Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

خطو خاتم الأنبياء – الدرس السابع

بسم الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

كنا نتكلم عن استجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر الله سبحانه وتعالى وكيف كانت، نحن قلنا ربنا سبحانه وتعالى قال يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ۝ قُمْ فَأَنْذِرْ ونحن نتتبع خطوة خطوة، كيف كان استجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر الله عز وجل، وقلنا أن أول أثر لهذه الاستجابة كان في بيته صلى الله عليه وسلم، وكيف تحول هذا البيت إلى محلة أو نقطة تضيء ظلام الجهل والشرك الذي كان سائدًا في مكة؛ نورًا معنويًّا تراه بصائر أهل الحق وأهل الإيمان، ربما إذا نظروا إلى هذه المحلة وجدوها تنير نورًا حسيًّا في جوانب وفي طرقات مكة، استجاب له صلى الله عليه وسلم خديجة ومن كان يعقل من بناته صلى الله عليه وسلم وآمن به زيد بن حارثة رضي الله عنه، وذكرنا أن عليّ بن أبي طالب كان أول من وجهت إليه الدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم من عليّ إنما كانت عَرَضًا، ما معنى عرضًا؟ أي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتقصد عليّ بالدعوة ابتداءً وإنما جاء عليّ فوجده وخديجة رضي الله عنهما يصليان، فهو رأى منظرًا غريبًا فبدأ يسأل ما هذا؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يوجه له الدعوة ابتداءً، وإنما هو عندما شاهد هذا المشهد بدأ يسأل عن هذا، فوجّه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالته، لكن أول شخص توجه إليه النبي قصدًا كان أبوبكر رضي الله عنه، النبي صلى الله عليه وسلم استهدف أن يتوجه إليه وأن يخاطبه، وأن يبيّن له وأن يبلغ له رسالة الله تبارك وتعالى.

فذكرنا أن عليّ رضي الله عنه في أول الأمر تردد، نحن الآن نتكلم عن شخص عمره عشر سنوات، ” داخل الرابع الابتدائي ” ولذلك نحن – قلنا قبل – لدينا أزمة في مسألة السن، أنك حينما تسمع السن تقيس على ما تعرفه، أو على ما تتصوره، فحينما نقول أن عليّ رضي الله عنه كان لديه عشر سنوات يأتي في ذهنك شكل ومظهر معيّن للعشر سنوات، فمن في هذا العمر من الصعب أن تتخيل أنه على قدر من العقل يسمح له أن يخاطب،، لا، لا، يوجد فرق بين حياتنا وحياتهم، الأصل في الإنسان إذا لم يتعرض لموجبات العته لم يكن معتوهًا، الأصل في الإنسان أننا إن لم نخرب عقله يظل طبيعيًّا.

وفي نفس الوقت هذه البيئة بيئة منفتحة، ليست كبيئتنا، نحن بيئتنا منغقلة، أما بيئتهم بها حرية أكثر، ليس بها القيود الموجودة لدينا، هو غير ملتزم في عمر الثلاث سنوات أن يذهب إلى ” البلاي سكول ” ثم يسير في هذا البرنامج.

وفي نفس الوقت مخالطة الصغار للكبار، واكتساب العقل والحكمة واستفادة من تجارب الآخرين، فالعقليات مفتوحة، وتحمل المسئولية يبدأ من الصغر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم وهو في هذا السن تقريبًا، و ” يرعى الغنم ” هذه أي أنه سيأخذ غنم ويذهب بهم إلى الصحراء وهو مسئول عنهم، مسئول عن رعايتهم، وردهم، فالتصور عن السن يختلف باختلاف الظروف والأحوال والبيئات.

ولذلك نحن تكلمنا قبل ذلك هل نحن ارتقينا تربويًّا، فهناك فرق بين ادعائك بأن لديك نضج تربوي وأن يكون لديك فعلًا، ففي النهاية ما الثمرة والنتاج، نحن لدينا دراسات ونظريات تربوية، وأناس يدعو أنهم متخصصون في التربية، في النهاية الثمرة؟ الناس الذين لم يكن لديهم هذه الشهادات، عندما كانوا يربون الأطفال ما كان النتاج؟ ونحن كأناس متخصصين عندما نقوم بهذا الدور ماذا نفعل وما النتاج؟

ونحن لدينا الدنيا معكوسة، فهناك من معهم شهادة الدكتوراه يعلمون أطفال الحضانة، ولكن الأمر هنا معكوس، هم يهتمون بالصغير، التنشئة تهتم بالصغير، تأتي بأي ” دادة ” تجلس مع الأطفال، وتأتي إليهم بأي صور، صور بط وصور باذنجان، نحن لدينا الأمر تهريج.

هم الآن فاهمون لأن هذا الصغير تنشئته أهم شيء، فيأتون بالناس النابهة والمتخصصة لكي تدرس للصغير لأنه الآن محتاج للبناء الفكري والنفسي الآن، وليس فيما بعد، فما الذي ستصنعه بعد؟ هل ستصلح الفساد بعد؟ هل ستفسده ثم تصلح؟

فعليّ بن أبي طالب حينما نقول أنه كان لديه عشر سنوات، لابد أن نخلي من ذهننا ما معنى عشر سنوات في مفهومنا لكي نتصور، نحن نريد أن نتصور حياة وبيئة، كيف سنتصورها؟ نحن نتوقع أن عليّ على طبيعة علاقته بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه سيسارع بالاستجابة، الطبيعي عندما يقول له ابن عمه المبجل المعظم الذي يعرفه جيدًا والذي هو في كفالته عندما يقول له أي توجيه، فمن الطبيعي جدًا أن يستجيب فورًا، هذا لم يحدث، قال له إنك تقول شيء صعب وغريب؛ محتاج لأن أفكر فيها ومحتاج أن أستشير، أستشير أبوطالب، وأنظر رأيه، هذا هو رده، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له لا يمكن أن تفعل ذلك ليس لشيء، ليس لأنني لا أريدك تستشير، ولكن لأنني لا أريد أحد أن يعرف بأمر الرسالة إلا حينما يأتي الوقت المناسب لأن أطلعه عليها، حتى أبوطالب على قربه مني، فأنا لا أريد أن يعرف الآن، إذا لم تحب أن تستجيب، فلتكتم الأمر، وعليّ كان من العقل ومن النضج بحيث استوعب الأمر، فهو كان من الممكن أن يقول له تمام، لن أقول لأحد ثم يذهب لأبيه ويخبره، لا، باعتبار أن هذا خطير ولابد أن يستشير أبيه فهذه قضية إيمان وكفر، نحن نفعل هذا، لكن عليّ لم يفعل ذلك، هو في اليوم التالي قال له: قل لي ماذا قلت البارحة، فهو ظل طوال الليل يفكر في هذا الكلام، طوال الليل يفكر في هذا الكلام ( أدعوك إلى الله وحده وإلى عبادته وأن تكفر باللات والعزى) هذا الكلام.. السيرة كلها مبنية على التخيل، كل السيرة مبنية على التخيل، كل السيرة مبنية على التخيل، فالسيرة عبارة عن فراغات، أنت من المفترض أن تتخيل فتسد الفراغات، هذا هو الموضوع، عليك أن تتخيل وتسد الفراغات.

فالآن هو قال له هذا الكلام، وهو أتى اليوم التالي… فأنت محتاج تفكر – إذا أردت تقرأ في السيرة فعليًّا – محتاج أن تفكر هو ماذا فعل، من حين ما سمع إلى أن أتى اليوم التالي؟ هذا هو السؤال، ماذا فعل؟، أما نحن ماذا نفعل؟ نقول: حدث كذا، ثم اليوم التالي حدث كذا، فتتحول السيرة إلى قصة، فهنا الأزمة، فنحن لماذا لا نستطيع أن نتأثر أو نستجيب أو نتجاوب؟ لأننا نقرأ وفقط، قراءة سردية، فلا.

هو قال هاتين الكلمتين، ثم اليوم التالي فقال له: بهدوء قل لي مرة أخرى ماذا قلت؟ من هنا إلى اليوم التالي ماذا كان يفعل؟ هذا هو السؤال، هذا الكلام كان يفكر فيه طوال الليل، فعندما أتى الصباح قال له: أعد عليّ الكلام، فعندما أعاده عليه قال له: أنا استجبت، ولم يستشر أبو طالب، فماذا فعل؟

وتكلمنا عن أن ربنا سبحانه وتعالى عندما يريد الخير بشخص ويهيئ له أسباب الخير، قلنا أن علي انتقل إلى بيت النبوة قبل النبوة بفترة، نتيجة لأزمة اقتصادية، فهذه الأزمة الاقتصادية كانت سبب في خير كبير لعليّ رضي الله عنه لأن عليّ لو كان في بيت أبي طالب لم يكن ليدرك هذا الموضوع إلا متأخرًا، فما الذي جعله يدركه مبكرًا؟ لأنه يرتاد هذا المكان، هو يجلس هنا، هو يأتي كثيرًا، فعندما جاء رأهم، جاء في اليوم الثاني فرآهم مبكرًا، ” ما هذا؟ ” يتسائل، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبره، فربنا سبحانه وتعالى منّ عليه.

إذن من الممكن أحيانًا تقدّر أمور تكون هي في صورتها أو في شكلها أزمة أو مشكلة أو أمر صعب، لكن في باطنها ربنا سبحانه وتعالى يهيئ سبب أو يريد خيرًا بأحد، فأراد به خيرًا فنقله لهذا المكان.

يقول إسماعيل بن إياس بن عفيف: حدثني أبي عن جدي، جده هو عفيف الكندي، يقول: كنت امرأً تاجرًا، فقدمت أيام منى – أيام الحج – وكان العباس بن عبد المطلب امرأً تاجرًا فأتيته أبتاع منه وأبيعه، فهو الآن أتى للحج وعلى هامش رحلة الحج سيجري صفقة تجارية، فهو أين سيقابل العباس؟ سيقابله في منى – مجمع الحجيج – يقول: فبين نحن – أي وأنا أتكلم عنه – إذ خرج رجل من خباء يصلي فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي معه، وخرج غلام فقام يصلي معه – مشهد غريب – خيمة خرج منها شخص فقام يصلي، ثم خرجت امرأة فجاءت وراءه ثم جاء طفل صغير فوقف بجواره،، تخيل أنا أشاهد هذا المشهد لأول مرة، شيء غير مفهوم، فتخيل.. الحجيج مجتمعين، وقام شخص يمارس طقوس غير مفهومة، لا أعرف ماذا يفعل؟ فقلت: يا عباس، ما هذا الدين – ما الذي يحدث؟ – إن هذا الدين ما ندري ما هو، فقال العباس: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه عليّ بن أبي طالب آمن به، قال عفيف: فليتني آمنت يومئذ وكنت أكون ثانيًا.باعتبار أنه سيكون الرجل الثاني، فهم غلام وامرأة.

فهنا عفيف رضي الله عنه يحكي تحسره أن هذه الفرصة فاتته ولكن هل كان يمكن أن يؤمن عفيف الكندي في هذا الوقت؟ إذا كان العباس نفسه لم يؤمن بعد ! فهو لم يتناول الموضوع على محمل الجد، متى أدرك أن هذا دين فعلًا ومحتاج لأن يتفكر فيه؟ بعد ذلك، ولكنه عندما مرت الأيام، قال: هذا الموقف مرّ عليّ وأنا لو اغتنمت هذه الفرصة لكنت ثاني رجل في الإيمان بعد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أيضًا على وفق معلومات العباس، يعني العباس يعتقد أن هؤلاء فقط في المسلمين، هذه الأيام كان يوجد عدد من الصحابة آمنوا كما سيأتي معنا، ولكن من آمن لم يكن اشتهر إيمانه، فالعباس يقول له: أن هؤلاء الناس يفعلون هذه الأشياء الغريبة، وأن هذا الدين هم هؤلاء فقط، فهذا هو ابن أخي – ليس شخصًا غريبًا – وهذا ابن عمي الثاني، وهذه امرأته، وهذا الرجل – الذي يصلي هناك – الذي يصلي هناك يقول: أن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، فهذا أكيد خلل، كيف كسرى وقيصر؟ الدين كله ثلاث أشخاص، واحد من هؤلاء الثلاثة يقول أن كسرى وقيصر سيقع في حجره، كيف ستتناول هذا الكلام؟

كما قلنا الدرس السابق في موضوع المصعد – الأسانسير – في النهاية هذا الشخص مهما كنت ترى الإنسان صالح أو تحترم عقله، لكن هناك كلام أنت تراه فوق مستوى القبول والإدراك، كيف كسرى؟ من كسرى، أنتم ثلاث أشخاص ما الأشياء التي تحكوها هذه؟ وهذا هو العباس، أكثر الناس معرفة بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه عمه وأولى الناس أن يقف بجواره.

فنحن الآن نقول أن عفيف الكندي لم يكن ممكنًا أن يؤمن، واقعيًّا لم يكن من الممكن أن يؤمن، فهل أنت لو كنت مكانه هل كنت ستأخذ الموضوع على محمل الجد؟ أنت إذا قابلت أشخاص يمارسون طقوسًا – مثل اليوجا – فقلت ما الذي تفعلوه هذا؟ فقالوا يوجد تعديل ديني نزل، فهذه هي القضية، أن الآن في هذه اللحظة يقولون أن الفرصة أتته ولكن واقعيًّا الدين لن يلفت انتباهه، لن يحمله على محمل الجد.

وفي رواية يقول عفيف: إذ خرج رجل من خباء قريب منه – أي قريب من خباء العباس – فنظر إلى السماء، فلما رأها قد مالت قام يصلي، فهو متى يصلي؟ وقت الظهر.هذا وقت الظهر، وقت الميل، الذي يسموه وقت زوال الشمس، أن تزول الشمس من جهة السماء إلى ناحية المغرب، فهذا أول وقت الظهر، فمتى كان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم؟ يصلي ركعتين في الظهر، فهو نظر للشمس فعندما وجد ميل الشمس فقام يصلي.

ثم ذكر قيام خديجة وراءهم، وفي رواية لابن جرير الطبري يقول: جئت زمن الجاهلية إلى مكة فنزلت على العباس بن عبد المطلب، فما طلعت الشمس وحلّقت في السماء، وأنا أنظر إلى الكعبة؛ أقبل شابٌ فرمى ببصره إلى السماء ثم استقبل الكعبة فقام مستقبلها، فلم يلبث حتى قام غلامٌ فقام عن يمينه، فلم يلبث حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فخر الشاب ساجدًا فسجدا معه، فقلت يا عباس أمرٌ عظيم.

هذا الموضوع موضوع ليس سهلًا وغريب جدًا، هنا هيئة الصلاة، هذه هيئة غير معروفة، هذا شخص وقف وبجواره شخص ووراءه امرأة، ووقفوا قليلًا، وبعد قليل ركع فركعوا وراءه، ثم رفع فرفعوا مثله، ثم خرّ ساجدًا من قيام فسجدوا معه، مشهد ملفت للنظر وغريب، فهو بماذا عبر؟ قال: يا عباس أمر عظيم، هذا أمر غير سهل، شيء غريب وليس بسيطًا، فماذا قال العباس؟ فقال العباس: أمر عظيم، أتدري من هذا؟ هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، أتدري من الغلام؟ قلت: لا، قال: هذا عليّ بن أبي طالب، أتدري من هذه المرأة التي خلفهما؟ قلت: لا، قال: هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي، وهذا حدثني – أي محمد صلى الله عليه وسلم – أن ربك ورب السماء والأرض.

وما معنى ” هذا حدثني “؟ أننا وصلنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه خطابًا للعباس، وجه خطابًا للعباس، إذن هذا الكلام كان مرّ على بداية البعثة وقت، فهذا الكلام ليس في الوقت الذي نحن فيه، النبي صلى الله عليه وسلم وجه خطابًا للعباس، ماذا قال له؟ يقول: وهذا حدثني أن ربك رب السماء والأرض أمره بهذا الذي تراهم عليه.

طيب، ” ربك رب السماء والأرض ” معناها أننا مقرون بأن ربنا سبحانه وتعالى هو رب السماء والأرض، هذا موجود، هذا ليس جديدًا، أين المشكلة لدينا؟ المشكلة أننا اتّخذنا وسطاء وشفعاء بيننا وبين الله وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إذًا هو لا يدعوهم إلى شيء جديد، هو يدعوهم لدين هم يعلمون أن هذا دين سيدنا إبراهيم وإسماعيل، وهم مدركون تاريخ الأصنام، فهؤلاء الناس مدركة تاريخ الأصنام، هي تعرف هذه الأصنام جاءت متى؟ وكيف جاءت؟ وهم متذكرين أن عمرو بن لحي الخزاعي، هو الذي خرج إلى الشام ووجد هبل فعجبه فأتى به، وأتى به وذراعه مكسور ووضعه، وضعه كأول صنم يوضع عند الكعبة، سواء أتى به وذراعه مكسور أو كُسر ذراعه في الطريق، الإله الذي أتى به لينصبه مكسور الذراع، وعادي،، فلما جاءت البعثة؟ أصبح الصنم ثلاثمائة وستين، الصنم أصبح ثلاثمائة وستين، ثلاثمائة وستين صنم أكثر من عدد أيام السنة الهجرية، أي إله وأكثر في اليوم، أمر صعب جدًا.

هذا الكلام لا نعرف أننا فعلناه، يوجد رجل معظّم هو الذي فعل ذلك، ونحن اتّبعناه، نحن نعرف هذا الكلام، فالآن شخص يقول لهم أن هذا الكلام ليس شيئًا، ” نحن يجب أن نعبد الله ” ماذا يقول ربنا فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ فهذا البيت الذي يطفوفون حوله لمن؟ أبرهة حينما جاء لمن لجأوا؟ عبد المطلب قال لأبرهة: قال أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه، فهل رب البيت الذي يحميه صدق في حمايته؟ فهل هم رأوا هذا؟ هذه الآية هل رأوها؟ هل أدركوها؟ ولذلك هو كان أمر هش، ولذلك مثلما قلنا الأمر كان اعتياد، كما ذكرنا في قصة سيدنا إبراهيم وذكرنا في قصة بلقيس، أن القضية أننا اعتدنا شيء معين أو نشأنا عليها إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ هذه هي الفكرة، أنا أنا سأسير على ما درجت عليه، ليس لدي استعداد أن أعيد النظر فيه، فيقول له ربك، – ليس ربه هو – ربك رب السماء والأرض أرسله، إذن هو ماذا يدعي؟ يدعي أن الرب الذي نحن جميعًا مؤمنون به أرسله وأرسله بالتوحيد، أن هذه الأصنام ليس لها وزن ولا قيمة، هذه نقطة مهمة جدًا، أن الأصنام رموز، لا أحد له عقل يعبد حجر باعتبار أنه حجر، هذا الحجر رمز، نحن لدينا أزمة في هذا، نحن نعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لأناس متخلفين عقليًّا، كانوا يعبدون الأصنام – أناس مغفلين – فقال لهم يا جماعة الأصنام ليس شيئًا، فهذا قمة في التسطيح والسذاجة، فالموضوع أكبر من هذا بكثير، الأصنام هذه رموز، رموز للملائكة وللجن الملائكة أصحاب المكانة الذين يسمونهم بنات الله، وللجن أصحاب القوة والتأثير، ولذلك هم حينما كانوا يدعون الجن يجدون أثر واستجابة بأن تصنع لهم الجن أشياء فعليًّا، وترد عليهم فعليًّا، ويوجد أحد بداخل الصنم يكلمه، يكلمه ويسمعه، فحقيقة يوجد شيء موجود، يعبدون الجن والشياطين، ويدعون أنهم يعبدون الملائكة، وبالتالي يوجد تأثير حقيقي موجود، ولذلك هذه الأصنام رموز، هذا الحجر مجرد رمز، ولذلك حينما يكون الشخص في صحراء يجلب أي حجر ويجعله صنم، ثم يلقي به، هو لا يحتاج لأن يأخذ إلهه من مكة إلى الشام، فهو عقله ليس ضعيفًا، هو لماذا يحمل نفسه كل هذا الثقل، ذر الصنم هنا واصنع أي شيء بديل، أرسم رسمه على ورقة، فهؤلاء الناس فاهمة أن هذا الصنم مجرد رمز فلا يفترق واحد عن آخر، هذا مجرد رمز، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في مجتمع ليس مجتمعًا سطحي أو ساذج مثلما نتخيل.

فالمعبودات التي كانت موجودة هي هي ذات المعبودات، نحن نعتبر أن فكر الإنسان تطور، وهو لم يتطور ولم يرتقي، الإنسان الآن إن لم يعبد الله سبحانه وتعالى فهو إما أنه يعبد أشياء من دون الله أو يعبد أشياء يزعم أنها تقربه من الله، والوساطة هي أصل الشرك اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فهي نفس الفكرة – الوساطة – مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى نحن أناس أصحاب خطيئة وربنا سبحانه وتعالى لا تستطيع أن تخاطبه مباشرة، فأنت تتوسل إلى الله بما تراهم ذوي مكانة عند الله، فماذا كان يفعل قوم نوح، يقولون أن الأصنام عبارة عن تماثيل لأناس صالحين يذكرونا بالإيمان ويذكرونا بالصلاح والتقوى، فعندما نتذكرهم نقتدي بهم، الموضوع كله على هذا، شخص حسن أو صالح يذكرك بالخير، أو شخص له مكانة عند ربنا، فأنت تقول له اشفع لي عند الله، تتقرب إليه لكي يدخلك على ربنا، واسطة تدخلك على ربنا، وكل الأديان مبنية على ذلك، كل الأديان ماعدا دين الحق مبنية على الوساطة، وجود الكاهن أو الراهب أو الحبر أو القس، لابد أن يوجد شيء كهذا، كل دين هكذا، يوجد شخص واقف في المنتصف بينك وبين الله وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ هذا هو الدين الحق، لم هو الدين الحق؟ لأن الوساطة تكون في النازل وليس في الطالع، أي شخص وسيط لكي ينقل لك كلمات الله، ثم بعدما أن ينقلها لك، يقول لك توجّه إلى الله، ولا يوجد أحد في المنتصف بعد ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم لهذا، فماذا يقول له؟ ( ربك رب السماوات والأرض) وهذا نحن متفقون عليه، ماذا فعل؟ ( أمرهم بهذا الذي تراهم عليه) – الصلاة – ( وأيم الله لا أعلم على ظهر الأرض كلها أحدًا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة).

يقول ابن اسحق: (وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه عليّ بن أبي طالب مستخفيًا من أبيه – أبي طالب – ومن جميع أعمامه وسائر قومه يصليان الصلوات فيها) فهم حينما يريدون أن يصلون ماذا يفعلان؟ يخرجان خارج مكة تمامًا، يستخان في أي مكان في جبال مكة ويصليان، لا يريدان أن يطلع عليهما أحد، وعليّ يخفي هذا عن أبوه وعن بقية أعمامه، ( فيصليان الصلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكثا، ثم إن أبا طالب عثر عليهما يومًا وهما يصليان) أبوطالب رأهم مرة وهم في شعب يصليا (فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي ما هذا الدين الذي تدين به؟ قال: أي عم، هذا دين الله ودين ملائكته) – الذي يعبدوها، ويقولون أنهم بنات الله – ( ودين رسله ودين أبينا إبراهيم، بعثني رسولًا إلى العباد، وأنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى، وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه).

فنحن لدينا الآن أبوطالب مثل عليّ رضي الله عنه وجّهت له الدعوة بعد أن شاهد الصلاة، فالآن لم يمر معنا إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كلّم العباس، وقلنا أن حديثه مع العباس قصة بعد ذلك، أي أن قصة العباس بعد ذلك، فعليّ رضي الله عنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فكلمه، ثم بعد فترة أبوطالب شاهدهم يصليان فكلمه، ماذا قال له؟ قال له: هذا دين ربنا سبحانه وتعالى ودين الملائكة ودين الأنبياء والرسل، ودين سيدنا إبراهيم الذي ننتسب إليه، ونحج إلى بيت الله على ملته وعلى شرعته، فهو الأساس، فهو إلام يدعوهم؟ يدعوهم إلى دين الحق الذي هم عليه، وأن يتركوا التحريف الذي أدخلوه، ( بعثني رسولًا إلى العباد، وأنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى) أنتم أولى شخص لأن أهتم لأن أوجه للخير وأدعوه، لحقك ومكانتك وحدبك ورعايتك، وأنت في المقابل لمكانتي منك ( أحق من أجابني إليه وأعانني عليه، فقال أبو طالب – أول إجابة مباشرة – أي ابن أخي، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه) هذا الموضوع محسوم، بعد هذه الكلمة كم سنة بقي النبي يحاول أن يكسرها؟ عشر سنوات، عشر سنوات ظل النبي صلى الله عليه وسلم يحاول أن يكسرها، وهذه الكلمة قيلت على البداهة مباشرة، هو حاسم أمره وأخذ القرار، هو لم يتلكّأ، عليّ قال له اتركني أن أفكر وأقل لأبي وآتي إليك، أما هذا فالموضوع منتهي بالنسبة إليه، منتهي، مباشرة هذه هي الإجابة.

إذن ماذا يفعل أبوطالب؟ هل فكّر في المضمون الذي قيل له؟ تمامًا، تمامًا لم يفكر، هو حاسم لأمره، بغض النظر ما تقوله هذا حسن أم لا، فأنا لن أستطيع أن أترك الدين الذي درجت عليه، ليس لدي استعداد لأن أفكر، وأنا لن أفتح هذا الملف أصلًا، أصلًا وتمامًا، عشر سنوات، عشر سنوات، النبي صلى الله عليه وسلم يحاول أن يقنع أبا طالب أن يتخلى عن هذه الفكرة، فقط يراجع هذا الموضوع ويعيد النظر فيه، عشر سنوات، عشر سنوات يعالج هذه الكلمة، وفي النهاية لم ينجح لأن يعالج هذه الكلمة، (فكان آخر أن قال هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله)

عشر سنوات، تخيل النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات يجاهد مع عمه أحب الناس إليه في جملة، يحاول أن يزحزحه عنها وهو مصر على الرفض، قال ( أي ابن أخي إني لا أستطيع أن أفارق) فما معنى ” لا أستطيع “؟ ما الذي يجعله لا يستطيع، هل يوجد شيء يجعله لا يستطيع فعلًا؟ فما معنى لاأستطيع؟ ما الشيء الذي يجعله لا يستطيع فعلًا؟ الإرداة، ” لا أستطيع ” هذه، ليس معناها عدم القدرة ولكن ” أنا لا أريد ” لأن ” لا أستطيع ” هذه أي أنا لا أقدر، لكن أنا لا أريد لماذا قال ” لا أستطيع ” اجتماعيًّا، اجتماعيًّا أنا لا أستطيع، سأفقد كل مكانتي الاجتماعية وزعامتي وسيادتي واحترام قريش لي لو فعلت ما تقول عليه هذا، كل ما بنيته من مجد ومن مكانة، وأبوطالب ليس معه مال، ليس معه مال، سيادته في مكة سيادة تكريم واحترام، فأنت لكي تكون زعيمًا في قريش إما أن يكون لديك عشيرة قوية أو لديك مالًا كثيرًا أو شيء أدبي، فهو مكانته مكانة أدبية، فهذه المكانة الأدبية هذه في النهاية تنشأ عن ماذا؟ تنشأ عن تقدير الناس واحترامهم لك، فإذا احترامهم سقط؟ فأنت خسرت كل شيء، فقال له لا أستطيع ( ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت)

كل هذا من البداية، فهو تمامًا تمامًا من حين أن قال هذه الكلمات إلى أن مات هو على هذا العهد تمامًا، تمامًا حرفيًّا لن يفارق دين الآباء ولن يترك أي جهد في حماية ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم، فما قاله من كلام ظل ممتثله ومقيم عليه طوال وقته، فالرجل حينما يقول كلمة من فمه يكون حاسبًا لها، ويعرف تكلفتها وسيفي بها، هذا الرجل مؤمن كان أو كافرًا فهو رجل، فهذا الرجل حينما يقول الكلمة فهو يحسب لها حسابها، يعرف ما يخرج من فمه وهو سيمتثل له وسينفذه، ما وعد به أوفى به، (والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت) إذًا هو مدرك لما سيحدث، وكل هذا الكلام آني ولحظي، هو تفاجأ بالمشهد والنبي صلى الله عليه وسلم قال له هذا الكلام، رد فعله متتابع وسريع، فهو أولًا آخذ للقرار، والأمر الثاني: هو يعرف ماذا سيفعل، الأمر الثالث وهذا هو الأهم يعرف أن هذا الموضوع لن يمر ببساطة، والنبي صلى الله عليه وسلم سيصل إليه ما يكرهه يقينًا، ودوره أن يحميه، وهو سيقوم بهذا الدور، دور العم الذي يقوم بالواجب عليه باعتبار الرحم وباعتبار الزعامة وباعتبار السيادة، وهذه نقطة مهمة، لماذا كان يحمي أبوطالب النبي صلى الله عليه وسلم؟ بسبب أمرين؛ ليس فقط لأنه ابن أخيه، ولكن لكي يحافظ على مكانته، وهذه نقطة مهمة جدًا جدًا، فهو زعيم قبلي، والزعيم القبلي لا يصلح لمن يتبعه أن يخذلوا أو يتعرض إليهم أحد، وهذه نقطة مهمة لابد أن تتفهموها، ليس مجرد أنه ابن أخيه وسيبكي عليه وفقط، هو الآن لماذا لن يترك دين آبائه؟ لأجل المكانة ولماذا لن يتخلى عن ابن أخيه؟ لأجل المكانة أيضًا، هو ابن أخيه وهو يحبه، فهذا موجود فعلًا، لكن ما الأساس؟ أنه إذا خذل ابن أخيه سيحتقره الناس ويزدروه، فإن آمن بدينه أفضل من أن يخذله، لابد أن نفهم كيف يفكر هؤلاء الناس، أبو طالب يدخل في دين الإسلام أفضل من أن يبقى على دين قريش وهو يخذل ابن أخيه، ويصبح مثل أبو لهب، شخص ليس له وزن ولا قيمة ولا أدنى احترام، فهو لن يكون هكذا.

وذكروا أنه قال لعليّ: (أي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ قال: يا أبت آمنت بالله وبرسول الله وصدقته بما جاء به، وصليت معه لله واتّبعته) فهو عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وعليّ رضي الله معه يصليان؛ سأل النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم أجابه وقال له هذا الكلام، ثم لما لقي ابنه سأله على انفراد، فقال له يا بني ما الذي تفعلانه؟ فماذا قال له عليّ؟ قال: ( يا أبت آمنت بالله) فهو قال له ( يا ابن أخي) فرد عليه (أي عم) وهنا قال له (أي بني) وقال له (يا أبت) فهذه العلاقات موجودة وبعمق،، مهم جدًا طبيعة الروابط وكيف كانوا يتعاملون، ( أي ابن أخي) علامة على الحب والتقدير، و(أي عم) علامة على الإجلال والتعظيم، (أي بني) علامة على الحب والتقريب، (أي أبت) علامة على العلاقة والصلة القوية والتقدير، قال (أي أبت آمنت بالله وبرسول الله وصدقت بما جاء به وصليت معه لله واتّبعته، فقال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه).

وهذا أصعب أمر، هو مدرك للحقيقة، ويحب ابنه ويحب له الخير، أنا لن أقدر أن أدخل في هذا الدين لكنك أنت تقدر، أنا لن أستطيع أن أدخل في هذا الدين، فعندي ما يمنعني، أما أنت كعليّ ليس لديك هذه الأزمة، ولن أقف في طريقك، بل بالعكس، هو يحب ابنه فعلًا، هو لن يدخل في هذا الدين، تأمل هذا الموقف، هو لن يدخل هذا الدين تمامًا، فماذا يقول لابنه، (أما إنه لم يدعوك إلا إلى خير) فأنا أعرفه جيدًا وأعرف ما هو عليه جيدًا، وهذا أقرب الناس إليّ، فأنا متأكد من أنه على حق، ومتأكد أنه يحبك، وطالما أنه دعاك إلى شيء، فهذا الأمر حسن، (فالزمه) أمسك به وتشبث،، تخيل هذا الموقف، فهو لن يؤمن ولكنه يقول له هذا.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن غلامًا يهوديًّا كان يضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه، ويناوله نعليه فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قاعدٌ عند رأسه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا فلان قل لا إله إلا الله، فنظر إلى أبيه فسكت أبوه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا فلان قل لا إله إلا الله، فنظر إلى أبيه، فقال أبوه: أطع أبا القاسم، فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أخرجه بي من النار، وفي رواية: أنقذه بي من النار.

نفس الموقف بالضبط، تخيل هذا الموقف وحاول أن تتفكر فيه قليلًا، أول شيء النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، فهذا كلام تالي بوقت طويل، ولكن سنجتازه لنأخذ هذا الموقف فقط. نفس الموقف، ماذا يقول أبوطالب، ( ألا إنه لم يدعك إلا لخير فالزمه) وهو لن يستجيب،، وهنا بعد سنوات عندما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فهذا الكلام مرّ عليه أربع عشرة أو خمس عشرة سنة، ثم يقول لك أن هناك غلام يهودي يشارك، غلام يهودي يشارك أنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، يشاركه في خدمة رسول الله، هل تستطيع أن تفهم هذا؟!! هذا غلام يهودي، ما ملته؟ يهودي، ما دينه؟ يهودي، الغلام اليهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يؤمن به.

فهو يخدمه فماذا يفعل؟ يحضّر له الوضوء، الماء الذي يتوضّأ به، ويأتي له ” بالشبشب ” ، نحاول أن نتخيل الموقف، نحن هنا في مجتمع المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود، وهؤلاء اليهود أعدائه، وغلام يهودي.. ماذا يفعل؟ هو آتي ليخدم النبي صلى الله عليه وسلم، يحضر له الماء لكي يتوضّأ، ويهتم بالشبشب لكي يعطيه له لكي يلبسه، هذا قمة التواضع والتقدير، ” شبشبه ” يحضر له شبشبه لكي يلبسه.

ثم إن هذا الغلام مرض، وسأل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجده، أين فلان؟ فلان مرض، فذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الغلام في حالة من الوهن الشديد، فناداه باسمه، قال (يا فلان – هم لا يعرفون اسمه – يا فلان قل لا إله إلا الله، فنظر إلى أبيه) فهو يهودي وأبوه يهودي، وهذا يدعوه ليخرج من الدين، فنظر لأبيه فأبوه سكت! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى ( يا فلان قل لا إله إلا الله) فنظر إلى أبيه، فماذا قال له أبوه؟ قال له: أطع أبا القاسم، ما معنى ” أطع أبا القاسم “؟

أول شيء أن هذا دين، هو على يقين أن هذا دين، وأن هذا نبي وهذا رسول، وهو يحب ابنه جدًا، وأن ابنه يذهب، فهذه اللحظات ابنه يذهب، إلى أين سيذهب؟ هذا هو حقيقة اليقين، أنت بماذا تؤمن فعلًا؟ فهو الآن لو كان على قدر من اليقين أنه على حق، فأكيد لن ينقل ابنه من الجنة إلى النار الآن، ابنه الآن على شفا خطوة من القبر، ” أطع أبا القاسم ” هذه لماذا؟ لكي يتحول من النار إلى الجنة، صحيح؟ فليس لها معنى آخر، إذن هو في طريق النار، وابنه في طريق النار، والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه أن ينتقل إلى طريق الجنة، وهو يحب ابنه، هو يحب ابنه، هذه محبة فطرية، هو يحب ابنه، فقال له ” أطع أبا القاسم ” ، افعل مثلما يقول لك، افعل مثلما يقول لك، وهو تشاهد ومات، ليس بعد ذلك،، أما اليهودي؟ اليهودي أكمل، اليهودي أكمل طريقه، وأبو طالب أكمل طريقه، ضع هذا المشهد أمامك (أما إنه لم يدعك إلا إلا خير فالزمه) (أطع أبا القاسم) وأنا؟ أنا ماذا سأفعل؟ لا، أنا كما أنا، أنا لا أقدر، فلماذا لا أقدر؟ لماذا لا أقدر؟ لأنني اجتماعيًّا لا أقدر، اجتماعيًّا هذه كبيرة جدًا، لو الأمر يصد عن الدين، وعن الإيمان وأنت على يقين أن هذا حق، وبالتالي أنك تتنكب طريق الجنة، وتريد أن تسير في طريق يذهب بك إلى النار وأنت على يقين في هذا لكي ترضي المجتمع، فهذا المجتمع كبير جدًا أكبر مما نظن، أكبر مما نظن، قيمة المجتمع عند الإنسان، ووضعه الاجتماعي ونظرة المجتمع له، وتقييم المجتمع له، وتعامل المجتمع معه كبير جدًا لدرجة أنه سيضحي بالدين نفسه وبالآخرة وبالجنة وبالإيمان وبرضى ربنا لكي يرضي الناس، أو على الأقل لئلا تذمني الناس، أو تبقى تعاملني مثلما كانت تعاملني.

هذا الموضوع ليس سهلًا، أكيد هو ليس سهلًا، مادام وصل بأناس إلى هذه المرحلة، فهو ليس سهلًا، أبدًا، الموضوع غاية في العمق وغاية في الصعوبة، أن شخصًا يكون مدرك للحقيقة ويدفع بالناس الذي يحبهم جدًا إلى أن يذهبوا في هذا الطريق، ولكنه هو لن يذهب، ولماذا لن يذهب؟ يقول: أنا لا أقدر أن أذهب.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم