Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

تشعيث الحديث

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبد ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدًا.

 ثم أما بعد ،،،

 تقدم معنا قول أنس بن مالك رضي الله عنه وهو يحكي لحظات دفن رسول صلى الله عليه وسلم فيقول أنس: وما نفضنا أيدينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا، إن من الكلمات كلمات ما ينبغي أن تمر حتى يقف المنرء عندها، يتفكر فيها ويتأمل، إن الإيمان إنما هو حالة قلبية وتجربة وجدانية وممارسة عملية وسلوكية، فهو يخبر رضي الله عنه عن إحساس بالتغير والتحول والتبدل ليس له سبب يعرف، وإنما شيء وقع في قلوبهم أنهم استشعروا أن قلوبهم تغيرت عما كانت عليه.

فما الذي تغير؟ لم يحدث شيء.

إذًا هم كانوا وهو في معية وحياطة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالة إيمانية وقلبية ووجدانية معينة، وما أن واروه صلى الله عليه وسلم التراب حتى استشعروا أن قلوبهم قد أصابها شيء من التغيير، ما معنى الإنكار؟ أي أن الإنسان يكون قد عرف شخصًا، ثم شعر أن هذا الشخص ليس هو الذي يعرفه، كان في وضع ثم أحس أن هذا الوضع ليس هو الوضع الذي كان يشعر به من وقت قريب، أحيانًا الإنسان ربما يقرأ قرآن أو يصلي، أو يكون في حالة من التضرع لله سبحانه وتعالى لحاجة أرادها، ويستشعر معها شعورًا، ثم لا يلبث إلا أن يشعر أن قلبه قد تغير، وأن الرقة التي كان يستشعرها قد زالت أو ضعفت، أو أن شيء من الجمود أو الجفاء أو القسوة قد أصابه، رغم أنه لم يفعل فعلًا، أو يعمل عملًا يخالف شيئًا مما أمر الله تبارك وتعالى به، ولذلك القلب الشيء الحساس جدًا الذي عليه مدار الأمر كله.

ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم أن مدار الإيمان والتقوى على القلب، قال: التقوى هاهنا وأشار إلى صدره، قاله ثلاث مرات، وقال: ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب، وقال في وصفه: لقلب ابن آدم أشد تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا، هو دائمًا في حالة من التغير والتبدل والتحول، لا يستقر على حال، لذلك ندرك حينئذِ لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يقول: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، لأن هذا التثبيت إنما يكون من الله تبارك وتعالى، وكان أكثر ما يقسم صلى الله عليه وسلم لا ومقلب القلوب، لأن هذا أخطر شيء وأصعب شيء، وأكثر شيء لا يستطيع أن يضبطه الإنسان، فإذًا من الممكن أن يكون الإنسان في وضع معين، ثم يحدث شيئًا من الغيير، هذا الشيء ربما يكون له أثر خطير عليه، لذلك من الممكن أن يكون الإنسان في نعمة لكن لا يستشعر هذه النعمة إلا إذا سلبت منه أو ضاعت، وربما لم يستطيع أن يعيدها كما كانت، قال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ۝ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.

يعني من الممكن للإنسان نتيجة التباطؤ الشديد يعاقب بأن يكون هناك حاجز يحول بينه وبين قلبه، يقول صلى الله عليه وسلم: إن قلوب العابد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، إن شاء أن يقيمها أقامها، وإن شاء أن يزيغها أزاغها، ولذلك إذا الإنسان إذا كان يعتقد أنه الذي يملك قلبه، لا ليس الأمر كذلك، هو يأخذ الأسباب ويضع نفسه في المواضع التي يحفظ الله سبحانه وتعالى عليه بها قلبه، لي أكثر من ذلك، ولذلك هم كانوا يستشعرون الوجل، لأنهم مدركين لهذا الأمر، يقول تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ضع نفسك هنا مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً هذا أمر من الله سبحانه وتعالى لنبيه ورسوله رضي الله عنه، إذا كان هناك من الممكن أن يستغني عن هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، طيب وَاصْبِرْ نَفْسَكَ.

فإذًا هذا الأمر يحتاج إلى قدر من المجاهدة، المكث في هذا الإطار وقصر النظر والقلب عليه ليس أمرًا سهلًا، يحتاج إلى تصبير، وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مع أناس موصوفين بصفة خاصة مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ فهؤلاء الناس وصفهم أن قلوبهم مرتبطة بالله تبارك وتعالى، في حالة من الدعاء والاتصال والإخابت والتعلق والتضرع لله سبحانه وتعالى على طيلة الأوقات، وهذا هو شغلهم الشاغل، موسومين بالإخلاص، يُرِيدُونَ وَجْهَهُ لا يريدون شيئًا آخر، مرادهم من الدعاء ليس تحصيل أشياء دنيوية يطلبونها من الله، وإن كان لابد للإنسان عمومًا أن حاجته بالله تبارك وتعالى، لكن ما هي الأولويات، ما هو الشيء الذين ينظرون إليه أولًا، ما الشيء الأعلى والأرقى، ما هو الشيء الذين إن فاتهم يخسروا الخسران المبين، كل شيء بيد الله تبارك وتعالى: مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً هو كل شيء يطلب من الله، ولكن مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا لا يريد شيئًا آخر نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ وبعدين؟ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ طيب وَاصْبِرْ نَفْسَكَ وبعدين وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ مجرد الالتفات تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.

لذلك نحن تكلمنا كثيرًا عن مفهوم غض البصر، وإن قصره على النظر على ما يشتهى من مفاتن النساء، هذا نظر قاصر، هناك ما أخطر لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ۝ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى.

يقول حذيفة رضي الله عنه وقد قلنا هذا الحديث سابقًا: أن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، لماذا؟ لأنهم حريصين على تحصيله، وهذا طبيعي، فهو يقول رضي الله عنه: وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فهو مدرك أن الخير لن يكتمل إلا بمعرفة الشر الذي من الممكن أن يصرف عنه، الفتنة التي من الممكن أن تفتن عنه، فإذًا تميم معرفتك بالصراط المستقيم، أنك تعرف السبل التي تصد عن هذا الصراط، الحيات والعقارب التي في طريقك وأنت تسلك إلى ربك تبارك وتعالى، يقول: وعلمت أن الخير لن يسبقني، فهم يسألون عنه فأنا سوف أتعلم منهم، فهو سأل، قلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير من شر؟، هذا الخير الذي آتانا الله سبحانه وتعالى به ببعثتك صلى الله عليه وسلم وصحبتك والكتاب الذي أنزله عليك، فهل بعد هذا الخير واجتماعنا عليه وائتلاف قلوبنا عليه، سيكون هناك شر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ” يا حذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه، يا حذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه، يا حذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه ” هو صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول له أن في اتباع الكتاب ما يغنيك عن كل سؤال، وما يحفظك من كل شر ومن كل فتنة أنت تحذرها، فالموضوع سهل تعلم، فإذًا لابد أن يفهم ويستوعب ويدرك ثم يتبع فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى فالإنسان لا يحتاج أكثر من ذلك أن يصرف الله سبحانه وتعالى عنه الضلال، الذي هو التوهان، شخص يسير في طريق ويريد أن يذهب إلى مكان ولا يدري كيف يصل إليه، الطرق اختلط عليه، والشقاء هو الشعور بالتعاسة، فالضلال في الرؤية وفي الفكر، والشقاء في الإحساس والمشاعر، فماذا تحتاج بعد أن يصرف الله عنك الضلال أو الشقاء؟ فلا يوجد شيئًا آخر، أن يكون لا يستطيع الرؤية، أو لا يفهم ولا يدرك، أو أن مشاعره وقلبه فيه الانقباض أو الضنك أو الضيق، ثم سأل ثانية، يا رسول الله، هل بعد هذا الخير من شر، قال: ” فتنة وشر ” قال: فهل بعد هذا الشر من خير، قال: ” هدنة على دخن ” قلت يا رسول الله وما هدنة على دخن، قال: ” لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه ” وهذا الذي نريد أن نتكلم عنه، أناس كانوا في حالة ثم حدثت بينهم مشاكل، ثم بعد هذه المشاكل سكنوا، لكنهم لما سكنوا لم تسكن قلوبهم كما كانت، أو بعضهم، ” لا ترجع قلوب أقوام ” لم يقل كلهم ” على الذي كانت عليه ” فإذًا هم كانوا على حالة، ثم أصابتهم الفتنة، ثم سكنت الفتنة وهدأت، وأي فتنة ستسكن وتهدأ، لكن بعدما تسكن وتهدأ، علام يستقر حال المرء؟ هل يعود إلى ما كان عليه من خير وبر وصفاء قلب؟ أم تبقى القلوب على ما فيها من الدغل والدخن؟

هذه هي النقطة الخطيرة، قلب الإنسان وحاله وتبدله وتغيره، وأن الله سبحانه وتعالى يحفظ على العبد قلبه، فسيدنا أنس يقول أننا بدأنا نشعر بالتغير، لما رفع من بين أيدينا رسول صلى الله عليه وسلم، طيب هذا وفقط؟ لا، حينما خرج الخارج من بيته صلى الله عليه وسلم يخبر أنه قد قبض، حدث ما نعلمه من اضطراب في قلوب الصحابة، الناس لا تستطيع أن تصدق، وأشهر ذلك نعلمه أن عمر رضي الله عنه قام يستنكر هذه المقالة أشد الإنكار، وقال: إنما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للقاء ربه كما ذهب موسى، نحن قلنا قبل ذلك، أن سيدنا موسى أعطاه الله ميقاتًا ثلاثين يومًا، يتعبد ثم يستقبل أمر الله المنزل إليه، التوارة، ثم بعد ذلك لعظم الأمر، أن الله زاده عشرًا، وقلنا أن هذه العشر كانت الفتنة، لأن الميعاد المقرر عند بني إسرائيل كان ثلاثين يومًا، ثم بعدما مرت هذه الثلاثين، بدأت تحدث الفتنة، لماذا لم يأتِ؟ أخلف موعده معنا، فألقى الشيطان في قلوبهم أن موسى قد مات، ثم؟! إذا كان فعلاً قد مات، وبعدين؟ فقال عمر رضي الله عنه: إنما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذهب موسى ويعود، على ماذا بنى عمر رضي الله عنه؟ أول شيء كان هناك فكرة في ذهنه وأخبر عنها في اليوم التالي، ما هذه الفكرة التي في ذهنه؟ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ولكي يكون شهيدًا على الأمة كل الأمة لابد أن يبقى بين ظهرانيها إلى أن تلقى ربها، سينهي كل الناس، وإلا كيف يكون عليهم شهيدًا؟ هذا الفهم الذي بنى عليه رضي الله عنه، لكن هل هذا هو كل ما في الأمر؟ حالة الحب والتعلق الشديد التي تصل بالمرء أحيانًا إلى أن ينكر الحقائق، لأن قلبه لا يتقبلها، هو يرفض الفكرة، أحيانًا يكون شيء واضح أمام الإنسان لكنه قلبيًا لا يريد أن يصدق، وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ قلنا قبل ذلك، أنهم لم يقولوا أنك لا تصدقنا أو تصدق بنا، لماذا قال وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا؟ نحن قلنا قبل ذلك أن الإيمان يتعدى بالباء ويتعدى باللام، حينما تقول فلان آمن بكذا آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ آمن بكذا يعني صدقه وأيقن به قلبه، لكن آمن لكذا يعني انقاد له واتبعه، وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ يؤمن بالله يصدق أخباره وما يوحي إليه، ويؤمن للمؤمنين يعني ينقاد لهم ويتبعهم فيما يقولونه ثقة، ” بيقولك فلان ده ودني، بيسمع أي كلام، أي حد يقول يمين يمين شمال شمال ” وهذا طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه وهو بين ظهرانيهم، فالله سبحانه وتعالى وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ يعني المؤمنون هؤلاء أهل الثقة والائتمان، فهو يأتمنهم على ما يخبرونه به، فهنا ليس معناها أنه يصدقهم، وإنما ينقاد لهم ويسير معهم، فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ لم يقل آمن به، فآمن له أي تابعه، فإذًا وما أنت بمؤمن لنا، معناها أنك من شدة تعلقك بيوسف وحبك له لن تتابعنا فيما نقوله، ولذلك قالوا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ، نحن مدركين أن هذا الكلام الذي نقوله أنت لن تتقبله، لا لأنك تكذبنا، ولكن لأنك نفسيًا لن تتحمل هذا الخبر، سترفضه، أحياًنا يكون الإنسان كذلك، تكون حواسه أدركت أن هذا الشيء قد حدث، لكنه لا يريد يصدق، وهم كذلك خرج سيدنا أبو بكر وتلا الآية، هذه الآية يقول سيدنا عمر كأنه لم يسمعها قبل ذلك، قبل أن يخرج سيدنا أبو بكر، عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه جالس في آخر المسجد يردد نفس الآية، لكن الناس غير منتبهه، هو جالس يرددها وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ هو يقرأها لكي يسمع الناس ولكي يسكنوا، لكنهم لم يسمعوا، من الممكن أن يكون الصوت حولك والنداء في أذنك، لكنك لغلبة ما هو عليك وما أنت عليه من وجد لا تشعر بشيء، ولا تسمع شيئًا، ولذلك سيدنا أبو بكر حينما ظهر واستنصت الناس، وقال: على رسلك يا عمر، فبدأ يتكلم، فقال: من كان يعبد محمدًا..، فإذًا سيدنا أبو بكر لقدره ومكانته ظهر فحسم الأمر، استنصت الناس وبدأ يكلمهم فلما أصغوا، أدركوا أنهم لابد أن يسلموا للحق، فقال: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم قرأ هذه الآية، فخر عمر على الأرض، قدماه لا تحملاه، لا يستطيع أن يتحمل الخبر، هذا عمر الذي نتكلم عليه أنه شخص شديد أو جافي أو فظ، هؤلاء أشخاص نحن ربما لم نفهمهم جيدًا، هناك فرق ما بين الحزم، والقوة والمضاء في الحق، وما بين القسوة والشدة أو العنف، هذا أمر وذاك أمر آخر، أحيانًا نحن لا نستطيع أن نفرق ما بين هذه الحقائق، لاشتباه المظاهر واختلاطها أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين.

فبين هم فيما هم فيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغسّل ويجهّز، وأصحابه في كربهم، إذ أتى آتٍ إلى عمر فقال: إن الأنصار قد اجتمعوا في ثقيفة بني ساعدة ينظرون في أمر الإمارة أو في أمر الخلافة، متى كان هذا الكلام؟ والنبي صلى الله عليه وسلم لمّا يلحد بعد، هم يجهّزون ويغسّلون ولما يواروه صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك ماذا سنفعل، نحن فيما نحن فيه من هموم، فماذا سنفعل؟

فسيدنا عمر جاء لسيدنا أبوبكر، وطلب منه أن نلحق الناس، لأن ربما إذا قضوا أمرهم على ما هم عليه ربما وقعت بعد ذلك الفتنة والشرور، فذهب عمر مع أبي بكر ومعهم أبي عبيدة رضي الله عنهم إلى ثقيفة بني ساعدة، وكان من أمرهم ما كان، إن شاء الله سنرجئه إلى الجمعة القادمة إن شاء الله، وقبل أن نمرَّ هذا الموضوع، يوجد وقفتان صغيرتان.

الأولى: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرةً، وبلغ الخبر إلى العرب ما الذي حدث في الجزيرة؟ يكاد يكون عامة الناس، عامة الناس خرجوا من الباب الذي دخلوا منه، قال تعالى وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا بقيت المدينة، ومكة والطائف وهجر بس، وجماعات صغيرة من المسلمين في وسط القبائل العربية الأخرى.

البناء العظيم الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد وفاته انسحب منه كثير من الناس، وليس انسحاباً فقط – يا ريته انسحاب بس – لا، المدينة نفسها أصبحت في محل الخطر، لن يخرجوا من الإسلام ويسكنوا لا لا، هم سيهاجمون المدينة، فمحلة الإسلام التي تحفظه أصبحت هي نفسها عرضة للخطر من أناس كانوا بالأمس، كانوا بالأمس ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه ثمرة قلبه وصفقة يمينه البارحة، هم هم نفس الناس، فتخيّل حجم الهزّة التي فيها هؤلاء القوم.

ولذلك السيدة عائشة عندما قالت – وقلنا هذا قبل – ” ارتدّت العرب، واشرأبّت اليهودية والنصرانية، ونجم النفاق، وأصبح الصحابة كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيّهم “

سيدنا عمّار بن ياسر لما لقي سيدنا معاذ بن جبل وهو قادم من اليمن، قلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أنه لن يقابله ثانيةً، فهو راجع، وسيدنا عمّار قابله، كان ذاهب بكتاب من سيدنا أبوبكر لكي يذهب إليه، فكأنه وقع في قلبه أن هناك أمر حدث، هو نفسه وقع في قلبه بحدوث أمر، فترك اليمن وقدم، فلقيه عمّار قرب المدينة، فيقول له ما الأخبار، فأخبره الخب، فقال له هذا، عندما قال له والصحابة، قال له: صاروا ” كنعمٍ بلا راع ” هم هكذا، راعيهم ذهب فجأة، قال: وما حال المدينة، قال: أصبحت على أهلها أضيق من الخاتم، فهذا التحول تم في كم؟ هذا لحظي، يعني أن الإنسان من الممكن أن يكون في حال وفي لحظات، وبدون أي شواهد، أنت متخيل هذا المشهد

النبي صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع كم يحجّ معه من الناس؟ 124 ألف إنسان، ألم يكن هذا الكلام في ذي الحجة والنبي صلى الله عليه وسلم توفي في ربيع! ثلاثة شهور، ثلاثة شهور، 124 ألف إنسان، أما الآن! ولذلك سواءً بالنسبة للأفراد أو بالنسبة للمجتمعات، الإنسان لا يركن إلا إلى الله، هذا هو الشيء الوحيد الذي لا يزول ولا يحول، أي شيء الإنسان يركن عليه من الممكن أن يتبدّل ويتغيّر وبدون مقدمات ظاهرة.

النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أحصوا لي كم يلفظ بالإسلام ” في حديث حذيفة في صحيح مسلم، قالوا: يا رسول الله أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة، أي مقاتل، وليس عدد الناس، فهم أحصوهم فوجدوا أنهم أكثر من ألف ونصف، أي هم جميعاً ألف ونصف من المسلمين في المدينة، كم عدد المقاتلة منهم؟ من ستمائة إلى سبعمائة شخص، فهم ماذا يريدوا أن يقولوا؟ أنهم لديهم عزوة، ففي النهاية لسنا في وضع مثلما كنّا في مكة، نحن لسنا في وضع مقلق، نحن في وضع نرتكن على قوّة، ونحن ما بين الستّمائة إلى السبعمائة، قال: ” إنكم لا تدروا لعلّكم أن تبتلوا ” قال حذيفة: فابتلينا فجعل المرؤ منا لا يصلي إلا سرّاً، لا نستطيع أن نصلي.

ولذلك سيدنا لوط حينما قال لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال معقّباً؟ قال: ” رحم الله أخي لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد ” ، ما هو؟ يحتمي بربنا سبحانه وتعالى، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم معقّباً، قال: ” فما بعث الله بعده من نبيّاً إلا في منعة من قومه ” ، – خلي بالك – لأنه كان بمفرده، هو وابنتين فقط، في وسط كل هؤلاء الناس، وهؤلاء أناس – مفيش خالص – قال أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ – ناس ضايعة، دماغ ضايعة – فربنا سبحانه وتعالى رحمةً منه بأنبيائه لا يريد أن يكرر هذا الموقف، لم يرد سبحانه وتعالى أن يكرر هذه المحنة على عبدٍ من عباده المؤمنين بعد ” فما بعث الله بعده من نبيّاً إلا في منعة من قومه ” قال الله تبارك وتعالى عن ذكر قوم شعيب وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ – خلي بالك لو دول مش موجودين.. –

إذاً الشيء الوحيد الذي ترتكن إليه كفرد أو كأمة أو كمجتمع هو ربنا سبحانه وتعالى وحده، ليس شيء آخر، اجعلونا لا ننسى هذا الموقف، تخيّل المدينة، هذا تبدّل لحظي.

النعمان بن المنذر ملك الحيرة جبّار الجبابرة؛ يرهب منه كل العرب، وبعد ذلك كسرى – نتيجة لوشاية معيّنة – يريد أن يتزوّج بنته، كسرى وهو كسرى ملك الفرس، فهذا شرف لأي أحد، فلم يقبل، هو يرى أن العرب أرقى من هؤلاء الناس، هؤلاء أقل، انتبه كسرى الذي هو كسرى؟؟!! هو يرى أنه ليس أهلاً بأن يزوّجه ابنته، فطبعاً لم يرضى كسرى بذلك، فاستدعاه ثم أمر الفيلة – أن تدهسه – فهؤلاء الناس نفسيّتها فيها قدر من الشراسة والفظاظة، وبالتالي بعدما كان ملك الملوك العرب تبدّل الحال، فتقول حرقة بنت النعمان، تقول: ” أمسينا مساءً وما من حدٍ من العرب إلا وهو يرغب إلينا ويرهب منّا، فأصبحنا صباحاً – تاني يوم الصبح – وما من أحدٍ من العرب إلا ونحن نرهب منه ونرغب إليه ” ، ” بين نسوس الناس والأمر أمرنا، إذا نحن فيهم سوقةٌ نتنصّف ” نطلب من الناس أن تنصفنا ولا تظلمنا ” فأفٍّ لدنيا لا يدوم نعيمها، تقلّب تاراتٍ بنا تصرّف “.

ما الشيء الوحيد المستقر؟ ركن ربنا سبحانه وتعالى، أي شيء أخر يركن إليه الإنسان وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ هي لم تكن ضيّقة، هي واسعة كما هي، وكننا رأيناها ضيّقة ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ۝ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ هذا الحسم أتى من فوق وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا.

النقطة الأخيرة: إشارة ولن نتكلم عليها، لماذا من ارتدّ من الناس ارتدّ، ولماذا ثبت من ثبت؟ ما الأشياء التي يثبّته بها ربنا على الدين، وما الأشياء التي يخشى منها على المرء أن يرتدّ عن دينه عياذاً بالله، فالآن يوجد من بقي، ويوجد من ذهب، صحيح؟، نحن لدينا في ” التكاليف ” الوارد آخراً صادر أوّلاً، هذا نظام في المخازن، البضاعة التي جاءت حديثاً تكون أول ما يخرج، والموجود يظلّ موجود، هذا نظام.

فهو هكذا، الوارد إلى الإسلام آخراً للأسف كان صادراً من الإسلام أولاً، لماذا؟ وما الذي يحفظنا به ربنا سبحانه وتعالى لكي نبقى في دائرة الذين ثبتوا على ما هم عليه، لا من هؤلاء الذين نكثوا وبدّلوا، لماذا؟ لماذا حدث هذا؟، ولماذا لا يحدث هذا مرّة أخرى؟ وما العواصم من هذه القواصم.

اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك

اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك

اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك وطاعة رسولك صلى الله عليه وسلم

اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك وطاعة رسولك صلى الله عليه وسلم

اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه

اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه

اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم