الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم إلى يوم الدين.
ثم أما بعد:
كنا في حديث عن النبوة، نتحدث عن معنى الإيمان وعن حقائق الإيمان لأن الإيمان هو الأساس لكل خير وهو السبيل للطمأنينة والسكينة وهو الطريق الموصل لمرضاة الله عزوجل، نتحدث عن حقيقة الإيمان، وشرعنا في الكلام عن الإيمان بأنبياء الله ورسله، وتكلمنا عن داوود عليه السلام، كيف يؤمن العبد المؤمن بالنبيين حق الإيمان، وأن الإيمان ليس مجرد أن يعرف الإنسان معلومة أو معلومتين أو يدرك مسألة أو مسألتين، أو يعرف شيئاً عن أسماء الأنبياء أو عن تاريخهم، ليس هذا هو الإيمان، الإيمان شيء أعظم وأعمق من هذا بكثير.
حينما يذكر الله تبارك وتعالى لنا نبياً من الأنبياء إنما ينصب لنا قدوة من القدوات، نقتدي سبيله ونسلك دربه، هكذا قال الله تبارك وتعالى أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتده قال تعالى مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ بين الله تبارك وتعالى لنا علة ذكر أخبار الأنبياء والرسل ولم يتركنا نخبط خبط عشواء وإنما قال لنا أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهم وأن يحذو حذوهم.
علام يتوقف الاقتداء؟ يتوقف على شيئين، الأول هو أن أعرف، والثاني أن أحاول أن أطبق وأحاكي وأقرب، وإن لم أعرف؟ كيف اقتدي بشخص أنا لا أعرفه؟ وإن عرفت هل تكفي المعرفة وحدها بأن اقتدي به؟ أم يجب أن أنفذ وأسلك الدرب وأعمل على هذا السنن؟ هذا هو الاقتداء.
تكلمنا الجمعة السابقة عن معنى كلمة نبي، لكي أقول أنني أؤمن بالنبيين يجب أن أعلم قدر هذه الكلمة، وذكرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم البراء بن عازب رضي الله عنه ذكراً يقوله حينما يسلم نفسه للنوم، فماذا يقول في آخر الذكر؟ يقول: آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، فالبراء بن عازب رضي الله عنه وهو يريد أن يحفظ النص أعاده على رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي يتأكد أنه حفظه بشكل صحيح، وعندما جاء في آخر الحديث قال: ورسولك الذي أرسلت، فأوقفه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: لا، وإنما ونبيك الذي أرسلت، قلنا ما الفارق؟ لأن الرسول هو النبي، لماذا أوقفه وقال له: لا، لا تقول هكذا وقل ونبيك الذي أرسلت.. لماذا؟ أول شيء يجب أن ندرك أن كل كلمة موجودة في كلام الله أو كل كلمة موجودة في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما وضعت في محلها الدقيق، لا تستطيع أن تمحو كلمة وتضع مكانها كلمة أخرى، لا يصح أن تغير جملة وتبدلها بجملة أخرى، هذا أو شيء، لا يصح ذلك، كل كلمة موضوعة في مكانها بدقة.
قلنا ما الفرق بين أن أقول ورسولك الذي أرسلت وونبيك الذي أرسلت؟ قلنا أن هذا يتوقف على أن نعرف ما معنى النبي، وقلنا أن ربنا سبحانه وتعالى كان يخاطب أناس يخاطبون بلسانهم قال تعالى بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ يترجمون ما يقال لهم، فقلنا أنك إذا ذكرت كلمة النبوة التي يشتق منها النبي، عندهم هذه الكلمة تعني أشياءً، تعني معنى العلو والارتفاع، معنى الشرف من الأرض، أي قطعة الأرض المرتفعة، معنى التجافي ومعنى الإقامة، والنبوة هذه تطلق على الجبل الذي يهتدي به الناس في معرفة سبيلهم وطريقهم، هذا شيء معروف، فأنت حينما تقول لهم النبي أو النبوة سيعرفون ذلك، ولكن لن يفهموا معنى ذلك على الإنسان، يعرفون هذا كما قلنا في تعريفهم للجيولوجيا، وعلى الإنسان؟ فحين يقال لهم أن هذا الشخص يقال له نبي، هذه الأوصاف يتصف بها إنسان، شخص عالي القدر والمكانة، رفيع الصفات متّسم بالشرف، يتجافى عن المعصية وعن الفحشاء وعن المنكر، مقيم على مرضاة الله، يهتدي به الناس في طريقهم إلى رضوان الله، فحين تقول كلمة نبي تعرف لماذا قد سماه ربنا سبحانه وتعالى نبياً؟ فحين أقول ونبيك الذي أرسلت على هذا المعنى أفهم أن النبي المقدمة والرسول النتيجة، لما كان نبياً استحق أن يُصطفى رسولاً، فلهذه الصفات ولهذه السمات ولهذه الأخلاق استحق أن يصطفيه الله فيجعله رسولاً لله إلى عباد الله يبلغهم رسالات الله، فلما يقول هذا نعرف لماذا يقوله، فلو كانت نفس المعنى فلا حرج أن يقول أياً منهما وهو لن يشق عليه، فحين يوقفه ويرجعه ويقول له لا لم أقل كذا وقلت كذا فنعرف لماذا هذه الكلمة، فحين تقول أنني آمنت بنبي يجب أن تفهم هذا الكلام؟ ثم هذا الكلام ينطبق بعد ذلك على كل نبي، لكن السمة المشتركة بين الأنبياء هي هذه المعاني، لن يدخل الشخص في منزلة النبيين أو يصطفى ليكون من النبيين إلا إذا كان فيه هذه الأوصاف التى توجد في أصل الكلمة التى اختارها الله لكي يميز بها النبي.
هذه أول نقطة، ثم تكلمنا عن شيء آخر حول هذا الموضوع، قلنا هنا في هذا الموقف أن البراء شاب حدث صغير في السن، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلمه ويلقنه هذه الكلمات، حسناً، ماذا نستفيد من هذا الكلام؟ إضافة للشاهد الأصلى وهو ما معنى النبي؟ ولماذا يسمى نبياً؟ أنه كيف كان يهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعلم؟ وماذا يعلم؟ هنا يعلم ذكراً، هنا يعلم ذكراً، يقول لشخص يحفّظه ويلقنه كلمات ويستعيدها منه كي يتأكد أنها استقرت بداخله، هذه الكلمات يناجي بها ربنا حين ينام، فإذاً ما الأشياء التي كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليمها بعمق ويحاول أن يوصلها للناس بعمق؟ كيف تذكر ربنا وكيف تعبد الله، ماذا يقول سيدنا ابن مسعود؟ يقول: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه، ” علمني التشهد ” هذه مفهومة، انظر إلى ” علمني ” كما في حديث البراء، ” علمني ” ، جالس مع شخص كفه بين كفيه، ماذا تعني كفه بين كفيه؟ معناها أنه قريب جداً جداً منه، وهو جالس أمامه والنبي صلى الله عليه وسلم يضع كف ابن مسعود بين يديه ويجلس يلقنه كلمات التشهد، ماذا يقول بالضبط حينما يجلس ليحي ربه تبارك وتعالى ويقدسه، ما الذكر الذي سيقوله في نهاية الصلاة بالضبط، ماذا يقول بالضبط؟ سيجلسه أمامه ويضع يده بين يديه ويلقنه الكلمات، كان يعلم هكذا صلى الله عليه وسلم، وماذا يعلم؟ أو ما الذي يركز عليه؟ كيف نعبد ربنا؟ كيف نذكر الله؟ حسناً، وحين يعلم هيئة الصلاة؟ يقول: صلوا كما رأيتموني أصلى، فإذاً على ماذا يركز؟ على هيئة الصلاة الفعلية، يركز على هيئة الصلاة القولية، لأن أصل العبادة الكلمات التي تناجي بها ربنا، الفعل في الصلاة تابع للقول وليس العكس، ما الذي يعطيه اهتماماً كبيراً وما الذي يعطيه اهتماماً أقل؟ يهتم بالأساس.. كيف تذكر ربنا سبحانه وتعالى؟ كيف تناجي ربنا سبحانه وتعالى؟ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبرُ أعظم شيء في الصلاة هو الذكر، هي التي تقيم ذكر ربنا سبحانه وتعالى وتعظيمه في قلب الإنسان، فهو يركز على هذا الأمر، ويعلم هذا الأمر، ويلقن هذا الأمر، بتعليم شخصي، وهو كان مشغولاً ولم يكن فارغاً ” مكانش بيعلم بطريقة السنتر، يلم ناس كتير كده في قاعة ويبتدي يكلمهم، مكانش بيعلم كده ” ولذلك كان تعليمه مؤثراً، وكان مثمراً، ولذلك كانت الناس تحبه وتتعلق به لأنه أعطاهم وأعطاهم كثيراً، أعطاهم وأعطاهم كثيراً، لم يدخر عنهم شيئاً في أي أمر.
يقول جندب بن عبد الله: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، شباب صغير أربعة عشر وخمسة عشر وستة عشر عاماً، يقولون: كنا معه، ونقف برهة مع كلمة ” مع ” ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة فتعلمنا الإيمان، علمهم ماذا؟ علمهم الإيمان، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً، نحن كنا معه وكان يعلمنا، ماذا يعلمهم؟ أول شيء علمهم الإيمان وبعد أن علمهم الإيمان علمهم القرآن فلما تعلموا القرآن هذا القرآن جعل الإيمان الذي تعلموه من قبل في ازدياد، ازداد رسوخاً وثباتاً ويقيناً، هو كان يعلم هكذا.
مالك بن الحوريث رضي الله عنه يقول: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، شباب صغير، الأولون أربعة عشر وخمسة عشر عاماً، وهؤلاء سبعة عشر وثمانية عشر عاماً، فأقمنا عنده عشرين يوماً، هؤلاء قد بعثهم أهلهم ” بعتين شباب صغير، دي بعثة ” ، لماذا أرسلت هذه البعثة للمدينة؟ لكي تتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أصول الدين، أتيناه ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة، وماذا قال مالك بن الحويرث؟ يقول: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رقيقاً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رقيقاً فظن أن قد اشتقنا أهلنا، كم بقي مكوثهم هنا؟ عشرون يوماً ” بقالهم معاه عشرون يوماً ” ، عشرون يوماً مع من؟ مع من يقيمون؟ ومع من يتعلمون؟ ويتربون على يد من؟ ولكنها طبيعة الإنسان، بعد عشرين يوماً شعر أنهم قد اشتاقوا إلى أهلهم ويريدون أن يعودوا لهم، عشرون يوماً وليست عشرون سنة، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، ماذا يقول قبل ذلك؟ ” كان رحيماً، رقيقاً ” هذه المشاعر وهذه الرقة وهذه العاطفة هي من جعلته يشعر بهم فهم لم يبدو عليهم شيء ولكنه شعر أنهم يأملون أن يرجعوا إلى أهلهم، فسألنا عمن تركنا ورائنا من أهلها، فهو حينما شعر أنهم اشتاقوا أن يرجعوا إلى بلدهم بدأ يكلمهم عن المكان الذي تركوه وعن أهلهم وطبيعتهم وصفاتهم ” ودا عنده كم أخ ودا عنده كم اخت ودا أبوه شغال ايه ” وبعد ان سألهم هذه الأسئلة ماذا قال لهم؟ قال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم، أعطاهم من وقته ومن جهده ومن تركيزه، ولكن بنفس الوقت هو لن يركز على مجرد أن يعلم.. هم أناس، أحاسيسهم ومشاعرهم، مدى مستوى استقرارهم النفسي، عشرون يوماً اعتبرهم غربة، النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر العشرين يوماً هذه غربة والغربة هذه شيء صعب، وليس سهلاً أن يتحملها الإنسان، هم يفعلون أفضل شيء يمكن أن يفعله الإنسان، وأشرف شيء يمكن أن يتعلمه الإنسان، وأعظم وظيفة يمكن أن يقوم بها الإنسان، هؤلاء سيصبحون رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهليهم لكي يهدوهم إلى ربنا ويعلمونهم كلام ربنا، يحتاجون أن يمكثوا أكثر من ذلك، لن تكفي عشرون يوماً ” انت لو باعت واحد بعثة اربع سنين بيجي مش عارف حاجة، عشرين يوم ميقضوش لحاجة ” ، ولكن عشرون يوماً منه، عشرون يوماً من تعليمه، عشرون يوماً من تربيته هذا أمر كبير وليس صغير، ليست بالمدى الزمني ” مين بيعمل ايه؟ ” والبركة التي يعضها ربنا سبحانه وتعالى والنية الموجودة عند الإنسان والحرص الموجود عند المتلقي، هذا يجعل الوقت القليل كبيراً، فبعد عشرون يوماً قال لهم : ارجعوا إلى أهلكم فأقيموا فيهم، فهذا الشيء الطبيعي لأن الغربة ليست أمراً مرغوباً، الغربة هي ضرورة والضرورة تقدر بقدرها، النبي صلى الله عليه وسلم قال: السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه فإذا قضى أحدكم نهمته – حاجته من السفر – فليعجل إلى أهله، هذا أمر طبيعي، الغربة شيء صعب وليس سهل، الغربة عبء وعذاب، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لهؤلاء الشباب الذين بقوا عشرين يوماً ارجعوا إلى أهلكم فأقيموا فيهم، وماذا سيفعلون؟ لأن هناك واجب سيأدوه ” هما مش هيعدوا يرازو الناس ” ، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم، حسناً، الأقرأ أم الأكبر؟ لماذا قال هنا الأكبر؟ لأن مستوى تعليمهم واحد، ومستوى قرآنهم واحد، جاءوا سوياً وغادروا سوياً، حفظوا نفس الآيات وتعلموا نفس التعليم، فبما أن مستواهم في المعرفة والعلم والقرآن واحد فأصبح معيار التميز إذا استووا في القرآن وفي العلم هو من الأكبر سناً، ولذلك قال هنا: وليؤمكم أكبركم، هكذا كان يعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا كان يربي، نحن قلنا قبل ذلك كثيراً أن سيدنا ابن عباس وهو يقول أنه كان رديفاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ” مش رديف بتاعة الجيش ” ، كان رديفاً له على حمار، فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ هو ذاهب إلى منطقة معينة في المدينة وهذا ابن عباس ولد صغير يبلغ أحد عشر أو اثنا عشر عاماً يركبه وراءه ليذهب معه، يستثمر كل لحظة، قال : يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، ما هي الكلمات؟ ماذا كان يعلم؟ هذا هو الموضوع.. ما هي الكلمات؟ نحن قلنا في حديث البراء ماذا يعلمه؟ وماذا يلقنه؟ قال له توضأ وضوئك للصلاة واضجع على شقك الأيمن، ثم يقول ماذا؟ ما أول شيء يعلمه إياه؟ اللهم أني أسلمت نفسي إليك، ثاني أمر: وجهت وجهي إليك، ثالث أمر: فوضت أمري إليك، رابع أمر: ألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، حسناً، وماذا يعلم سيدنا ابن عباس؟ احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللهَ، إِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع اليسر يسراً، ماذا كان يعلّم؟ كان يعلّم هذا، كان يعلم هذه الكلمات، كان يلقن هذه الكلمات، كان يزرع الكلمات في القلوب، وما هي هذه الكلمات؟ علاقتنا بربنا، صلتنا بربنا، مدى ارتباطنا بربنا، قدر تعظيمنا لربنا، مدى لجوئنا لربنا، مدى ثقتنا فيه، هو كان يعلم هذا، ماذا نتعلم نحن؟ هذا هو السؤال، هو كان يعلم هذا وبهذه الطريقة، ولم يكن يعلم في فصل، لم يكن يعطي كلمات عامة ” واللى يتصيبة تصيبة ” لا، كان يعلم ويلقن ويقرب ويدني منه لأنه يزرع، ما الذي يزرعه؟ ” لازم نعرف هو كان بيعلّم ايه واحنا لو بنعلّم بنعلّم إيه وهو تعليمه أثمر إيه واحنا تلقينا بيثمر إيه ” ، وفي النهاية ما الذي ننويه.
أقول قولي هذا واستغفر الله.
الحمد لله رب العالمين، وصلنا إلى قوله إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ الآن من المفترض حين نقول أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لهم حين نقرأ لِنَبِيٍّ لهم سيكون معناها مختلف عن آخر مرة قرأناها من أسبوعين، من أسبوعين لِنَبِيٍّ لهم ” يعني صلى الله عليه وسلم وخلاص ” الآن المفترض لِنَبِيٍّ لهم هذه لها معانٍ، لها معانٍ يجب أن نقف عندها، لِنَبِيٍّ لهم ستساوي مجموعة أشياء موضوعة بجانب بعضها البعض حين تراها تدرك طبيعة الشخص المخاطب وقيمته، ما أهمية الرسالة والنبوة في الحياة؟ مدى نعمة ربنا على الناس حين يبعث لهم نبياً، رجل عظيم جداً، رحيم جداً، رقيق جداً، وحكيم جداً، يحاول أن يأخذ بأيديهم إلى ربنا سبحانه وتعالى.
حسناً إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لماذا؟ الآن هؤلاء أناس كانوا في إيمان وفي طاعة وفي خير ثم غيروا وبدلوا فأصابهم ما أصاب المغير والمبدل ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ هم غيروا وبدلوا وأعرضوا وأدبروا فأصابهم ما ينبغي أن يصيبهم، لكن ما ينبغي أن يصيبهم بقدره؟ لا وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ربنا لا يحاسبنا على قدر ما نستحق ربنا سبحانه وتعالى أرحم من ذلك بكثير، هذه مجرد تنبيهات لكي نستيقظ، لكي نتوب لكي نرجع إذا أحببنا أو نوينا أن نرجع.
حسناً، هم يقولون وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ومعهم النبي؟ ومعهم النبي؟ أجعل.. أي أنهم في هذا الوضع البائس الذي يشتكون منه.. ومعهم النبي؟ أجل ومعهم النبي ” أصل هو النبي دا هيجبوه من حته؟!! ” إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لهم يجلس معهم، ولماذا يجلس معهم؟ هم الآن في هذا الوضع لماذا يجلس معهم؟ ما الصنيع الذي يصنعه النبي مع هؤلاء الناس؟ لأن الواضع من القصة أنهم هم الذين جاءوا وقالوا له أننا قررنا أن نذهب، فلما قالوا له سنذهب قال: هل أنتم متأكدون من أنكم تريدون الذهاب؟ ماذا يصنع؟ ما وظيفته في هؤلاء الناس؟ فمثلاً النبي يعيش مع أناس طائعين.. هذه مفهومة، مع أناس لديهم مشاكل ويقودهم.. هذه مفهومة لكن ماذا يفعل في هذا الوضع؟ ” أد إيه رحمة ربنا سبحانه وتعالى بالناس ” أنه برغم كل شيء، رغم أنهم ربما لا يستحقون أي شيء لم يسلب منهم نعمة النبوة، لم يسلب منهم أن يكون هناك أحد يهديهم لربنا فربما يريد شخص أن يعود إلى ربنا سبحانه وتعالى ربما يفكر في أن يعود، ربما يفكر في التوبة، في نفس الوقت بالرغم من كل شيء، مهما كان وضعهم لا يقدرون أن يستغنوا عن النبي، يجب أن يكون هناك من يذّكر دائماً، شخص يذّكر الناس بربنا وإن كانوا معرضين قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فبالرغم من أنهم لم يكونوا يستحقون ذلك وكانوا معاقبين، ومع ذلك لم يحرمهم ربنا سبحانه وتعالى من نعمة أن يكون بينهم نبي يهديهم ويرشدهم ويذكرهم ويقيم حياتهم على النقص الذي فيها، ” ما هو دلوقتي على اللى هما عملوه واتعاقبوا، محتاجين يصلوا، محتاجين يصوموا، محتاجين يتصدقوا، محتاجين حد يحل مشاكلهم، محتاجين حد يسمع شكواهم محتاجين حد يفصل مابينهم، محتاجين حد يقضي في مشاكلهم، لازم يكون النبي موجود، لازم يكون النبي موجود ” ولذلك ماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ يقول: العلماء ورثة الأنبياء، لأنه الآن لا يوجد نبي، يجب أن يكون هناك من يقوم بوظيفة النبي وإن كان المجتمع معرضاً وإن كان المجتمع بعيداً وإن كان المجتمع لا يريد أن يسمع وإن كان المجتمع لا يعنيه ربنا ولا تعنيه الآخرة ولا يشغله الدين تماماً، وإن كان كل ذلك.. لأن ربنا سبحانه وتعالى يقول هنا أنه جعل نبي من بينهم، هذا النبي كان موجوداً وليس واضحاً في الكلام أنه كان يسوقهم إلى منطقة معينة لأنه يرى أنه لا يصلح أن يساقوا إلى منطقة معينة، لأن المفترض أن يكون واجبه هو أن يسوقهم لاستعادة الأرض المقدسة، هو لم يكن يفعل هذا وهذا واضح من السياق، لم يكن يفعل هذا، ولكنه كان يفعل الأهم من هذا، أين مشكلتهم؟ نحن بعدنا عن ربنا فأصابنا هذا الأمر، إن لم نتب إلى ربنا فعلاً واستعدنا الإيمان فعلاً وأطعنا ربنا فعلاً لن نقدر أن نمتثل أوامر ربنا ولا نتحمل ما يأمرنا به ربنا، ولا نقدر أن نكمل السير في سكة أرشدنا إليها الله، كيف تبني؟ هل تبني على الهواء؟ هو يبني البناء الذي من المفترض أن يبنى، يبني البناء الذي من المفترض أن يبنى.
فهم قرروا أن يغيروا حياتهم بعدما سأموا منها، فماذا يقولون له؟ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ حسناً، من أين أتوا بــنُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ منه، فهذه جمّله، هم الآن سيأتون إليه ويتغنون بجمّله، ” مهو دا شيخ بقى، بتاع الجمل دي، خلاص يا مولانا قررنا نتوب واحنا عايزين نقاتل في سبيل الله، هتلنا ملك، الجو دا احنا حفظينه، مش أي جملة تروح يمين وشمال، براحة يا جماعة ” قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فإذاً هم كانوا يريدون أن يفعلوا شيئاً، هو يرى أن هذا الشيء ليس في وقته، ويرى أنهم غير مؤهلين لهذا الكلام، غير مؤهلين لهذا الكلام، حسناً وماذا يفعل هو؟ فمن الطبيعي أن يكون له وظيفة، لأنه نبي ليس كمثلنا، هذا نبي يمتثل لأوامر ربنا له ويعمل الواجب المطلوب منه أن يفعله، ماذا كان يفعل؟ لأنه بالطبع كان يفعل شيئاً، إذا كانت هذه الجمل لم يقتنع بها فالطبع كان يفعل شيئاً قبلها ويرى أن هذا الكلام ليس واقعياً ويرى أن حالهم لا يتماشى مع ما يقولونه ” فيجماعة بلاش الحبة دول ” ، ولذلك رأينا أن رأيه كان هو الأصح، رؤيته كانت أصح، هو يفهم جيداً، خبير بالناس، يعرف الناس جيداً، لأنه يلابسهم ويعاشرهم ويعلم كيف تسير الدنيا، فبرغم أنهم لا يستحقون شيئاً، بالرغم من أنهم كانوا في عقوبة لكن ربنا سبحانه وتعالى رغم ذلك لم يسلبهم نعمة النبي.
وبعد ذلك، في أثناء هذا الصراع ربنا سبحانه وتعالى اصطفى من بين هؤلاء الناس شاب صغيراً، واصطفاه واجتباه لكي يعطيه النبوة والملك، هم الآن كان عندهم نبي فقالوا للنبي نحن نريد ملكاً، ولكن لماذا لا يكون النبي هو الملك؟ لما لا يكون هو القائد؟ هذا الامر الطبيعي، النبي شخص ليس به نقص، والشخص الذي ليس به نقص لماذا لا يكون القائد الذي يقودهم؟ فإذاً ربما يكون الموجّه شيء، والمربي شيء آخر، والمعلم شيء، والقائد شيء آخر، والمدير شيء آخر، هذا شيء وهذا شيء آخر، ففي النهاية هذا موضوع وهذا موضوع، من الممكن أن تكون نبياً ولكن لا يشترط أن تكون القائد، هذا له مواصفات معينة ” بس القائد دا بيمشي كدا؟ لأ ” ” كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ” القائد سيأتمر بأوامر الله، سيأتمر بأوامر النبي، سيأخذ التوجيه من النبي، حسناً، بعد ذلك حين خرج منهم عدد قليل، والعدد القليل هذا أراد فعلاً أن يلتزم أمر الله، ماذا فعل ربنا سبحانه وتعالى؟ أعطاهم الملك والنبوة، وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ فإذاً كان عندهم نبي وحين استجاب عدد قليل من الناس فعلاً أعطى الله للمجتمع كله وللأمة كلها التي تولت معظمها لأن ربنا حين أنزل منته أنزلها على من؟ على القلة التى كانت مع طالوت أم على الأمة كلها؟ أنزل منته على الأمة كلها حين أخلص عدد قليل منهم فعلاً إلى ربنا واستجاب فعلاً لربنا وأطاع ربنا فعلاً، أعطى الخير لكل الناس، لم يعطي الخير لهؤلاء فقط، وآتى داوود الملك والنبوة، وظيفة النبي ووظيفة طالوت جمعهم ربنا سبحانه وتعالى لسيدنا داوود، فالذي أعطاه ربنا بعد ذلك حين قرروا أن يرجعوا إلى ربنا أو قرر عدد منهم أن يرجع فعلاً إلى ربنا أعظم بكثير مما أعطاهم أولاً ولكنه في كل وقت كان ربنا سبحانه وتعالى يعطي ويمنح، لا يمنع الخير عن الناس رغم أنهم لم يكونوا يستحقون ذلك، لم يرفع آثار النبوة فيما بينهم، تركها، وحين طلبوا ملكاً ولم يكونوا جادين منّ عليهم وأعطاهم الملك رغم أنهم لم يكونوا صادقين ولكنه أعطاهم ما يطلبوه، وأعطاهم الآية التي تؤكد لهم أن هذا قد بعثه الله فعلاً واختاره فعلاً رغم أنه من المفترض أن النبي لا يحتاج أن يثبت كلامه، حين يقول النبي إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا لا يصح أن يقول أحدا له كيف تفعل هذا؟ ” هو دا كلام برضة؟ ” ولماذا يكون هذا ملكاً؟ ليس من بيت شرف ولا يملك مالاً؟ وهل يصح أن نقول للنبي بعدما قلنا له أدعي الله أن يبعث لنا أحداً وحين يبعث لنا هذا الملك نقول له: شكراً.. لا نريد؟!!، مع ذلك، مع ذلك هو قد علل لهم اختيار الله لهذا الشخص.. مع ذلك، هل ربنا سبحانه وتعالى عياذاً بالله يحتاج أن يصرح لعباده علة ما يفعله؟ لكن هذه هي رحمة ربنا، هذه رحمة ربنا قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ هكذا فقط؟ لا وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ شيء قد أخذ منهم وسيأمر ربنا الملائكة أن تأتي بها من الخاطفين وأن ترجعها لهم، وهم جالسون ينظرون إلى التابوت ولا يروا أحداً يحمله، ووضع أمامهم، وهل يستحقون هذا؟ لم يعجبهم كلام النبي، لم يعجبهم كلام النبي، ومع ذلك بعث لهم الله آيه وأعاد إليهم التابوت الذي سيثبت قلوبهم فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ انظر مدى رحمة ربنا بالناس، وفضل ربنا علينا، ونعمة ربنا علينا وفي المقابل انظر لجحود فضل ربنا علينا، يجب أن نشكر نعمة ربنا علينا، يجب أن نقدر فضل الله، يجب أن نعلم مدى نعمة ربنا بأن هناك شيء اسمه نبوة وآثار نبوة ورسالة، ” وقد ايه الناس لما تقرر ترجع لربنا بقرش ساخ قد ايه ربنا بيمن عليهم وبيعطيهم ” هم لم يفعلوا الشيء الكثير، والذي فعل منهم وأخلص عدد قليل جداً، سيدنا البراء يقول أنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أمة من الناس، صفصفت على ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، ولكنهم لما كانوا مخلصين أعطى الله لكل الناس العطاء الذي يستحقه ثلاثمائة وثلاثة عشر إنساناً.
الطريق واضح والسكة سهلة، ورحمة ربنا سبحانه وتعالى واسعة، ونعمة ربنا سبحانه وتعالى وفضله كبير، ولكننا بعدنا كثيراً، مشكلتنا أننا لا ننظر وراءنا، لو نظر كل واحد منا وراءه أو نظر من النافذة سيكتشف أننا بعدنا كثيراً عن ربنا، وكل يوم نبعد أكثر وكل يوم أمورنا تتعقد أكثر، وكل يوم تسوء أمورنا أكثر، ولكننا لا نفكر جدياً أن نعود، يجب أن نتخذ القرار، لأن كل يوم يمر تزيد الفاتورة، كل يوم يمر تزيد الفاتورة وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إما أن نرجع وإما أن لا نرجع، وإن لم نرجع يمكن أن تكون سكة الذهاب بلا عودة، فهي كذلك، لماذا نحن ضامنين أن الموضوع في أيدينا؟ وحين نحب أن نرجع سنضغط على الزر فنرجع، أو أننا لا نحتاج أن نرجع، هناك كثير ممن يرى أنه ليس هناك شيء أصلاً، ليس هناك موضوع، أو أن العودة إلى ربنا لا تؤثر في شيء، أو أن مقادير الدنيا ومقاليدها لم تصبح في أيدي ربنا، إن لم يكن بلسان المقال فبلسان الحال، أن الذي يدبر الأمر في الحقيقة ليس ربنا، كل سلوكنا وتفكيرنا وكلامنا هكذا، حين نترجمه يكون هكذا، أن ربنا سبحانه وتعالى عياذاً بالله ليس له من الأمر شيء، وهذا لا يصلح، هذا عكس الإيمان تماماً، عكس الإيمان تماماً لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كل شيء بيد الله، كل حركة وسكنة بيد الله، كل تصريف وكل تدبير بيد الله، كل أمر بعلم ربنا وبلطف ربنا وبحكمة ربنا وبرحمة الله، لا يوجد شيء آخر، لا يوجد شيء آخر، وعلى مقدار ما ينيب الإنسان إلى الله وعلى مقدار ما ينوي المجتمع أن يعود إلى الله ولو بقدر بسيط ” من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ” ربنا هو الذي يقول هذا، ربنا هو الذي يقول هذا، خطوة ناحية ربنا، خطوة، ربنا سبحانه وتعالى لم يرد منهم إلا خطوة، ولكن خطوة حقيقية، شخص يريد أن يقترب ” من تقرب ” شخص يريد أن يقترب، يأمل أن يقترب، قلبه يتحرك نحو القرب من الله، سأم مما هو فيه ويريد أن يقترب، وهذا إن تحقق بشكل جزئي ربنا سيعطي المجموع بفضل أناس قليلة، لكن في المقابل ” أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ” حين يكثر الشر فالحساب سيدفعه الكل وليس العدد القليل، كلنا سنشترك في الفاتورة.
يجب أن نأخذ قراراً، يجب أن نأخذ قراراً، المجتمع في النهاية مجموعة أفراد، المجتمع هو أنا وأنت وفلان وفلان، الجهد الشخصي الداخلي هو الذي سيغير أو يصلح من أي شيء، وبغض النظر إذا كانت الدنيا ستصلح حالها أم لا هناك أمور أهم من الدنيا، رضا ربنا أهم الدنيا، والآخرة أهم من الدنيا، والآخرة أهم من الدنيا، والجنة أهم من الدنيا، والنجاة من النار أهم من الدنيا، حتى وإن ذهبت الدنيا، حتى وإن ذهبت، هناك أمور أهم بكثير وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى هناك أشياء كثيرة أهم، وليس هناك أحد يتقرب من ربنا لأنه يريد دنيا فقط، ربنا أعظم من هذا، ربنا أعظم من هذا والجنة أعظم من هذا والآخرة أعظم من هذا، أنت تقترب من ربنا لأن هذا حقه سبحانه وتعالى، وربنا يستحق أن تعبده، واجب عليك أن تشكره بغض النظر عن أي عطاءات دنياوية، وبعد ذلك؟ الثواب والمغفرة وبعد الثواب والمغفرة أن من رحمة ربنا ونعمته أنه يعطي الناس من الدنيا إن صدقوا مع الله فعلاً وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أشياء لا تعد، فتح من الله لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ليس بشيء آخر، ليس بشيء آخر لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ هذا من المفترض أن نذهب إليه، ونحن ماذا نفعل؟ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ هكذا هي.
خطوة ناحية ربنا، شكر لنعمة النبوة، شكر لنعمة الهداية، شكر لنعمة القرآن، شكر لنعمة الرسالة وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ.
اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذّبنا فأنت علينا قادر والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.