” أنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ” انتهينا إلى هذه الجملة من كلامه صلى الله عليه وسلم في الجمعة الماضية، فهو صلى الله عليه وسلم يصف نفسه بأنه الأمن والأمان للصحبه ما دام بينهم، ويقرن ذلك بأمرين آخرين قال صلى الله عليه وسلم: ” النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون، أما الأمن فهو منة من الله تبارك وتعالى، فالله سبحانه وتعالى هو المؤمن هو الذي يمنح عباده الأمن يمنحهم الطمأنينة والسلام، قال الله تبارك وتعالى الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ يخلطوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ بشرك، تعلق، تعظيم لغير الله تبارك وتعالى، جزاؤهم أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ وهو صلى الله عليه وسلم يقرن بين حاله وحال أصحابه وبين ما يجري من أمور كبرى تغير صورة هذا الكون، فالله سبحانه وتعالى هو خالق هذا الكون بكل ما فيه وهو المدبر والمسير لهذا الكون فما يقدره سبحانه وتعالى من أمور كونية كبرى يسير على نفس السنن والنسق والقانون الذي يدبر الله به أمور خلقه وأمور عباده فقال صلى الله عليه وسلم في البداية أن النجوم وبقاؤها أمان للسماء من الانفطار ومن الانشقاق فإذا انكدرت النجوم وذهبت وزالت أتى السماء ما توعد من انفطار وانشقاق وذهاب وزوال، ومثله كذلك بقاؤه صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حفظ لهم وحماية ورعاية، أمان لهم، فإذا ذهب صلى الله عليه وسلم ذهب هذا العاصم الذي كان يحفظهم ويعصمهم.
ولكن يبقون هم كذلك أمان لأمته من بعده فإذا ما ذهبوا هم كذلك أتى الأمة ما توعد حينما يفقدون هذا الحفظ وهذه الرعاية وهذا الأمان ولذلك ذكرنا في خواتيم خطبتنا السابقة كيف كان الصحابة ينظرون إلى حالهم بعد فقد نبيهم صلى الله عليه وسلم فكان وجوده بينهم هو وجود الأب الشفيق الرحيم وجود الشخص المهيب الجليل المعظم الذي بوجوده تأتلف القلوب، وبوجوده تعالج المشكلات بوجوده يزول الخلاف ويرأب الصدع أيًا ما كان، فإذا ذهب، شبيه هذا ومثيله لتقريبه وليس لتحقيقه كيف يكون الأب الرحيم الشفيق والأم الرؤوم جامعة لشتات أولادها وأبنائها فطالما وجد الأب ووجدت الأم فلازال رباط الأسرة قويًا، لازال هناك الشيء الذي يجمعهم الذي يحوطهم الذي يلتفون حوله ويأتلفون عليه فإذا طفئ هذا النور، مات الأب وماتت الأم أصبح هذا البيت هو هو الذي كان يجمعهم والذي كان في أيام عيدهم واجتماعهم يمتلأ صخبًا وفرحًا وضحكاً وسرورًا مظلمًا كئيبًا ويتفرق هؤلاء شزر مزر يشغل كل بأولاده ورعايتهم وتدبير مستقبلهم وربما تسلطت الزوجات على الأزواج فنافرت بينهم وبين إخوانهم وأخواتهم فيتفرقون، شبيه بهذا ولكنه أعظم منه وأعظم وجوده صلى الله عليه وسلم في وسط أصحابه فهو الذي يجمعهم وهو الذي تتعلق قلوبهم به وهو الذي يعصمهم من فتنة ومن شقاق.
ولذلك لا عجب حينما نستمع إلى هذه الكلمات كيف يقول أنس بن مالك رضي الله عنه وهو يصف اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يقول لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر المدينة أضاء منها كل شيء ” كل حاجة معنويًا وحسيًا هما بيحسوا بيها كده ” كأن المدينة كانت مظلمة واستنارت به صلى الله عليه وسلم ينعموا بهذا النور حتى جاء اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنس: فلما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شيء، ثم يقول: وما نفضنا الأيدي من دفنه صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا، يعني إيه أنكرنا قلوبنا؟ تشعر أنه ليس قلبك الذي تعرفه، ليست هي الأحاسيس التي كانت بداخله، بمجرد ما دفن صلى الله عليه وسلم استشعروا وأحسوا بأن هناك تغييرًا ما،في حاجة! هناك شيء لم يعد كما كان، حتى أنكرنا قلوبنا، ويقول أيضًا رضي الله عنه: وهو يصف اليوم الذي دخل فيه صلى الله عليه وسلم المدينة يقول ما رأيت يومًا ما أنور ولا أحسن من يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وما رأيت يومًا ما أظلم ولا أقبح من يوم توفي صلى الله عليه وسلم.
إذًا هذا الإحساس كان ظاهرًا، استشعروه بمجرد ظهور هذه المباينة وبمجرد هذا الغياب، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم نجم النفاق وارتدت العرب واشرأبت اليهودية والنصرانية وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم، بماذا تشبههم؟ مجموعة من الغنم اللي اتبلت لما غرقت في ليلة مظلمة شاتية وليس لهم راعٍ، الغنم عمومًا ماينفعش إن هي تعيش أو تتحرك أو تتواجد بدون ما يكون هناك راع يرعاها ويحفظها يبحث لها عن المرعى ويبحث لها عن المسرح ويبحث لها عن المأوى، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ويالعظمة ما قال، قال: ما بعث الله نبيًا إلا ورعى الغنم، لماذا الغنم؟ لم لم تكن الإبل مثلًا؟ لأن الغنم تفتقر إلى هذه الرعاية والحياطة الكاملة، كأن النبي يتدرب على أن يقوم بشؤون الناس، هو سوف يتولى أمرهم كما كان يتولى أمر هذه الغنم، لم يكن شيئًا هكذا يسير بشكل عشوائي، وكل مهمة يريد الله سبحانه وتعالى يريد لها الإنسان يهيئ لها أسبابها ويعد لها عدتها أدرك ذلك من أدركه وأغفل ذلك من أغفل، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم حتى جمعهم الله على أبي بكر رضي الله عنه، تقول: ولقد نزل بأبي ” أي من الشدائد في هذه اللحظات التي كاد فيها الإسلام أن يضيع ” ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها ” لو العبء ده نزل على جبل لا يتحمله ” فما اختلفوا فيه من أمر ” أي حاجة كانت موجودة في هذه اللحظات الحرجة سواء أكانت بعث أسامة أو ارتداد العرب وكيفية التعامل معهم ” إلا جاء أبي بعلائه وغنائه ” ما يعلي أمر المسلمين وما يغني عن غيره من الخطط والآراء ” ومن رأى ابن الخطاب علم أنه قد خلق عونًا للإسلام وفي رواية غناءً للإسلام، قد كان والله أحوزيًا ” شخص ألمعي وعبقري ” نسيج وحده ” شخص متفرد ” قد أعد للأمور أقرانها ” كل مشكلة هو يعد لها من الخطط والفكر ما يواجه به هذه الأمور، هو عامل حسابه على كل الاحتمالات والبدائل وواضع تصور ورؤية وفكرة لكل حاجة هتحصل ممكن يعمل معها إيه ” .
وذكرنا أيضًا قول عبد الرحمن بن عوف: ابتلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء بعده فلم نصبر، وقلنا هنا هو يتكلم عن شيئين: ضراء وسراء، ومع وبعد، قال ابتلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضراء، فكيف اجتازوا الاختبار قال فصبرنا، وابتلينا بالسراء بعده فلم نصبر، فهنا هناك شيئين اختبار الشدة واختبار السعة بيَّن صلى الله عليه وسلم أن اختبار السعة غالبًا ما يكون أشد عسرًا ومشقة وصعوبة من اختبار الضيق وإن بدا لنا خلاف ذلك، يعني إحنا بالطبيعة بنعتقد أن الشدة هي الحاجة الأًصعب وأن اليسر والسعة هي الحاجة الأسهل، على النفس لكن ليس كاختبار، لماذا؟ لأن الشدة وإن كانت شاقة وعسيرة على النفس إلا أنها تدفع الإنسان بالطبيعة باتجاه الله تبارك وتعالى، فالشدة مذكرة أما النعمة فمنسية وملهية، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما اجتمعوا لأجل مال البحرين، فلوس جاية من الدمام فالنبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال؟ قال: والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، لذلك قال الله تعالى: فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لماذا؟ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ الضغط يذكر الإنسان بالله ويشعره باحتياجه إلى الله سبحانه وتعالى فيلهج بذكره ودعائه واستغفاره، طيب لما يكون هو في سعة بينسى كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ما الذي يجعله يطغى ويتكبر ويستطيل وما الذي يجعله ” يفتري ” أنه يرى نفسه مستغني، طيب هو غني فعلًا؟ هذا هو الوهم، هل يستطيع الإنسان في أي وضع من الأوضاع أن يستغني عن حاجته إلى الله سبحانه وتعالى طيب هو من الذي يمد ومن الذي يهب؟طب هل هو يقدر يحافظ على النعمة التي وهبها الله إياه؟ ليس له إلا سبيلًا واحدًا فقط؛ الشكر، لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ هو شيء واحد فقط الشكر.
فمالك كل شيء هو الله سبحانه وتعالى، لكنه يرى نفسه مستغنيًا، يعني ليس محتاج إلى الله سبحانه وتعالى في شيء، الأمر الثاني أن السعة والنعمة تعطي الإمكان، يعني هو في الضيق أو في العسر الإمكانيات محدودة، مفيش حتة يروحها، مفيش مجال كبير للحركة، لكن حينما تتسع على الإنسان الدنيا وتبسط يحس أنه هناك الكثير يستطيع أن يفعله، كثير من الأشياء التي يتمناها أو كان نفسه أن تحصل أو أشياء رآها على آخرين، كان نفسه إنه يحاكيهم فيها، إمكانياتها وجدت، هيعمل إيه؟ هيحكم عقله؟ صعبة وليست سهلة.
هذا هو الأمر الأول طب الأمر الثاني: المعية، هما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سماه الله سبحانه وتعالى أسوة حسنة هو نموذج في الانقطاع إلى الله النودج الماثل بين أيديهم يحثهم دائمًا أن يتوجهوا الوجهة الصحيحة، ولذلك الناس أشد ما تكون افتقارًا إلى القدوات، إحنا قولنا إن النظري حجة الله على العباد هذا صحيح، يعني مفيش حد ينفع يعتذر إلى الله سبحانه وتعالى عن تنكبه طريق الحق والإيمان أن الناس لم يكونوا كذلك وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً ولكن وجود القدوة مهم لأنه يستحث النفس ويشعر الإنسان أن هذا شيء في دائرة الإمكانية الإنسان أحيانًا يشعر أن الكلام اللي هو عارف إنه مفروض يعمله، أنه بعيد أو مثالي أو خيالي نوعًا ما، أو أن الظروف الاجتماعية لا تسمح بهذا، الكلام كان من الممكن أن يكون في زمان معين في ظروف النبوة أو في جيل الصحابة، لكن الآن في ظل هذه الظروف صعب، طيب وبعدين؟ طب صعب وهحاول ولا صعب وهحيد عن الطريق؟ أصل صعب وهحاول وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ وكل إنسان له أجره على مقدار ما بذل حتى لو كان لا يحقق محاولات نجاح كتير، لكنه دائمًا على الطريق إلى الله سبحانه وتعالى طيب هو لو حاد وألقى بيده وأسلم قياده للشيطان طيب هيروح فين؟ طب هو كده بيصلح من حاله حتى دنيويًا؟ ما هو في الآخر لا سبيل إلا الاستمرار في محاولة القرب من الله سبحانه وتعالى بحيث تأتي الإنسان منيته وهو يحاول، لا يمكن أن تأتيه وقد ألقى ما بيده أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى من؟عَلَى الْكَافِرِينَ هذا من المفترض ألا يكون سبيلنا تَؤُزُّهُمْ أَزّاً فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً وبعدين؟ أمتى؟ المآل النهائي؟ صورتين؛ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً صورة الاحترام والتقدير والشكر للإحسان وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً عياذًا بالله، عطاشًا، فإذًا عن ماذا يتكلم عبد الرحمن بن عوف؟ يتكلم عن المعية، وإحنا معاه وإحنا شايفينوه، ونحن نلمس سلوكه وتصرفه ورقيه بنتأثر به، لذلك ذكرنا قبل حنظلة الأسيدي رضي الله عنه وهو يقول: نكون عند رسول الله يذكرنا الجنة والنار فكأنا رأي عين، لماذا؟، فإذا عافسنا الأولاد والأزواج والضيعة نسينا كثيرًا، لأن القلب الذي يذكر بالجنة والنار يشعر بها فعلًا، فهذا الإحساس ينتقل، ينقلهم من العالم الذي يعيشون فيه إلى عالم آخر، وينقل لهم حقائق الغيب وكأنها عالم الشهادة، فكأنهم عايشين الآخرة، طب الشخص اللي عايش الآخرة وألقى التعلق بالدنيا من قلبه، لن يجد صعوبة أن يلزم نفسه بجادة الصواب، لكن كلما ابتعدنا وانشغلنا وهذا طبيعي، لن حال الشخص وهو يقرأ قرآن كحاله وهو يعقد صفقة أو يلاعب أولاده، لكن الفكرة لو استغرقت في هذا الحال ونسيت الحال الآخر، بعد شوية هتلقيني ببعد، ولذلك هم دائمًا كانوا يهرون إلى هذا المجلس للتذكر والاتعاظ وتجديد الإيمان، نحن دائمًا نحتاج إلى شحن دائم، لأن الإنسان بطبيعته يفتر والقلب بطبيعته يتقلب والإيمان بطبيعته يتآكل، هذه طبيعة ” إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ” ” وابتلينا بالسراء بعده ” مش موجود، فأصبح عندنا مشكلتين السراء أصعب من الضراء والشخص العاصم لنا الذين كنا نحتمي به ليس موجودًا، وذكرنا قول أبي: إنما كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما وجهنا واحد فلما قبض نظرنا هكذا وهكذا، طب يعني إيه وجهنا واحد؟ يعني وجهة المجتمع كله واحدة، المجتمع كلهعلى تباين مستويات إيمانه واختلاف طبقاته ” لا أقصد بالطبقات الاجتماعية ده مش موجود في الدين ” طبقاته الإيمانية، يريد أن يرضي الله سبحانه وتعالى ويقيم الحق وينشر نور الله ويقود الناس باتجاه الجنة، لا نرى شيئًا آخر، لأنه صلى الله عليه وسلم يقودهم إلى هذه الوجهة، ” وإنما وجهنا واحد، فلما قبض ” شوية كده وشوية كده، لم يعد هذا ” القلب ” كما كان.
يبقى إذًا النبي صلى الله عليه وسلم كان يمثل في الحقيقة رجل الأمن، الذي بوجوده وبقائه يبقى هذا المجتمع مجتمعًا آمنًا، إذًا فإذا ذهبت سيأتي أصحابه ما يوعدون، يبقى إذًا سنتوقع أكيد بعد غياب شخصه، أن هناك أمورًا ستحدث، وإلا لم يكن لهذا الكلام معنى، لكن ما الذي كانوا يوعدون به إذا غاب عنهم شخصه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، نمثل ونحاول الاختصار.
رجل من يهود كبير في السن، شديدة ضغينته وحقده وحسده على المؤمنين، وهو مار، فوجد الأوس والخزرج اللذان هما قبيلتي الأنصار، جالسين في اجتماع فيه الود والتراحم والمحبة ” فمجتش معاه ” الله سبحانه وتعالى قال: وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْوَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فإذًا تأليف الناس بالإيمان أعظم من تأليفهم بالأموال، وإلا لم يكن لهذا معنى لَوْ أَنفَقْتَ ليست بالمبالغ البسيطة مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولذلك جعل اله سبحانه وتعالى من الوجوه التي تنفق فيها الزكاة تأليف الناس على الإيمان إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ أناس يأخذون من المال لكي تألف قلوبهم الإيمان وتحبه وترتبط به، النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يسأل على الإسلام شيئًا إلى أعطاه، أي أحد يرى منه صلى الله عليه وسلم أنه يمكن أن يقبل على الدين بهذا التأليف يعطيه، حتى إنه أعطى رجلًا مرة غنمًا بين جبلين، وادي جبل وجبل وبينهم مليء بالغنم، أعطاهم لشخص عادي حتى مش زعيم في قومه، فالراجل مش مصدق، فحينما وصل لقومه، قال يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخش الفاقة، ده مش راجل دنيوي، الذي يعطي هذا المال ليس قلقًا أن يفتقر غدًا، هذا يستمد ممن عنده خزائن السموات والأرض يقينًا، هذا ليس مستوى إكرام أو إنفاق شخص عادي، إن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، لا يوجد إنسان لا يقلق، لا يوجد إنسان لا يقلق من الفقر، لا أحد لا يقلق من تبدل الأوضاع، لا أحد لا يقلق أن مدخراته تقل، النبي صلى الله عليه وسلم أو شخصًا أخذ من مشكاة النبوة، ” أنفق، أنفق عليك ” الله سبحانه وتعالى هو القائل، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبلال وكان هو اللي ماسك الخزنة: ” أنفق بلالًا ولا تخش من ذي العرش إقلالًا ” فالراجل معجبوش المنظر يعمل إيه؟ فأوعز إلى شاب من يهود، قال له اجلس معهم، وهم جالسون ذكرهم بيوم بعاث، إيه يوم بعاث ده؟ يوم قبل الهجرة بخمس سنين، الأوس والخزرج دخلوا في معركة كبيرة، وتكاد تكون كل طبقة الناس الكبار والقادة والزعماء فنوا عن آخرهم وأناس كثيرون قتلوا، فهو هيعمل إيه؟ هيذكر الشعر اللي هما كانوا يقولونه في يوم بعاث، وهذا الشعر سيكون فيه فخرًا وهجاء، فالفخر يثير الحمية والهجاء يثير الضغينة، وهما طبيعي قاعدين مع بعض فبيتنفسوا الأشعار، بس أنهو أشعار وهيخدهم فين؟ فأخدهم في السكة دي، وهما راحوا معاه، مأخدوش بالهم هما بيتساقوا فين، وبعدين؟ بدأ المجلس يتوتر لإثارة هذه الذكريات التاريخية التي تحمل حقدًا وضغينة، أنت ماذا تستدعي من التاريخ ميراث خير أم ميراث ضغينة، وبغضاء وكراهية، طب وبعدين؟ في ناس شدت شوية، أوس بن قيظي هذا رجل من الأوس وجبار بن صخر رجل من الخزرج، ما هو كل الناس مش في نفس المستوى، في ناس علت أوي، فقال أحدهما لصحابه: لئن شئت أعدناها جزعًا، إحنا ممكن نولعها زي ما كانت ولعة، قال: موعدكم يوم الحرة، ده دلوقتي عند الحرة في طرف المدينة، السلاح السلاح، وراحوا، ده لحظيًا الناس كانت قاعدين حلو جدًا، ينفث الشيطان من الإنس ثم الشيطان من الجن الدنيا تولع ولما انلاس بتسخن العقول بتروح، تستثير الحمية والجاهلية داخل نفس الإنسان أنت حينئذِ ربما تذهب الإيمان، هو الإيمان لم يذهب لكنه ممكن يغيب زي اللي بيسكر كده، دماغه عليها غشاوة، محتاج يفوق، بس عقبال ما يفوق يكون الدنيا خلاص باظت، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما سمع كده أسرع إليهم قال: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ أنا لسا موجود يا جماعة، أبعد أن أكركم الله بالإسلام وأستنقذكم به من الكفر وألف به بين قلوبكم وصرف عنكم حممية الجاهلية، فالنبي صلى الله عليه وسلم بدأ يذكرهم، لأن الناس أصلًا مؤمنين، يعني أنت عندك قاعدة إيمانية أنت باني عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم أسس حاجة فبيستثمرها لما يحصل موقف يرجعهم فيرجعوا، فبكى بعضهم إلى بعض وتعانقوا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، طب إذا لم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا اقتتلوا وربما تفانوا، فهذا أمنة من الأمنة وأنزل الله تبارك وتعالى قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَقُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاءأنتم عارفين انتوا بتعملوا إيه؟وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَوَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا وقلنا قبل كده إن ربنا من عليهم بنعمة الأخوة قبل أن يمن عليهم بنعمة الإيمان رغم إن هذه الأخوة فرع عن أصل، تقول الأصل الأول الذي هو الإيمان وأثر الإيمان الأخوة على الإيمان، لكن لأنها نعمة عظيمة عليهم الله سبحانه وتعالى ذكرهم بها الأول وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَوَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ أنتم موجودين عشان تكونوا أمة، ليس لكي تتفرقوا أو تختلفوا، لأنكم لكم دور ورسالة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَوَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَوَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ إحنا اتكلمنا المرة اللي فاتت عن تنجيم القرآن، ليه ربنا سبحانه وتعالى أنزله على الأحداث، لو هذه الآيات موجودة الأول يكون أثرها أضعف من نزولها معقبة مصححة مرشدة مبينة للمؤمنين هما أخطأوا في أي شيء والمفروض يعملوا إيه؟ لما خاطب هؤلاء الصحابة الكرام وهذين الرجلين من الأوس والخزرج الذين كادوا يكونون سبب الفتنة ويقول لهم إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ كيف تقع موقعها في قلوب هؤلاء، أفاق وأدرك وفهم وأحس وتأثر واستوعب لا يكرر الخطأ مرة أخرى، لأن الآيات وقعت من قلبه موقعًا لأنه بعد حدث هو أدرك والغشاوة زالت من على عينيه لما تنزل الآية تقع موقعها وهذه عظمة البيان القرآني، عظمة التربية بالقرآن، متى خاطبهم الله سبحانه وتعالى بهذه الآيات؟ قبل أن يوجدوا، ليس قبل التنازع وإنما قبل أن يخلقوا، هذا في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، بيخطاب هؤلاء قبل أن يخلقهم بدهور يقول لهم هذه الكلمات، وهذه من أعظم أوجه عظمة القرآن، من أعظم أوجه عظمة القرآن أن الله تكلم وخاطبنا نحن بهذه الكلمات من الأزل لم نكن موجودين هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً إنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً سميعًا هذا أول شيء لأنه سيسمع آيات الله بصيرًا يتفكر في عظمة الله إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ بهذا الوحي، طب وبعدين؟ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً فهذا الوجود كان وجود عصمة ووجود حماية وكان وجود رعاية، لذلك نحن أحوج ما نكون لكي نتأسى بهذا النموذج العظيم وأحوج ما نكون لوجود سابقين قدوات وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَأُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَفِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَوَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ لازم يكون في ناس سابقين، لكي نصبح نحن أصحاب يمين، هناك أصحاب يمين وأصحاب شمال، هؤلاء هم أهل الجنة وهؤلاء هم أهل النار، لكي يكون أصحاب اليمين أصحاب اليمين محتاجين يكون هناك أناس سابقين هو دخل يمين ومشي فأنا هأمشي وراه، هاكتسب ثقة أكثر في اليمين، وحد هيسعدني إني أمشي يمين، لذلك كان من رحمة الله العظيمة هذه الكلمة العظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” في كل قرن من أمتي سابقون ” في كل قرن وهذا من رحمة الله لكي يبقى الدين قائم، ويبقى الناس لديهم شيء يتمسكون به، هذه من نعمة الله؛ السبق والتجديد، ” في كل قرن من أمتي سابقون ” ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها ” ” لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم فيه بطاعته ” هو الذي يصنع سبحانه وتعالى هو الذي يغرس، ” لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة ” .
اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكنا الإسلام حتى نلقاك عليه، اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكنا الإسلام حتى نلقاك عليه، اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكنا الإسلام حتى نلقاك عليه.
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا، فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأنت تغفر لنا وأنت تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا متعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدًا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في دسننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا ولا تجعل إلى النار مصيرنا واجعل الجنة هي دارنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.