الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله لا رب غيره ولا معبودا بحق سواه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وسلم، أشرف عبده وأطهره وأزكاه صلي الله علىه وعلى آله وعلى صحبه ومن اتبع هديه واتبع هداه أما بعد:
تحدثنا في الجمعة الماضية عن القصة وأثرها في الاتعاظ والاعتبار وأخذنا بطرف من قصة أصحاب الإخدود، وقد كان من المفترض أن ننتقل إلى حديث آخر، ولكن ( أبويحيي ) تشوق إلى تتميم القصة مما اضطرني نزولا على رغبته إلى أن اتمم بناء ونسج هذه القصة على وفق ما أخبر به رسول الله صلى الله علىه وسلم حتى نصل إلى نهايتها.
كنا نتحدث عن سورة البروج وعن قصة أصحاب الإخدود كما أوردها الله تبارك وتعالى وذكرنا أن حديث القرآن عن هذه القصة، كان حديثا كافيا لأخذ العظة والعبرة ولتبين أحداث القصة، لكن رسول الله صلي الله علىه وسلم زادها تفصيلا وزاد أحداثها تبيانا، وقلنا أن هذه الزيادة أو هذا التتميم أو هذا التكميل أو هذا التفصيل من رسول الله صلي الله علىه وسلم لابد أن يكون له حكمة بالغة تعين العبد على تدبر هذه السورة العظيمة من سور كتاب الله عز وجل.
فتحدثنا عن الملك الذي كان يستعين في ملكه بالسحر وأنه لا يمكن لملك ظلوم غشوم أن يسيطر على العباد طالما أنه لا يقيم فيهم حقا، ولا يقضي فيهم بعدل لا يمكن أن يسيطر عليهم إلا بأن يستخدم السحر الذي يجمع مابين التضليل وبين التخويف وإلارهاب، وذكرنا التعجيب من حال هذا الساحر الذي هورجل يبيع دينه وآخرته بعرض من الدنيا قليل، وأن هذا الرجل لما كان طالبا للدنيا كان مستغربا منه أن يطلب وريثا يرث علمه ويرث سحره.
فذكرنا أن أهل الباطل ربما يتجاري بهم باطلهم وهواهم إلى درجة أنهم يتحولون إلى أصحاب رسالة حريصون على أن يبقي هذا الشر، وهذا الباطل في إلارض حتى بعد انقضاء أيامهم وخروجهم من هذه الحياة، وذكرنا أن أهل الحق وأهل الخير هم أولي وأحري وأجدر أن يكونوا حريصين على الرسالة التي ائتمنهم الله عز وجل عليها، وذكرنا أن هذا الساحر أراد غلاما واحد لكي يكون وريثه في هذه المهمة وفي هذه الوظيفة، وتعجبنا كذلك أن يكون رجل واحد في هذا الاختصاص كفيل بأن يدير أمة كاملة من الناس، وأن هذا الساحر لم يرد جمعا كثيرا من الشباب لأن هذه المهمة يكفي بأن تتأدى بشخص واحد، وذكرنا أن حينئذ مأساة التعليم في بلادنا الذي يجمع أعداد كبيرة لا يمكن لاي جهة أن تقوم بحق التربية وحق التعليم وحق التوجيه، بحقهم لأنه لا طاقة لها بذلك.
فهذا الرجل أراد غلاماً واحداً لقنا وفطنا وفهماً وذكرنا أنه أراد شخصاً ذو مواصفات معينة كما قلنا أراد شاباً صغيراً لازال ذهنه في صفائه لم تكدره هموم الحياة وأعباؤها ومشاغلها وأراده أيضا ذكيا عاقلا لقنا أي سريع الحفظ وقويا، ثم ذكرنا كيف قدر الله تبارك وتعالى لهذا الغلام طريقا يختلف كليةً عن الطريق الذي أراد الملك وأراد الساحر أن يسير عليه في حياته
وأن الله تبارك وتعالى غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، وأنه لابد أن تمضي إرادة الله في عباده، أراد العباد ذلك أولم يريدوه ولكي تمضي إرادة الله عز وجل بتحقيق الخير لهذا الغلام الصغير الذي كان قلبه ينطوي على خير وعلى بر أن وضع راهب في طريق سيره ما بين بيته وما بين محلة الساحر التي يتعلم فيها هذا السحر الذي هو الكفر والشرك والأذى والظلم والجور لعباد الله تبارك وتعالى فكان هذا الراهب وهوشخص يعتزل الناس في صومعة يتعبد لله تبارك وتعالى، وكيف بدأ هذا الراهب يحدث هذا الغلام عن ربه تبارك وتعالى وكيف وقعت هذه الكلمات الطيبة الطاهرة ووقع هذا التفكير الطيب في قلب هذا الغلام الصغير، وكيف لامست هذه الكلمات هذه الفطرة التي استكنت واستقرت في قلب كل إنسان.
فكل مولود كما أخبر صلي الله عليه وسلم إنما يولد على الفطرة، عارف لله تبارك وتعالى مريداً للتوجه إليه لكن البيئة ولكن المجتمع هو الذي يحول ويطمس معالم هذه الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، وحينئذٍ يكون التشويه لهذا الجمال الذي فطر الله عز وجل عليه الإنسان لذا عقب صلى الله علىه وسلم فقال: ( كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ) إذا ولدت ولدت كاملة الخلق (هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ) يأتي الخلق فيقطعون أنفاً ويقطعون آذناً لكي يعلموا هذه البهائم فحينئذٍ يشوهونها بأفعالهم، فكذلك كل عبدٍ أنما يولدُ على هذا النقاء وعلى هذا الصفاء تأتي هذه البيئة فتشوه هذه النعمة التي امتن الله عز وجل علينا بها.
فتأثر هذا الغلام بالتوجيه الذي وجهه إليه هذا الراهب وبدأ يتوجه إلى الله تبارك وتعالى وتحدثنا في هذه النقطة عن قضية الصراع وخطورة الصراع الذي يعيشه إلإنسان في المجتمعِ المتناقض خاصةً ما يعانيه الشباب في هذا المجتمع، الصراع بين اتجاهاتٍ متناحرة متصارعة لابد أن تلقي بظلالها وآثارها على قلب كل إنسان.
فهو يعيش صراعاً بين اتجاهين اتجاهٌ يسوقه إليه الساحر وعليه عامة المجتمع اتجاهٌ بعيدٌ عن الله بعيدٌ عن الخير بعيدٌ عن البر بعيدٌ عن الإصلاح واتجاهٌ آخر يوجهه إليه الراهب بكلماته التي تذكره بالله وبعظمةِ الله وبرحمةِ الله وبرسالةِ الإنسان التي هي نشر الخير والنفع للناس في هذه الحياة وكيف أثر هذا الصراع في قبل هذا الغلام.
لكنَّ قوة الحق ونداء الفطرة كان هو الأقوى والأغلب رغم أن قوة المادة وقوة السلطان إنما كانت في غير سبيله، فهذا الراهب كان يقاوم وحده الملك والساحر وكل ما له من نفوذ وكل ما له من قوة وكل ما له من مال وكل ما له من سلطان لكن الحق أقوى من قوة الباطل مهما أوتي من قوة ولذلك قال الله تبارك وتعالى مبيناً هذه الحقيقة بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوزَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ولذلك انتهينا في قصتنا إلى اللحظة التي يقف فيها الغلام لحسم هذا الصراع إذ وقف على طريقٍ يسير فيه الناس ودابة تعترض طريق هؤلاء السائرين يشقُّ على هذا الغلام أن تؤذي هذه الدَّابَّة هؤلاء المّارة فتمنعهم من أن يذهبوا إلى بيوتهم أو إلى أعمإلهم أو أن يقضوا مصالحهم.
طبعاً ده بقى عندنا ده العادي إن أنت متعرفش تمشي في الشارع تروح مشوار، ده عادي جداً .. فالدواب عندنا … بني آدمين ودواب .. فساءه أن تؤذي هذه الدَّابَّة هؤلاء المّارة فماذا يفعل إيزاء هذا الموقف؟ رفع يديه إلى الله وجعل هذا الموقف موقفاً حاسماً للصراع في قلبه وفي فؤاده فقال ( اللهُمَّ أن كان أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إليكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ فَأَخَذَ حَجَرًا فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، ثمَّ مَضَى النَّاسُ ) وحينئذٍ حسم الصراع في قلبه.
فالله سبحانه وتعالى لا يبخلُ بالهداية على طالب للهداية .. هذا الغلام حينما وصل في الصراع إلى هذه المرحلة هو يريد أن يحسم أمره هويريد أن يعرف حقيقة هذا الصراع، أين المحق وأين المبطل أين الصواب وأين الخطأ، انتهى دوره وانتهت أسبابه حينئذٍ احتاج إلى التأييد والتثبيت والدعم من الله تبارك وتعالى وحينئذٍ فالرب سبحانه وتعالى لا يمكن أن يبخل بالهداية على طالبٍ لها.
لذلك استجاب الله تبارك وتعالى له في التَّو والحال واللحظة فهو من تعليم الراهب له عَلِمَ أن الله سبحانه وتعالى على كل شيءٍ قدير فرفع يديه إلى الله يطلب منه أن يعطيه إليقين في قلبه .. هو بفطرته يعلم أن الراهب أفضل من الساحر أن هذا الحال أفضل من هذا الحال وأن هذا الخُلق أفضل من هذا الخُلق وأن هذه المقاصد والغَايَات أفضل من هذه المقاصد والغَايَات ولكنه يبحث عن اليقين، ولذلك فقد دعا الله تبارك وتعالى ولابّدَّ أن توجّهه إلى الله كان من تعليم الراهب ولم يكن قطّ من تعليم الساحر فالساحر لا يعرف الله.
ثم أخذ حجراً صغيراً فرمى به الدَّابَّة فقتلها، وهذا من سنة الله عز وجل وتعليمه لعباده أنه لابد لهم في سعيهم من أن يأخذوا بما أوتيحَ لهم من الأسباب لا يتغير وضع ولا يتبدل حال ولا يقام حقٌ إلا إذا أخذ العباد بما أوتيح لهم من الأسباب هو لم يكن يملك أن يقاوم هذه الدَّابَّة إلا بهذا الحجر الصغير لكنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يملك حقيقة الإصلاح وحقيقة التغيير وحقيقة الإزاحة لعوائق الشر والسوء لكن عليه أن يأخذ بسبب،
وهذا ما علمنا الله تبارك وتعالى إياه إذ يقول فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى في ذات الجملة هوسبحانه وتعالى ينفي فعلاً ويثبته يقول وَمَا رَمَيْتَ هوينفي ثم يقول سبحانه وتعالى إِذْ رَمَيْتَ فهو يثبت وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى
يقول أخذ رسول الله صلى الله علىه وسلم كفَّاً من تراب فألقاه يوم بدر في وجوه المشركين، هو بمنأىً عنهم، هم بعيدون عنه في المحلة وفي الموقع وفي المكان، فأخذ هذا الكف من التراب ثم ألقاه باتجاه هؤلاء الناس وهم ألف رجل وقال حينئذ شاهت الوجوه، فقد رمى حقيقةً، لكن هذه الرمية لم يكن لها بمقتضى الأسباب المادية أن تقع موقع التأثير لكنه سبحانه وتعالى الذي حمل ذرات هذا التراب فألقاها في أعين هؤلاء القوم فأصابتهم واحداً واحداً حتى طمست على أعينهم ولذلك قال الله تبارك وتعالى وَمَا رَمَيْتَ أي أنت لم تُقع التأثير لكن كان عليك أن تأخذ بالسبب كما أمرك الله تبارك وتعالى لأنك إذا لم تأخذ بالسبب لم يأتك المدد من السماء ولكن عليك أن تأخذ بالسبب وتعتقد أن التأثير حقيقةً هومن الله تبارك وتعالى، وحينئذ حسم الأمر في قلب هذا الغلام،
فأتى إلى المعلم يخبره الخبر فقال له هذا المعلم الذي كان سببا في هدايته قال: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد كان من أمرك ما قد رأيت وأنك ستُبتلى فإن أبتُليت فلا تدل علي، ثم يقول صلى الله علىه وسلم: وكان الغلام يبرىء الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء فسمع به جليس للملك – واحد من أفراد الحاشية – كان قد عَمِيَ فجاءه فقال: إنما هاهنا لك أجمع – وعده بهدايا كثيرة – كل هذه إلهدايا لك إن أنت شفيتني فقال الغلام: إني لا أشفي أحدا ولكن يشفي الله عز وجل، فأن آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله تعالى فدعا الغلام ربه له فشفاه الله تبارك وتعالى فأقبل على الملك وقد أتاه بصيرا وقد كان في اليوم الذي سبق كان يجالسه وهويفقد بصره، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: أولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، وحينئذ أراد الملك أن يعرف مصدر هذا التغيير،
يقول صلى الله علىه وسلم: فلم يزل يعذبه – هذا جليسه أو صاحبه المقرب وأحد أفراد حاشيته – حتى دلَّ على الغلام، فجِيء به إليه فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك أنك تبرىء الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال الغلام: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله عز وجل، فأخذه لكي يعرف مصدر هذه الهداية فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الراهب، فجِيء به فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشق به حتى جعل شقين – من رأسه لرجله قسمه نصفين – ثم جِيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى، ففُعل به مثل ما فُعل في الراهب، ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبَى، حينئذ قال الملك لجماعة من أصحابه: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل حتى تصلوا إلى ذروة الجبل فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه
فذهبوا به، فصعدوا به الجبل فقال الغلام: اللهم أكفينيهم بما شئت -فقط لم يقل غير هذه الكلمة – فرجف بهم الجبل – اضطرب، اهتز، تزلزل- فسقطوا من على الجبل وأتى الغلام سليما معافا حتى دخل على الملك فقال ما فعل أصحابك -الناس راحت فين- قال كفانيهم الله عز وجل، فدفعه مرة أخرى إلى جماعة من أصحابه – البر مش نافع نجرب البحر – .
قال فاذهبوا به فاحملوه في قرقور – مركب صغير – ثم توسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فألقوه فذهبوا به حتى توسطوا به البحر فقال: اللهم اكفينيهم بما شئت، فانكفأت السفينة فغرقوا وعاد حتى دخل على الملك فقال له: إنك لست قاتلي حتى تفعل ما آمرك به -أنا حاقول لك تعمل ايه – قال وما أفعل؟، قال: تجمع الناس في صعيد واحد -تجمع البلد كلها في مكان واحد – في صعيد واحد ثم تصلبني على جذع -جذع شجرة ويربطه عليه- ثم تأخذ سهما من كنانتي ثم تضع السهم في كبد القوس ثم تقول باسم الله رب الغلام ثم ترميني بهذا السهم فإنك إن فعلت ذلك فإنك سوف تقتلني.
فجمع الناس في صعيد واحد ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال باسم الله رب الغلام ثم رماه به فوقع السهم في صدغه – في خده – فوضع يده على موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فحينئذ قيل للملك ارأيت ما كنت تحذر؟ – كل اللي أنت بتعمله دا ليه؟ عشان خاطر الناس متؤمنش، يكتم الحقيقة عن الناس – قد وقع بك ما كنت تحذر قد آمن الناس، فأمر بأخدود في أفواه السكك فخلد – حفر كبيرة في الشوارع الكبيرة – ثم أضرم فيها النيران ثم قال لجنده من لم يرجع عن دينه فأحموه أوقال أقحموه.
فجعل الناس يتدافعون فى هذه النار حتى جائت امرأة بصبى لها صغير فخشيت على هذا الصبى فلم ترد له أن تقذف نفسها فى النار فقال لها الصبى يا أُماه اصبرى فإنكِ على الحق.
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم
الحمد لله وبعد وكما فعلنا فى المرةِ السابقة لنا أيضاً مع هذه القصة أو بقية القصة بعض وقفاتٍ:
أولُها قول الراهب أي بنى إنك اليومَ أفضل مني وإنك ستُبتلى هذا الراهب كان شخصاً نائياً عن مجتمعه مجتمع يغلُب عليه الكُفر والشركُ والظُلم والعُدوأن يحكُمه كما تبين لنا من هذه الحرائق ملكاٌ ظلوماٌ غشوم هذا الراهب لا يستطيع أن يعيش بدينهِ فى هذا المُجتمع لا يستطيع أن يُظهر إسلامه وسط هؤلاء القوم أو وسط هذا النظام لم يجد بدّاً أن ينحرف أويميل عن مجتمعه الى هذا المكان النائى البعيد لكى يستطيع أن يعبُد الله تبارك وتعالى لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا
لكن هذا الراهب كان صادقاً فى الله ولذلك وقعت كلماته فى هذا الغلام موقع التأثير البالغ العظيم وفوق ذلك وأعظم من ذلك أنه كان رجلاً مُخلصاً متديناً أنه لمن الصعوبة لما كان على معلم أوموجه أن يخبر تلميذه وهوالشاب الصغير الذى لازال فى مقتبل عمره بأنه يراه أعلى منه مكاناً وأعظم منه منزلة أن هذا يبلغ مبلغا كبيرا من صفاء النفس والإخلاص والتجرد من تعظيم الذات حقيقُاً بصاحبه أن يكون من أهل التوفيق ومن أهل التأثير ولذلك اُستحق هذا الفعل واستحق هذا الراهب أن يجعل الله عز وجل هداية كل هؤلاء الناس منهُ وبسببه وأن يجعل ثواب هذه الهدية راجعاً إليه فى ميزان حسناته عند الله تبارك وتعالى فالإخلص والصدق والتجرد والنصيحة هى العلة الأولى والخلق الأول الذى يكتب الله عز وجل به لعباده التوفيق والتسديد والرشاد
الأمر الثانى: يتعلق بما يمكن أن نسميه الصناعة الحقيقية، الصناعة الحقيقية للحياة، هذا الغلام امتن الله عز وجل عليه بأن جعله مجاب الدعوة هذه هى الخصيصة والفضيلة التى امتن الله عز وجل عليه بها أدركها واستشعرها وأحس بها حينما أخذ هذا الحجر حينما دعا الله عز وجل ورمى به هذه الدابة حينما أدرك هذه النعمة وكل منا قد منّ الله عز وجل عليه بنعمة، بل بنعم وفضله الله عز وجل عن غيره من الخلق بفضيلة بل بفضائل والإنسان عليه أن يكتشف هذه النعمة وأن يدرك هذا الفضل وأن يوظّف هذا الفضل فيما يرضي الله تبارك وتعالى
فهذا الغلام بعد ما ألقى هذا الحجر أدرك فضل الله عز وجل ونعمته عليه فماذا فعل كان يبريء الأكمه والأبرص ويداوى الناس من هذه الأدواء التى كانوا يعانون منها سخر طاقته وسخر منه الله عز وجل عليه فى إزالة الأدواء والآلام والمعاناة عن الناس، علاج الأمراض التى كان وربما لا يزال الطب عاجزاً عن أن يعالجها من جنس ما أتاه الله عز وجل لعيسى عليه السلام وَأُبْرِئُ إلاكْمَهَ وَإلابْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ لقد سخّر هذه الطاقة وسخّر هذه النعمة التى هى إجابة الدعاء من الله فى أن يجلب للناس الخير وأن يدفع عنهم الألم والضر وكان يوظّف ذلك فى توجيه الناس وإرشادهم إلى طريق ربهم تبارك وتعالى
فهويؤكد فى كل مرة أنه لا يصنع شيئا لا يفعل فعلا لكن الله عز وجل هو الذى يفعل هوالذى يؤثر هو الذى يشفى لذلك سخّر هذه الطاقة فى أن يرد الناس الى الله، ويربط القلوب بعلام الغيوب سبحانه وتعالى فكان سببا فى خير هؤلاء الناس فى الدنيا وفى الآخرة فهو يكشف عنهم الضر فى الدنيا ويوجهم إلى الله تبارك وتعالى الذى يحقق لهم السعادة فى الدنيا وفى الآخرة فهو طريق واحد؛ طريق السعادة فى الدنيا وطريق السعادة فى الآخرة هو طريق واحد على منهاج ربنا تبارك وتعالى ليست الدنيا بسبيل والآخرة بسبيل أخر
ليست السعادة فى الدنيا فى سبيل غير سبيل السعادة فى الآخرة وهو الله تبارك وتعالى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى فسبيل السعادة فى الدنيا هو باتباع رضوان الله تبارك وتعالى فهويسخر هذه الطاقة فى توجيه الناس الى الله وقد كانت هذه، وهذه فقط هى التى جلبت البلاءعلى هذا الغلام وعلى هذا الجليس وعلى هذا الراهب بل على الشعب بأكمله
قال الله عز وجل معقباً على هذة القصة وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلا أن يُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَأواتِ وَإلارْضِ ۚ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ،
النقطة الثالثة: أن راهباً وغلاماً وجليساً، ثلاث أفراد فقط جعل الله على أيديهم هداية أمة بأكملها، القضية ليست قضية العدد بل قضية القناعة قضية الإيمان، قضية الكيف لم يكن أبداً العدد أوالكثرة الكاثرة هى الشيء المؤثر وإنما التأثير فى حقيقة الإيمان وفى فعالية الإنسان وتفاعله مع هذة القيمة الإيمانية التى يؤمن بها فكان فعل الراهب وكان ثباته على دينه وكان فعل جليس الملك وكان ثباته على دينه،
وهذا رجل أمره عجيب، الراهب له تاريخ طويل مع الإيمان، أما هذا الجليس فليس له تاريخ طويل في الإيمان ولم يتعمق الإيمان فى قلبه بالقدر الكافى، لكنه حينما أدرك عظمة الله عز وجل حينما أدرك قدرة الله حينئذٍ لم يلتفت الى الوراء لم يعد إلى ما كان عليه رغم هذا التهديد وهو رجل من حاشية الملك يعلم حقيقة الملك وحقيقة بطشة وجبروته وله من المكانة ومن العز والسلطان ما ينبغى عليه أن يحافظ عليه لكنه آثر الآخرة على الأولى وآثر رضوان الله عز وجل على مراد وأهواء وشهوات هؤلاء الناس.
النقطة الأخيرة: متعلقة أيضاً بصناعة الحياة، المفهوم الواسع للحياة، نحن لو أخذنا هذا الحدث بمفهومنا الدنيوي الضيق الذى ليس فيه نظر للآخرة،
فى النهاية هذا الغلام قاد هذا المجتمع وقاد هذا الشعب إلى الهاوية، آخر هذا السبيل أو آخر هذا الإيمان هوالتحريق، هذا التحريق بنظرنا نحن هذه خسارة هذا انهيار للمجتمع هذه فى النهاية الخاتمة السيئة المفجعة لكن ربنا سبحانه وتعالى لم يقل هذا،
لماذا نحن نعتبر هذا هو الخاتمة السيئة المفجعة؟، لأننا ننسى أن هذه الحياة لها امتداد وأن صناعة الحياة، أن الحياة الحقيقية الحياة الكاملة هى الحياة فى الآخرة، وأن الحياة الدنيا إنما ينظر إليها من حيث إيصالها إلى معين الله ورضوانه ومن حيث إيصالها إلى الحياة الرغدة فى جنة الرضوان،
لذلك قال الله تبارك وتعالى وَأن الدَّارَ إلاخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَأن أى الحياة الحقيقية وَمَا هَـٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا لَهْووَلَعِبٌ ۚ وَأن الدَّارَ إلاخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَأن أى الحياة الحقيقية لَوكانوا يَعْلَمُونَ،
فإذاً لقد تمكن هؤلاء الثالثة حقيقةً من أن يصنعوا هذه الحياة ولذلك قال الله تبارك وتعالى معقباً أن الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ أن الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا إلأنهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ
إذاً النبى صلى الله علىه وسلم وهو يسرد ذكر لنا النهاية الدنيوية للقصة لكن ربنا عز وجل فى سورة البروج وهويعقب على هذه القصة ذكر النهاية الحقيقية للقصة ليس هذا هو الأخر، لأن هذا إذا كان الأخر سيصبح كل هؤلاء خسرانين والملك فقط هوالذى انتصر ولذلك هوسبحانه وتعالى يصحح لنا مفهوم الحياة، مفهوم القيمة فى الحياة،
إذاً هذا الغلام كان صانعاً حقيقياً لهذه الحياة سواءً بما كان يعطيه من نفع لهؤلاء، ومن أخذ بأيديهم وإزاله لآلامهم فى هذه الدنيا أو ما كان يوجههم إليه من خير ونفع وبر فى مستقبل أيامهم عند الله تبارك وتعالى
وهذا ماكان يفعله تماماً يوسف عليه السلام وتكلمنا عن هذا مراراً قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ إلارْضِ ۖ أني حَفِيظٌ علىمٌ تولى زمام هذه المهمة لكى ينقذ الناس مما سوف يعتريهم فى المستقبل من مصائب ومن ضوائق لكنه كان قادراً على أن يفعل ذلك وكان يعلم ماذا عليه أن يفعل تماماً لكى يخرج الناس من هذة الضائقة وكان يقرن إلى ذلك دعوة الناس إلى طريق الله تبارك وتعالى، لكنه لم يكن يجعل هدايتهم شرطاً فى أن يجلب لهم الخير ولذلك لم تكن عدم استجابتهم له سبباً فى أن يمنع عنهم علمه وفهمه وإدارته وحسن نظره، ولذلك قال الله تبارك وتعالى وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّـهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّـهُ مَنْ هُومُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم