بسم الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
قال أبوبكر رضي الله عنه في مجمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ما سجدت لصنم قط وذلك إِنِّي لما ناهزت الْحلم أَخَذَنِي أَبُو قُحَافَة بيدي فَانْطَلق بِي إِلَى مخدع فِيهِ الْأَصْنَام فَقَالَ لي هَذِه آلهتك الشم العوالي وخلاني وَذهب فدنوت من الصَّنَم فَقلت إني جَائِع فأطعمني فَلم يجبني، فَقلت إِنِّي عَار فاكسني فَلم يجبني فألقيت عليه صخرة فخرّ لوجهه.
وقالت عائشة رضي الله عنها: حرّم أبوبكر الخمر على نفسه فلم يشربها في جاهلية ولا في إسلام، وذلك أنه مرّ برجلٍ سكران يضع يده في العذرة ويدنيها من فيه فإذا وجد ريحها صرفها عنه فقال: إن هذا لا يدري ما يصنع وهو يجد ريحها فحماها، وعن عائشة: أنه ترك هو وعثمان بن عفان رضي الله عنه شرب الخمر في الجاهلية، وسُل يومًا: هل شربت الخمر في الجاهلية، قال: أعوذ بالله، قيل: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي وأحفظ مروأتي، فإن من شرب الخمر كان مضيّعًا لعرضه ومروأته.
فنحن الآن عندنا معلم أخير من معالم شخصية سيدنا أبوبكر رضي الله عنه والتي جعلته قريبًا أو دانيًا من الإيمان، شيء يتعلق بالخمر، وشيء تعلق بالأصنام، المتعلق بالأصنام يعكس العقيدة التي يعتقدها والرؤية التي يراها ورؤيته لما عليه قومه، وما يتعلق بشرب الخمر يتعلق بأخلاقه ومظهره ووضعه وتقديره لنفسه وتقدير الناس له، وهذا يعكس مدى قرب أو بعد الشخص عن الفطرة.
يعني: إيمان العبد بالله سبحانه وتعالى وتعظيمه لله وتوحيده لربنا سبحانه وتعالى؛ هذا جزء من الفطرة التي فطر ربنا عليها الإنسان، نحن ذكر كثيرًا قول ربنا سبحانه وتعالى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ بلا استثناء وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ، فهنا هذا إجابة عن أمرين، الشيء الأول أن يقول أنني كنت ذاهل عن هذه القضية، إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ معناها أن هذا الموضوع لم يخطر على ذهننا، ولا طرأ على بالنا ولم نفكر فيه، وكنا مشغولين بمجريات حياتنا العادية، ومجريات دنيتنا فلم ننبته لقضية وجود الإله ووجود الرب ووجود الخالق فتغافلنا عنها، هذا أول شيء.
ولئلا يكون اتباع الآباء حجة للإنسان في تركه الإيمان بالله سبحانه وتعالى أو إفراده سبحانه وتعالى بالتعظيم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه). أي أن ربنا سبحانه وتعالى يخلقه مؤمن بالله سبحانه وتعالى متوجهًا لله، والشرك يطرأ عليه بأثر البيئة، فالشخص إذا ترك بمفرده يؤمن، ولذلك في المواقف الصعبة الإيمان يظهر ويغطي على الشرك الذي غشاه أو غطاه، ربنا سبحانه وتعالى يقول: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ إذًا هؤلاء الناس،، فالآن هؤلاء قوم على الشرك، الذي ورثوه من البيئة وعاشوا عليه زمان، فلما تأتي شدة قوية ماذا يحدث؟ كل هذا يزول ويظهر أصل الفطرة والتوجه لربنا سبحانه وتعالى رغم أن هذا الشخص من الممكن أن يكون حياته كلها مبنية على الشرك، هو من حين نشأته في أسرته وفي بيئته وفي مجتمعه هو أخذ مسلك الشرك وظل سائرًا به طوال عمره، لكن لأن الإيمان أعمق في لحظات الصعوبة أو الشدة أو الكرب الإنسان لا يجد أمامه إلا الله، رغم أنه لم يلقن في بيئته هذا، لكن الموجود في فطرته أعظم وأقوى وأرجح.
فهنا سيدنا أبوبكر يتكلم عن موقفه من عبادة الأصنام، فماذا يقول هنا؟ يقول ” إِنِّي لما ناهزت الْحلم ” أي سنه وقتها 13 أو 14 سنة، وقبل ذلك؟ فالمفترض الدين هو شيء راسخ في مكنون الإنسان، والإنسان – حتى الطفل الصغير – يكون لديه مجموعة من التساؤلات حول الخالق وحول كيفية وجوده، الأسئلة التي نسميها أسئلة وجودية – هذه الأسئلة الغريبة – هذه الأسئلة يسألها الطفل الصغير، فهو مرّ عليه هذا السن كله إلى هذه النقطة بدون أدنى توجيه، فهذا الكلام معناه هذا.
أبوه حينما وجد أن ابنه بدأ يبلغ هو يرى أنه عليه واجب، واجب ديني، فماذا سيفعل؟ أخذه من يده وأدخله مخدع فيه الأصنام، أي أن البيت، البيت فيه مكان موضوع فيه الآلهة، فأخذه من يده وأوقفه أمام الآلهة في هذا المخدع، وقال: هذه آلهتك الشم العوالي، آلهتك العظيمة وتركه وذهب،،، هذا هو الموضوع.
أي أن دور أبو قحافة مع ابنه في ترسيخ الدين، ماذا سيفعل؟ حينما يناهز الحلم يدخله عند الأصنام ويتركه ويذهب، وسيدنا أبوبكر قال أنه توجه إلى الصنم،،، فأنت وأنت سنك 13 أو 14 سنة وشخص سيقول لك هذا الكلام، فقال: ” إني جائع فأطعمني فَلم يجبني، فَقلت إِنِّي عَار فاكسني فَلم يجبني فألقيت عليه صخرة فخرّ لوجهه ” هنا يوجد أمران؛ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ… وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا هو الآن طلب منه أن يقوم بدور الإله، ما دور الإله؟ أن يكفل من يعبده، الخالق من نعمه على المخلوق ليس مجرد إيجاده من العدم، وإنما إمداده من العدم، تدبير أمره، تلبية احتياجاته، أن يكون هو سنده والمفزع الذي يلجأ إليه، فهو يتكلم من مقتضى الفطرة، فهذا إله، هذا الإله أنا أعبده لأنه مستحق للعبادة لأن صفاته العظيمة تقتضي هذا، وإحسانه إلى عبده يقتضي الشكر، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى حينما ذكّر قريشًا بعهد الإيمان ماذا قال لهم؟ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وفصّل هذا سبحانه وتعالى تفصيل بالغ في سورتين متتابعتين أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ثم قال تعالى لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ هو سبحانه وتعالى يذكرهم بنعمته العظيمة بإهلاك أبرهة وأصحاب الفيل، وهم لا قبل لهم بهم، ثم امتنّ عليهم بمنّة أخرى، أن ربنا سبحانه وتعالى بسبب البيت وتعظيم البيت جعل لهم رحلة آمنة إلى الشام وإلى اليمن، فلما ذكّرهم سبحانه وتعالى بنعمه وآلائه أمرهم أن يشكروها، قال فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ فهنا ربنا سبحانه وتعالى يأمرهم بالشكر للرب سبحانه وتعالى الذي أطعم والذي آمن، أي أن عطاؤه وخيره سبحانه وتعالى هو سابق، أطعمهم ولا زال، وآمنهم ولا زال، ثم يوجههم سبحانه وتعالى للشكر.
فهنا سيدنا أبوبكر يطلب من الإله أن يظهر إلهيته، وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ هم الذين اتخذوا، هم الذين صنعوا، هم الذين يصنعون الإله، الإله هم الذين يصنعون، وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا أي لا روح فيه لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ فهنا ربنا سبحانه وتعالى يسألهم ويعجب من حالهم، أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا.
نحن قلنا قبل ذلك أن سيدنا إبراهيم وهو يريد أن يقرر، يقرر حقيقة الإلهية أعظم تقرير، قال تعالى وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ سيدنا إبراهيم له رحلتين، رحلة مع عباد الأوثان، ورحلة مع عباد الكواكب، ربنا سبحانه وتعالى في غير موضع ذكر رحلة سيدنا إبراهيم مع عباد الأوثان، وهاهنا في سورة الأنعام يذكر رحلته مع عباد الكواكب، قال تعالى وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ هذا أولًا، الآن هؤلاء الناس سيدنا إبراهيم يريد أن يوجههم إلى الإله الحق، فماذا يفعل؟ هو يتنزل ويسير معهم، أنتم تؤمنون بهذا، حسن، ذرونا نسير هكذا، أنا معكم الآن، حينما غاب النجم الذي يعبدوه؟ بعد مضي وقت من الليل، ماذا قال سيدنا إبراهيم؟ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ لا يصلح أن يكون الإله الذي أعبده وأتضرع إليه وألجأ إليه، يعرض له الأفول أي يظهر أحيانًا ويختفي أحيانًا، يتواجد أحيانًا ولا يتواجد أحيانًا، أحيانًا أجده حينما أطلبه وأحيانًا لا أجده حينما أطلبه، فهذا أول شيء، هو ماذا يفعل؟ هم الآن يعبدون شيئًا من أجل تعظيمها، وهو يريد أن يقول لهم ما قوانين العبادة، أنت علام تعبد الإله؟ ما الحيثيات التي تتوافر فيه؟ فأول شيء أنه حاضر ولا يغيب أبدًا، هذا الأمر الأول، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ لم يقل لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فلماذا لم يقل لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ؟ هو يريد أن ينقل، فهذه قالها قبل ذلك، هو قرر هذا القانون، لن يعيده مرة أخرى، لماذا يعيده مرة أخرى، يضيف إضافة، قال قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ.
فمن أسس معرفة الإله والإيمان به أنه لا يصلح أن يتركك هكذا بدون أن يوجهك أو يهديك أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ليس من حكمة الباري سبحانه وتعالى أن يخلق هذا الكائن ثم لا يقول له علة الخلق أو سببه أو ما المطلوب منه، أو ما الذي من المفترض أن يسير به في الحياة، كيف يقيم حياته، هذه الحياة إلام ستؤول؟ ستؤول إلى بقاء أم إلى فناء، فالرب لابد أن يهدي، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ هذه الثالثة؛ الإله الذي يعبده لا يغيب بل هو سبحانه وتعالى الحي، الحي القيوم، القيوم، القيوم: هو المقيم لخلقه، المقيم لخلقه: أي أن قيام الكون إنما هو بحياطة ربنا سبحانه وتعالى وتدبيره، ولو نزع كلاءته سبحانه وتعالى عن الكون طرفة عين لهوى، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فهذا أول شيء: أنه حاضر لا يغيب.
يهدي عباده ويرشدهم، لا يصلح أن يتركهم هكذا بدون هداية ولا توجيه، هو الأكبر فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إذن هو وضع أصول، ثم قال لهم أن هذه الأشياء لا يتصل بها إلا الله، فأنت في البداية أنت سرت معي على وفق عقلي، يأخذ الأمر خطوة خطوة، الإله، وفي كل خطوة يقول شيء، في كل خطوة يقول شيء، من المغرب إلى المغرب كان قد قرر أصول معرفة الله وعبادته، فمن النجم إلى القمر إلى الشمس؛ أي يوم كله من المغرب إلى المغرب، فمن المغرب إلى المغرب كان قد قرر هذه الحقائق العظيمة، وحينئذٍ طبيعي أن يقول إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وقلنا ما معنى الحنيف؟ الحنيف أصلها من الحنف والحنف هو الميل، مع أن التوحيد استقامة، وقلنا لماذا ذكر ربنا سبحانه وتعالى وصف إيمان سيدنا إبراهيم بأنه حنف رغم أن الإيمان استقامة والصراط مستقيم، قلنا لأنه حنيف أي هو سيحيد عن طريقهم إلى الله، فالناس سالكين مسلك وهو سيحيد عن هذا المسلك عائدًا آيبًا إلى الله، فهو سيكون أواب لأنه سيترك المسلك الذي عليه الأقوام ويفيء وحده إلى الله، ولذلك كلمة ” الحنيفية ” هي الحيدة – الحيدة – عن الشرك إلى التوحيد وعن الجحود إلى الإيمان، أنت تأخذ خطوة ترجع إلى فطرتك، ترجع إلى ما من المفترض أن ترجع إليه، فتترك أشياء خلفك وترجع إلى ربنا سبحانه وتعالى، ولذلك سُميت بالحنيفية.
فسيدنا أبوبكر ينظر إلى هذه الآلهة الشم العوالي،، فهي ماذا تفعل لكي تستحق اسم الألوهية، ماذا تفعل؟ لا تقدم شيئًا،، هي لا تقدم شيئًا، فهل فيها قوة ذاتية؟ لا، لا يوجد بها، فألقى عليه صخرة فوقع،، فهو حتى لا يملك إمكانية المنافحة والحماية لنفسه، قال قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ من المفترض أن الإله هو الذي يقوم بالنصرة، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ربنا سبحانه وتعالى هو القائم بالنصرة، قَالُوا حَرِّقُوهُ لماذا؟ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ الدنيا معكوسة.
هنا، موقف أبو قحافة وموقف أبوبكر، واجب المسلم تجاه الذرية، هنا أبوقحافة وهو رجل مشرك يرى أن عليه واجبًا تجاه ولده بأن يوجهه إلى تعظيم الآلهة، ولكن لما كان هذا شركًا لم يكن هناك ما يقال، فهو ماذا سيقول؟ فهو فعلًا لا يوجد ما يقال، ولذلك هو وضعه أمامهم وقال ” هذه آلهتك الشم العوالي ” فقط،، ماذا كان من الممكن أن يفعل أكثر من هذا؟ هو كان في غنى عن هذا، فلماذا فعل ذلك؟ فهو من منطلق كونه أب؛ فهو يستشعر قدر من المسئولية تجاه ابنه فيما يتعلق بقضية الدين، فهذا هو الأب المشرك.
أما الأب المؤمن؟ ما وظيفته أو مسئوليته تجاه أبنائه؟ فأبو قحافة لا يتعامل من منطلق ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) هذا الكلام غير موجود، ولكنه يرى أن هناك أشياء لابد أن يفعلها، ولذلك نجد في كتاب الله سبحانه وتعالى قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا موقف غاية من الشدة والفظاظة من الأب للابن، لكن واضح أن تعظيمه لآلهته أعظم عنده من أي شيء، هو عنده استعداد أن يقتله – يقتله – رجمًا بالحجارة إذا أخذ موقفًا سلبيًا أو موقفًا ينافي التعظيم لهذه الآلهة التي يعبد، وهذا صعب، كلام شديد، في مقابلة كلام كله رفق يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ هذا هو الرد، هو لم يعي أي شيء مما قيل، هذا هو الرد لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا.
الإنسان المؤمن؛ أول شيء وهو أصعب شيء؛ قضية القدوة، أنا لا أستطيع أن أغرس معنى في نفس شخص أنا لا أستشعره أو لا أعيشه، بالذات وضع الآباء مع الأبناء لأنهم محل نظرهم بشكل دائم، ومحل مراقبتهم بشكل دائم، وبالذات في سن الصغر، سن الصغر كله رقابة، فإذا جاء الكلام بعد ذلك موافق لما راقبته فوجدته هذا الكلام سينفع، ولو جاء الكلام بعد ذلك ليس موافقًا لما أرقبه؟ فهذا الكلام صعب أن يكون مؤثرًا
النقطة الثانية المهمة: أن واجب الأب أن يغرس – يغرس – الإيمان في قلب الطفل، فما المطلوب؟ ماذا تريد أن تخرج في النهاية؟ نحن تكلمنا قبل ذلك في هذه النقطة كثيرًا، قلنا يوجد فرق بين الأمانة وبين الملكية، معظم الآباء يتعاملون مع الأبناء على أنهم كائنات ملّكهم الله إياهم، وهم ليسوا كذلك، يوجد فرق بين نعمة ربنا امتنّ عليك بها، منّة امتنّ عليك بها، أمانة ربنا ائتمنك عليها، وبين شيء أنت تملكه، مثلما تلمك ترابيزة أو ثلاجة، ما الفرق بين الاثنين، من يتعامل من منطلق الملكية؛ هو تفكيره أن يوجه الابن أو يصيغه كما يرتئي له وأن يرسم له مستقبله كما يرى هو، أما من منطلق الأمانة فأنت تريد أن تعرف ما الذي ينجيك عند ربنا سبحانه وتعالى غدًا حينما يسألك عن مسئوليتك ماذا فعلت؟ ماذا فعلت فيما ائتمنتك عليه.
فأنا ما المطلوب مني؟ مطلوب مني أن أبذل الجهد في أن أغرس في نفس الصغير معاني الإيمان، هو يعرف ربنا سبحانه وتعالى ويعظم ربنا ويعرف آلاء ربنا سبحانه وتعالى ونعمه التي تغمره، فهو يحب الله سبحانه وتعالى، الإيمان الذي لديه أنا أحاول أن أجعله إيمان حقيقي وليس إيمانًا تقليديًا عبارة عن مجموعة من الجمل.
الأمر الثاني: إيمان الرسالة ومعرفة الرسول، معرفة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأوصافه، وإذا كنت تقولها من قلب يشعر ويحب، فالحب ينتقل.
الأمر الثالث: نعمة القرآن، نعمة القرآن، أن هذا ربنا سبحانه وتعالى أنزله لكي نحن حينما نحتاج إليه نلجأ إليه فربنا يرشدنا وينقذنا به.
ثم نعمة الصلاة؛ قيمة الصلاة، الصلاة هذه عبارة عن الشيء الذي يجعل الإنسان موصول بالله، إذا انقطع عنها تنقطع صلته بالسماء، وبالتالي سيتخبط، وليس مطلوب شيءٌ آخر؛ يعرف ربنا سبحانه وتعالى ويعظمه ويحبه، يعرف النبي صلى الله عليه وسلم ويحبه ويقدره، يعرف قيمة القرآن، يعرف معنى الصلاة، فقط، ليس مطلوبًا شيءٌ آخر.
ولذلك تكلمت قبل ذلك كثيرًا عن موضوع الحفظ، لابد أن نحبب الصغير في القرآن، لا نثقل عليه بالقرآن، ليس لأننا حريصين أنه يحفظ لأننا لم نحفظ أو لم يوجهنا أحد إلى الحفظ، فنحن نضغط قليلًا لكي ننجز بسرعة قليلًا لكي نستثمر زمن الحفظ، هذا الكلام كله ليس صحيحًا، لأنني إذا حوّلت القرآن لواجب مثل الواجب المدرسي، أو حوّلته لعبء وثقل؛ هذا الكلام يتنافى تمامًا مع المشاعر الذي أريد أن أغرسها بداخله تجاه القرآن، أنا أريده أن يحبه،، والآيات البسيطة التي سأعلمها له يستشعر قيمتها إذا حاولت أن أشرح له القليل من معانيها على قدر استيعابه، وهذا الاستيعاب يزيد قليلًا قليلًا، ولكن لدينا مشكلة في القدرة على التبسيط، الفكرة أن يستشعر قيمة هذه الأشياء، فهو إذا حفظ عشرة أو خمس عشرة سورة من جزء عم، فهذا يكون جيد جدًا.
ابن عباس رضي الله عنه – حبر الأمة – وترجمان القرآن، النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) كان يفتخر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي كان هو حفظ المفصل، النبي صلى الله عليه وسلم توفي وابن عباس عنده ثلاث عشرة سنة، وابن عباس هو ابن عباس، هو يقول لما كان عندي ثلاث عشرة سنة الحمد لله كنت حفظت المفصل، أي حفظ من ق إلى الناس، ويعتبر أن هذا علامة على منة ربنا ويفتخر بهذا، ولكن نحن عندنا لو أنت تحفظ وأنت ابن خمس سنين إلى أن أصبحت ابن ثلاث عشرة سنة ولم تحفظ نصف القرآن مثلًا يكون هذا عيب وخيبة، والرجل الذي يحفظه هذا بيستهبل،، لا ليس هكذا تمامًا، لماذا؟ لأنك في النهاية أنت تريد أن تحفظه سورة بوزنها؟ أم بدون وزنها؟ هذا في النهاية هو الذي سيفرق، هو يعرف قيمة هذه السورة أم لا؟ ولذلك ماذا يقول ابن عمر؟ يحكي عن حالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم فماذا يقول ( كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلمنا الإيمان قبل القرآن ثم قرأنا القرآن فازددنا به إيمانًا) أولًا يرسخ معاني الإيمان، ثم حينما يقرأ القرآن، فهذا القرآن يرسخ معاني الإيمان التي غرست بداخله، ( واليوم ) وهنا يخاطب الناس الكبار وليسوا الصغار، ( واليوم يؤتى أحدكم القرآن قبل الإيمان فيقرأه من فاتحته إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه ينثره نثر الدقل ) أي يجري فيه، والدقل: هو التمر الرديء، الذي يريد أن يأخذ منه يأخذ، ومن يريد أن يحمل فليحمل.
فما معنى ( ينثره نثر الدقل ) أي هو يعامله على أن هذا أمر غير معظم، نتيجة للأسلوب، الأسلوب الذي نتناول به، فانت ماذا تريد أن تفعل؟
فهل سيسألك ربنا هل جعلته يحفظ أم لا؟ لا،، فأين السؤال؟ أين السؤال الذي سيسألنا ربنا عنه لكي نستطيع أن نضع له إجابة؟ لابد أن تكون هذه الأشياء أنا أستشعرها وأحاول أن أنقلها له، ففي النهاية الاستجابة ربما لا تكون بالقدر الكافي، وربما الولد حينما يكبر لا يسير على نفس المسلك هذا، فحينئذٍ أنت عليك الاستمرار في النصح وعليك الدعاء لأن ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يقلب القلوب ولا أحد يملك، لكن في النهاية أنت أمام ربنا عملت ما عليك.
نحن عندنا في القرآن الذي به تمثال لكل شيء وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ هذا نشأ في هذا البيت، في بيت نبي الله العظيم الذي استمر تسعمائة وخمسين سنة كاملة يدعو إلى الله تعالى ليلًا ونهارًا وسرًّا وجهارًا، وهذا بيته، ألصق مكان به، لا زوجته ولا ابنه، ولا زوجته ولا ابنه، وهذه بحد ذاتها سوأة كبيرة، فكّر فيها، إذا جئت لأدعوك وأنت قلت لي ” يا عم شوف بيتك ” أنا أكلمك في الدين والحقيقة والإيمان، فقلت لي ” يا عم شوف مراتك وعيالك الأول ” فكم هذه تكسر ظهر أي إنسان، لكن في النهاية هي هكذا إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، عشر سنوات ” يا عم، يا عم كلمة أشهد لك بها عند الله، فكان آخر ما قال؛ هو على ملة عبد المطلب ” ولكن في النهاية أنت تحاول أن تفعل الواجب الذي عليك، ولذلك الأمر بالصلاة أين أتى؟ الأمر بالصلاة أتى عند وجود قدر عالي من التمييز والإدراك، أمر بالصلاة عند سن سبع سنوات، فهل لن تكلمه في شيء في الدين قبل سن سبع سنوات؟ أنت ستغرس فيه ما تريد أن تغرسه، وسيرى أنك تصلي، سيرى أنك تصلي ولكن لم تقل له صلِ، فهنا ما معنى ” مروهم ” أنت متى توجهه إلى الصلاة؟ فهل أنت قبلها ليس موجودًا تمامًا؟ لا، هو يراك تصلي، يراك متعلقًا بالصلاة، ومن المفترض يرى شيئًا من أثر الصلاة، فسن سبع سنوات من الممكن أن يتعلم الصلاة، وتوجهه إلى الصلاة وتحثه عليها، فإن لم يصلِ، لا تضغط عليه، حتى سن عشر سنوات لا تضغط عليه، ثلاث سنوات من التحبيب، وبعد عشر سنوات يوجد قدر من التشديد، فلماذا الصلاة؟ لأن الصلاة هذه هي عمود الدين، محتاج حينما يبلغ يكون تجاوز مرحلة الصلاة، تكون استقرت لديه الصلاة، لكي يستقر عنده الدين بعد ذلك، لأن هذه هي التي سيركن عليها، العمود هو الذي يقام عليه البناء والتي تركن عليها.
فقبل سبع سنوات؟ فمن سبعة إلى عشرة؟ تحبب وترغب فقط، لا تعطيه شيء آخر، فهل جاء في شيء غير الصلاة هذا الكلام؟ لا، الصلاة هي العمود،، فكيف يسير التوجيه؟ ماذا تريد أن تفعل؟
فهنا أبو قحافة فعل الطبيعي مما يفعله الشخص المشرك، وليس لديه أكثر من هذا، ولكن عند الإنسان المؤمن، يوجد واجبات عليه أن يقوم بها، ومثلما قلنا نتعامل مع الأمانة على أنها أمانة، ربنا سبحانه وتعالى لم يخلق هذا لكي استدرك به الأحلام التي لم أحققها في حياتي، أو يكمل مسيرتي في الحياة، فهذا الكلام غير موجود لا شيء هكذا، ومعظم الناس تجدها هكذا، إما أن هناك شيء كان يتمنى أن يصل إليها ولم يستطع فيريد أن يحقق ابنه ما لم يستطع أن يحققه، وإما أنه يرى نفسه نموذج للنجاح في الحياة ويريد أن يسير ابنه في نفس الطريق، ليس هكذا، فهذا كائن آخر، كائن آخر ربنا خلقه، ما وظيفتي أنا؟ وظيفتي أن أضعه على الطريق، وأكون معه أرشده وأوجهه وأنصحه، وبعد مرحلة معيّنة محتاج لأن أبعد قليلًا وهو يخوض طريقه.
نحن ذكرنا قبل ذلك من الأشياء العجيبة جدًا، وأشياء كثيرة عجيبة محتاجين لأن نركز فيها، سيدنا عبد الله بن عمر ماذا يقول؟ يقول: كنت على بكرٍ صعبٍ لعمر، من الذي أركبه هذا الجمل؟ أبوه، فهو يقول أنه أركبني على جمل صغير في السن وعنيف قليلًا، فالجمل يشرخ، كل فترة يشرخ وأحاول أن أوقفه لا يقف ( كنت على بكرٍ صعبٍ لعمر ) هم سائرين مع النبي صلى الله عليه وسلم وجمله كل فترة يخرج، وأبوه يعنفه كلما شرخ الجمل، ” يا عم هذا الجمل أنت الذي أعطيته له ” المهم أن الجمل يتجاوز للأمام.
فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال لعمر أنا أريد أن أشتري منك هذا الجمل، فقال: هو لك يا رسول الله، قال له لا أنا أريد أن أشتريه منك، فقال له نعم، فالنبي صلى الله عليه وسلم اشتراه، فلما اشتراه ماذا قال؟ نظر هكذا وقال: هو لك يا عبد الله بن عمر، فاصنع به ما تشاء. تتقدم به إلى الأمام، ترجع به إلى الخلف، تطير، تعوم، دعه وشأنه، دعه وشأنه.
النبي صلى الله عليه وسلم كيف لاحظ الموقف وكيف عالجه، هو الآن في النهاية الجمل يجري فهو ماذا يصنع له؟! وهو كل فترة ” يشخط فيه – ارجع يا ولد ورا، ارجع ورا – “
والنبي صلى الله عليه وسلم – انتبه – لم يقل له اتركه، لم يقل له اتركه، لم يقل له شيئًا تمامًا، لم يعط عمر أي توجيه، هو ركّز على الجمل، هات الجمل، أنا سأشتري منك الجمل، فهذا الجمل ملكه فيقول له…، فهذا الجمل لم يصبح ملكك،،،، ففي النهاية هو مفهوم الملكية، فقال له خلاص، أنا اشتريت منك هذا الجمل وأصبح ملك لي، هذا الجمل لمن؟ هذا الجمل مملوك لصاحب الشرعة والرسالة صلى الله عليه وسلم فسيعطيه هبة لشخص، كما يريد.
قال: هو لك – وأبوه سامع – هو لك يا عبد الله بن عمر فاصنع به ما تشاء، فهو هنا لم يعط توجيه لعمر، ولكنه أوصل إليه الرسالة التي يريد أن يوصلها إليه.
فانظر كيف النبي صلى الله عليه وسلم يعالج المواقف، وكيف يرشد وكيف يوجه،، فهو كان من الممكن أن ينصحه ويوجهه وانتهى، لم يكن محتاجًا لأن يدفع ثمن الجمل، فهو بشكل غير مباشر أحب أن يوصل إليه أنه لا داعي، لا داعي لأن تضغط عليه خاصة لو في أمر لن يستطيع أن يفعل فيه شيئًا، هذا الجمل أنت الذي ابتليته به، هذا الجمل ليس له، أنت اخترت أن تركبه على هذا الجمل، وهذا الجمل يصنع مشاكل،، وأنت طبعًا لن توجه الخطاب للجمل، ستوجه الخطاب لمن يركب الجمل الذي لا يستطيع أن يسيطر عليه، هو يقول هكذا ” كنت على بكر صعب لعمر ” هو أركبني جمل صعب لا أعرف ماذا أصنع معه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: هذا الجمل ملك لك افعل به ما تشاء، هو لا يريد أن يفعل شيئًا أصلًا، ابن عمر ماذا يريد أن يفعل؟ هم يسيرون بشكل طبيعي، هو لا يريد أن يفعل شيئًا أصلًا، هو في النهاية لا يريد أن يذهب به إلى مكان، فهم جميعًا لا يريد أن يذهب به إلى مكان، فهم جميعًا سائرون معًا ولكن الجمل هو الذي يشت فيتقدم للأمام، فهو يقول له أنك يمكنك أن تتحرك كما تشاء، فهو يريد أن يقول له لا داعي للضغط، خاصة حينما تضغط على أحد في شيء هو لن يستطيع أن يعالجها، هو يحاول ولكنه لا يستطيع، فلابد أن تعطيه مساحة من الحرية طالما في حدود ما تسمح به الحرية، أو ما يسمح به الدين أو الشرع أو المبدأ أو الخلق.
فأنت تحاول في السن الصغير أن تبني ما من المفترض أن يبنى، لماذا يلزم أن يبنى هذا في التنشئة الصغيرة؟ أنت تسارع وتسابق المراهقة، لماذا؟ لأن المراهقة هي مرحلة الاستقلال، ومرحلة الرفض، ونحن قلنا قبل ذلك أن هذه، هذه من أعظم نعم ربنا سبحانه وتعالى، لماذا؟ لأن هذه المرحلة هي التي تحول الإيمان التقليدي إلى إيمان حقيقي، أي إنسان أيًا كانت نشأته وأيًا كانت بيئته وأيًا كانت معتقداته تأتي عليه فترة، ربنا جعلها فطرة في الإنسان، أن يرفض السابق ويريد أن يكون لديه استقلالية، ورؤيته الخاصة، سيتبنى بها هو ما هو مقتنع أنه صحيح، فأنت إذا غرست فيه إيمانًا صحيحًا، فهو حينما يراجعه سيجده عميق وفطري وقوي فيتبناه عن قناعة، لا يتبناه تقليدًا أو تبعية، وهذا هو الدين الذي يصلح أن يكمل مع الإنسان، الدين المبني على التقليد لا يمكن أن يكمل مع الإنسان إلى آخر مسار حياته لا يستطيع، فستأتي هذه المرحلة، فحينما تأتي هذه المرحلة الشخص يجد شيئًا يركن عليه، وفي نفس الوقت يعزلك أنت عن الدين، هو ليس متديّنًا لأن ماما وبابا هكذا، أو لأن البيئة هكذا، لا، هو متديّن لأنه مؤمن بالدين، قناعة موجودة عنده، ولذلك نحن قلنا قبل ذلك أن فكرة الضغط لماذا هي خطر؟
أنت مثلًا الآن تقول لي ” لا تتأخر بعد الساعة العاشرة ” ، عادي، ” لا تلبس التيشرت الفلاني ” فماشي، عادي، فلما يبدأ الطفل يكبر وينضج قليلًا ويريد أن يعارض، فيم سيعارض، سيرجع بعد الساعة العاشرة وسيلبس هذا التيشرت غلاسة، وسيترك شعره يكبر، وسيضيّق البنطلون قليلًا.
لكن لو كان صل، واحفظ وراجع داخلة في الأوامر، عندما يعند سيعند في الصلاة والحفظ والمراجعة، فهو لابد أن يعند، لابد أن يحب أن يقول لا، فما علامة أنني شخص مستقل؟ أنك حينما تقل لي يمينًا أقل يسارًا.
فهي هكذا، فما هي المراهقة؟ عبارة عن رغبة استقلالية جارفة ليس بها قدر من العقلانية، العقلانية هذه تأتي بعد، تأتي بعد 23، 24 يبدأ ينضج، وبعد حاجة وتلاتين يبدأ يراجع، وعندما يكون عنده خمسين سنة يكتشف أن ثلاثة أباع ما قاله له أبوه كان صحيحًا، ولكن هذا بعد أن يمر سنوات طويلة وكل شيء لا يمكن أن يستدرك، المهم أن هذا الذي يحدث، في النهاية، في النهاية لا نجعل الدين عرضة عرضة للمعاندة، لا، أنت تحببه في الصلاة، فهذه الصلاة بينه وبين ربنا، يتقرب بالصلاة إلى الله، يقرأ القرآن لكي يتعبد به إلى الله فعندما يأتي ليعند معي، الموضوع الذي بينه وبين الله أنا ليس لي علاقة به، هو يصلي لله، فحينما يحب أن يغلس عليّ لن يمس الصلاة، لن يمس الصلاة، لن يمس القرآن، لأن هذه أشياء خاصة بينه وبين الخالق سبحانه وتعالى، فيم سيغلس عليّ؟ في الأشياء تبعي أنا، الدين خارج هذه الدائرة، الدين خارج هذه الدائرة، فأنت تظل تغرس في مساحة زمنية كبيرة على مقدار ما يعطيك ربنا، لكي حينما يأتي هذا الوقت لا يحدث أزمة دينية.
والنقطة الأخيرة: أثر الصلاح الشخصي وأثر الدعاء، أن ربنا سبحانه وتعالى يحفظ دنيويًّا ودينيًّا الشخص بالصلاح والبر، ولكن يحفظ دنيويًا هذه مطلقة، ويحفظ دينيًّا لو كان الشخص نفسه فيه هذه القابلية، أي يستحق الخير، ولذلك ماذا يقول ربنا وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا أموال اليتامى والمحافظة عليها والوصية بها، فربنا يكلم الناس الذين من الممكن أن يكون أولادهم يتامى، اتق ربنا لكي يحفظك ربنا في ذريتك، وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ ماذا يفعلون؟ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا فإذا فعلوا؟ ربنا سبحانه وتعالى يهيئ للذرية من يحفظها ويقوم عليها وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ هذا الرجل، ربنا يصفه بأنه كان صالحًا، وترك مالًا لأولاده وهذا المال خبّأه وبنى عليه حائطًا، لأن القرية التي هم فيها أناس لا يؤتمنوا لا على مال ولا على خير، فهو فعل ذلك، لكن الجدار يكاد أن ينهار قبل الميعاد الذي يريده ربنا سبحانه وتعالى ويقدره، فأرسل ربنا سبحانه وتعالى عبدًا من عباده خصيصًا ليدخل هذه القرية لكي يعدل هذا الجدار المائل، يعدله بمقدار ما هو محتاج أن يعدل، فهذه الأولاد الصغار لا يعلمون أن أبوهم ترك لهم شيئًا، هم سيكتشفوها، متى سيكتشفوها؟ عندما يقع الجدار، فلو وقع الآن سيكتشفوها نعم، لكن لن يستطيعوا أن يأخذوا منها شيئًا ستؤخذ منهم، فالجدار سيقوّم – سيقوّم – إلى أن يأتي الأجل الذي قدّره ربنا سبحانه وتعالى.
مثل هم يصنعون لنا الأجهزة واللمبات وهذه الأشياء بنفس النظرية، ليست بأن تعمل دائمًا، لا، هي ستعمل مدة قصيرة، ولكنهم ليس لديهم أجل محدد، هي تكون إلى أن يخرجوا الشحنة التي بعدها.
فهنا هو سيقوّم الجدار إلى متى؟ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وحينئذٍ وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا فربنا سبحانه وتعالى لصلاح هذا الأب جعل هؤلاء في إطار الحفظ والكلاءة والحماية، انتبه؛ القرية كلها، كلها هكذا، ليس بها شخص مؤتمن أو موثوق، وضع صعب جدًا وحالة من الغربة مخيفة، لكن ربنا سبحانه وتعالى معهم، فهو في النهاية ربنا سيحفظ لهم، سيحفظ لهم رزقهم وميراثهم إلى أن يستطيعوا هم يحموه ويحافظوا عليه.
طيب، وربنا ذكر في الجنة، قال وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ربنا ذكر أناس مؤمنين أصحاب منازل في الجنة عند ربهم سبحانه وتعالى، ولهم أولاد هم جيدون ولكنهم مقصرين، ربنا جعلهم بأعمالهم وبإخلاصهم من أهل الجنة، لكن بينهم وبين الآباء درجات ودرجات، فمن فضل ربنا ورحمته أن يلحق من تحت بمن فوق لكي يصطحبوا ويجتمعوا أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ فهل أخذنا من هؤلاء قليلًا لكي نعطي هؤلاء؟ أي سأنزل هذا ثلاث درجات وأصعّد هذا سبع درجات؟ لا لا لا، وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ هو لن ينقصهم شيئًا، هم سيظلوا فوق في المكان الذي أنالهم ربنا إياه برحمته، وسيصعّد الآخرين فوق لكي يلحقوا بهم ويصاحبوهم، لماذا؟ لما لهؤلاء السابقين من الفضل، ولكن لابد أن يكون الآخرين على طريقهم وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ ولذلك ربنا سبحانه وتعالى قال وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ربنا ذكر السابقين الأولين، ثم يقول نحن إذا أردنا أن نكون على دربهم أو نحصلهم أو نسير في طريقهم أو نلحق بهم، ماذا قال ربنا أن نفعل؟ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ أنت تدعو لهم، تدعو لهم بالمغفرة والرحمة وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فما هو المطلوب؟ طلب المغفرة لنا ولمن تقدم وتنقية القلوب بيننا وبين من تقدم، فالذي يفعل ذلك ويسير على هذا الدرب، ربنا سبحانه وتعالى يجعله من أهل اللحوق بهؤلاء الناس.
إذن ما نريد أن نخرج به مما قلناه اليوم أننا لا يصلح أن نسلك مسلك أبي قحافة، لابد أن نسلك مسلك الرشد، مسلك الرشد، أن الإنسان يحاول قدر ما يستطيع أن يقوم بالأمانة التي ائتمنه ربنا عليها، الأمانة هي غرس أصول الإيمان، وأي شيء آخر سهل، هذه الأشياء إذا استقرت فالباقي كله سهل، على الأقل يكون هناك مرجع الشخص يرجع إليه في لحظة ما، لا أحد لا يأتي عليه وقت تختلط عليه السبل أو يبعد أو يضل قليلًا، أو يغويه أحد، لكن في النهاية هذه الأشياء المغروسة بالداخل ربنا سبحانه وتعالى يجعلها سبب لكي يرجع الإنسان وأن يؤوب إليها وأن يحنّ إليها، فواجب الإنسان المؤمن أن يحاول أن يغرس هذه المعاني لكي يكون أدى الأمانة التي ائتمنه ربنا عليها
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم