Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

تربية النبي

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

 ثم أما بعد: يحكي البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللهُمَّ أَسْلَمْتُ نفسي إِلَيْكَ، ووجهت وجهي إليك، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، قال: فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ، فيقَولَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأحفظهن حتى أتيت إلى قوله: آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ الذي أرسلت، قَالَ: لا، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ.

 هذه الكلمات فيها وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لشاب صغير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوصيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول كلمات على هيئة معينة وأوصاه أن يختم بهذه الكلمات يومه، فإذا غادر الحياة على هذه الكلمات كان على الفطرة.

 حسناً، البراء، البراء رضي الله عنه حينما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة كان عمره عشر سنوات، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمه هذه الكلمات إما قبل أن يبلغ وإما في أوائل بلوغه، فيقول البراء: أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم رضي الله عنهما، يحكي الهجرة، فكانا يقرأن الناس القرآن، ثم قدم بلال وصهيب وعمار، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين راكب، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد حفظت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى في سور من المفصل، فيحكي البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء المدينة كيف استقبل أهل المدينة هذا الأمر، ويحكي أنه في هذا الوقت حتى مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، منذ أن جاء مصعب حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم كان قد حفظ بعض سور القرآن التي نسميها من قصار السور، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وسور أخرى.

 فيحكي هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه، النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه، يحفّظه ما يقول، وبعدما حفَظه ما يقول، يكرر عليه، يعيد عليه مرة أخرى كي يحفظ ما حفّظه إياه النبي صلى الله عليه وسلم، وحين عاد جاء في كلمة وغير لفظاً فيها فرجعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: لا، قال له لا تقول هكذا وقل هكذا، فإذاً عن ماذا يعبر هذا الموقف؟ هل يلقي كلمات للناس فقط؟ أم أنه يجلس مع شخص ويعلمه؟، يجلس مع شاب صغير ناهز البلوغ أو قد بلغ ويحفّظه ماذا يقول قبل أن ينام وكيف يقوله.

 حسناً، الحديث دون هذه المعلومات الإضافية هذه.. كيف يظهر؟ سيظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نصاً، توجيه عام وفقط، حسناً، وكيف نتناوله نحن؟ سنحضر كتاب الأذكار ونأخذ الجمل فقط، ” هيقولك أذكار النوم.. واحد اتنين تلاتة اربعة خمسة ستة سبعة تمانية تسعة عشرة ” وآخر ما تقوله من ذكر هي هذه الكلمات، حسناً، ما الفرق أن تقرأ كتاب الأذكار وبين أن تتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليمه؟ هناك أشياء كثيرة جداً لم تكن واضحة ستتضح، كيف يتعامل؟ كيف يعلم الناس الدين؟ كيف يلقنهم التوجيهات؟.

 فالآن النبي صلى الله عليه وسلم يجلس مع شخص يوصيه ويعلمه ويحفظه، فيقول له أنك حين تذهب إلى النوم توضأ أولاً، وبعد أن تتوضأ نم على جانبك الأيمن ثم قل هذه الكلمات، أول كلمة هي الاستسلام لله فنفسه أمانة لا يعلم هل سترد إليه روحه أم لا، قد يستيقظ وقد لا يستيقظ، يسلم نفسه لله، ويجعل وجهته لله، ويفوض أمره لله، ويضع ظهره ناحية ربنا، قال له أربعة جمل، أسلمت نفسي إليك، وجهت وجهي إليك، فوضت أمري إليك، ألجأت ظهري إليك، هذا هو الأمان، تضع ظهرك في منطقة آمنة لأنك ترى الذي أمامك ربما لا تستطيع أن تفعل معه شيء ولكنك ترى الذي أمامك، التوقعات واضحة في الذي أمامك، والذي ورائك؟ أنت لا ترى ما ورائك بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ۝ وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ الإحاطة هو أنك تصنع دائرة كاملة حول الشخص، ” الإحاطة مش محتاجة قدام وورا ” وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ” مفيهاش قدام وورا ” ، لكن ربنا يقول وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ لأن هذا المكان الأساس الذي يستشعر الإنسان منه الخطر الذي لا يراه، الذي تراه يمكن أن تحاول وأن تأخذ حذرك منه، قد تنجح وقد لا تنجح، قد تستطيع وقد لا تستطيع، لكن الذي ورائك؟ أنت لا تراه بالأساس لذلك دائماً يكون المستقبل مخيفاً، لماذا المستقبل يكون مخيفاً؟ لأننا لا نعرف ما الذي سيحدث بعد ربع ساعة، ماذا سيحدث غداً؟ ماذا يخبئه لك القدر؟ لا تعرف، لذلك يجب أن تقلق من الغد، لماذا تقلق من الغد؟ لأنه غيب محض لا تعرف عنه شيئاً، وفي كثير من الأحيان لا تستطيع أن تتوقع ماذا سيحدث غداً؟ لا تعرف.

 فماذا يقول له؟ يقول له: سلم نفسك لله، حسناً، هذا الكلام نستطيع أن نقوله، ولكن هل نستطيع أن نعيشه؟ هذا شيء وهذا شيء آخر، لأننا يمكن أن نقول، وهذا شيء عادي، ولكنك تقول شيئاَ وتؤمن به هذا أمر آخر، أو أنني استطيع أن أعيش مع هذا الكلام هذا أمر آخر، حسناً، لكي أنقل هذا الكلام وأصبح مؤمناً به احتاج أن أفكر فيه كثيراً، وإذا قلته، إذا قلته ولم أنم قبل أن أقوله، إذا قلته يجب أن أعرف ماذا أقول، ماذا أقول كي يصبح عندي مصداقية فيما أقول، لكي يصبح لدي الإنسان مصداقية فيما يقول، ويكون صادقاً فيما يقول، ويعني ما يقوله.

 [[ منذ زمن بعيد، خطب الشيخ طنطاوي رحمه الله خطبة طويلة في الازهر، والأزهر هذا هو أكبر مكان يجتمع الناس فيه كي يستمعوا للذكر فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ، قضى الخطبة كلها في الكلام عن عامل الكهرباء المهمل البليد، حينها كنت مستغرباً، قد جاءت الناس إلى خطبة الجمعة كي تكلمهم في ذلك ” عشان الميكروفون برضة.. فعمل الخطبة كلها على عامل الكهرباء المهمل البليد ” لكنني وبعد فترة طويلة أدركت أن هذا الرجل كان معذوراً فعلاً، كان معذوراً فعلاً، هناك أمور كثيرة قد تكون سهلة جداً ولكننا نجعلها أموراً صعبة جداً وأمور معقدة جداً، من السهل على الإنسان إن كان يفعل شيئاً صغيراً أو كبيراً أن يحاول أن يجيد أو يتقن أو يهتم أو يتابع، ولكن هذه هي مشكلتنا في كل شيء، ليس فقط في الميكروفون، في كل شيء، الاتقان، الإجادة، الاهتمام، المتابعة، لأن هناك شيء اسمه المسؤولية، وإن كان شيئاً صغيراً، أنت مسئول عن كذا فيجب أن تهتم به، لأنها أمانة، لأنها أمانة، إذا أدرك كل شخص مفهوم الأمانة ومفهوم المسؤولية وفعّل ذلك في الأشياء الصغيرة لابد أن يستشري للأشياء الكبيرة، هذا المفهوم لا يتجزأ، هذه مشاعر عند الإنسان أخلاق ثابتة ومستقرة عند بني آدم، أخلاق ثابتة ومستقرة، لا يصح أن يكون الشخص أمين في الأمر الصغير وخائن في الأمر الكبير، عنده اهتمام في الصغير وإهمال في الأمور الكبيرة، هذه منظومة لأنها تركيبة الإنسان، هذه هي مشكلتنا أننا لم نربي الإنسان، ولا ننوي أن نربي الإنسان، ولا نهتم بأن نربي الإنسان، هذه هي الأزمة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يربي الإنسان، لأنه تعلم ما معنى الرب ” احنا طول النهار كل لما نتزنق نقول يا رب ” ويجب أن نفكر ما معنى الرب، ما معناها؟ الرب الذي يربي، الذي ينقي، والذي يرقي، أنت تدعو أرحم الراحمين ومالك الملك، ذو الجلال والإكرام الذي يحب عباده ويغذوهم بنعمه، يحب عباده ويغذوهم، ما معنى يربيهم؟ ما معنى التربية؟ الذي يربي يفعل عدة أمور، أول شيء يوفر بيئة، ثاني شيء يمد بغذاء متناسب مع الحاجة كماً وكيفاً، والشيء الثاني أنه يداوي الأمراض ويدفع الآفات، ويراقب ويتابع، وكلما دعت الحاجة إلى مزيد من التغذية أمد عبده بالغذاء الذي يحتاج، هذه هي التربية، إن كنت ستربي دجاجة أو ستصنع بطارية أرانب ستفعل هذا، هذه هي التربية، إذا لم تنتبه أو تغافلت أو لم تهتم كل ما بنيته سوف يهدم، وستذهب كل الجهود السابقة هباءً وسدى، ليس لها أثر ولا نتيجة ولا فائدة ]] ” ” .

 فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعلم معنى الرب، وأدرك عظمة تربية الرب سبحانه وتعالى كان حريصاً أن يربي، والذي نقوله الآن هو جزء أساسي من التربية، الآن أنت تجلس مع شخص ما صغير في السن، ليس له كبير وزن في المجتمع ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي لكل شخص وزنه، من أين يأتي الوزن؟ يأتي الوزن بأنك أولاً تعطي للشخص قيمة، تجعله يشعر أن له قيمة، ثم تمده بالذي يبنيه ويرقيه، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال لطفل صغير لديه أربع سنوات يقول: يا أبا عمير ما فعل النغير، الكنية تقال للشخص الذي تقدره، إذا اردت أن تتكلم مع شخص بصورة من التقدير تقول له: يا أبو فلان، فالنبي صلى الله عليه وسلم يكلم ولداً صغيراً لديه أربع سنوات وبالتأكيد ليس لديه طفل يسمى عمير، هو لديه أربع سنوات وتوفى ولديه أربع أو خمس سنوات، ولد صغير.. ابن أبي طلحة رضي الله عنه ولديه عصفور صغير يربطه في حبل ويلعب معه، ومات العصفور وكان قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم مره وهو يلعب مع العصفور، ومات العصفور، فكلما رأى الولد الصغير ماذا يقول له؟ يقول: يا عمير ما فعل النغير؟ ما أخبار عصفورك؟ فيقول: مات يا سول الله، ثم يقابله مرة أخرى لأن النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى هذا البيت كثيراً ويزوره كثيراً فيرى هذا الولد كثيراً وكلما يراه يقول: يا أبا عمير ما فعل النغير؟، حسناً، ” يا أبا عمير ” هذه ماذا تثير في نفسية الطفل الصغير؟ إذا عاملته باقتدار أو تراه رجلاً وهو مازال لديه أربع سنوات سيكبر، إذا كنت تريده أن يكبر، الشيء الثاني أنك تعطيه الذي يجعله فعلاً يكبر، ما الذي يجعل الإنسان يكبر؟ أن تبني له عقلاً وتضع في قلبه أخلاق، فقط هذا هو الإنسان، ولذلك ماذا قال ربنا سبحانه وتعالى؟ قال: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ قلناها كثيراً، ما معنى أن يستخف أحداً؟ أن يجعله خفيفاً، وحين يصبح خفيفأ فمن السهل عليك أن تطيره، وكيف يصبح خفيفاً؟ بأن يصبح القلب خفيفاً وأن يصبح العقل خفيفاً ” ما انت بتملي فين؟ بتملي العقل علم وفكر ورؤية عشان الشخص يقدر يقيم أو يفكر ” ، والقلب يحشى بالإيمان والأخلاق الذي ينتج التهذيب والسلوك والتعامل الراقي، وعندما لا يوجد قلب أو عقل؟ انتهى الأمر، سيصبح عبارة عن كائن أجوف ليس بداخله شيء، تطيره بسهولة مثل البالون، إذا كانت البالونة بنفس حجمها كتلة صماء لا تستطيع أن تحركها من مكانها، فإذا أحضرت هذا البالون على ما عليه من كبر الحجم ثم أحضرت بِلية فما يكون الأرجح وزناً؟ البِلية الصغيرة، البالون هو مجرد بالون ينتهي بمجرد شكة دبوس، هذا الكلام لا يقال لنا هكذا.

 فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما يخصص من وقته لولد صغير كي يقول له ماذا يقول قبل أن ينام فهو يبني بداخله أشياء، وهذه الكلمات إذا فكرنا بها وكيف أنها تبني ارتباطاً بربنا سبحانه وتعالى، إسلام النفس لله، توجيه الوجه لله، ليس له غاية أو قبلة أو هدف يتوجه إليه إلا مرضاة الله، تفويض الأمر لله، ربنا سبحانه وتعالى هو الذي بيده الأمر كله، كل ما احتاجه أو ما أقلق منه أو ما أريد أن أفعله بيد ربنا، ربنا هو الذي يدبر، هو الذي يدير، وترتكن إلى الله رغبة ورهبة إليك، رغبة ورهبة إليك، رغبة في كل الخير التي خزائنه بيد الله، ورهبة من كل شر وأذى خزائنه بيد الله أيضاً، ثم يعقب فيقول: لا ملجأ ولا منجا، لا توجد هناك منطقة تستطيع الهروب إليها، ولا توجد منطقة تنجيك إذا لجأت إليها مما يريد الله إلا الله، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، لا ملجأ ولا مكان آمن من عقاب الله أو من عذاب الله أو من بطش الله أو من انتقام الله إلا بالجوء إلى الله إلا بالإنابة إلى الله إلا بالعودة إلى الله إلا بالفرار إلى الله، يقول له: إذا ختمت حياتك بهذه الكلمات فأنت على الفطرة، على حقيقة الإيمان، واجعلهن آخر ما تتكلم به، لا تقل كلام آخر بعد هذا الكلام.. حتى الذكر؟ حتى الذكر، لا تقول شيئاً، اختم يومك بمناجاتك مع الله بهذه الكلمات.

 هو أدرك أن هذه الكلمات عظيمة، لا يريد أن يقوم قبل أن يرسخها في قلبه، فيعيدها ويسمع والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه، فلما وصل عند ونبيك الذي أرسلك قال: ورسولك الذي أرسلت، قال له: لا لم أقل هذا، قال: قلت ونبيك الذي أرسلت، فما الفرق بين الأثنين؟، نحن قلنا أن النبي هو الرسول، لأنه نفس المعنى، فالنبي هو الرسول، لما قال له لا تقول هذا وقول هذا؟.

 أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

 الحمد لله رب العالمين، ما معنى نبي؟ ولماذا قال له لا تقول ورسولك وقل ونبيك؟ كلمة النبوة معناها العلو والارتفاع، النبوة هي الشرف العالي من الأرض، النبوة العلم والجبل الذي يهتدي به السائر، النبوة هي التجافي، فحين تقول النبي.. عن ماذا تتكلم؟ تتكلم أولاً عن شخص عالي القدر والمكانة والمنزلة، شخص عالي القدر والمكانة والمنزلة، لماذا سمى الله النبي نبياً؟ لكي يوصل لنا رسائل، أول شيء أن هذا الشخص رفيع في قدره ومقامه وخلقه ومنزلته عند الله، هذا أولاً، الشيء الثاني هو علم وضعه الله سبحانه وتعالى مثل الجبل، هذا الجبل، وضعه الله سبحانه وتعالى لنا علم لكي نهتدي به إلى الله، الشخص الذي يتجافي عن كل سوء وعن كل منكر وعن كل رزيلة، طاهر ومطهر ونقي، ولأنه نبي أرسله الله، فحينما تقول: ونبيك الذي أرسلت مختلفة عن قولك: ورسولك الذي أرسلت، إذا قلت: ورسولك الذي أرسلت أنت تتكلم عن شخص تعترف له بالرسالة لكن حينما تقول ونبيك الذي أرسلت أنت تعلل لماذا اختاره ربنا سبحانه وتعالى للرسالة وما وظيفته وما دوره الذي يقوم به وكيف تتعامل مع هذا، كل كلمة تقال لها غاية لا يصلح أن تحذفها وتضع مكانها كلمة أخرى.

 فنحن نتكلم عن النبوة، ونتكلم عن الإيمان بالنبوة، فأحببنا أن نقول ما هي النبوة بالأساس؟ أنت حينما تقول نبي، أو تقول صلى على النبي صلى الله عليه وسلم تعرف ما تقول، لماذا سماه الله نبياً؟ ولذلك هم يعرفون معنى النبي كمرتفع أو كجبل ولكنهم لا يعرفون النبي كإنسان، فحينما يقول لهم أن هذا نبي فهو سيترجم هذا على الإنسان فيفهم، عمرو بن عبسة رضي الله عنه يقول أنه حينما جاء مكة سمع أن هناك نبياً فجاء مكة ليبحث عنه، ووجده أخيراً بعد لأي وبعد صعوبة، فوجده أخيراً، فماذا يقول له؟ فماذا يقول لله؟ قال: ما أنت؟، لم يقل له من أنت؟ لأنه يعرف من هو، هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، هو يعرفه، فهو لم يقل له من أنت؟ يقول له: ما أنت؟ ” هو انت ايه؟ انت عبارة عن ايه؟ ” قال: نبي، والمفترض أنه يعلم نبي هذه في الجيولوجيا لكنه لا يعلم ما النبي؟، قال: وما نبي؟ قال: أرسلني الله، فالآن بماذا عرف نفسه؟ قال على نفسه أنه نبي لم يقل رسول، فقال له: ما نالبي؟ قال: أرسلني الله، فهو حينما يضع هذه بجانب هذه سيترجم معنى النبي وبالتالى سيعلم لماذا أرسله الله؟ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ فكلمة نبي هذه هي التعليل لكمة الرسول، فالرسول هو الذي يحمل رسالة الله إلى لناس، لماذا اختاره الله؟ لأنه نبي، لماذا اختاره الله؟ لأنه نبي، فحينما يصبح نبياً حينئذ يصلح أن يكون رسولاً، فحينما يصبح نبياً حينئذ يصلح أن يكون رسولاً.

 حسناً، ما الذي استفدانه اليوم؟ المفترض أن يكون أمرين، الأمر الأول أننا نعرف حينما نقول نبي أو يرد معنا كلمة نبي أو نقرأ في القرآن أو نسمع كلمة نبي نعرف ما الذي تدل عليه هذه الكلمة، وكما قلنا في المرة السابقة أنه على أي أساس يجتبي ربنا سبحانه وتعالى ويصطفي أحداً وأن اختيارات ربنا سبحانه وتعالى ليست عشوائية، مبنية على علم وعلى حكمة، وأيضاً مبنية على رحمة، حسناً، ما نصيبنا من هذا الكلام؟ فأنت لا تستطيع أن تكون نبياً بالطبع ولكن لتدرك أن المعيار في الترقي عند الله هو هذا المعيار، لأنني إذا أحببت أن أرتقي وأكون بمنزلة المؤمنين، أحببت أن أرتقي وأصبح من منزلة الصالحين، آمل أن أرتقي وأكون من منزلة الأبرار، ربنا سبحانه وتعالى يمن على العبد فيجعله من المقربين، ما الذي يصعد بالإنسان؟ ما الذي ينقله من درجة إلى درجة؟ أو من مرحلة إلى مرحلة؟ ما الذي يرفع من قدر الإنسان أو يقربه منه سبحانه وتعالى؟ ما هو؟ هناك أشياء تفعل، وأشياء تبنى، وبها يخفض ربنا سبحانه وتعالى ويرفع، والميزان بيد الرحمن يرفع أقواماً ويخفض أقواماً آخرين إلى يوم القيامة.

 قدم سيدنا عمر إلى مكة، كان قد أتى من مكة متوجهاً إلى المدينة فلقيه عامله، الأمير الذي ولاه على مكة، خرج يستقبله خارج مكة فاستنكر عمر عليه ذلك الفعل رغم أنه لم يخرج كثيراً أو ذهب إلى المدينة فهو قد خرج أميال قليلة خارج مكة كي يستقبله، فيقول له: كيف تخرج وتترك مسؤوليتك؟، قال: من استعملت على أهل الوادي؟ ” خلي بالك هو هيطلع كام ميل بس كده يستقبله ” ، فيجعل شخصاً يخلفه إلى أن يرجع ” أصل هو هيحصل ايه يعني؟ ” فهو ذاهب ليستقبل سيدنا عمر ويأخذه ويرجع به إلى مكة، فسأله سيدنا عمر.. قال: من استعملت على أهل الوادي؟ قال: استعملت عليهم ابن أبزى، وسيدنا عمر لا يعرفه، قل: ومن ابن أبزى؟ قال: مولًى من موالينا، قال: واستعملت عليهم مولًى؟ مكة هي أشرف بلاد ربنا سبحانه وتعالى تستعمل عليهم مولًى؟ قال: يا أمير المؤمنين أنه حافظ لكتاب الله عالم بالفرائض، أي المواريث، إذا مات أحد يستطيع أن يتصرف إذا غاب الأمير، فاستخلفه لأنه حافظ لكتاب الله ولعلمه بالفرائض، فماذا قال سيدنا عمر؟ قال: ألا إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عزوجل يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين، يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين، يرفع ويخفض بموازين، بعلم وبحكمة، هذا أولاً، من يريد أن يرفع ربنا سبحانه وتعالى من قدره هناك أشياء يجب عليه فعلها.

 النقطة الثانية، كيف كان يعلم النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكيف كان يربي؟، كيف يعلم؟ وكيف يربي؟، وكيف كان يهتم بالناس؟ وكيف كان قريب منهم؟ الأمر ليس اعتباطاً، هو يحضر شاباً صغيراً ويلقنه أشياء سيقولها قبل أن ينام لا يلقنه شيئاً خاصاً به، كلام سيقوله قبل أن ينام ويصبر عليه كي يحفظه، ويعيد عليه الأمر وحين يعيد يخطأ فيصحح له، ويقول كلام ليس مطابقاً لما قاله فيضبطه ويستدرك عليه ويرشده ” هو بيتعامل كده، عشان كده هما طلعوا كده ” ، نحن كثيراً ما نتكلم عن الصحابة وقدرهم ” ايوه إزاي؟ إزاي؟ الكلام دا اتبني إزاي؟ ” ما قدر الجهد الذي بذل فيه لكي يحدث شيء؟، قلنا قبل ذلك كثيراً.. ماذا تقول السيدة عائشة؟ تقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي معظم صلاة القيام في أواخرعمره جالساً، لا يصلي قائماً ولكنه يصلي وهو جالس، قالت: بعدما حطمه الناس، وكان قد توفى وعنده ثلاثة وستون عاماً، لم يكن شيخاً كبيراً ” وفي الزمان ده أقل بكتير، احنا عندنا المواطن دا اضربه في اتنين في تلاته بالنسبة لأي حد في العالم المعاصرة فمابالك بالناس القديمة؟ ” ، ومع ذلك تقول أن قدماه لا تحمله، لماذا؟ انظر للفطنة والفهم والدراية والإدراك، بماذا تعلل؟ تقول: بعدما حطمه الناس ” الناس بهدلوه ” أفنوا شبابه حتى صارت قدمه لا تحمله، لذلك الدين موجود إلي يومنا هذا، لذلك الدين موجود إلى يومنا هذا الذي لا نستطيع أن نحافظ عليه، لذلك هو موجود إلى يومنا هذا، ” وهي مش هتمشي تبخير برضو.. مش هتمشي كده ” ، هناك أشياء قد فعلت، وأشياء قد بذلت، وجهد وإخلاص وحرص فحدث شيء، فقام شيء، فربنا سبحانه وتعالى حينما يصطفي أحداً فإنه يصطفيه بعلم ويصطفيه بحكمة، وباب الاصطفاء هذا مفتوح وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ.

 حسناً، من يكون أهلاً لاختيار الله؟ من يكون أهلاً لاختيار الله؟ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قلنا أن من معاني نقدس لك أننا نطهر أنفسنا بالعبادة والطاعة لكي تصلح أن تكون محلاً للإيمان، الإنسان ينقي قلبه لكي يصلح لاستقبال النقاء والطهارة، فما شكل الوعاء الذي استقبل به؟ لكي يرضى عنه ربنا ويجعله محلاً للإيمان الذي هو أطهر شيء وأنقى شيء وأصفى شيء، يجب أن أطهر هذا الوعاء وأغسله، يصلح أن يحل ربنا فيه إيمانه، هذا شيء ضروري، هذا شيء ضروري، فلكي يرتقي الإنسان يجب أن يعرف طريق الرقي ويدرك حكمة ربنا وعظمة ربنا.

 فعندما نتكلم عن الأنبياء نكون على علم بمن نتكلم عنهم، نعلم قدرهم ونعلم مكانتهم، ونعظمهم حق تعظيمهم وبالتالى نؤمن بهم حق الإيمان ونقتدي بهم حق الاقتداء ونجلهم حق الإجلال ونقتدي بهم كما أمر الله ونستن بهم كما أمر الله.

 اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

 اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذّبنا فأنت علينا قادر والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين.

 أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.