الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيدا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيدا
ثم أما بعد:
قال الله تبارك وتعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ فهو سبحانه وتعالى يخبر عن أنه قد ألزم وأوجب على عباده أن يؤمنوا بالنبوة والرسالة كأصل من أصول إيمانهم، لا يكون العبد مؤمناً حتى يؤمن بالنبوة والرسالة، – الذي هو المعنى – فما هو المعنى؟ أن الله تبارك وتعالى لكي نؤمن برحمته وبعدله وبحكمته لا يترك الخلق سداً أو هملاً دون أن يخبرهم بعلّة خلقهم وسبيل هدايتهم في معاشهم ومعادهم، في دنياهم وأخراهم، لا يصلح أن يخلق ربنا سبحانه وتعالى خلقه ثم يتركهم بلا هداية، هذه الهداية هي النبوة وهي الرسالة، النبوة والرسالة تمثّل اصطفاء، ربنا سبحانه وتعالى اصطفى واختار أناس على علمٍ منه سبحانه وتعالى وائتمنهم على هذه الأمانة.
يبلغ الرسالة قوليّاً فقط.. ويطبق الرسالة والأمانة عمليّاً ويكون قدوة للناس في الخير ويرسم لهم سبيل السعادة في الحياة، ويجيب على الأسئلة الصعبة ويصنع تطبيقات في المواقف التي نحتاجها أو نمرّ بها، متى تفعل ماذا؟ ولماذا ستفعله؟ وكيف؟ هذا هو المعنى العام، قال الله تبارك وتعالى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا رُسُلًا ما وظيفتهم؟ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لأن الناس بإيزاء الرسالة سيكونون قسمين، أناس ستستجيب وأناس ستعاند وتجحد، يبشر المستجيب وينذر من يعاند ويجحد، لماذا لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ لا نجد ما نقوله، حينما نقف بين يدي الله، فلن نجد ما نقوله لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا ومن جملة هذا الزخم العظيم من النبيين، قال تعالى وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ على مدى التاريخ الطويل للبشر، فهذه أعداد كبيرة من النبيين ومن المرسلين، فربنا سبحانه وتعالى انتقى واختار أناس لكي يذكرهم لنا في القرآن، هذا الاختيار علام بُني؟ لماذا اصطفى ربنا سبحانه وتعالى هذه الأسماء وأخبر عنها من جملة النبيين؟ هذا السؤال نستطيع أن نجزم له بإجابة؟ هذا أمر في علم ربنا سبحانه وتعالى وفي علم الله، لكن قطعاً الشخص الذي سيشرفه ربنا سبحانه وتعالى بأن يذكر اسمه في هذا الكتاب الخاتم العظيم فهذا التكريم والتبجيل والتشريف لهؤلاء، ولذلك أنت من الممكن أن تجد في القرآن، أناس أسماء فقط، فقد قلنا أن الرسل قدوات، فلكي يكون قدوة فلابد أن يكون لديك معلومات تقتدي له فيها، فستجد هناك أناس هو اسم فقط، هو مرّ كاسم فقط، ربنا سبحانه وتعالى ذكر اليسع وذكر ذو الكفل اسماً، هذا الاسم ماذا سيفعل؟ سيؤكد ويثبّت معنى النبوة والرسالة، هذا أمر.
الأمر الثاني: أن هذا الشخص استحقّ من التبجيل والتكريم أن ربنا ينوّه باسمه، وأننا يلزمنا لكي نكون مؤمنين أن نؤمن بهذا النبي بعينه واسمه رغم أننا لا يوجد لدينا معلومات إلا أنه نبي لكن سننسج على كلمة النبي الكلام الذي قلناه في معنى النبوة، رفعة القدر والمقام والتجافي عن المعاصي والمنكرات وعن كل ما يحبه الرب تبارك وتعالى، أنه إمام الناس وقدوتهم في الخير، هذا سيتحقق بمجرد ما تؤمن أن فلان نبي.
أمر ثالث: يوجد أناس سبق أن ربنا سبحانه وتعالى أرسل إليهم كتب، وهم يعرفون هؤلاء الناس ويعرفون أسمائهم، ونحن لا نعرفهم، والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه لا يعرفهم وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ أنت لم تكن تعرف، ربنا سبحانه وتعالى عقّب على كثير من قصص النبيين الموجودين في القرآن، يقول له أنت لم تكن تعرف وربنا الذي علمك، فالناس الذين سيتلى عليهم الآيات ويعرفون هذه الأسماء، وهم يعرفوا يقيناً أنه ولا نحن نسمع عنهم شيئاً، حينئذٍ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ كل شيء ربنا سبحانه وتعالى يذكرها يذكر لها الحكمة البالغة
ويوجد أناس ربنا سبحانه وتعالى ذكر لنا عنهم أخبار وأنباء، وهؤلاء هم الذين سرد ربنا سبحانه وتعالى أسمائهم في سورة الأنعام، ثم قال تعالى معقباً أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ” فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ” إذاً يوجد أشياء ذكرت ونحن سننسج على منوالها.
النبيون هؤلاء ماذا يمثلون؟ الذي ذكر ماذا يمثّل؟ أول شيء: يوجد شيء تسمى شخصية، ما معنى شخصية؟
ربنا سبحانه وتعالى لم يخلق أحد مطابق لأحد، الناس شخصياتها وتركيباتها تتمايز، لكن تندرج تحت أصناف أو أشكال متشابهة، أي سيدنا نوح رسول، وسيدنا صالح رسول، وسيدنا موسى رسول وسيدنا عيسى رسول، وسيدنا إبراهيم رسول، إلى عديد من النبيين والمرسلين، هل كل واحد شخصيته مثل الآخر؟ إذاً كان من رحمة ربنا سبحانه وتعالى أنه اختار من كل نمط من الأنماط التي خلقها نماذج؛ لكي تكون قدوة للناس التي شبههم.
إذاً يوجد قدوة عامة، وهي النبوة والرسالة ومعانيها، ويوجد قدوة خاصة؛ وكذلك الصحابة ربنا سبحانه وتعالى وصف أناس، قال وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ يوجد أناس ربنا وصفهم بأنهم في دائرة الرضى، أبوبكر رضي الله عنه هل هو هو عمر؟ هو هو سعد؟ هو هو عبد الرحمن بن عوف؟ هو هو سعد بن معاذ؟ كلهم شخص واحد؟
النبي صلى الله عليه وسلم ماذا كان يفعل؟ أو وظيفة القرآن ما هي؟ أن كل شخص من خلال تربية ربنا له، من خلال تربية القرآن له، من خلال العناية النبوية به يصل إلى الصورة الكاملة لهذا الشخص، فهو لم يكن ” اسطنبات ” صورة واحدة، فيأتي مثلاً بسيدنا أبوبكر نموذج ويستحق أن يكون نموذج، فكل الناس نعمل لهم استنساخ يأخذوا هذا الشكل، لا يوجد شيء هكذا، طبائع الناس مختلفة، الأشياء التي جبلهم ربنا عليها من أخلاق وميول متباينة، فما المطلوب؟
الدين سيعطي قانون، وهذا القانون سيمثّل قاسم مشترك بين الناس، سيجعلهم بالتزام القانون بهم شبه في أشياء كثيرة، لكن تبقى نقاط التميّز الشخصية، ولذلك هؤلاء الناس عندما يكونوا مجتمع فالناس تكمل بعضها البعض، وصفات كل شخص تجبر النقص في صفات الآخرين، فيتكامل هؤلاء في صورة مجتمع، فالنبيين قدوات في العام وفي الخاص،، في العام: أي لنا كلنا، وفي الخاص: أي أنك تبحث أنت تشبه من، ربنا خلقك تشبه من؟ ولكن لكي تعرف الشخصية لكي تبرز لابد أن يوجد مجال لكي تبرز، فنحن مثلاً الناس إذا عاشت في مجتمع واسع أو في بيئة ضيّقة أسرية مثلاً تقوم على الكبت والقهر، كيف ستظهر الشخصية، فالشخصية إذا انسحقت تضيع معالمها أو تشوّه، فإذا كان أثر التربية أو البيئة أو الظروف يشوّه، أو يقزّم، فستكون الشخصية بها اضطرابات، هل هذه الاضطرابات بأصل الشخصية وبأصل الفطرة وبأصل الخلق؟ لا، بأثر البيئة، لكن يبقى في الخلفية اللبنات التي أسس عليها ربنا سبحانه وتعالى هذه الشخصية.
ربنا كلّمنا عن سيدنا داوود، وكلمنا عن سيدنا سليمان بن داوود، هل داوود هو سليمان؟ إذا قرأت القرآن تشعر أن سيدنا داوود هو هو سيدنا سليمان؟ الأصل هكذا، تربيته وتنشئته، ومشابهة الابن للأب، لكن حينما تقرأ، تشعر بأن هناك تباين، ولكن أين هذا التباين؟ لا يوجد تباين في الإيمان، لا يوجد تباين في الخلق، لا يوجد تباين في التزام المنهاج، لكن هناك تباين في الميول، وفي اختيارات وترجيحات الشخصية، فأنت محتاج أن تسأل نفسك، من أنت؟ أصلاً من أنت وعلى أي طبيعة ربنا خلقك؟ ولئلا نظل تائهين لابد أن نحاول أن نتلمس في شخصيات النبيين وفي شخصيات الصحابة التي علمنا عنهم، من أنت، ولذلك نحن قلنا قبل ذلك أن من أكبر الأخطاء التي تقع أنك تجزئ الشخص أجزاء، فلن تستطيع عمرك أن تقتضي به.
فمثلاً نحن حينما نأتي نريد أن نرسخ أخلاق معيّنة، وهذا أسلوب ومنهج مفيد، لكنه في النهاية ليس كافياً، أنا أريد أن أرسخ خلق معيّن، أريد أن أتكلم عن الصدق وأهميته، فسأتلمس من قصص الصالحين من الصحابة ومن اقتدى بهم حق الاقتداء من التابعين سأتلمس منها مواقف، أستخرج منها نماذج الصدق، فسأقول عن الصدق: صدق عمر بن الخطاب، وسآتي بموقف أو اثنين، صدق عبد الرحمن بن عوف، صدق عبد الرحمن بن عمر، فسأستخرج هذه الأشياء من سيرهم وأضعها، ماذا سأكتسب في النهاية؟ أن الصدق مهم وأنني من المفترض أن أقتدي بهؤلاء الناس، لكن أنت من خلال هذا هل تستطيع أن تحدد من هو عبد الله بن عمر؟ وما الفرق بينه وبين عمر، من عبد الرحمن بن عوف؟
كيف ترسم شخصية، سمات إنسان، دراسة السيرة أنك تدرس الإنسان، ولذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما أنزل ربنا سبحانه وتعالى أنزل الآيات المبينات في الفصل في قضية أسرى بدر، نحن قلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس ماذا نفعل في الأسرى، وهذا كان القانون الذي يلتزمه، والأمر الإلهي الذي أمره ربنا به فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فاستشار فسيدنا أبوبكر مال إلى العفو والمسامحة، وسيدنا عمر مال إلى الأخذ بقوة، فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يعقّب، قال أن سيدنا أبوبكر يميل إلى ما مال إليه إبراهيم وعيسى عليهما السلام، وسيدنا موسى يميل إلى ما مال إليه نوح وموسى عليهما السلام، هو ماذا يريد أن يقول؟ هذا الآن أخذ مسلك، هذا المسلك بناه على ماذا؟ بناه على ما تضفيه شخصيته وتركيبته ورؤيته، هو ماذا يرى؟ يرى أن الناس من الممكن أن تأخذ فرصة، وأن ربنا سبحانه وتعالى ربما أهلك من أهلك وأببقى من أبقى لحكمة ورحمة عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ اترك لهم فرصة، من الممكن أن يستجيب هؤلاء الناس أو يؤمنوا، وذكرنا من كذا خطبة أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو راجع من الطائف على أشد ما يكون من الإيذاء ومن الأسى ومن الحزن، فلما أرسل إليه ربنا سيدنا جبريل ومعه ملك الجبال، فقال له: لا عليك – أي هل هم أحزنوك؟ – هم لا يساووا شيئاً، – هذه هي الجبال – أنا أنزلها عليهم، فالأمر أبسط من البساطة، فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال: بل نستأني بهم – نتمهّل – لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، لم يقل هم، فهو لا ينظر على هذا الجيل، يقول أن من الممكن لهؤلاء الناس أن ربنا يجعل من ذريتهم مؤمنين، هذا منحى وتوجّه، وسيدنا أبوبكر يتوجه نفس التوجه، هو ميله هكذا.
أما سيدنا عمر، يرى أن هذا الموقف موقف عظيم ربنا سبحانه وتعالى أمكن فيه المؤمنين من عدوهم، وفارق بينهم وبينهم، وأن هذا ليس الموقف الذي يؤخذ فيه بالرأفة، لابد من الاستقرار ومن السيادة ومن العلو للإيمان، ثم يأتي بعد ذلك هذا، فهو لا يقول أن هذا غير موجود، وهذا هو الذي أشار إليه ربنا مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما يحيل، علام يحيل؟ يقول أن سيدنا أبوبكر ينحو منحى إبراهيم عليه السلام فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ومنحى عيسى عليه السلام إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
أما الناحية الأخرى؟ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ فهذه شخصيات، وهما وزراء النبي صلى الله عليه وسلم الاثنين، وهو يمثلهم بالنبيين؛ الذين يمثلوا أولي العزم من الرسل، لا يمثلهم بأي أحد من النبيين، الصفوة المختارة من النبيين، الذي وصفهم ربنا بأنهم أولي العزم، بالقوة والصبر والتحمل والابتلاء الشديد في إقامة نور الله تبارك وتعالى وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ فسيدنا محمد وسيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وسيدنا عيسى وسيدنا نوح، فهو عندما شبههم، شبه هذا باثنين، وشبه هذا باثنين، ممن؟ ليس من جملة الأنبياء والمرسلين، من صفوة وخلاصة الأنبياء والمرسلين الذي وصفهم ربنا بالعزم.
إذاً نحن نحتاج حينما نقرأ عن نبي، نحاول أن نتعرف على هذا النبي، طبيعة النبي، وشخصية النبي لكي نعرف أو نحسن أن نقتدي بالنبيين
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
نحن ذكرنا ونحن نتكلم عن سيدنا داوود أننا أحببنا أن نرى الموقف من بدايته، لماذا؟ لأنك إذا أردت أن تتعرف على شخصية، فأنت تحاول أن تعرف قليلاً عن تاريخ الشخصية وتطورها والمراحل التي مرت بها، لأن في النهاية النضوج النهائي للإنسان هو محصلة مسيرته الطويلة في الحياة، وحصيلة التجارب والخبرات التي مر بها، هذا هو الإنسان، يبدأ البداية الناقصة حتى ينتهي، أو يسعى أن ينتهي إلى النهاية الكاملة، هي تسير هكذا، فخطه خط تصاعدي، فهو كل يوم، كل يوم يكتسب أو يعرف أو يراجع أو يعيد النظر أو يصوب أو يصلح، طبيعي، هذا هو المفروض، أن الإنسان كل يوم يحاول أن يكون أفضل من اليوم السابق فهذا مفترض،، وهو بإذن الله يملك هذا في شخصيته، من الممكن ألا يملك هذا في مقدرات أخرى، لكنه يملك هذا في شخصه، أنه يستطيع أن يهذّب نفسه أو يعالج نفسه أو يتعرف أكثر على نفسه أو يصلح من نفسه.
نحن قلنا أن ربنا سبحانه وتعالى أين أظهر لنا سيدنا داوود أول ما أظهر؟ أظهر لنا سيدنا داوود أول ما أظهر في المعركة العظمى التي خاضها بنو إسرائيل لكي يمنّ عليهم ربنا سبحانه وتعالى أن ينتقلوا من وضع الضعف إلى وضع القوة، ومن وضع الذل إلى وضع العز، ومن وضع المهانة إلى وضع الرفعة، وقلنا أن هذا كان جيش يسير في بيداء من الأرض مروا على نهر تخلف منهم أناس كثيرون، والذين اجتازوا الاختبار في النهاية مثلما قال سيدنا البراء 313 إنسان.
سيدنا داوود كان مغمور في هذا الجمع، كان مغمور في هذا الجمع، غلام حدث راعي غنم، ليس له ظهور، وليس له ذكر، فنحن لدينا الآن في أول القصة ربنا سبحانه وتعالى امتن على طالوت بالملك، فهذا الملك كان اختيار وترشيح إلهي، والملأ من بني إسرائيل والناس تابعة لهم كانوا معترضين معترضين معترضين على الاختيار الإلهي،، هذه نقطة خطيرة؛ معترضين على الاختيار الإلهي، لأن المعيار الذي وضعه ربنا سبحانه وتعالى ليس هو المعيار الذي نحاكم إليه، وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ هذا هو المعيار الذي نحاكم إليه، وربنا سبحانه وتعالى اصطفاؤه مبني على حكمته سبحانه وتعالى، فرد النبي: إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ قلنا أن هذه صفات شخصية وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ إذاً الاصطفاء هذا مرتبط بالإيمان والتقوى، وصفات تناسب المهمة التي سيأتمنه عليها ربنا سبحانه وتعالى.
إذاً نحن لدينا شخص ربنا اختاره، ربنا اختاره أن يكون ملك، متى؟ لأمة تفكر، تفكر أن ترجع إلى ربنا، عندما تفكر بشيء من الجدية بشيء من الجدية ليست بجدية، بشيء من الجدية أن ترجع إلى ربنا، لا يصلح أن يتركهم ربنا سبحانه وتعالى بدون أن يعطيهم المدد والعون، فأعطاهم الملك على كراهة منهم، ولكي يسكن ربنا سبحانه وتعالى من رحمته قلوبهم أعطى لهم التابوت – آثار موسى وهارون التي سلبت في الغزو – الملائكة – الملائكة – ذهبت لتحضر التابوت، وأحضرته، والملائكة لا ترى، أي أن هذا التابوت قادم ولا أحد يحمله ووضع أمامهم، أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ شيء من الهدوء والراحة النفسية والطمأنينة، فهل هم كانوا محتاجين التابوت؟ التابوت لن يصنع لهم شيئاً،، لكن هؤلاء الناس هذا التابوت كان يصنع لهم أزمة،، فمن رحمة ربنا بالناس، حتى إذا كانوا لا يفكرون بشكل صحيح، حتى إذا كانوا لا يفكرون بشكل صحيح، من رحمة ربنا بهم أنه أحضر لهم هذا التابوت، وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ لماذا؟ لكي يكون آية على مصداقية الطريق الذي يسيرون فيه إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
إذاً طالوت ربنا سبحانه وتعالى أعطى له صفات – اصطفاه – اختاره لكي يكون ملك على كراهة من بني إسرائيل، وبماذا وطّد له الحكم؟ بالتابوت وهذا أول شيء، وبالنصر وهذا هو الأمر الثاني.
فمتى متى استقر ملك طالوت في بني إسرائيل؟ حينما آب منتصراً، فإن لم يكن؟ فسيختفي.
إذاً بني إسرائيل لم تزعن للنبوة وآثارها، لم تزعن لكلام الله، هي اعترضت على كلام ربنا، واعترضت على كلام الله، فما الذي جعل الأمر تسير؟ الآية، الآية الإلهية، هذا أمر،،، والأمر الثاني: أنه انتصر، فلما انتصر استقر ملكه في بني إسرائيل.
وداوود عليه السلام؟ داوود هذا نموذج للشاب الصغير الذي خرج بخطى ثابتة لكي يواجه جالوت الذي يخافه كل الناس، جالوت هذا هو القائد المخيف الذي يفر منه بني إسرائيل وتتلكأ كلما تقرب خطاها ناحيته، ثم يخرج يريد أن يبارزه أحد، فيخاف الناس وتتراجع، فيخرج الشاب الصغير بخطى ثابتة يتوجه نحو هذا الشخص.
” يخرج بخطى ثابتة يتوجه نحو هذا الشخص ” هذه ماذا تعكس؟ لكي نعرف علام يصطفي ربنا؟ يوجد فرق بين أن تكون جريء وبين أن تكون منطلق من منطلق الإيمان، الشخص الجريء ربنا وهبه منه قوة في قلبه، أو نشأ في بيئة، نشأ في بيئة تعوّد الجراءة وهذه منة ربنا سبحانه وتعالى يمن على الناس بمنن كثيرة، ويترك لهم أشياء يجاهدوا نفسهم فيها، لكن الذي يتحرك، الذي يتحرك بخطى الإيمان هذا أمر آخر.
ما معنى ” خطى الإيمان “؟ يعني الشخص من الممكن أن يكون يتحرك وخطاه ثابتة، ولكن ما الذي يثبت قدماه على الأرض؟ هل أنه لا يهتم؟ أم أنه يستمد يستمد من مدد الله، يطلب النصرة من الله، عنده اليقين في أمر الله، يحتمي بركن الله، هذا أمر مغاير تماماً. لأن هذا أثر الإيمان.
ولذلك ربنا قال لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا هذا هو المفزع قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ كيف؟ بماذا؟ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ إذاً أول صورة، أن هذا شخص عنده من الإيمان واليقين والثقة ما يثبت أقدامه في مواقف صعبة، وعنده اليقين الكامل في نصرة ربنا سبحانه وتعالى لأجل هذا عندما قال ربنا وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ هذا أول ظهور رأوه فيها، فهذه أول مرة يراه فيه الناس، أو أول موقف يلتفتوا فيه إليه، وبعد ذلك وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ إذاً ما الذي أضافه ربنا لداوود، ولم يكن موجود عند طالوت؟ النبوة،، إذاً ربنا سبحانه وتعالى اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ بالنسبة لطالوت، هذا الاصطفاء إلى حد،، واصطفى داوود فوق اصطفاؤه لطالوت، لماذا؟ قطعاً لأن عند داوود من الدرجة ما ليس عند طالوت فربنا سبحانه وتعالى أقرّ ملك طالوت في بني إسرائيل بالتابوت وبالنصر، أما داوود؟ بظهوره في الميدان وقتله لجالوت،،، وبما أنه شخص نحن جميعاً نخاف منه، فمن يقتله فيكون قوي جداً، هذه هي الفكرة، دعك من أنه نبي… المفهوم عند بني إسرائيل، أنت لن تستطيع أن تفهم قصة موسى وهارون إلا إذا فهمت هذا في طبيعة هؤلاء الناس، هم لا يعظموا النبوة مثلما يعظموا القوة، لا يعظمون المبدأ مثلما يعظمون السند والعزوة، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى بماذا مكّن لطالوت؟ بالنصر، ومكّن لداوود في بني إسرائيل بماذا؟ بأنهم يعظموه لأنه أقدم على ما أحجم عنه الناس،، ثم آتاه ربنا النبوة أو لم يؤته، هذه لا تفرق معهم كثيراً، أي أنه أصبح نبي أو لم يصبح هذه لا تفرق معهم كثيراً، الفكرة أننا نخاف منه، فهو قوي جداً،،، فهذا نبي! لا علاقة لنا، فبماذا سيستمر ملكه؟ سيستمر ملكه بهذه القوة، فإن رأوا منه اضطراب أو زعزعة؟ لا يعبأوا به، لأنهم لا يفكرون من منطلق الإيمان، بل يفكرون من منطلق السطوة.
إن لم نفهم هذا لن نستطيع أن نفهم أشياء كثيرة مما ورد في القرآن، لا نستطيع أن نستوعبها، فسيدنا داوود في أول خطوة، الاصطفاء مرّ بمراحل، الملك ثم أضيفت النبوة للملك، وأضيف العلم، العلم للملك وللنبوة.
هذه العطاءات المتتابعة هذه علام بُنيت؟ بنيت على استحقاق اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ولذلك نحن علام ندندن؟ نحن ما نصيبنا من هذا؟ فكل واحد منا يمكن أن يكون له نصيب من الاصطفاء ومن الاختيار ومن العطاء ومن المنن الإلهية، بناءً على ماذا؟ بناءً على أننا نضع أنفسنا في دائرة استحقاق فضل ربنا بأي قدر أو أي نسبة؟ ننقي نفسنا ونطهرها إلى أي مقدار؟ بأي مقدار نحاول أن نقترب من ربنا؟ بأي مقدار نحاول أن نسير في مسار التقوى؟ كلما تعطي، كلما يعطيك ربنا سبحانه وتعالى، قال تعالى هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ربنا ذكر لنا النبيين ليس هكذا، فنحن لن نكون أنبياء، نحن قلنا هذا كذا مرة، نحن لن نكون أنبياء، فهذا أمر مغلق، فهو ليس أمر مستمر فيمكن أن تدخل فيه، ولكن لك نسبة في هذا، نسبة بماذا؟ نسبة بماذا؟
ستعطي، ويعطيك ربنا، ستقدم وربنا يعوّضك، ستسعى لنيل رضا الله ويرضيك ربنا، الطريق مفتوح، هذه ليست حتمية قدرية ملزمة، بأن كل شخص مختوم، فالباب مفتوح والمراقي ليس لها حدود، ولكن نحن هل نركز مع هذا الباب أم لا؟ باب ربنا ورضا ربنا والتقرب من الله والاصطفاء من الله، هل يمثّل عندنا نقطة أهمية أم لا؟ هذا أول أمر، فلو مثّل نقطة أهمية، فماذا نفعل لنسعى إليه؟ لكي نقترب منه لكي ندنو إليه؟
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم