إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد …
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما عند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: أُمِرْتُ بقريةٍ تأكُلُ القُرَى، يقولون يَثْرِبَ، وهي المدينةُ، تَنفِي الناسَ كما يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ.
يقول صلى الله عليه وسلم: أُمِرْتُ بقريةٍ أي أمرت بالهجرة الى هذه القرية وباستيطان هذه القرية, فالأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الله عز وجل, فهو لا يتحرك حركه ولا يخطوا خطوة إلا بتيسير الله عز وجل وتوجيهه وتدبيره, الله عز وجل هو الذي يوجه رسوله صلى الله عليه وسلم – ويوجه عباده المؤمنين من بعده في كل حركاتهم وسكناتهم, وهو الذي يختار لهم ديار ويختار لهم الوقائع والأحداث من بعد ما اختار لهم الدين والشرائع والأحكام الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فيقول صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قد أمره بهذه القرية التي تأكل القرى يعني بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدينته الشريفة الطاهرة المطيبة المنورة أنها تأكل القرى أي تضمها اليها وتتفئ عليها بظلها الوارف، فالمدينة هي أصل الاسلام وأصل النور الالهي الذي سوف يشع من هذه المدينة على كل ما حولها من القرى, فهي تأكل أي تضم هذه القرى اليها وتكون سببا في نشر النور والحق والخير في ربوع هذه الديار جميعاً.
أُمِرْتُ بقريةٍ تأكُلُ القُرَى، يقولون يَثْرِبَ، وهي المدينةُ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم بانتقاله إلى هذه الدار سوف يحيلها صلى الله عليه وسلم من يثرب إلى المدينة فقد كانت قبل أن تطأها هذه الأقدام الشريفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانت يثرباً ومن حين ما وطأتها هذه القدم الشريفة اختار الله عز وجل لها أن تكون المدينة, ولكل كلمة من هذه الكلمات علامة ودلالة تبين لنا وضعها السابق وتبين لنا الوضع الذي أرادها الله عز وجل أن تكون عليه, لقد كانت قبل أن يلجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخلها مدخل صدق كانت يثرب, يثرب من الثرب والتثريب, أما التثريب فهو التخليط والإفساد. والثرب في أصل كلام العرب بمعنى الفساد والتثريب هو العيب والانقاص والتوبيخ واللوم قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ قالها يوسف عليه السلام وقالها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدخل مكة فاتحاً منتصراً قال لأهلها: لا تثريب عليكم اذهبوا فأنتم الطلقاء. لا تثريب عليكم أي لاتعنيف ولاتوبيخ ولا لوم على ما اسلفتم من حرب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا تثريب أي لا شر ولا فساد لاحق بكم من جراء دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الدار فاتحاً منتصراً, فقد كانت اذا قبل أن يشع عليها هذا النور الإلهي كانت محلاً للشر والفساد وكانت مليئة بالنقائص والعيوب وكانت العلاقات بين أهلها قائمة على التثريب والتعنيف والتوبيخ الذي يصل إلى حد العداوة والبغضاء والقتال والاقتتا، ولذلك قال الله عزوجل ممتناً هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فهكذا كانت ولكن الله عز وجل أراداها أن تكون المدينة وإليها يُنسب القران فيُقال قرآن مدنى نسبة إلى المدينة أى أنه نزل بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ويُقال عهد مدنى هذه الفترة التى قضاها النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة بعد هجرته إلى وفاته صلى الله عليه وسلم وانتقاله إلى الرفيق الاعلى.
فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر الله عز وجل أسس وأقام المدينة التى إليها تنسب المدنية، فإنما حقيقة هذه المدنية التى هى بمعنى التحضر والرقى إنما نشئت وإنما كانت لما وطئت قدمه صلى الله عليه وسلم أرض المدينة، ولذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُوصف هذه المدينة بعدما هاجر إليها بأنها يثرب عودٌ إلى الوضع الفاسد عودٌ الى هذا الوضع الجاهلى وضع الفساد والإفساد والتأنيب والعيب والانتقاص هذه المدينة أضاءت وأشرقت بنور الله عزوجل يخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها تنفى الناس كما ينفى الكير خبث الحديد أى تخرج من بين ظهرانيها شرار الناس كما أن الكير يخرج الخبث والشوائب التى تخالط المعادن النفيسة، فإنما يسكن فيها ويستقر ويطمئن أهل الايمان الذين أشرقت قلوبهم بهذا النور الذى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أما غيرهم ممن أُشربت قلوبهم الفساد والافساد فهم لايطيقون أن يبقوا أو يقيموا في هذه المدينة التى أشرقت وأضاءت وأنارت فهم يخرجون منها ويفرون عنها تنفى الناس كما ينفى الكير خبث الحديد لايخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ولا يأمرهم بتركها ولا يجليهم عنها وأنما هم الذين لا يطيقون ان يبقوا فى هذا المجتمع النبوى المطهر المكرم فتحملهم قلوبهم الخبيثة على أن يخرجوا ويفروا ربما إلى تورتنو إلى لندن هم يخرجون ويبغون الخروج وفى مقابل ذلك قال الله عزوجل فى سورة النمل فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ وقال تعالى وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أى يأسروك ويسجنوك وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ فهذا حال وهذا حال أما هؤلاء فلم يسع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إخراجهم وإنما سعى إلى إصلاحهم وإلى بث هذا النور فى قلوبهم لكن هم لآنهم لا يحبونه ولا يطيقونه يسعون إلى الفرار والخروج بينما هو لا يسعى إلى إخراجهم وإنما يسعى لإسعادهم، أما إذا كانت الكرة لهم وأما إذا كانت الأرض أرضهم والملك ملكهم والسلطان سلطانهم هم لا يصبرون على الرسول صلى الله عليه وسلم ولا على الأنبياء والمرسلين وإنما يسعون إلى إخراجهم أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ثم يردفونهم عبارتهم هذه ببيان العلة .. ما الذى أجرمه لوط عليه السلام لكى يستحق أن يخرج من أرضه وداره ووطنه وبيته؟ أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ! .. يحبون الطهارة والعفة واالشرف والأخلاق الطيبة الفاضلة فهولاء لا مكان لهم فى هذه الدار ولا فى هذه الارض لأنهم بطهارتهم يظهروننا بخلاف الطهاره ولأنهم بنزاهتهم وشرفهم يظهروننا بخلاف الشرف وبخلاف النزاهه ومكارم الأخلاق فهو صلى الله عليه وسلم لا يخرجهم لكنهم إن تمكنوا منه أخرجوه.
فهذه هى المدينة التى أخبر الله عز وجل بها والتى أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها الله عز وجل الدار وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الدار هى محل الأمن فهى المدينة محلة النور والرقى والسمو والرفعة وهى الدار محلة الأمن والطمأنينة. وأصل المدينة فى لسان العرب ولغتهم مشتقة من مدن وم دان أما مدن يقال مدن بالمكان أى أقام واستقر فيه ولذلك أنما تطلق المدينة فى مقابل البادية وبضدها تتميز الأشياء. البادية المكان الذى لا مستقر فيه الذى لا يسكن فيه الناس ولا بقيمون إقامة دائمة بل هم أهل حل وترحال ليسوا أهل نظام ولا استقرار ولا يجمعهم جامع ولا يربط بينهم رابط وفى مقابل ذلك كانت المدينة محل الاستقرار لأهلها وأصحابها ولما كانت محل استقرار كانت لابد أن تساس بنظام وأن تخضع لحكم يحتكم إليه الناس جميعاً وهذا هو المعنى الثانى لكلمة المدينة إنها من دان أى خضع أى أهلها يخضعون لحكم يحكمهم وسائس يسوسهم لأنهم إذا اجتمعوا وكانت مصالحم ورغائبهم وأهواءهم مختلفه متنازعة لابد أن يحدث بينهم الشجار والخصام والحروب التى لا تبقى لهم باقية فلا يبقى لهم حكم ولا يكون لهم استقرار ولا أمن تحتاج أن يدينوا لحاكم أن يخضعوا لنظام كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ دين الملك أى حكمه وسلطانه وقانونه ودستوره.
إن يوسف عليه السلام حينما كلم إخوته فى أمر الصاع سألهم ما حكم السارق فى شرعتهم؟ فقالوا: إنه يأخذ بدلاً عما أخذ يعنى هو أخذ مالاً أو أخذ شيئاً فصاحب هذا المال أو صاحب هذا الشئ يأخذ هذا الذى سرق عوضا عن الشئ الذى أخذه فالله سبحانه وتعالى يقول أن يوسف عليه السلام لما ردهم إلى شرعتهم وحكمهم تسنى له وتمكن من يأخذ أخاه ويضمه إليه أما إذا كان رده إلى دين الملك وليس فيه هذا الحكم فحينئذ ما كان يستطيع أن يضم أخاه اليه ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك أى فى حكمه ونظامه وقانونه فدان أى خضع ولذلك كان الدين ديناً لأنه خضوع وتسليم لرب العالمين سبحانه وتعالى إنما كان الدين أو سمى الدين ديناً. كلمة الدين أى الخضوع فهو الخضوع والتسليم والإخبات والخشوع لله رب العالمين. ولذلك كان الدين حقا وربما كان الدين باطلاً لأن الإنسان إذا خضع لله عز وجل كان هذا هو الدين الحق وإذا خضع لغير الله عز وجل ودان له كان هذا هو الدين الباطل فالدين قد يكون حقا وقد يكون باطلاً.
فإذن المدينة إنما هى الاستقرار وهؤلاء المستقرون يخضعون ويدينون إلى نظام يحكمهم ويأوبون إليه يفصل خصوماتهم ويحل نزاعاتهم فكانت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم هى المدينة التى تدين لأمر الله المدينة التى يسودها حكم الله التى يوجهها الله عز وجل توجيها مباشراً بوحيه تعالى من فوق سبع سماوات ولذلك استحقت هذه المدينة أن توصف حقاً بأنها المدينة بالألف واللام التعريفيه الدالة على الاستغراق والكمال والتمام فاذا وجدت مدينه تستحق فعلاً اسم المدينة حيث كمال الأستقرار وحيث الشرع والنظام الذى لا يفوقه ولا يعلو عليه نظام كانت المدينه وحيث حقيقه الرقى وحقيقه التحضر الذى يسعى اليه الناس.
لذلك أرادها الله عز وجل أن تكون كذلك وسماها الله عز وجل ذلك لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ، مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ، وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ لكنه سبحانه وتعالى قال في لحظات الكرب ولحظات الشدة واللحظات التي زلزل فيها أهل الايمان هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُو ارجعوا إلى يثربكم ارجعوا إلى عهد ما قبل المدينة هؤلاء أهل النفاق الذين غصت حلوقهم بهذه المدينة الذين بغضوا وكرهوا هذا النور الإلهي لا تطيق أبصارهم الضعيفة أن تنفتح إزاء هذا النور القوي لذلك قال الله تبارك وتعالى في وصفهم يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ البرق ده نور خاطف وبسيط لضعف ابصارهم وبصائرهم لا يتحملون هذا النور الإلهي ولو كان شعاعاً بسيطاً فكيف بنور الشمس وكيف بضياء الشمس ونور الله يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا يريدون إن يرجعوا إلى عهدهم الأول لأنهم لا يطيقون ولا يحبون هذه المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عائد من غزوة تبوك ربما كانت أطول فترة غاب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مدينته، فهو وهو آيب للمدينة كما يقول أبو حميد الساعدي رضي الله عنه انتهى إلى وادي القرى بجوار خيبر فقال صلى الله عليه وسلم إني مسرع فمن شاء منكم أن يسرع معي فليفعل ومن شاء فليمكث، هو وصل إلى وادي القرى وازداد شوفه صلى الله عليه وسلم وحنينه إلى مدينته فهو يقول إني مسرع أنا لا أستطيع أن أمكث هنا بعيداً عن مدينتي إني أريد أن أسرع إليها فمن شاء منكم أن يسرع معي فليفعل ومن أراد أن يمكث ويستقر قليلاً ويرتاح لأنه متعب فليفعل فقد آذنت له.
يقول أبو حميد فخرجنا معه حتى شرفنا المدينة أصبحت على مرمى البصر فأشار إليها صلى الله عليه وسلم وقال هذه طابا وهذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه. هو يقول هذه طابا هي معمومة ومعرفة لديهم هؤلاء هم أهلها الذين خرجوا منها وهم اليوم يعودون إليها فهو يصفها هنا صلى الله عليه وسلم بوصف جديد لحب جديد، طابا من الطيب ومن الطيب هذه المدينة ذات الريح الطيب وهي المدينة المطيبة المطهرة فكأنه يشير إلى أصحابه إلى مدينته التي يحب والتي اشتاق إليها والتي كان يحن إلى العودة إليها فلما أن رأها أشار اليها هذه مدينتي هذه محبوبتي هذه طابا وهذا أحد هم يعرفونه ما فائدة الاشارة إلى الجبل وهم يعرفون الجبل هذا الجبل الذي التفوا حوله والذي خاضوا بجواره أعظم معركة وأخطر معركة في تاريخهم والذي دفنوا إلى جواره سبعين من أشرافهم هم يعرفونه لكن هو أيضاً كما أشار إلى قرب مدينته من قلبه ومحبته لها يشير إلى هذا الجبل أيضاً أنه محباً له محبوب لديه، الجبل !! .. اتساع نطاق الحب والمشاعر في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي قلب أهل الايمان لكي يشمل كل مخلوقا من مخلوقات الله تبارك وتعالى طالما انه في اطار التسبيح لله وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ هذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيرتحلون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيحتملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيرتحلون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
يخبر صلى الله عليه وسلم بما سيكون من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. فيقول تفتح اليمن فيأتي – أي منها ممن فتحها – قوم يبسون أي يسرعون برواحلهم سريعاً إلى المدينة فيحتملون بأهليهم وبمن أطاعهم ثم يرحلون من المدينة ويتركونها إلى اليمن حيث الخصب والرخاء. يقول صلى الله عليه وسلم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وتفتح الشام فيأتي قوم ممن فتحت على أيديهم هذه الديار، يأتون مسرعين برواحلهم يبسون أي يحثونها حثاً إسراعا في المشي والحركة فيحتملون بأهليهم الذين في المدينة وبمن أطاعهم – قبل منهم هذا العرض – فيذهبون إلى الشام والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون يسرعون برواحلهم فيحتملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
يقول صلى الله عليه وسلم: يوسك أن يأتي على الناس زمان فيأتي الرجل إلى ابن عمه وقريبه فيقول هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء، أي خارج المدينة .. والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيدي لا يخرج منهم أحد رغبة عنها – يعني تفضيلاً أو إيثاراً لغير المدينة عليها – إلا أبدلها الله عز وجل خير منه. يخلف الله عز وجل بديلا له في هذه المدينة من هو خير منه وأفضل ، ويقول صلى الله عليه وسلم في رواية لنفس الحديث في المسند: والذي نفسي بيدي لا يصبر على لأوائها – أي على شدتها ومشقتها – أحد إلا كنت له شفيعاً أو شهيدا يوم القيامة.
ويقول صلى الله عليه وسلم فيما روي في الصحيحين عن أبي هريرة: إن الإيمان ليأرز أن يرجع ويحتمي بالمدينة، إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها، تأوي إليه تحتمي به وتتقي به وتستتر به، فالإيمان محله وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ محله في هذه المدينة. إذا اشتد على الإيمان، ليس على الناس .. على الإيمان نفسه .. إذا اشتد على الإيمان الحال وتنافر الناس عنه لجأ وأوى ورجع إلى محلته الأساس إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا النبي صلى الله عليه وسلم يشير هاهنا إلى أن المدينة إنما أقيمت على الطاعة والإيمان وعلى نشر نور الله عز وجل في ربوع هذه الدنيا أو هذه الديار، وإن كانت معها شيء من ضيق، أو شيء مما ينافي الرفاهة وسعة الرخاء ، لكنها في مقابل ذلك لما فيها من الإيمان كانت طيبة وكانت طابة كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالذين يخرجون منها طالبين للرفاهة والرخاء وإن كان أصل خروجهم ليس ممنوعاً ، ربما كان مباحاً إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظهم وينصحهم وينصحنا فيبين أن المدينة على ما فيها هي خير لهم لو كانوا يعلمون، كثير ممن يخرجون من ديارهم طلباً للسعة والرخاء ربما يفقدون في مقابل ذلك كثير ممن معاني الإيمان ومعاني التوكل ومعاني التعلق بالآخرة التي كانت معهم قبل أن ينزحوا إلى حيث الرفاهة وإلى حيث الرخاء. أخبر صلى الله عليه وسلم عن خروجين من المدينة، خروج الخبث وهذا هو الخروج المذموم، وخروج طلب الفراهة والرخاء وهذا ليس في ذاته مذموماً لكنه خلاف الأولى وخلاف الخيرية لأصحاب القلوب العامرة بالإيمان، وإذا فالمدينة حق المدينة التي فيها كل خلال وخصال الخير هي المدينة التي أسست على تقوى من الله ورضوان. أسست على عين ربنا تبارك وتعالى ، أسست على نور الله عز وجل ، هذه المدينة هي التي تحقق الأمن فهي الدار، وتحقق الرقي فهي المدينة، وتحقق طيب العيش وسعادتها لأنها طابة وطيبة، هذه هي الغاية المنشودة لكل إنسان، حتى لو كان في غيرها من المتاع ما هو أعلى وأرقى من هذا المتاع الدنيوي الزائل فهي بضميمة الإيمان وبضميمة السكينة والطمأنينية وهدوء القلب واستقراره هي بمجموع ذلك خير وأفضل من غيرها.
والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.