بسم الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
نحن وصلنا في الكلام عن مقدمات إيمان سيدنا أبوبكر رضي الله عنه، وذكرنا الدرس الماضي موقفه من عبادة الأصنام، وقرأنا موقفه من شرب الخمر، يعني هذا الرجل رضي الله عنه قبل أن يمنّ عليه بالرسالة لم يكن يعتقد أو يتعبد لهذه الأوثان ولم يكن ممن يشرب الخمور، وهذا وضع يعتبر غريب؛ لأن هذه العقيدة كان يتوارثها المجتمع المجتمع ويتّبع الأبناء فيها الآباء، ونحن عندما نقرأ القرآن سنجد أن مسألة تعظيم الآباء مسألة ذات وزن كبير، وهذه بالطبيعة موجودة عند البني آدميين ولكنها موجودة في هذا الإطار بشكل أعمق قليلًا، لكن عمومًا من المفترض عند البني آدميين تعظيم الأسلاف – الآباء والأجداد – تكون شيء مركوز في طبيعة الإنسان، ولذلك تعظيم الإنسان للتاريخ أو للحضارة يرجع في النهاية إلى هذه النقطة، فأوروبا حينما أحبت أن تبحث عن مرجع بعيد عن الكنيسة رجعت إلى رسالة الإغريق – شيء قديم جدًا – وانقرض منذ زمن وليس لهم علاقة بهم، ولكن لابد في النهاية يكون هناك مرجع أنت ترجع إليه وشخص أنت تنتسب إليه، شخص ترى أن له قدر من التعظيم وأنت ورثت عنه شيء كبير، ولذلك تجد في القرآن قولهم حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا من أكثر الأشياء التي كان يذم بها النبي صلى الله عليه وسلم في قريش أنه سفه أحلام الآباء،، ما معنى ” سفه أحلامهم “؟
أنت حينما تقول أنهم لم يكونوا على حق، أو كانوا في النهاية على ضلالة فأنت تقول أنهم لا عقول لديهم وأنهم على قدر من السفه ومن الحماقة، هذا طبيعي، مع أنه لم يقل هكذا، ولكن الفكرة لازم كلامك هكذا،، أنا حينما أحب أن أوقعك في الخطأ ماذا سأفعل؟ لن آتي بكلامك، سآتي بمترتبات أو توابع أو لوازم كلامك، فهو الآن لم يتكلم عنهم، ولكنك الآن تقول أن ما أنت عليه صحيح، أي أن هؤلاء الناس لم يكونوا صواب إذن.
ولذلك عتبة بن ربيعة عندما أحب أن يتفاوض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي يرده عما هو عليه، ما أول شيء قاله له؟ قال: يا محمد أنت خيرٌ أم عبد الله، أنت خيرٌ أم عبد المطلب، فإن كانوا خيرًا منك فقد عبدوا الآلهة التي تزعم أنها باطلة، وإن كنت تزعم أنك خيرٌ منهم فتكلم حتى نسمع. أي قل لنا أنت.
فهو أين وضعه؟ أول جملة وضعه هنا، فلو هؤلاء الناس أنت تقدرهم وتحترمهم، فهذه الآلهة هي التي كانوا يعبدوها، ولو أنت ” فلحوس ” قل لنا أنت ماذا جلبت؟ فهذه أول جملة، ( فإنا لم نرى قط سخلة أشأم) فالموضوع علا،، قل لنا ماذا جلبت، نحن لم نرى أفقر من مجيئك، سخلة هي المعزة، عتبة بن ربيعة يصف النبي صلى الله عليه وسلم بالمعزة، معزة شؤم، يقول له كل شيء عندنا فسد، العداوة والضغينة ملأت مكة، ولم ننتظر إلا (صرخة الحبلى) أي امرأة تلد فتصرخ فيتعارك الناس، وبعد ذلك؟؟ هو ماذا يفعل الآن؟ هو يضغط، وبعدما يضغط ماذا يفعل؟ سيقدم اقتراحات، كان عتبة بن ربيعة رجل السياسة الأول في مكة، وسيد بني أمية، وكان بنو أمية هم أرباب السياسة، وبعد عتبة بن ربيعة زوج ابنته وابن أخيه أبو سفيان بن حرب، أكبر رجلين سياسيين في مكة كان أبو سفيان بن حرب والعباس بن عبد المطلب،، وفي النهاية سارت السياسة هكذا، هذا أخذها بعض الوقت ثم أتى الثاني فأكمل عليها،، هي بالضبط سارت هكذا، ثم أرطغرل وسنتكلم عنه بعد ذلك
هي في النهاية آلت،، هي في البداية كانت دينية، دينية خالصة، ولما كانت دينية خالصة كان اسمها الخلافة الراشدة تسير كلها على القانون الإلهي، وعندما تحيد عن القانون الإلهي سترجع للمقدرة السياسية، ولما ترجع للمقدرة السياسية ولا تكون إيمانية خالصة لابد أن تنتهي في النهاية إلى أرباب السياسة، فآلت إلى هؤلاء ثم انتزعها منهم الآخرون وانتهى.
فالمهم بعدما فعل هذا الفعل، فقال له انظر ماذا تريد؟ أتريد الملك؟ أتريد المال؟ أتريد النساء؟ هل لديك مشاكل فنذهب بك إلى المستشفى؟ نصرف عليك مالًا كما تريد لكن في النهاية أخرجنا من هذا، وهذا سيأتي إن شاء الله بعد ذلك،،، لكن الفكرة كيف أدار الحوار،، الحوار أدير بثلاث مراحل، أول شيء ذكر الآباء،، ذكر أثر مجيئه السلبي على المجتمع، الأمر الثالث يطلبون مخرج، ونحن سنضحي أي تضحية وسنسمع كلامك في أي شيء لكن أخرجنا من هذا الشيء الأسود هذا،،، بعد كل هذا إن لم يوافق كيف تكون صورته؟ إعلاميًا في مكة كيف تكون صورته؟ حتى أمام العرب،، نحن يا ناس ” أوقدنا أصابعنا العشرة شمع ” فماذا سنفع بعد ذلك؟ ماذا نفعل؟ كل شيء ممكن يفعل فعلناه،، كل عرض… نحن عرضنا عروض مجحفة جدًا بنا، فنحن لا نستطيع أن نفعل شيء أكثر من ذلك، فماذا نفعل أكثر من هذا؟ وهو أيضًا مصرّ على ما في عقله، لابد أن يوجد قدر من المرونة فلا يصلح ما يحدث هذا، نترك هذه القصة الآن، ونرجع للموضوع الأساسي، ما هو؟ تعظيم الآباء والأجداد.
في النهاية قال أبوطالب ( هو على ملة عبد المطلب ) وأبى أن يقول لا إله إلا الله، هو ماذا قال؟ ما آخر جملة قالها؟ ” هو على ملة عبد المطلب ” أما أبوبكر؟ كان أقوى من هذه الأشياء، هذه هي الفكرة، هو نظر – شبيه سيدنا إبراهيم عليه السلام – نظر لهذه الأمور من منطلق الفطرة فقط، فوجد أن هذا لا يتوافق لا مع فطرة ولا مع عقل سليم، ونحن قلنا منذ قليل أن أصل العقل هو الفطرة والغريزة التي فطر الله الإنسان عليها، فأصل الفطرة معرفة الخالق، أصل الفطرة أن الخالق هو مصدر القوة والعظمة والحكمة والتدبير والخير، فالإله لابد أن يكون أكمل، فالإله هذا من المفترض هو صاحب المنة التي أنت كعبد تتعبد له، لابد أن يكون أقوى وأعظم وأكمل منك مؤكد، أنت تلجأ إليه لأنك ترتجي أن تعطيه ويمنحك ويحبوك سبحانه وتعالى فقال لك ” أنا جائع ” هل يوجد شيء يمكن أن تقدمها لي؟ فلا يرد، فأنا محتاج ملابس هل ممكن أن تصنع لي شيئًا؟ لا يرد،، ثم وقع،، ففي النهاية نحن قلنا ” يجلب نفعًا أو يدفع ضرًّا ” أي ينفع ويضر، فهو لا ينفعني وليس لا يضرني،، لا، لا يستطيع أن يمنع الضر عن نفسه وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا حتى لم يقل ” نفعًا ولا ضرًّا ” لأن الضر أسهل، من الممكن أن تجرح نفسك، فأنت من الممكن ألا تنفع نفسك لأن النفع من الممكن يحتاج إلى قدرات، لكن الضر أسهل شيء تحضر موس وتجرح جلدك، ليست قصة،، لا، وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا هذا أولًا، وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا. فهذه أول نقطة.
النقطة الثانية: الخمر، وهذه وثيقة الصلة بما كنا نتكلم فيه ” العقل ” الآن سيدنا أبوبكر حرّم على نفسه الخمر، أي قبل نزول تشريع، بل قبل مجيئ الرسالة، هو وضعها في المكان الذي وضعها فيه ربنا سبحانه وتعالى، بناء على ماذا؟ الفطرة التي فطرك ربنا عليها، والعقل الذي أعطاه لك ربنا، تستطيع أن تميّز به بين الأشياء التي تنفعك والأشياء التي ستضرك، الأشياء التي تضعك في وضع راقي والأشياء التي ستضعك في وضع فيه دونية، فالخمر أين ستودي به؟ فتقول عائشة رضي الله عنها ( حرم أبوبكر الخمر على نفسه فلم يشربها في جاهلية ولا في إسلام ) لماذا؟ ( وذلك أنه مرّ برجلٍ سكران يضع يده في العذرة ويدنيها من فيه فإذا وجد ريحها صرفها عنه ) سكران إلى أن غاب عن وعيه تمامًا، ويأتي للنجس ويضع يده فيه ويريد أن يأكله، فحينما يقربه منه ينفر،، هو لا يدرك ولكنه ينفر من رائحته فيتركه، وكرر هذا أكثر من مرة،، فهو ماذا فعل؟ هو عندما مرّ نظر إليه فاستوقه الموقف فوصل به إلى أين؟ فقال ( إن هذا لا يدري ما يصنع فهو يجد ريحها ) أي أنه حينما يجد ريحها يصرفها عنه ولكنه ليس هنا تمامًا، ( فحماها ) حماها أي وقى نفسه منها.
إذن سيدنا أبوبكر بعد نفسه عن هذا، فلماذا؟ لأنه رأى مشهد فاستنكر أن شخص مثله يفعل ذلك، فما الفرق؟ ما الفرق بين الرجل الذي يشرب وبين سيدنا أبوبكر؟ تقديره لنفسه، تقديره لنفسه، هو يرى أن شخص مثله لا يصلح أن يكون في هذا الوضع، أما الذي يشرب نفسه لديه ليس لها قدر ولا وزن ولا قيمة فمن الممكن أن يفعل أي شيء، فالإنسان الذي يقدر نفسه ويحترم نفسه سينزه نفسه عن أشياء لا يحب أن يرى نفسه فيها، لا يحب، وقالت عائشة رضي الله عنها ( إن أبا بكر رضي الله عنه وعثمان بن عفان تركا شرب الخمر في الجاهلية ) ليس أبوبكر فقط، كان عثمان مثل أبي بكر يتنزه عن فعل ذلك.
وسئل يومًا: هل شربت الخمر في الجاهلية، قال: أعوذ بالله، قيل: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي فإن من شرب الخمر كان مضيّعًا لعرضه ومروءته ) إذن ” كنت ” هذه ما معناها؟ هو له قانون يسير عليه، يوجد أشياء لا يفعلها، ويوجد مبادئ معينة يحافظ عليها، صيانة العرض، وصورته وشكله وكلام الناس عنه، ومروءته قدره، هذه الأشياء هو حريص أن يحافظ عليها، يظل دائمًا في صورة الشخص الذي يحترم، فهذا سينتهك هذه الحرمة فلن أفعله.
إذن ” أصون عرضي وأحفظ مروءتي ” هذا منهجه وأسلوبه وتفكيره وأخلاقه، وأي شيء سيعكر على هذا أو سيفسده أو يخربه هو سيدرأه عن نفسه، ولذلك نحن قلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال؟ قال: ( الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) هؤلاء الناس هم أقرب الناس للاستجابة، ولذلك قلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما توجه بالرسالة توجه أول ما توجه إلى الصديق رضي الله عنه، فقال له ( إني رسول الله ونبيه بعثني لأبلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له ولا تعبد غيره والموالاة على طاعته، وقرأ عليه القرآن، فلما فرغ من كلامه أسلم أبوبكر، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بين الأخشبين أحدٌ أكثر سرورًا منه بإسلام أبي بكر رضي الله عنه )
فهنا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوجه إلى سيدنا أبوبكر، يفجأه بأمر الرسالة ماذا قال له؟ قال له هذه الكلمات؛ قال ( إني رسول الله ونبيه ) ونحن تكلمنا عن هذه النقطة كثيرًا، معنى الرسول ومعنى النبي، وأن كل كلمة لها معنى توصله وتكمل به الصورة وقلنا مرتين أن النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه للبراء ب عازب رضي الله عنه لما قال ( ورسولك الذي أرسلت) في دعاء نومه، قال ( لا، ونبيك الذي أرسلت ) ( آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت ) ولم يقل أن النبي والرسول واحد، قال له أنا لم أقل ذلك، قال له أنا قلت ( ونبيك الذي أرسلت ) فكل حرف مقصود لأنه سيبني شيئًا، ونحن قلنا هذا الكلام أكثر من مرة، قلنا ان النبي رفيع القدر والمكانة والمنزلة، والرسول هو الذي يبلغ رسالة من أرسله لا يحيد عنها ولو في حرف، معنى أنه رسول أي أن ما يبلغه هذا هو تمامًا ما قيل له، ومعنى أنه نبي أنه شخص في نفسه له مكانة عالية.
إذن نحن قلنا أن الشخص يكون نبيًا ثم يكون رسولًا، الشخص له مكانة تستحق أن ربنا يصطفيه اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ فإذا اصطفاه جعله رسولًا، فعندما تقول ” يا أيها النبي ” فأنت تتكلم عن الشخص عظيم المكانة رفيع القدر.
يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ لأن هذا هو الرسول، يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ، يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ، ليس هكذا أي شيء،يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ، ويَاأَيُّهَا الرَّسُولُ، قدر كبير من المعنى مشترك؛ نعم،، لكن النبي سيضيف شيئًا، والرسول سيعطي شيئًا، فقال له: ( إني رسول الله) في البداية، لأن الغاية التركيز على معنى الرسالة، قال (إني رسول الله ونبيه، بعثني لأبلّغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحق) هو إلام يدعوه؟ إلى الإيمان بربنا سبحانه وتعالى وتعظيمه وتوحيده، ( أدعوك إلى الله بالحق) فالدعوة التي يدعوه إليها هي الحق الذي أنزله الله تبارك وتعالى ( أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده) لأنك تخاطب مجتمع المشكلة فيه هي الشرك، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ وقلنا أن هنا، هو ليس فقط يؤمن بالله إيمان ساذج، هو يؤمن بقدر كبير من عظمة الله، خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ فهو إلام يدعوه؟ يدعوه إلى توحيد الله، (إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته) لم يقولها لأحد، لم يقلها لعليّ، نحن ذكرنا ما قاله لعليّ، لم يقل له ” والموالاة على طاعته ” ومن الممكن ألا تجده قالها لشخص آخر، ما معنى الموالاة على طاعته؟ أنه سيناصره، سيناصره ويدعمه فيما أرسله الله إليه، من الممكن أن تجدها هنا فقط، هنا فقط، هو يكلم أي أحد يدعوه إلى الإيمان، لكنه حينما كلّم أبوبكر لم يدعه إلى الإيمان فقط، لا، الإيمان وأنه يقف معه ويناصره ويسنده في المهمة التي ائتمنه عليها ربنا سبحانه وتعالى، لماذا؟ لأنه يكلم الشخص الذي يصلح والذي هو أهل ليقال له هذه الجملة، لمكانه منه وعلاقته به، فهو يدعوه لأن يستمر في الإيمان على نفس مكانه منه قبل الإيمان، ثم إن مكانه منه قبل الإيمان، ” الصديق النصير، القريب والوزير، ” والموالاة، والموالاة على طاعته ” المناصرة والتأييد على امتثال أوامر الله والقيام بحقه، (وقرأ عليه القرآن) فماذا قرأ؟ نحن مازلنا واقفون هنا، هم جميعهم اثنتا عشرة آية، كل ما أخذناه هم اثنتا عشرة آية، خمسة في سورة العلق وسبعة في سورة المدثر، قرأ عليه القرآن هذه حينما تقرأها تستشعر أنه قرأ عليه سورة الأنعام مثلًا،،، لم يكن هناك ما يقرأ إلا هذه الآيات، فهل هذه كافية؟ نعم، إذا كانت الرسالة بدأت بهذه الجمل، فهذه الجمل جمل كافية.
(فلما فرغ من كلامه أسلم أبوبكر، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بين الأخشبين – الجبلين المحيطين بمكة – أحد أكثر سرورًا منه بإسلام أبوبكر)، إذن السيدة عائشة ماذا تقول؟ تقول أن أثر الاستجابة السريعة كان كبيرًا جدًا جدًا جدًا على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، على قدر مكانة سيدنا أبوبكر عنده، وعلى قدر نظرته إليه، وعلى قدر اهتمامه به، وحرصه على نجاته وعلى سعادته وعلى أن ربنا سبحانه وتعالى يجعل الخير والنعم التي أعطاها له توظف في مرضاة الله، فيكون بالإسلام بالمكانة التي يستحقها أفضل من مكانته – فهو كان لديه مكانة – ، أفضل من المكانة التي هو عليها في الجاهلية، لأنه بما آتاه الله يستحق هذه المكانة، ولكن القلوب بيد الله، فهو من الممكن أن يستجيب ومن الممكن لا، ” فأكثر سرورًا ” هذه ماذا تعكس؟ تعكس أنه كان هناك قلق، على مقدار حرصه، فأي شيء تكون حريص عليه جدًا، تكون وأنت سائر قلق جدًا ألا تحدث، فلا يمكن أن تكون حريص عليه جدًا ومتشبث به جدًا وأنت لا تقلق ألا يفوتك، فهذا طبيعي، فعلى مقدار ما الموضوع مهم بالنسبة إليك على مقدار توترك أن هذا الموضوع إذا فقدته سيكون هناك خسارة كبيرة، فإن لم يكن، إذا حضر مثلما غاب، فالموضوع غير مهم، أساسًا الموضوع غير مهم.
ولذلك ردة الفعل هذه تفسر، كم كان النبي صلى الله عليه وسلم عنده قدر من الحرص والاهتمام والرغبة مع التوجس وانتظار رد الفعل.
تقول عائشة رضي الله عنها – تكمل – ( وما بين الأخشبين أحدٌ أكثر سرورًا منه بإسلام أبي بكرٍ ومضى أبو بكر فراح لعثمان بن عفان) النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى بيته، النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى بيته، أبوبكر خرج من البيت، فالنبي رجع إلى البيت، وسيدنا أبوبكر ذهب، في ساعتها، ” والموالاة على طاعته ” لا يوجد أعظم من هذا فهم، هو فهم بالضبط ما قيل له، هو أسلم على الجمل التي قالها له، هو فهمها جيدًا، فهم ما معنى ” والموالاة على طاعته ” فالسيدة عائشة تقول، إن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى البيت، (ومضى أبوبكر فراح لعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، فأسلموا) هذا يومها، (ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون وأبي عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وأبي سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا رضي الله عنهم) ” والموالاة على طاعته ” هي تقول هكذا ( ومضى أبوبكر فراح) فكل واحد على حدة، يومها، راح لكل واحد بمفرده، ” عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، ” هؤلاء أربعة نفر، واليوم التالي (ثم جاء الغد) جاء النبي صلى الله عليه وسلم بهؤلاء يبايعونه فردًا فردًا، هؤلاء ليسوا جماعة، (بعثمان بن مظعون وأبي عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وأبي سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم ) هكذا تسع نفر، أربعة وخمسة، ” والموالاة على طاعته ” ، هو فهم جيدًا هو ماذا تقبل، انظر إلى الموقف، النبي صلى الله عليه وسلم ذهب للبيت، وأبوبكر رضي الله عنه نزل من البيت، نزل من البيت ليذهب إلى أين؟ نزل وهو عالم إلى أين ذاهب، هو ذاهب إلى فلان وسيذهب إلى فلان، وسيذهب إلى فلان وفلان، واليوم التالي؛ لأن اليوم انتهى فقط، اليوم التالي،، هو رتبهم، فلماذا لم يذهب إلى الناس الذي سيذهب إليهم في اليوم التالي لماذا لم يذهب إليهم في اليوم الأول؟ هل لأن الآخرين في مكان بعيد؟؟ لا، كيف سيرتبهم؟ انتبه هو يعلم جيدًا، يعلم جيدًا إلى من سيذهب ليكلمه، وسيرتب أيضًا من سيكلمهم هؤلاء، وانتبه هؤلاء الناس جميعًا يشبهون بعضهم البعض، من المفترض أنهم كلهم كبعضهم، فالفروقات لم تكن كبيرة جدًا، ولكنه يعلم أنه سيذهب لفلان هذا أولًا، ثم إلى فلان، ثم بفضل ربنا سبحانه وتعالى ورحمته ومن البركة لم يرفض أحد، ولأن في هذا الوقت لا يصلح أن يرفض أحد، أصلًا لا يصلح أن يرفض أحد الآن، لأن الأصل في الحركة لا نريد دائرة المعرفة بالرسالة تنتشر في قريش قبل وقت معين، فمن ستذهب له هذا، على الأقل، على الأقل أصم وأبكم وأعمى، مبدئيًّا، فإن لم يستجيب فأنت تكون ضامنًا أنك كأنك لم تكلمه، فأنت إذا ذهبت إلى شخص غير صالح أو يتحدث كثيرًا ستفسد الدنيا.
وهم لم يقولون ماذا قال لهم، لم نجد عندنا ماذا قال لهم، هو أتى بهم، فهم قالوا أنه ذهب وأتى بفلان، ثم ذهب وأتى بفلان، لكن ماذا حدث بالضبط لا نعلم، لم يقل أحد ماذا حدث، نحن نرى أناسًا تذهب وأناسًا تأتي، لكن لا نعلم ماذا حدث.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة فإنه ما عكم عنه حين ذكرته وما تردد فيه) شهادة من الشهادات التي اختصه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول أنا لم أدعُ أحد إلى الإسلام إلا كان عنده كبوة ونظر، إلا وقال له اتركني أفكر، لكي أستوعب الكلام، يقول أن كل الناس هكذا،، وهذا هو الطبيعي، انتبه؛ أن هذا هو الطبيعي، فلو عرض عليك أحد دين فأنت تكون غريبًا لو قبلت مباشرة، فأنت الآن تدخل دين فلابد أن تكون فاهمًا – فاهمًا – ومقتنع تمامًا وعلى يقين بما تفعله، فأنت لابد أن تفكر، هو يقول أن الناس كلها تفعل هذا، وهذا هو العادي، يقول ( إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ما عكم) ما معنى ” ما عكم ” أي لم يتردد ولم يتريث، أنا حينما قلت له، قال: تمام.
فعلام بنى؟ بناءً على مقدار المعرفة والثقة بالأساس، لذلك نحن قلنا منذ فترة حينما كنا نتكلم عن مفهوم الصداقة، في النهاية حينما نقول أن سيدنا أبوبكر وصف في القرآن بقوله تعالىإِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ أن كلمة صاحبه هذه كلمة عميقة الجذور، عميقة المعنى، كبيرة، لأن الصحبة مبنية على الملازمة، الملازمة والتوافق، النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو أبوبكر، أبوبكر لا يحتاج إلا أنه يخبره فقط بالخبر، لا يحتاج إلى أن يعمل عملية ذهنية لكي يردد النظر في الموضوع، وقلنا أيضًا أنه من فضل ربنا مثلما ذكرنا، أنه ورد أمامه ذكر النبوة، وقلنا أن هذا ماذا فعل؟ حضّر الفكرة في ذهنه، الفكرة كانت قريبة في ذهنه، شيء لم يكن عمره سيفكر فيها، أن هناك شيء اسمه هكذا، أن هناك نبي ينتظر وهناك رسالة، هذا الكلام لم يكن موجودًا تمامًا في دائرة تفكيره، فماذا فعل هذا الحدث؟ قرّب هذه الفكرة، لما تكلم مع ورقة قال له أنه يوجد نبي يتوقع أن يكون من هنا، سيقول ما يبلغه له ربنا، صفته أنه أبعد ما يكون عن الظلم، فحينما يأتي محمد صلى الله عليه وسلم ليكلمه إذا هو تذكّر هذا، وقلنا أن هذا من رحمة ربنا سبحانه وتعالى حينما يريد أن ييسر لك خيرًا، يضع لك بعض أسبابه، يضع له مقدمات، وقلنا أن هذا من معاني الرب، كيف أن ربنا سبحانه وتعالى يربي العباد، كيف يربي ربنا المؤمنين، التربية؛ هي عملية عملية ترقية بالتدريج، بالتدريج، لا تأتي مرة واحدة، خطوات وأشياء تستقر، وأشياء ربنا يهيئها لكي تدفعك دفعة، وشيء يكون واقف أمامك فتتزحلق فتجد نفسك سرت قليلًا، وجهد قليل أنت بذلته، وأن ربنا يضعك في موقف معين يؤثر فيك بشكل معين، أو شخص معين يقول لك شيء معين، شخص يوضع في طريقك، أو شيء يحدث… أشياء كثيرة جدًا، لكن هذا الكلام لأننا لا نفكر فيه جيدًا لا نجمعه جيدًا، لكن إذا جلست وفكّرت في حياتك – مهما كانت – ستجد فيها أشياء كثيرة جدًا من التدبير والتيسير الإلهي، لمن يقبله، ولمن يحاول أن يفهمه، – لمن يقبله، ولمن يحاول أن يفهمه – .
يقول ابن إسحق: ( فلما أسلم أبوبكر رضي الله عنه أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله) فلما أسلم أبوبكر رضي الله عنه أظهر إسلامه، لأن الأصل أن الناس كانت تستسر بإيمانها، وهذا سيظهر معنا ونحن سائرون، (ودعا إلى الله وإلى رسوله، وكان أبوبكر رجلًا مؤلفًا لقومه محببًا سهلًا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلًا تاجرًا ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الله، وإلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه) نقول مرة أخرى (فلما أسلم أبو بكر وأظهر إسلامه ودعا إلى الله ورسوله) ثم بدأ يتكلم عن صفاته (وكان أبوبكر رجلًا مؤلفًا لقومه ) أي يألفوه وبينه وبينهم مودة، (محببًا سهلًا) هو رجل لتعامله الناس تحبه، ولسهولته وسماحته في التعامل الناس تحب أن تقترب منه، هذا أول أمر، هذه صفات شخصية، هذه صفات شخصية، شخص يؤلف ويحب ويتسم بالسهولة والسماحة في التعامل، هذا واحد، وهذه صفات شخصية.
حسنٌ، وأشياء معرفية وعلمية (وكان أنسب قريش لقريش) أعلم شخص بالأنساب،، نحن الآن في مجتمع، هذا المجتمع عبارة عن بطون وعشائر وقبائل، فدراسة الأنساب هذه عبارة عن أمور منها أول شيء معرفة التاريخ، هذه معرفة تاريخ، هذا هو الأمر الأول، الأمر الثاني: معرفة الصلات – الصلات – والروابط بين الناس، شبكة العلاقات الاجتماعية والروابط بين الناس ومن قريب من من ومن بعيد عن من، هذا أمر، الأمر الثاني: معرفة طبائع الناس، فأنت تعرف العائلات جيدًا وعلاقاتها، وتواريخها وصفاتها وتعاملاتها، وطريقة تعاملها، وما يتسم به هؤلاء، فيوجد صفات، فمثلًا: تجد هذه القبيلة أو هذه العائلة تجد سمات مشتركة، ويوجد صفات شخصية لكل واحد، فهو فاهم جيدًا هذه الصفات لهذه البطون أو العشائر، أو الأشياء التي يجتمعوا عليها، أو مستوى ترابطهم، وفي نفس الوقت، يعرف كل الأحداث التي مرت بهم، فهو ماذا يقول ( وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها) بناء على ماذا؟ بناء على علمه به، فنحن نتخيل أن علم النسب هذا أنك تجلب شجرة وتقول فلان بن فلانة…..، لا ليس هكذا، هذا علم، علم، أي هو دارس تاريخ، دارس للطبائع والصفات، وبالتالي يعرف، يعرف كيف يتعامل مع فلان، وما المتوقع من فلان، فالناس الفلانيين هؤلاء إذا حدث معهم الموقف الفلاني ماذا يحدث؟ ما رد فعلهم،، والبطن والعشيرة الأخرى، إذا حدث معهم معهم الموقف الفلاني ماذا يكون رد فعلهم؟ أستطيع أن أتوقع أيضًا، ولذلك ماذا يقول ( أعلم – أعلم – قريش بها وبما كان فيها من خير وشر) وسنكتشف أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأتي إلى القبائل المختلفة في منى ليدعوهم إلى الله كان يكون معه سيدنا أبوبكر، وسيدنا أبوبكر يقول له من هؤلاء بالضبط، ويقول له بعض المعلومات عنه ويقول له رأيه فيهم.
إذن معرفة سيدنا أبوبكر ليست مقتصرة على قريش، سنكتشف ونحن سائرين أنه على علم عميق بكل بطون قبائل العرب على اتساع الديار من الشام والعراق إلى اليمن، يعرفهم جميعًا، لا يعرف قريش فقط، هو هنا يقول قريش، لأن دعوته في البداية كانت أين؟ كانت في قريش، هذا الأمر الثاني.
الثالث: (وكان رجلًا تاجرًا ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر) به صفات كثيرة تجعلك تحب أن تكون قريبًا منه، (لعلمه وتجارته وحسن مجالسته) فنحن الآن لدينا شخص، الشخصية نفسها فيها قدر كبير جدًا جدًا من السماحة والود واللطف وحسن التعامل، قدر كبير من العلم والثقافة، وقدر كبير من الفهم لطبيعة المجتمع، وهو في التجارة والاقتصاد يفهم جيدًا، ويفهم جيدًا مع هذه الصفات هو شخص يمكن أن ينقل المعرفة أو الخبرة أو النصيحة لغيره، فأنا من الممكن أن أكون أفهم، ولكن في النهاية لأنني أريد أن أستأثر بالثمرة أو بالخير أو بالنفع أو بالثروة، إذا جئت لتستنصحني أقول لك أي شيء آخر،، فتقل لي شيئًا خاطئًا، فهو في النهاية الشخص الذي تثق – تثق – في توجيهه وفي نصيحته، ولذلك طبيعي (وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته) فصالون سيدنا أبوبكر سيكون به أناس كثيرون لماذا؟ فالناس التي تريد أن يكون لديها قدر من المعرفة أو الفهم أو الثقافة لابد أن يكون لديها قدر من العلم، تريد أخ كبير من الممكن أن يرشدها أو يوجهها، شخص يريد قرين من الممكن أن يصلح أن يكون صديق، شخص يريد أن يدخل في مجال العمل ويريد شخص يرشده أو يساعده أو يوجهه أو ينصحه، أو يدعمه، شخص يريد أن يفهم كيف تسير الأمور، وما أخبار قريش وكيف تدار دار الندوة، لابد أن تكون فاهمًا لقريش جيدًا، وكيف تركيبة العلاقات فيها؟ وكيف توازنات القوى فيها، كل هذا الكلام موجود عند سيدنا أبي بكر، فماذا تحتاج غير ذلك، فلابد أن يكون هذا الصالون مليء بالناس، هذا طبيعي، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم حينما رجع سيدنا أبوبكر ذهب إلى هؤلاء فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وثق به من قومه، فهو يعرف أناس كثيرة جدًا، من سيختار منهم؟ لابد أن يكون الناس الذين من حوله هؤلاء هو يعرفهم جيدًا، فسيعرف من الذي يصلح أن يكلمه ومن لا يصلح أن تكلمه، من الذي يصلح أن تكلمه اليوم، ومن الذي تنتظره قليلًا، من الذي يحتاج لممهدات كثيرة، ومن الذي لا يحتاج للممهدات حينما تكلمه، من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه.
بقي نقطة أخيرة في موضوع الأنساب؛ قبل هذه النقطة يوجد إشارة غريبة قليلًا: النبي صلى الله عليه وسلم كان أعظم مكانة من سيدنا أبوبكر؛ حتى قبل الإسلام، لأن ربنا اصطفاه هو للرسالة، لكنك لا تستطيع أن تعتبره شخص اجتماعي جدًا، فسيدنا أبوبكر شخص اجتماعي أكثر قليلًا من النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس هو الشخصية المفتوحة، النبي صلى الله عليه وسلم ليس عنده صالون، لكنك ستجده يشارك في أي خير، أي خير يشارك فيه، أي شيء حسن هو لا يدخر فيها جهد، يحاول أن يراعي الناس من حوله، يحاول أن يراعي الناس الغلابة، أي شيء من نوائب الحق هو يشارك فيها، لكنه في النهاية هو أين يوجد؟ يوجد في الغار أحيانًا كثيرة، حيث الوحدة والتأمل والبحث عن الحقيقة وهذا هو الشيء الذي جعله أعلى، لماذا اصطفاه ربنا بالرسالة؟ لأنه كان يبحث عنها جدًا، وبذل جهد كبير فيها وحريص جدًا على الهداية، لدرجة أنه يذهب إلى الغار، وقد تكلمنا عن الغار كثيرًا، الغار نقطة محورية في فهم طبيعة الرسول صلى الله عليه وسلم، أما سيدنا أبوبكر كان لا يذهب إلى الغار، كان يجلس في الصالون، فالشخصية النبوية لم تكن شخصية اجتماعية أوي، مع أنه كان يتاجر – كان يتاجر – ولكنه ليس الشخص المنفتح اجتماعيًا، سيدنا أبوبكر كان شخص أكثر اجتماعيةً، وبالتالي كان تأثيره في اجتذاب الناس تأثيرًا كبيرًا، فهؤلاء الناس من الممكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يعرف معظمهم، ولكن لا يعرف معظمهم العلاقة الوثيقة جدًا التي تسمح أن يتواصل معهم بسهولة، فهم يعرفونه، يعرفون أنه رجل محترم وهذا الرجل صاحب الرجل الذي نجلس معه كل يوم، ولو جاء من الممكن أن يتركنا ويذهب معه، فهذا مفهوم، لكن في النهاية يوجد مسافة قليلًا بيننا وبينه، فاجتماعية سيدنا أبوبكر كان لها أثر وثمرة عظيمة جدًا في الاستجابة والهداية، وهذه المقومات هو ربنا وفقه أن يوظفها جيدًا، فمن الممكن أن يكون الشخص اجتماعيًا أقل اتساعًا، ولا يلزم هذا أن يكون هذا أنقص – ليس شرطًا – ولكن الفكرة أن كل خصائص ولها وظائف.
النقطة الأخيرة التي نتكلم عنها، ذكرنا زمان أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشغول بالرد على هجاء قريش له وللمؤمنين، فكان يريد شخص ينبري للرد عليهم، لماذا؟ لأن هذا الهجاء يؤثر على المؤمنين نفسيًا بالسلب، ويؤثر على الناس الذين يسمعون هذا الشعر فهو أعظم شيء هم مرتبطين به، وأعظم شيء يؤثر فيهم، فهذا الشعر ربما يحقر من مكانة المؤمنين أو يهز صورتهم، فأنت حينما تشوه صورة شخص كثيرًا فالناس البعيدة تنظر إليه نظرة فيها قدر من الازدراء أو الاحتكار، أو حالة تراجع على أن تقترب منه، فمن الذي سيرد؟ سيرد المقربين من الصحابة؛ كعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة،، كعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة.
سنجد أنه لا يوجد أحد من المهاجرين داخل في هذا، وإن كان بعضهم يقول الشعر، ولكن الآخرين أقوى وفي نفس الوقت هم ليسوا من قريش، فلا يكون الذي يرد أحد منهم، فمن الذي يرد؟ كعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وهم شعراء عظام، شعرهم بالغ التأثير، لكن النبي صلى الله عليه وسلم بتأمله يشعر أن هذا ليس من القوة التي يرتجيها، انتبه، نحن نتكلم عن أنه يقيم هذا الشعر وأثره، ويوازن ما بينه وبين شعر أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب – ابن عم النبي – مثلًا الذي كان دائمًا يهجوه ويهجو المؤمنين، وغيره من شعراء مكة مثل أبو عزة الجمحي أو غيره،، هؤلاء الناس، هو يرى أن هذا الشعر ليس ضعيفًا، ولكنه ليس من القوة بأن يربو على هذا أو يغلبه أو يقهره، النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يتابع؟ يتابع معركة الشعر ويوازنها ويشعر أنه لا تغلب، فماذا فعل في النهاية؟ قال لهم: احضروا حسان، فلماذا لم يقل حسان من البداية؟ فهو كان يعتمد أولًا على… حسان رجل من المؤمنين ولكنه ليس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المقربين، هو أقرب للشخص العادي، فهو دخل في الإسلام لكنه رجل عادي يقول شعر في الصلاح وفي الفساد، ولكنه في النهاية حسان من القوة بحيث أنه يستطيع، يستطيع أن يحسم الأمر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لا، احضروا حسان بن ثابت،، وحسان كبير، حسان مات ولديه مائة وعشرون سنة ستون منهم في الجاهلية وستون في الإسلام، أي أنه أسلم وهو عنده ستون سنة، فجاء حسان، فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يفعل أي شيء، قال له اجلس مع أبوبكر، قال: فإنه أعلم قريش بأنسابها.
” إن لي فيهم نسبًا ” فهؤلاء أقاربي، وأبوسفيان هذا ابن عمي، فأنت من الممكن أن تهجوه فتسبني معه في أي قاسم مشترك بيننا، فقال له قبل أن تقول أي شيء تجلس مع أبي بكر لأنه سيشرح لك تفاصيل الأنساب بدقة، فقال له: حاضر.
فذهب لسيدنا أبوبكر ورجع له مرة أخرى، فقال له أنا جلست معه وهو أفهمني، ” والله لأسلنك من بينهم كسل الشغرة من العجين ” سأخرج منهم وأنهال عليهم.
فلما بدأ في الرد أول قصيدة على سفيان بن الحارث، ما أول تعليق؟ قال: إن هذا لشعرٌ ما غاب عنه ابن أبي قحافة. هذا الكلام لابد أن يكون به أبوبكر، لن يستطيع أن يخرج النبي هكذا، كيف سيعلم حسان !! ” إن هذا لشعرٌ ما غاب عنه ابن أبي قحافة ” .
إذن ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ أولًا، أولًا يريد شخص يواجه، وبعد ذلك أخذ هذا الكلام من دائرة المصطفين، ثم بدأ يتابع هذا ويقيمه ويرى أنه جيد لكنه ليس كافيًا، فنحن بمن سنستعين؟ سنستعين بالشخص – حتى لو كان أبعد من الدائرة القريبة – سنستعين بالشخص الذي يصلح أن ينهي الموضوع، ولكن ينهيه لابد أن يلجأ للعالم، لأن العالم سيرشده ويوجهه، فيقول له كيف يسير، لكي ينتج الموضوع أثره، ولذلك أبو سفيان بن الحارث فهم مباشرةً أن يده هنا، مباشرة، أبوبكر يده هنا.
وبعد هذا، ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان؟ (وإن روح القدس معك) فروح القدس هذا هو جبريل عليه السلام، لماذا لم يكن مع كعب بن رواحة ومع كعب بن مالك، فهم أولى،، فهؤلاء أعظم مكانة وأكثر إيمانًا، ولا يقلوا عن حسان منافحة أو إخلاص أو صدق !! فسيدنا جبريل نزل ليؤيد من؟ نزل ليؤيد الشخص الذي بنظرنا أبعد عن التأييد، فلماذا حسان؟ (إن روح القدس) ليس فقط سيدنا أبوبكر علمه، لا، وسيدنا جبريل سيؤيده، الشخص الذي ينزل بالوحي نفسه سيقف مع حسان بن ثابت ( إن روح القدس معك ما نافحت عن نبيه )
إذن هي متى جاءت؟ أولًا جئت بالشخص الذي يصلح لهذا العمل – حتى لو كان أبعد – ولكن يكون لديه الإخلاص موجود، ماذا كان الباعث لحسان، محبته للنبي صلى الله عليه وسلم ورغبته في نصرته، حتى لو هو شخصيًّا أقل إيمانًا وبذلًا وقربًا وتضحية والتزامًا من غيره، من الشعراء الآخرين، لكنه هو الشخص المناسب لهذا العمل، ماذا يحتاج؟ يحتاج لتعليم، وفضل من ربنا، فربنا سيعطيه تأييدًا، روح القدس معك، ما الشرط؟ ما نافحت عن نبيه، (إن روح القدس معك ما نافحت عن نبيه) ولذلك حسان حينما يقول شعر آخر سيوجد فرق كبير جدًا بين هذا الشعر وهذا الشعر، يوجد تعليم سيدنا أبوبكر وفيه تأييد سيدنا جبريل، فحينما يمدح أي أحد أو يتغزل… يخرج كلام عادي،، تشعر أن حسان نفسه ليس هو،، أي أن حسان حينما تقرأ هذا الشعر تستشعر أن هذا الشعر ليس هو شعر حسان الآخر، رغم أن الآخر ليس ضعيفًا، لكن هناك فرق، هذا الفرق من أين أتى؟ جاء من النية والإخلاص، وأنت عم تدافع؟ وربنا معاك بنسبة كم؟.
هذا، هل هذا جعل حسان في منزلة فوق الآخرين؟ لا أيضًا، فهل حسان يعلو أو يربو عن كعب بن مالك وعبدالله بن رواحة؟ هل ارتفع قدره إيمانيًّا عنهم؟ لا لا تمامًا، هو مازال في مكانه، ولكن هذه هي وظيفته، هذه وظيفته، هذا هو الأمر الذي يجيده، ولا تحرم الشخص الذي لديه خير في شيء أن يوظفه في خدمة الدين، حتى لو أنك لا ترى أنه مطابق للمواصفات، هو في هذا العمل مطابق للمواصفات، وعنده الحد الأدنى من الإخلاص الذي سيدفعه فقط، وهذا – هذا – هو الذي سينزل عليه سيدنا جبريل، فكان نزل على الآخرين وكان انتهى الموضوع، فلو كان سيدنا جبريل مع كعب بن مالك أو عبد الله بن رواحة كان انتهى هذا الموضوع، لا هو مع هذا الرجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما أشار إلى هذا كأن ربنا يعلمنا أنك تأخذ هذا وتعلمه لأنه الأقدر حتى لو كان أقل مكانة.
آخر جملة: يقول أن قريش كانت حزينة وشاق عليها أن كعب بن مالك وحسان بن ثابت يهجونها، ولا تبالي بعبد الله بن رواحة، لماذا؟ لأن عبد الله بن رواحة لما كان يعيرهم أو يذمهم، يذمهم لأنهم كفار، فيقول لما أسلموا اكتشفوا أن الدنيا ليست هكذا، فالذي كان غالبهم في الحقيقة هو عبد الله بن رواحة، ليس كعب بن مالك ولا حسان بن ثابت، لأن هؤلاء كانوا يعيروهم بسوءات لهم في الجاهلية وأشياء… لا لا لا، الآخر يقول لهم يا جماعة أنتم كفار، فكان هذا الكلام لا يؤثر فيهم، فلما أسلموا، لا، كلمة كفار هذه كلمة صعبة أوي، ولا تعبأ بالباقي هذا.
إذن الشخص حينما يمن ربنا عليه ويؤمن نظرته للأمور تختلف، عبد الله بن رواحة كان قد مضى إلى جوار ربه، فقريش بعد فتح مكة وبعدما أسلموا كان عبد الله بن رواحة مات، فعندما بدأوا يفهموا كلامه، ويسترجعوا الكلمات…. ” ياااااه كان مبهدلنا ” فما الذي اختلف؟ ما الذي اختلف؟ النظرة فقط.
الآن أصبحوا يروا أن الكفر هذا سوأة وشيء لا يتماشى مع عقل ولا مع فطرة،، فهم كانوا في قمة السفه والهبل، فالرجل كان يقول لهم أنتم كفار،، كان هذا أبلغ ذم وشتيمة كنا نتلقاها كان من ابن رواحة، وليس من حسان ولا كعب بن مالك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم