بسم الله والحمد لله وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
نحن تكلمنا الدرس الماضي عن سيدنا أبوبكر، وتكلمنا عن المقدمات أو الإرهاصات أو النعم التي يقدمها ربنا سبحانه وتعالى بين يدي الخير الذي يريد ربنا سبحانه وتعالى أن يسوقه لإنسان.
تكلمنا عن شيء من قرب سيدنا أبوبكر من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يعد أقرب الناس إليه في مكة، وأنه أكثر الناس مشاركة له في الصفات الطيبة، يشاركه في صفات البر والإحسان والإعانة للناس والمشاركة في كل خير، ودرء كل مفسدة أو مشكلة.
قريش كان لها أسلوب في تقسيم المهام الأساسية والوظائف، وكانت تقسم المهام والوظائف على البطون والعشائر، قريش قبيلة لها مجموعة من البطون أي عائلات – بتعبير مقارب: عائلات – هذه العائلات مستواها مختلف من حيث النسب وشرفه وتتفاضل في هذا، وبالتالي مستوى المكانة، مستوى القوة المالية، مستوى العزوة والسند، لكن قريش رغم ذلك تفرّق الوظائف الأساسية على كل البطون، ومع الاختلاف بينهم في المستويات، متشاركين بنسبة ما في الإدارة فيكونون جميعًا لديهم قدر من الرضا، فلا يوجد غضاضة في النفوس.
فبنو تيم ويمثلهم سيدنا أبوبكر كان هو الشخص المسئول عن الديات، فهذه الديات هي المال الذي يدفع حينما يكون شخص تعدى على شخص، فما فائدة السعي في تأدية الديات؟ درء الفتن والمنازعات والاقتتال بين الناس، فكان سيدنا أبوبكر إذا تحمل حمالة وبها دية ستدفع، فسيدنا أبوبكر كان يتحمل ويطلب من قريش أن تشارك، فأي شيء كان يطلبها كانوا يشاركون فيها، بخلاف غيره، فإذا تطوع غيره ودخل في موضوع فلا يشاركوه.
ولذلك قلنا في خطبة قديمة تتكلم عن الحديبية أن عروة بن مسعود الثقفي وهو يتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم قال له أنك ليس لك قبل لمواجهة قريش، وأن الناس الذين معك أخلاط من قبائل مختلفة، وهذه الأخلاط إذا حدث شيئًا فعليًّا أو مشكلة فعلًا، كلهم سيهربون ويتركوه، فسيدنا أبوبكر ردّ عليه واشتد، فعروة بن مسعود سأل عن الذي اشتد عليه، فقالوا له أن هذا أبوبكر؛ فقال له: لولا يد لك عندي لم أجازيك بها لأجبتك، فهو يقول له أنني من الممكن أن أرد عليك، ولكن هناك شيء سيمنعني، ما الذي سيمنعني، عروة بن مسعود الثقفي وهو يتكلم هو على دين قومه من عبادة اللات والعزى، فهو لم يكن مؤمنًا، ولكنه يقول له: أنت لك جميل عليّ وأنا لم أشكر جميلك، فجميلك هذا في رقبتي وأنا لن أستطيع أن أرد عليك. فما هو الجميل؟ الجميل: هو أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه – ابن أخو عروة بن مسعود – وقلنا هذا قبل ذلك أكثر من مرة،، صحب قومًا من بني مالك في رحلة إلى المقوقس في مصر، ثم وهم عائدين هم كانوا يضايقوه، هم كانوا عشرة وهو شخص واحد ليس من بطنهم، فهم كانوا يضايقوه طوال الوقت، فهو تضايق، فعندما تضايق أتى لهم بخمر وجعلهم يشربون، فكلهم غابوا عن الوعي، فقتل العشرة وأخذ المال وذهب للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له الحمد لله أني أسلم وها هو المال، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ( أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء )، هذا المال أُخذ غدرًا، ولن آخذ هذا المال.
فأسلم المغيرة فمن الذي سيتحمل الموضوع؟ عمه، فهذا قتل عشرة رجال، عشرة رجال أي ألف ناقة، فمن الذي سيدفع هذا المال، وهو ذهب وترك القبيلة، فسيدنا أبوبكر كان يشارك في هذه الديات، فقال له: أنت لي عليّ جميل فأنا لن أستطيع أن أرد عليك، فسيدنا أبوبكر من قديم وهو يشارك في كل خير وكل بر وكل إحسان، ولذلك ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال ( تجدون الناس معادن خيارهم في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا ) أكثر أناس لديهم قابلية وقرب أن تؤمن وأن تقبل على الله سبحانه وتعالى هم أكثر الناس الذين يتسموا بصفات أخلاقية طيبة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوجّه الناس للدين يتدرج في خطابه فيخاطب الأقرب فالأقرب، الأقرب للاستجابة يخاطبه قبل غيره، فأول شخص اختاره ليكلمه سيدنا أبوبكر، وحق له أن يكون هذا الشخص.
ذكرنا الدرس الماضي أن سيدنا أبوبكر يسمع عن شيء اسمه النبوة، أو يلتفت لهذا المعنى، قلنا أن نبوة سيدنا إبراهيم وإسماعيل معروفة في العرب من قديم، ولكن هذا المعنى اندرس من قديم، لا يذكره أحد ولا الناس مدركة قيمة النبوة، ولا تتكلم عنها، وظلمات الجهل غلبت على المجتمع، فسيدنا أبوبكر مثلما قلنا، وهو جالس سمع حوار بين أمية بن أبي الصلت وزيد بن عمرو بن نفيل، قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، فهذا الكلام لابد أن يكون قبل البعثة بخمس سنين أو ست أو سبع، كحد أدنى من الزمن، فلو قلنا أن سيدنا أبوبكر ليكن سنه ثلاثين سنة، فهو عندما أسلم كان ابن سبع وثلاثين، فهو في هذا الوقت كان في هذا السن أو أقل قليلًا.
فهو كان جالسًا والناس تتكلم فذكروا أن هناك نبي ينتظر، فسيدنا أبوبكر يقول أنه أول مرة يلتفت إلى هذا المعنى أو أدركه، ما معنى نبي؟ وقلنا أن سيدنا أبوبكر عندما أحب أن يعرف، ذهب إلى ورقة بن نوفل؛ الشخص المعرفو بعلم يعرف عن الكتب والرسل، فذهب ليسأله، فقال له: أنا سمعت كذا، فقال له: نعم يوجد نبي ينتظر أن يرسله ربنا، وأن يختم به ربنا النبوة، هذا النبي في العرب، ومن أوسط العرب نسبًا، أرقاهم وأعلاهم نسبًا، فيتوقع أن يكون النبي من قريش وبالتالي يكون من مكة، فهو هنا، سيكون هنا، فهو سأل ما النبي؟، قلنا قبل ذلك: أن النبي أصلها الارتفاع والرقي، كلمة النبوة معناها العلو والارتفاع، وقلنا حكمة ربنا سبحانه وتعالى العظيمة في اختيار المعاني للكلمات، قلنا أن هؤلاء الناس لأنهم عرب يعرفون العربية، فيعرفون ترجمة هذه الكلمات، فعندما يقال مثلًا ” صلاة ” هذه الصلاة هي الدعاء الذي يقيم الصلة بين الإنسان وبين الله، فعندما يؤمروا بالصلاة فهم مدركين أنهم يؤمروا بأن يدعوا ربنا سبحانه وتعالى ويتقربوا إليه، لأن كلمة الصلاة نفسها بمفردها ليست تحتاج،.
الزكاة: الطهرة والنماء، فلما يقال لهم أنكم ستؤدوا الزكاة، ما معناها؟ أنك تفعلون شيئان؛ عملية تطهير النفوس وعملية إنماء للأموال، بدون شيء بدون أن تشرح له، بالعربية الزكاة معناها هذا، لست محتاجًا أن تشرح له معناها، ولذلك ربنا جعل القرآن عربي لعلكم تعقلون، أنه بمجرد الفهم للكلمة أنت ستدرك إلام تدعى، ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ، نحن قلنا قبل ذلك، ما هي الشريعة؟ مورد الماء العذب القريب، فالآن حينما يقول أن ربنا سبحانه وتعالى أرسل محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة، ما هي الشريعة؟ الشريعة هي مورد الماء العذب القريب، هؤلاء الناس كانوا يعتمدوا السقي للإبل وللدواب، هذا السقي؛ هم سيوردوها حوض فلو وجد نهر به ماء صافي وهذا الماء الصافي كثير، وهذه الماء قريبة، وليست بئر، فمبجرد تركه لنوقه فهي ستشرب، وهو لن يفعل شيئًا، وهذه الشريعة، المنهاج: أي الطريق الذي يوصل إليها منحدر أي لكي تريد أن تصل إلى الماء لا تصعد، فهي منحدرة، وبالتالي هو سيترك النوق وهي ستنزل بمنتهى اليسر والسهولة وترد الماء وتشرب، والماء كثيرة تسعى أي عدد من الإبل والماء نقي، فإذا دعي إلى الشريعة مؤكد أنه لن يرفض، لأنهم مدركين هم إلام يُدعوا، هم يُدعوا إلى مصدر الحياة السهل والقريب، شيء هم يحتاجونها ضروري، وحياتهم توقف عليها والوصول إليها سهل وليس به تعب وليس به مشقة.
فلو قلنا بالنسبة إلينا معنى الصلاة أو الزكاة أو معنى الشريعة أو غيرها، معنى النبي؟ النبي: الشخص ذو المكانة العالية، الكلمة بفردها هكذا، يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ ولذلك نحن قلنا قبل ذلك في حديث البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه ويلقنه ماذا يقول قبل أن ينام، قلنا أنه كان يعلم هكذا، يأتي بشخص وسنه صغير ليس كبير، خمس عشرة أو ست عشرة سنة، والنبي صلى الله عليه وسلم أتى به ويقول له كلمات يحفظها له، ويقول له آخر شيء تقولها قبل أن تنام تقول هذه الكلمات، فهو يريد أن يحفظهم، فيقول أنه أعادهم مرة أخرى، لكي أتأكد أني حفظتهم جيدًا، ليس فقط أن النبي صلى الله عليه وسلم قالهم لها فقط، ويراجعهم عليه، فهو في آخر الدعاء ماذا يقول؟ يقول ( آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت ) فالبراء يراجع فقال ( آمنت بكتابك الذي أنزلت ورسولك الذي أرسلت ) فقال له: لا، أنا لم أقل لك هذا، أنا لم أحفظها لك هكذا، أنا قلت ( وبنبيك الذي أرسلت ).
فبالنسبة إلينا، لا تفترق، فالرسول والنبي لا يختلفان، ” ورسولك الذي أرسلت ” مثل ” ونبيك ” .. لا، لماذا؟ عندما تقول ” ورسولك الذي أرسلت ” أنت تتكلم عن معنى الرسالة، والرسالة ولوازمها أن من يرسله ربنا لابد أن يكون شخص محترم جدًا، فهذا أنت ستفهمه فهمًا، أما ” نبيك ” فأنت تنص على هذا نصًّا، أقول ” آمنت بالنبي ” والنبي هو الشخص ذو المكانة العالية، وبالتالي الذي يستحق أن يرسله الله، فلما تقول النبي والرسول، فكلمة النبي ما معناها؟ معناها الشخص ذو المكانة الرفيعة، والرسول: الشخص الذي اصطفاه ربنا لكي يحمله أمانة، لأنك حينما تقول الرسول ما معناها؟ معناها أن الشخص الذي ينقل الذي أمره به الله حرفيًّا، لا يصلح أن يكون رسولًا إذا أتى بشيء من عنده، أو يضيف أو يحذف أو يقدم أو يؤخر، لا يكون رسولًا، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى قال وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى فلا يصلح أن يأتي بشيء من عنده، فهو يقول له النبي والرسول، فهو حينما يسمعوا هذه الكلمات لم يكونوا في حاجة لأن يشرح لهم أحد هذه الكلمات، ولكننا نحن نحتاج هذا، لأن هذه الكلمات ليس مفهوم معناها، ولذلك الطبيعي، أنهم إذا أيقنوا بمعنى الزكاة يسهل عليهم إخراجها، فلو لم يقنوا بمعناها؟ ربنا يقول الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وبالتالي، وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا فلماذا؟ لعدم العلم، لعدم العلم، لا يستطيع أن يترجم، وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ كم كانت رحمة ربنا سبحانه وتعالى بالمؤمنين، ربنا قال لهم أن هؤلاء الأعراب معظمهم سيرتد، إذا قرأنا لن نصدم، فسيدنا أبوبكر كان يقرأ القرآن، فلن يصدم بأن يرتدوا لأن ربنا قال له هذا، قال وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ هم ينتظرون الوقت الذين من الممكن أم ينقلبوا به، وما أساس الانقلاب؟ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا فأساس المشكلة أين هي؟ أننا لن ندفع المال، الصلاة، نصلي، لا مشكلة الصلاة نصليها، المال، لا.
وفي المقابل وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ انتبه في الآية الأولى لم يذكر الإيمان تمامًا، قال يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ليس هذا فقط عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ فهذه الردة ستؤول إلى ماذا؟ ستؤول إلى الانحدار والانكسار، وهذا كله موجود في القرآن، فلا يوجد صدمة، لا مفاجأة أصلًا، وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وماذا بعد؟ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ لذلك لم يرتد كل الناس، ربنا قال أن هذا موجود وهذا موجود وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ هو هو قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إذًا ربنا قال أن هؤلاء أجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، وبالتالي يتخذون الزكاة، الزكاة التي هي طهرة ونماء، سيترجموها مغرم، والمؤمنين؟ سيتخذوها قربة، هي هي، هي هي نفس الشيء، نفس الشيء تنظر إليها الناس نظرة مختلفة تمامًا، حسب ما بداخلهم، فربنا حينما ذكر من سيتخذها قربات، قال أولًا الذين يؤمنون بالله، ويؤمنون بلقاء الله، وهذا ما سيجعلهم يترجموا الزكاة على أنها قربة إلى الله.
فالنوع الأول: ليس لديهم الإيمان، فلو لم يوجد عنده الإيمان، لا تطلب منه أن تكون الزكاة قربة، لابد أن تكون مغرم، طالما الإيمان غير موجود لابد أن تكون مغرم، فأنت إذا وجدت شخص أن ربنا وسّع عليه رزقه، ولكنه حينما يحسب يجد أن زكاته كثيرة، فلا يخرجها، ويقول أنا أتصدق كل فترة أخرج، وفي العيد أخرج،،، تعرف أن أساس المشكلة أنه يتخذها مغرم، لماذا؟ الإيمان، يوجد خلل هنا.
فلو آمن بالله واليوم الآخر مثلما قال ربنا؟ سيتخذها قربة له عند الله، يجد ثمرتها يوم لقاء الله، ولكن ليس هذا فقط، الثمرة الدنيوية قبل الثمرة الأخروية، ولذلك قلنا من عظمة نعمة ربنا علينا بالدين، أنه لم يعزل الدنيا عن الآخرة، قال يوجد شيء به خير الدنيا والآخرة جميعًا، إما أن تأخذهم معًا أو تتركهم معًا، وليس كما يظن كثير من الناس أن عليه أن يفاضل بين أن يأخذ الدنيا، أو يأخذ الآخرة، لا، قال أن خير الدنيا مرتبط بخير الآخرة، من سيتناول أمر الله بالإذعان والقبول، يأخذ الخير في الدنيا مرتبط بالخير في الآخرة، أما الذي لن يأخذ هذا؟ لن يكون له خيرًا لا في الدنيا ولا في الآخرة، من الممكن أن يوجد شيء من الفتة، ولكنها الفتنة وليست الخير، الفتنة ليست الخير، الفتنة أن يعطيك ربنا الشيء ويحقق لك أمرين، تحقق لك الطمأنينة والسكينة والسعادة، وربنا سبحانه وتعالى يرزقك منها البركة، أي من الممكن أن يكون الإنسان في نعمة ظاهرة تبدو كذلك، ولكنها في الحقيقة نقمة، لذلك ربنا سبحانه وتعالى قال: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ هؤلاء من لهم الجنات، هؤلاء من لهم الغرف، هؤلاء من لهم النعمة الحقيقية عند ربنا سبحانه وتعالى، وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ إذن الإنسان محتاج أن يفرق بين النعمة وبين الفتنة، الاثنان من الممكن أن يكون شكلهم من الخارج مثل بعض، ما الفرق بين النعمة والفتنة؟ ما أثرها عليك؟ هل حققت لك طمأنينة وسعادة، أم لم تحقق لك هذا؟ قال تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا المعيشة هذه هي الجزء المادي، فهذا موجود، ولكن لم يأتي معها ما يرتجيه من السعادة والراحة النفسية والطمأنينة، لم تأتي، لماذا؟ لأن ربنا قال الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ بدون هذا، لن يكون هناك راحة نفسية، فسيكون معه، من الممكن أن يكون معه مادة – أموال – ولكن هذه المادة لا تفعل معه شيئًا، فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ فهي موجودة، موجودة،، وربنا يخاطب من؟ يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ونحن من ورائه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وهو المخاطب، يقول أن هذه الأشياء عندما تراها يعجبك شكلها، فأنا لماذا سأقول لك لا تعجب بهذا وتفتن به، إلا إذا كان مؤثر، فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ لأنها من الكثرة ومن البهرج ما يجعل الإنسان يعجب وربما يفتن، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ليس في الآخرة لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا المال نفسها من الممكن أن تكون كثيرة ولكن تكون مصدر شقاء للإنسان، والأولاد من الممكن أن يكونوا متواجدين، ولكن لا تسل عن العقوق وعن المعاملة السيئة وعدم الاكتراث، فهو شخص نحن نحلبه ونخرج منه المال، هو ليس له وزن أو قيمة عندنا كبني آدم، فهو ليس أب، ففي النهاية هذه الأشياء موجودة، لكن ما هي في الحقيقة؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فلماذا ” بها ” ، لماذا ” بها “؟ لأنهم لم يريدوا أن يجعلوا هذه الأشياء مصدر نعمة، لأننا لم نشكر، فالفكرة أن الإنسان سيوليه ربنا إذا شكر فتكون مصدر نعمة وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ هي نفس الشيء، أنا كيف سأتعامل معها؟ فماذا تكون النتيجة؟ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ فلا يبقى شيء، لا دنيا ولا آخرة.
إذن منطق ” جتنا نيلة في حظنا الهباب ” ليس منطقًا صحيحًا، لأنه علام يعتمد؟ يعتمد على رؤية صطحية غاية في الصطحية، أولًا الشيء الذي أراه هذا هل يقارنها إيمان وعمل صالح وخير؟ فربنا حينما منّ على داوود وسليمان عليهما السلام، ماذا قال لهم ربنا؟ قال آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ هو وجههم إلى هذا، أنه في النهاية: النعمة حقيقة النعمة أن يشكر الإنسان فضل ربنا عليه وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ في النهاية هذا هو مآل الأمر، إلى أين سيذهب؟ كيف نميّز بين النعمة وبين الفتنة، أو بين النعمة وبين النقمة، يقول صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا وهو مقيم ) لا يذهب ويعود، ( وهو مقيم على معصيته، فاعلم أن ذلك منه استدراج، ثم تلا ) ما معنى ” ثم تلا “؟ معناها أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ربما يستنبط من كتاب الله أحيانًا، يستخرج هو نفسه المعنى من كتاب الله، ( ثم تلا قول الله تبارك وتعالى فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
” إذا رأيت ” ما معناها؟ معناها أنك تحاول أن تتفقد حكمة ربنا سبحانه وتعالى في أفعاله وفي أقداره، وتستطيع أن تترجم، فالفرق بين الإنسان المؤمن وغيره؟ أن الإنسان المؤمن يعرف يترجم ما حوله بشكل صحيح، يعرف يترجم بشكل صحيح، فماذا يقول ربنا فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ هذه ترجمة وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ هذه ترجمة، ربنا يقول لا، قال كَلَّا هذه الترجمة ليست صحيحة، هو يرى أن السعة المادية علامة على الحب، ونحن دائمًا نقول هذا، اسمع أي شخص يقول لك فلان ربنا أكرمه، واسمع أي كلام يقال بعدها، لن تجد أي شيء متعلق بعلاقة الإنسان مع ربنا تمامًا، ” أكرمه ” هذه كلها أشياء مادية، ” فربنا أكرمه أقصى كرم ” ستجد أنها كلها مادية، حتى الصلاة لا تذكر، فلا يقال ربنا أكرمه لأنه يصلي الحمد لله، تمامًا
فربنا يقول فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ لا، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ هذا اختبار وهذا اختبار فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ليست واسعة معه فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ أنا لا أستحق هذا، أنا أستحق أفضل من هذا بكثير، ويوجد أناس لا تصلي ولا تخلع من القدم أيضًا، ومعهم من الأموال…. لماذا يحدث هذا، لماذا يفعل ربنا معي هذا؟
فربنا يقول أن هذه المنظومة كلها منظومة فاسدة، أصلًا كل هذه المنظومة الفكرية فاسدة، فليس لها علاقة، هذا اختبار وهذا اختبار، وهذا امتحان وهذا امتحان، فلا علاقة له بشيء تمامًا، لا علاقة له لا بإكرام ولا بإهانة، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ هذا هو القانون إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ليس لتتشاجروا، لا لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ هذا هو القانون، ليس شيئًا آخر، هذا هو الميزان في علاقة الإنسان مع ربنا سبحانه وتعالى.
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ كل شيء موجود، وماذا بعد وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا فنحن كنا نسير معًا، ثم فلان فتحت الدنيا معه، وأنا لازلت كما أنا، فعندما أنعم ربنا عليه جدًا ماذا فعل؟ أول شيء، أول شيء كلم صاحبه، فما الذي يجعله يفعل هذا؟ فهذا ليس الطبيعي، الطبيعي ألا يفعل هذا، فهو استدار لصاحبه فماذا قال له؟ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا فلماذا، لماذا أفعل هذا؟ لماذا؟ لماذا أضغط عليه نفسيًّا؟ لماذا أريد أن أشعره أنه أقل مني؟ لماذا أريد أن أشعره أنني أعلى منه، لماذا؟ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، هذا موقفه من الناس الذين كانوا معه ومصاحبين له، وماذا بعد؟ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا كيف يحسب الأمور؟ أول شيء هو سيستعلي على الناس المحيطين به، هذا أول شيء، الأمر الثاني: أنه سيمني نفسه أن هذه باقية لا تزول، ثم سيتشكك في لقاء ربنا الذي كان مؤمنًا به، ثم يقول لنفسه: ولو كان يوجد لقاء ربنا ويوجد الآخرة، فربنا سيعطيني أفضل من هذه بكثير،، كل هذه المنظومة مختلة، فهل هو كان هكذا بالأمس؟ لا لم يكن هكذا أمس، ولكن النعمة عندما أتت إليه لم يستطع أن تحملها، قلبيًّا لم يستطع أن يتحملها، فتحولت لفتنة، فعندما تحولت لفتنة فماذا فعل مع الناس؟ بدلًا من أن يحسن لمن حوله بما آتاه الله، لا، فعل مثل قارون، سيستكبر ويتعالى عليهم.
ثم يشكك نفسه في الآخرة، لماذا؟ لماذا يشكك نفسه في الآخرة؟ لأنه لا يريد أن يضع في ذهنه فكرة أن هذا من الممكن أن يخسره يومًا ما، ما أعطي من عطاء لن ينقطع، ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ، لكن فكرة الآخرة مازالت بداخله، هو سيحاول أن يدفعها، فهو كان مؤمن بها زمان، ولكنه الآن لا يريدها، ولكنها مازالت تؤرقه، فكيف سيحل هذه المشكلة، مادام ربنا سبحانه وتعالى اصطفاني من بين هؤلاء الناس وأعطاني، بين هؤلاء الناس وأعطاني فهو يحبني، ففي الآخرة سيعطيني، فأنتم تقولون عرضها السماوات والأرض، وأنا في هذه الدنيا الصغيرة أخذت كل هذا، فأكيد في الثانية هذه سآخذ أكثر من هذا بكثير لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا.
إذن هذا العطاء كيف اعتبره؟ علامة على الحب والإكرام، فربنا لا يقول هذا، ولكن يقول كلا فالحسبة ليست هكذا تمامًا، هذه في النهاية مجرد فتنة، النبي صلى الله عليه وسلم يقول عندما ترى أحد ربنا يعطيه عطاءات متتابعة وهو مصر.
فكلمة ” مقيم ” هذه ما معناها؟ معناها أنه استقر في مواطن جحود فضل ربنا سبحانه وتعالى وفي مواطن المخالفة، والمعاندة والعصيان، هو استقر هنا، لا يذهب ويعود، لا يصعد وينزل، لا يعصي ويتوب، لا ” مقيم ” مقيم،، ما معنى مقيم؟ معناها أنه استقر هنا وغير عنوان بطاقته وجعلها هنا، فهو لن يتحرك من هنا، وتأتي إليه عطاءات، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول أن تفسير هذا، تفسيره أنه انتهى، فلماذا انتهى؟ لأن الرسائل لم تعد تترجم، ولا تصلح، ثم تلا هذه الآية فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ماذا قبلها؟ قبلها فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ أناس كانت في نعمة فلم تشكر النعمة، وربنا سبحانه وتعالى رحيم بالعباد، سيغيّر عليهم النعمة ويحوّلهم لقدر من الضيق، لماذا؟ لأن النعمة أنستهم ربنا، فسيذكرهم الضيق بالله فيرجعون لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ يلجأوا إلى الله ويبتهلوا إليه، فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا يا ليتهم يفعلون هذا، وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ لأن الإنسان أمامه أمرين؛ حالة النعمة فيشكر فيزيده ربنا من النعمة، حال عدم الشكر، فماذا يحدث؟ ربنا يسلبه جزئيًّا هذه النعمة لكي يرجع إلى ربنا وينيب، فإذا لم تصلح هذه ولا هذه، ماذا بقي؟ لم يبقى شيئًا، فلما يكون لم يبقى شيئًا، وهو ليس له نصيب في الآخرة، لابد أن يعطيه ربنا نصيب واسع من الدنيا، لأن هذا ما اختاره وهو لا يريد ربنا تمامًا، هو يريد الدنيا، فخذ، ربنا يقول فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ كل شيء، كل شيء يتمنوها موجودة، لأنه انتهى، ولا يوجد شيء حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا هم الذين يملكون الأمور، مقاليد كل شيء في أيديهم، خزائن كل شيء بأيديهم أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ فما الفرق بين شخص وشخص، هل تستطيع أن تترجم ما قاله ربنا أم لا تستطيع، تسير على القانون الذي علمه لك ربنا أم لا، تستطيع أن تترجم الرسائل التي يبعثها إليك ربنا أم لا.
لذلك النبي صلى الله عليه وسلم جعل علامة الخير، فأنت تريد أن تعرف من أراد به ربنا الخير؛ ذكر علامتين؛ ( من يرد الله به خيرًا ) ذكر له علامتين، قال ( يفقهه في الدين ) لماذا؟ لأنه سيفهم، وعندما يفهم يستطيع أن يسير بشكل صحيح، فإذا كان لا يفهم، فلابد له أن يتخبط.
العلامة الثانية: ( من يرد الله به خيرًا يصب منه ) أي يعتريه ما بين الحين والحين شيء من الابتلاء، لماذا؟ لأن الابتلاء ينقي ويطهر ويخفف ويرد الإنسان إلى الله، ينقي ويطهر ويخفف ويرد الإنسان إلى الله ( من يرد الله به خيرًا )، لم يقل ” يصبه ” لأن ” يصبه ” هذه أي سيقع، لا، ( يصب منه ) هذه الإصابات الخفيفة ما وظيفتها؟ هي لها حكمة.
إرادة الخير متوقفة على أمرين: وجود قدر من الإصابة مع الفقه في الدين، لأنه إذا جاءته هذه الإصابات وهو ليس لديه فقه في الدين، فسيترجم بشكل خاطئ، فسيعتبر أن الشيء الذي أعطاه له ربنا لكي ينقيه؛ شيء أعطاه له ربنا لكي ينتقم منه، الشيء الذي يحسن إليه ربنا به سيعتبره إساءة، وهي نفس الشيء، نفس الشيء.
شيء من الابتلاء؛ هذا إحسان من الله للعبد المؤمن، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم قال أن هذا لا يكون خيرًا إلا للمؤمن ( إن أصابته ضراء صبر، وإن أصابته سراء شكر ) ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ) لم المؤمن؟ لأنه يفقه، سيفهم، سيستطيع أن يترجم، فسيعرف أن ربنا سبحانه وتعالى يرسل إليه ما يصلحه، نحن قلنا كثيرًا أننا نقول الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فهو يربي، يربي، نحن من المفترض أن نخضع لما يسمى بالتربية الإلهية، والتربية الإلهية هذه وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ربنا يربي الإنسان بما يصلحه، بالسعة أحيانًا، وربما بالضيق أحيانًا، بالقوة أحيانًا وربما بالضعف أحيانًا، بالصحة أحيانًا وربما بالمرض أحيانًا.
فما الفرق بين الإنسان المؤمن وغيره، أن المؤمن لأنه يفقه لا يظن بربنا ظن سيء، الحوادث واحدة لكن الاستقبال مختلف، لماذا؟ الفرق الفقه، فاهم أم غير فاهم، حسن الظن بالله، أم سيء الظن بالله، تظن بربنا سبحانه وتعالى فيما يقدره لك بأنه يعلمك ويهذبك ويربيك ويرقيك، أم يعاقبك ويبتليك، ما الفرق؟ الفرق بين أي شخص وأي شخص أن يفقه عن الله، فلكي تفقه عن الله؟ لابد أن تقرأ في كلام الله، لابد أن تقرأ في كتاب الله، لكي عندما يحدث أي شيء سواء شخصية أو في الإطار المحيط أو في الإطار الواسع أو حتى في إطار الكوكب أستطيع أن أترجمها بشكل صحيح، وبالتالي أستطيع أن أتعامل معها بشكل صحيح، هذه نعمة ربنا سبحانه وتعالى أنه بيّن لنا حقيقة الرسالة في القرآن، حقيقة الرسالة ربنا بيّنها في القرآن، فالناس الذي يريد بهم ربنا خيرًا يعطي لهم أمرين؛ أولًا يفهمهم، وبعدما يفهمهم يرسل إليهم امتحانات صغيرة، فأولًا يفهمهم، لأن الامتحان إذا جاء قبل أن يفهم لن يجيب بشكل صحيح، فأولًا يفهم ثم يقع في الاختبار، وهذا هو الطبيعي، أن تتعلم أولًا ثم تختبر، أن تعلم أولًا ثم تأتي بالاختبار، فالاختبار يبيّن لك هل فهمت الدرس جيدًا أم أنك محتاج إلى أن تعيده مرة أخرى، هل استوعبته جيدًا أم لم تستوعبه جيدًا.
فهم علامتان، لكن العلامة الأهم والأعمق: الفقه، لأن الفقه هذا ستقابل به السراء والضراء، امتحان الخير أصعب من امتحان الشر، قال صلى الله عليه وسلم ( والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا )، هو قال أن هذا هو الامتحان الأصعب، قال صلى الله عليه وسلم ( إذا فتح الله عليكم فارس والروم أي قوم أنتم، قال عبد الرحمن بن عوف: نكون كما أمر الله، فقال صلى الله عليه وسلم: أوغير ذلك ) لا لن يكون هكذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما سأل من الذي أجاب؟ عبد الرحمن بن عوف، وبعدما مضى النبي صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه بعدها بسنين من الذي يتكلم؟ عبد الرحمن بن عوف، يقول: (ابتلينا بالضراء مع رسول الله فصبرنا، وابتلينا بالسراء بعد رسول الله فلم نصبر ) هو الذي أجاب، قال ( أي قوم أنتم، قال: نكون كما أمر الله) سنسير كما أمرنا الله، لا لا لا، قال ( أوغير ذلك، تتحاسدون ثم تتباغضون ثم تتدابرون ) وبعد سنوات، هو يقول، نحن دخلنا امتحانين؛ امتحان الضراء معه، ونجحنا في الاختبار، وامتحان السراء بعده ولم ننجح في الاختبار، وقلنا أن هذا الاختبار مبني على ركنين، الضراء والسراء، و” مع ” و ” بعد ” .
” ابتلينا بالضراء مع رسول الله ” هنا يوجد ركنين الامتحان نفسه كان ماذا؟ كان امتحان الضراء وليس امتحان السراء، وكان معنا شخص، هذا الشخص ربنا يثبتنا به في امتحان الضراء، ثم فقدنا الشخص وجاء الامتحان الآخر، اامتحان الآخر أصعب ولم يكن معنا الشخص الذي يثبتنا، فنحن لم نكن قادرين على أن نتماسك.
ركنين، ما هي المادة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان معنا أم كان غاب عنا؟، فنحن نجحنا في الامتحان الأول لأن الامتحان أسهل والمثبت كان معنا صلى الله عليه وسلم، والامتحان الآخر لم يكن موجودًا، لكن من رحمة ربنا سبحانه وتعالى أنه ترك تثبيت، يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ من رحمة ربنا أنه ترك لنا شيء من الممكن أن نتماسك به ونثبت، لذلك ابن عباس يقول وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول ذهب واحد وبقي واحد، هو هكذا بالضبط، تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم بوجوده ليس موجودًا، لكن تثبيت الإيمان باقي، رحمة ربنا سبحانه وتعالى لنا بوجود شخص النبي صلى الله عليه وسلم ليس موجودة، لكن الاستغفار موجود، فهو يقول أن الأولى ذهبت فلم يبق إلا الثانية وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
فمهما كان حال الإنسان وهو مقيم على الاستغفار والتوبة فهو يعصم نفسه من عذاب الله، سواء الفرد أو المجتمع مقيم على الاستغفار والتوبة فهو يعصم نفسه من عذاب الله، وإن كان يأتي بموجبات العذاب، فالعذاب لا يأتي إلا عندما تأتي بموجباته، نحن نعصي ونخلط ونتعلق بالدنيا، ولكننا نحاول أن نقلص هذا ونستغفر ونراجع ونتوب، فهذه تدفع هذه، هذه تسند هذه، هذه تزيل هذه، فإذا وجدت هذه واختفت هذه انتهى الأمر، ولذلك الاستغفار صمام أمان، التوبة صمام أمان للشخص وللمجتمع، لكي يظل باقيًّا، لذلك من رحمة ربنا أن المجتمع لابد أن يكون به بعض الناس يستغفروا، بعض الناس يستغفروا، وبعض الناس ينصحوا، لابد أن يوجد هذا.
لابد أن يوجد كثيرون يستغفرون – كتير – وبعض الناس الذين ينصحوا – قليلين – المجتمع لابد أن يوجد به قليل من الناس ينصحون، وكثير من الناس تستغفر، فلو اختلت هذه المعادلة والموازنة؟ ( أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ) فمن الممكن أن يحدث هذا، ما صمام الأمان؟ حجم استغفار كبير وحجم نصح قليل، قليل، حجم نصح قليل وحجم استغفار كبير يبقى المجتمع على ظهر الأرض وإلا ابتلعه باطن الأرض، لابد من ذلك، أناس كثيرة تستغفر وأناس تدعو، وأناس تتضرع إلى الله وقليلون يحاولون أن يقولوا أي شيء، لكن ينصحوا بكلام صحيح.
فهذه القوانين أين مكانها؟ موجودة في القرآن وموجودة في السنة لكننا محتاجين أن نعرفها ونفهم لكي يمن علينا ربنا بالهداية والتوفيق، ( من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين )
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم