Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

خطو خاتم الأنبياء – الدرس الرابع

بسم الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله

صلى الله عليه وسلم

وصلنا إلى قول الله تبارك وتعالى يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ۝ قُمْ فَأَنْذِرْ وذكرنا أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوم بواجب الرسالة الذي أمره الله تبارك وتعالى به، فقام صلى الله عليه وسلم بما أمره الله به.

نحن محتاجون لأن نتلمس الخطوات؛ هو ماذا فعل؟

أول أمر: أثر هذه الكلمات في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا هو المكان الأول الذي بدأ يظهر فيه أثر هذه الكلمات وأثر تفاعل النبي صلى الله عليه وسلم معها، وهذا شيء تلقائي، النبي صلى الله عليه وسلم في البيت يعيش معه ويرتبط به مجموعة من الأشخاص، هؤلاء الناس هم أول من سيتأثروا بهذه الكلمات، فالبيت به خديجة رضي الله عنها، وخديجة لم تكن محتاجة لتوجيه أو لدعوة أو محتاجة أن يبلغها شيئًا أو يقول لها أن ربنا سبحانه وتعالى أرسله، أو أن ربنا سبحانه وتعالى أنزل عليه لأنها لحظة بلحظة تتابع وتعايش التطورات الكبرى والعظمى التي تجري، ليس فقط في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عقله وفي نفسه، وإنما في الحقيقة الآثار العظمى والكبرى التي تجري في حياة البشر عمومًا من هذه اللحظة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

قطعًا لم يكن يدور في خلد أحد في هذا الوقت أن الأشياء التي تحدث في هذه المنطقة أو في هذه البقعة الصغيرة ستمتد آثارها هذا الامتداد، سواء من حيث العمق أو من حيث الزمان والمكان.

فهو شخص جالس في غار في جبل، حدث معه حدث، وهذا الحدث اضطرب منه، ثم بدأ يشعر بقدر من الاستقرار وقدر من الاشتياق لهذه الكلمات التي ألقيت إليه، ثم وُجّه أن ينقل هذه الكلمات إلى المجتمع المحيط، لا أحد كان من الممكن أن يتصور أو يتخيل أن هذه النبتة الصغيرة سيكتب لها ربنا سبحانه وتعالى هذا القدر من الاتساع ومن القبول ومن التأثير ومن العظمة، بالرغم من أنه لا يوجد أي مقومات مادية يمكن أن نسند إليها كل هذه الأشياء العظمى والكبرى التي حدثت والتي لازلنا إلى الآن بفضل ربنا سبحانه وتعالى ننعم بآثارها، وستنعم بهذه الآثار الأجيال المقبلة أيضًا ما بين مقلٍّ ومستكثر؛ بحسب إقبال الناس على هداية ربنا سبحانه وتعالى وعلى رحمة الله.

فخديجة رضي الله عنها كانت أكثر الناس يقينًا وثقةً وإيمانًا، وفي البيت بنات لخديجة، وفي البيت ربيبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان لازال باقيًا في البيت، أو كان قد غادره، وفيه ابن عمه الذي يكفله، وفيه ابنه الذي قد تبناه.

فنحن لدينا في بيت النبوة خديجة رضي الله عنها، وكان به زينب – كبرى بنات النبي صلى الله عليه وسلم – وزينب قبل زمان قليل انتقلت إلى بيت زوجها، فهي لم تعد في البيت، البيت به رقية وأم كلثوم وفاطمة، متفاوتون في السن، منهم من يعي في هذه اللحظات ومنهم من هو أقل من أن يعي أو يدرك أو يفهم ماذا يجري.

وهناك هند بن أبي هالة – ابن خديجة رضي الله عنها – من زوجها الثاني، وكان ربيبًا لرسول الله، ما معنى ربيب؟ أي يتربى في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحل محل والده، وهو الذي يرعاه ويربيه لأنه كان طفلًا صغيرًا.

وبالبيت عليّ بن أبي طالب، النبي صلى الله عليه وسلم أتى به إلى هذا البيت ليقيم معه لكي يكفله ولكي يخفف من الأعباء المالية على والده الذي كان فقيرًا لا يستطيع أن ينفق على أولاده، – وسيأتي معنا هذا الكلام – وبقي زيد بن محمد بن عبد الله الذي هو زيد بن حارثة.

بنات النبي صلى الله عليه وسلم قبلن هداية الله تبارك وتعالى – من كن يعقلن منهن – بقي معنا زيد وهند بن أبي هالة.

أما هند فلا يعرف له خبر إلا أنه قد روى حديثًا يصف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والحديث أكثر أهل العلم على أنه ليس بذلك القائم، أي أنه ليس حديثًا صحيحًا يستند إليه ويعتمد عليه، وإنما يذكرونه في أبواب الشمائل عن الحسن بن عليّ رضي الله عنه وعن أبيه، يقول: ( سألت خالي هند بن أبي هالة عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وصّافًا) أي لديه قدر من البلاغة فيحسن أن يصف من يصف وصفًا دقيقًا، وذكر حديثًا طويلًا. وذُكر أنه قد استجاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن ولكن لم يحدد التوقيت الذي شرح الله فيه صدره للإسلام، ومات في زمان عليّ رضي الله عنه.

ولكن الذي يلفت الانتباه، أنهم ذكروا في ترجمة هند بن هند بن أبي هالة – ابنه – أنه كان يقيم في البصرة حيث مات أبوه فأصاب أهل البصرة طاعون – نسأل الله السلامة والعافية – فكثرت فيه الموتى وبالتالي ينشغل كل أناسٍ بمن مات من أوليائهم أو أبنائهم أو إخوانهم؛ فينشغلوا في تكفينه وتجهيزه وتشييعه، ثم مات هند بن هند بن أبي هالة بالطاعون؛ فأخرجوه، يوجد جنازات كثيرة تخرج، وكل أناس مشولون بجنازتهم، فكم في جنازته؟ هم أربع أشخاص بالضبط، إلى هنا لم يحدث شيء.

ثم صاحت امرأة – وهو مار – ( هذا ابن ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فترك الناس جنائزهم، تخيّل أن هؤلاء الناس معهم ميّتهم، تركوا ميتهم واحتشدوا في جنازته، لماذا؟ لأن امرأة قالت أن هذا – المار هذا – الذي لا يجد من يحمله، قالت ( هذا ابن ) ليس هو نفسه ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، لا، قالت (هذا ابن ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) كم كان الناس يعظمون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرف له حقًّا، فعلاقة هند بن هند بن أبي هالة بالنبي؟ لا توجد علاقة أصلًا، أبوه رجل مات في الجاهلية وبقي هند مع أمه خديجة، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبقي يرعاه في حجره حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال، أما ابنه؟ ليس له أي علاقة، لا يوجد أي علاقة مباشرة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، أما هند نفسه، لا ينتسب إليه صلى الله عليه وسلم بنسب، لكن بمجرد أن ذكرت المرأة الناس بأن هذا الذي يخرج به أبوه تربى في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه التربية كانت معظمها في الجاهلية، تربية النبي صلى الله عليه وسلم لهند بن أبي هالة كانت قبل البعثة، فالنبي صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة خديجة وهو لديه 25 سنة وبقي 15 سنة حتى أرسله الله تبارك وتعالى، فالولد إذا كان لديه ثلاث أو أربع سنوات، فوقتها سيكون لديه 16 سنة فسيكون وقتها كبر وذهب.

فهذا الربيب متى كان؟ كان أيام الجاهلية، قبل البعثة، لكنه في النهاية ينتسب بصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالآن البيت شاع فيه الإيمان، وسيبقى معنا عليّ وسنرجئه إلى الدرس القادم، وقلنا أن زينب آمنت وصدقت ولكن زوجها ” أبو العاص بن الربيع ” رضي الله عنه بقي على شركه زمانًا طويلًا، فهذه ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجها مشرك !، فكم ظل مشركًا؟ كم سنة ظل على الشرك؟ وكيف كانت تسير هذه العلاقة، بين ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وزوجها التي تؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، وزوجها أبى أن يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يصدقه، وما لازم هذا الكلام؟ ما لازم هذا الكلام؟

من الممكن أن يكون أبو العاص بن الربيع يقدر زوج خالته، ويعرف له حقه وقدره، لكنه في النهاية يراه…. فعدم التصديق لازمه التكذيب، ليس شيء آخر، فهو في النهاية يراه في دعوى النبوة والرسالة يراه دعيًّا متقوّلًا، صحيح؟ ففي النهاية طالما أنني غير مصدق… فلا يوجد شيء وسط، فلا توجد مساحة ضبابية بين التصديق والتكذيب، أنا غير مصدق وغير واثق؛ إذن أنا مكذب وأراه – عياذًا بالله – ممن يتقول أو يفتري على الله.

حسن، كيف سار هذا البيت؟ سنترك هذا الآن، فهذه قضية صعبة جدا جدا جدا، وغاية في الخطورة، كيف سار؟ والزوجة بنت النبي – فالموقف حساس – وهي التي آمنت والزوج هو الغير مؤمن، وهذا أصعب، فلو كانت الصورة معكوسة من الممكن أن يكون الموضوع أسهل، ولكن هذه الصورة أصعب، ترك هذا الآن.

يبقى معنا زيد. وزيد يمثل تاريخ طويل في العلاقة لابد أن ندرك بداياته لكي نستطيع أن نفهم خطواته بعد ذلك، أي من حين ما أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى حين استشهاد زيد في مؤتة، أي وحد وعشرون سنة، الرحلة طويلة جدًا، سيبقى فيها زيد وثيق الصلة قريبًا أشد القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلبًا وقالبًا، هذه الرحلة الطويلة لكي تكون مفهومة لابد أن تفهم بدايتها.

أما زيد فكان شابًا صغيرًا ينتسب إلى قبيلة تسمى قبيلة كلب، وأبوه ذو مكانٍ في قبيلته، فخرجت أمه تريد أن تزور أهلها في طيء، وقبيلة طيء هذه ناحية العراق، فهم سينتقلوا من ناحية الشام إلى ناحية العراق في قافلة لأنها ذاهبة لتزور أهلها، فعدى عليهم قوم، أناس أغاروا، وهذا سيظهر معنا؛ أنا الإغارة والنهب والسلب هي وسيلة أساسية لتحصيل الأموال في هذا المجتمع، ولذلك كان من نعمة ربنا سبحانه وتعالى على قريش أن العرب لتعظيم مكانتها استثنوها من هذا الأسلوب في التعامل، فهم يخرجوا في رحلاتهم التجارية ولا يتعرض إليهم أحد، أما الباقي..

ولذلك سيأتي معنا بإذن الله، وهذا الحديث قلناه زمان، أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يخاطب عدي بن حاتم، ويسأله لماذا تهرب، لماذا تهرب من لا إله إلا الله، ولماذا تهرب من الله أكبر، فماذا قال له صلى الله عليه وسلم؟ قال: (ألا أخبرك لماذا أفرك) أنا أقول لك لماذا تهرب من الإيمان، فقال له: أنت ترانا أناسًا قليلين، عددًا وقوة، وترى الناس كلهم متألبين علينا، كل الجزيرة بل والفرس والروم كلهم علينا، وليس من العقل ولا من الذكاء ولا من المنطق أن تلتحق بأناس وضعهم بهذا المستوى من الضعف، ربما يبادوا عن بكرة أبيهم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطمئنه، فماذا قال له؟ قال ( أتعرف الحيرة، قال: بلى، قال: لتوشكن أن ترى الظعينة تأتي من الحيرة – في العراق – حتى تطوف بالبيت ليس في جوار أحد ) أنت لا تستطيع أن تفهم هذه الجملة إلا حينما تعرف كيف كان يعيش هذا المجتمع.

هو يريد أن يقول له أن امرأة ستركب الجمل بمفردها، – ليست قافلة – لا، امرأة ستركب وتسافر بالجمل بمفردها من العراق إلى مكة، يقول (ليست في جوار أحد) ما معنى ” ليست في جوار أحد ” أي هي تسير بدون حماية،، هذه الجملة من الممكن أن نستشعر أنها غريبة قليلًا، لكننا لن ندرك كم هي غريبة إلا إذا كنّا كيف كانت تسير هذه الحياة.

فماذا قال عدي بن حاتم، قال ( فقلت في نفسي) هو الآن يسمع ( فأين ذعّار طيء الذين روّعوا العباد) هو من قبيلة طيء، وقبيلة طيء هذه قطّاع طرق، لا يتركون شخص يمر سليم، فهو عندما سمع هذا الكلام ماذا قال؟ قال في نفسه، كيف هذا سيحدث وهؤلاء الناس موجودون؟

فماذا يقول له النبي صلى الله عليه وسلم هنا؟ يقول له أن الإيمان سينتشر في الجزيرة، ولكنه لم يقل له ذلك، قال له أن الأمان سينتشر في الجزيرة، هو يريد أن يقول له أن الإيمان سينتشر، ومن ستلتحق بهم سيؤيدهم ربنا سبحانه وتعالى ويُظهرهم وينصرهم، فلا داعي لأن تقلق أو تخاف، وأنت ليس مخطئ في التقدير، فإذا ظننت أنك مخطئ في التقدير، لا، التقدير ليس هكذا تمامًا.

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له ذلك، قال له أن الإيمان سينتشر، إذًا هذا معناه أن الإيمان له آثار، فهو يريد أن يقول له آثار الإيمان.

فهم الآن عددهم قليل أو كثير،، سينتصرون أو لا، فلن تنتمي لمصلحة، ستنتمي لمبدأ، هو يريد أن يقول له أن هذا الإيمان يساوي الأمان، أما الشرك يساوي القلق والخوف والفزع والإغارة والترويع، فمع من ستقف؟ قليلون أو كثيرون، مع من ستكون؟

فهو يقول له أن الإيمان يساوي الأمان، فالأمان سينتشر إلى هذه الدرجة، فهو يقول أنه قال ذلك في نفسه، ثم ماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم

قال ( ولتفتحنّ كنوز كسرى ) أيضًا هذه الجملة لن نفهمها إلا عندما نفهم ما معنى كسرى.

نحن لدينا أزمة كبيرة، فكل هذه الأشياء التي نقرأها هذه ليس لها قيمة إذا لم تعرف ما خلفياتها، فلن تستطيع أن تترجم الكلام، الآن هؤلاء الناس، وعدي بن حاتم هذا هو سيّد قبيلة تسمى قبيلة طيء، ووراءها الحيرة – التي تكلم عليها النبي صلى الله عليه وسلم – والحيرة هذه عبارة عن ممكلة، مملكة للغساسنة، والغساسنة أناس من العرب وأصبحوا ملوك تابعين لدولة كسرى، وهؤلاء الملوك من القوة ومن العظمة بحيث أن العرب جميعًا يهابونهم ويخافون منهم.

أما كسرى، فكسرى هذا مملكة عظيمة وضخمة ورهيبة بشكل كبير،، ولذلك كان لديهم فزع كبير من الأكاسرة وقوتهم، فالحيرة ستأتي منها الذعينة، أي أن الحيرة سيدخلون في الإسلام، والمناذرة سيزول ملكهم أو يسلموا، ماشي.

أما أن تفتح كنوز كسرى، ما معنى ذلك؟ معناها أن هؤلاء المسلمين الذي أراهم يدخلون المدائن؟ يجلسون على إيوان كسرى، فماذا قال هنا؟

الجملة الأولى قالها في نفسه أما الثانية لم يستطع، فقال له ( كسرى بن هرمز) أي هل كسرى هذا شخص جار لكم أم أنه كسرى ملك الفرس،، فالأولى قالها في نفسه، هي صعبة،، فكّر وقال ( فأين ذعّار طيء) أين سيذهبون؟، أما الثانية فلم يستطع السكوت، لم يستطع أن يقولها في نفسه، قال له ( كسرى بن هرمز ) فقال له: نعم ( وليوشكنّ المال أن يفيض حتى لا يقبله أحد ) فيقول عدي بن حاتم بعد سنوات وهو يروي ما حدث، فيقول ( فلقد رأيت – أنا بعيني – الذعينة تأتي من الحيرة حتى تطوف بالبيت ليس في جوار أحد، ولقد كنت – أنا أنا – ممن افتتح كنوز كسرى بن هرمز) لم أسمع، ولم أرى بل شاركت، ( ولتكوننّ الثالثة – فهي لم تحدث بعد – لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر عنها) فهذا هو الوضع والأسلوب والطريقة، حالة من الفزع وحالة من القلق، حتى ليقول شاعرهم ليصور وضع غاية في الغرابة، يقول:

 ” ومن تكن الحضارة أعجبته ” أي من تعجبه حياة المدن ” فأي رجال بادية ترانا ” أي من تعجبه هذه الحياة من الممكن أن يزدرينا.

يقول ” ومن ربط الجحاش ” أي الناس الذين يستخدمون الجحاش في الحرث…، ” ومن ربط الجحاش فإن فينا ” يفتخر ” فإن فينا قنًا صلبًا ” رماح قوية نسلب بها أي شخص ” وأفراسًا حسانًا ” فيم نستعملها؟

هو يقول أن الناس الذين يربطون الناس الذين يربون الأبقار والجاموس والحمير التي يستخدموها… فنحن لا، نحن غير ذلك، نحن لدينا رماح ولدينا خيول، وهذه الأشياء فيم يستخدموها؟ إذا حضرت أو عنّت لهم الحاجة ” وأعوزهن نهب حَيْثُ كَانَا ” فنحن نأخذ من أي شخص يقابلنا.

يقول: ماذا نفعل حينما يعوذنا السلب ” أغرن من الضباب على حُلُول وضبة ” هؤلاء هم جيرانهم، فهو يقول أننا حينما لا نجد من نسلبه من أي مكان، فنأخذ ما مع الجيران ” إِنَّه من حَان حانا ” أي من جاءه أجله فقد جاءه، فلا يشغلنا هذا. وماذا بعد.

يقول ” وَأَحْيَانا على بكر أخينا… إِذا مَا لم نجد إِلَّا أخانا ” يقول في النهاية إذا لم نجد من نأخذ منه ماذا نفعل،، ليس فقط الجيران، لا، إخوتنا نحن سنأخذ منه أيضًا، فماذا نفعل ” الضرورات تبيح المحذورات ” فهو ماذا يقول؟ أن هذا أسلوب حياة، ونحن قسّمنا الناس طبقات، نأخذ من البعيد ثم من الجيران ثم من إخوتنا، فهذا في النهاية أسلوب في إدارة الحياة.

فزيد وأمه ذهبوا ليزوروا أقاربهم على العادة، ففي الإغارة أخذوه، فباعوه في مكة، فاشتراه حكيم بن حزام بن خويلد – رضي الله عنه فيما بعد – هذا الغلام اليافع، وهو سنه في سن يوسف عليه السلام حينما بيع للعزيز، نفس السن، فاشتراه بأربعمائة درهم وأهداه إلى عمته خديجة رضي الله عنها، فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة أهدت خديجة زيدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليخدمه، إلى هنا هذا طبيعي.

حارثة بن شراحيل – أبو زيد – رضي الله عنه منذ فقدان ولده وهو يبحث عنه في كل مكان، بقي سنوات يبحث عن ابنه، هو لا يعرف أين هو، وهو يسأل عنه في كل مكان.

يقول ( بكيت على زيد ولم أدر ما فعل، أحيٌّ فيرجى أم أتى دونه الأجل ) أهو مازال موجودًا فيرجا، أي أنا سأبحث عنه ولكن أتأكد أنه حي.

( فوالله ما أدري وإني لسائل، أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل

 تذكرنيه الشمس عند طلوعها، وتعرض ذكراه إذا غربها أفل

وإذا هبّت الأرياح هيّجن ذكره) فهو يتذكره في الصباح وفي المساء، وكلما حدث أي شيء

( فيطول ما حزني عليه وما وجل، سأعمل نص العيس في الأرض جاهدا ) سيظل راكبًا للإبل والرواحل يبحث في كل مكان حتى يجده

( لا أسأم التطواف أو تسأم الإبل حياتي أو تأتي علي منيتي فكل امرئ فان وإن غره الأمل) وبعد سنوات طويلة أناس من هذه القبيلة قدموا لكي يحجوا، قد عرفهم وعرفوه، نحن قلنا أنه حين خُطف كان سنه 11 أو 12 أو 13 سنة، فأخبروا أبوه؛ فجاء ومعه عمه كعب، فجاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ( يا ابن عبد المطلب يا ابن هاشم يا ابن سيد قومه، يا من تفكّون العاني وتطعمون الأسير ) أنتم أناس أهل كرم وأهل فضل وأهل خير، (ابني عندك فمنّ عليّ في فدائه) فأنا أريدك أن تعطيه لي ولا تكثر عليّ من مطالبك المادية، فأنا سأشتريه، أنا سأشتري ابني الذي تحول لعبد، وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ إنسان حر كريم في مكان مكرم فيه بين أبيه وأمه يتحول إلى عبد، وجاء الرجل ليشتري ابنه، قال: (فأحسن إليّ في فدائه) أي لا تطلب مني الكثير من المال.

فماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( أوغير ذلك) أي أقول لك حل آخر، قال: (أخيره فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء) فأنا لن آخذ منك مالًا، سيذهب معك (وإن اختارني فما أنا بالذي يختار على من اختارني فداءً) أي إذا اختارني فأنا غير ممكن أن أعطيه لك بمال الدنيا، ( قال: لقد زدت على النصف) أي ما تقوله هذا أفضل من العدل بكثير، أي أحسنت إلينا كثيرًا، فدعاه.

في فكر والده أن الموضوع انتهى، فهم سيأتون بالولد ويقولون له هذا أبوك، فسيأخذه أبوه ويذهب – وهذا هو الطبيعي – ثم إن هذا الأب الذي نصفه، – الأب الذي نصفه – الذي يقول هذه الكلمات، الذي هو في هذه الحال من الوجل والحنين والمشاعر الفياضة والتعب والشقاء والبحث الذي لا ينتهي، وأخيرًا يجد ابنه، فما الذي بينه وبين أن يرجع إليه ابنه؟ أن يأتي الولد فقط.

فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ( يا زيد: أتعرف هؤلاء؟ قال: نعم هذا أبي وهذا عمي ) فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له أنهم جاءوا لكذا فاختار…

قال ( ما كنت – ما كنت – لأختار عليك أحدًا) تخيل الصدمة، ركّز دقيقة وتخيل الصدمة، فالآن هذا أبوه وهذا عمه، وهو يعرفهم وهذه صفتهم وهذه هي المشاعر التي تربطه بهم، ثم يقول هذه الجملة بمنتهى الحسم، وكأن الموضوع منتهي، فـ ” ما كنت لأختار عليك ” أي أن هذا الكلام غير متصور وغير متوقع، وانس هذا الموضوع ( ما بالذي ليختار عليك أحدًا).

فقال أبوه وعمه ( ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهلك وبيتك ! ) هذا وهو تقريبًا سنه عشرون أو واحد وعشرون عامًا – تقريبًا – والنبي صلى الله عليه وسلم سنه ثلاثون أو واحد وثلاثون عامًا، ما بين زيد والنبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما بُعث زيد كان ثلاثون سنة، ليس طفلًا، بل شابًا كبيرًا.

فهم يقولون له أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهلك وبيتك؟! قال: لقد رأيت من هذا الرجل شيئًا فما أنا بالذي أختار عليه أحدًا،، فما الذي رآه؟ نحن نتكلك في الجاهلية، نحن لا نتكلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أرسله الله، لا، نحن نتكلم في الجاهلية، في الجاهلية ومجتمع الشرك، تخيل الآن حجم الصدمة التي يلقاها الأب في هذه اللحظات.

فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ لم يتكلم، وأخذه من يديه، وخرج ووقف في حجر الكعبة ونادى جموع قريش فقال (أشهدكم أن زيدًا ابني يرثني وأرثه) فلما رأى أبوه وعمه هذا طابت نفوسهم، نعم هو سيكون بعيدًا عنه ولكنه أصبح لديه أبٌ بديل، ليس سيدًا، ليس سيدًا وعبدًا.

تخيل الموقف – أزيل اسم الرجل – فهو اسمه زيد بن حارثة، فأزالوا اسمه وسموه زيد بن محمد، وهو راجع وهو فرح، راجع فرح، الموقف صعب بكل تفاصيله، أنه وجده أخيرًا، ثم هو لا يريد أن يذهب، ثم قال له أن هذا الرجل لن أقدر أن أتركه، ثم أن هذا الرجل الذي لا يقدر أن يتركه، قال له: أنت ستترك أبيك لأجلي، فأنا أبوك.. وظل الأمر على هذا إلى مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ لن تفهم هذه الآية في الأحزاب إلا عندما تعرف من أين أتى هذا الموضوع وما خلفياته، ما الذي حدث، وفي أي الأحداث أصبح هذا الرجل اسمه زيد بن محمد وفي أي موقف، فليس هكذا، وهذا الاسم عندما ينزع كم سيكون ثقيلًا عليه، بعد تسع عشرة سنة من الرسالة، وضع عليهم عشرة أخرى، أي بعد تسع وعشرون سنة ينادونه زيد بن محمد، يرجع مرة أخرى زيد بن حارثة بن شراحيل.

حسن، وعندما سحبوا منه الاسم؟ يوجد سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا فهذا هو أمر ربنا، ولكن من داخله ألن تؤثر عليه هذه النسبة، هذا الاسم وهو يسحب منه،، ومتى يسحب منه؟ هو أولًا كان اسمه زيد بن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أما الآن فلا، هو اسمه زيد بن محمد رسول الله.

عندما لم يكن اسمه زيد بن محمد رسول الله، كان اسمه زيد ابن محمد بن عبد الله، وعادي، لكن الآن ما يسحب منه؟ لا يُسحب منه الاسم القديم، وإنما يسحب منه الاسم الجديد، زيد بن محمد رسول الله وخاتم النبيين.

فالسؤال: ما طبيعة العلاقة؟ وما نوع التعامل؟ وما نوع الحدب الذي يجعل شخص يؤثر هذه العلاقة وهي كانت علاقة عبودية؟ فهو اختارها وهي عبودية، لذلك قال له أتختار العبودية على الحرية، فهو اختار هذه العلاقة وهي هكذا، ليس له أي مكانة أو شرف، فهو اسمه عبد، هو الآن اسمه زيد عبد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، هو يختاره وهو كذلك، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد شيئًا يكافئه به إلا أن يرقيه إلى هذه المنزلة.

فكيف يختار شخص هذه العلاقة؟ فهو كان مع من يتعامل؟ ما شكل التعامل؟ وما صورته؟ وما طبيعته؟ وما الشيء الذي أبهمه زيد؟ قال: ” لقد رأيت من هذا الرجل شيئًا ” أي نوع من التعامل أنا لا أستطيع أن أبتعد عنه.

فعندما تأتي الرسالة؛ هل سيفكر زيد؟ أي هل سيراجع نفسه؟ ويقول أن هذا من الممكن أن يكون صحيحًا ومن الممكن ألا يكون صحيحا، من الممكن أن يكون رسولًا ومن الممكن ألا يكون، من الممكن أن يكون صادقًا ومن الممكن ألا يكون كذلك؟ هذا مستحيل، لن يتفكر ثانية، وحتى هو لا يحتاج أن يكلمه أحدٌ، فهو يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه معه في البيت، يراه وهو راجع، ويراه وهو يتلو، ويراه وهو يتحرك، ويراه وهو ذاهب لورقة، ويراه عندما رجع من عنده، ويراه وهو يقوم من دثاره يتلو هذه الكلمات، فلا يحتاج أن يكلمه بأي كلمة.

إذًا أثر القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بمفرده كافي في أن الناس القريبة منه يتأثروا ويؤمنوا،، وهذه أصعب نقطة، هذه أصعب نقطة،، فالعادي عكس ذلك.

العادي: أن الناس الأقرب يكون نظرتها إليك أضعف وليس أعلى، لأنهم يروني من قريب جدًا، يوجد أشياء أنا من الممكن أن أتجمل بها في الخارج، في العمل وفي الشارع وفي القهوة وفي الجامع، لكنني في البيت هو أنا، هم يروني كما هو أنا، فهل سيرونني أفضل أم سيرونني أضعف؟ من الطبيعي أن يرونني أضعف، لأن الإنسان بعيدًا عن التكلف يكون أضعف.

لكن هذا الشخص بالعكس، الناس الذين كانوا أقرب بالنسبة إليه كانوا يرونه أعظم وأجل وأرفق وأكرم وأرحم، ولذلك خديجة انطلقت مباشرة (كلا والله لا يخزيك الله أبدًا) لماذا؟ لأن الناس الذين يتعاملون معه يرون موقف واثنين وثلاثة، لا، ولكنها ترى نبع يفيض بهذه الأشياء دائمًا، (إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) فهي كم رأت من فيوضات هذا الكلام؟ ليس موقف واثنين وثلاثة، فالشخص الذي أخذ منه قرى، كم أخذه منه، فلان أخذه مرة، وفلان مرة، وفلان مرة، والكل والمعدوم والذي يصله،، كل شخص يرى المشهد الذي يخصه، لكن خديجة ترى المشاهد، ترى أن هذه هي طبيعة الحياة، وبالتالي هذه طبيعة النفس.

فطبيعة النفس هذه التي هي هكذا، لا يصلح إلا أن يعطيها ربنا الخير، ولذلك خديجة رضي الله عنها لم تكن محتاجة لأن يدعوها للإيمان.

الناس القريبة لن يحتاجوا لأن تكلمهم، ولن يختلف الوضع إذا كلمتهم أو لم تكلمهم، لن يختلف الوضع، لأنهم لا يفرق معهم الكلام، هم يريدون أن يروا ” يروا ” أن ما أعيشه شيء حقيقي، وليس شيئًا وهميًا، شيء حقيقي.

ولذلك الناس البعيدة من الممكن أن تتكلم معهم، لكن القريبون لا، أعينهم هي التي ستقودهم وليس أذانهم، إذا لم ترى أعينهم فلن تسمع أذنهم، أما البعيد نعم، من الممكن أن تقول له وتكلمه وتنصحه ومن الممكن أن يستمع،، لكن القريب هو سينتظر، هل حياتي تتغير أم لا؟ ما أقوله أو أحاول أن أعيشه هل ينضح عليّ عمليًّا أم لا؟ لأنه إذا لم ينضح فأنا سأعتبره بأنه لا خير فيه، لأنه إذا كان ينفع لكان نفع صاحبه، ولو كان يؤثّر حقيقةً كان غيرني أنا، فهو لم يغيرني، فهل سيغيرهم هم؟ ولذلك هؤلاء بالذات – الأقرباء – سيحتاجون وقت طويل، لكي يصدقون أن هناك شيئًا يتغيّر سيحتاجون وقت طويل جدًا من المشاهدة والتأمل إلى أن يصدقون أن هناك شيء حدث، ولو صدقوا فلن يحتاجوا لأن تكلمهم، هم سيحبون هذا الشيء الذي جعل هذا الشكل يتحول إلى هذا الشكل، وهذه الصورة إلى هذه الصورة.

إذًا أعظم مقوم لشخصية النبوة هي الصفات وطريقة التعامل، والأخلاق، فنحن نريد أن نخرج بشيء واحد فقط، نحن محتاجون لأن نتسائل كيف كان صفته؟ تعامل زيد هذا يعكس شيء نحن لم نره، ولكننا لابد أن نتخيلها قليلًا، ما الشيء التي هي من العظمة والرقي تجعل شخص مثل هذا في هذا الاختبار تجعل موقفه حاسم غاية الحسم ! أنا لا أحتاج لأن أفكر ولا آخذ وأرد ! هذا الموضوع محسوم فأنا لن يصلح أن أتركك ! أنا لن يصلح أن أتركك، فلماذا؟ لماذا؟ ماذا كان يحدث؟ ماذا رأى؟

ولذلك؛ الخلاصة وما نريد أن نقول، أننا إذا لم نستطع أن نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية فهل سنستطيع أن نقتدي به في الإسلام؟! أي إننا إذا لم نستطع أن نحصل صفات الشخص الذي استحق النبوة قبل أن تأتيه النبوة، فكيف سنتابعه في النبوة؟ لذلك هذا مهم جدًا، إذا لم تستطع أن تقترب من شخص النبوة في جاهليته فكيف ستكون قريبًا منه في إيمانه؟ ولن يستطع أحد أن يتجاوزها اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ اصطفاه ربنا لأنه يمتلك أشياء يستحق بها أن يصطفيه ربنا، إذا لم نحصل محمد صلى الله عليه وسلم في الجاهلية لن نستطع أن نحصله في الإسلام، ولذلك لكي تقرأ السيرة بشكل جيد لابد أن تقرأ من الوراء قليلًا، فلا يصلح أن تبدأ من الغار، ستكون فاهمًا للكلام لكنك لن تستطع أن تنتفع بالكلام، لكي تبدأ بشكل صحيح لابد أن ترى هذه الشخصية كيف تحركت من البداية.

وجزاكم الله خيرًا.