بسم
الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ما
زلنا نحاول تلمس ومعرفة حقيقة الصلاة فتكلمنا فيما سبق عن وسوسة الشيطان ومحاولة
الشيطان أن يكون بين الإنسان وقلبه وذكرنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أن
الشيطان فى الصلاة يظل يخطر أى يفصل ويعبر ما بين الإنسان وقلبه ويظل يذكره بأشياء
حتى لا يدرى كم صلى.
إذن
فتحصين الإنسان من وسوسة الصلاة أمر صعب يحتاج مجاهدة لأن الشيطان مازال يدأب فى
محاولة منع وصد الإنسان والحيلولة بينه وبين أن يركز فى الصلاة وقلنا أن هذا يدفع
الإنسان إلى أن يزداد حرصا أن يستعيذ بالله سبحانه وتعالى من الشيطان. واليوم
سنتكلم عن الوضوء كعبادة مهيئة للصلاة. الله سبحانه وتعالى يقول يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ
إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فالوضوء عبادة مهيئة لعبادة أو مقدِمة لعبادة.
ولكن
ما معنى الوضوء؟
الوضوء
أصله من الوضاءة وهى الحسن والبهاء.. إذن الوضوء هو العبادة التى تكسب الإنسان
الوضاءة أى الحسن والبهاء، فالوضوء للإنسان نور قبل قيامه على الصلاة.
ولذلك
جعل النبى صلى الله عليه وسلم هذه العبادة وهى الوضوء علامة أمة محمد صلى الله
عليه وسلم يوم القيامة فالنبى صلى الله عليه وسلم حين ذكر الحوض وذكر ورود الناس
عليه وأنه يزود الناس عنه ويبعدهم فسأله الصحابة كيف يتعرف على أمته وخاصة أجيال
المسلمين التى لم يرها النبى صلى الله عليه وسلم فمثّل لهم هذا بأن يكون لشخص مكان
يقتنى فيه خيلا ولديه من بينها خيل غرّ محجلين, والغرّة هى بياض فى جبين الفرس والتحجيل
بياض فى قوائم الفرس, فقال أرأيتم لو أن لأحدكم خيل غرّ محجلة بين خيل دهم بهم –
سوداء خالصة – أكان يعرفها؟ قالوا بلى, قال فإن أمتى يدعون يوم القيامة غرا محجلين
من أثر الوضوء. إذن يكون هناك بياض فى الجباه وبياض فى المرافق من أثرهذه العبادة.
الصلاة
عبادة مشتركة لكن الوضوء بهذه الصفة خصيصة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. فأهل
الإسلام من لدن آدم عليه السلام – الذين هم أتباع النبيين – كلهم مؤمنين ومسلمين
ويؤدون الصلاة, ولكن خصيصة هذه الأمة المميزة هى الوضوء بهذه الصفة ولذلك كان من
صفاتهم المذكورة بين أهل الكتاب أنهم يتوضأون على أطرافهم أى يغسلون أطرافهم
بالوضوء. إذن هذا الوضوء يكسب الإنسان الوضاءة والجمال والحسن والبهاء وهو علامته
التى يُعرف بها أو يعرفهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على حوضه. وبما أن
الوضوؤ فيحتاج أن الإنسان يستحضر به نيته, وقضية النية هذه مشكلة.. وهى ليست مشكلة
فى نفسها ولكن فى التعامل معها لأن بعض كتب الفقه المتأخرة أوردت أو أوهمت أن
الإنسان يحتاج إلى أن ينطق أويصرح بالنية, بينما النية عمل القلب بمعنى توجه
الإنسان لشىء أو إستحضار الإنسان لمعنى معين أوأنه الآن يقوم لكى يؤدى هذه العبادة
أو يطيع الله سبحانه وتعالى أو يمتثل لأمر الله سبحانه وتعالى أملا فى الطهارة
والثواب. هل أنا أحتاج أن أقول نويت أن أتوضأ؟ لكى نعرف الإجابة هل أمرنا النبى
صلى الله عليه وسلم أن نقول..أو هل كان أحد من الصحابة يقول؟ هذا علاج بسيط لأى
مشكلة نختلف فيها أن نعرف كيف كان يعالجها النبى صلى الله عليه وسلم وما كان خلاف
ذلك فهو نوع من الغلو الغير مطلوب. الشافعي كان يقول أن محل النية عند غسل الوجه
بإعتبار أن غسل اليدين سنة وكذلك المضمضة والإستنشاق من السنن وأول واجب هو غسل
الوجه, ففهم بعض الفقهاء ذلك على أنه يقصد بمحل النية أن يقول وان هذه بداية
العبادة وهذا بداية الواجب وما قبله كان مستحب أو مسنون.
ولذلك
فالإنسان لا يحتاج بل لا يشرع له أن يتلفظ بالنية لاعند الوضوء ولا عند الصلاة كمن
يقولون نويت أصلى الظهر أربع ركعات أو ما إلى ذلك ثم يبدأ بعد الشروع فى الصلاة
يفكر هل أنا نويت فعلا أم لا بينما كل هذا ليس له حاجة وإنما هو نوع من المشقة أو
التشديد أو الغلو الذى نُهينا عنه. ما الذى أحتاج إذن أن أعينه بقلبى حين أنتوى
عبادة ما؟ أول شىء الإمتثال والطاعة لله سبحانه وتعالى والعبودية لله عز وجل.
الأمر الثانى تلمُّس التطهير والنقاء الذى سيمنحنى الله سبحانه وتعالى إياه عندما
أتوضأ.. هذا ما سيحدث الأثر والثمرة. النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى حديث أبى
هريرة أن العبد المسلم أو المؤمن إذا توضأ خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه
مع الماء أو مع آخر قطر الماء, فإذا غسل يديه خرج مع الماء كل خطيئة بطشتها يداه
مع الماء أو مع آخر قطر الماء,فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشت إليها رجلاه مع
الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الوضوء.
حديث
عثمان رضى الله عنه فى صحيح مسلم إن العبد إذا توضأ فأحسن الوضوء خرجت الخطايا من
جسده حتى تخرج من تحت أظفاره. إذن النبى صلى الله عليه وسلم يرشد ويوجه إلى أن
الإنسان إذا أحسن الوضوء, سواء إحسانه ظاهرا أو باطنا, ظاهرا أى الأداء.. وباطنا
أى إستحضار هذه المعانى فإن الله سبحانه وتعالى يرتب له هذا الثواب العظيم.
الأشياء التى إقترفها الإنسان بعينه وبأذنه إذا غُسلت وبلسانه إذا تمضمض وبيديه
ورجليه إذا غسلهم فبهذه العبادة وبهذا التطهير فإنه يتطهر ظاهرا وباطنا, التطهير
الظاهر معروف وهو بورود الماء, أما تطهير الباطن فهو بتطهير القلب من الذنوب
بإزالة أثرها. ولذلك فى حديث عمر رضى الله عنه أنه قال إن النبى صلى الله عليه وسلم
قال من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من
المتطهرين فُتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء. ما وجه إقتران هذه
الكلمات بالوضوء؟ قلنا أن الوضوء هو إمتثال عبادة لله سبحانه وتعالى وتأسّى بنبى
الله صلى الله عليه وسلم.. ورغبة وحرص وأمل فى حصول التطهير من الخطايا والذنوب,
ولذلك إقترن هذا الفعل بهذه الكلمات.. الشهادة – أشهد أن لا إله ألا الله وحده لا
شريك له – وعلاقة هذا بالوضوء أننى أتعبد لله سبحانه وتعالى وأحقق هذه الشهادة
بالإمتثال لأمره.. والشهادة للنبى صلى الله عليه وسلم بالرسالة واننى أتأسى به
وأقتدى به وأؤدى الوضوء أو هذه العبادة كما فعل وكما أمر صلى الله عليه وسلم. ثم
الدعاء بأن يجعل الله سبحانه وتعالى فى هذا الوضوء حطّ الخطيئات وتكفير السيئات
وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يجعلنى من التوابين ويجعلنى من المتطهرين.والتوابين
تعنى أن يغفر لى الله سبحانه وتعالى ما مضى وأن يقينى شر ما سيأتى, والتطهير كما
ذكرنا فى الحديثين الشريفين السابقين بأن يجعل الله سبحانه وتعالى هذا الوضوء
مطهرا أو مكفرا للخطيئات والسيئات.
ما
الفارق الذى سيحدثه حضور هذه المعانى مع الإنسان إذا توضأ؟
لو
أننى توضأت خالى الذهن أو فارغ القلب من هذا المعنى.. ولو أننى حاولت أن أستحضر
هذا المعنى أو أذكر نفسى به أثناء وضوئى..هل وضوئى سيختلف أم سيكون كما هو فى
الحالتين؟ إذا إختلف الوضوء كان دليل جيد لاختلاف الصلاة، فإذا الوضوء روحه إختلفت
فستكون الصلاة أيضا روحها مختلفة.
هل
من اليسير أن نفعل ذلك؟
هل
سهل أن يتذكر الإنسان كلما توضأ هذه المعانى أويذكر نفسه بالطهارة والتنقية؟ هو
شىء ليس يسير لأن الإنسان تغلب عليه الغفلة ودائما ما يأتى الشيطان كلما حاولنا أن
نستحضر قلوبنا لتحصيل روح إيمانية طيبة ويحاول أن يصرفناعن ذلك فيبقى الإنسان فى
جهد ومجاهدة مع الشيطان.. لكن كلما حاول الإنسان أن يستحضر هذا كلما كان تأثيرهذا
الإيمانى والعبادى عليه أعظم. فعلى الإنسان أن يحاول دائما وبشكل مستمر أن يحقق هذا
الذكر. ولذلك كان الذكر من اعظم العبادات.. ألا أخبركم بخيرأعمالكم وأذكاها عند
مليككم وأرفعها فى درجاتكم وخير من إعطاء الذهب والورق وأن تلقوا عدوكم فتضربوا
أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال ذكر الله تعالى.
لماذا
أمرنا النبى صلى الله عليه وسلم أن نذكر الله كثيرا؟ أى عبادة لم يذكر فيها أمر
مطلق إلا الذكر يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا
كَثِيرًا وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ وحين
وصف المنافقين قال وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى
يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا فهم يذكرون
الله… حتى لو ذكر قليل… فليس الفرق بين المؤمن وغير المؤمن هو مطلق الذكر, بل
مساحة أو مقدار الذكر. لأن حضور سبحانه وتعالى فى قلب الإنسان معظم أو غالب الوقت
دي علامة الصلاح والإستقامة. لو أن الإنسان كان فى معظم أو غالب وقته مستحضرا أن
الله سبحانه وتعالى معه وكان فى معية الله ومستحضرا رقابته وشهادته أورحمته أو
الثواب الجزيل المنتظر من قِبل الله سبحانه وتعالى على الخير أكيد الوضع حيختلف،
والذكر ليس ذكر اللسان فقط بل هو مؤيد للذكر بالقلب. ولذلك يقول الله تعالى
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا
اللَّهَ ما معنى ذكر الله حينئذ؟ معناه أنه استحضر عظمة الله سبحانه وتعالى
واستحضر الذنب أو الجرم الذى ارتكبه فى حق ربه تبارك وتعالى أو فى حق نفسه بمعصيته
لله سبحانه وتعالى وحرص على الإستغفار ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى
مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
أقول
قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.