الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
نحن تكلمنا الدرس الماضي عن استقبال الوحي، وفترة الوحي، قلنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الوحي أول ما استقبله بحالة من الوجل وحالة من الخوف وحالة من القلق لأنه حدث غير مألوف، وغير معتاد، والنبي صلى الله عليه وسلم توجس أن يكون هذا مسًّا من الشياطين، فهو شخص جالس في مكان موحش مظلم، ثم يظهر شخص فجأة هو غير متبين له، ثم يضمه بقوة مرارًا، ثم يلقي إليه كلمات، وذكرنا أن ربنا سبحانه وتعالى من رحمته بالعبد أن يضع في طريقه، أو في صحبته أو في جواره من يثبته، ومن يسكن قلبه، ومن يهدئ من روعه، كان من رحمة ربنا سبحانه وتعالى أن قدّر أن تكون خديجة بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، في لحظة هي أصعب لحظة مرّت عليه صلى الله عليه وسلم على الإطلاق؛ الانتقال من حال البشرية العادية إلى حال النبوة والرسالة والاتصال بكلمات الله، والاتصال بملائكة الله، والاتصال بعالم السماء، وهذه حالة مختصة بالنبيين، لم يشاركهم فيها أحد من الخلق، فهذا أمر مختص بالأنبياء.
فالسيدة خديجة رضي الله عنها ألقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات التثبيت، وقلنا أنها لم يكن العلاج عشوائي، فهي ” ما طبطبتش عليه ” وقالت له ” إن شاء الله مفيش حاجة ” هي قالت معاني محددة بدقة، ووضعت قانون، يوجد فرق بين شخص يحاول أن يهدئ شخص أو ” يطبطب عليه ” وبين ما قالت، هي ماذا قالت؟ ” كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا ” فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ” لقد خشيت على نفسي ” ، إذًا الجملة تقول أنني قلق أن يكون هذا مس من الشياطين، فهي ماذا قالت؟ قالت: كلا، ولم تقل ” لا تقل هذا ” أو ” تف من بؤك ” لم تقل هذا الكلام، قالت: ” كلا، والله ” تقسم جزمًا وقطعًا ” لا يخزيك الله أبدًا ” كلام غاية في الحسم، ” لا يخزيك الله أبدًا ” ، لماذا؟ لماذا؟ هذا الكلام لا يرسل هكذا، هذا الكلام معلل تعليل دقيق، ” إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ” هذه مسوغات خمسة أن ربنا سبحانه وتعالى لا يخزيه أبدًا، ما معنى ألا يخزيه؟ أي أن ربنا لن يضيّعه، أو لن يقدّر له ما يسوؤه، لأنه إنسان يتعامل بالإحسان، ورب العالمين سبحانه وتعالى لا يعامل المحسن إلا بالإحسان، وقلنا أن هذه عظمة الفطرة التي فطر ربنا عليها الإنسان، هي تتكلم من منطلق أنها قرأت وحي، أو استمعت للقرآن، فلا يوجد شيء، من أين أتت باليقين بأن ربنا سبحانه وتعالى لن يعامله إلا بالخير؟ فطرة الإنسان التي فطر ربنا عليها أن ربنا سبحانه وتعالى لا يأتي منه إلا الخير، ولا يقابل الخير إلا بالخير هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ هذا قانون، ولا ينفع أن يتغير هذا القانون أو يتبدل، قال صلى الله عليه وسلم ” الخير كله بيديك والشر ليس إليك ” كل ما يفعله الله تبارك وتعالى لا يكون إلا خيرًا، هذا أول شيء.
فهذه الكلمات تلقي نوع من أنواع السكينة والطمأنينة في هذا القلب، قلنا أن هذا رقم واحد.
رقم اثنين: ذهبت إلى ورقة بن نوفل؛ الرجل المختص بالعلم، الذي إذا سألناه سيكون لديه جواب حول هذا الأمر، فهي تحركت على محورين، لا نريد أن نظل نقرأ كما نقرأ، كيف عالجت الحالة النفسية هذه، الأول: جزء من التطمين النفسي، الأمر الثاني: نريد شخص يفصل، فورقة لما استمع إلى الحدث، واستمع إلى الكلمات، قال أن هذا هو الوحي الذي اختص به ربنا النبيين، الوحي الذي أنزله ربنا سبحانه وتعالى على سيدنا موسى، وذكر موسى لأنه أعظم الأنبياء اختصاصًا بالوحي والشريعة والدين والرسالة والكتاب.
فإذن هنا هذا الكلام مبني على علم، فالعالم يقول أن هذا حق وليس باطل، هذا وحي وليس نزغات شيطان، وليس فقط هكذا، ورقة تمنى أن يرجع به الزمن للوراء لكي ينصر ويعين ويؤيد، وهذا كلام أعلى من مجرد أن تقول أن هذا حق، حرص الإنسان عليه، ومحبته له ورغبته في نصرته، دليل أقوى على أحقية هذا الكلام، يوجد فرق بين قولك أن هذا الكلام حسن، وأن تقول ” أنا معك ” ، ” فأنا معك ” أقوى وأعمق بكثير من قولك أن هذا الكلام حسن، أو أن هذا الموضوع حسن.
شخص يسأل شخص، هل أستثمر في الأمر الفلاني، فقال: نعم، من الممكن أن يأتي بمال،، هذا غير أن يقول الشخص خذ هذا المال وأدخلها معك في الموضوع،، إذًا أنا يقينًا – يقينًا – أعني ما أقول، لأنني أشارك مشاركة شخصية في هذا، فهذا أقوى في الدلالة على مصداقية الذي أقوله.
فورقة قدّر الله له البقاء، ونحن تكلمنا قبل زمان عن إرهاصات الإيمان والرسالة في مكة، وذكرنا زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل ” في خطبة رفيقا درب ” وأن زيد توفي قبل البعثة بخمس سنوات، وورقة أمدّ الله عمره إلى هذه اللحظة فقط، فالسيدة عائشة تقول ” فلم يلبث ورقة إلا أن توفي وفتر الوحي ” فهو بعد هذا الموقف؛ كأن ربنا سبحانه وتعالى أراد أن يبقيه – مثلما قلنا – لأن له دور في تثبيت قلب النبوة، ولكي يقر ربنا عينه بالرسالة التي كان منتظرًا لها، والهداية التي كان يتحينها، فلما أقرّ الله عينه قبضه إليه.
وقلنا أن الوحي بعد هذا تلبث فترة طويلة نوعًا ما لا تنزل، والنبي صلى الله عليه وسلم ظل في حالة من التردد إلى أن وصل إلى حالة الاستقرار التام والاشتياق للوحي، لأنه بعد استقرار الحالة النفسية تركز على الكلمات، ففي البداية يكون التركيز على الهزة والحدث، ما الذي حدث؟ ومن الذي لقيه؟ ومن الذي ضمه وهزه هذه الهزات القوية أكثر من تركيزه في الكلمات التي ألقيت إليه، فلما يهدأ ويسكن سيبدأ في الاسترجاع والاستعادة والاستيعاب للكلمات التي ألقاها ربنا إليه.
فلما كان يشعر بقدر من الاضطراب، إذًا كلمات السيدة خديجة أدت إلى التثبيت، لكن بطبيعة الإنسان من الممكن أن هذه الحالة من الثبات أن تكون غير مستقرة دائمًا، تأتي بعض الأمور تشوشر على العقل فيبدأ في القلق مرة أخرى، فتحتاج إلى قدر من التسكين، ثم تسير بشكل صحيح مدة، إلى أن تستقر تمامًا.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما كانت تأتي إليه حالة من حالات القلق بعد ذلك، كان ربنا سبحانه وتعالى يرسل سيدنا جبريل فيتبدى له؛ يقول: ” يا محمد – صلى الله عليه وسلم – أنت رسول الله وأنا جبريل ” ويختفي، فقط، ولا يقول شيء آخر، فهو أتى ليوصل إليه هذه الرسالة، أي أن الموضوع مثلما فهمت، فهذه حقيقة؛ لا تقلق منها ولا تشك فيها، ثم يختفي، ثم يحتاج لأن يظهر مرة أخرى، فيظهر واستمر هذا الكلام فترة.
وقلنا أن من حكم هذا؛ أنك الآن تتكلم عن نقلة ستغيّر حياة الشخص وحياة الدنيا من حوله، ولكن دعونا في حياة الشخص نفسه، فهو الآن ماذا أدرك؟ أدرك أن هناك شيء اسمه رسالة، وشيء اسمه وحي، وشيء اسمه العلاقة مع الله، وشيء اسمه الإيمان، وهو الآن محتاج أن يستوعب هذا لكي يأخذ قرار، والقرار محتاج لوقت، لأنه إذا أخذ القرار سيعرف يمشي بعد ذلك، فلو لم يأخذ القرار أو ظل يسير بشكل متذبذب سيظل دائمًا مضطرب، هو محتاج للوقت لكي يستوعب، ولكي يشتاق للوحي، ولكي يرغب فيه، ولكي يحسن استقباله عندما ينزل عليه، مينفعش إن هذه الفترة ” تتكروت ” ، ونحن في العادة ” بنكروت ” هذه الفترة، أنه يوجد دين، ويوجد علاقة مع الله، وأنا أتحرك قبل أن أستوعب عمق وخطورة الموضوع الذي أقدم عليه، فبعدما أسير من الممكن أن أضطرب أو أستثقل أو أستصعب، لماذا؟ لأن هذه الفترة ” اتكروتت ” ، فهذه الفترة استمرت حوالي ستة أشهر – وهي فترة طويلة جدًا – من ” اقرأ ” إلى ” قم ” ستة أشهر.
وبعدما استوعب النبي صلى الله عليه وسلم هذا وأدرك وضعيته الجديدة، وتشوق لنزول الوحي تبدى له سيدنا جبريل، لكن هذه المرة تبدى له بالصورة التي خلقه ربنا عليها، لم ينزل له بعد ذلك بهذا الشكل، هي مرة واحدة، مرة تحت، ومرة فوق، رآه مرة في الأرض ومرة في السماء، مرة واحددة فقط رآه بهيئته التي خلقه ربنا عليها.
يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي قال: ” فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني، زملوني، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ إلى قوله: فَاهْجُرْ، ثم حمي الوحي وتتابع.
طيب، هذه المرة هي المرة الثانية التي بها ” زملوني ” المرة الأولى حينما نزل صلى الله عليه وسلم من الغار جاء إلى بيته وقال لأهله زملوني، فلما سكن نوعًا ما، قال لخديجة ” لقد خشيت على نفسي ” فهنا؛ النبي صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية يأتي إلى بيته ويقول نفس الجملة ” زملوني ” في هذه المرة تبدى سيدنا جبريل له على صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح قد سدّ بعظم خلقه الأفق، فهو منظر مهيب بشكل لا يوصف، سيدنا جبريل بهذا العدد الرهيب من الأجنحة، والسماء كلها محجوبة وهو لا يرى شيئًا غيره، فمن هول المنظر النبي صلى الله عليه وسلم وقع – سقط على ركبتيه – ثم أسرع مضطربًا إلى بيته فقال ” زملوني ” فتبعه جبريل عليه السلام، وقال يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ، فلماذا لم يتبعه في المرة الأولى الذي قال فيها ” زملوني ” ولماذا تبعه هذه المرة؟ لأن هذه المرة كان يصلح ن يتبعه، أما المرة الأولى كان محتاج لهذا التسكين، أما هذه المرة فهو نفسيًا غير محتاج له، فكل الحدث هو عظمة هذه الصورة، فلماذا أراه ربنا سبحانه وتعالى هذه الصورة، فهو محتاج لأن يعرف للمرة الأولى هو مع من يتعامل، هذا هو الملك الذي سيتبدى في صورة دحية، وسيتبدى في صورة أعرابي، من هو؟ هو مع من يتعامل، فالذي جاء له بحراء، مؤكد أنه لن يدخل الجبل بهذه الهيئة.
فهو الآن رآه كما هو، كما خلقه الله لكي يعرف هو مع من سيتعامل، عظمة الشخصية التي تلقي إليه الوحي، عظمة الملك الذي اختاره ربنا سبحانه وتعالى لكي تنزل بكلمات الله، وسيأتي مع الوقت في كتاب الله بيان صفات جبريل عليه السلام، واحتفاء كبير بهذا الملك الكريم في كتاب الله تبارك وتعالى، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم رأى سيدنا جبريل على صورته،، فمن أيضًا رأه معه؟ فهذا المنظر لابد لأي شخص يمر أن يراه، فهذا وجود حقيقي، فوجود سيدنا جبريل ليس وهمًا، هو وجود حقيقي، هذا الوجود الحقيقي بهذا الشكل وبهذه الصورة كم شخص رأه؟ هو فقط، هو فقط من رأه، فمن الممكن أن توجد الحقيقة لكن من يستطيع أن يدركها ليس كل أحد، شخص واحد فقط الذي استطاع أن يرى سيدنا جبريل وهو موجود، أما بقية الناس لم يكونوا يشاهدون، فالشخص الذي سيكون مؤهل لرؤية الحقيقة، الذي سيسعى لرؤية الحقيقة، الذي سيحاول أن يرى الحقيقة سيراها، أما الذي لا يجهد في هذا السبيل، الذي لا يحاول، الذي لا يسعى، الذي لا يريد أن يرى الحقيقة؟ لن يراها، لن يدركها، وهل عدم إدراكه لها يعني أنها غير موجودة؟ لا، هي موجودة بصورة واضحة وناصعة لمن يبحث عنها ويحاول أن يجدها.
فنزل الملك عليه بهذه الكلمات، فالآن هو ينتقل من دائرة النبوة إلى دائرة الرسالة، يوجد واجب سيقوم به، قال الله تبارك وتعالى يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ نحن قلنا أن الكلمات الأولى كانت كلمات تتعلق بالعلم والقراءة وطلب الهداية من الله والاستعانة بالله، أما هذه الكلمات تتعلق بتوجيه لمهمة سيقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم، أي أنه بعدما أُمر بالقراءة، أُمر أن يبلغ، إذًا النبي صلى الله عليه وسلم نفسه سيتربى بهذا الوحي وهو سائر، سيتربى ويُربي في ذات الوقت، كل آية تنزل، هو يتربى بها ويُربي الآخرين بها في نفس الوقت، سيتلقى ويلقي، سيستوعب ويبلغ.
فالكلمات؟ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ العبارات كلها حاسمة، التوجيه، هذه طبيعته، هذه الك المات عبارة عن ماذا؟ هي توجيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم للمهمة التي هو مطالب بها تحديدًا، ولا يوجد كلام كثير، كلام محدد بدقة وبعبارات غاية في الوجازة.
يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ البداية بها درجة عالية من اللطف في الخطاب، ” يا أفندي، يا عم المتكلفت، قم ” هذا في النهاية خطاب به درجة عالية من اللطف في التوجيه، لكي ماذا يفعل؟ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ.
طيب، القيام؛ هو كلمة تنم عن معنى الاجتهاد، وليس معناه القيام الذي نعرفه، فعندما تقول ” فلان قام في الأمر ” أي اجتهد فيه بقدر وسعه وطاقته، وبالتالي ” فلان قام بالأمر ” أي أتمه كما ينبغي أن يتم، فأنت لديك أمران، ” قام في ” و ” قام بـ ” .
” قام في الأمر ” معناها أنه أغرق نفسه فيه، استغرق فيه، وبالتالي عندما يستغرق فيه يكون قادرًا على أن يمضيه ويقوم به، فلما يقول له قم، فهو إلام يدعوه؟ أن يجتهد أن يستغرق فيما يطالب به، ” ماذا سيفعل ” يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ لكي يفعل ماذا يفعل؟ قُمْ فَأَنْذِرْ ” أنذر ” ما معناها؟ أي يحذر شخص من شيء،، فهو غير محدد هو من ماذا سينذر، ولكن معنى كلمة ” أنذر ” أن هناك أناس في خطر، معناها أن هناك أناس تحت تهديد ولا ينتبهون إليه فعليه مهمة أن يحدزهم أو ينبههم، لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ نحن من المفترض لا يصلح أن نأتي بآيات من الأمام، ولكن من المفترض لكي نسير بشكل صحيح ألا نأتي بآية لم يأتِ دورها، ولكننا نوضح المعنى.
ما توصيفهم؟ قوم لم ينذر آباؤهم فهم غافلون،، هؤلاء الناس لا تدرك أي شيء، لا تدرك هدف الحياة ولا مغزاها ولا طبيعة العلاقة مع الله.
فما أثر هذا؟ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ فما مهمته؟ أن ينبه ويحذر وينصح ويرشد هؤلاء الناس أنهم إذا استمروا في هذا الطريق سيهلكوا، فهذا معنى الإنذار، الإنذار: هو روح الإحياء والتخويف والتذكير والتنبيه، شخص قلق على شخص، وخائف عليه ويريد أن يلحقه، هو أدرك شيء ولابد للناس بأن تدركه.
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ماذا كان يقول، يقول ” إنما أنا النذير العريان ” وذكرنا شرح هذه الجملة مرارًا، ما معنى النذير؟ قُمْ فَأَنْذِرْ هو يصف نفسه، يقول ” أنا النذير العريان ” وقلنا أن النذير العريان: هو الشخص الذي يأتي ليحذر قومه من خطر وشيك، فهو أدرك الخطر وأتى لهم وهو مازال بعيدًا، فينادي عليهم، والصوت لا يصل، فهو ماذا يفعل؟ ينزع ثوبه ويلوّح به، فهذا معنى العريان، فهو لماذا ينزع الثياب؟ لكي يلوح بها، ولماذا يلوح بها؟ لأن هذه الصورة سندركها قبل الصوت، فالناس تنتبه للخطر فتبدأ في الانتباه، فعندما يصل إليه ويسمعوا صوته، فيكونوا مؤهلين لأن يستجيبوا مباشرة، لا يحتاج لأن يحكي، فـ ” العريان ” هذه أول إنذار أن هناك خطر، فلما يصل يكونوا قد تجمعوا، ولكن إذا كانوا جالسين مرتاحين، فلما يأتي سيظل فترة لكي يتجمعوا، ولكنهم على هذه الحالة سيكونوا منتبهين ومتوترين ومنتظرين ” ماذا حصل؟ “
فهو بماذا يصف نفسه؟ بأنه النذير العريان، أشد ما يكون من الخوف والحذر والوجل عليهم، وأشد ما يكون من الاجتهاد في محاولة إنقاذهم في محاولة إنقاذهم، ولا يوجد وقت، ” العريان ” هذه معناها أنه لا يوجد وقت، هو يحاول ألا يضيع ثانية.
فلكي يصلح لهذه المهمة إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ لابد من أمرين: أن يكون لديه علم ” هو بماذا سينذرهم ” يوجد شيء، الأمر الثاني: أن يكون لديه شفقة، هو يخاف عليهم بالفعل لأن هذا لن يصتنعه، ما الذي سيجعلك حريص على أن ينجو أحدٌ من خطر، أن تكون خائف عليه فعلًا، فإن لم تكن خائف عليه، لن يعنيك الأمر، ولذلك لا يصلح أن يكون النبي كالموظف، لماذا؟ لأن الموظف الحكومي يسد خانة، لماذا يسد خانة؟ لأنه مطلوب منه بعض الورقيات والحضور في مواعيد، وانتهى الأمر، ومثل الفرق بين المدرس في الفصل والمدرس الذي يعطي درس، هو يظهر بمظهرين، فلماذا يظهر بمظهرين؟ لأن هذا مجاني، والأخرى بمال، هذا كذلك بالضبط، فالمدرس هنا إذا جاء التوجيه فهو لديه دفتر، وإذا جاء الوكيل فهو حضر في الحصة، وكنت موجود وكتبت التاريخ والعنوان على السبورة، وهو لم يشرح شيئًا، لكنه سد الخانة، ولكن لو كان هؤلاء الأولاد بالنسبة إليه وهو يعتبرهم بمنزلة أولاده؟ وهو لا يزال – إنسان طبيعي – يحب أولاده، سيكون حريص عليهم، و ” حريص عليهم ” هذه ليست لها علاقة بأنه يسد خانة.
فالنبوة والرسالة أساسها الرحمة، الرحمة هي الدافع الأساس للشخص الذي يريد أن ينقذ الناس، ولذلك ربنا اصطفاه لأنه هكذا وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ هذه هي طبيعته، فربنا سبحانه وتعالى يصطفي من للرسالة؟ الناس الذي تؤهلهم مقوماتهم لهذه الوظيفة، هو يصلح أن يكون رسولًا، لأن به مقومات الرسول، يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ الوضع الذي نحن فيه هذا سيهلكنا، فما الوضع الصحيح، وما المطلوب؟ أنت ماذا تريدنا أن نفعل وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ فما الفرق بين وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ و ” كبر ربك ” لماذا التقديم والتأخير؟، عندما تقول وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ اختصه بالتعظيم، أي لا تكبر إلا الله، ولا تجل إلا الله، ولا تعظم إلا الله، مثلما سيأتي معنا، عندما نقول إِيَّاكَ نَعْبُدُ غير قولنا ” نعبدك ” ، حينما تقول إِيَّاكَ نَعْبُدُ هذه تساوي لا نعبد إلا إياك، فهي مغلقة، ولو قلت ” نعبدك ” فمن الممكن أن تضع واو العطف وتضيف، أما إِيَّاكَ نَعْبُدُ لا تحتمل الإضافة، لا يصلح بها.
فلما تقول وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ أنت لا تقل أن ربنا كبير، لا لا، لا تكبر إلا ربنا.
طيب، رَبَّكَ فَكَبِّرْ ما معناها؟ ربنا سبحانه وتعالى هو الكبير، فأنت لن تنشئ شيئًا، ولكنك محتاج أن ترى ربنا سبحانه وتعالى مثلما هو في الواقع وفي الحقيقة، وهذا محتاج أن تعرف ربنا سبحانه وتعالى، فأنت لماذا ستكبر ربنا وتراه كبيرًا؟ عندما تدرك عظمة ربنا، وفي المقابل تقارن عظمة الله بكل ما يملكه المخلوق، فتشعر أن هناك كبير وصغير، يوجد ” كبير ” ويوجد ” صغير ” .
فما هي الرسالة؟ أنه سينذر، فماذا سيقول لهم؟ سيحدثهم أو يبني في قلوبهم أو يعيد لهم الإحساس بعظمة وكبرياء الله، وأنه لا يوجد أكبر من الله، ولا أقدس من الله، ولا أجل من الله، ولا أعظم من الله
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ قلنا ما الفرق بين الرب والإله؟ متى يستخدم الرب ومتى يستخدم الإله؟ حينما تقول الرب، فأنت تتكلم عن نعم وعطاءات ومنن وإحسان من الله إليك بلا حدود – بلاحدود – ، فلما تقول وَرَبَّكَ فأنت تستدعي كل معاني الإحسان، الخير الذي يمدك به ربنا سبحانه وتعالى من حين وجودك وإلى هذه اللحظة وإلى أن يشاء الله.
المربي الذي يغمر العباد بتربيته وترقيته وإعداده وإمداده سبحانه وتعالى، فـ ” ربك ” يستحق أن تعامله كما ينبغي أن يعامل، طيب،، هل يوجد رب آخر يستحق التكبير؟ فانت الآن ستقول من الكبير؟ الكبير: هو الرب، فهل يوجد رب آخر،، فهم اتخذوا آلهة أخرى، ولكن هل يوجد أرباب آخرين؟ فـ ” الإله ” هو ما أعظمه أنا، أنا أعظمه، استحق التعظيم أو لم يستحق، الإله أنا اتخذته إله، أنا جعلته محل للتعظيم، أنا الذي جعلته، من الممكن أن يكون هكذا بالفعل، ومن الممكن ألا يكون كذلك.
لكن الرب؟ لا، الرب هو الذي يعطي، والرب الذي يمنح، ولا أحد يمنح إلا الله، ولذلك الآلهة من الممكن أن يتعدد، ولكن الرب واحد، الرب واحد، فحينما تقول وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ فأنت لماذا تضع أحد آخر في مقام الكبرياء وهو ليس ربًّا، هو ليس ربًّا، فلماذا الذي هو ليس ربًّا تجعله في مقام الرب؟ ولذلك هو إلام يدعوهم؟ أن يقدسوا الرب الكبير سبحانه وتعالى، ولذلك لكي تقول وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ فهو عم سيتكلم أولًا؟ سيتكلم عن الرب، عن الرب أولًا، ثم يتكلم عن تكبير وتعظيم الرب، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ أولًا أنت تكلمني عن ماذا؟ تذكرني بالله، وربوبية الله، ونعم الله، عطاء الله، لكي ترجع في قلبي الإحساس بالمنة الإلهية، بالإحسان الإلهي، بالبر الإلهي، بإحساسي أنا من داخلي أنني أحب ربنا، وبالتالي أعظم ربنا، وسأستحيي أنني أعصي ربنا وأنا مغمور بنعم ربنا، هي تكون هكذا، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وهذه هكذا تكون جملة منطقية، حينما تقول وَرَبَّكَ بعد ذلك حينما تقول فَكَبِّرْ فيكون طبيعي، لن يكون هذا غريبًا، لن يكون غريبًا، طالما أنك اعترفت أنه ربك، فستتقبل أنك ترى ربنا سبحانه وتعالى كما هو، هو الكبير سبحانه وتعالى.
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ فالآن هو ذكّر بربوبية الله، وأمر بتعظيم الله، ثم يأمر بالنقاء والطهارة، يأمر العبد أن يسعى بأن يحصل الطهارة والنقاء، أول شيء نقاء الإيمان من أي صورة من صور الإشراك بالله، طهارة القلب من الحسد والضغينة والحقد، طهارة الصورة ونقائها، وبعد ذلك؟ المحافظة على الطهارة.
إذًا هو الآن بماذا أُمر صلى الله عليه وسلم؟ أُمر بأن يطهر نفسه طهارة كاملة، النقاء الكامل، الظاهر والباطن وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ يوجد نقطة أخرى، هو الآن سيحاول أن يعيد الناس إلى الإيمان، أو يجذب الناس لله، سيتعامل معهم ويخالط المجتمع، ويسير في طرقاته، فلابد أن يصيبه من درن المجتمع أخلاق ومعاملات، عندما تحتك بمجتمع، هذا المجتمع أنت تؤثّر فيه، وهو يؤثّر فيك، فإذا كانوا هم كثيرون وأنت واحد؟ سيكون تأثيرهم عليك أكثر من تأثيرك عليهم، فإذا لم تنتبه إلى هذا؛ فمع الوقت تبدأ في الاصطباغ بصبغة الناس الذين كنت تريد أن تجعلهم على شكلك، فإذا لم تكن دائمًا حينما ترجع إلى بيتك ” تطهر ثيابك ” وتستعيد نقائك، تنقي نفسك، فمع الوقت ثوبك سيملؤه الوسخ.
فهو الآن سيتحرك وسط الناس، سيدعو الناس، سيحاول أن يرشدهم، سيعطيهم وسيأخذ منهم، ما يأخذه منهم هذا لا يصلح أن يؤثّر عليه، ولذلك هو دائمًا محتاج أن يقوم بعملية التنقية الدائمة المستمرة، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ الرجز هذا: هو الشرك،، انأى بنفسك عن كل صور التكبير والتعظيم لغير الله، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ والهجران: أي أنك تبعد تمامًا.
وفي قراءة أبي بكر عن عاصم ” والرٍجِزَ فاهجر ” ، الرُجز: هو الشرك، و ” الرٍجز ” هو العذاب، فهل يصلح أن يقال للشخص ” اهجر العذاب “؟ ما معنى ” اهجر العذاب “؟ أي تجنب أسبابه، تجنب الوقوع في أسباب سخط الله وعذاب الله، كل ما يبعدك عن الله هو من الرجز، كل ما يصرفك عن الله هو من الرجز، كل ما يجلب للعبد – عياذًا بالله – سخط الله وغضبه هو من الرجز، كل شيء لا يرضي الله هي كذلك.
فهو يقول له ابعد عن العذاب، وهذا أقوى من أن تقل لي ابعد عن أسباب العذاب، لأننا جميعًا نخاف من العذاب، كلنا نفسيًّا نقلق منه ونهرب، عندما تقول لشخص ابعد عن العذاب أو الهلكة، وهو لا يرى حسيًّا عذاب؟ فما العذاب؟ العذاب هو هذه الأشياء التي ستوجب العذاب، فهي ستوجب العذاب في الآخرة نعم، أما في الدنيا ! هي عذاب فعلًا، هي عذاب، مخالفة ربنا سبحانه وتعالى، مخالفة أوامر الله، إفساد الإنسان لفطرته هو عذاب دنيوي، عذاب معنوي، ليس فقط العذاب الأخروي، فحينما يقال لك وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ أي اهجر العذاب، أنك ستضع نفسك في دائرة العذاب والألم، وستسلب نفسك السعادة والهدوء والطمأنينة والراحة النفسية إذا بعدت عن ربنا، في الأولى قبل الآخرة، فحينما يقال لك وَالرِّجْزَ فهو يقول لك ابعد عن العذاب، البعد عن ربنا عذاب، هو يقول هذا، ابعد عن العذاب، وَالرُّجْزَ هو الشرك، وَالرِّجْزَ العذاب
وبعد ذلك؟ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ فالآن ربنا سبحانه وتعالى حينما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم بالواجب الذي أمره به ربنا حدد له بشكل محدد ودقيق هو ماذا سيفعل، وبعبارات حاسمة ومحكمة، قبل أن يقوم الإنسان بأي شيء، قبل أن يفعل أي مهمة، قبل أن يأخذ أي خطوة، لابد أن يكون عالمًا بشكل واضح هو ماذا يريد أن يفعل بالضبط هو ماذا يريد أن يفعل.
وعندما يريد أن يوجه شخص شخصًا أو يدير شخص، أو يقود شخص، لابد أن يحدد له بشكل واضح هو ما المطلوب أن يفعل لئلا يتيه، وإذا أحببت أن تراجعه أو تحاسبه أو تقيّم عمله، علام ستقيمه؟ كلام غاية في الوضوح والدقة والتحديد، أُمر بالاجتهاد في أداء مهمة، هذه المهمة فحواها الإنذار، ولها مضمون، التذكير بالربوبية وتعظيم الله، الحرص على تنقية النفس بالإيمان وبالطهارة والنقاء، والبعد عن كل أسباب الدنس، وكل أسباب البوار والهلاك، هذه عبارات مجملة، وكل القرآن القادم يفصل، ما الذي ينجي وما الذي يهلك، ما الذي يسعد وما الذي يشقي، ما الذي سيرتب الفوز وما الذي يرتب الخسران، توضع القوانين، ثم تأتي التفاصيل، أصبح واضحًا، وربنا يقول له صلى الله عليه وسلم أنت ماذا ستفعل في كلمات بسيطة، فالدين كلمات بسيطة رَبَّكَ فَكَبِّرْ ثِيَابَكَ فَطَهِّرْ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ فقط، ثم يقول له وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وهو لم يفعل شيئًا، هو لم يتحرك خطوة، ” تمنن ” هذه ما معناها؟ أن تمنّ على ربنا – عياذًا بالله – أو تمن على الناس بأنك ذو فضل عليهم، هم كانوا يهلكون وأنت انتشلتهم، شخص كان ضائع وشخص يمن عليه أنه ذو فضل عليه، قبل أن يفعل شيئًا، فهو هذه الجملة – عياذًا بالله – لو وقعت في نفس نبي، بعد رحلة طويلة جدًا من المعاناة ومن الجهد، ومن الكبد ومن الكدح في هداية الناس، سيذكّره بعد طريق طويل – لا تنسوا ماذا فعلت معكم –
فربنا يقول له لا يأتي عليك يوم، اليوم، ولم يحدث شيء، أنت لا تقول له ماذا يفعل فقط، فأنت تحذره ما الذي من الممكن أن يفسد عمله، ما الذي يمكن أن يفسد الخير الذي منّ عليه ربنا به، ما الذي من الممكن أن يفسد الثواب الذي سيعطيه له ربنا، فلا تضيّعه بأن تمنّ على الناس أو تستكثر على الله، وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ فمن أين ستأتي المنة؟ أنك ترى أنك ما فعلته شيء كبير، شيء كثير جدًا، يوجد شيء كثير وشيء كبير، يمكن أن تقول للناس ” أنا فعلت ” لأنني أرى أنني فعلت شيئًا كبيرًا، هذا سيضيّع كل شيء، قبل أن يتحرك، يقول له احذر أن يأتي عليك يوم تفسد الخير الذي أعطاه لك ربنا، وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ لأن المنة من الله، المنة من الله قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ ليس منك، ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا ربنا الذي يعلم من الذي يستحق هذا الفضل، ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ” حبب ” و ” زيّن ” و ” كرّه ” ، كله ربنا الذي يفعله، نحن لا نفعل شيئًا، نحن لا نفعل شيئًا، نحن نحاول أن نضع أنفسنا في المكان الذي ينزل ربنا علينا خير، فقط، ولذلك لا يصلح أن يأتي على الإنسان وقت يظن أنه صنع شيئًا، أو يمن على ربنا – عياذًا بالله – بشيء، أو يمن على شخص أنه أعطى له شيء أو صنع له شيئًا، ويوجد شخص قبل أن يفعل شيئًا، قبل أن يصنع شيئًا، قال للناس ” وأنا الذي علّمتكم الكرامة ” فأنت لم تفعل شيء بعد، وما سيفعله من الممكن أن يكون سيء،، ولكن بعيدًا عن سيء وحسن، فلو أنك علمتنا الكرامة فعلًا؛ فحتسبها عند الله، لا يصلح أن تمن على الناس بأنك من قلت لهم كيف يكونوا كرام، وأنت الذي حررتهم، وإذا فعلت ذلك، ربنا يقول لمن هو أعظم من ذلك، وأعظم الناس منةً فعلًا في أعناق الناس، يقول له وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وبعد ذلك؟ وَلِرَبِّكَ مرة أخرى.
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ لم يقل له ” اصبر ” وفقط، أو ” اصبر لربك، لا، هي هي مرة أخرى، لربك أولًا، فاصبر
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ، وبعد ذلك، ما جماع هذا الأمر كله، أن هذه رحلة طويلة وقوامها الصبر، لابد أن تصبر، وبدون صبر لن تصل لشيء، بدون صبر لن تصل لشيء، دنيويًّا وأخرويًّا، لم يصل أحد لشيء بدون صبر، قال عمر رضي الله عنه ” وجدنا خير عيشنا بالصبر ” لابد من الصبر، لابد
والصبر، والصبر فيه معنى المرارة، أصلًا كلمة الصبر هذه أن الإنسان يتذوق المرارة، فلا يوجد صبر بدون تجرع المرارة، هو اسمه هكذا، الصبر هو الشيء المر.
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ لو لم تصبر لله فلن تصبر، لو لم تصبر لله فلن تصبر، لن تستطيع أن تستمر لو لم تصبر إخلاصًا لله وابتغاء لمرضاة الله، فتصبر ابتغاء مرضاة الله.
فهذه الكلمات ماذا فيها؟ فيها كل شيء، قبل أن يتحرك، فيها كل شيء، ماذا سيفعل بالضبط،، أول شيء: ما الجهد المطلوب منه، ما الرسالة التي سينطوي عليها، ما المعاني التي من المفترض أن يصل إليها، ما الأشياء التي سيحاول أن يفعلها بداخله، ما الأشياء التي من المفترض أن يتجنبها، ما الأشياء التي نخاف عليه منها، ما الأشياء التي ستجعله يستطيع أن يفعل كل شيء، قبل أن يتحرك، هو يعرف تمامًا ماذا سيفعل.
آخر نقطة، وهذه أعظم نقطة؛ كلنا نعرف ما هي الرسالة، فالآن هو سيكلم أناس، وسيدعوهم إلى الله، هؤلاء الناس يعرفون هذه الآيات مثلما يعرفها، الناس الذين سيخاطبهم، لديهم الميثاق ولديهم القانون ولديهم المعيار مثلما لديه، لا يوجد شيء سري، لا يوجد شيء لا تعرفه الناس، معايير تقيمه وضعها ربنا، لأنه سيلتزم بها، والمؤمنون سيتأسوا به فيها، وغير المؤمنين من الممكن أن يقيموه على أساسها، هل يفعل هذا الكلام أم لا، هل سيسير عليه أم لا؟ هل يسير مثلما أمره ربنا أم خرج عن السنن، كلنا نستطيع أن نقيم، كلنا، لأننا جميعًا نعرف الجمل، لأن الجمل ليست مستترة، هذه الجمل لم تقل في مجلس خاص مغلق ولا نعرف ما الذي حدث، لا، كلنا، المؤمنون وغير المؤمنين يعرفون الميثاق ويحفظون البنود، ويستطيعون أن يقولوا هل هذا الرجل سار على المنهج الذي أمره به ربه أم لم يسر، هل تعرف أم لا؟ هم يعرفون، وكلنا نستطيع أن نعرف، وكلنا نستطيع أن نقيم، لا شيء مستتر، هل هو يكبر ربه أم لا يكبر؟ يطهر ثيابه أم لا؟ هجر الرجز أم لم يهجر؟ منّ على الناس أم لم يمن؟ صبر أم لم يصبر؟ كلنا نستطيع أن نرى ذلك، وكلنا نستطيع أن نقيمه، وكلنا نستطيع أن نقول هل هذا الرجل يسير على السنن الذي أمره له ربه أم لا، هل يسير على المنهج الذي أمره به ربه أم لا.
لا يوجد شيء هلامي، ولا ضبابي، ولا شيء مستتر، وكل شيء واضح وجلي، وقابل للتقييم.
الخلاصة: قبل أن تأخذ أي خطوة، لابد أن تعرف تمامًا ماذا تريد أن تفعل، ما الأشياء الواجب أن تتحلى به، ما الأشياء المطلوبة منك، ما الأشياء التي من المفترض أن تخاف منه وتحذره، وما الذي سيجعلك تستمد الطاقة لكي تكمل طريقك لآخره، لأن هذا الدين من المفترض أن يظل معك إلى لحظة لقاء الله، وأنت تحاول أن تبنيه أن يقدر أن يسير معك إلى لحظة لقاء الله، يستطيع أن يكمل معك إلى لحظة لقاء الله، فلابد أن يكون بالصورة والصفة التي يصلح أن يستمر إلى النهاية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم