الحمد لله، الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله لا معبود بحقٍ سواه، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أشرف نبي وأطهره وأزكاه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه ومن اهتدى بهداه
ثم أما بعد.
حديثنا اليوم هو تبيان الأحاديث السابقة التي مرت معنا، وهو حديث عن أعظم وأجل وأرقى وأرق ما يمكن لعبد أن يتحدث به، حديث عن الله تبارك وتعالى إن أعظم ما يحتاجه العبد هو أن يكون على معرفةٍ بربه تبارك وتعالى ثم أن يكون على ذكرٍ له سبحانه، قال الله عز وجل وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ بيّن تبارك وتعالى أن أضل الناس وأشقاهم وأتعسهم هم الذين نسون ربهم تبارك وتعالى ينسون ذكره وينسون جلاله وعظمته، فهذا النسيان منهم لربهمتبارك وتعالى تكون عاقبته أن ينسوا أنفسهم، والإنسان لا ينسى أهوائه ولا ينسى شواته، لا ينسى متاعه الدنيوي، لا ينسى ملذاته وحاجاته، فما الذي ينساه الإنسان إذن، إنه ينسى حقيقةَ مصالحه، ينسى غاية وجوده، ينسى لقاء الله عز وجل والدار الآخرة، فيحمله هذا النسيان على أن يسلك مسالك الفسق، كي لا يكون كذلك، عقب الله تبارك وتعالى لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُون إن أحوج ما نحتاج إليه، هو أن نعيد بناء علاقتنا مع ربنا تبارك وتعالى لقد أظهرت الأيام التي مضت والتي أعقبت كبتاً طويلاً أظهرت كماً رهيباً رعيباً من الآفات ومن الأدران والأمراض النفسية ومن التربص والشحناء والضغينة، لقد كانت الأيام الأولى من هذا الحراك، أياماً طيبة على شدتها، لما استشعر الناس الخطر واستشعروا أنهم يجمعهم همٌّ واحد وخوف واحد، كانت القلوب على قدرٍ من الائتلاف لا بأس به، لكن لما أن زال هذا الشعور ظهرت في كمائن النفوس وظهر من أمراض القلوب الشيء الكثير الذي يراه الجميع، وأعظم هذه الأمراض وأصل هذه الأدواء هو نسياننا لربنا تبارك وتعالى، نسياننا لفضله ونعمته نسياننا لأمره ونهيه، نسياننا للقائه تبارك وتعالى.
فنحن اليوم نحاول أن نذكر أنفسنا بربنا تبارك وتعالى في سياقٍ لا يخرج عما ابتدئناه في الكلام عن التبسم وفلسفته.
نحن نتحدث عن صفة عظيمة من صفات الله تبارك وتعالى ألا وهي ضحكه سبحانه وتعالى، وليس غايتنا هاهنا استقصاء الأحاديث والآثار التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، وإنما الغاية والهدف هو التنبيه على هذه الصفة والتنبيه على أثرها وما تجلبه من أحاسيس ومشاعر في قلب العبد المؤمن.
لقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمة هذا العلم، وعظمة هذه المعرفة قال صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيح: ” إن لله عز وجل تسعةً وتسعين اسماً، مائةً إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة”.
فإذاً معرفة الله تبارك وتعالى ومعرفة أسمائه وحقيقة هذه الأسماء هو سبيلٌ لنيل رضوان الله عز وجل ونيل السعادة في الآخرة.
ولكننا للأسف كعادتنا اتخذنا هذه الأسماء العظمى، اتخذنا أناشيد، أغاني، تستفتح بها المحلات وصالونات الحلاقة، واحد عنده فرح، واحد عنده سبوع، وليس هذا من التعظيم الذي ينبغي لهذه الأسماء الحسنى وهذه الصفات العظمى للرب تبارك وتعالى التي أخبرنا بها لكي نعبد ربنا تبارك وتعالى بها، لكي نتدبر فيها ونتفكر ونتأثر بها ونتعظ.
في سنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد، وفي هذا الإسناد كلام، وله طرقٌ حسنه بها بعض أهل العلم، حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه، بيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك ربنا تبارك وتعالى من قنوط عباده، وقرب غيره، فقال ابو رزين: أويضحك الرب يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نعم، فقال أبو رزين: لن نعد من رب يضحك خيراً.
هاهنا يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خبر من الغيوب المتعلقة بربنا تبارك وتعالى ويخبر عن هذه الصفة العظيمة من صفات ربنا عز وجل يقول: ضحك ربنا تبارك وتعالى من قنوط عباده وقرب غيره.
القنوط هو اليأس، ييأس الإنسان من تحسن الأحوال وتغير الأوضاع، يبتلى إنسان ببلاء في نفسه ربما في نقص في رزق، أو فقدٍ لمال، وربما يبتلى بداءٍ أو مرض أو يبتلى في ولدٍ أو في عزيزٍ أو في قريب، بمرضٍ أو نحوه من الابتلاء، فيسرع القنوط إلى قلبه، ويسرع اليأس إلى نفسه، فييأس من تبدل الأحوال وتغير الأوضاع وعود الأمر إلى ما كان عليه من حال العافية، والعافية قريبة منه أشد القرب وأدناه، فالرب تبارك وتعالى العليم الخبير في عليائه ينظر إلى هؤلاء العباد الذين أسرع إليهم اليأس، بينما فرج الله عز وجل ورحمته القريبة وشيكة اللحوق بهم، ووشيكة الإزالة لابتلائاتهم وبلاياهم، فهو سبحانه وتعالى ينظر إلى العباد والحال هذه فيضحك من قرب فضله ونعمته، ويضحك من سرعة يأس العباد من فضل الله عز وجل وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُور اليأس من إيه؟ من إن البلاء ده يزول، أو من النعمة تعود.
طب والكفر: كفر بسابق العهد من الفضل والإحسان والإنعام الإلهي الذي بقي يغمرنا طيلة حياتنا، ينسى كل الفضل والإحسان السابق وييأس أيضاً من زوال هذا الذي نزل به، طيبوَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ ربنا أذهب عنه هذا وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي خلاص أيامك السودة ولّت،طيب فيه الحمد لله، لأ
إِنَّهُ لَفَرِحٌ فرحٌ بالنعمة بحيث ينسى المنعم تبارك وتعالى فخور بينسب ده لنفسه كأنه هو اللي أزال مش الرب سبحانه وتعالى إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ صبروا في الأولى، فلم يقنطوا ولم ييأسوا،وعملوا الصالحات في الثانية حينما آتاهم الله عز وجل النعمة بعد الابتلاء فشكروا اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ.
طيب أبو رزين العقيلي حينما استقبل هذا المعنى قال يا رسول الله، أويضحك الرب، إذاً هذا العلم لم يكن عنده مسبقاً لأن العلم عن الله سبحانه وتعالى إنما يؤخذ من مشكاة النبوة ملوش مصدر تاني، يبقى إذاً الإنسان بيرتقي في العلم شيئاً فشيئاً، ويوماً بعد يوم، وكلما ازداد علماً بالله، كلما ازداد حباً وتعظيماً له تبارك وتعالى بيرتقي، كلما ارتقى في مراقي المعرفة، كلما ارتقى في مراتب القرب وفي مراقي التعظيم، وفي مراقي الولاء لله رب العالمين، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا مش حاجة تاني ليه؟
لأن العلم ده هو ده اللي بيورث القرب من الله تبارك وتعالى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم، قال: لن نعدم من ربٍ يضحك خير، هو عايز يقول ايه؟ عايز يقول إن الرب سبحانه وتعالى اللي صفته الضحك لابد أن ينيل عباده منه خيراً وإحساناً وبراً.
يبقى هو عمل ايه؟ هو ترجم، هو مش مجرد كلمة كده وخلاص النبي صلى الله عليه وسلم بيقول لنا حاجات معرفة بربنا سبحانه وتعالى عشان المعرفة ديه هتترجم، هتترجم لمعاني لمشاعر إيمانية، لحركة وسلوك في واقع الحياة التي نعيش.
فالصحابي فوراً ترجم هذه الكلمة إنه هو يعلم من حال البشر إن الإنسان البشوش الذي يضحك، عادةً ما يأتي منه الخير وينتفي عن سبيله الشر.
طب الإنسان العبوس دائماً، المقفهر دائماً الحانق دائماً الغاضب دائماً، غالباً ده مبتخدش منه حاجة كويسة، فالترجمة الفورية أنه قال: ” لن نعدم من ربٍ يضحك خيراً “.
يبقى إذاً هذا المعنى الذي أضيف إليه ماذا أفاده؟ أفاده الاستبشار بفضل الله عز وجل وبمنته وبنعمه تبارك وتعالى.
يحكي أبو هريرة رضي الله عنه، الحديث في صحيح البخاري، حديث طويل، يذكر فيه، رضي الله عنه ما حكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حال العباد في يوم المعاد وكيف يحشر العباد وكيف تتبع الأمم الكافرة مع هداتها الباطلة حتى تلقيها في نار جهنم، وكيف تبقى هذه الأمة وفيها منافقوها حتى يفصل الله عز وجل بينهم.
وكيف يفصل الله عز وجل بين عباده ويقضي بينهم، وكيف يجيز سبحانه وتعالى الشفاعة للنبيين والملائكة والصالحين في إخراج من استوجب النار من عباد الله المؤمنين الموحدين وبعد ذكر هذا،يقول صلى الله عليه وسلم: ” حتى إذا فرغ الله تبارك وتعالى من القضاء بين العباد يبقى رجلٌ مقبل بوجهه على النار ” واحد واقف كده ووشه مستقبل جهنم عياذاً بالله، ” فيدعو ربه تبارك وتعالى فيقول: أي رب اصرف وجهي عن النار فإنه قد قشبني ريحها، وأحرقني زكاؤها “
هذا الرجل يطلب من الله سبحانه وتعالى مطلباً واحداً، يطلب من الله تبارك وتعالى فقط أن يجعل ظهره إلى النار وجهه إلى الجنة، إذاً فهو لا يملك أن يحول وجهه إلى ناحية الجنة.
لايملك الناس في يوم القيامة حراكاً إلا بإذن الله تبارك وتعالى لهم.
مجرد إن هو يلف، هو مش عارف يلف، لابد أن يحول الله عز وجل ظهره إلى النار، ولذلك إحنا تكلمنا قبل ذلك عن قضية الفاعلية والمفعولية، وإن الإنسان له مقدار من الفاعلية في هذه الحياة، هذه الفاعلية هي ابتلاء واختبار من الله، لينظر سبحانه وتعالى كيف نفعل فيما قدره، وأن هذه الفاعلية في إطار الهيمنة العامة لله تبارك وتعالى.
وأن الإنسان في حال خروجه من هذه الحياة، يتحول من حال الفاعلية إلى حال المفعولية المطلقة، لا يملك حراكاً إلا بتحريك الله عز وجل.
فهو يطلب من الله تبارك وتعالى ويسأله ويرجوه ويدعوه ويتوسل إليه أن يصرف وجهه بعيداً عن النار، لأنه قد قشبه: أي أتعبه وأهلكه وسمم بدنه هذه الريح لهذه النار، وأحرقه زكاؤها أي لهيبها، فيدعو الله عز وجل ما شاء أن يدعو ويستمر في الدعاء والطلب من الله سبحانه وتعالى لكي يصرف وجهه عن النار.
فيقول الله تبارك وتعالى فهل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسألني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعطي ربه عز وجل ما شاء من عهود ومواثيق ألا يسأل غير الذي سأل، مش عايز حاجة تانية، فقط الله سبحانه وتعالى يصرف وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة ورآها، سكت ماشاء الله عز وجل له أن يسكت، ثم قال أي رب قدمني إلى باب الجنة.
هو دلوقتي لفّ كده وبص للجنة فحاسس إن هو عايز يروح هناك، بس هو محرج، آدي تمن تلاف عهد وميثاق إن هو مش هيكلم تاني، خلاص مش عايز حاجة تانية من الدنيا، ولا من الآخرة خلاص كده، وبعد ما سكت كده شوية قرر إن هو يجرب، فقال: أي رب قدمني إلى باب الجنة، فقال الله تبارك وتعالى: ألم تعطني عهدك وميثاقك ألا تسأل غير الذي سألت، ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، فيقول: أي رب يستمر في الدعاء، فيقول الله عز وجل: هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسألني غيرها، يقول: لا وعزتك، المرة الأولانية قال: لا أسأل غيرها، المرة التانية: حب يشدد عشان يأكد إن هو مش هيعمل كده تاني، قال: لا وعزتك، فيقدمه الله عز وجل إلى باب الجنة، فإذا وصل إلى باب الجنة انفهقت له، انفهقت: يعني اتسعت وانفتحت، فرأى ما فيها من الخير والسرور، فسكت ما شاء الله عز وجل له أن يسكت، ثم قال: أي رب، أدخلني الجنة، فيقول الله عز وجل: ألم تعطني عهدك وميثاقك ألا تسألني غير الذي سألت، ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، فيقول: يارب لا تجعلني أشقى خلقك، فيدعو الله عز وجل ما شاء له الله له أن يدعو، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله عز وجل له فإذا ضحك الله عز وجل منه قال له: ادخل الجنة.
فإذاً يستمر العبد في دعاءه وطلبه من الله وتوسله إليه حتى يضحك الله عز وجل منه ويرضى عنه، فإذا ضحك منه، قال: ادخل الجنة، فإذا دخلها قال الله عز وجل له: تمنى، فيسأل ربه ويتمنى، فيسأل ربه ويتمنى، شوف انته عايز ايه، وربه تبارك وتعالى يذكره، يقول له: تمنى كذا، مهو حاجات بقى، كتير، فيه حاجات فاكرها وحجات نسيها وحاجات ميعرفهاش، فربنا سبحانه وتعالى بيلقنه، بيقوله؛ مش عايز كذا، مش عايز كذا، مش عايز كذا، ده آخر واحد.
حتى إذا انقطعت به الأماني، قال الله تبارك وتعالى له لك ذلك كله ومثله معه.
ويحكي ابن مسعود رضي الله عنه عن آخر من يجوز على الصراط فيخبر رضي الله عنه الحديث في مسلم أيضاً أن هذا الرجل يمشي مرة ويكبو مرة، يعني: يكّعبل، وتسفعه النار مرة، يعني: لهب النار يجي في وشه، حتى إذا ما جاوزها التفت إليها فقال :تبارك الذي نجاني منكي، لقد أعطاني الله تبارك وتعالى شيئاً لم يعطه أحداً من الأولين والآخرين، هو يرى أن هذه المنة العظمى التي أمتن الله عز وجل بأن أنجاه من الوقوع في النار مع من وقع، نسأل الله السلامة والعافية، أن هذه النعمة والمنة أفضل من أي شيء أعطاه الله عز وجل أحداً من الخلق، طيب.
إذا تجاوز رفعت له شجرة، يعني: رأى على مدّ البصر كده؛ شجرة.
فقال: يارب أدنيني من هذه الشجرة، أقرب بس منها، فاستظل بظلها وأشرب من مائها، يقول الله تبارك وتعالى لعلي إن أعطيتك إياها أن تسأل غيرها، يقول: لا يا رب، فيقول صلى الله عليه وسلم: ( وهذه صفةٌ أخرى ومنةٌ أخرى ونعمةٌ أخرى ) فيقول: لا يارب، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، ده البني آدم، هو شايف حاجة، فهو أصلاً نفسه بتكله كده هو مش هيقدر، فالرب سبحانه وتعالى يقول له: لعلي إن أعطيتك إياها أن تسألني غيرها، هو بيقول: لأ، والرب تبارك وتعالى ليس فقط يعلم أنه سوف يسأل، بل يعلم سبحانه وتعالى أنه معذورٌ في هذا السؤال لأن هذه طبيعة الإنسان، لأنه يرى مالا صبر له عليه.
ولذلك إحنا أمرنا في هذه الدنيا بغض الأبصار،ليه؟ لأن الواحد عينه لما بتعلق في حاجة، لابد إن قلبه يتبع العين، فيشتهي ويتمنى، وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ولذلك أوصى صلى الله عليه وسلم أهل الإيمان أن ينظروا فيما يتعلق بأمور الآخرة إلى من هو أعلى وأرقى، وأن ينظروا في أمور الدنيا إلى من هو أدنى وأسفل،قال: ذلك أدنى ألا تحقروا نعمة الله عليكم.
الواحد لما يبص في الدنيا للي أقل منه بيستشعر نعمة ربنا عليه، طب لو بص فوق، جتنا نيلة في حظنا الهباب ده طبيعي، فهي المشكلة كلها، طالما انته بصيت، هتبتدي المشكلة بعد كده، ولذلك لابد إن الإنسان يغض من الطرف بداية عشان ميفتحش على نفسه أبواب المشاكل، لازم وده أصل عظيم من أصول الشريعة اسمه ” سد الزرائع ” قفل الأبواب للطرق اللي بتؤدي للمشاكل والشرور ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الشبهات والأمور الملتبسة؛ هي حلال ولا حرام، قال فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه ولعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، ليه؟، لأن ديه هتجرأ الإنسان على اللي هو أبعد من كده.
هو بيعمل حاجز ما بينه وما بين الوقوع في الحرام، بيسيب مسافة، فجوة، عشان النفس لا تطمح بعد المشتبه إلى المحرم.
وربه يعذره لأنه يرى مالا صبر له عليه فيدنيه الله عز وجل منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة أخرى هي أحسن من الشجرة الأولى، على مدى البصر فيه واحدة تانية أحسن.
فيقول: يا رب أدنيني من هذه الشجرة، عايز أنط طبيعي عايز أعلى، أكتر، أحسن، فيقول الله تبارك وتعالى ألم تعاهدني ألا تسأل غيرها، ثم يقول تبارك وتعالى لعلي إن أعطيتك إياها أن تسأل غيرها فيقول: لا يارب.
فيدنيه الله عز وجل منها فيشرب من مائها ويستظل بظلها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة، هي أحسن من الأولنيين، فيقول يا رب أدنني من هذه الشجرة، أشرب من مائها واستظل بظلها.
فيقول الله عز وجل :ألم تعاهدني ألا تسأل غير الذي سألت، فيقول: بلى يا رب، هذه ولا أسأل غيرها، ديه بس معلش، آخر مرة، آخر حاجة، ديه بس، فيدنيه الله عز وجل منها، فإذا قام على باب الجنة، سمع أصوات أهلها، _الناس اللي فرحانه جوه_ فيقول :يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله عز وجل يا ابن آدم، ما يصريني منك، ايه اللي هيقطع عني لسانك بقى ومسألتك الكتير، أيسرك أن تكون لك الدنيا ومثلها معها، حلو انته تخش الجنة كده، طيبة معاك كويسة، فيقول: يا رب أتستهزأ مني وأنت رب العالمين، مش واسعة شوية ديه يعني، فعبد الله بن مسعود رضي الله عنه ضحك، فقال: ألا تسألوني مما أضحك، فسألوه، فقال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له يا رسول الله؛ مما تضحك، قال: من ضحك رب العالمين حينما قال له العبد: يا رب أتستهزأ مني وأنت رب العالمين، فيقول الله تبارك وتعالى: إني لا أستهزأ منك ولكني على ما أشاء قادر.
فإذاً هذه الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الأحاديث التي ذكرنا تعطينا هذا المعنى العظيم وهذه الصفة العظيمة لله تبارك وتعالى وأثر هذه الصفة وعظيم رحمة الله تبارك وتعالى في التعامل مع عباده حتى المقصرين منهم.
آخر من يجوز على الصراط، أو آخر من يدخل الجنة أو آخر من يخرج من النار، هؤلاء أشد العباد تقصيراً وأقلهم عملاً صالحاً، والله عز وجل يعامل هؤلاء بهذه المعاملة الدالة على الرحمة وعلى النعمة، وعلى المنة، وعلى الحلم، وعلى الإحسان، وعلى الإكرام.
فما بالك بعطائات الله عز وجل للسابقين المقربين وللأنبياء والصالحين وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمً
الحمد لله رب العالمين.
وآخر ما نذكر: حديث أبي ذر رضي الله عنه في صحيح مسلم، وهو يحكي عن آخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً فيها ؛ فيذكر رجلاً يؤتى به يوم القيامة يقول الله عز وجل للملائكة: أعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها،واحد عامل سيئات كتير منها صغائر ومنها كبائر.
فالله سبحانه وتعالى يأمر الملائكة أن تعرض على هذا العبد الذنوب الصغار، وترفع عنه الذنوب الكبار، فيقال له: هل عملت يوم كذا وكذا, كذا وكذا، هل عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا.
يقرر بكل هذه الذنوب التي عمل، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، كده، كلما، بص لواحدة، بس هو فيه مصايب ورا، عامل مصايب كبيرة هو مش لاقيها، هو مستني اللي يجي، أصل هو كده كده ضاع، ما بالك لسه التقيل ورا، ده هو مستني الباقي وآعد، مش عارف.
فيقال له: قد أبدلك الله عز وجل مكان كل سيئةٍ حسنة، هيقول إيه بقى.
يقول: يا رب قد عملت أشياءً لا أراها هنا، طب فين بقى المصايب الكبيرة، يعني الحاجات الصغيرة ديه، كل سيئة تبقى بحسنة، فالصغير هيبقى أده، طب الكبير، لأ دا أنا بقى عامل بلاوي سودة هي فين البلاوي اللي أنا عملتها.
هو لسه من دقيقة واحدة بس كان قاعد إيه: يا رب استر، إيه اللي هيحصل دلوقت، دا أنا ضعت أصلاً.
يقول أبو ذر فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجزه، طب، مما ضحك النبي صلى الله عليه وسلم؟
أصل الحركة حركة استلواح، يعني: ليس هناك ما يتمدح به من هذا الفعل، لكن أسلوب الإنسان أو طريقة الإنسان في التعامل، والأعجب من ذلك، هو مين اللي قال: اعرضوا عليه صغار الذنوب ونحوا عنه الكبار، ماهو ربنا سبحانه وتعالى، ويكأن الرب تبارك وتعالى يستخرج منه هذا المسلك، ويستخرج منه هذا الموقف.
ماهو ربنا سبحانه وتعالى العليم الخبير، هو اللي قال لهم، صدروا دول وخلوا التانيين ورا، هي ماشية كده، فاستخرج منه سبحانه وتعالى هذا الفعل الذي استضحك منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورجل آخر، أعجبٌ من العجب؛
يقول أنس بن مالك، النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه يوماً فضحك، فقال: ألا تسألوني مما أضحك، قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: أضحك من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، يقول يا رب ألم تجيرني من الظلم، فيقول الله تبارك وتعالى: بلى، قال: فإني لا أقبل عليّ إلا شهيداً من نفسي، الملائكة بقى والصحف، لألألأ،، الحاجات ديه، الورقة ديه مش ورقتي على فكرة، الدوسيه ده مش بتاعي، أنا في النهاية عايز، شاهد داخلي، فالله عز وجل كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً، فيختم على فيه، أفل بئه كده خلاص.
ويقال لأركانه ( جوارحه بقى؛ عينه،ودانه، رجله، ايده ) فيقال لأركانه انطقي، فتنطق عليه بأعماله، كل بقى البلاوي السودة ديه، الحاجات المكتوبة ديه اللي هو بينكر، لألألأ مش تبعي ديه، ثم يؤذن له في الكلام، فيقول ايه؟
فيخاطب جوارحه فيقول: سحقاً لكنَّ وبُعداً فعنكن كنت أناضل، الله يخرب بيتكوا ودتونا في داهية، طب هو الشخص ده هو امته يفهم، يعني دلوقتي، كل ما مرّ عليه من الآيات، كل ما مرّ عليه من دلائل العظمة والقدرة لله تبارك وتعالى،هو دلوقتي الجوارح ديه نطقت بمزاجها يعني، ولا ربنا سبحانه وتعالى هو اللي أمرها إن هي تنطق، كان ينفع غير كده، أحياناً الإنسان نسأل الله السلامة والعافية فيه على بصيرته وعلى بصره غشاوة، هو لسه لحد هذه اللحظة ما أدركش إيه الموضوع، هو اعتقد إن هما ندلوا معاه وباعوه، طب ما إحنا كلنا هنروح في داهية، “عنكنّ كنت أناضل” ما أنا أصلاً كنت بحاول إن أنا، محنا كلنا هنتحرقوا، دا انتوا عالم غريبة صحيح.
ده عجب من العجب، هو الإنسان حتى هذه اللحظة لم يهتدي بعد لعظمة الله تبارك وتعالى وقدرته.
طيب نحن من خلال هذه الكلمات عايزين نطلع بإيه؟ إيه اللي إحنا عايزين نخرج بيه، احنا مش بنحكي حواديت، ده دين ده وحي من الله تبارك وتعالى أنزله على قلبه صلى الله عليه وسلم عشان يخبرنا به فنعتقده وندين به.
هو إيه المطلوب؟ زي ما قلنا في الأول ؛ المطلوب إن إحنا نتعرف على الله تبارك وتعالى أكتر، نتعرف على فضله تبارك وتعالى ومنته وإحسانه، نتعرف على عظمته تبارك وتعالى وجلاله.
طب المعرفة ديه هتودينا فين؟ إيه اللي احنا هنحتاجه أو هنستفيده من هذه المعرفة.
زي ما قلنا هذه المعرفة هي التي تقود الإنسان إلى الله، أي إنسان بعيد عن ربنا سبحانه وتعالى لابد إن يكون هناك علة للبعد، في سبب بيبعد الإنسان عن الله،هذا السبب إما الغفلة، وإما الجهل.
إما الغفلة؛ اللي هي التوهان، هو أصلاً لا يعقل ولا يعي غاية، وإما الجهل، إن هو معرفته بالله سبحانه وتعالى أو معرفته بالدين معرفة قاصرة أو معرفة غير صحيحة، هذه المعرفة القاصرة أو المعرفة الغير الصحيحة، بتؤول في النهاية إلى إن الإنسان يكون بعيد عن رضوان الله تبارك وتعالى
فإذاً هذه المعرفة منا بالله تبارك وتعالى هي التي سوف تقود الإنسان إلى أن يهتدي إلى ربه تبارك وتعالى
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من العارفين به، من العالمين بأسماءه وصفاته، من المعظمين لحدوده وحرماته.
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً،وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، ويقيناً صادقاً، وعملاً صالحاً متقبلاً.
اللهم إنا نعوذ بك من علمٍ لا ينفع،ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعاءٍ لا يسمع
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.