Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

تابع حديث الفاعلية والمفعولية

الحمد لله، الحمد لله الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيدا.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ۝ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ

من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ولا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

لازلنا مع حديث الفاعلية والمفعولية، ذكرنا في المرة الماضية أن الإنسان بفضل الله عز وجل وبره وإحسانه وإنعامه هو فاعلٌ في هذه الحياة له قدرة وله إرادة وله تأثيرٌ في مجريات الحياة لكن هذه القدرة وهذه الإرادة وهذا التأثير ليس ملكاً للإنسان وإنما هو هبةٌ ومنةٌ من الله عز وجل لا يتحرك شيءٌ ولا يسكن في هذا الكون إلا بتقديره وإلا بقدرته سبحانه وتعالى والإنسان حينما يغفل عن هذا المعنى حينما ينسى قدرة الله عز وجل وسلطانه وقهره وجبروته وإحاطته سبحانه وتعالى حينئذٍ يكون الطغيان وحينئذٍ يكون الفساد، قال الله تعالى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ۝ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ۝ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ كل شيءٍ في هذه الحياة من كرمه وبرّه وإحسانه سبحانه وتعالى الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ وهذا من جملة الإحسان والإكرام، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ۝ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ فالعلم هبةٌ ممنوحة من الله عز وجل لكنه تعالى عقّب فقال كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى بهذا العلم الذي أتاه الله عز وجل إياه وبما ترتب عليه من قدر من إمكانيات كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى هذه هي علّة الفساد وعلّة الطغيان، أنه رأى نفسه بما آتاه الله عز وجل من علم وقدرة أنه أصبح مستغنياً عن ربه تبارك وتعالى وعن إمداده وعن إحسانه وعن إنعامه كهذا الذي قال لما أتاه قومه ينصحونه ويذكّرونه بفضل الله عز وجل ونعمته عليه لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ۝ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قال حينئذٍ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي هو يجحد وينكر فضل الله عز وجل عليه ولذلك حينما قال هذه الكلمة انقطعت المحاولة، هم لم يعقبوا على كلمته بشيء لأنه لا شيء يقال لقائل هذه الكلمات لذا عقّب الله عز وجل فقال أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى والله عز وجل يخاطب الناس كل الناس فيقول يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ وحده سبحانه وتعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الله سبحانه وتعالى وحده هو الغني الذي لا يحتاج إلى شيء ولا يحتاج إلى أحد بل كل شيءٍ وكل احدٍ مفتقرظظظظق تمام الافتقار إلى الله عز وجل في كل طرفة عين وفي كل نفسٍ يتردد داخلاً وخارجاً، وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ هو غنيٌّ عن العباد وعن طاعتهم وعن عبادتهم لكنه سبحانه وتعالى بمنّه وفضله وكرمه هو الحميد الذي يحمد لهم شكرهم وعبادتهم وطاعتهم لربهم تبارك وتعالى كانت هذه هي الفاعلية؛ إدراك الإنسان دائماً أنه في فعله وفي حركته محتاجٌ مفتقرٌ إلى الله عز وجل ولذلك كانت هذه الكلمة كنزاً من كنوز الجنة ” لا حول ولا قوة إلا بالله ” لا تحول عن الحال السييء ولا قوة على الحال الصالح الطيب إلا بعون الله عز وجل وتسديده وتوفيقه، لاتحول ولاقوة إلا بالله عز وجل، هذا هو حال الفاعلية.

ثم ذكرنا بعد أن الإنسان ستأتي عليه لحظات هي لحظات فارقة في حياته، هذه اللحظة هي لحظة التحول من الفاعلية إلى المفعولية، كانت هذه الفاعلية ابتلاءً وامتحاناً واختباراً من الله عز وجل لينظر في فعله :هل سيشكر أم سيكفر فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا ليس لنا إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۝ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا يفنى كل ما على وجه الأرض مما بنى الإنسان ومما شيّد فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فهو ابتلاء فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ۝ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أصابه شيءٌ من الضيق والتضييق فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ۝ كَلَّا هذا ابتلاء وهذا ابتلاء، ليس هذا العطاء علامة على الإكرام، ولا هذا التضييق علامة على الإهانة بل هذا ابتلاءٌ واختبارٌ.

ثم تأتي عليه لحظات ينتفي عنه وصف الفاعلية ويتحول إلى المفعولية في هذه اللحظات ينقطع سلطان الإنسان، يزول تأثيره وملكه وسلطته وتذهب قوته، وحينئذٍ يظهر فقره واحتياجه كأشد ما يكون إلى ربه عز وجل وفي هذه اللحظات يظهر أثر فاعليته في الحياة إن كان خيراً فخير وإن كان شرّاً فشر.

في مسند الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد – لم ينتهوا من دفنه بعد – فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير – سكونٌ بهيبة الحال – فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينكث بعود له في الأرض يخطُّ به خطاً ثم رفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من عذاب القبر استعيذوا بالله من عذاب القبر . نعوذ بالله من عذاب القبر

ثم قال مبييّناً هذه اللحظة الفارقة في حياة العبد فقال إن العبد المؤمن ثم قال بعد؛ وإن العبد الكافر.

في هذه اللحظات ينقسم العباد إلى فريقين وقبيلين طائفتين لا ثالث لهما إما من أصحاب اليمين وإما من أصحاب الشمال، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ إما حياة وإما ممات إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ۝ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، يخرج من دار إلى دار ومن حال إلى حال نزلت إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفنٌ من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة أي طيبٌ من طيبها، فنحن في حال وهم في حال آخر، نحن مع بدنٌ مسجى وهم مع روحٍ تصعد وترتقي هذا له كفنه، وهذا له كفنه، هذا له حنوطه وهذا له حنوطه، فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ۝ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ۝ وَنَحْنُ أي رسل الله عز وجل من الملائكة أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ۝ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ

معهم كفنٌ من أكفان الجنة وحنوطٌ من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر،إذا نظر أمامه رأهم، هو فقط يرى هؤلاء أما من حوله فلا يرون من هذا شيء.

ثم يجئ ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول مخاطباً لتلك الروح قد زال هذا البدن وانقطع وجوده وأثره، هو يخاطب الروح فيقول ” أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ” هذه الكلمة،كلمة ” الطيبة ” هي محصلة فاعلية الإنسان المؤمن في حياته بطولها وعرضها، تظهر أثر هذه الفاعلية، يظهر أثر هذا العمل وهذه الحركة وهذا الإيمان في هذه اللحظة، تظهر فيها نتيجة عمل الإنسان بهذه الكلمة، ” أيتها النفس الطيبة ” .

ربما إذا كان الإنسان في هذه الحياة في امتحان يسمونه مصيرياً؛ يرتب مستقبل أيامه في هذه الحياة ربما يكاد قلبه أن يتوقف حينما يأتي المتكلم أو يأتي الذاكر على رقم جلوسه، هل سينطقه أو لا ينطقه، هل سيذكره أو لا يذكره، هو يرى أن حياته ومستقبله تتوقف على هذه الكلمة أو على هذا الرقم الذي يخرج من فم هذا العبد المتكلم، لكن حقيقة الحياة أن مستقبل العبد وأن مصيره فعلاً إنما يتوقف على هذه الكلمة التي ينطق بها ملك الموت في هذه اللحظات ” أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ” هي تحب ذلك فتسارع بالخروج، ” فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها – أي الملائكة الذي يجلسون على مد بصره – لم يدعوها في يده طرف عين، يأخذونها هي أمانته التي أرسلهم الله عز وجل لكي يأخذوها، فيأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن الذي هو من أكفان الجنة وفي ذلك الحنوط وتخرج منها ريح كأطيب ريح مسكٍ وجدت على وجه الأرض الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ

ثم يصعدون بها فلا يمرون على ملك من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب، فيقولون روح فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، ثم يصعدون إلى السماء الدنيا فيستفتحون فيفتح لهم فيشيعه على الأرض مشيعون من بني البشر فيهم التخليط وفيهم ما فيهم مما يعلم الله عز وجل

أما هذه الروح فيشيعها من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها إلى السماء التي تليها حتى ينتهوا بها إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل ” اكتبوا كتاب عبدي في عليين، ثم أعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ” فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان من ربك؛ فيقول ” ربي الله ” فيقولان ما دينك، فيقول ” ديني الإسلام ” فيقولان ما هذا الرجل الذي بعث فيكم، فيقول ” هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فيقولان له ما علمك، من أين اكتسبت هذا العلم ومن أين أتيت بهذا اليقين والإيمان فلابد أن يكون هذا العلم مبنياً على أصول راسخةٍ يقينية في قلبه فيقول ” قرأت كتاب الله فآمنت به – أي بالرسول – وصدّقت ” فينادي منادي في السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، – هوفي قبره – وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، يأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجئ بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، هذه فاعليته في هذه الحياة قد تمثلت له في قبره بهذه الصورة الطيبة الحسنة الجميلة.

هذا سوف يصاحبه في قبره ويجالسه فيه فيؤنسه، في حال مفعوليته تأتيه فاعليته فتؤنسه في وحدته فيقول ربِّي اقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي واملي..

وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزلت إليه ملائكة من السماء سود الوجوه معهم المسوح – الثياب والخرق البالية – فيجلسون منه مد بصره ثم يجئ ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول :أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب فتتفرق روحه في بدنه – هي تأبى أن تخرج بعد أن سمعت هذه الكلمات – فينتزعها انتزاعاً. ولذلك قال الله عز وجل وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ۝ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا وصف الله عز وجل نزع روح العبد الكافر ونشط روح العبد المؤمن، هذا النزع إنما يكون بشدّة وعنف، وأما النشط فهو أن يسل الشيء سلّاً يسيراً رقيقاً.

فينتزعها كما ينتزع السفود – أي الحديد – كما ينتزع الصوف المبلول، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في ذلك الكفن – أي ذلك المسوح – فيصعدون بها فلا يمرون على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الريح المنتنة فيقولون هذه روح فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ثم يصعدون إلى السماء فيستفتحون فلا يفتح لهم ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السابعة فتطرح روحه طرحاً؛ تلقى من السماء إلقاء، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ فتعاد روحه هذه المقذوفة إلى بدنه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك؟ فيقول: هه هه لا أدري، فيقولان: ما دينك؟ فيقول :هه هه لا أدري، فيقولان: من هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هه هه لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن قد كذب فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً من النار فيأتيه من حرها وسمومها – نسأل الله السلامة والعافية – ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه يدخل بعضها في بعض ويأتي رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول من أنت فوجهك الوجه يجئ بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، هذه فاعليتك، فيقول: ربّي لا تقم الساعة.

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت:قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: ياويلها أين يذهبون بها، يسمع صوتها كل شيءٍ إلا الإنسان ولو سمعه لصعق..

هذه اللحظات، اللحظات الفارقة في حياة كل عبد إنما ننساها في غمرة هذه الحياة وغمرة فتنها، وغمرة مشاكلها وما ينبغي لنا ذلك، لكننا إذا أتينا على ذكر هذه الخاتمة أحببنا أن ننبه إلى قضية الموت، إن هذا الذي ذكرنا إنما هو كما قدمنا هو انتقال من حال إلى حال، فالإنسان في هذه الحياة ينتقل من طورٍ إلى طور، من حال إلى حال، من صورة من صور الحياة إلى صورةٍ أخرى من صور الحياة، أما الموت الذي هو انقطاع الحياة بالكلية فهذا لا يكون في حياة الإنسان إلا في لحظات يسيرة ولذلك سمى العلماء الفترة التي يقضيها العبد في قبره سموها برزخاً أي قنطرة ومرحلة وسيطة بين صورة من الحياة في الدنيا وصورة من الحياة في الآخرة وهي أي هذه الحياة البرزخية صورة من صور الحياة يقع فيها نعيم أو عذاب على بدنٍ وروح، ثم إذا فني البدن بقية الروح منعمة أو معذبة حتى ينفخ اسرافيل نفخة الصعق ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وكانت الصورة النهائية لحياة الإنسان.

فإذن الموت الذي هو الموت بمعنى انقطاع الحياة هذا لا يوجد في حياة الإنسان إلا في لحظاتٍ بسيطة من جملة هذه الحياة الدنيا، والموت كمعنى ليس محبوباً للإنسان أي إنسان.

في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ولابد له منه، هو لا يحب أن يموت والله عز وجل لا يحب أن يسوءه لكنه لابد أن يموت لينتقل بهذا الموت من حياةٍ إلى حياة، ومن صورة إلى صورة ومن حال إلى حال.

في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ – أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ – ، فَقَالَ: لَيْسَ كَذَلِكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ – أي عند الموت كما قدّمنا في حديث البراء حينما يكلمه ملك الموت حين قبض الروح، إذا بشّر برحمة الله ورضوانه وجنّته – ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ – لأنه مقدم على الخير كل الخير – ، فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَه.

فإذاً الإنسان بطبيعته هو لا يحب الموت ولكن القضية ليست في ذات الموت وإنما في انتقال الإنسان بهذا الموت من حالٍ إلى حال ومن حياةٍ إلى حياة ولذلك قال ابن القيم في زاد المعاد وهو يصف خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فكانت خطبته صلى الله عليه وسلم إنما هي تقريرٌ لأصول الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وذكر الجنة والنار وما أعدّ الله لأوليائه وأهل طاعته وما أعد لأعدائه وأهل معصيته فيملأ القلوب من خطبته إيماناً بالله وتوحيداً له ومعرفةً به وذكراً لأيامه.

هو يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبه وفي وعظه وفي كلامه للناس إنما يذكرهم دائماً بهذه الأصول؛ يذكرهم بالله تعالى وعظمته وبملائكة الله عز وجل الذين يظهر في خلقهم تمام قدرته وعظمته وكتبه المنزلة ورسله الذين أرسلهم هداةً للعالمين وأوصافهم وأحوالهم، وذكر اليوم الآخر ولقاء الله عز وجل والتذكير به وبالجنّة وبالنار وبعاقبة الإنسان في الدار الآخرة الذي يورث العبد إيماناً وتوحيداً، معرفةً لله عز وجل وذكرىً لأيامه، ثم يقول ليس كخطب غيره التي إنما هي أمورٌ مشتركة بين الخلائق وهي النوح على الحياة والتخويف بالموت، هو يقول.

فإذن النبي صلى الله عليه وسلم حينما يتكلم عن الآخرة إنما يتكلم عن دارٍ ينتقل إليها الإنسان في حياة جديدة هي عاقبة عمله وفاعليته في هذه الحياة، لا يتكلم عن الموت الذي هو بمعنى الفناء والذهاب، هذا ليس موجوداً في الحقيقة وهذا كما يقول ابن القيم أمرٌ مشترك يشترك فيه المؤمن والكافر، أي إنسان، الذين لا يؤمنون بالبعث والنشور إذا ذكر لهم الموت الذي هو الفناء والذهاب هؤلاء أيضاً يحزنون لأنهم سوف يفارقون الحياة التي تعلقت قلوبهم بها، فيقول: هذا معنى مشترك ما بين الخلائق المؤمنين وغير المؤمنين، إن الإنسان ينوح ويحزن على أنه سيفارق الحياة وعلى أنه سوف يموت،فهذا يقول ابن القيم: لا يحصل منه إيماناً ولا توحيد ولا معرفةٌ خاصة لله عز وجل ولا ذكرٌ لأيامه عز وجل ولا تشويقٌ للعباد إلى محبة الله عز وجل والشوق إلى لقائه فيخرج السامعون – هذا كلام ابن القيم أيضاً، يقول: فيخرج السامعون وما استفادوا فائدة إلا أنهم سوف يموتون وتقسم أموالهم وتبلى أجسامهم فلم يستفيدوا إيماناً ولا معرفةً ولا علماً نافعاً.

فهو يريد أن يقول إن الموت حينما يذكر لا يذكر الموت بهذا المعنى المشترك ما بين الخلائق، لكن هذا جزء من أجزاء الإيمان الموت الذي هو الأمر الظاهر هذا أمرٌ محسوس يدركه كل الناس، يعني إنسان كان معنا وتوفي احنا كلنا رأيناه، ده أمر مشترك ما بين كل الخلائق ليس أمراً إيمانياً، إنما الأمر الإيماني الذين يؤمنون بالغيب، ماذا يجري لهذه الروح وإلى أين سيصير الإنسان بعد أن يغادر هذه الحياة هذا هو الأمر الإيماني الذي يؤمن به الإنسان والذي يورث هذا الإنسان عملاً صالحاً واستعداداً للقاء الله عز وجل ولذلك كانت خاتمة آيات الكتاب، كانت آخر آية جمع الله عز وجل فيها موعظته لعباده أن قال لهم في آية من خواتيم البقرة وهي كما قال أكثر أهل العلم آخر ما نزل في كتاب الله وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.

وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علبنا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.