بسم الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
تكلمنا بالأمس عن قول الله عز وجل قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، ولازلنا نتحدث عن السماء إننا في كل سيطرة الشهوات الأرضية الطموحات الأرضية الصراعات الأرضية التي ملأت علينا حياتنا نكاد أن ننسى كلية هذه الكلمة كلمة السماء.. إن وراء هذه الحياة الأرضية الضيقة التي نعيشها قيم أخرى أعظم وأن لهذا الكون إلهاً سبحانه وتعالى فوق السماوات قال الله عز وجل فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ
الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من طين لازب لاصق لاطيء بالأرض والإنسان بهذه الصفة وهذه التركيبة ليس له فضيلة على غيره من المخلوقات ولا يستحق تكريماً ولا تقديراً لكن الله سبحانه وتعالى قال وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فإنما كرم الله عز وجل هذا الإنسان بهذه النفخة العلوية التي وضعها فيه هذه النفخة العلوية هي التي تصل هذا الإنسان الطيني تصله بالسماء هذه الروح هي التي جعلها الله سبحانه وتعالى سامية راقية بالإنسان إلى مراقي الصعود هذه الروح لا تسكن ولا تطمئن ولا تستقر إلا إذا اتصلت بالمحل الأعلى اتصلت بالسماء الذي منه أتت ولذلك قال الله تبارك وتعالى حينما أمر آدم وإبليس بالهبوط من السماء قال فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى من أين يأتي هذا الهدى يأتي من السماء فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا الضيق والحرج الذي يجده الإنسان في صدره هذا الضيق وهذا الحرج إنما يكون من اختناق هذه الروح التي احتوى عليها صدر هذا الإنسان كلما غرق الإنسان في هذا الوحل وهذا الطين الذي منه نشأ وكلما نسي هذه الروح التي كرمه الله عز وجل بها كلما شعرت هذه الروح بالضيق والاختناق ولذلك في حديث البراء بن عازب في سنن أبي داود حينما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مصير هذا الإنسان وكيف يكون حاله من حين أن تأتي الملائكة لقبض روحه إلى حين أن تعاد الروح في جسده فيسأل من ربك وما دينك وما تقول في الرجل الذي بعث فيكم أخبر صلى الله عليه وسلم أن الروح حينما تخرج من هذا الجسد تطلب محلها في السماء فأما الروح الطيبة روح العبد المؤمن فإنها تفتح لها أبواب السماء ويشيعها من كل سماء مقربوها وأما الروح الخبيثة فهي أيضاً تصعد إلى السماء تطلب مكانها ومحلها ولكن هذه الروح الخبيثة لا تستحق أن ترقى في مراقي الصعود. ولذلك لا تفتح لها أبواب السماء بل تطرح في الأرض طرحاً وتلا صلى الله عليه وسلم قول تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ
يبقى إذن هذه الروح لا استقرار لها ولا سعادة ولا طمأنينة إلا إذا اتصلت بالسماء اتصلت بربها تبارك وتعالى ولا هداية لهذه الروح إلا باتباع الهدى الذي أنزله الله عز وجل أيضاً من السماء قال تعالى في وصف القرآن: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ
فإذن هذه الروح إنما هبطت من السماء وهذا القرآن أيضاً إنما هبط من السماء ليرتقي بهذا الجسد وهذه الروح لكي ترتقي في مراقي الصعود إلى ربها عز وجل وتتصل بهذه السماء ولذلك لما أراد الله سبحانه وتعالى أن يفرض على عباده هذه العبادة العظيمة التي هي الصلاة التي هي الصلة بين العبد وبين ربه بين الأرض وبين السماء استدعى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات فلما انتهى إلى سدرة المنتهى فوق السماء السابعة حينئذٍ كلفه الله عز وجل بهذه العبادة التي تصل الأرض بالسماء تصل هذا الجسد وهذه الروح بالرب تبارك وتعالى في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ” بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ – صوت الباب لما يتفتح كده ويزيق ده اسمه نقيض – فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: ” هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ “
ففي هذا الحديث يفتح هذا الباب من السماء أيضاً وينزل هذا الملك من السماء أيضاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه البشريات وبهذه الكلمات بفاتحة الكتاب وبخواتيم سورة البقرة لم ينزل بهذه الآيات إنما نزل بالبشارة الفاتحة كانت موجودة مسبقاً وخواتيم البقرة كانت قد نزلت منذ زمن لكنه نزل بهذه البشارة ” لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ ” أي لم تشتمل هذه الفاتحة وهذه الخواتيم من سورة البقرة على دعاء إلا أتاك الله عز وجل إياه فنحن نقول في فاتحة الكتاب إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ نطلب عون الله ثم نقول في فاتحة الكتاب اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ونقول في خواتيم البقرة رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا نقول في خواتيم البقرة رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
فالله سبحانه وتعالى يجيب هذه الدعوات ويستجيب لهذه الكلمات يبقى إذن ليس لهذه الروح سعادة إلا إذا اتصلت بالسماء ولا اتصال لها بالسماء إلا إذا اتصلت بالقرآن الذي نزل من السماء هذا القرآن أنزله الله سبحانه وتعالى من السماء لكي يسمو بالإنسان لكي يرتقي بالإنسان في مراقي الصعود إلى رضوان الله عز وجل سوف نتكلم غداً بإذن الله عن خواتيم سورة البقرة وما آتانا الله عز وجل فيها من الخيرات.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم