Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

تابع الأمانة وبني إسرائيل

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيدا، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً ثم أما بعد:

يقول الله تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ۝ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ، وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ

قوة الحق وقوة الإيمان وهي تحاصر الفرعون وتحاصر باطله؛ تخترق عليه حجبه، تصل إلى قصره وإلى بلاط ملكه وسلطانه، وهذه هي طبيعة الحق وطبيعة الإيمان.

لا يملك الباطل وأهل الباطل أن يطفؤوا نور الله عز وجل، أو أن يسلبوا أهل الإيمان إيمانهم بعد أن منحهم الله عز وجل إياه وبعد أن منّ الله عز وجل عليهم به مهما بلغ بطشهم وتجبرهم ومكرهم وكيدهم.

قد مضى معنا أمر السحرة وكيف خضعت قلوبهم لسلطان الإيمان وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ۝ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ، ولم يستطع فرعون بتهديده ووعيده فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا، لم تفلح هذه الكلمات وهذا التهديد والوعيد في أن يسلب هؤلاء إيمانهم أو أن يرتدوا على أعقابهم بعد إذ هداهم الله عز وجل.

لقد وصل الإيمان بقوته وسلطانه ليس إلى بلاط الفرعون بل إلى فراش الفرعون نفسه، سيدة مصر الأولى أو سيدة منف الأولى كما تحبون أن تسمونها، والله عز وجل يقول: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ لم يملك هذا الفرعون بجبروته وسلطانه أن يحجب الإيمان عن امرأته أو أن يصدها عنه بعد إذ هداها الله عز وجل إليه وهذا لعمر الحق عجب من العجب،هذا التنافر العجيب بين الرجل وبين امرأته كيف لهذا الرجل الذي يقول مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي الذي يقول أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى وكيف حال امرأته التي آمنت وصبرت على إيمانها حتي ذكرها الرب عز وجل في كتابه منوها باسمها ومنوهاً بشأنها وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ لذلك لم يقل سبحانه وتعالى زوجة فرعون، الزوج من التشابه والتشاكل والتطابق والتماثل في الأخلاق وفي الصفات وفي العقائد فوصفها الله عز وجل بأنها امرأته ولم يصفها بأنها زوج له احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ أزواجهم بمعنى أشباههم ونظرائهم احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ۝ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ۝ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ۝ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ۝ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ۝.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما رواه البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه يقول: كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌــ في الصفات والخلال، الخصائص ــ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ.

يخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه المرأة أُختصت من بين نساء العالمين هي ومريم ابنة عمران لأنهن أهل الكمال في الإيمان وفي العقل وفي الخلال وفي الصفات فكانت هذه المرأة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف هي امرأته.

فلا يملك الفرعون ولا يملك أي شخص وأي طاغية كائن من كان أن يحجب نور الله عز وجل عن من شاء الله عز وجل له السعادة والهداية.

قال ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ فيما رواه الإمام أحمد قال: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ قَالَ تَدْرُونَ مَا هَذَا فَقَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ. فوصفها صلى الله عليه وسلم بالكمال ووصفها صلى الله عليه وسلم من خير نساء أهل الجنة.

عند أبي يعلى في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفاً عليه من كلامه يخبر رضي الله عنه أن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد ليديها ورجليها، مشدودة يديها ورجليها إلى أربعة أوتاد ــ أربعة أعمدة ــ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ۝ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ۝ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ أربع اوتاد في يديها ورجليها فإذا تفرقوا عنها – أي الأمناء والمخبرون – ظللتها الملائكة بأجنحتها قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يقول أبو هريرة فكشف لها بيتها في الجنة الله عزوجل تثبيتا لقلبها وتطمينا لها أراها وهي لا زالت في دار الدنيا أراها صفة بيتها ومنزلها في جنة الرضوان وهكذا رحمة الله عزوجل بعبادة المؤمنين إذ يثبت قلوبهم حين يحتاجون إلى هذا التثبيت يربط على قلوبهم حين يحتاجون إلى هذه الربط إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ۝ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَـٰهًا لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا

” وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

ثم الرجل المؤمن في بلاط فرعون وفي حاشيتة وفي المقربين وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ۝ وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ۝ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ۝ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّـهِ إِن جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ۝ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ۝ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّـهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ۝ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ۝ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّـهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ۝ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّـهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّـهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ۝ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّـهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ۝ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ۝ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ۝ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ۝ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ۝ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ۝ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ۝ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّـهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ۝ لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّـهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ۝ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۝ فَوَقَاهُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ۝ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ۝ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ ۝ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّـهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ۝ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ

هكذا أخبر الله عزوجل عن هذا المؤمن في بلاط هؤلاء الكفرة المفسدين وكيف كان هذا الرجل يكتم إيمانه خوفا من فرعون وبطشه فهو لا يعظم عليه عظيم ولا يرق على قريب ولا على حبيب الذي يفعل هكذا بإمراته ليس في قلبه مثقال ذرة من رقه ولا من رحمه هو يعرفه جيدا وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ولم يقل سبحانه وتعالى رجل مؤمن من آل فرعون قد كتم إيمانه لكنه قال يكتم إيمانه بصغه المضارعة الدالة على التجدد والاستمرار فهو كل يوم وفي كل موقف يحتاج أن يتجرع غصصاَ وأن يكتم إيماناً يود أن يبوح به، وأن يفصح به وأن يعلنه للعالمين ولكنه لا يطيق ولا يستطيع حتى جاءت هذه اللحظة التى لا يستطيع معها هذا المؤمن أن يبقى معها على كتمانه إذ يرى موسى عليه السلام وهو يكاد له ويأتمرون به ليقتلوه وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ

أما موسى فكان موقفه بإزاء هذا التهديد وهذا الوعيد وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ هذه هي علة تكبره وتجبره هو لا يتذكر لقاء الله عزوجل هو لا يذكر ولا يؤمن حقيقة وإن كان يقر بلسانه فهو لا يؤمن حقيقة بيوم الوعيد لا يؤمن حقيقة بأنه موقوف بين يدي الله عزوجل المليك المقتدر لانه لو كان يؤمن بهذا مثقال ذرة لعد لهذا اليوم عدته ولتذكر أنه موقوف بين يدي جبار السمواتو الأرض وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ وحينئذن لم يملك هذا الرجل المؤمن نفسه من أن يصدهم عن هذا الأمر الوبيل.

وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ

هو يتسلل بكلماته إليهم تسللا لا يفصح لهم في أول كلامه عن أن يشاركه في هذا الإيمان بل هو يظهر بظهر الناصح المخلص لهم لكنه مع توالى الكلمات تزداد حرارة الايمان فى قلبه، ويزداد فى كل كلمة إفصاحاً وبيانا لهذا الايمان، خاصة مع أجوبة فرعون التى يجيب بها ويرد بها عليه وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ هو لا يضركم شيئا فى هذه الدعوة التى يدعى وإن يكن مبطلا فان الله سبحانه وتعالى سوف يظهر انه من المبطلين ولكنه وَإِن يَكُ صَادِقًا ثم تعرضتم له، فإن الله العزيز الجبار المتكبر سوف لا يفلتكم من عقوبته ولا من انتقامه، وإن كنتم تغترون اليوم بقوتكم فإنكم فى قبضة الله عز وجل وسلطانه وأنتم غداً تحت سلطانه عز وجل فى الآخرة يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا فكان جواب الفرعون مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ

ثم ذكرهم بعاقبة المتقين المكذبين من السابقين، يخوفهم بعذاب الدنيا ثم يخوفهم بعذاب الاخرة وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ ۝ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ

إذن هم يعرفون هؤلاء الأقوام، ويعرفون أحوالهم ومصائرهم، وإلا لم يكن لتذكيره أياهم بها فائدة ولا نفع، وهذه هى فائدة ومنفعة التاريخ ودراسة التاريخ، هذا هو التاريخ الذى ينبغى على الانسان أن يدرسه فيأخد منه العظات والعبر، نحن لا ننتفع شيئا بتاريخ الأسر وأخبارها، وإنما هذه هى العظة وهذه هى الحكمة لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى مثل دأب قوم نوح، عاداتهم وسنتهم فى تكذيب رسلهم ثم فى اهلاك الله عز وجل لهم مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

ثم يذكرهم أنهم وإن نجوا من عذاب الله عز وجل فى الدنيا الذى يحيق بالظالمين المتكبرين فهم لن ينجوا من عذابه سبحانه وتعالى فى الاخرة وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ۝ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ

ثم من بعد هذه الكلمات يؤكد عليهم هذا المعنى وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ قال فرعون كما قلنا مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ هاهو هذا المؤمن ينصح هؤلاء ويرشدهم ويبين لهم أن ما يدعوهم إليه هو حقيقة الرشاد، إن ماجاءت به رسل الله عز وجل هو حقيقة الرشاد، إن نور الله عز وجل الذى أنزله هو حقيقة الرشاد، لا ما يجى به فرعون وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ۝ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَار

هم لا يدركون إلا ما بين ايديهم هم لا يعيشون إلا للدنيا ولا ينظرون إلى ما وراء هذه الدينا، هذه الفتنة وهذا المتاع هو الذى يصدهم عن نور الله عز وجل وعن اتباع امره وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ

وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ۝ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ۝ لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ ليس له قيمة، ليس له شأن وليس له أثر ولا يحقق غاية صالحة ولا نافعة ولا يجلب خيرا ولا يدفع ضراً لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّار ثم لما رأى منهم الإعراض بعد ما أسدى لهم نصيحته ختم موعظته بهذه الكلمة فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ولكن متى؟؟ متى يذكرون هذه الكلمات؟؟

فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۝ آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ۝ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ

هو يعلم أنهم سوف يمكرون به، هو يعلم انهم سوف يكيلون له التهم التى يستحلون بها إن يعذبوه بعد كلماته هذه التى لم يكن لهم فيها إلا ناصحاً اميناً، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۝ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا فالملك لله العلى الكبير، هم فى النهاية عباد الله لا يملكون لانفسهم فضلا عنغيرهن نفعاً ولا ضراً ولاموتاً ولا حياة ولا نشوراً.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ۝ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ

فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ۝ النَّارُ قال النار، لم يقل الغرق لم يذكر الغرق يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ

فابن عباس رضى الله عنه روى عنه فيما رواه البخارى: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقى فى النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حينما قيل له إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل هو كافينا، وأفوض امرى إلى الله، فزادهم إيمانا وتثبيتاً، تعظيماً لله، لجأوا إليه سبحانه وتعالى، ثقة به تبارك وتعالى، قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ۝ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

الحمد لله رب العالمين..

ولازال الإيمان يخترق هذا القصر المظلم الكئيب يقول ابن عباس رضى الله عنه – كما في المسند والمستدرك – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلادِهَا. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟ قَالَ: بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ – الكوافيره بتعتها – ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ سَقَطَتِ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا – يعني المشط وقع من أيديها – فَقَالَتْ: بِسْمِ اللهِ. فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ – حيث الغباء والعته – قالت: أَبِي؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللهُ. قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ قَالَتْ: نَعَمْ. – حيث السأم والملل من هذه الحياة.. اللحظة ديه اسمها لحظة الاستبياع – قَالَتْ: نَعَمْ فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا، فَقَالَ: يَا فُلانَةُ، وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ. فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ – وضع فيها الزيت يغلي – ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ – عايزه إيه؟.. ربما ظنها أنها سوف تتوسل إليه.. لكنها قالت – قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَتَدْفِنَنَا. قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الحَقِّ – الدستور يكفل لها هذا الحق.. حق منصوص عليه – قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الحَقِّ فَأَمَرَ بِأَوْلادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَاحِدًا وَاحِدًا – أمامها شدة وزيادة في التعذيب وفي النكاية.. ففعلوا – إِلَى أَنِ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ – عيل لسه لازال في وقت الرضاعة – كَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ – فكأنها من شفقتها عليه ضعفت – قَالَ: يَا أُمَّهْ، اقْتَحِمِي، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ.

وهذا مثال أخر ونموذج آخر على رحمة الله عز وجل وتثبيته لقلوب المؤمنين حينما يحتاجون إلى هذا التثبيت كما أشرنا في خطبتنا الأولى عن رؤية امرأة فرعون لبيتها في الجنة وهي لازالت بعد في دار الدنيا. فهذه المرأة أيضاً ممن اخترق هذا النور وهذا الإيمان قلبها وأبت أن ترجع عنه إلى دين هذا الفرعون.

فهذه هي عظمة الإيمان وهذا هو سلطانه الذي يَضْعُفُ أمام سلطانه كل بطش وكل جبروت وكل مكر وكل كيد لكن لم يكن لهذا الإيمان أن يصل إلى هذه القلوب إلا بعدما تجردت دعوت موسى عليه السلام عن كل شائبة بخلاف هذا الحق وبخلاف هذا النور موسى عليه السلام لم يكن يدعو الناس إلا إلى ربهم عز وجل كان دائماً يذكرهم بالله، يذكرهم بعظمة الله عز وجل، يبين لهم قدر ربهم عز وجل وعظمته وسلطانه فتصغر في نفوسهم كل قيمة ويتقزم في قلوبهم فرعون وملأه وجنده وأعوانه وأتباعه ولم تكن لهذه الدعوة أن تخترق هذا القصر إلا إذا كانت على هذه الحال وعلى هذه الصفة..

إذا لم تتجرد دعوة الحق كما تجردت دعوة المرسلين فإنها لن تصل إلى قلوب الناس ولن تخترق حجب الباطل ولا تقدر على مقاومة المكر والكيد.. لم تكن الدعوة التي خوطب بها مؤمن آل فرعون لكي يكون جهادياً أو إخوانياً لم تكن الدعوة التي اخترقت قلب امرأة فرعون دعوة سلفية أو تبليغية إنما كانت دعوة خالصة لعبادة الله عز وجل وحده هذه هي الدعوة الوحيدة هذه هي الكلمة الوحيدة فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْقُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ ادعوا إلى الله عز وجل وحده فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ هو الإيمان أو الكفر الطاعة أو المعصية الرضا بالله عز وجل أو الرضا بسواه هذه هي حقيقة الإيمان وهذا هو ما جاء به رسل الله هذا هو الشيء الوحيد الذي يملك سلطانه على قلوب العباد والذي يقاوم كل شهوة وكل سلطة وكل مكر وكل كيد..

اختم بكلمة تعقيباً على حمى الجنسيات.. فاقترح أن نحصر دائرة الترشيح للرئاسة في طلعت والصمدي وإبراهيم الغفير وأحمد حسنين لأن هذا هو الشيء الوحيد الذي لا يقبل التشكيك أو الريب فيه، اللي بنا مصر كان في الأصل حلواني، يبقى إذن أي واحد حلواني ده جنسيته لا شك فيها ولا مطعن لقد من الله عز وجل علينا بنعمة كبرى هي نعمة الإسلام ونعمة الدين إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ هذه هي الدعوة التي ربّانا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ – كل المؤمنين – فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى الوطن لنا نحن المؤمنون هو وطن الإيمان الوطن لنا نحن المسلمون هو وطن الإسلام التي تعلو فيها راية الله عز وجل فيه المسلمون كلهم سواسية ليس هناك تقسيمات لأهل الإيمان إلى هذه الأعراق وهذه الأجناس وهذه الجنسيات هذه من دعوى الجاهلية، دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ..

ولستُ أدرِي سوى الإسلامِ لي وطنًا… الشامُ فيه ووادي النيلِ سيانِ

وحيثُما ذُكِر اسمُ اللهِ في بَلَدٍ… أعَدَدْتُ أرجاءه مِن لُبِّ أَوْطَاني

بالشَّامِ أَهْلِي وبَغْدادُ الهَوَى وَأنَا… بالرَّقْمَتَينِ وَفي الفُسطاطِ جيراني

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين

اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا إجتنابه

اللهم فقهنا في ديننا وزهدنا في دنيانا، اللهم فقهنا في ديننا وزهدنا في دنيانا

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.