بسم الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ
تكلمنا عن مراحل استجابة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الكلمات، وقلنا أن أول أثر للإيمان بدأ يظهر أثره في بيت النبوة، وقلنا أن بيت النبوة كان يحوي خديجة رضي الله عنها وبناتها عدا زينب قد انتقلت إلى بيت زوجها أبي العاص بن الربيع رضي الله عنه، وذكرنا أن خديجة رضي الله عنها لم تحتج في إيمانها إلى أن يدعوها صلى الله عليه وسلم للإيمان، لماذا؟ لأنها كانت معه في هذا الطريق خطوة بخطوة، وكانت من فضل الله سبحانه وتعالى عنصر التطمين والتهدئة والتثبيت للقلب في لحظاتٍ ربما يضطرب فيها القلب لهذا الوارد العظيم الذي ورد على قلبه صلى الله عليه وسلم من أمر النبوة والرسالة والوحي ونزول جبريل عليه السلام.
وذكرنا أن زيد بن حارثة رضي الله عنه آمن، وذكرنا أيضًا أن زيدًا لم يكن محتاجًا إلى دعوة، كان يكفي أن يقص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لكي يؤمن، وذكرنا خلفيات هذه العلاقة، وكيف أتى زيد إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كانت العلاقة بينهما التي انتهت إلى أن تبناه صلى الله عليه وسلم، ولذلك ذكرنا أنه حينما أنزل الله عليه وحيه لم يكن زيد بحاجة إلى أن يتلبث أو يفكر في هذا الأمر يقبله أو لا يقبله، يتشكك فيه أو يتيقن منه.
ونذكر اليوم بمشيئة الله عليًّا رضي الله عنه؛ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كان حين مبعثه صلى الله عليه وسلم في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك كان لعليّ رضي الله عنه من الخصوصية والإنعام والإحسان الذي أحسن الله به إليه ما لم يكن لغيره، لأنه كان قبل البعثة بسنوات مكفولًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمكان الذي تنزل فيه الوحي كان عليًّا رضي الله عنه مقيمًا فيه.
أصاب قريشًا أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، ” ذا عيال كثيرة ” ليس معناها أن كلهم عياله أي أولاده، لا، العيال هم من يعول، الناس الذي هو مسئول عنهم، من ينفق عليهم، فالذي ينفق عليهم كثيرون، وليس عياله كثيرون، ليس عياله بمعنى أولاده، وإنما عيال الرجل: من يعولهم ومن ينفق عليهم.
فأبو طالب كان مسئولياته وأعبائه كبيرة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخفف عنه، فقال للعباس رضي الله عنه وكان العباس موسرًا.
أبو طالب هو الأكبر وعبد المطلب حينما أتته منيته والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت كان في الثامنة من عمره، بعد وفاة والدته ظل سنتين في كفالة جده، فلما أتته منيته أوصى به لأبي طالب، مع أن أبو لهب كان أيسر من أبي طالب بكثير، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم من حيث الرعاية المادية سيكون في بيت أبي لهب أفضل بكثير من بيت أبي طالب، لكن عبد المطلب اختار أبو طالب، فلماذا اختار أبو طالب؟
هو الآن ماذا يريد؟ يريد الرعاية، الرعاية أهم من المال، فأبو طالب سيعطي من الحدب والشفقة والرعاية والحماية ما لا يعطيه أبو لهب، وإن كان أبو لهب كان قريبًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان محبًا له، لكن أبو طالب شقيق عبد الله، هذا أول أمر.
أولاد عبد المطلب العشرة ليسوا أشقاء، أمهاتهم مختلفة، فأبو طالب الكبير، وعبد الله – أصغر ابن – الاثنان أشقاء، فهو إلام أوكل كفالته؟ لشقيق والده، هذا أول أمر،، ولأكثر من يراه حنوًّا وشفقة عليه، سيقوم بالأمانة وسيراعيه لكن ماديًّا؟ ماديًّا ستوجد معاناة، ولذلك سنجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو سنه صغير كان يرعى الغنم على قراريط، ” على قراريط ” أي قليل من المال، فما الذي جعله يرعى الغنم؟ أن أبو طالب يكفله ويرعاه، ولكن إمكانياته ضعيفة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحتاج إلى أن يشارك في النفقة أو يحاول أن يغطي جزء من نفقته أو يصرف على نفسه، فكان من سن صغير كان يرعى الغنم، لكنه قال صلى الله عليه وسلم ( وما من نبيٍّ إلا ورعى الغنم )
نحن منذ فترة حينما تكلمنا عن سيدنا داود ذكرنا ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرنا في قصة داود أنه مرّ بهذه المرحلة، وقلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن هذا قانون، قلنا ما معنى هذا القانون؟ أن ربنا سبحانه وتعالى من حكمته ومن تقديره يجعل هذه المرحلة مع اختلاف الظروف والبيئات، والأنبياء كثيرون جدًا جدًا، وهم في أقوام وقبائل وشعوب متباينة ومختلفة، وكلها ليست لها ظروف واحدة، لكنه هيّأ لكل واحد رغم هذا لابد أن يمر بهذه المرحلة.
إذن التربية الإلهية للأنبياء بها سنن وقوانين، ولماذا لابد أن يمر بهذه المرحلة؟ لأنه إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من نبي إلا ورعى الغنم ) فلابد أن نتعلم شيئًا من ذلك، محتاج أن يمر بهذه المرحلة لأنه سيتعلم منه شيء ضروري، فقلنا أن هنا في أمرين مهمين؛ الغنم تفتقر افتقارًا كليًّا للراعي، هذا أول أمر؛ أن الغنم تفتقر افتقارًا كليًّا للراعي، فهو الذي يفعل كل شيء من حيث المرعى والمسرح ومكان المبيت والرعاية والحماية من ذئب.. كل شيء هو الذي يفعله، فهو هنا دوره سيكون دور الرعاية والكفالة الكاملة، والحدب والحرص ولابد أن يحيط بها، فهو يتعلم في التعامل أشياء سيحتاجها عندما يتحمل أعباء كثيرة، فهو أتى ليحمل أناس، ولكي يحمل أناس لابد أن يمر بهذه التجربة، هذا أول أمر، وهذه نقطة غاية في الأهمية؛ لابد أن يمر كل نبي بهذه المرحلة، فكما قلنا أن كل شخص من المفترض أنه يعد لمهمة لابد أن يأخذ تدريب لاحتياجات المهمة، هو ماذا سيفعل، وهذا الفعل ماذا يحتاج؟ فربنا سبحانه وتعالى هو الذي يدبر أمر الناس وأمر العباد وهو رب العالمين، وهو بالمعنى الخاص المدبر لأمر أنبيائه، لأنهم هم الذين سيحملوا مسئولية نقل نور الله للناس، لابد أن يهيّئ لهم ربنا سبحانه وتعالى هذه الرعاية.
سيدنا موسى كان في قصر الفرعون، احتاج أن يخرج إلى مدين هاربًا لكي يكون أجيرًا عند حماه عشر سنوات يرعى الغنم، هو لم يكن في دائرته يمكن أن يهيّأ له هذا، فحدث أشياء لكي يخرج خارج دائرته – عشر سنوات – قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى هذه العصا، التي كانت يهش بها على الغنم، جعلها ربنا نفسها هي الآية،، قال له ما الذي في يدك هذا؟ قال عصاي، ماذا تفعل بها؟ قال أتكئ عليها وأهش بها على الغنم لئلا تذهب يمنة ويسرة، لا تعرف عنها شيء آخر؟ لا، لا أعرف عنها شيء آخر،، هل هذا أقصى ما تفعله؟ نعم هذا أقصى شيء،، قال: لا، أنت لا تعرف ما في يدك، قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى هي كانت في يده، كانت في يده، هذه العصا ماذا تفعل؟ ماذا تفعل؟ العصا هذه ما تقدير ربنا سبحانه وتعالى لها في مستقبل الأيام، ربنا قدّر لهذه العصا أن تكون آية الله العظيمة، فهذه العصا في يد من؟ في يد سيدنا موسى، هل يعرف عنها شيء؟ كم من نعم ربنا سبحانه وتعالى أعطاها لنا ولا نشعر بها، كم من عطايا ربنا سبحانه وتعالى أعطاها للإنسان ولا يستشعرها، كم من قدرات ومشاعر وأخلاق وأحاسيس ومن نعم ربنا سبحانه وتعالى وهبها لنا ولا نستشعرها.
ما الذي معك هذه؟ ما أقصى ما تفعله؟ لكن حقيقتها، الذي خلقها سبحانه وتعالى هو الذي كان يعلم ما حقيقتها، ما هذه العصا التي كانت معه.
فربنا سبحانه وتعالى أخرجه إلى أرض مدين لأنه لابد أن يمر بهذه الفترة، لابد أن يمر بهذه الفترة، هذا أول أمر.
الأمر الثاني: محتاج لقدر من الخلوة والهدوء، يقول صلى الله عليه وسلم ( السكينة والوقار في أهل الغنم، والفظاظة والغلظة في الفدادين أصحاب الإبل ) صحبة الغنم ستورث أخلاق أنت محتاج إليها لكي تكون نبيًّا، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول أن من يصحب الغنم يكتسب خلق السكينة والوقار، ومن يصحب الإبل الغضوبة العنيفة الحاقدة؟ يكتسب صوتًا مرتفعًا – الفدادين: الناس أصحاب الأصوات العالية – ويكتسب فظاظة وغلظة، والنبي هل يصلح أن يتصف فظاظة وغلظة؟ فلا يصلح أن يوضع في طريقه أن يرعى الإبل، لابد أن يرعى الغنم، لأن بها السكينة والوقار، كل شيء ربنا سبحانه وتعالى يفعلها، يفعلها لحكمة بالغة، وكل شيء يقدرها، ربنا سبحانه وتعالى يقدرها لعلمه ولخبرته وللطفه وحكمته، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم.
ولأجل أن يرعى الغنم حدث ظرف، فقر أبي طالب دفعه لرعي الغنم، خوف موسى من فرعون والملأ دفعه للخروج لكي يرعى الغنم، إذن يوجد شيء يدفعك لهذا الأمر، هذ الشيء يبدو شيء غير حسن، الفقر والفاقة غير حسن، والخوف والوجل غير حسن،، لكن الفقر والفاقة دفعوا لرعي الغنم، والخوف والوجل هما ما دفعا لرعي الغنم، ورعي الغنم هذه نعمة وتربية إلهية مقصودة أحيانًا لا تصل إليها إلا بشيء به مشكلة.
يوسف عليه السلام لم يكن ليصل إلى ما آتاه الله عز وجل من نعمة إلا عبر درب المحن، هو لو كان بقي في حجر أبيه كان يصير نبيًّا في الصحراء وانتهى، لكن حينما قدر الله هذه المحن، هو لم يكن ليصل إلى هذا المكان إلا إذا اقتيد عبدًا فدخل قصرًا وانتقل من هذا القصر إلى سجن يلقى فيه أناسًا يحملونه إلى قصر الملك، وهو كان في قصر الوزير، ومن قصر الوزير انتقل إلى السجن، وفي السجن لقي ساقي الملك، فانتقل ذكره إلى قصر الملك حينما جاء الوقت الذي حدده الله تبارك وتعالى، لما رأى الملك رؤياه،، لم يكن لتأتي إلا بهذا، لا تدور إلا هكذا، وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا وليس خيرًا فقط خَيْرًا كَثِيرًا فالفاقة والفقر في بيت أبي طالب وجهه صلى الله عليه وسلم لكي يتربى كما أراد الله له أن يتربى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى.
إذن عبد المطلب حينما جعل الكفالة لأبي طالب راعى أمورًا غير المال، إذا توفر مع أبي طالب المال كان خيرًا، لكن إذا تعارضوا ماذا سيختار؟ هل سيؤثر مال أبي لهب؟ قال تعالى مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ هنا يوجد مال كثير، ربنا ذكرها فلابد أن تكون كثيرة مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ يوجد مال هنا، أما هنا لا يوجد مال، ولكنه محتاج إلى هذا الشخص، غير محتاج إلى ذاك، فعبد المطلب يعرف أين سيضع حفيده لكي يرعاه، فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما امتن عليه ربنا سبحانه وتعالى واستغنى عن كفالة أبي طالب استغناءً ماديًّا، وإلا فهو ظل في كفالته معنويًّا إلى أن مات أبو طالب، النبي صلى الله عليه وسلم ظل عشر سنوات في حماية أبي طالب وزعامته وسيادته في قريش، لكن النبي صلى الله عليه وسلم مشغول بأبي طالب وحال أبي طالب، ولكن في النهاية يوجد حساسية، هذا عمك وحتى إذا كان معك المال أنت لن تستطيع أن تساعده، هل ستضع المال في ظرف وتقل له خذ هذا المال !! هذا صعب، أنت لا تستطيع أن تفعل هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما أتت أزمة وظروف استثنائية أصبح يوجد فرصة يستطيع أن يفعل شيئًا، وقتها من الممكن أن يكون هذا الفعل مقبولًا، فهذه ظروف صعبة ولن تعطيه مالًا، فهو لا يستطيع أن يعطي عمه مالًا في كل الأحوال، فهو ماذا يريد أن يفعل، فهو من الممكن أن يأخذ أحد أبنائه يجعله معه قليلًا إلى أن تمر الأزمة، حسنٌ فهذا الكلام سيفعله، لا لن يفعله بمفرده، ذهب للعباس وعند العباس قدر من السعة وعنده تجارة متوسعة، فقال له أن يأتي معه وأن يأخذ ولد وهو يأخذ ولد.
فذهبوا إلى أبي طالب، وقالوا أن الظروف صعبة فنحن من الممكن أن تجعل أحد من الأولاد يأتي معنا يجلس معنا إلى أن تمر الأزمة، فقال لهم إذا تركتم عقيل فخذوا من تريدوا، هو لديه أربع أولاد وبنتان، طالب هو الكبير، وكل واحد بينه وبين الأخر عشر سنوات، ثم عقيل ثم جعفر ثم عليّ، فطالب في سن النبي صلى الله عليه وسلم، عقيل أصغر بعشر سنوات، جعفر أصغر منه بعشرين سنة، عليّ أصغر منه بثلاثين سنة.
فأهم ولد لديه عقيل، اتركوا لي عقيلًا وخذوا الباقين، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ عليًّا والعباس أخذ جعفرًا رضي الله عنه، فلم يزل عليّ رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيًّا، الدنيا انفرجت قليلًا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ظل على هذا، فهي فرصة جاءت له وهو كان يريد أن يفعل ذلك منذ زمن، فلم يقل له ارجع لأبيك لأن المعيشة انفرجت عليه، لا، بالعكس لأنه كان يريد أن يفعل ذلك منذ زمن، الفرصة وُجدت، فطالما وُجدت الفرصة فالنبي صلى الله عليه وسلم سيظل متشبث بها، فكان من رحمة ربنا سبحانه وتعالى ومن اصطفاؤه لعلي رضي الله عنه أنه بقي في حجره صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيًّا، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه.
يقول ابن اسحق: إن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افترضت عليه الصلاة، ربنا سبحانه وتعالى أنزل ” يا أيها المدثر ” وبعدها مباشرة جاء تعليم الصلاة، فجبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهمس له بعقبه في ناحية الوادي. أي: ضرب قطعة من الأرض، فانفجرت له عين ماء، فتوضأ جبريل عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، ثم صلى ركعتين وسجد أربع سجدات، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم وقد أقرّ الله عينه وطابت نفسه وجاءه ما يحب من الله عز وجل، فأخذ بيد خديجة حتى أتى بها العين فتوضّأ كما توضأ جبريل ثم ركع ركعتين وأربع سجدات هو وخديجة ثم كان هو وخديجة يصليان سرّا.
فنحن لدينا الآن أول شيء تقبل خديجة وزيد للإيمان حينما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة أمره معها بالصلاة، فكيف تعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة؟ سيدنا جبريل توضّأ وصلى والنبي صلى الله عليه وسلم يشاهده، وتكلمنا قبل في هذه النقطة كثيرًا؛ اليسر والتيسير في تعليم النبوة، وذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وقلنا أنه مرة صلى على المنبر، وهو واقف في الأعلى وعندما يريد السجود ينزل درجتين ويسجد على الأرض وبعد ذلك يصعد للأعلى، فلماذا يقف في الأعلى؟ لكي يراه كل الناس في المسجد، فالصلاة الطبيعية لا يصلح أن تصلى في مرتفع، فالنبي صلى الله عليه وسلم فعل فعلًا بخلاف هيئة الصلاة المقررة لأجل التعليم.
إذن هذا البيان بهذه الصورة أيسر وأسهل بكثير، فربنا سبحانه وتعالى من حكمته ورحمته جعل التعليم مبني التيسير، قال ( خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم ) وقلنا قبل ذلك عبد الله بن زيد بن عاصم، عثمان بن عفان رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة كانوا عندما يحبون يعلمون الوضوء، يعدوا بالماء فيتوضؤوا أمام الناس، وبعد ذلك يقولون ” هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضّأ ” ونحن قلنا مرة في رمضان أن عبد الله بن زيد بن عاصم لما قيل له أرنا صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ دعا بتور من صفر – من نحاس – ليس أي ” طشت ” يريد ” طشت من نحاس ” فلماذا؟، فبعدما انتهى من الوضوء، قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماءً في تورٍ من صفر، أي أنه حينما جاء ليتوضّأ جاء بطشت بالضبط كالذي توضّأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رآه، ليس فقط يحكي صفة الوضوء، بداية من ” الطشت ” يقلد من أول الطشت، صورة مطابقة، صورة مطابقة، فلما ترى الوضوء وتتوضّأ فالموضوع يكون سهلًا، فلو جلست أشرح الوضوء كفرائض وسنن، فالموضوع يتشعّب ويكون صعبًا، فهذا لشخص يريد أن يتخصص، لشخص يريد أن يدرس لكي يتعلم، أما ما يحتاجه المسلم في حياته، فالموضوع أصعب بكثير.
البيان مبني على التبسيط، فكيف علّم سيدنا جبريل النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه تعلّم هكذا، سيدنا جبريل توضّأ والنبي صلى الله عليه وسلم يشاهده، ثم صلى ركعتين والنبي يشاهده.
والنبي صلى الله عليه وسلم حينما أتاه ربنا هذا، آتاه الرسالة وآتاه الصلاة؟ قرّت عينه، فمتى وصل إلى السعادة والرضا؟ عندما منّ عليه ربنا سبحانه وتعالى بالهداية وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ومنّ عليه بالصلاة.
فهو ماذا كان يفعل في الغار؟ يبحث عن الهداية ويبحث عن العبادة، نحن قلنا زيد بن عمرو بن نفيل كان يقول: يا رب أنا لا أعرف إلا السجود، أنا لا أعرف من دين سيدنا إبراهيم إلا السجود، فكان يسجد، لو أعرف شيء غير ذلك أفعل، ولكني لا أعرف، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن هذا، ربنا سبحانه وتعالى أعطاه ما يريد، أعطى له طريق؛ هداية، أعلمه من أين الطريق، هذا أمر، وهو يريد أن يتعبد، يريد أن يتقرب من الله فأعطاه التقرب، فطبيعي – طبيعي – أن تسكن نفسه وتطمئن وعينه تقرّ، هذا ما كان يبحث عنه، ربنا أعطاه ما كان يبحث عنه، فماذا فعل؟ ذهب إلى خديجة رضي الله عنها لكي يعلمها، لا، هو أخذها وذهب إلى نفس المكان بالضبط، قعد مكان سيدنا جبريل وتوضّأ من نفس العين، وصلى نفس الركعتين، انظري عليّ أنا سأريك كيف فعل، نفس المكان، وهو من الممكن أن يفعل نفس الفعل في المنزل، فالبيت يوجد به ماء، وهو سيصلي وهي ستراه، لا لا لا، هو ذهب نفس المكان التي علمه فيها سيدنا جبريل الوضوء والصلاة لكي يتعلم الوضوء والصلاة، فكانا يصليان سرًّا، لماذا يصليان سرًّا، إيمانك شيء بداخلك، لن يطّلع عليه إلا إذا تكلمت، لكن الصلاة تُرى، فسيقول الناس ” ما يفعل هؤلاء؟ ” فما مشكلة رؤية الصلاة؟ صعب أن تُرى الآن، لأنها إذا شُوهدت الآن ستحدث قدر كبير من الصخب ليس وقته، ليس وقت صخب، لا يصلح.
إذن الصلاة قرينة الرسالة، الصلاة قرينة الإيمان، لا دين بدون صلاة، الصلاة لم تتأخر عن الدين ولا ليوم واحد، يوجد رسالة وإيمان ودين فيوجد صلاة، يوجد سجود لله سبحانه وتعالى، فالنبي لما وجدت الصلاة والسجود قرّت عينه وطابت نفسه وجاءه ما يحب من الله، قرّت عينه وطابت نفسه وجاءه ما يحب من الله.
فالناس التي تسير على دربه، من المفترض أن تقر العين وتطيب النفس إذا جاءهم من الله ما جاءهم.
ثم إن عليًّا جاءه بعد ذلك بيومين فوجدهما يصليان، هو معهم في البيت، فدخل وجد شيء غريب يحدث، ولا يعرف ما يصنعان، هو واقف وهي تقف خلفه، ثم يتحركان،، وهو لا يفهم ما هذا، فقال ( ما هذا يا محمد ) ما تفعلان؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( دين الله الذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحده وإلى عبادته، فهذا أول كلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع شخص ليدعوه، يوجه الرسالة، ماذا حدث.
هو رأى الصلاة واستغربها، ” ماذا تفعلان ” فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ لم يتكلم عن الصلاة، لا، لم يقل له أن هذه هي الصلاة، لا، قال ( دين الله ) مباشرة هكذا ( دين الله الذي اصطفى لنفسه ) الدين الذي اختاره ربنا لكي يتعبد الناس لله به، تتعبد لله كما يحب الله ويرضى، لا يصلح أن يتعبد الإنسان لله إلا بما يحب الله، إلا بما يرضيه سبحانه وتعالى، ( دين الله الذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحده وإلى عبادته وكفر باللات والعزى ) (فأدعوك إلى الله وحده) إخلاصًا وتوحيدًا ويقينًا ( وإلى عبادته ) ممارسة، (وكفر باللات والعزى) قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ هذه هي الكلمات التي أمره ربنا بها، فقال له عليّ ( هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاضٍ أمرًا حتى أحدّث أبا طالب) هو يدعوه إلى دين، دين جديد ونبوة ورسالة.
نحن الآن منذ كم ونحن في الإسلام؟ المشكلة هنا، إنك لن تتخيل… أنت ركبت المصعد – قلنا هذه القصة قبل ذلك، وهي مهمة – ويوجد فلان يسكن في الشقة التي تحتك، رجل طوال عمره محترم ومهذب جدًا وشخصية راقية جدًا وخلوق جدًا ولا تسمع إلى صوته وأولاده لا يوجد أفضل منهم،، كل هذا حسن، ثم قال لك: يا جاري العزيز أنا سيدنا جبريل أتى لي البارحة وأنا رسول، ماذا سيقول؟ ستقول أنه جُنّ، فالوضع هكذا بالضبط، مهما كان هو شخصية راقية، هو يقول لك – وأنت تعرفه جيدًا منذ زمن – يقول لك: أنا نبي، نبي وجئت بدين ! دين جديد غير الذي توارثه المجتمع كله وعاش عليه، هل من الممكن أن تقبل هذا الكلام؟ هذه هي الأزمة نحن لا نستطيع أن نعيش الدين بشكل صحيح، ونحن لا نستطيع أن نتخيله، نحن لا نعلم معنى الصحابة لأننا لم ندرك ما معنى أن تدخل في الإيمان وتأخذ هذا القرار، تأخذ هذا القرار، أنت ستدخل في دين، دين، دين هذا يعني أن كل شيء في تفكيرك وفي رؤيتك وممارساتك ستتغيّر، ستمسح كل شيء وستنتظر من ربنا القوانين الجديدة، أنت لا تعرف شيء، فماذا ستفعل في الباقي؟ ستنتظر التوجيه الإلهي لحظة بلحظة، وخطوة بخطوة.
فعليّ هكذا، نعم هو ابنه عمه، وكم هو يعظمه،وكم يجله، وكم هو يثق فيه، أقول لك دين،، أنا نبي وهذا دين، فقال له: أنت تقول شيء غريب وأنا لن أستطيع أن آخذ قرار في هذا، فهو ابن عشر سنين، عشر سنين، من يكلمه ابن عشر سنين، لن أستطيع أن آخذ قرار إلا عندما أراجع أبو طالب، ولم يقل ” أبي ” ، فلماذا أبو طالب؟ باعتبار أن أبو طالب شخص عاقل، فأبوطالب هذا شخص عاقل وحكيم يستشار، هو هنا لم يردها إلى الأبوة بمجردها، ولكن الشخصية،، فهو لن يستطيع أن يأخذ قرار كبير مثل هذا إلا أن يستشير أبوه ويرجع إليه، سأسأله.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كره هذا، لا أريد أن يعرف أحد الآن، أنا أكلمك أنت، فلو تقبلت الموضوع وإلا فاكتم عني، فلا يصلح هذا،، وأبوطالب شخص لا يقلق، فأبو طالب متى أقلق النبي، ولا لحظة في تاريخه كله، فما المشكلة أن يعرف أبو طالب؟ ورربنا قال له قُمْ فَأَنْذِرْ فلابد أن يكلم الناس، لا، هو كلّم عليّ، عندما رأه في البيت يصلي فدعاه، فلما قال له أقل لأبي أستشيره، لم يقل له أن يدعوه، أنا سأستشيره في شأني الشخصي، فقال له: لا يصلح، تقبل أو اترك، فلماذا؟ كل شيء وله توقيت، هي بحساب، من سأكلم ومتى، وكيف.
فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له ( يا عليّ إذا لم تسلم فاكتم، فمكث عليّ تلك الليلة ثم إن اله أوقع في قلب عليّ الإسلام ) ظل يفكر في الكلام ليلًا، فما الذي جدّ، هو الآن لن يآمر أو يشاور أبا طالب، فما الذي جد؟ هو الآن يوجد صدمة، هو أخذ صدمة، هاتين الكلمتين صادمين وهو لم يستطع أن يستوعبهم لحظيًّا، وقال أنا لا أستطيع أن آخذ مثل هذا القرار إلا أن أستشير أبي، فقال له لا يصلح.
فهو الآن أصبح عليّ أمامه أنه لابد أن يأخذ القرار بنفسه نعم أو لا، فهو الآن ما الذي فكّر فيه من الليل بالصباح؟ فلابد أن يكون هناك شيئًا قد حدث، فأنت إن كنت مكانه ماذا كنت تفعل؟ هذا دين ربنا سبحانه وتعالى اصطفاه لنفسه وبعث به الرسل، يدعى إلى توحيد الله وإلى عبادة الله، وإلى الكفر بالأنداد.
فالآن نحن مؤمنين أن ربنا هو الذي خلق الكون لكننا قلنا أن له شركاء، ونحج لربنا سبحانه وتعالى ونقول ( لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك ) إذن ربنا سبحانه وتعالى هو الإله العظيم، هو خالق السماوات، هو رب الكون بما فيه، لكننا نقول أن هناك شركاء، فهو يقول لك لا، أنت تؤمن بالله وحده، ربنا ليس له شركاء، فما هؤلاء؟
إذن هو فيم محتاج أن يفكر؟ يفكر في هذا المضمون، الشخص الذي يكلمه ومدى ثقته فيه، هذا أمر، الأمر الثاني: هو يدعوه إلى توحيد الله، فهو مؤمن بهذا، ولكنه يقول أن هذا التوحيد ليس فيه شرك، وأنت لابد أن تعبد ربنا سبحانه وتعالى الذي خلقك، فهو جلس يفكر في هذا الكلام طوال الليل، فأصبح غاديًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى إليه الصباح، فقال ( ما عرضت عليّ يا محمد) قل لي مرة أخرى ما قلته، أعد عليّ ما قلته البارحة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وتكفر باللات والعزى وتبرأ من الأنداد ) ففعل عليٌّ وأسلم ومكث عليٌّ يأتيه على خوف من أبي طالب، وكتم عليٌّ إسلامه ولم يظهر به، وأسلم زيد بن حارثة، فمكث قريبًا من شهر، يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مما أنعم الله به على عليّ أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام ( تشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وتكفر باللات والعزى ) فاستجاب، ولم يقل لأبي طالب، فهو أولًا كان يريد أن يقول له، لماذا؟ لكي يأخذ رأيه ويستشيره، فعندما أسلم، لم يرد أن يقول له، لماذا؟ لأنه لا يعرف ما هو رد فعله، فهو الآن حسم أمره وآمن، فافترض أن والده لم يقتنع بذلك، فهو قلق من رد فعله، هو لن يقل له شيئًا، وبقي على هذا الحال شهرًا.
فالآن من بعد الرسالة قُمْ فَأَنْذِرْ هذا في شهر ويومان، أو أكثر قليلًا، عليّ آمن ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعلم منه، ولا يخبر أبا طالب، وأبو طالب ليس لديه فكرة عن الموضوع، فالنبي صلى الله عليه وسلم يصلي ومعه عليّ يصلي، ومعه خديجة تصلي، ومعه زيد يصلي، ويتلو القرآن وهم يتعلمون الإيمان، والمكان الوحيد المنير في مكة هو هذا البيت الصغير فقط، النقلة التي بعد ذلك، وأول نقلة بعد البيت هو أبوبكر.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أولًا – أولًا – كان في البيت، وسنجد أن عليًّا النبي صلى الله عليه وسلم لم يكلمه ابتداءً إلى أن رأه يصلي، فهو في البداية كان يستقبل الإيمان وفي شوق للتعبد لله سبحانه وتعالى، ولما عرض له عليّ في البداية وسأله ما هذا، أخبره عن الإيمان، فلما آمن عليّ أصبح عليّ وزيد وخديجة يمثلوا أهل الإيمان في مكة، كلهم في محل واحد، بؤرة واحدة فقط، التي أشرق منها النور، نحن اليوم إلى أين يبلغ مدى الإسلام؟ إسلام صحيح أو خطأ، هذا ليس قضيتنا، ولكن مدى الإسلام إلى أين يصل، المدى التي تبلغه ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ” إلى أين؟ هذا المدى كله، على مدى شهر أو أكثر ” كله ” متجمع في هذه البؤرة الصغيرة فقط، قرآن وسجود، في هذا المكان فقط، ومن هذا المكان بدأت دائرة الإيمان تتسع إلى أن بلغت إلى حيث أحب الله تبارك وتعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
وجزاكم الله خيرًا