بسم الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
نحن وصلنا إلى أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تفاعل مع التوجيه والأمر الذي أمره به ربنا سبحانه وتعالى، فربنا سبحانه وتعالى قال يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ كيف استجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر الله تبارك وتعالى، نحن قلنا أنه في البداية أمره بأن يقرأ، وبعدما يقرأ يأمره بأن ينذر، هل يصلح أن ينذر قبل أن يقرأ؟ لابد أولًا أن يدرك ويعلم ويفهم، فإذا أدرك وعلم وفهم ينذر الناس بما علّمه الله تبارك وتعالى، أما قبل العلم لن يصلح الإنذار، لأنه لا يوجد حقائق يدركها الإنسان فيستطيع أن ينصح أو يوجّه أو يحذر أو ينذر أو يدعو إليها الناس.
والاستجابة النبوية لأمر الله تبارك وتعالى قلنا أنها في البداية بدأ ظهور آثار الرسالة في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلنا أنها في البداية كانت استجابة تلقائية، فعندما نقول أن هناك دعوة، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم استهدف أن يوجه إلى شخص خطاب ويرى هذا الشخص سيستجيب للخطاب أم لا، نحن قلنا أن خديجة رضي الله عنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم لحظة بلحظة، فلم تكن محتاجة لأن تدعى إلى الإيمان فتؤمن، بالعكس نحن قلنا أن ربنا سبحانه وتعالى جعلها سبب رئيس للتثبيت ولتطمين القلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك تكلمنا عن زيد بن حارثة رضي الله عنه وكان اسمه يومذاك زيد بن محمد، زيد رضي الله عنه حينما جاءت الرسالة وجاء الإيمان لم يكن اسمه زيد بن حارثة، كان اسمه زيد بن محمد، وهذا يكفي لأن ندرك ما الذي حدث بدون أن نقول شيئًا آخر، وقلنا أن أول شخص وجّه إليه الخطاب هو عليّ رضي الله عنه وهذا كان عرضًا حينما رأى عليّ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجه خديجة يصليان، هو لم يكن فاهمًا ما الذي يحدث فسأل عن هذا والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن له الأمر فمكث ليلة ثم جاء فآمن.
سنتكلم إن شاء الله عن أول شخص نستطيع أن نقول أنه وجّه إليه الخطاب، خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحق الصديق رضي الله عنه، أبوبكر صديق وصفي وخليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه نقطة غاية في الأهمية؛ سيدنا أبوبكر بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يرسل الله إليه هو صديقه،، وصديقه هذه لابد أن تساوي مجموعة من المعاني، هو أصغر منه بسنتين وخمسة أشهر، فماذا يساوي أنه صديقه؟ القانون يقول ” المرء على دين خليله ” فصفيه وخليله من أهل مكة تساوي درجة عالية من التشابه ومن التقارب بين هذين الشخصين، لكي تستطيع أن تصف شخصًا بأنه صديق أو أنه صفي أو أنه خليل فلابد أن يتصف هذا الشخص بصفتين؛ الصفة الاولى أن يكون قريبًا منك جدًا في الطباع والصفات والاهتمامات، الأمر الثاني: درجة عالية من الحب تجمع بينك وبينه، فكلمة الخليل هو الشخص الذي يتخلل حبه قلبك، أي أنه ينتشر ويتشعب فيه حتى يكاد أن يملأه، ولذلك حينما منّ ربنا سبحانه وتعالى عليه بالرسالة قال بعد سنوات طويلة (لو اتخذت من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن أخي وصاحبي) لماذا؟ قال (إن الله قد اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا) فالخليل: هو الشخص الذي يكون قلبه كله لله، فلا يصلح أن يكون به مكان لأحد آخر، فلو يصلح لإنسان أن يكون في هذا المكان فهذا مؤكد سيكون أبابكر، ولكن هذا اصطفي لله (ولكن أخي وصاحبي).
ولذلك سيأتي معنا بإذن الله أن سيدنا أبوبكر لما ضاق ذرعًا بمكة قرر أن يلحق بأهل الإيمان في الحبشة، فلقيه ابن الدغنة – سيد من سادات القبائل التي تحالف قريش – فقريش لم يكن فقط لها مكانة كبيرة، ولكن كان يوجد الكثير من القبائل داخلة معهم في حلف، مثل ” الناتو ” فهي قريش ويوجد قبائل كثيرة جدًا تابعين وأعوان لها، لذلك قوة قريش وهي تواجه النبي صلى الله عليه وسلم ليست قوة قبيلة، الموضوع أكبر من هذا بكثير، ولكنها قوة تكتل كبير جدًا جدًا، وهذا التكتل كله يواجه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة على قلة وضعف وعجر، فنحن حينما نقرأ أن هناك شيء اسمه صلح الحديبية، تستطيع أن تدرك ما هو هذا الصلح، نحن لماذا لا ندركه جيدًا، لأننا نعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في تصالح مع قريش، والقوة كانت شبه متكافئة، لا، هذا الصلح كان يمثل شيئًا كبيرًا، لأن قريشًا كما قلنا؛ هي كتلة سياسية قوية تابعة لها معظم الكتل القبلية في الجزيرة.
فسيد القارة – ابن الدغنة – قال: مثلك يا أبابكر لا يخرج ولا يُخرج، لا يصلح أن تختار أن تخرج من مكة ولا أن أهل مكة… (إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتكري الضيف) كأن هذه الجمل مرّت علينا قبل ذلك بالضبط، فالسيدة خديجة قالت ( والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتكسب المعدوم وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق) فهو حينما وصفه قال نفس الجمل بالضبط، وهذه الجمل لم يكن أخذها من السيدة خديجة. إذًا الصورة الظاهرة أن هذا الشخص حينما تراه كأنك رأيت هذا الشخص بالضبط.
فأول ما توجه صلى الله عليه وسلم توجه إلى صديقه، وهذا توجه فيه قدر كبير جدًا جدًا من القلق ومن التوتر، لماذا؟ لأنه إذا استجاب سيكون خيرًا كبيرًا جدًا، لكن إذا لم يستجب أو تلكّأ، ستكون هزة كبيرة جدًا، لأن أكثر شخص أنت تتوقع أو ترجو أو تأمل أو تتمنى أن يستجيب وأن يؤازر وأن يدعم وأن يسند هو هذا الشخص، فإما أن يكون سند ودعم قوي على المدى وإما أن تكون هزة كسرة كبيرة جدًا؛ نفسيًّا واجتماعيًّا، فنفسيًّا لأن هذا صديقك وأكثر شخص أنت تتوقع وترجو أن يكون قريب منك مساندًا لك، والمودة التي بينك وبينه تستمر، فهذا نفسيًّا، أما اجتماعيًّأ: إذا كذّب أبوبكر فماذا سيكون موقف قريش، إذا كان صاحبه وأقرب الناس له، وأكثر الناس معرفة به وأولى الناس لأن يستجيب لم يستجب، فلن يكون منطقيًّا بأن يستجيب شخص آخر،، ومؤكد أنه لم يستجب لأن معرفته به وقربه منه أدرك أن هناك خلل ما.
فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب ليقابل أبابكر أو حينما أراد أن يكون هو أول شخص ينذره بالرسالة ويدعوه للأمر فماذا ستكون حالته النفسية، أعتقد أننا لم نفكر قبل في هذا الكلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب وكلّم سيدنا أبوبكر وسيدنا أبوبكر استجاب والحياة جميلة، وهذا أتى بأناس كثيرة معه وسارت الدنيا وفقط،،، الموضوع ليس هكذا.
وهو ذاهب ليكلمه ما حالته، وماذا سيقول له، وما توقعات الاستجابة، أبوبكر الذي سيدعى ما موقفه؟ يقول أبوبكر رضي الله عنه ( كنت جالسًا بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نفيل قاعدًا، فمرّ أُبي بن أبي الصلت، فقال: كيف أصبحت يا باغي الخير، قال: بخير.
نحن تكلمنا قبل ذلك في خطب قبل – أظنها مكة لما أثقلت ورفيقا درب – ثلاث أو أربع خطب تكلمنا عن ماذا كان يجري في مكة قبل أن يبعث الله محمد صلى الله عليه وسلم، قلنا أن هذا المجتمع لم يخلُ طيلة الوقت من أناس على الإيمان أو رافضة فكريًّا وعمليًّا الشرك، وقلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوجد في مكة ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وعبيد الله بن جحش، هؤلاء تكلمنا عليهم وقلنا أن هؤلاء الناس اصطحبوا في رحلة إلى الشام ليبحثوا عن الدين الحق، ثلاثة منهم رجعوا إلى الشام على دين عيسى عليه السلام، وزيد بن عمرو واصل رحلته، ذهب إلى فلسطين وذهب إلى الموصل، فهم ذهبوا إلى الشام ورجعوا وهو ذهب إلى العديد من الأماكن الأخرى، كلما سمع أن شخص أنه على دين يذهب ليتكلم معه، ففي النهاية استقر على أن يبقى على دين إبراهيم عليه السلام الذي لا يعرف منه إلا التوحيد وإلا السجود لله، ولكنه لن يدخل في أي شيء آخر، وقلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قابل زيد قبل ذلك – قلنا هذا – ودار بينهما حوار ونقاش وزيد أخبره عن نتيجة رحلته إلى الشام وأنهم قالوا له أن هناك نبي سيظهر هنا، وأنا سآتي لأنتظره.
وقلنا أن زيد كان يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، وزيد مات قبل بعثته صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، فزيد كان يكلم النبي المنتظر الذي يتنظره ولكنه لا يعرف أنه النبي، والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه فوجئ أن هناك نبي سيخرج من هنا، فهو لم يكن خرج بعد، قال أن نبي سيخرج وأنه منتظره ولكنه لم يظهر بعد، فبالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع الجملة، هو شخص يطمح إلى الهداية ويبحث عن الحقيقة هو أيضًا، وشخص يقول له أن هناك نبي متوقع أن يظهر هنا، فزيد بن عمرو بن نفيل سيدنا أبوبكر يقول أنه جالس عند الكعبة وزيد جالس وأمية بن أبي الصلت الثقفي مرّ عليهما وهو شاعر من أهل ثقيف ورجل على قدر كبير من العقل وعلى قدر كبير من المعرفة وكان يأمل ويتمنى ويرتجي أن يكون هو النبي المنتظر، يبحث عن هذا وينتظره، لكن ربنا سبحانه وتعالى سيعطي لمن الرسالة؟ ليس للذي يبحث عنها، ولكن لمن يستأهلها، لمن يستحقها، ولذلك زيد حينما أتت الرسالة ولم يكن هو الرسول أنف وتكبر أن يؤمن، فلم يرضَ، لأن سيتبع شخص هو يرى أنه أعلى منه أو أولى منه ومع ظهور الإيمان وتتابعه بدأ يراجع نفسه، فقرر أن يعيد النظر فيما يفكر وأنه سينتهي عن السير وراء الكبر وأن يؤمن، وعندما قرر أن يذهب للمدينة كانت وقعة بدر، فحزن لما حدث لأصحابه من قريش فرجع ولم يدخل، وهذا نموذج يحتاج للدراسة بمفرده، وتكلمنا عنه قبل زمان، ولكنه ليس وقته، نحن نفسر الحدث الذي يحدث، من هؤلاء الذين يتكلموا.
فأمية بن أبي الصلت يقول لزيد بن عمرو بن نفيل: كيف أصبحت يا باغي الخير؟ الذي يبحث عن الهداية وعن الإيمان والرسالة، قال: بخير، قال: هل وجدت؟ أي وجدت ما تبحث عنه، قال: لا، فقال أمية: كل دين يوم القيامة إلا ما مضى في الحنيفية بور، فهو يعرف أن هناك يوم قيامة وأن هذه الأديان كلها باطلة، وأن دين سيدنا إبراهيم فقط هو الدين الحق، ” كل دين يوم القيامة إلا ما مضى في الحنيفية ” في ملة سيدنا إبراهيم ” بور ” ، ثم قال: أما وإن هذا النبي الذي ينتظر منّا أو منكم، أي من قريش أو من ثقيف، ثقيف هلي القبيلة التي تسكن الطائف، فيقول أن النبي المتوقع المرتجى إما أنه من عندكم من مكة أو من عندنا باعتبار أن يكون أنا، فإما من عندنا أو من عندكم.
فسيدنا أبوبكر يقول: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبيّ ينتظر ويبعث. فهذا ما نقصده، فنحن نتكلم عن سيدنا أبوبكر والإيمان، فهو يقول أنا جالس وفلان مرّ على فلان وأشياء تحدث، وأنا فوجئت أنهم يقولون كلام غريب، ليس فقط أن هناك نبي، لا، هناك نبي يرتقب مجيئه وهذا النبي قرشي أو ثقفي، فهو يقول أنني لم أسمع قبل ذلك أن نبي ينتظر أو يبعث، فماذا فعل سيدنا أبوبكر حينما سمع هذا الكلام؟ يقول: فخرجت أريد ورقة بن نوفل، لماذا؟ قلنا لأن ورقة، كان رجل العلم بالأديان في مكة، ومرّ معنا ورقة، فورقة النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إليه مع السيدة خديجة رضي الله عنها لكي يقول له عما حدث معه في الغار، وأن ورقة قال له أن هذا هو الوحي وهذا هو الناموس، وهذا هو الدين، وأنت الرسول الذي كنا ننتظره، وأنا أتمنى أن يرجع الزمان بي للخلف لكي أكون معك، وعندما يبعثك ربنا سبحانه وتعالى سأنصرك بقدر ما أستطيع، ” وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزّرًا ” فهو يقول له: أنت النبي وهذا وحي،، فهذه نبوة، هو لم يؤمر بعد بأن يقول شيئًا للناس، فالآن يوجد نبوة وبعد ستة أشهر ستكون الرسالة، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ هذه هي النبوة، يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ هذه هي الرسالة، فورقة مات بين النبوة والرسالة، تقول السيدة عائشة ( فلم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي) أي بعد اقْرَأْ الوحي ظل فترة طويلة لم يأتي، فورقة توفي بعد ذلك بقليل، قلنا أن هذا من رحمة ربنا سبحانه وتعالى، فهذا الرجل منتظر لسنوات طويلة لهذه اللحظة، فربنا سبحانه وتعالى أراد أن يمن عليه بها وأن يدركها، وفي نفس الوقت مثلما قلنا أن ورقة ربنا جعل له وظيفة فالنبي صلى الله عليه وسلم محتاج إليه في هذه اللحظة، محتاج لأن يطمئنه أحد ويثبته، وليس مجرد أن ” يطبطب عليه ” لا شخص لديه علم، فسيطمئنه بهذا العلم، فورقة من الممكن أن يقول له أنت تمام والموضوع بسيط، ” أنت كويس ” مثلما نفعل، لا، هذا ليس شيئًا، ولكن هذا شخص لديه علم يخبر بعلم، فأنت تطمئن للعلم، يخبرك بحق وبحقيقة، وشيء أنت من الممكن أن ترتكن إليها، لكن ” أنت جميل ” هذه لن تصنع شيئًا، فبعد خمس دقائق أثر هذا التطمين سيذهب، لكن ربنا سبحانه وتعالى شاء أن يمد في عمره لأن له دورًا، له وظيفة، يوجد شيء لابد أن يفعله، يوجد كلمات لابد أن يقولها.
ويأجره عليها ربنا سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا يراه في الجنة وعليه ثياب حسنة، والسيدة خديجة تسأله عن ورقة، فهذا ابن عمها وهي تعلم تاريخه ورحلته، وتريد أن تعرف كيف يعامله ربنا سبحانه وتعالى، فقال لها أنه رأه عليه ثياب حسنة، ولو لم يكن من أهل الجنة لم يكن ليراه في هذه الهيئة، وفي رواية قال ( رأيت له جنة أو جنتان ) فسيدنا أبوبكر فزع لمن؟ فهو كان من الممكن أن يفزع لزيد، ولكنه لن يستطيع أن يحاوره، فسيذهب للشخص الذي يصلح أن يسائله، والشخص الذي سيكون لديه إجابة للسؤال، فأنت الآن إذا شغلك أمر؛ فلابد أن تبحث عن الشخص الذي سيكون لديه ما تبحث عنه، فأنت لمن سترجع؟ سترجع للشخص الذي ترتجي أو تظن أن عنده الشفاء لما تبحث عنه.
فهو يقول أنه توجه مباشرة لورقة، هذا الجمع، مؤكد أن فناء الكعبة به أناس كثيرة جالسة، ومن الذي توجه إلى ورقة يسأله؟ أبوبكر رضي الله عنه، لماذا؟ لأن الموضوع يشغله ويعنيه، ويوجد الكثير من الناس لا تهتم، فهي بالنسبة إليهم بعض الأساطير والخرافات، فالناس في مكة ماذا تعتبر هؤلاء الناس؟ ماذا يعتبروا زيد بن عمرو؟ أنه رجل مجنون، شخص مجنون قابل رجل مجنون مثله، ما يشغلنا في هذا.
إذن؛ أبوبكر كان ينظر لزيد نظرة فيها قدر من التقدير، وحمل هذا الكلام على محمل الاهتمام، فمباشرة توجه لورقة لكي يسأله، فقال ( فخرجت أريد ورقة بن نوفل وكان كثير النظر إلى السماء، كثير همهمة الصدر) هو يقول أن طبيعة هذا الرجل فيها درجة عالية من التأمل، فنحن قارنّا قبل بين طبيعة زيد بن عمرو بن نفيل كشخص نستطيع أن نشبهه برجل الإصلاح الاجتماعي، فهو يحاول أن يوصل ما يدركه إلى قريش ويناقشهم ويقول لهم أن ما أنتم عليه هذا ليس بصواب وأن هذا ليس دينًا، ويحذر من أشياء هم يخالوها وتخالف الفطرة الأخلاقية، وعندما يجد شخص قرر أن يقتل بنته بعدما منّ الله عليه بها، والتي يسموها ” الموؤدة ” فيقول له أعطيها لي إذا لم ترد أن تنفق عليها، إلى أن تكبر البنت، فيقول له أن بنته كبرت، فإذا أردت أن أعطيها لك أعطيها لك، وإن لم ترد فستظل عندي، فهو كان له دور اجتماعي كبير، وقريش كانت تضيق به ذرعًا، وقريش كانت تطرده من مكة، ولذلك قلنا أن زيد كان يجلس في الغار، النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى حراء، ذهب إلى حراء خلفًا لزيد بن عمرو بن نفيل، الذي كان يذهب إلى الغار، ولماذا؟ لأن مكة كانت تطرده، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبحث لنفس المكان، لماذا؟ يذهب ليبحث عن الحق، ولكن لماذا اختار هذا المكان؟ لسبق زيد إلى هذا المكان، فالنبي صلى الله عليه وسلم اختار هذا الغار خصيصًا، وتوجه له، ولذلك ورقة لم يكن ليتعرض إليه أحد لأنه لم يكن يتعرض لأحد، فهو شخص مسن، تعلّم عبري، وهذا من الأشياء الصعبة جدًا، ولم يكن في مكة مؤكد من يعرف عبري، هو لماذا تعلم عبري؟ لكي يدرس كتب أهل الكتاب من المصادر الأصلية، فالترجمة من الممكن أن يعتريها التحريف والتعديل، تغيير، تشويه، لا، هو يريد أن يبحث عن الحقيقة فسيبحث عن الكتب الأصلية يقرأها باللغة الأصلية، فالعبري أصبح سرياني والسرياني أصبح يوناني، ثم تُرجم اليوناني إلى اللغات اللاتينية الحديثة، كل هذه القفزات، فكل ترجمة بها قصص، فهو سيرجع ليقرأ بالعبري، يقرأ ويكتب، السيدة عائشة تقول ( ما شاء الله له أن يكتب) فهذا الرجل من طبيعته شخص يجلس مع نفسه يقرأ ويكتب وصامت، فهو لا يصنع مشاكل لأحد فلا ينشغل به أحد، طالما لا يثير مشاكل فهو جالس.
فذهب إليه سيدنا أبوبكر لكي يسأله، يقول: فاستوقفته، ثم قصصت عليه الحديث، أنا قلت له ما سمعته – الكلام الغريب الذي سمعته – وأريد منه توجيه أو تنويه، فقال: نعم يا ابن أخي، إنا أهل الكتب والعلوم، ألا إن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسبًا.
يوجد نبي ومرتجى ومتوقع ومنتظر، وهذا النبي من أشرف العرب نسبًا، يقول سيدنا أبوبكر: ولي علم بالنسب. فهو يتكلم في أمر أنا أعرفها جيدًا، وأستطيع أن أمايز بين الأنساب، وأعرف من الأعلى والأشرف والأرقى نسبًا، ويكمل ورقة يقول: وقومك أوسط العرب نسبًا، فالمرتجى المتوقع أن يكون من هنا، قلت: يا عم، وما يقول النبي. فأنا لا أفهم، هذا النبي شخص سيبعثه ربنا لأي شيء يفعل؟ قلت: يا عم، وما يقول النبي؟ قال: يقول ما قيل له، إلا أنه لا يظلم ولا يظالم. يقول أبوبكر رضي الله عنه: فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت به وصدقته.
دائمًا من رحمات ربنا سبحانه وتعالى أن يضع في طريقك إرهاصات وهدايات، فسيدنا أبوبكر حينما كلمه النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن صادمة بالنسبة إليه، الفكرة أن هذا هو الشخص الذي اختاره ربنا، إذن هو يعرف أن هناك نبي، وهذا النبي يتوقع أن يظهر وشيكًا، والنبي صلى الله عليه وسلم من قريش الذي هي أوسط العرب نسبًا، فهذا شيء طبيعي ومنطقي، فإذا فكّرت في صفاته أو في أخلاقه أو خلاله فلن أستنكر شيئًا منها، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه فلم يقع سيدنا أبوبكر في صدمة لأن ربنا سبحانه وتعالى يسّر له ما يجعل هذا الموضوع في دائرة تفكيره، أو في بؤرة شعوره، لأن أبابكر مهتم، أبوبكر لم يكن في منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن أبابكر لم يكن يصعد الغار، النبي صلى الله عليه وسلم هو الشخص الوحيد الذي كان يصعد الغار، الشخص الوحيد الذي كان يعنيه ويشغله ويؤرقه أمر البحث عن الهداية أكثر شخص في مكة، لم يكن أحد يعاني ما يعانيه، ولا يمر بهذه الصعوبة أو المرارة، فنحن قبل ذلك قلنا ما معنى أنك تبقى أيامًا في كهف مظلم في جبل في حال من الوحشة، ولا أحد تكلمه، فلماذا كل هذا؟ ما الذي يجعلنا نفعل كل هذا؟ هو يبحث عن الهداية ومحتاج الهدوء ومحتاج الخلوة ومحتاج لأن يتفكر في عظمة الله، وفي قدرة الله، يتفكر في حال الأقوام، يتفكر فيما بلغوا من علم، ويدعو ويطلب ويسأل أن يهديه ربنا، أكثر شخص يتحرق للهداية، فطبيعي أن يكون هو النبي، لا يصلح أن يكون شخصًا آخر، وأقرب الناس لهذا سيكونون أقرب الناس له وأكثر وأسرع الناس لحوقًا به، ولذلك نحن قلنا قبل ذلك الكلمة العظيمة الموفقة السديدة لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو يريد للناس فضل الصحابة وقيمتهم في الدين فماذا قال؟ قال: إن الله تعالى نظر في قلوب العباد فرأى قلب محمد صلى الله عليه وسلم أطهر قلوب العباد، فاصطفاه لرسالته. هو ماذا يقول؟ يقول لماذا اختار ربنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ ربنا سبحانه وتعالى يقول لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ هذا هو القانون، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ليس بها شيئًا عشوائي، ليس بها شيئًا ينافي الحكمة، ليس بها شيئًا ينافي العلم، ليس بها شيئًا ينافي اللطف والخبرة والرحمة، والبر والإحسان، ولذلك لماذا لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ؟ لأن وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فلمن الذي سيسأل؟ وعلام سيستند ليسأل؟ مستندًا لمرتأه هو؟ فهذا إبليس، قال قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ من الذي سيسأل والذي سيسأل علام سيستند في السؤال؟ كيف يسأل الجهل – الجهل – يسأل العليم الخبير؟ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ليس جهل فقط، جهل وأهواء، فهذا الأهواء من الممكن أن ترى الحق ولكن ستميل عنه لأنك لا تحبه، وهذا ما قدمه ربنا أولًا، لم يقل الجهل أولًاوَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا وصيغ مبالغة من القوية، لم يقل ” ظالم ” و” جاهل ” لا، ظلوم، وجهول، فهذه الصفات موجودة بكثرة وبعمق، فالموضوع صعب وليس سهلًا.
فسيدنا ابن مسعود لليقين والإيمان حاول يفهمنا، ويقول لنا، لا، يقول أن ربنا لا يختار عياذًا بالله بعشوائية، ليس هكذا، ولكن ربنا سبحانه وتعالى لا يختار شيئًا هكذا، فهذا اختيار النبي، ويقول أن الأصحاب هكذا أيضًا ( ثم نظر في قلوب العباد فاصطفاهم لصحبة نبيه) وماذا بعد؟ يقول ( فكونوا على مثل ) هذا الكلام يقوله بين يدي نصيحة يريد أن يقولها ( فكونوا على مثل ما قد كانوا عليه فقد كانوا على الهدى المستقيم)
طبيعي لابد أن يكونوا هكذا، لماذا؟ لأنهم مثلما وصفهم نفسه – ابن مسعود – رضي الله عنه ( أبر هذه الأمة قلوبًا، أطهرها أفئدة، أكثرها علمًا، أقلها تكلفًّا ) فهو عندما يقول لهم يا جماعة لا تخرجوا عن سنن الصحابة، فهذا الكلام في البداية، سيدنا ابن مسعود توف في خلافة سيدنا عثمان، فالدنيا لم تتغير بعد، ولكنه بدأ ينتبه إلى أن الدنيا ستبدأ في الانحدار، فهو ينبه ويحذر، انتبهوا إلى أن هذا السنن هو الصراط المستقيم، هؤلاء الذين اصطفاهم الله لصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وللتلمذة عليه والتعلم منه، هؤلاء هم أهل الاستقامة وأهل العلم، ” أبر قلوب، أطهر أفئدة، أكثر علم، وأقل تكلف ” هذه الكلمات ليست بسيطة، كل كلمة لها قيمة كبيرة، فحينما يقول لهم سيروا على سنن هؤلاء الناس، فهو لا يدعو للتبعية المطلقة، أو للتقليد بلا علة ولا سبب، هو بنى على ماذا؟ على أن ربنا اصطفى على الطهارة والنقاء، ربنا اصطفى على الطهارة والنقاء، ولذلك سيدنا أبوبكر وهو شخصية عظيمة، ولكنه لم يكن يصلح أن يكون هو النبي وسيدنا محمد موجود، لأنه الأحق بحاله وبأفعاله ودرجة حرصه، أن يحمل رسالة ربنا سبحانه وتعالى للناس.
وسيدنا أبوبكر عندما كان قريبًا جدًا منه وأقرب القلوب إلى قلبه طهارة ونقاءً، كان أولى الناس أن يكون صاحبه في الدنيا والآخرة، فهذا هو الشخص الذي كان معه في الجاهلية وفي الإسلام، وفي الحياة وفي الموت، في الحياة وفي الموت أيضًا، هذا قبر وهذا قبره بجانبه، حتى في الموت، فمن يوضع في هذا المكان يستحق هذا المكان، فهذا الشخص حينما سمع أن هناك نبي، لم يتجاوز النقطة، فهذا هو الفرق بينه وبين غيره، فغيره من الممكن ألا يستوقفه الموضوع، لا، فالموضوع استوقفه واهتم به، فأول مرة يسمع هذا الكلام، ما هذا؟ لأنه يبحث في النهاية على المبدأ وعلى الهداية وعلى القانون وعن الاستقامة، فشغله، وحينما شغله أين ذهب؟ ذهب إلى من من الممكن أن يهديه وأن يرشده، فقال له، تمام، نبي، أي أن ربنا سيعث شخصًا! فهذا الشخص ماذا سيقول لنا؟ قال سيقول ما يقوله الله له،، فهذا هو القانون، فهو يقول أن النبي يقول ما قيل له، ما يقوله ربنا له هو سيبلغه، يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ سيقول ما قيل له، ولكن هناك قانون، لايمكن أن يشتمل ما يقول أو ما يفعل على الظلم، (يقول ما قيل له) كانت كافية، لا، هو وضع مبدأ معين مهم لابد أن ندركه (إلا أنه لا يظلم ولا يظالم) لا يظلم ابتداءً ولا يقابل الظلم بظلم، فهذا يكون نبيًّا وغير ذلك لا يكون نبيًّا.
إذن هو ماذا قال له؟ قال أنه سيحمل وحي وسيحمل مبدأ أخلاقي، فهذه نقطة مهمة، فورقة بماذا عرّف النبي؟ مبدأ الوحي والتسليم للوحي، وأن العلم عند الله (يقول ما قيل له) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى هذا هو الوحي الذي سيقوله، ما هو المبدأ الذي جاء به؟ مبدأ العدل المطلق إلا أنه لا يظلم ولا يظالم، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ فماذا تعلم سيدنا أبوبكر من ورقة؟ ورقة أيضًا يعلم، لكنه يعلم من؟ يعلم من يريد أن يتعلم، أو من يحرص على العلم، أو من يبحث عن التعلم، من يريد العلم هو لا يحجزه عنه، ويعلم كأمثل ما يكون التعليم، فَكّر في هذه الكلمات فقط، فكّر في هذه الكلمات، كيف عرّف ورقة النبي لسيدنا أبوبكر؟ فنحن لا نحتاج في تعريف النبي أكثر من هاتين الكلمتين، فبما أنه يقول ما قد قيل له، فنحن سنستقبل كل أمر بسمعنا وأطعنا، لأن ربنا هو الذي يخاطبنا، والمبدأ الذي سنسير به في الحياة: العدل، هذا هو القانون الأساسي للدين، العدل، القانون الأساسي للدين (يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّمًا فلا تظالموا) بالعدل تقوم السماوات والأرض، ما المبدأ؟ (إلا أنه لا يظلم ولا يظالم) فعندما يأتي صديقه إليه ويخبره أن ربنا أوحى إليه، فهو لم يكن مصدومًا، لم يكن مصدومًا، لماذا لم يكن مصدومًا؟ لأن ربنا هيّأ له، هيّأ له بحرصه هو واهتمامه ورغبته في معرفة الحقيقة، ربنا هيّأ له من يضع أرضية لهذا الكلام، لأن أبوبكر كان مستحقًا أن ييسر له ربنا أرضية للإيمان،، فعندما يأتي صاحبه وصديقه يقول له ” إني رسول الله ” يؤمن ويصدق وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم