إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم …
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد ،،،
نستهدي بآية من كتاب الله عز وجل، نتلمس ما فيها من إشارات ولكننا لكي نتلمّس هذه الهدايات ونستلهم هذه العطاءات من آيات كتاب ربنا تبارك وتعالى، لا يمكننا أن ننزع نصّاً من سياقه.
أي هناك آية، هذه الآية لكي يوفقني الله لي أفهمها فهماً تاماً أو شبه تام، لابد أن أتناول الآية في السياق، أي الإطار التي جاءت فيه هذه الآية، هذا السياق أن الآيات التي قبلها والآيات التي بعدها، العلماء يقسموها قسمين، سباق، وهي الآيات التي قبل، ولحاق وهي الآيات التي بعد.
فأنا لكي أفهم مدلول الآية فهماً تاماً محتاج أن أسترسل مع هذا السياق القرآني، يقول الله تبارك وتعالى قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ الله ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ الله قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ يقول سبحانه وتعالى مخاطباً نبيّه صلى الله عليه وسلم قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فما الذي يُقال؟ أشياء كثيرة، يجمعها التكذيب أيّاً كانت الأوصاف، لكن في النهاية، الوصف العام والنهائي التكذيب.
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ قالوا لنا زمان أن ” قد ” تدخل على الفعل الماضي وتدخل على الفعل المضارع، وإذا دخلت على الفعل الماضي تفيد التحقيق يعني التوكيد، وإذا دخلت على الفعل المضارع تفيد الاحتمال، فلو قلت ” فلان قد أتى ” فأنت متأكد أنه جاء، ولو قلت ” فلان قد يأتي ” فاحتمال، واحتمال، فمن الممكن أن يأتي من الممكن ألا يأتي، أما في كلام الله، لايوجد شيء اسمه احتمال، فلماذا ربنا سبحانه وتعالى قال ” قد نعلم ” قال تعالى قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ وهنا قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ لماذا؟
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ هذا أمر حسم وقُضي من قديم وفُرغ منه، أما حزنه صلى الله عليه وسلم يمتدّ ويستمر، كلما تجددت أسبابه، كلما تجدد التكذيب، كلما تجدد الطعن، كلما تجددت له صلى الله عليه وسلم أحزان فمن عظيم رحمته سبحانه وتعالى أنه لا يخبر انه قد علم ولكن قَدْ نَعْلَمُ أن ربنا سبحانه وتعالى يساير عبده ويماشيه، هو يسير معه لحظة بلحظة، يعلم سبحانه وتعالى الأحاسيس التي تكون في قلبه، يطّلع سبحانه وتعالى على ما يجول في نفسه، يعلم سبحانه وتعالى الحزن الذي يعتريه، وأنّى يعتريه.
قَدْ نَعْلَمُ صيغة المضارعة الدالة على التجدد والاستمرار، شيء ممتدّ، قَدْ نَعْلَمُ لأن هنا ليس مقصود مجرّد العلم، المقصود المشاركة والإحساس، المواساة، المعيّة، أن ربنا سبحانه وتعالى مع نبيّه ورسوله قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ثم يواسيه فيقول فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ فهم على يقين من الصدق وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ وقلنا قبل ذلك كثيراً، أن الجحود هو عبارة عن أن الشخص ينكر بلسانه الذي يتأكد قلبه من صحّته، لماذا؟ لأنه إذا أقرّ بلسانه بما موجود بداخله تقوم الحجة عليه أمام الناس، فيطالبوه أو يلزموه بما اعترف به، فالآن شخص أخذ مال من شخص ولم يردها إليه، فإذا اعترف أو أقرّ بلسانه أنه أخذ المال، أصبح في دائرة المطالبة، وإذا لم يدفع سيصبح أمام كل الناس أن هذا شخص مدان لأنه أقرّ على نفسه بحقّ ثم لم يعد الحق، فلكي يحيد الإنسان عن هذا، يجحد أنه أخذ مالاً من أحد، فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ
إذاً أول شيء في هذه المواساة، وهذا التطييب الإلهي لقلبه صلى الله عليه وسلم أن ربنا سبحانه وتعالى مطّلع عليه، عالم بما يجول في قلبه، يعني رحمة ربنا معه.
الأمر الثاني: أن المشكلة ليست عندك، وهم لا يعتقدوا ما يقولون تماماً، الأمر الثالث: سنّة ربنا سبحانه وتعالى في المرسلين وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ هذه سنّة الأمم مع المرسلين، ولذلك لماذا يحكي ربنا سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم قصص الأنبياء؟ لأن الشخص عندما يرى غيره قد أصيب بما أصاب، هذا يحدث نوع من أنواع التسلية للقلب، المشاركة في الأحزان تخففها، ولذلك كان من عادات العرب زمان، وإلى الآن، عندما يموت شخص كل نساء القرية يأتوا لكي ” يعددوا ” لماذا يُفعل هذا ” الجو ” لأجل تخفيف الحزن، ولذلك نحن زمان في المدرسة أخذنا قصيدة الخنساء في رثاء أخيها صخر، قالت: ” ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي ” فالحزن وصل مبلغه، ولكن لأجل المشاركة، المشاركة.
ولذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو راجع من أحد سمع عويل، فقالوا هذه نساء الأنصار يبكين من قتل لهنّ في أحد، فقال صلى الله عليه وسلم ” لكنّ حمزة لا بواكي له “
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا إذاً هنا ليست التسلية فقط، وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ هذه هي التسلية والتسرية فَصَبَرُوا هذه القدوة فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ إذاً هذه القصص لا تحكى هكذا، ربنا سبحانه وتعالى يحيل إليها، ويذكّر بها، وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ أي أنت تريد أن تبحث عن حل شخصي، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ إذا استطعت أن تتصرف أنت فتصرّف وَلَوْ شَاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا وَلَوْ شَاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ فمن أين يأتي الجهل؟ يأتي من الفكر أو الشعور، أو الممارسة على غير، أو على غير وفق التوجيه الإلهي، أو الهداية الإلهية أو الإرشاد الإلهي، يقع في نفسه الحرج أو يتكلم أو يفعل ما لا يوافق هذا التوجيه وهذا النصح الإلهي فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ كما قال تعالى لنوح عليه السلام لما قال رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي قال إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ وقال موسى عليه السلام إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ
إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ فنحن كلنا نسمع؟ لا لا نسمع كلنا، ولكن كلنا لدينا إمكانية السمع، ما المقصود بالسمع؟ الإصغاء بالأذن والميل بالقلب والانتباه طلباً للهداية، هذه الأشياء هي حقيقة السمع، ولذك ونحن نصلي، عندما نرتفع من الركوع ماذا نقول؟ نقول ” سمع الله لمن حمده ” ما معنى سمع؟ استجاب، استجاب،، ربنا سبحانه وتعالى سيستجيب الدعاء ممن يحمده، ولذلك نحن نقول إجابة لهذه الكلمة ” ربنا ولك الحمد ” لماذا نقولها؟ هذه جملة وإجابتها، ربنا سبحانه وتعالى يستجيب دعاء من يحمده ويعرف نعمه عليه وفضله الذي يغمره، فنحن نفكّر أنفسنا بهذه الكلمات بين يدي ماذا؟ بين يدي السجود الذي هو محلّ الدعاء، هذه الصلاة لا تسير هكذا، ليست أشياء تؤدى هكذا وخلاص، لا كل شيء لها محلّ مقصود بها شيء، وشيء يؤدي إلى شيء، فنحن نحمد ربنا سبحانه وتعالى لكي نكون أهل لكي يستجيب ربنا سبحانه وتعالى لدعائنا فنخرّ سجوداً لكي ندعوا، وقد قدّمنا بين يدي الدعاء أشياء ربما تجعلنا أقرب للاستجابة.
إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ الله ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّه فكل هذا القرآن لا يكفي؟ قال تعالى أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ هم يطلبوا الآية، فربنا سبحانه وتعالى يقول القرآن كافي، وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ الله قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً أي التي يطلبوها وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فالآيات موجودة، الآيات موجودة وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ لا سمع ولا كلام ولا رؤية، مَنْ يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ يوجد لدينا شخص آخر يمكن أن نلجأ إليه قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ – إن شاء – وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ كل شيء آخر نتعلّق به تزول وتسقط وتختفي وتطير وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ربنا سبحانه وتعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بالآيات كما أرسل قبله بالآيات إلى قومهم فكذبوهم وكانوا في نعمة وفي سعة من أمرهم، وفي رزقٍ غامرٍ من ربهم، فجاءتهم الرسل تدعوهم إلى الله وتطالبهم بالشكر، فأبوا إلا الكفر، فما الذي يحدث؟ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ البأساء: الفقر، فأول شيء يحدث، يحدث متعلّق بالأموال، وهذا الاقتصاد، بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ إذاَ هذا التذكير الإلهين ليست العقوبة، التذكير الإلهي يمسّ جانبين، جانب الصحّة وجانب الاقتصاد، فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لماذا؟ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فما المطلوب؟ ما المطلوب؟ التضرع، ما معنى التضرع؟ التضرع أي الانكسار لله، الخشوع والخضوع والتضرّع له، اللجوء إلى الله، فقط، لا يوجد شيء آخر فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ فما المانع من التضرّع، ما المانع من الرجوع إلى الله حال وجود المحن؟ قسوة القلوب، فنحن في كل هذه الخطب عم نتكلم؟ نتكلم عن نداءات ربنا سبحانه وتعالى، آيات الله، هذه الآيات تخاطب قلب، هذا القلب يتفاعل فيصلح ويصلح، أما القلب القاسي! ولذلك سيأتي معنا بإذن الله الكلام عن صفات المستجيب، فنحن الآن نتكلم عن القلب، وقلنا أنه هو الذي عليه مدار الموضوع، هذا القلب ما صفاته؟ لماذا يستجيب ولماذا لا يستجيب؟ لماذا يتجاوب ولماذا لا؟ وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً فالحجارة من الممكن أن تستجيب، ربنا يقول أن الحجارة من الممكن أن تتجاوب، ويوجد قلوب لأناس من الممكن أن تصل إلى مرحلة تكون أصعب، لن تتجاوب، فما الذي أوصلها لهذا؟ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ فهي مقدمات تؤدي إلى نتائج، ما معنى طول الأمد؟ أن الإنسان يطول عليه زمن الغفلة، زمن النسيان وزمن التوهان، عندما يطول يؤدي إلى أن القلب نفسه تتغيّر طبيعته، يتحول إلى صورة حجرية، لا يمكن أن تستجيب، عندما ينزل عليها المطر لا تتجاوب ولا يحدث شيء، هي لا تنبت ولا تفعل أي شيء، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا حجر عليه تراب، أنت تظنّه مما عليه من تراب أنه أرض قابلة للزراعة عندما ينزل عليها المطر تستجيب، لا عندما ينزل المطر يزيل التراب فيظهر الحجر الذي تحت، فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ هذا واحد وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ نحن كويسين، نحن كويسين لا يوجد شيء، لاشيء يراجع، لا شيء يناقش، لا شيء به مشاكل، فالقلوب تقسوا، ولا يوجد شيء يُراجع نحن كويسين أصلاً، نحن بخير وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ هل يهلكوا؟ لا، لا يهلكون، لا يهلكون، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ لا يصلح معهم النعم، ولا محن، لا نعم تشكر، ولا محن فنتضرّع، لا ينفع هذا ولا هذا، فماذا يحدث؟ يحدث أننا نأخذ ما نبحث عنه، ليس كما نظن، أن ربنا سيهلكنا، لا، يوجد ما هو أسوأ من ذلك.
عم كنت تبحث؟ ألسنا نبحث عن الدنيا، أليس كل ما يشغلنا هو الدنيا، فخلاص ها هي، ألستم تريدونها، خلاص، فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ أي شيء كنت تتخيّله، الذي تريده والذي لا تريده، الذي أتى في ذهنك وما لم يأتي على ذهنك، فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أي أن الإنسان بدأ يتكبر ويتجبّر ويتبطّر ويغترّ، حَتَّى إِذَا فَرِحُوا حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ آيسون، لا ما هم فيه سيرجع إليهم، ولا يوجد رحمة من ربنا ستستقبلهم لا وراءهم ولا أمامهم فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا عن آخرهم، لم يبقى لهم أحد وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ما معنى نصرّف؟ تصريف الآيات: تقليبها على كل الوجوه، تكرارها بصور متعددة، يعني ربنا سبحانه وتعالى يعدد علينا أنواع الآيات والعبر وأساليب الإقناع بمائة وجه، من كل ناحية،، لم تأتي معنا من هنا، فمن هنا،، فمن فوق، فمن تحت، يمين، شمال انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وبعد ذلك ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ رغم هذا، الإعراض أيضاً، القانون الثابت إزاء كل توجيه إلهي، انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً نحن قلنا في هذه الآيات حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ما معنى بغتة؟ أي لم يكونوا منتبهين، فانفزعوا، لم يكن آخذين حسابهم، فليست بغتة فـجَهْرَةً له مقدمات وأنت تراه وهو قادم من بعيد، هل نستطيع أن نفعل شيء، فهي لن تتغيّر أيضاً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ إذاً، من الذي يصيبه العذاب؟ لا يصيب المؤمنين ولا الصالحين ولا المتقين هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ هذه هي وظيفتهم، ليس وظيفتهم أن يأتوا بالآيات الخارقة، وظيفتهم أن يبلغوا رسالة ربنا فقط يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ هذه هي الوظيفة، هذه هي الوظيفة وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ لمن سيستجيب أن الله سيمنّ عليهم في الدنيا والآخرة وَمُنْذِرِينَ لمن يسير في طريق معيّن أنه لابد أن يرجع فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ لماذا؟ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ الفسق هو الخروج عن طاعة الله وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا ليس في الخارج، في الخارج لن يحدث شيء، لكن أين الفسق؟ في الداخل وليس في الخارج أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا.
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي لم أقل لكم عندي شيء، فأنا لا أملك شيء قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ لئلا يطلب مني أحد آتي بآية إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ من يستجيب ومن لا يستجيب، وَأَنْذِرْ بِهِ في النهاية لمن توجّه الهداية؟ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لمن هذه الإشارة؟ لمن يخاف من يوم القيامة، الناس الذين يخافون لقاء الله، بس، هؤلاء هم المخاطبون، وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ شخص يحميهم وَلَا شَفِيعٌ لا أحد يتوسّط لهم لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله.
طيب، بعد كل هذا أين الآية؟ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ هذه هي الآية، فهذه الآية ما الذي أتى بها في هذا السياق العظيم، هذا هو السؤال، وهذه الآية لماذا نتكلم عنها؟ فكل هذا لكي نذكر هذه الآية ولن تُفهم إلا في سياقها، لماذا نتكلم عنها، ولماذا جاءت في هذا المحل؟
ربنا سبحانه وتعالى يذكر أن هؤلاء أناس بين أيديهم الآيات النيّرة البيّنة ومع ذلك هم يطلبوا آيات أخرى! فربنا سبحانه وتعالى يرشد إلى أن كل شيء ربنا سبحانه وتعالى خلقه إنما يحوي آيات بيّنات عظيمة دالة على عظمته وعلى قدرته، هذا واحد،، قال تعالى إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ بس لِأُولِي الْأَلْبَابِ آيات، لكن لمن؟ لأولي الألباب، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لكن لمن؟لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ – لمن؟ – لِلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ – لمن؟ – لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ – لمن؟ – لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ الآيات موجودة، لكنّ هذه الآيات من الذي يخاطب بها؟ من الذي سيعيها؟ الذي وصفهم ربنا سبحانه وتعالى، ولذلك ربنا وصف في الآيات السمع والأبصار والأفئدة وذكر القسوة، لماذا كل هذا؟ الآيات موجودة.
الأمر الثاني: ربنا سبحانه وتعالى خلق هذه الأمم العظيمة وأعطاها الهداية، لا يمكن أن يخلق ربنا سبحانه وتعالى الإنسان ويحجب عنه الهداية، ولذلك سيدنا موسى عندما سُئل عن تعريف الله سبحانه وتعالى، هو ذكر جملة واحدة قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى بس، لم يقل شيء آخر، اكتفى بهذه الجملة في التعريف والبيان عن الله وعن عظمة الله قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ ولم يقل ” خلق كل شيء، قال أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ وهبه له وأوصله له، إلى مكانه وأمدّه به، الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ هل هذا فقط، لا لا ثُمَّ هَدَى ثُمَّ هَدَى هدى كل مخلوق إلى ما يقيم حياته، فطره ووضع فيه ما يصلحه وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى أحسن، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىكل مخلوق إلى ما قدّره له سبحانه وتعالى.
طيب ربنا سبحانه وتعالى الذي أعطى كل مخلوق، هل سيترك الإنسان هكذا؟ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا إذاً لماذا هذه هنا؟ لأمرين، بيان عظمة آيات الله سبحانه وتعالى، الأمر الثاني: أن ربنا الذي هدى كل هذه المخلوقات لن يترك الإنسان بدون قرآن وبدون إرشاد وبدون هداية.
طيب، لماذا كنّا نذكر هذه الآية؟ لأننا كنّا نتكلم عن ماذا؟ نتكلم عن عظمة خلق الله سبحانه وتعالى، هذه الآية إلى أين تأخذنا؟، ماذا يقول ربنا وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا ماذا؟، لم يقل ” إلا مخلوققات ” قال إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ أمرين ” أمم ” ، ومماثلة للإنسان، أمم مماثلة للإنسان وعليها حشر مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ فمن المفترض أن هذه الآية ستفتح للإنسان المؤمن آفاق أخرى للنظر للإنسان من حوله.
انتبهوا يا جماعة، نحن الآن أسرى للسن والرملة والصاج، هذه هي حياتنا، حياتنا عبارة عن هذا، نحن موجودين في إطار؛ هذا الإطار عبارة عن سن ورملة وصاج.
فربنا خلق الإنسان لكي يعيش أسير السن والرملة والصاج؟ وهل الإنسان على الاتساع النفسي والعقلي الذي أعطاه له ربنا، إذا وضع نفسه في إطار السن والرملة والصاج، هل يستطيع أن يعيش؟
فإذا كان كل شيء أمم أمثالنا، فبماذا فضّل ربنا الإنسان؟ إذاً هذه الكائنات التي نحتقرها هذه هي أرقى بكثير مما نظنّ، فهذا هو الأمر الأول.
ولكي نستطيع أن نقوم بحقّ ربنا علينا في التفكّر في هذه الآية ماذا نحتاج؟ أول شيء: التفكّر هذا عمل شخصي، يعني لا يمكن أن يتفكّر أحد عن أحد، لا يمكن أن يتدبّر شخص عن شخص، فهذه صلة مباشرة بين الإنسان والقرآن لكي تتحول إلى صلة مباشرة مابين الإنسان والرحمن سبحانه وتعالى، صلة بين الإنسان والقرآن لكي تقيم الصلة بين الإنسان والرحمن سبحانه وتعالى.
ربنا يقول ” أمم ” فما معنى أمم؟ الإنسان نفسه،، بنو آدم هم أمم، كل الكائنات التي خلقها ربنا هي أمم، يعني كل جنس من المخلوقات هم أنفسهم مثلنا ينقسم إلى أمم،، ففي ماذا أمثالنا؟ وإذا كانوا أمثالنا ففيم نختلف عنهم؟
هل لدينا إجابات؟ فنحن إما لدينا إجابات أو نريد أن نبحث عن إجابات، أو إننا لا نريد أن نبحث عن إجابات، فهم ثلاث احتمالات ليس لهم رابع، ي إجابات موجودة بالفعل، أو إجابات نسعى لإيجادها، أو يوجد إجابات غير موجودة ولا نريد أن نسعى لإيجادها، وهذا هو الوصف الغالب علينا،، أنها غير موجودة ولا نريد أن نسعى لإجابتها، لماذا؟ لأننا مشغولين عنها بأشياء نحن نرى أنها أكثر أولوية وأكثر أهميّة، فهذا هو الموضوع، أننا لسنا متفرغين لهذا الكلام، نحن لدينا أشياء أهمّ.
فعند ربنا سبحانه وتعالى هل الأشياء الأهمّ هي أهمّ، أم لا؟، وربنا سبحانه وتعالى إذا قال لنا أن يوجد أشياء أخرى أهمّ، هل نحن أعلم أم الخالق سبحانه وتعالى؟ لو ترتيب الأولويات عندنا يختلف عن ترتيب الأولويات الذي وضعه الخالق للمخلوق،، فأيهما أصح؟ وأيهما أحكم؟ وأيهما أعلم؟ هل ترتيباتنا نحن للأولويات هل أتت علينا بالخير الآن؟ هل نحن هكذا فرحين؟ هل نحن فرحين؟ فإذا كانت ترتيباتنا كانت مختلة فلابد أن ننظر للترتيبات الصحيحة، هل يوجد شيء الإنسان يستثمر فيها وقته أفضل من أن يتّصل بالله، ويتصل بكلام الله، ألسنا من المفترض آمنا وأيقنّا أن ربنا سبحانه وتعالى سيوقف كل إنسان بين يديه ويسأله عن عمره وسيسأله عن وقته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ” أكثر شيء نحن نفرّط فيه ونضيّعه ” الصحة والفراغ ” الصحة لأنها العون على أداء أي عمل ينفع الإنسان،، والفراغ هو الوقت وهو عمر الإنسان، فهو محل الاستثمار، هذه الصحة أداة الاستثمار، والوقت هو المساحة أو المحيط أو احداثيات الاستثمار.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول أن أكثر الناس يخسرون هنا،، فلماذا قال مغبون، وما معنى غبن؟ قلنا هذا قبل ذلك، أن الغبن أن تبيع شيء غالي بثمن رخيص جداً، أو تشتري شيء ليس له معنى بمال كثير جدّاً، فهذا الغبن في التجارة،، أن يكون لديك شيء غالي أوي، وبعتها ببلاش،، أو شيء ليس له معنى اشتريته بمال كثير.
فعمرك وصحتك هما أكبر نعمة ربنا سبحانه وتعالى أنعم عليك بها، فكيف تستخدمها؟ النبي صلى الله عليه وسلم يقول أننا في إطار الغبن، أكثر الناس هكذا ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ” .
ولذلك سيدنا أبوالدرداء – وهذه آخر كلمة نقولها – ماذا يقول؟ يقول ” إن أخوف ما أخاف ” أكثر شيء أنا قلق منه، ” أأن يقال لي يوم القيامة يا عويمر أعلمت أم جهلت ” هل كنت تعلم أم لا تعلم؟ يقول ” فإذا قلت علمت لا تبقى آية في كتاب الله ” آية، ” إلا أخذت بفريضتها ” لها عليّ حق، ولها عليّ واجب، ستمسكني وتقول أنت ماذا فعلت،، ” إلا أخذت بفريضتها فتقول الآمرة هل ائتمرت، وتقول الزاجرة هل انزدجرت ” يقول هذا هو أكثر شيء أنا خائف منه، أن كل آية من القرآن تقف تطالبنيبحقها عليّ، هل أنا أديت الحق أم لم أؤدي الحق.
فنحن في إطار الانشغالات التي نحن فيها، هل يوجد مساحة أو يوجد متاح لهذه الأشياء؟ فافترض أنه لا يوجد، ماذا سنفعل؟ لأنه لابد أن يكون هناك حل، الأشياء الضرورية لابد أن يتواجد لها مساحة ويتواجد لها تمويل، نحن هكذا لكي نتكلم بجد، أي شيء ضروري لدينا نوجد له مساحة من الزمن ونوجد له قدر من التمويل، وإن لم يكن في أيدينا نتصرّف بأي شكل، بأي شكل مباحاً كان أو غير مباح، أي شيء نعتبره ضروري نضعه في هذه الدائرة، نوسّع له من الزمن، ونوفّر لها من التمويل، إذاً لو اعتبرنا أن صلتنا بربنا، يقيننا بالله، وما نستثمره للقاء الله سبحانه وتعالى، النجاة والسعادة في الآخرة، الطمأنينة والسكينة في الدنيا من ضرورات حياتنا، فنحن سنجد لها مساحة من الزمن وسنجد لها قدر من التمويل، إذا كانت هكذا فعلاً، هذا ما نبحث عنه.
سنترك الآية مفتوحة – إن شاء الله – حتى الأسبوع القادم، سنتركها مفتوحة ونحاول أن نعطي شيء من حق الآيات علينا، ربنا سبحانه وتعالى أنزل هذه الآيات نعم علينا، ربنا سبحانه وتعالى لن ينتفع بأنك تقرأ أو تفهم أو أن تؤمن أو أن توقن،، لا، لكن ربنا سبحانه وتعالى يدفعنا لعظمة محبته إيانا، يدفعنا بقوة تجاه مصالحنا، لأننا بأصل شهواتنا وضعفنا واستحواذ الشيطان علينا نتّصف بالصفتين السيئتين وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ربنا سبحانه وتعالى يريد أن يخرجنا من هذه الدائرة، يدفعنا دفعاً باتجاه الإيمان، دفعاً باتجاه القرآن، دفعاً باتجاه النجاة وباتجاه الفلاح، لأجل ذلك نحن نحب ربنا، فلماذا نحب ربنا؟ أصل حبك لربنا، لأن محبة ربنا لك سبقت لمحبتك إياه، هذه هي القضية، ومن بداية المحبة أن أوجدك بعد أن لم تكن شيئاً مذكورا، وليس أوجدك فقط، أمدّك بكل أسباب الخير والنعم وأرشدك إلى ما يصلحك في الأولى وفي الآخرة، ماذا سنفعل إزاء النعم، هي آية وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أمم أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه …
اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك …
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر الله منها وما بطن …
اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا …
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك …
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا …
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.