌ من الناس لهذه الفتن لكن لم يكن الاعتزال قط موقفاً سلبياً، بل هذا الاعتزال هو عملٌ مبنيٌ على فكرٍ وعلى محاولةٍ لترك الشر والفتنة والفساد.

 فإذاً قد تأخذ فعلاً في ظاهره أنه فعل سلبي لكنه في حقيقته هو تمام الإصلاح وتمام المشاركة وتمام الإيجابية ولذلك جعل في دين الله سبحانه وتعالى جُعل الترك فعلاً، الترك عملاً سلبي لكنه يُعد فعلاً يثاب عليه المرء إذا كان قاصداً لهذا الترك بقلبه وبنيته، لذلك قال الله عز وجل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ هذا الاجتناب هو البعد ؛ هذا فعل سلبي لا يقرب هذه الأشياء، هذا تركٌ ونهيٌ وبعد واعتزالٌ لهذه المنكرات، فجعله الله عز وجل شيئاً مأموراً به، والأمر لا يكون إلا بفعل، فإذاً الترك إذا كان بقصدٍ وإذا كان لإحداث خيرٍ ودرء شرّ فهو فعلٌ يثاب عليه العبد وإن كان في ظاهره فعلاً سلبياً.

 فإذاً النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا منهاجاً واضحاً في درء الفتن وفي وأد هذه المفاسد وفي إبطال هذه الشرور.

 وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً في ما رواه الترمذي عن كعب بن عجرة قال : ” سيكون عليكم أمراء ” لم يقل صلى الله عليه وسلم هاهنا وصف هؤلاء الأمراء لكن نعلم من تتمة الحديث أن هؤلاء من أمراء السوء، “سيكون عليكم أمراء فمن دخل عليهم وصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد عليّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني وأنا منه وهو وارد عليّ الحوض “، فها هنا صلى الله عليه وسلم يبيّن لنا أن هؤلاء الذين يفسدون ويظلمون لا يقوم ظلمهم وشرّهم وفسادهم إلا إذا أعناهم نحن أو أعانتهم طائفةٌ منا، فلو أننا امتثلنا أمر نبيّنا صلى الله عليه وسلم لم يجد هؤلاء الظلمة من يعينهم على ظلمهم وبذلك لم يكونوا قادرين على أن يظلموا الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وأبشارهم، لا يتمكنون من ذلك إلا بأن نعينهم نحن أو تعينهم طائفةٌ منّا، فقال صلى الله عليه وسلم “من دخل عليهم” أي موافقاً لهم ولم يقصد صلى الله عليه وسلم أن يدخل منكراً عليهم أفعالهم أو ناصحاً إياهم وإنما يدخل عليهم ويلابسهم ويعاشرهم راضياً بما يفعلون ولذلك قال ” فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم ” هم يخبرون خلاف الواقع ويقولون ما ليس بحق، وهو يؤيد هذا الذي يقولون ويصدق هذا الإفك الذي يفترون، ثم هم في أفعالهم ليس في أقوالهم، فهم في أقوالهم يكذبون فيُصَدَقُون، وفي أفعالهم يظلمون فيُعَانون، صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فهذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم جزاءه قال ” فليس مني ولست منه ” رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبرأ ممن هذا حاله وفعله ثم يقول ” وليس بوارد عليّ الحوض ” هو مصدودٌ ممنوعٌ تمنعه الملائكة من ورود حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ” ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وهو واردٌ عليّ الحوض “.

 ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً فيما روته أم سلمة رضي الله عنها والحديث في مسلم : “سيلي عليكم أمراء فمن أنكر فقد برء، ومن عرف فقد سلم، ولكن من رضي وتابع ” فإذاً هناك من ينكر هذه الأفعال وهناك من يعتزل هؤلاء الناس، ولكن الشرّ كل الشرّ والفساد كل الفساد والبلية كل البلية، ” ولكن من رضي وتابع ” فإذاً رضي هذه الأفعال بقلبه، ربما يكون مستنكراً لهذا ولا يقدر على أن يغير عليه، ” ولكن من رضي وتابع ” سلك مسالكهم واتبع سبيلهم فهذا اعتزالٌ وإنكارٌ جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يوئد هذه الفتن ويدرأ هذه الشرور، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أيضاً، والحديث في البخاري ” ستكون فتن القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي والماشي فيها خيرٌ من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأً أو معاذاً فليعذ به “، ومن يشرف لها تستشرفه : يعني الذي يتطلع إلى الفتن، الذي يقارب الفتن تستشرفه، أي تصيبه بحرّها ونارها، وقال صلى الله عليه وسلم  أيضاً في حديث عمران بن حصين عند أبي داوود، قال : ” من سمع بالدجال فلينأى عنه فإن الرجل يأتيه وهو يظن أنه مؤمن فيتبعه مما بعث به من الشبهات “، يعني الإنسان ربما يحسن الظن بنفسه وقوته فيأتي إلى الدجال وهو على علم، وعلى يقين بقوة إيمانه وأنه لا يفتتن، ثم هو يظن أنه ينجو، لكن إيمانه لا يقوى على مقاومة هذه الشبهات وهذه الفتن التي بعث بها هذا الدجال،

 فإذاً النبي صلى الله عليه وسلم علمنا من خلال هذه الكلمات أنه لا تكون فتنة إلا إذا سعينا نحن فيها وأعنّا عليها، ولا يكون ظلمٌ أو شرٌّ أو فساد إلا إذا سعت فيه طائفةٌ منّا وأعانت عليه، وأن واجب المسلم بإزاء الفتنة أن ينأى عنها ولا يحسّن الظن بنفسه وبقوته.

 وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان عن أبي هريرة وأبي سعيد قال : ” ستكون عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويوخرون الصلاة عن مواقيتها “، طبعاً ده الزمان القديم، اللي هما الأئمة أو الولاة هما اللي بيصلوا بالناس، فهو بيجي متأخر بيبئه مشغول بعد العصر فبيصلي العصر قبل المغرب، الناس تفضل منتظرة لحد ما يجي فيصلي بيهم،

فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” يقربون شرار الناس “هما دول الحاشية والبطانة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، ” فمن شهد ذلك منكم فلا يكونن عريفاً، ولا شرطياً ولا جابياً ولا خازناً ” هاهنا أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم يبيّن كيف تقاوم هذه الشرور مقاومةً سلمية تبطل هذه الشرور، إذا لم نقم نحن معهم بإعانتهم على هذا الظلم وصرنا رجالاتهم وصرنا بطانتهم، فإنهم لا يقدرون أن يقيموا هذه الشرور ولا أن يلقوا هذه المفاسد، ” فلا يكونن لهم عريفاً ” والعريف : مش لاقي ترجمة مباشرة ليها، العريف : شخص مسئول عن قبيلة أو عشيرة من الناس أو عن قرية أو مدينة، مهمته إن هو يرفع مطالب واحتياجات الناس للولاة، وإذا كان في شخص محتاجين يسألوا عنه بيعملوا عليه تحريات، يقوم هو بدور شيخ الحارة ويبتدي يخبر بما لديه من المعلومات عليه، يرفع عنه تقارير وإذا كان في واحد عليه أحكام أو عليه ضبط وإحضار هو ملزم بإن هو يجيبه، ديه تطلع إيه دلوقتي أنا مش عارف، المهم لذلك سمي عريف لأنه يعرف بأحوال الناس ويعرف بأشخاصهم وذواتهم ويضمن تسليم من عليه أحكام، والشرطي هو القائم بالضبط والإحضار، والجابي هو اللي بيجبي الأموال، بيسموها الضرائب أو الجمارك أو كده، والخازن هو اللي بيحفظ هذه الأموال لحين تصريفها وتوزيعها،

 فإذاً النبي صلى الله عليه وسلم قال إن هؤلاء الناس إذا رأيناهم وإذا عاصرناهم علينا أن نعتزلهم وأن نترك مشاركتهم في هذه الأعمال، لأننا إذا كنا كذلك درأنا هذه الشرور.

 إذا كان الأمر كذلك فما هو الحامل لإنسان على أن يشارك في ظلم أو يشارك في شر أو يشارك في فساد وهو يعلم، إنما الذي يحمل على ذلك هو رقة وضعف الدين،

 فإذاً إذا أردنا أن ندرأ هذه الشرور وأن ندرأ هذه المفاسد فلابد أن يستشعر العبد تعظيم ربنا سبحانه وتعالى أولاً ويوقن يقيناً جازماً أن الرزق بيد الله عز وجل وأنه لا يملك غير الله عز وجل من أمر الناس شيئاً وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ.

يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة : ” بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً – عياذاً بالله – ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ” إيه اللي حمله على الانتقال من الإيمان للكفر ” يبيع دينه بعرض من الدنيا ” هو بيبئه عارف إن ده يغضب ربنا سبحانه وتعالى لكنه من شدة تعلقه بالدنيا وفتنته بها يبيع دينه وهو يعلم أنه يبيع بهذه الدنيا الذي يريد أن يشتريها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم  : ” إن روح القدس – أي جبريل عليه السلام – قد نفث في روعي – أي ألقى في قلبي- أنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنّ أحدكم استبطاء الرزق على أن يطلبه بمعصية الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته “.

 إن روح القدس ؛ أي جبريل عليه السلام نفث في روعي, أي ألقى في قلبي، أنه لن تموت نفس, أي نفس ؛ أي نفس منفوسة خلقها الله عز وجل حينما نفس فيها الروح كتب رزقها وأجلها وعملها وشقيةٌ هذه النفس أم سعيدة ” فإنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل أجلها ” الذي قدّره الله عز وجل لها لا تنقص منه لحظة، ” وتستوعب رزقها ” الرزق الذي حدده الله عز وجل لها حينما نفخ فيها الروح وهي في بطن أمها ؛ سوف تستكمل هذا الرزق، لابد أن يأتيها، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم : ” فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ” حرص الإنسان على أن يتقِ الله سبحانه وتعالى في حركاته وفي عمله، وأن يجمل أي يطلب المال، هو لابد أن يسعى، لابد أن يأخذ بالسبب ولكن طلباً جميلاً ليس فيه إراقه لماء الوجه، ليس فيه إهانة وإذلال للنفس، وليس فيه طلب بما يغضب الله عز وجل، ثم يقول ” ولا يحملنّ أحدكم استبطاء الرزق ” يعني هو له رزق سيأتيه في أجل محدد لكن الإنسان خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا، فهو مستعجل، فينتظر أن يأتي رزقه مما أحل الله فيتأخر عليه ويتلبث، ” فلا يحملنّ أحدكم استبطاء الرزق على أن يطلبه بمعصية الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته “.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم,

الحمد لله و صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم,

 يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن ابن مسعود : ” ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي كان له من أمته حواريون وأصحاب يستنون بسنته ويقتدون بأمره ” أي يسلكون سبيله  ” ثم أنه تخلف من بعدهم خلوف ” تتبدل الأحوال وتتوالى الأجيال وتتبدل والأحوال ” ثم أنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يعملون ويفعلون مالا يؤمرون ” يعني يقولوا كلام كويس، لكن سلوكهم العملي يخالف الكلام الكويس اللي هما بيقولوه، ” ويفعلون ما لا يؤمرون ” الفعل والسلوك منافي لما أمر الله عز وجل مما يعلمون هم أن الله عز وجل قد أمر به، ” فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ” إذاً النبي صلى الله عليه وسلم  سمى حتى المجاهدة بالقلب اللي هي استنكار الشيء ده والنأي والبعد عنه سماها صلى الله عليه وسلم جهاد.

الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، كان قد سجن سنينً، في زمان المعتصم وحبس في زمان الواثق أيضاً، فأتاه السجّان يوماً وهو محبوس ومقيد ؛ فسأله وقد وقع في نفسه شيءٌ من الحرج، فقال يا إمام هل أنا من أعوان الظلمة ؛ قال له : لا، أنت من الظلمة، وإنما أعوان الظلمة من أعانك على أمرك، ثم إليك ما هو أشد من ذلك,

 قال رجل لعبد الله بن المبارك رحمه الله قال : إني خياط وإني أخيط ثياباً لبعض وكلاء السلطان، بيفصّل لهم، أكون من أعوان الظلمة،

قال: لا، لست من أعوان الظلمة بل أنت من الظلمة، إنما أعوان الظلمة من يبيع منك الإبر والخيوط.

 فإذاً إذا وجدنا وضعاً فاسداً، وضعاً مجحفاً، وضعاً ظالماً لا يرضي الله عز وجل فواجب كل مسلم بما أخبر وأمر به صلى الله عليه وسلم أن ينأى كل النأي أن يعين ظالماً بيده أو بلسانه أو بصمته.

 ولذلك قال مالك بن دينار : كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة، لما مات الحجاج بن يوسف، والحجاج معروف ظلمه وبطشه وعسفه، ثم مات بعده الوليد بن عبدالملك الذي كان قد ولاه، وجاء سليمان أراد سليمان أن يعزل كل ولاة الحجاج، لأن الحجاج كان يعتبر كأي نائب للسلطنة أو نائب الإمارة أو نائب الخلافة، له العراق وكل ما حولها إلى فلسطين يولي ويعزل كيفما شاء، فعزل كل ولاة الحجاج، ثم حبسهم حتى حقق في أمرهم فأراد أن يستعمل مساعد الحجاج ومديره المالي، فقال له عمر بن عبدالعزيز : أنشدك الله يا أمير المؤمنين ألا تحيي ذكرى الحجاج باستعمال كاتبه، فقال سليمان : إني كشفت عنه فلم أجد عليه سرقه ولم أجد عليه خيانة – يعني أنا وجدته أميناً في المال لم يسرق درهماً ولذلك بعدما حققت في أمره وجدته شخصاً أميناً فقررت أن استعين به وأن استخدمه وأن استعمله -، فقال عمر : أنا أوجدك ما هو أحفظ من الدينار والدرهم منه، – أنا هجبلك واحد تاني أشد تحفظاً من انتهاك حرمات الأموال في الدراهم والدنانير – فقال سليمان: ومن هو قال : إبليس، ما مسّ ديناراً ولا درهماً ولكنه أهلك هذا الخلق، فتركه سليمان بن عبد الملك ولم يستعمله،

 هو عايز يبيّن له إن القضية مش مجرد فلوس، مش ده المعيار الوحيد اللي انته بتقيم بيه الشخص إن هو الفساد المالي، ده شيء مهم بس ده مش كل حاجة، وعمر بن عبد العزيز يريد بهذه كما يقول ” لا تحيي ذكرى الحجاج باستعمال كاتبه  ” يعني الاستعانه بالأعوان المتورطين مع الظلمة هو امتداد أيضاً لعهود الظلم والشر والفساد، يبئه إذن احنا عندنا نوعين من الحكم بالصورة الغالبة، يا إما وضع يغلب عليه الشر والظلم والفساد فوجبنا تجاهه هو ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم وكما قلنا لا يمكن للمرء أن يفعل ذلك إلا إذا كان عنده من الدين ومن الثقة بالله سبحانه وتعالى ما يجعله يتيقن ويطمأن إن هو لن يضار إذا التزم بأمر الله عز وجل، طيب، وإذا كان على خلاف ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث تميم الداري عند مسلم قال ” الدين النصيحة، قلنا : لمن، قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم “

 قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبّان عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :” إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، يرضى لكم ؛ أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تتفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم ؛ قيل وقال، وإضاعة المال وكثرة السؤال “.

 وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً في حديث أنس عند الإمام أحمد قال : ” نضر الله عبداً سمع مقالتي فحملها فأداها كما سمعها فربَّ حامل فقهٍ غير فقيه، وربَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ثلاثٌ لا يغلّ عليهنّ صدر مسلم ” في تلت خصال أي إنسان مسلم يحب هذه الخصال ويفعلها ولا يضيق صدره بها، ما هذه الخصال, قال : ” الإخلاص لله، أو قال : إخلاص العمل لله ونصح من ولاه الله أمركم ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ” الإخلاص لله سبحانه وتعالى في كل قول وفعل، القيام بحق النصيحة لمن ولاه الله عز وجل أمر المسلمين،

  فإذاً النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الإيجابية في الأوضاع الفاسدة، وإيجابية في أوضاع المشوبة أو الصالحة،

 والثالثة : أن تجتمع الكلمة، لزوم جماعة المسلمين، قال : فإن دعوتهم، دعاءهم لله سبحانه وتعالى وتضرعهم إليه يحيط من ورائهم أي : يحفظهم جميعاً، أي : الزم جماعة أهل الإسلام لأن الله عز وجل بدعوتهم والتجائهم إلى الله يحفظهم جميعاً، ” فإن دعوتهم تحيط من ورائهم “، وبعدين قال من ورائهم ليه لإن الخلف ده دايماً محل المكر والشر والفساد، انته شايف أدامك مبتشوفش وراك، إحنا بنشوف بين أيدينا بس، معندناش مرايه ورا، إحنا مش عربيات، مبنبصش ورا، إحنا بنشوف أدام مبنشوفش ورا، الورا ده، الدهر ده محل المكر والكيد والفساد، ولذلك قال الله تبارك وتعالى بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ۝وَاللَّهُ مش من الأمام وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ  فإن دعوتهم -دعاءهم لله- هو الذي يحفظهم.

 قال صلى الله عليه وسلم : ” إن الله ينصر هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ” فإجتماع المسلمين والتزامهم بأمر الله سبحانه وتعالى داءهم وتضرعهم إلى الله هو ده اللي ربنا سبحانه وتعالى بيجعلهم في كنف ربهم تبارك وتعالى ” بين دعوتهم تحيط من ورائهم “.

 اللهم ألّف بين قلوبنا، اللهم ألّف بين قلوبنا، اللهم أصلح ذات بيننا

اللهم انصرنا على عدوّك وعدونا، اللهم اهدي كل ضال،اللهم اهدي كل ضال،اللهم اهدي كل ضال،

اللهم ارحم كل ميّت، اللهم ارحم كل ميّت، اللهم اشف كل مريض، اللهم اشف كل مريض

اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا،ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

أضف تعليق