إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
حديثنا اليوم حديثٌ عن المسلسلات، إذا وقع في سمع أحدنا هذه الكلمة، كلمة المسلسلات لم يعقل منها إلا التركي منها، وهذا هو أول ما نود أن نشير إليه،حالة النزوح والهجرة الثقافية التي أصابت أمتنا،حيث انقطعت عن أصولها،انقطعت عن كتاب ربها،عن هدي نبيها صلى الله عليه وسلم،عن سيرة الصالحين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر توالي القرون وتتابع الحقب حتى تبدلت وتغيرت المفاهيم والأعراف والعادات والأفكار.
هذه الكلمة كلمة المسلسلات،كانت في اصطلاح أئمتنا وعلمائنا تعني الأحاديث التي رويت وأضيف إليها صفةٌ زائدةٌ على أصل روايتها، وبالمثال يتضح ما نريد.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يحادث معاذ بن جبل رضي الله عنه في يوم من الأيام وهو يريد صلى الله عليه وسلم أن يسدي إليه نصيحة وأن يوصيه بوصية فيقول لهصلى الله عليه وسلم يا معاذ والله إني لأحبك. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبر عن مشاعر الحب والود والقرب لرجل من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، وكفى بهذا شرفاً وفضلاً ومنقبةً لهذا الصحابي الجليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبر له عن مكنون حبه له ووده إياه،بل إنه صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا الحب بالقسم، وهو صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق الذي لا يُتهم فيما يقول ولا فيما ينطق لكنه يريد أن يؤكد لصاحبه مقدار محبته له.
كم نفتقد نحن في هذه الأيام لهذه المشاعر، المشاعر التي لا يصير الإنسان إنساناً إلا بها، كم أصبحت هذه الحياة حياة شاقة وجافة وصعبة وكئيبة لفقدان هذه المشاعر الطيبة الجميلة الرقيقة يا معاذ والله إني لأحبك فقال معاذ: بأبي أنت يا رسول الله وإني والله لأحبك،وحقّ له صلى الله عليه وسلم أن يُحب، فقال صلى الله عليه وسلم متبعاً هذه الكلمات الرقيقة بوصية عظيمة، قال:لا تدعنّ دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
وإذن هذا الحب وهذه المشاعر المكنونة في النفس لابد أن تترجم إلى حرص على الخير وإلى نصيحةٍ وإلى وصيةٍ وإلى إرشادٍ وإلى تصويبٍ وإلى توجيهٍ، وإلا لم يكن هذا الحب في الحقيقة حبّاً،
ثمّ تمر الأيام ويقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرحل معاذ رضي الله عنه إلى الشام وبعد سنوات يخاطب الصُنابحي؛ رجلاً من أصحابه فيقول له بعدما يخبره عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم له ويخبره كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره يوماً عن حبه إياه فيقول لصاحبه وتلميذه وإني لأحبك فلا تدعنّ أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
ثمّ تتوالى الأيام ويجلس الصُنابحي في مجلس معاذ بن جبل فيقول لأبي عبد الرحمن الحبلي وهو يوصيه بهذه الوصية أيضاً فينقل له مشاعر حبه إياه،فيقول له:وإني لأحبك فلا تدعنّ أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
وهكذا تتوالى هذه الكلمات الرقيقة كسلسلة متتابعةٍ في هذا الحديث وفي هذه الرواية ولذلك،سمي هذا حديثاً مسلسلاً بهذه الكلمات الرقيقة التي يعبر بها عن هذه المعاني وعن هذه المشاعر الطيبة.
فهذا الحب يتسلسل مع رواة الحديث راوياً تلو راوي،فهم فقط لا ينقلون كلمات مجردة،وإنما ينقلون مشاعر وأحاسيس امتلأت بها قلوبهم.
في صحيح مسلم عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى اثنتا عشرة ركعة في كل يومٍ وليلة بنى الله له بهنّ بيتاً في الجنة.
ثم تروي أم حبيبة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات النبوية الطاهرة العظيمة ثم تعقب فتقول ما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي من حين ما وقع في مسامعها هذه الوصية العظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي كل يوم وليلة على مدى هذا التاريخ لا تترك أن تصلي هذا المقدار من الركعات رجاء هذا الثواب العظيم وهذه النعمة من اللهتبارك وتعالى فهي تنقل كلام رسول الله وتنقل لعنبثة أخيها، تنقل له مدى تفاعلها مع هذه الكلمات،ومدى حرصها على هذه الوصية،فهو يسمعها وينتصح بنصيحتها فيقول وهو على مرض الموت وهو على فراش الموت وهو يسر بصوت ضعيف بعدما ذكر هذا الحديث فيقول ما تركتهن منذ سمعتهنّ من أم حبيبة رضي الله تعالى عنها.
ثم يقول عمرو بن أوس وهو يروي عن عنبثة، بعد سنوات وسنوات ما تركتهن منذ سمعتهنّ من عنبثة بن أبي سفيان وهكذا تتوالى هذه الكلمات في هذا الحديث محدثةً هذا التسلسل الذي نتحدث عنه.
فإذاً كان في حديثنا الأول تسلسل الحب وما يتبعه من النصيحة والوصية وكان في هذا الحديث تسلسل الإمتثال والحرص على الخير، الحرص على طاعة الله عز وجل لنيل ثوابه ورجاء فضله ومنّته.
هكذا تتوارث الأجيال هذه النصائح وهذه الوصايا فينقلها خلفهم عن سلفهم وهكذا في تسلسلٍ مستمر للخير والرحمة والبرّ، ثمّ نتحدث عن تسلسل الشعور بالغربة والوحشة والوحدة كذلك أيضاً تقول عائشة رضي الله عنها وهي تردد بيتين للبيد بن ربيعة الذي كان شاعراً جاهلياً ثمّ أدركه الإسلام فأسلم فهو يقول: ذهب الذي يعاش في أكنافهم – يعاش في ظلهم وفي حمايتهم وفي رعايتهم – وبقيت في خلفٍ كجلد الأجرب. يتأكلون مغالةً وخيانةً ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
فتقول عائشة رضي الله عنها في يوم من أيامها وقد تذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكرت أبا بكر وتذكرت عمر، هؤلاء الذين كانت تعيش في ظلّهم وفي كنفهم وفي حمايتهم وفي رعايتهم فقالت بعدما ذكرت هذه الكلمات ورددت هذه الأبيات قالت: يا ويح لبيد كيف لو أدرك زماننا هذا
ثم ينقرض جيل ويتوالى زمن ويأتي عروة بن الزبير ابن أخت عائشة رضي الله عنها الذي سمع منها هذه الكلمات فيقول :كيف لو أدركت عائشة هذا الزمن، ثم ينقرض جيل فيأتي هشام بن عروة فيردد هذه الكلمات فيقول كيف لو أدرك أبي هذه الكلمات، ثمّ يقول أبو معاوية الضرير وقد انقرض جيلٌ آخر كيف لو أدرك هشام بن عروة هذا الزمان،ويتوالى هذا في إسناد آخر في إسناد الزهري حتى يأتي الدور على سلمة بن شبيه فيقال له وما تقول أنت يا أبو الفضل، هو روى كل هذا الرواية الطويلة وهذه التعليقات ثمّ سكت، هم ينتظرون منه أن يقول هذه الكلمات أيضاً فيقول: يا ويحهم كيف لو أدركوا زماننا، فقال: وما عسى أن يقول مثلي إنما أقول التراب على رأسي يريد يقول: أنا رجل من هذا الزمان، من هؤلاء الذين يشتكى منهم لا الذين يشتكوا.
وهكذا يتسلسل أيضاً ويتتابع في توالي الأجيال هذا الشعور بالغربة والوحشة والوحدة.
وآخر المسلسلات التي نريد أن نشير إليها وهو مقصودنا الأساس في هذه الخطبة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وأبو داوود والترمذي عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
هذا الحديث يسمى عند أهل العلم الحديث المسلسل بالأولية، فعبد الله بن عمرو بن العاص وهو يحدث أبا قابوس مولاه أول ما يحدثه وأول حديث يقرع به مسامعه هو هذا الحديث، ثم يأتي أبو قابوس فيحدث عمرو بن دينار فيكون أول ما يقرع به مسامعه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هذه الكلمات، ثم يأتي عمرو بن دينار يحدث سفيان بن عيينة فيكون أول ما يقرع به مسامعه هو هذه الكلمات،ولذلك سمي المسلسل بالأولية، فيقول سفيان بن عيينة: حدثني عمرو بن دينار وهو أول حديث سمعته منه قال:حدثني أبو قابوس وهو أول حديث سمعته منه قال:حدثني عبدالله بن عمرو بن عمرو بن العاص وهو أول حديث سمعته منه.
لماذا كان هذا الحديث هو أول ما يقرع به الإمام أو العالم سمع من يحدثه أو سمع من يوجهه أو سمع من يعلمه،لم يكن تعليمهم وتوجيههم تعليماً عشوائياً هكذا كيفما اتفق، هكذا هو سمع مجموعة أحاديث من رسول الله فهو يسردها سرداً ويرددها ترديداً هكذا، هو يريد ما يقول أول ما يربي وأول ما يوجه وأول ما يعلم عليه من يتلقى منهم هو أن يغرس في قلبه معنى الرحمة، معنى الشفقة على عباد الله عز وجل ليس الأمر هكذا.
فهو في أول ما يحدث يريد أن يغرس أول نبته يغرسها في هذا القلب لأنهم لم يكونوا يتلقون الأحاديث هكذا ؛أشياء يحفظونها وفقط، هو يربي ويعلم ويغرس ويبني بهذه الكلمات النبوية التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذاً إياها عن ربه تبارك وتعالى أول معنى يريد أن يغرسه في القلوب هو هذا المعنى معنى الرحمة الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
كم نحتاج نحن في يومنا هذا إلى هذه الكلمات، كم نحتاج نحن فيما نعانيه إلى هذه الكلمات،
إننا نفتقد ظلّ الرحمة في حياتنا إننا نزيد عناءنا وشقاءنا بافتقادنا لمعنى الرحمة الذي يجب أن يبثّ بين الناس، قال الله عز وجل واصفاً رسوله صلى الله عليه وسلم وواصفاً الصفوة من أصحابه رضي الله عنهم قال مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ قال الله عز وجل واصفاً نبيه صلى الله عليه وسلم قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
إن الله خلق الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً وأنزل في الأرض جزءاً واحداً ؛فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن وليدها مخافة أن تصيبه
الحمد لله وكفى.
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن جرير بن عبدالله البجلي لا يرحم الله من لا يرحم الناس.
وعند البخاري أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن عليّ رضي الله عنه وعن أبيه وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إليه: من لا يرحم لا يرحم،
إننا أحوج ما نكون إلى استمداد واستمطار رحمة الله عز وجل قال الله عز وجل مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ولا تنال هذه الرحمة إلا بما أخبر الله عز وجل عنها فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ فيما سردنا من الآيات.
ولا تنال هذه الرحمة أيضاً إلا بأن يقذف الله في قلب العبد الرحمة بعباد الله عز وجل ،إذا أردنا أن تنالنا رحمة الله عز وجل فلابد أن نتراحم بيننا مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى،في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد،
نحن أبعد ما نكون عن هذه الكلمات ولذلك نحن الذين ننأى بأنفسنا عن رحمة الله عز وجل إن رحمة الله عز وجل كما أخبر عز وجل إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ هي في متناول أيدينا إن نحن سعينا إليها وطلبناها،لكننا نحن الذين ننأى عنها ونبعد إن الله عز وجل يقول ناصحاً وموصياً فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌوَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ يفر العبد إلى ربه لا يفر من ربه وعن ربه، فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ
واشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان
يقول شوقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
وإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ هذان في الدنيا هم الرحماء
نحن أحوج ما نكون إلى هذه الرحمة، إذا لم يرحمك أحدٌ من عباد الله فاطلب رحمة الله عز وجل ،إذا لم يرحمك ذووك والمقربون منك وأصحابك وجيرانك فاطلب الرحمة من الرحيم تبارك وتعالى تجدها، وارحم أنت نفسك أيها المسلم بأن تنأى عن كل ما يحرمك رحمة الله عز وجل.
ومن جملة ما يرحم به العبد نفسه وهي نصيحة أسديها إلى من أحب،أن ننأى بأنفسنا عن متابعة الإعلام،هذه نصيحة ووصية لكل من أراد أن يرحم نفسه، إننا لنجني من هذه المتابعات إلى التوتر والقلق والإضطراب والصراع والشجار.
نشاهد هذا مساءاً فنتصارع ونتعارك كل يوم صباحاً.هكذا، هكذا بقيت حياتنا على هذا المدى الزمني الطويل من حين ما ثارت هذه الثورة،نحن لا نجني من هذا إلا الشقاء والعناء والخصومة بعكس ما يريد الله عز وجل لنا من التواد والتراحم والتعاطف.
وأؤكد أخيراً قبل أن أختم هذه الكلمات إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ إذا مددنا يدنا إلى ربنا أنالنا سبحانه وتعالى بمنه وكرمه وفضله كل ما نحب وكل ما نريد، وإني لأرجوا الله حتى أنني أرى من جميل الظنّ ما الله صانع
ثم أعقّب تعقيباً على أمر ربما ليس هاماً في نفسه لكنني أريد أن أشير به إلى معنى أراه مهماً؛ أعقب على ” تيت تيت ” إنني لا أستنكر على فريق من الناس أن يشعر بالفرح والسرور والسعادة أنه قد حقق إنجازاً يحبه ويريده ويسعى إليه، لا أستنكر على أناسٍ أمضوا وقتاً طويلاً وأياماً لا يذوقون حلاوة النوم في سبيل تحصيل هدفٍ أو رقابة غايةٍ يريدها، هذا شيء لا يستنكر.
لكننا لابد أن نتذكر أننا هاهنا في هذه الحياة لكي نعلم الناس معنىً راقياً وسلوكاً عالياً، لا ينبغي ولا يجوز أن نكون نحن الذين نزعج الناس بهذه الأصوات التي نحدثها في حين أنه يجب أننا هنا يجب أن نكون هنا لكي نعلم الناس كيف يتعاملون بالأدب العالي والذوق الرفيع، ها هو أول أمر، إن لنا رسالة لا ينبغي لصاحب الرسالة أن ينسى رسالته في غمرة فرحه وسروره.
ثانياً: إن الله عز وجل إذا أنعم على عبدٍ نعمة استوجبت هذه النعمة منه الشكر لله عز وجل وليس الصياح والعويل، إن الله عز وجل يخاطب رسول صلى الله عليه وسلم معلماً وموجهاً فيقول إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا بهذا تشكر النعم.
تقول عائشة رضي الله عنها فكان أكثر ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده بعدما نزلت هذه السورة، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدخل مكة فاتحاً غالباً منتصراً في معركة حقيقية أعز الله فيها الإسلام وأهله وأذلّ فيها الكفر وأهله، يدخل مكة كأشد ما يكون الإنسان ذُلّاً واخباتاً وخشوعاً وتواضعاً،يطأطئُ رأسه حتى إن لحيته لتمس سرج دابته.
ولذلك لا نستعجب أن قريشاً التي كانت أشد العرب كبراً وعتواً على أمر الله، لما رأت هذا المشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم سارعت في الدخول في الدين، لأنها علمت أن هذا ليس ملكاً وإنما هي النبوة، كما قال أبو سفيان للعباس حينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعرض جنده وهو في طريقه إلى مكة، قال ياعباس لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً، فقال له العباس: يا أبا سفيان، إنها النبوة، فقال أبو سفيان: فنعم إذن.
لما كان ملك ابن أخيك اليوم عظيماً حينئذٍ سوف تخضع له الرقاب لأننا لا نملك أن ندافع هذا الجيش، لكن لما صارت هي النبوة صارت الإجابة أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله إنني حينئذٍ أخضع بسلطان الله لا أخضع بسلطان محمدصلى الله عليه وسلم أدخل في دين الله لأنها صارت النبوة ولم تصر الملك.
وأخر شيءٍ أن هذا الحدث لو تمّ لأصحابه، إنما هو عبءٌ ومسئوليةٌ وثقل تورث أصحابه الهمّ لما سوف يتحملون فوق كواهلهم من تبعات لا يثير هذا الفرح الذي تجاوز به أصحابه الحدّ، وهذه في الحقيقة هي أصل مشاكلنا.
إنه ليس هناك نصف حقٍّ أو نصف علمٍ أو نصف فهمٍ أو نصف ثقافة، الصورة التي نبديها نحن للإسلام هي دائماً صورة النصف،ليس حقاً محضاً وليس أيضاً باطلاً محضاً وهذا هو الذي يحدث التشغيب والتشويش على عباد الله.
إن الله عز وجل كما أخبرنا مراراً هو الحق، وهو سبحانه وتعالى قد تكفل بأن يؤيد وينصر الحقّ،الحقّ الذي يتمثل في أناسٍ يعيشونه ويتمثلونه حقّ تمثله ويحيون به كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحيون.
هؤلاء وهؤلاء فقط هم الذين تكفل الله عز وجل بنصرهم وتأييدهم ونصرتهم أما غير هؤلاء الذين عندهم شيءٌ من الحق وشيءٌ من غير الحق هؤلاء لا يستحقون هذا الموعود الإلهي إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ فإنما يتنزل تأييد الله عز وجل ونصره على من أمتثلوا أمر الله عز وجل حقّ امتثاله قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا،وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك،اللهم إنا نسألك رحمة من عندك ترحمنا بها، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا.
اللهم اغرس في قلوبنا الرحمة والود والحب،اللهم اغرس في قلوبنا الرحمة والود والحب، اللهم اغرس في قلوبنا الرحمة والود والحب
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات وألف بين قلوبهم،واهدهم سبل السلام، وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن،
اللهم كن لنا ولاتكن علينا، وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى إلينا، وانصرنا على من بغى علينا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم