إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد..
المرتقي الصعب..
خر أبو جهل صريعا… وهو كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرعون هذه الأمة, فجعل رسول الله عليه وسلم يطلع مصرعة ماذا حدث له؟ فخرج بن مسعود رضي الله عنه يتلمسه فوجدة صريعاً في أخر رمق, فعلى علي صدره.
كان أبو جهل ضخماً الجسم, وكان ابن مسعود رضي الله عنه ضئيلاً رفيعاً, فقال مخاطباً إياه: قد أخزاك الله يا عدو الله, قال له: أعار علي رجل قتلتموه!! الناس كلها بيحصلها كده مش مشكلة, ثم سأله قال: لمن الدائرة اليوم؟ علي من كانت الهزيمة ولمن كان النصر؟ قال ابن مسعود: لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال أبو جهل: لو غير أكّار قتلني !! ثم نظر أبن مسعود وهو جاثم علي صدرة, قال: لقد ارتقيت مرتقا صعباً يا رويعي الغنم, ثم قال له: أبلغ صاحبك – أي رسول الله صلى الله عليه وسلم – أني ما أبغضت في حياتي أحداً بغضي أياه, وأني اليوم لأبغض له من أمس !!.
فقد كان هذا الفرعون أغلظ كفراً من فرعون موسي عليه السلام, فقد قال الأول لما أدركه الغرق قال آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ,أما هذا فقد أبي.
إننا نتحدث اليوم عن هذا الشخص أو هذا النموذج من البشر, حينما يصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه فرعون هذه الأمة, فهو بيين صلى الله عليه وسلم أن الفرعون ليس شخص وأنا هو نموذج وشكل ونمط من أنماط البشر, يستحق كل من أتصف به أن يوصف بهذا الوصف أو يلقب بهذا اللقب.
لكننا نتسأل, لماذا يخطط الإنسان لنفسه هذا السبيل؟!!, لمذا يختار الإنسان لنفسه هذه النهاية؟!!.
أننا نعود للوراء قليلاً إلي ما يربو عن السنوات العشر, ونسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرفع يديه إلي السماء وهو يقول: اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك, عمرو بن هشام وعمر بن الخطاب.
لقد كان هذا الرجل قبل هذه السنوات العشر في إطار هذه الدعوة النبوية الكريمة, لقد كان بإمكانه إن يسلك هذا المسلك فيكون رجلاً ممن يعزالله به إسلامه ودينه, لكنه اخطط لنفسه هذا الطريق, وأختار لنفسه هذا السبيل, فسلك مسلك فرعون الأول.
فنحن ها هنا نتسأل..لماذا يصنع الإنسان لنفسه هذا الصنيع؟!!, وما العائدة التي سوف تعود عليه إذا سلك هذا المسلك؟!!.
لقدر راى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه رئاسة وزعامة وقوة وجلدً, ضن بها أن تكون في سبيل وفي طريق الشيطان, وأردها صلى الله عليه وسلم أن تكون في سبيل الرحمن سبحانه وتعالى,ولكنه الإنسان… يشقي نفسه ويتعبها بل ويوبقها ويهلكها.
لماذا أختار هذا الرجل طريق المحارب؟, ها هو يخبرنا عن نفسه….
إذا أتي في ظلمة الليل إلي بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسمع القرآن, وهو صلى الله عليه وسلم يناجي ربه في ظلمة الليل, يشاركه في هذا المجيء علي غير ميعاد وعلي غير مواطأة رجلان أخران من زعماء قريش, أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه والأخنس بن شريق.
يأتون في ظلمة الليل فيستند كل رجل منهم إلي حائط وإلي جدار ويصغون إلي القرآن, يبقون ذلك طوال ليلهم..
ثم يبزغ الفجر فينسحب كل رجل إلي داره لئلا يراه أحد وهو يتسمع القرآن, فتجمعهم الطريق… فيعتب بعضهم علي بعض, لو رأئكم أحداً من سفهاء قريش ,ماذا يري؟ وماذ يظن؟ وماذا يتوقع؟.
ثم يتعاهدون إلا يعودوا بمثلها…
لكنه القرآن لا يملك هؤلاء الناس إلا أن يعودوا ويصغون نفس الإصغاء, ثم يبزغ الفجر فيتحركون ثم تجمعهم الطريق, فيتعاقدون كما تعاقدوا أول مرة..لكنه القرآن أيضاً فيعودون في ليلة ثالثة ويصنعون مثلما صنعوا.
ثم إذا جمعتهم الطريق في ثالث ليلة فجراً أخذوا أيماناً مغلظة إلا يعود لمثل هذا الفعل.
فلما كان وقت الضحي… يأخذ الأخنس بن شريق ,يأخذ عصاه يتوكأ عليها إلي دار أبو سفيان, فيسأله ,ما تقول فيما سمعت؟ يقول سمعت أشياء أعلمها وأعلم ما يراد بها, وسمعت أشياء لا أعلمها ولا أعلم ما يراد بها.
القرآن لسان عربي مبين..هم يفهمون مفردات ما سمعوا, لكنه تعقل بعض المعاني ومعاني أخري كانت أعمق من أن يدرك غورها, فيقول الأخنس: وأنا والذي نفسي بيده.
ثم يحمل عصاه ويتوكأ عليها إلي دار أبي جهل ,فيقول له: ماذا تقول فيما سمعت؟
فيقول: وما سمعت؟!!, ثم يعقب فيقول: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف, سقوا فسقينا وأطعموا فأطعمنا.
بنازعهم الشرف, الشرف دا عبارة عن ايه؟ خدمة الحجيج سقايةً وإطعاماً
يقول: حتي إذا تحاكت الركب – أتنين مشين في سبق, فركبة دا في ركبة دا, زي بعض بالظبط – وكنا نحن وهم كفرسي رهان, قالوا منا نبي..وإنا بنا بهذا, والله لا أؤمن به أبدا ولا أصدقه.
وقال يوماً وهو يخاطب مغيرة بن شعبة رضي الله عنه – قبل إسلامة – وهو يسأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي والله لا يكذب محمد وما كذب محمد قط, ولكن إذا ذهبت بنو قصي بالسقاية والحجابة والرفادة..فماذا يبقي لسائر قريش؟!!.
إذن هو قوله تبارك وتعالى فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ, لقد أرادها له صلى الله عليه وسلم نوراً وإيماناً وهدايةً ورشداً, ووإرادها لنفسه ظلماً وتجبراً وطغياناً وكفراً, ولذلك أصابت دعوته صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب.
إذ كان عمر في جاهليتة يرى أنه علي الحق, فلما تبين له أنه علي الباطل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علي الحق لم يتاونا في أن يعدل عن باطله إلي حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فإذن هذا الرجل اخطط لنفسه هذا السبيل عن علم وعن إدراك بحقائق الأمور, هو يفعل هذا ماذا يبتغي؟ إذن هو يبتغي بفعله ذالك الشرف والماكنة والرفعة لكنه يخطأ سبيل الشرف والماكنة والرفعة.
لقد خاطبهم الله فقال لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ لقد نبههم تبارك وتعالى علي أن محل الشرف والماكنة والرفعة هو في أتباع كتاب الله, فهو يريد شرفاً لكنه يخطئ سبيله, كما أراد فرعون علو علي العباد إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً قلها الله تبارك وتعالى في صدر سورة القصص وثم في ختام السورة قال تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
وأشار الله تبارك وتعالى إلي هذا السبيل فقال مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ثم بين طريقها إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ, طريق العزة فين؟وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ, إذن طريق العزة في الكلم الطيب والعمل الصالح, فهو قد أخطأ طريقه وسبيله.
ولذال قال الله تبارك وتعالى وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّـهُ وَكَانَ اللَّـهُ بِهِمْ عَلِيمًا إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا.
وماذا عليهم؟! ماذا يضيرالعباد وماذا ينقصهم لو آمنوا بالله واليوم الأخر وأنفقوا مما مما رزقهم الله, وكان الله بهم عليهم, ثم قال سبحانه وتعالى إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً أي شيء من الخير يقدمه الإنسان إبتغاء مرضاة الله, فربنا سبحانه وتعالى لابد أن يضاف له أجره وثوابه وينيله ما يريد إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّـهَ حَدِيثًا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين.
يبقي إذن الإنسان هو اللى بيختار طريقة وسبيلة في هذه الحياة ووالموفق من وفقة الله لعبادته, والمخذول من خذل واتبع الشيطان, أن غاية الإنسان أي إنسان سواءً كانت شرف أو رفعة أو نفوذ أو مكانة أو منزلة وطريقها الحق أن يسلك سبيل الله تبارك وتعالى ولكنه الإنسان كما وصفه الله تبارك وتعالى إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا.
يقول أبو جهل مخاطباً ابن مسعود رضي الله عنه, يقول أولاً: لو غير أكّار قتلني !!, لقد ضربة معوذ رضي الله عنه من الأنصار وهم أصحاب زرع..أنظر لهذا…
بماذا يتكلم في هذه اللحظات؟!!, لو غير أكّار قتلني!! يعني فلاح – يعني أخرتها واحد فلاح يموتني – إيه يا عم !!! مشكلتة دلوقتي مش أن هم أنهزموا وإن النصرة للإسلام, يقول لو غير أكّار قتلني !! ايه الكبر والعوجان دا كلة !! طب هو عار عليه في ايه؟ يعني دلوفتي بيغادر الحياة وهو بعد ما يموت هو شاغلة الناس هيقولوا تصدق اللى قتلة دا عيل صغير من الأنصار!!, بيفكر إزاي!!.
ألا ينظر لما سوف يستقبلة؟!! هو بيبص ورا مش بيبص قدام..
ثم يقول لابن مسعود رضي الله عنه وكنا بينهما ثأر قديم… لقيه يوماً – كما يخبر ابن مسعود – في طرقات مكة, يقول: فآذاني, ولما خرج بن مسعود رضي الله عنه إلي الكعبة يتلوا كلام الله ويقرأ سورة الرحمن, تلفت الناس, قالوا: ماذا يقول بن أم عبد؟!! هو بيقول ايه؟!! ثم انتبهوا, قالوا: أنه يتلو كلام محمد. قاموا عليه يضربونه, وكان أشد عليه أبو جهل… لطمة وشق أذنه وأدماه.
ثم يدور الزمان دورته ويلتقي هذا الدقيق الضعيف, ” رويعي الغنم ” كما يصفه أبو جهل ويرتقي علي صدر هذا الجبار العنيد فرعون هذه الأمة,
فينظر إليه ويقول: لقد أرتقيت مرتقاً صعباً يا رويعي الغنم !!, أي نفسيه هذه؟!! لو غير أكّار قتلني؟!!…. لقد أرتقيت مرتقاً صعباً يا رويعي الغنم !!.
ثم يقول أبلغ صاحبك – أي صلى الله عليه وسلم – أنني ما أبغض أحداً في حياتي بغضي أياه و,وأني اليوم أشد بغضاً مما مضي, هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقاً بأن يبغضه عبدٌ هذا البغض.
علام يبغضه؟ علي حلمة ورأفته, علي رحمته ورقته, علي صدقه وأمانته, ماذ يبغض من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!, لكنها النفس المظلمة التي أبت أن تستنير بنور الله تبارك وتعالى, أبت أن يشرق عليها نور الإيمان وحلاوته.
لكننا لا ينبغي إن نغادر هذا المحل قبل أنه نسأل سوئلاً..كيف يتثني لهذا الضعيف المستضعف أن يرقي هذا المرتقي الصعب؟.
هذا المرتقي الذي عبر عنه ابن مسعود حينما قال له: لقد أرتقت مرتقاً صعباً, قال: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه, قال الله تبارك وتعالى إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّـهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وقد قلنا قبل ذلك أنه لم يقل سبحانه وتعالى: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةَ اللَّـهِ هِيَ الْعُلْيَا ” بل جعلها مرفعوة علي الابتداء, ومعني أنها مرفوعة علي الابتداء أن كلمة الله سبحانه وتعالى هي العليا دائما.. هي علي طول فوق مش بتنزل, لكن الكفار يريدون بكلمتهم أن تسامي كلمة الله أو ترتفع عليها فيأبى الله سبحانه وتعالى ألا أن يضعاها, فتبقي كلمة الله هي العليا.
لكنها لو كانت منصوبة لكان معاناه انه قد حط هذه الكلمة ورفع الكلمة الأخري بعد أن لم تكن مرفوعة, يقول تعالى يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ولكن كيف استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف استطاع أصاحبه رضى الله عنهم أن يرتقوا بالإسلام هذا المرتقي الصعب؟.
لقد كان ثَم إيمان عميق ,وكان ثَم يقين جازم, وكان ثَم تربية عظيمة, وكان ثَم جهد جهيد, وكان ثَم صبر عظيم, حتي أرتقي ابن مسعود رضي الله عنه في هذا اليوم الذي وصفه الله تبارك وتعالى أنه يوم الفرقان, الذي فرق الله فيه الحق من الباطل, وجعل فيه السيادة للحق والنور.
لم يكن هذا شيئاً سهلاً, لم يكن هذا أمراص بسيطاً يسيراً, لكنه كان جهداً جهيداً وجهادً طويلاً.
كان ابن مسعود وهو يرتقي هذا المرتقي الصعب, يمثل نقلة من نقلات تاريخ الدين العظيم, لقد كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نقلة عظيمة في تاريخ النور الإلهي, قال تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ كان هذا مكرهم وكيدهم, وكانت مقولة أبي جهل ووصيته أن نأخذ من كل قبيلة رجلاً شاباً..جمعوا عدد كبيراً من هذا الشباب وأعطوا لكل واحد منهم سيفاً صارماً, وألتفوا حول دار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه صلى الله عليه وسلم شاء الله أن يخرجهم بين ظهرانيهم فأخرجه, ولذلك نسب الفضل إليه وحد قال إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا كان الله سبحانه وتعالى وحده هو القاتدر عليهم.
ثم أرتقي ابن مسعود هذا المرتقي, ثم تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما تحمله حتي أنقشعت عنهم الأحزاب, ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتغي بيت الله, فمنعته قريش ثم عاقدهم وصالحهم علي صلح كان للمسلمين فيه خصه, لكنه كان نصراً وفتحاً كما أخبر الله تبارك وتعالى إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا قال عمر: يا رسول الله أوَفتحٌ هو؟ قال :نعم.
فكان هذا الصلح سبيلاً لسلم نشر دعوة الحق والفدين.
ثم لم تلبث قريش أن حملها جهلها وغبائها علي أن نقضت عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلوا خزاعة في حرم الله, فأحلوا بأنفسهم عقاب الله.
فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكان أعظم فاتحٍ صلى الله عليه وسلم يدخل مكة وهو يملك ويقدر أن يصنع بهم ما يريد, وهم كانوا حقيقين بذالك إذ أذوه وأخرجوه وقاتلوه وقتلوا أصحابه وأرادوا قتله, لكنه لا يدخل دخول الملوك إنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً قال تعالى وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ.
يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مطأطئ الرأس, فكانت لحيته تلامس دابته وراحلته التي يركب عليها تواضعاً لله تبارك وتعالى, ثم يقول: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابن أخ كريم، قال: فإني أقول لكم ما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم! اذهبوا فأنتم الطلقاء.
لقد كان صلى الله عليه وسلم ينظر إلي ما وراء ما ينظر إليه أحاد الناس, يتجاوز الظلم والمظالم والرغبة في الإنتقام, لأنه يبغي ديناً, لأنه يريد لهؤلاء الناس ولهؤلاء القلوب أن تفيئ إلي الله تبارك وتعالى, فكان له صلى الله عليه وسلم ما أراد, وقال تعالى إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا وتحقق موعود الله عزوجل عَسَى اللَّـهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّـهُ قَدِيرٌ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.
تأتي هند رضي الله عنها, التي كانت بالأمس تذوق كبد حمزة رضي الله عنه, إذا وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فعل به ما فعل, ومثل به ما مثل وقال: والله لو قدرت عليه لأمثل بسبعين منهم, فماذا قال الله؟ ماذا قال الله لرسولة صلى الله عليه وسلم وهو المكلوم؟ قال لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ حينما قال صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ أَدْمَوْا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ ,قال تعالى لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ وقال له فيما قال وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ.
تأتي هند إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول يا رسول الله, والذي نفسي بيده ماكان علي الأرض من أهل خباء – – خيمة – أحب إلي من أن يذلهم الله عزوجل من أهل خبائك, واليوم ما علي وجه الأرض من أهل خباءً أحب إلي من أن يعزهم الله من أهل خبائك, وقال صلى الله عليه وسلم: وأنا ,أو قال: وأيضاً والذي نفسي بيده.
كيف تحولت هذه القلوب؟!! كيف أنتقلت هذه العداوة وهذه الضغائن, وهذه الشحناء ,كيف تحولت إلي هذا الحب وإلي هذا الود وإلي هذا الوفاء؟!!, لقد كان هذا حقاً هو المرتقي الصعب الذي أرتقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتقاه صحبه رضي الله عهم.
واليوم وقد دار الزمان دورته وعدنا إلي حيث كنا أول مرة, هل نملك اليوم أن نرتقي هذا المرتقي الصعب الذي أرتقاه رسول الله وأرتقاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟, أن نسلك سبيلهم؟ أن نتبع دربهم لنال الخير في الأولي والأخرة؟.
لقد كان هذا دائماً متاحاً للكافه كما كان متاحاً لإبي جهل مثلما كان متاحاً لعمر بن الخطاب ولكنه الإنسان هو الذي يختار دربه وطريقه وسبيله.
فعلينا أن نختار, وإذا أخترنا هذا المرتقي الصعب فهو والله خير الدنيا والأخرة, قال عمر: كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين, فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
اللهم أغفر لنا ذنوبنا, وأغفر ذنوبنا, وثبت أقدامنا وأنصرنا علي القوم الكافرين.
اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ وَمِنَ اليَقِيِنِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَمَتِّعْنَا اللَّهُمَّ بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا أَبَدَاً مَا أَحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيِبَتَنَا فِي دِيِنِنَا، وَلاَ تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ إِلَى النَّارِ مَصِيِرَنَا، وَاجْعَلْ الجَنَّةَ هِيَ دَارَنَا وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا بِذُنُوبِنَا مَنْ لاَ يَخَافُكَ فِيِنَا وَلاَ يَرْحَمُنَا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا, واجعل الجنة هي دارنا.
اللهم ألف بين قلوبنا، اللهم ألف بين قلوبنا
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين, اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين, اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك، حربا لأعدائك، نحب بحبك من أحبك ونعادي بعداوتك من خالفك.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.